
إيران وسوريا... زواج النار والدم
في قصر الشعب بدمشق، في الـ22 من ديسمبر (كانون الأول) 2024، استقبل الرئيس السوري أحمد الشرع (قبل تنصيبه)، وفداً لبنانياً برئاسة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وعلى رغم أن الشرع لم يكن قد عين رئيساً بعد فإنه كان يمثل سوريا الجديدة بصفته قائد إدارة العمليات العسكرية التي أسقطت النظام.
خلال لقائه جنبلاط، قال الزعيم السوري إن "البعض استغل مسائل فقهية وقضايا تاريخية مثل القضية الفلسطينية لاحتلال دول وإسقاط عواصم كما فعلت إيران في سوريا، فما علاقتنا نحن أهل الشام بأحداث حصلت قبل 1400 سنة؟".
كلمات الشرع هذه كانت تظهر اتجاه السياسة الجديدة للدولة السورية، القائمة على القطيعة الكاملة مع إيران "حتى إشعار آخر"، ولا يخفى على أحد سبب هذه القطيعة المتمثلة بتحالف وثيق بنته إيران مع النظام السابق، واشتركت معه في قتل آلاف السوريين خلال 14 عاماً.
الشاه والأسد
بالعودة في التاريخ نحو 60 عاماً للوراء، في مطلع ستينيات القرن الماضي، كانت إيران تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي، وكانت طهران متحالفة مع الغرب، وواحدة من دول إسلامية قليلة اعترفت بإسرائيل رسمياً وأقامت معها علاقات دبلوماسية، في ذلك الوقت كان حزب البعث قد استولى على السلطة في سوريا حديثاً، وتبنت دمشق في تلك الفترة خطاباً قومياً مناهضاً لإسرائيل والغرب، متحالفاً مع الاتحاد السوفياتي، فكانت سوريا وإيران على طرفي نقيض. على رغم ذلك أدرك كل من البلدين أهمية الآخر، فبدأ الجليد بالذوبان بين دمشق وطهران ليجري حافظ الأسد زيارة رسمية يلتقي فيها الشاه في ديسمبر 1975، لتبدأ العلاقات بين الطرفين بالتحسن، من دون أن تصل إلى مرحلة التحالف، بل كانت قائمة على البراغماتية المتبادلة.
في فبراير (شباط) 1979، تمكنت "الثورة الإسلامية الإيرانية" من إطاحة حكم الشاه، وتولي المرشد الإيراني آية الله الخميني الحكم، فكان تحولاً سياسياً أثر في المنطقة كلها، ولا تزال عواقبه مستمرة حتى اليوم.
الحكم الإيراني الجديد تربطه مع سوريا في عهد الأسد الأب روابط أيديولوجية عدة، منها التقارب الطائفي والعداء لإسرائيل والغرب، مما فتح الباب لبدء حقبة من التحالف الاستراتيجي بين الطرفين، فدخلت إيران إلى سوريا بقوة عبر مشاريع اقتصادية وثقافية، وأبرزها المشاريع الطائفية عبر بناء الحسينيات خصوصاً في مناطق دمشق وحلب ودير الزور، وجانب آخر جمع إيران وسوريا هو اشتراكهما في العداء للعراق خلال فترة حكم صدام حسين، ففي حقبة الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، وقفت سوريا بقوة إلى جانب إيران خلافاً للموقف العربي الذي أجمع على ضرورة دعم العراق.
في لبنان، وبعد تأسيس "حزب الله" الموالي لإيران، كانت سوريا الممر الاستراتيجي للسلاح والدعم الذي تقدمه طهران للحزب، واستمر هذا الممر في أداء مهمته حتى نهاية 2024، حيث أُغلق نهائياً تزامناً مع سقوط النظام السوري السابق.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الـ10 من يونيو (حزيران) 2000، مات حافظ الأسد بعد 29 عاماً قضاها في السلطة، فورث الحكم لابنه بشار الذي اقترب من إيران أكثر من أبيه، خصوصاً بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فيما أتاح سقوط نظام صدام حسين في العراق الفرصة لإيران لتشكيل ميليشيات طائفية مسلحة في العراق، وإنشاء نفوذ لها في بغداد، مما جعل إيران قريبة من سوريا جغرافياً، وأصبح الطريق سالكاً من طهران حتى بيروت مروراً ببغداد ودمشق، وبعد ثورة الأرز في لبنان عام 2005، وإجبار الجيش السوري على مغادرة لبنان عقب تورط نظام الأسد في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، فرضت على سوريا عزلة دولية، فأصبح النظام السوري يستشعر الخطر الحقيقي، لذلك لجأ إلى توقيع اتفاق تعاون عسكري مع إيران ضد ما سمي "التهديدات المشتركة من إسرائيل والولايات المتحدة"، هذا الاتفاق أتاح لإيران مزيداً من النفوذ في سوريا.
كل ما جنته إيران في سوريا خلال الفترة من 1979 حتى 2011 لا يذكر مقارنة بالعلاقات السورية بين 2011 و2024، إذ كانت لحظة اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد فارقة، فعلى الفور أعلنت إيران دعمها المطلق للنظام السوري، وذلك أيضاً خلافاً للموقف العربي والدولي الذي دعم الشعب.
طريق القدس
لم يقتصر الدعم الإيراني لنظام الأسد على الصعيد السياسي فحسب، بل على جميع الصعد سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فدخلت "سوريا الأسد" رسمياً في ما يسمى "محور المقاومة"، بل وأصبح النظام السوري واحداً من أهم عناصر المحور، إضافة إلى الميليشيات الطائفية في العراق واليمن و"حزب الله" في لبنان.
في الفترة ما بين 2011 وحتى 2015 كانت الحرب السورية في ذروتها، في هذه الفترة أرسلت إيران كميات ضخمة، ولعلها الأضخم، من الأسلحة والعناصر إلى سوريا، وشكلت جماعات مسلحة عدة منها لواء "زينبيون" ولواء "فاطميون"، ولواء "الفضل بن العباس"، إضافة إلى دخول المئات من عناصر "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني، وعلى رأسه الجنرال قاسم سليماني الذي قتل بغارة أميركية في العاصمة العراقية بغداد مطلع 2020.
أشرف قاسم سليماني بصورة مباشرة على العمل العسكري الإيراني في سوريا، فخاض المعارك ضد السوريين في ريف دمشق وحمص ودير الزور وحلب، وعلى رغم ذلك لم تتمكن إيران والنظام السوري من هزيمة المعارضة التي كادت تطيح الأسد في 2015، حينها غادر سليماني إلى موسكو والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتمكن من إقناعه بضرورة التدخل العسكري في سوريا خشية سقوط الأسد، وهذا ما حصل بالفعل.
التدخل العسكري الروسي في سوريا أسهم في تغيير موازين القوى، لكنه في الوقت ذاته جعل من موسكو منافساً أساساً لطهران في سوريا، وأحد أوجه هذه المنافسة تكمن في رغبة روسيا بتحقيق نوع من المصالحة الوطنية على أن تكون لمصلحة الأسد، في حين تريد إيران الحسم العسكري المطلق، كذلك فإن مصالح روسيا في سوريا تتمثل في الوصول إلى المياه الدافئة في المتوسط فضلاً عن مصالح اقتصادية ونفوذ سياسي، في حين كان المشروع الإيراني مبنياً على أساسي طائفي ولتدعيم "محور المقاومة".
لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد العناصر الذين أرسلتهم إيران إلى سوريا، لكن يرى مراقبون أن الحرس الثوري الإيراني وحده أرسل نحو 4 آلاف عنصر من إيران مباشرة، فضلاً عن المجموعات التي أُرسلت من العراق ولبنان، إضافة إلى تجنيد مئات الشباب السوريين في المجموعات الموالية لإيران.
لعنة الداخل والخارج
التدخل العسكري الإيراني في سوريا كان مبرراً لإسرائيل لتنفيذ مئات الغارات الجوية على الأراضي السورية. القصف الإسرائيلي لم يكن يستهدف جيش النظام، بل كان يركز على المواقع التابعة لإيران بما في ذلك مقار الحرس الثوري، الذي اغتالت إسرائيل في سوريا العشرات من قادته، كما وصلت إلى مرحلة قصفت فيها مبنى تابعاً لمقر السفارة الإيرانية لدى دمشق.
في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، يقول الشاب السوري حمزة العيسى، إن لديهم "منزلاً في منطقة المزة بدمشق، هذا المنزل هو للعائلة ونعيش فيه منذ عشرات السنين، عام 2016 وصلت عائلة إيرانية لا نعرفها وسكنوا في الطابق الثاني في بنايتنا، لم نستطع الاندماج معهم، يتحدثون اللغة الفارسية، وفيهم ضابط يرتدي بالعادة زياً عسكرياً يشبه ألبسة الحرس الثوري الإيراني، لم يكن لدينا الجرأة لنسأله ماذا يفعل في دمشق، فهي لا تشبهه ولا يشبهها، تخيل أن تكون دمشقياً وتكون مواطناً بدرجة عاشرة، بينما الإيراني الغريب هو مواطن بدرجة أولى، صبرنا على هذه الحال حتى مارس (آذار) 2023، ثم رأينا إسرائيل تزيد من استهدافها للأماكن التي يسكن بها الإيرانيون، فاضطر والدي لاستئجار منزل لنا في ضواحي دمشق وتركنا منزلنا في المزة. عدنا إليه في التاسع من ديسمبر بعد يوم واحد من إعلان سقوط النظام وطرد إيران من سوريا".
التدخل الإيراني في سوريا كلف طهران مليارات الدولارات، فضلاً عن الخسائر البشرية الكبيرة، إذ استُنزف "الحرس الثوري" والميليشيات الموالية، كذلك فإن كثيراً من المراقبين يرون أن أحد أسباب الهزيمة السريعة لـ"حزب الله" في لبنان في معركته الأخيرة مع إسرائيل، كان بسبب تدخله في سوريا وخسارته آلاف العناصر وكميات ضخمة من الأسلحة، إضافة إلى الاختراقات الكبيرة التي تعرض لها الحزب الموالي لإيران جراء انتشاره بمناطق واسعة في الجغرافيا السورية.
في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 أعلنت فصائل المعارضة السورية إطلاق عملية "ردع العدوان" ضد النظام السوري، وبعد ساعات من إطلاق العملية تمكنت فصائل المعارضة من القضاء على قائد قوات "الحرس الثوري" الإيراني في حلب الجنرال كيومارس بورهاشمي، فكانت الضربة الأولى التي تتلقاها إيران في معركة التحرير.
مأساة عالقة
مع التقدم السريع لفصائل المعارضة السورية، بات واضحاً أن روسيا لن تتدخل هذه المرة لمصلحة الأسد وحليفه الإيراني، فبدأت الهزائم تلحق بالنظام السوري والفصائل الإيرانية على مدى الساعة، سارعت إيران إلى بذل جهود لمحاولة الحصول على فرصة أخيرة لإنقاذ الأسد، فأجرى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي جولة دبلوماسية مكثفة بدأت من دمشق ثم أنقرة ثم بغداد، وختمها في الدوحة عشية سقوط بشار، لكن جميع هذه الجهود لم تسفر إلا عن المساعدة في تأمين خروج الإيرانيين من سوريا.
انتهت عملية "ردع العدوان" وانتصرت الثورة السورية، وخرجت إيران من جغرافيا البلاد بعد تجرعها هزيمة وصفت بالتاريخية، بل لعلها أكبر هزيمة تلحق بها منذ عام 1979، إذ هُدم خلال 11 يوماً كل ما بنته إيران على مدى خمسة عقود.
أثار سقوط نظام الأسد صدمة في إيران، إذ وصف بأنه أكبر ضربة لـ"محور المقاومة"، فيما أعلنت الحكومة السورية الجديدة أن إيران "جلبت لسوريا كثيراً من الفوضى والدمار"، بل واتهمتها بالإسهام في تنفيذ هجوم على قوات الجيش السوري الجديد بالمناطق الساحلية في مارس 2025، أما على الصعيد الشعبي فأجمع السوريون على ضرورة استمرار الحذر من إيران، وظهر ذلك جلياً من خلال حال الفرح التي أظهرها السوريون خلال الحرب الإيرانية - الإسرائيلية التي بدأت بقصف إسرائيل لإيران فجر الجمعة الـ13 من يونيو 2025.
بمعنى آخر يمكن القول إن العلاقات السورية - الإيرانية وصلت إلى مرحلة القطيعة الكاملة بعد ديسمبر 2024، أما سيناريوهات المستقبل فهي اليوم غامضة في ظل الحرب الحالية والتهديدات التي أصدرها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"تغيير وجه الشرق الأوسط"، في ظل مخاوف حقيقية من إمكان تغيير النظام السياسي في إيران، فإذا استطاعت الصمود في وجه القصف الإسرائيلي والحفاظ على النظام ستبقى العلاقات بين دمشق وطهران تشهد نوعاً من القطيعة حتى إشعار آخر، أما إذا فُرض تغيير سياسي في طهران، فإن إيران الجديدة قد تعمل على بناء علاقات جديدة مع سوريا، وربما تسهم في تقديم تعويضات للسوريين جراء التدخل الإيراني السابق.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 32 دقائق
- Independent عربية
أوكرانيا تقصف 4 طائرات حربية في منطقة فولغوغراد الروسية
أعلن الجيش الأوكراني أمس الجمعة أنه قصف 4 طائرات حربية في قاعدة جوية بمنطقة فولغوغراد بوسط روسيا في إطار حملة لاستهداف الأصول الحربية الروسية. وأوضح الجيش في منشور على تطبيق تيليغرام أنه قصف 4 طائرات من طراز )سو-34) في قاعدة مارينوفكا خارج مدينة فولغوغراد الواقعة على بعد نحو 900 كيلومتر من الحدود الأوكرانية. وجاء في المنشور أن العملية شارك في تنفيذها فرع العمليات الخاصة في الجيش بالتعاون مع جهاز الأمن الأوكراني وأجهزة عسكرية أخرى. وذكر البيان "وفقاً للمعلومات الأولية، استُهدفت 4 طائرات وتحديداً سو-34 بالإضافة إلى مرافق فنية تشغيلية تتم فيها صيانة وإصلاح الطائرات الحربية المختلفة". ولم يصدر أي تعليق من الجيش الروسي بعد. نفذت أوكرانيا عدداً من العمليات بعيدة المدى ضد أهداف عسكرية روسية في الأشهر القليلة الماضية، وكان من بينها مواقع صناعية ومنشآت للطاقة وغيرها. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، نفذ الجيش الأوكراني هجوماً واسعاً أطلق عليه اسم "عملية شبكة العنكبوت" استهدف عدداً كبيراً من القاذفات الروسية بعيدة المدى في عدة قواعد جوية روسية بعيدة عن الأراضي الأوكرانية. وذكر أحدث بيان أنه يجري تقييم الأضرار الناجمة عن الهجوم على قاعدة مارينوفكا. ووصف البيان الطائرة سو-34 بأنها المقاتلة الروسية الرئيسية المستخدمة في شن غارات على الأراضي الأوكرانية وتستخدم بصفة خاصة لإطلاق القنابل الموجهة ويتزايد استخدامها في الهجمات على المدن الأوكرانية. بوتين: مقترحات روسيا وأوكرانيا "متناقضة تماماً" لاحظ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة أن المذكرتين اللتين يفترض أن تتضمنا رؤية كل من روسيا وأوكرانيا حول سبل تسوية النزاع أدرجت فيهما مقترحات "متناقضة تماماً". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقال بوتين خلال مؤتمر صحافي على هامش قمة إقليمية في مينسك "ليس في الأمر مفاجأة (...) إنهما مذكرتان متناقضتان تماماً. ولكن يتم إجراء المفاوضات تحديداً بهدف إيجاد أرضية تفاهم". وأوضح أن المفاوضين الروس والأوكرانيين "على تواصل دائم"، وخصوصاً للتفاهم على مكان وموعد جولة ثالثة من المفاوضات المباشرة، بعد جولتي 16 مايو (أيار) و2 يونيو (حزيران) في إسطنبول. ولم تحقق هذه المفاوضات، الأولى بين موسكو وكييف منذ ربيع 2022، تقدماً كبيراً. لكن كل طرف قدم إلى الآخر في بداية يونيو مذكرة هي بمثابة خطة للتوصل إلى اتفاق سلام بعد أكثر من ثلاثة أعوام من الهجوم الروسي لأوكرانيا. ولا تزال أوكرانيا تطالب بانسحاب الجيش الروسي من خمس مناطق يسيطر عليها جزئياً أو كلياً، في حين تريد روسيا أن تتراجع كييف عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وتقر لها بالسيطرة على تلك الأراضي. وفي الأسابيع الأخيرة، تمثل التقدم الوحيد في تبادل أسرى حرب وجثث أشخاص قتلوا عند الجبهة، معظمهم جنود. وصرح بوتين للصحافيين "توافقنا على مواصلة اتصالاتنا بعد استعادة جثث جنودنا القتلى". وأضاف "بعد انتهاء هذه المرحلة، سنعقد جولة مفاوضات ثالثة. نحن مستعدون لذلك"، لافتاً إلى أن إسطنبول قد تستضيف هذه الجولة مجدداً. الإنفاق العسكري من جهة أخرى، أقر بوتين في موقف نادر بأن الزيادة الهائلة في نفقات الدفاع التي بلغت "6,3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي" هذا العام هي سبب التضخم في روسيا الذي لا يزال يناهز عشرة في المئة. وأكد أن الإنفاق العسكري "كبير"، مضيفاً "دفعنا ثمن ذلك في التضخم، لكننا نتصدى حالياً لارتفاع الأسعار". "شجاعة ترمب" أكد الرئيس الروسي أنه يكن "احتراماً عميقاً" لنظيره الأميركي دونالد ترمب، واصفاً إياه بأنه "شجاع". وأبدى "تقديره لرغبة (ترمب) الصادقة في إيجاد حل" للنزاع في أوكرانيا. وقال بوتين "بفضل الرئيس ترمب، بدأت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة تتوازن عند بعض المسائل. لم تتم تسوية كل شيء في مجال العلاقات الدبلوماسية، ولكن تم اتخاذ الخطوات الأولى".


Independent عربية
منذ 4 ساعات
- Independent عربية
ترمب: وقف إطلاق النار في غزة بات "وشيكا"
أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجمعة عن تفاؤله بإمكان إرساء وقف جديد لإطلاق النار في غزة، مشيراً إلى احتمال التوصل إلى اتفاق "وشيك" يشمل إسرائيل وحركة "حماس" اعتباراً من "الأسبوع المقبل". وقال ترمب في تصريح لصحافيين "أعتقد أنه وشيك" وأضاف "نعتقد أنه في الأسبوع المقبل سنتوصل إلى وقف لإطلاق النار". وأضاف أنه كان يتحدث للتو مع بعض المعنيين بمحاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة "حماس". وكانت الولايات المتحدة أدت وساطة أتاحت إرساء وقف لإطلاق النار في أواخر ولاية الرئيس السابق جو بايدن، بدعم من فريق دونالد ترمب الذي كان حينها رئيساً منتخباً. وأعلنت إسرائيل انتهاء مفاعيل وقف إطلاق النار في مارس (آذار) واستأنفت ضرباتها في قطاع غزة. والخميس أعلنت الولايات المتحدة أنها رصدت 30 مليون دولار لتمويل مؤسسة غزة الإنسانية. والجمعة قال ترمب "نحن نقدم، كما تعلمون، الكثير من المال والطعام لتلك المنطقة". وتابع "نحن منخرطون في ذلك لأن الناس يموتون. نحن نشاهد تلك الحشود من الناس الذين ليس لديهم أي طعام، وأي شيء". الأمم المتحدة تندد بنظام "عسكري" لتوزيع المساعدات ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بنظام "عسكري" لتوزيع المساعدات في قطاع غزة يؤدي "إلى قتل الناس"، وهو ما ردت عليه إسرائيل باتهام المنظمة الأممية بـ"التماهي" مع حركة "حماس". في الأثناء، أفاد الدفاع المدني في قطاع غزة الجمعة بمقتل 80 شخصاً في ضربات أو نيران إسرائيلية، بينهم عشرة أشخاص كانوا ينتظرون قرب مركز توزيع مساعدات. ورداً على سؤال لوكالة الصحافة الإسرائيلية، قال الجيش الإسرائيلي إنه يتحقق من هذه المعلومات، لكنه نفى بشدة أن يكون جنوده قد أطلقوا النار على أفراد ينتظرون تلقي مساعدة في وسط قطاع غزة، حيث أشار بصل الى سقوط قتيل. وشهد القطاع يوماً دموياً الخميس قُتل خلاله 65 شخصاً بنيران إسرائيلية، حسبما أفاد الدفاع المدني، بينهم سبعة أشخاص كانوا ينتظرون الحصول على مساعدات غذائية من مركز تديره "مؤسسة غزة الإنسانية" ذات التمويل الغامض والمدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة. واستنكر غوتيريش الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات في القطاع والتي تؤدي إلى "قتل الناس". وقال في تصريح لصحافيين في نيويورك "يقتل الناس لمجرد محاولتهم إطعام عائلاتهم وأنفسهم. لا ينبغي على الإطلاق أن يكون البحث عن الطعام بمثابة حكم بالإعدام"، وذلك من دون أن يسمي "مؤسسة غزة الإنسانية" التي تتخلل عملياتها لتوزيع المساعدات مشاهد فوضوية ودامية أسفرت عن مئات القتلى الفلسطينيين بحسب الدفاع المدني في غزة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وردت وزارة الخارجية الإسرائيلية في منشور على منصة إكس باتهام الأمم المتحدة بـ"التماهي مع (حماس)". وجاء في منشور الخارجية الإسرائيلية أن مؤسسة غزة الإنسانية "وزعت مباشرة أكثر من 46 مليون وجبة طعام على المدنيين الفلسطينيين وليس على (حماس) منذ بدأت عملها في نهاية مايو (أيار) رغم ذلك، تبذل الأمم المتحدة كل ما تستطيع للوقوف في وجه هذا الجهد. وهذا يعني أن الامم المتحدة تتماهى مع (حماس)، التي تحاول أيضاً تقويض العمليات الإنسانية". في وقت سابق الجمعة، طالبت منظمة أطباء بلا حدود بوقف نشاط "مؤسسة غزة الإنسانية"، معتبرة أنها تتسبب "بمجازر متكررة". وقالت إن المؤسسة التي بدأت نشاطها في مايو، "صُممت لإهانة الفلسطينيين بإجبارهم على الاختيار بين الجوع أو المخاطرة بحياتهم من أجل الحصول على الحد الأدنى من الاحتياجات". وأشارت إلى أن "أكثر من 500 شخص قتلوا وأصيب نحو 4000 آخرين أثناء توجههم إلى مراكز التوزيع للحصول على طعام". تحقيق في "جرائم حرب" ندد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بمقال في صحيفة "هآرتس" اتهم قادة عسكريين بإصدار أوامر للجنود بإطلاق النار على مدنيين فلسطينيين كانوا ينتظرون الحصول على مساعدات إنسانية، "حتى لو كانوا لا يشكلون خطراً"، وفق الصحيفة. وقال نتنياهو في بيان مشترك مع وزير الدفاع يسرائيل كاتس، إن "دولة إسرائيل ترفض تماماً الافتراءات الدامية المشينة التي نشرت في صحيفة "هآرتس"". وذكرت صحيفة "هآرتس" الجمعة أن مكتب المحامي العسكري العام الإسرائيلي أمر بالتحقيق في جرائم حرب محتملة في مزاعم بإطلاق القوات الإسرائيلية النار عمداً على مدنيين فلسطينيين بالقرب من مواقع توزيع المساعدات في غزة. وقال مسؤولون محليون ومستشفيات إن مئات الفلسطينيين قتلوا خلال الشهر الماضي في المناطق المجاورة للمراكز التي كانت توزع فيها المساعدات الغذائية. ونقلت صحيفة "هآرتس"، وهي صحيفة إسرائيلية لها ميول يسارية، عن جنود إسرائيليين لم تسمهم قولهم إنه طُلب منهم إطلاق النار على الحشود لإبعادهم واستخدام القوة المميتة غير الضرورية ضد أشخاص بدا أنهم لا يشكلون أي تهديد. وقال الجيش الإسرائيلي لـ "رويترز" إنه لم يصدر تعليمات لجنوده بإطلاق النار عمداً على المدنيين. وأضاف أنه يسعى إلى تحسين "الاستجابة العملياتية" في مناطق توزيع المساعدات وأنه قام أخيراً بتثبيت حواجز وتعليق لافتات جديدة وفتح مسارات إضافية للوصول إلى مناطق توزيع المساعدات. ونقلت "هآرتس" عن مصادر لم تسمها أن وحدة الجيش التي شُكلت لمراجعة الوقائع التي قد تنطوي على انتهاكات للقانون الدولي كلفت بالتحقق من سلوك الجنود بالقرب من مواقع التوزيع خلال الشهر الماضي. وأوضح الجيش أن بعض الوقائع قيد المراجعة من قبل الجهات المعنية. وقال "سيكون هناك فحص دقيق لأي ادعاء يتعلق بعدم الالتزام بالقانون أو الانحراف عن توجيهات جيش الدفاع الإسرائيلي، وسيتم اتخاذ إجراءات إضافية حسب الضرورة".


Independent عربية
منذ 5 ساعات
- Independent عربية
الأرباح والخسائر في لعبة أكبر
الرئيس دونالد ترمب أمسك باللعبة من أيدي القوى الإقليمية في المنطقة، وأعاد الدورين الروسي والصيني إلى مسافة طويلة وراء الدور الأميركي. وما كان من الصعب عليه الانتقال سريعاً من توجيه ضربة هائلة للمنشآت النووية الإيرانية إلى فرض وقف النار على إسرائيل وإيران، المتعبتين من تبادل التدمير في حرب قاسية. ولم يكن خارج التوقعات إعلان ثلاثة "منتصرين" في حرب هي عملياً حرب "منتصر" واحد وعاجزين اثنين عن الانتصار. فليس في حرب كالتي بدأتها إسرائيل بالطائرات وردت عليها إيران بالصواريخ انتصارات، بل مجرد أرباح وخسائر لدى كل طرف. ولا شيء يمنع من الادعاء أن نتنياهو "ملك إسرائيل" وأن المرشد الأعلى علي خامنئي "إمبراطور غرب آسيا"، وأن ترمب "ملك العالم"، لكن على الجميع الجلوس في هدوء و"البحث عن الحقيقة في الوقائع" حسب الحكمة الصينية. ذلك أن حسابات الأرباح والخسائر ليست نهائية ولا كاملة في حرب ناقصة، حرب هي الأولى بين دولتين وجيشين في المنطقة بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 بين التحالف المصري-السوري وإسرائيل، لأن كل الحروب الأخرى كانت بين إسرائيل ومجرد فصائل مثل "حزب الله و'حماس' وأنصار الله الحوثيين"، حرب لا تستطيع أطرافها تحمل دمارها وكلفتها ومضاعفاتها طويلاً، وليسوا قليلي الرغبة في إكمالها حين تسمح الظروف. وما تقوله الوقائع واضح، بصرف النظر عن القراءات المتسرعة والقراءة الأيديولوجية. إسرائيل ربحت إبعاد الكابوس النووي وتدمير جزء من منصات الصواريخ، مقابل خسارتها لما روجت له من كونها "القلعة الحصينة"، وانكشاف ضعف قدرتها على حماية أصولها الاستراتيجية من ضرب الصواريخ الباليستية. إيران ربحت تأكيد القدرة على الصمود وإلحاق الأذى بإسرائيل، وما لم يكن على جدول الأعمال أمام أميركا وإسرائيل، وهو بقاء النظام، لكنها خسرت أسطورة الاقتدار، وبدت مكشوفة أمام الطيران الإسرائيلي من دون حماية فعلية، بحيث دفعت في الضربات اليومية أثماناً لا تقل عن الأثمان التي دفعتها في "الضربة الاستباقية" لجهة اغتيال القادة الكبار وعلماء الذرة، كما أن قوتها الصاروخية لفتت أنظار أوروبا والعرب إلى أخطار الصواريخ الباليستية على أمن أوروبا والمنطقة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ترمب ربح الحرب عبر الضربة العسكرية التي شكلت مشهد الذروة في التراجيديا القتالية، ويريد أن يربح السلام. ومن المبكر رسم السيناريوهات حول الصورة الجديدة للشرق الأوسط، فلا تقسيمات سايكس-بيكو كانت ممكنة لولا الحرب العالمية الأولى وهزيمة السلطنة العثمانية والإمبراطورية النمسوية-المجرية والإمبراطورية البروسية ثم القيصرية. ولولا الحرب العالمية الثانية لما حصلت البلدان العربية على الاستقلال، ولما كان من السهل أن تولد إسرائيل. والتطورات الدراماتيكية التي يتحدث عنها أصحاب الخيال، وبينهم أصحاب رؤية بعيدة، تحتاج إلى حرب أكبر من حرب غزة ولبنان وحرب إسرائيل وإيران وإن دخلتها أميركا مباشرة. وما حدث ليس السيناريو الخطر الذي تصوره بعض، وهو أن تسجل إسرائيل نصراً مطلقاً على الجمهورية الإسلامية أو بالعكس أن تلحق طهران بإسرائيل هزيمة كاملة. ففي مثل هذا السيناريو تقع المنطقة من المتوسط إلى الخليج، وحتى من المحيط إلى الخليج بحسب الشعار القديم، تحت هيمنة قوة إقليمية واحدة تتحالف مع قوة دولية واحدة أو أكثر. وهذا هو الخطر الأكبر الذي يتطلب التخلص منه عقوداً وتضحيات وعذابات. وليس سراً أن كثراً في المنطقة راهنوا على أن تنتهي الحرب بخسارة الطرفين، مقابل قلة راهنت على ربح إيران وقلة راهنت على ربح إسرائيل، ولكل أسبابه وظروفه وموقفه المبني على تجارب الماضي وما فعلته في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق، وسواها هيمنة إسرائيل وهيمنة إيران. والسؤال المباشر الآن هو ماذا بعد وقف النار؟ هل تنتهي الحرب أم أن المنطقة في استراحة محارب قبل معاودة القتال، وما التسوية التي تقود إليها المفاوضات بين أميركا وإيران؟ طهران توحي أنها ستكمل برنامجها النووي وأن الأضرار التي وقعت في المنشآت لم تدمر كل شيء، كما أنها لن تتخلى عن حقها في تخصيب اليورانيوم. وترمب يقول إن الضربة الأميركية دمرت المنشآت النووية بالكامل، وسط تشكيك حتى في أوساط الاستخبارات الأميركية، ويهدد بضرب أية منشأة تحاول طهران إعادة بنائها وإحياء وظيفتها، ونتنياهو يهدد بما هو أكثر، وهما معاً يصران على شعار "صفر تخصيب" داخل إيران. وإذا كان أنصار إيران يتصورون أن الجمهورية الإسلامية ستخرج من المفاوضات مع أميركا، لا فقط برفع العقوبات عنها بل أيضاً بإطلاق يدها في المنطقة، فإن الأوساط الأميركية والإسرائيلية تضع على جدول الأعمال ثلاث لاءات، لا للمشروع النووي الإيراني ولا لتطوير البرنامج الصاروخي ولا للمشروع الإقليمي الإيراني وأذرعه. الحرب التي كشفت نقاط القوة والضعف لدى كل من إسرائيل وإيران، تركت لدى بعض انطباعاً خلاصته أن الجمهورية الإسلامية خسرت دور القوة الإقليمية، ولم تعد قادرة على حماية الرأس ولا الأذرع من إسرائيل. ومقابل الرهانات على الطائرات والصواريخ لصنع التاريخ، يقول هيغل "الفلسفة وحدها تستطيع قراءة ما خفي من التاريخ".