logo
أخبار العالم : عيد النائمين السبعة: قصة مسيحية تنبئ الألمان بالطقس

أخبار العالم : عيد النائمين السبعة: قصة مسيحية تنبئ الألمان بالطقس

الجمعة 27 يونيو 2025 11:40 مساءً
نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images
Article Information
في 27 يونيو/ حزيران من كل عام، تحتفل ألمانيا بعيد يحمل رمزية تاريخية ودينية عميقة، هو عيد "النائمين السبعة" (Siebenschläfertag)، ويُعتقد أن حالة الطقس في هذا اليوم تُنبئ بما سيكون عليه الطقس خلال الأسابيع السبع التالية. يُعد هذا العيد تقليداً شعبياً ألمانياً وليس مناسبة دينية رسمية.
ورغم أن الاسم مستمد من قصة دينية شهيرة عن "النائمين السبعة"، فإن يوم 27 يونيو يرتبط في ألمانيا بالتقاليد الزراعية والفلكلورية، فيما تُحيي الكنيسة الكاثوليكية تذكار النائمين السبعة في 27 يوليو، أي بعد شهر كامل، وفق تقويمها الليتورجي الرسمي.
ويعود أصل هذا الاعتقاد إلى عصور ما قبل المسيحية، إذ يُعتقد أن لهذا التقليد ضاربة في الثقافات القديمة، وربما في معتقدات المصريين القدماء، قبل أن يتبناه الرومان، ثم أعاد المسيحيون تأطيره ضمن تقويمهم السنوي.
القصة التي يرتبط بها هذا العيد تدور حول 7 شباب مسيحيين (أو 8 وفق بعض الروايات) عاشوا في القرن الثالث الميلادي، أثناء فترة الاضطهاد التي قادها الإمبراطور الروماني ديكيوس (دقيانوس)، حيث عذّب المسيحيين وقتلهم، صغاراً وكباراً، دون تمييز. في ذلك الوقت، لم يُرد الشبان السبعة إنكار إيمانهم بالمسيح، فبعد أن وزّعوا ممتلكاتهم على الفقراء، غادروا المدينة واختبأوا في كهف قريب من مدينة أفسس اليونانية القديمة، الواقعة على الساحل التركي الحالي، حتى يتوقف الاضطهاد.
وعندما وصل جنود الإمبراطور ديكيوس للكهف أمرهم بغلق مدخله، وذلك لكي يموتوا بداخله، عقاباً لهم على معصيتهم له.
عندما وصل جنود الإمبراطور ديكيوس إلى الكهف، أمرهم بغلق مدخله، لكي يموتوا بداخله، عقاباً لهم على معصيتهم له.
ومع اقتراب الخطر، صلّى الشباب السبعة وطلبوا من الرب أن يأخذ أرواحهم حتى لا يسقطوا أحياءً في يد ديكيوس، فاستجاب الرب لدعائهم، وهكذا بعد أن ناموا ليلاً، لم يستيقظوا في الصباح. وقد حدث ذلك في عام 250 ميلادية، وبعد ذلك بمئتي عام، وتحديداً في 27 يونيو/ حزيران من عام 450، استيقظوا من سباتهم العميق، وفق الرواية المسيحية.
ويُذكر أن الاحتفال الألماني بيوم "النائمين السبعة" كان يستند في الأصل إلى التقويم اليولياني، لكن بعد اعتماد التقويم الغريغوري في أوروبا عام 1582، بقي العيد الشعبي في ألمانيا يُحتفل به في 27 يونيو، رغم أن التاريخ الأصلي وفق الحساب الفلكي ينبغي أن يكون في أوائل يوليو.
وهكذا، دمج هذا العيد بين قصة قيامة النائمين السبعة والطقس الشعبي المتعلق بالتنبؤ بالجو، فشكّل تقويماً روحياً وطبيعياً في آنٍ واحد، مما جعله موروثاً عميق الجذور.
قصة شهيرة
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
تم تشييد كنيسة القديسين السبعة، المخصصة للنائمين السبعة من أفسس، في بداية القرن الثامن عشر في منطقة بريتاني في فرنسا
تقول دائرة المعارف البريطانية إن أصحاب الكهف في أفسس هم أبطال قصة شهيرة، ونظراً لأن قصتهم أكدت قيامة الأموات، فقد حظيت بشعبية كبيرة في جميع أنحاء العالمين المسيحي والإسلامي خلال العصور الوسطى.
لت الإمبراطورية البيزنطية بينما كانوا نائمين، حيث أصبحت المسيحية ديانة رسمية في عهد قسطنطين الأول، وتوطدت الدولة على أساس الإيمان المسيحي.
ومرّ قرنان وهم نائمون حتى قرر صاحب الأرض التي يقع فيها الكهف استخدامه حظيرة لماشيته، وعندما أزاح الحجر، وفقاً للأسطورة، وجد النائمين السبعة هناك. وعندما رأوه، استيقظوا وتخيلوا أنهم لم يناموا إلا ليوم واحد أو يومين. وحدث ذلك خلال فترة حكم الإمبراطور البيزنطي ثيودوسيوس الثاني في عام 450.
لقد استيقظ الفتية على عالم متغير، مملوء بمعالم دولة تبنّت العقيدة التي رفضها مضطهدوهم قبل قرنين.
وخرج أحدهم إلى المدينة بحثاً عن الخبز، فأُصيب بالدهشة لما رآه، إذ إن الأسواق قد تغيّرت، والصلبان تزدان بها المباني، والمسيحية رسخت كعقيدة رسمية في الإمبراطورية. وعندما حاول شراء الخبز، وجد أن المال الذي معه قد عفا عليه الزمن، فأيقن أنّ العالم لم يعد عالمهم، وأنّ ما ظنّه ليلة أو ليلتين، كان في الحقيقة قرنين من الزمن.
وقد اندهش الناس واستدعوا الأسقف، الذي استجوب الشبان السبعة، وهم يشرحون له قصة نومهم التي كانت بمثابة معجزة تخلط بين الإيمان والواقع، وتثبت مرة أخرى ما آمنوا به عن قيامة الجسد.
وبعد أن انتشرت قصتهم في القرى والمدن المجاورة، وصلت إلى مسامع إمبراطور القسطنطينية، الذي ذهب لرؤيتهم، فقال له أحدهم: "اسمح لنا أن نودّعك بسلام، وليكن الأمان في مملكتك".
وهكذا، بعد أن سردوا قصة نومهم الطويل وأهدافهم في النجاة، فارقوا الحياة. فأمر الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني ببناء ضريح مهيب لهم، ومنح العفو لكلّ الأساقفة الذين تعرّضوا للأذى أو الاضطهاد بسبب إيمانهم بنمط القيامة ذاته.
عدة نسخ
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
كهف النائمين السبعة في أفسس القديمة بمنطقة بحر إيجة في تركيا، وهو مقبرة مسيحية مبكرة وملجأ خلال عصور الاضطهاد في القرن الثالث الميلادي
وتُعدّ قصة أصحاب الكهف في أفسس من أكثر القصص الدينية والثقافية ثراءً، ولا تزال تلامس قلوب المؤمنين من مسيحيين ومسلمين على حدّ سواء، فضلاً عن إثارة اهتمام الأدباء والفنانين والمؤرخين.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن هذه القصة موجودة في عدة نسخ وعدة لغات، حيث يرجّح بعض الباحثين أن سيميونو متافراستس هو صاحب السرد اليوناني الأصلي، كما توجد نسخة لاتينية أعدّها القديس غريغوريوس من تورز، وإصدار سرياني بواسطة يعقوب السروجي، وهو الإصدار الذي يُرجّح أن منه انبثقت النسختان القبطية والجورجية.
قد انتشرت الروايات حول هذه القصة عبر مختلف الثقافات، إذ عُثر على نسخة منها ضمن قصائد أنجلو-نورماندية، وفي جزء من قصيدة نوردية قديمة. وتنقل المصادر الغربية أسماء هؤلاء الفتية على أنهم: ماكسيميان، ومالكوس، ومارسيان، ويوحنا، ودينيس، وسرابيون، وقسطنطين، بينما تذكر المصادر الشرقية أسماء موازية هي: ماكسيميليان، ويامبليخوس، ومارتن، ويوحنا، وديونيسيوس، وأنطونيوس، وقسطنطين.
ورُويت نسخة من القصة في السورة الثامنة عشرة من القرآن، التي تحمل اسم "سورة الكهف". ففي القرآن ترد قصة هؤلاء الفتية الذين لجأوا إلى كهفهم خوفًا على دينهم، كما جاء نصًا: "أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا، إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا" (الكهف: 9–11).
وبينما تتحدث الروايات المسيحية عن مكوثهم في الكهف لقرنين، جاء في الآية 25 من نفس السورة القرأنية :"وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً"، والتي تبين أن هؤلاء الشبان ناموا في الكهف لأكثر من 300 سنة متواصلة.
واليوم، تستمر قصة أصحاب الكهف داخل المناهج الدينية والتربوية في العالم العربي، فهي تُروى للأطفال كدرس في الصبر والثبات، وتُذكر في المحافل الثقافية كرمز لوحدة التراث بين الأديان.
مصدر إلهام
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
مخطوطة "السبعة النائمون في أفسس الذين اكتشفهم الإسكندر الأكبر" إلى جانب كلبهم قطمير من كتاب فلناما (كتاب الطالع)، الصادر في خمسينيات القرن السادس عشر في إيران الحالية
لقد اكتشف الباحثون الأثريون في القرن العشرين موقع الكهف قرب مدينة سلجوق (أفسس القديمة)، وبدأوا التنقيب حيث عثروا على مقابر تضم رفاتاً عدة، مزينة بنقوش تذكر القصة. ويزور السياح والحجاج اليوم هذا الموقع، كما توجد مواقع مشابهة له في العاصمة السورية دمشق وأيفشين التركية.
وتفاعل التراث الفني معها، إذ سكنت القصة لوحات الفنانين، وخيال الشعراء، وصارت مثالاً على إمكانية تجاوز الزمن للحفاظ على مبدأ، وعلى إمكانية اللقاء مجدداً مهما طال الانتظار.
لا تزال القصة، إلى اليوم، محطّ اهتمام علماء التاريخ والدراسات الدينية، الذين يحاولون تتبّع تفاصيلها وتحليلها من منظور أدبي، ولاهوتي، وفلسفي، بل وحتى نفسي، لما تحمله من أبعاد عن النوم كحالة فاصلة، وحضور للحياة خارج حدود الزمن، وحلم بانتظار يوم تتكشّف فيه الحقائق وتنقشع الظلمات.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أخبار العالم : عيد النائمين السبعة: قصة مسيحية تنبئ الألمان بالطقس
أخبار العالم : عيد النائمين السبعة: قصة مسيحية تنبئ الألمان بالطقس

نافذة على العالم

timeمنذ 5 ساعات

  • نافذة على العالم

أخبار العالم : عيد النائمين السبعة: قصة مسيحية تنبئ الألمان بالطقس

الجمعة 27 يونيو 2025 11:40 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images Article Information في 27 يونيو/ حزيران من كل عام، تحتفل ألمانيا بعيد يحمل رمزية تاريخية ودينية عميقة، هو عيد "النائمين السبعة" (Siebenschläfertag)، ويُعتقد أن حالة الطقس في هذا اليوم تُنبئ بما سيكون عليه الطقس خلال الأسابيع السبع التالية. يُعد هذا العيد تقليداً شعبياً ألمانياً وليس مناسبة دينية رسمية. ورغم أن الاسم مستمد من قصة دينية شهيرة عن "النائمين السبعة"، فإن يوم 27 يونيو يرتبط في ألمانيا بالتقاليد الزراعية والفلكلورية، فيما تُحيي الكنيسة الكاثوليكية تذكار النائمين السبعة في 27 يوليو، أي بعد شهر كامل، وفق تقويمها الليتورجي الرسمي. ويعود أصل هذا الاعتقاد إلى عصور ما قبل المسيحية، إذ يُعتقد أن لهذا التقليد ضاربة في الثقافات القديمة، وربما في معتقدات المصريين القدماء، قبل أن يتبناه الرومان، ثم أعاد المسيحيون تأطيره ضمن تقويمهم السنوي. القصة التي يرتبط بها هذا العيد تدور حول 7 شباب مسيحيين (أو 8 وفق بعض الروايات) عاشوا في القرن الثالث الميلادي، أثناء فترة الاضطهاد التي قادها الإمبراطور الروماني ديكيوس (دقيانوس)، حيث عذّب المسيحيين وقتلهم، صغاراً وكباراً، دون تمييز. في ذلك الوقت، لم يُرد الشبان السبعة إنكار إيمانهم بالمسيح، فبعد أن وزّعوا ممتلكاتهم على الفقراء، غادروا المدينة واختبأوا في كهف قريب من مدينة أفسس اليونانية القديمة، الواقعة على الساحل التركي الحالي، حتى يتوقف الاضطهاد. وعندما وصل جنود الإمبراطور ديكيوس للكهف أمرهم بغلق مدخله، وذلك لكي يموتوا بداخله، عقاباً لهم على معصيتهم له. عندما وصل جنود الإمبراطور ديكيوس إلى الكهف، أمرهم بغلق مدخله، لكي يموتوا بداخله، عقاباً لهم على معصيتهم له. ومع اقتراب الخطر، صلّى الشباب السبعة وطلبوا من الرب أن يأخذ أرواحهم حتى لا يسقطوا أحياءً في يد ديكيوس، فاستجاب الرب لدعائهم، وهكذا بعد أن ناموا ليلاً، لم يستيقظوا في الصباح. وقد حدث ذلك في عام 250 ميلادية، وبعد ذلك بمئتي عام، وتحديداً في 27 يونيو/ حزيران من عام 450، استيقظوا من سباتهم العميق، وفق الرواية المسيحية. ويُذكر أن الاحتفال الألماني بيوم "النائمين السبعة" كان يستند في الأصل إلى التقويم اليولياني، لكن بعد اعتماد التقويم الغريغوري في أوروبا عام 1582، بقي العيد الشعبي في ألمانيا يُحتفل به في 27 يونيو، رغم أن التاريخ الأصلي وفق الحساب الفلكي ينبغي أن يكون في أوائل يوليو. وهكذا، دمج هذا العيد بين قصة قيامة النائمين السبعة والطقس الشعبي المتعلق بالتنبؤ بالجو، فشكّل تقويماً روحياً وطبيعياً في آنٍ واحد، مما جعله موروثاً عميق الجذور. قصة شهيرة صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، تم تشييد كنيسة القديسين السبعة، المخصصة للنائمين السبعة من أفسس، في بداية القرن الثامن عشر في منطقة بريتاني في فرنسا تقول دائرة المعارف البريطانية إن أصحاب الكهف في أفسس هم أبطال قصة شهيرة، ونظراً لأن قصتهم أكدت قيامة الأموات، فقد حظيت بشعبية كبيرة في جميع أنحاء العالمين المسيحي والإسلامي خلال العصور الوسطى. لت الإمبراطورية البيزنطية بينما كانوا نائمين، حيث أصبحت المسيحية ديانة رسمية في عهد قسطنطين الأول، وتوطدت الدولة على أساس الإيمان المسيحي. ومرّ قرنان وهم نائمون حتى قرر صاحب الأرض التي يقع فيها الكهف استخدامه حظيرة لماشيته، وعندما أزاح الحجر، وفقاً للأسطورة، وجد النائمين السبعة هناك. وعندما رأوه، استيقظوا وتخيلوا أنهم لم يناموا إلا ليوم واحد أو يومين. وحدث ذلك خلال فترة حكم الإمبراطور البيزنطي ثيودوسيوس الثاني في عام 450. لقد استيقظ الفتية على عالم متغير، مملوء بمعالم دولة تبنّت العقيدة التي رفضها مضطهدوهم قبل قرنين. وخرج أحدهم إلى المدينة بحثاً عن الخبز، فأُصيب بالدهشة لما رآه، إذ إن الأسواق قد تغيّرت، والصلبان تزدان بها المباني، والمسيحية رسخت كعقيدة رسمية في الإمبراطورية. وعندما حاول شراء الخبز، وجد أن المال الذي معه قد عفا عليه الزمن، فأيقن أنّ العالم لم يعد عالمهم، وأنّ ما ظنّه ليلة أو ليلتين، كان في الحقيقة قرنين من الزمن. وقد اندهش الناس واستدعوا الأسقف، الذي استجوب الشبان السبعة، وهم يشرحون له قصة نومهم التي كانت بمثابة معجزة تخلط بين الإيمان والواقع، وتثبت مرة أخرى ما آمنوا به عن قيامة الجسد. وبعد أن انتشرت قصتهم في القرى والمدن المجاورة، وصلت إلى مسامع إمبراطور القسطنطينية، الذي ذهب لرؤيتهم، فقال له أحدهم: "اسمح لنا أن نودّعك بسلام، وليكن الأمان في مملكتك". وهكذا، بعد أن سردوا قصة نومهم الطويل وأهدافهم في النجاة، فارقوا الحياة. فأمر الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني ببناء ضريح مهيب لهم، ومنح العفو لكلّ الأساقفة الذين تعرّضوا للأذى أو الاضطهاد بسبب إيمانهم بنمط القيامة ذاته. عدة نسخ صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، كهف النائمين السبعة في أفسس القديمة بمنطقة بحر إيجة في تركيا، وهو مقبرة مسيحية مبكرة وملجأ خلال عصور الاضطهاد في القرن الثالث الميلادي وتُعدّ قصة أصحاب الكهف في أفسس من أكثر القصص الدينية والثقافية ثراءً، ولا تزال تلامس قلوب المؤمنين من مسيحيين ومسلمين على حدّ سواء، فضلاً عن إثارة اهتمام الأدباء والفنانين والمؤرخين. وتقول دائرة المعارف البريطانية إن هذه القصة موجودة في عدة نسخ وعدة لغات، حيث يرجّح بعض الباحثين أن سيميونو متافراستس هو صاحب السرد اليوناني الأصلي، كما توجد نسخة لاتينية أعدّها القديس غريغوريوس من تورز، وإصدار سرياني بواسطة يعقوب السروجي، وهو الإصدار الذي يُرجّح أن منه انبثقت النسختان القبطية والجورجية. قد انتشرت الروايات حول هذه القصة عبر مختلف الثقافات، إذ عُثر على نسخة منها ضمن قصائد أنجلو-نورماندية، وفي جزء من قصيدة نوردية قديمة. وتنقل المصادر الغربية أسماء هؤلاء الفتية على أنهم: ماكسيميان، ومالكوس، ومارسيان، ويوحنا، ودينيس، وسرابيون، وقسطنطين، بينما تذكر المصادر الشرقية أسماء موازية هي: ماكسيميليان، ويامبليخوس، ومارتن، ويوحنا، وديونيسيوس، وأنطونيوس، وقسطنطين. ورُويت نسخة من القصة في السورة الثامنة عشرة من القرآن، التي تحمل اسم "سورة الكهف". ففي القرآن ترد قصة هؤلاء الفتية الذين لجأوا إلى كهفهم خوفًا على دينهم، كما جاء نصًا: "أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا، إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا" (الكهف: 9–11). وبينما تتحدث الروايات المسيحية عن مكوثهم في الكهف لقرنين، جاء في الآية 25 من نفس السورة القرأنية :"وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً"، والتي تبين أن هؤلاء الشبان ناموا في الكهف لأكثر من 300 سنة متواصلة. واليوم، تستمر قصة أصحاب الكهف داخل المناهج الدينية والتربوية في العالم العربي، فهي تُروى للأطفال كدرس في الصبر والثبات، وتُذكر في المحافل الثقافية كرمز لوحدة التراث بين الأديان. مصدر إلهام صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، مخطوطة "السبعة النائمون في أفسس الذين اكتشفهم الإسكندر الأكبر" إلى جانب كلبهم قطمير من كتاب فلناما (كتاب الطالع)، الصادر في خمسينيات القرن السادس عشر في إيران الحالية لقد اكتشف الباحثون الأثريون في القرن العشرين موقع الكهف قرب مدينة سلجوق (أفسس القديمة)، وبدأوا التنقيب حيث عثروا على مقابر تضم رفاتاً عدة، مزينة بنقوش تذكر القصة. ويزور السياح والحجاج اليوم هذا الموقع، كما توجد مواقع مشابهة له في العاصمة السورية دمشق وأيفشين التركية. وتفاعل التراث الفني معها، إذ سكنت القصة لوحات الفنانين، وخيال الشعراء، وصارت مثالاً على إمكانية تجاوز الزمن للحفاظ على مبدأ، وعلى إمكانية اللقاء مجدداً مهما طال الانتظار. لا تزال القصة، إلى اليوم، محطّ اهتمام علماء التاريخ والدراسات الدينية، الذين يحاولون تتبّع تفاصيلها وتحليلها من منظور أدبي، ولاهوتي، وفلسفي، بل وحتى نفسي، لما تحمله من أبعاد عن النوم كحالة فاصلة، وحضور للحياة خارج حدود الزمن، وحلم بانتظار يوم تتكشّف فيه الحقائق وتنقشع الظلمات.

أخبار العالم : إيران تنفذ موجة اعتقالات وإعدامات في أعقاب الصراع مع إسرائيل
أخبار العالم : إيران تنفذ موجة اعتقالات وإعدامات في أعقاب الصراع مع إسرائيل

نافذة على العالم

timeمنذ 18 ساعات

  • نافذة على العالم

أخبار العالم : إيران تنفذ موجة اعتقالات وإعدامات في أعقاب الصراع مع إسرائيل

الجمعة 27 يونيو 2025 05:40 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، جدارية في ساحة انقلاب في طهران Article Information Author, بي بي سي فارسي Role, قبل 2 ساعة نفّذت السلطات الإيرانية موجة اعتقالات وإعدامات لأشخاص يشتبه في ارتباطهم بوكالات الاستخبارات الإسرائيلية، في أعقاب الحرب الأخيرة بين البلدين. ويأتي ذلك بعد ما وصفه مسؤولون بأنه اختراق غير مسبوق لأجهزة الأمن الإيرانية من قبل عملاء إسرائيليين. وتشتبه السلطات بأن المعلومات المُزوّدة لإسرائيل لعبت دوراً في سلسلة من الاغتيالات البارزة خلال النزاع، بما في ذلك استهداف قادة كبار من الحرس الثوري الإيراني وعلماء نوويين، وتنسبها إيران إلى عملاء من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) يعملون داخل البلاد. لمتابعة أهم الأخبار والتطورات في منطقة الشرق الأوسط، انضم إلى قناتنا على واتساب (اضغط هنا). وبعد أن صُدمت السلطات الإيرانية من حجم ودقة عمليات القتل، دأبت على استهداف أي شخص يُشتبه في تعاونه مع مخابرات أجنبية، بقولها إن ذلك يهدف للحفاظ على الأمن القومي. لكن كثيرين يخشون أيضاً، أن يكون ذلك وسيلة لإسكات المعارضة وتشديد الرقابة على الشعب. وخلال الصراع الذي استمر 12 يوماً، أعدمت السلطات الإيرانية ثلاثة أشخاص اتُهموا بالتجسس لصالح إسرائيل. ويوم الأربعاء الماضي، أي بعد يوم واحد فقط من وقف إطلاق النار، أُعدم ثلاثة أشخاص آخرين بتهم مماثلة. ومنذ ذلك الحين، أعلن مسؤولون عن اعتقال مئات المشتبه بهم في جميع أنحاء البلاد بتهمة التجسس. وبث التلفزيون الرسمي اعترافات مزعومة لعدد من المعتقلين، قيل إنهم أقروا بالتعاون مع المخابرات الإسرائيلية. وأعربت جماعات حقوق الإنسان وناشطون عن مخاوفهم بشأن التطورات الأخيرة، مشيرين إلى ممارسة إيران الراسخة في انتزاع الاعترافات بالإكراه وإجراء محاكمات جائرة. وهناك مخاوف من احتمال تنفيذ المزيد من عمليات الإعدام. وتزعم وزارة الاستخبارات الإيرانية أنها تخوض "معركة ضارية" ضد ما تسميه شبكات الاستخبارات الغربية والإسرائيلية - بما في ذلك وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) والموساد وجهاز الاستخبارات البريطاني (MI6). وبحسب وكالة أنباء فارس، التابعة للحرس الثوري الإيراني، فمنذ بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو/حزيران، "أصبحت شبكة التجسس الإسرائيلية نشطة للغاية داخل البلاد". وأفادت الوكالة بأنه على مدار 12 يوماً، اعتقلت أجهزة المخابرات والأمن الإيرانية "أكثر من 700 فرد مرتبطين بهذه الشبكة". وقال إيرانيون لبي بي سي إنهم تلقوا رسائل نصية تحذيرية من وزارة الاستخبارات الإيرانية تُبلغهم بظهور أرقام هواتفهم على صفحات تواصل اجتماعي متعلقة بإسرائيل. وتلقوا تعليمات بمغادرة هذه الصفحات وإلا سيواجهون الملاحقة القضائية. كما صعّدت الحكومة الإيرانية ضغوطها على صحفيين عاملين في وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية في الخارج، بما في ذلك قناة بي بي سي الفارسية وقناة إيران الدولية وقناة مانوتو التلفزيونية اللتان تتخذان من لندن مقراً لهما. ووفقاً لقناة إيران الدولية، احتجز الحرس الثوري الإيراني والدة ووالد وشقيق إحدى مذيعات القناة في طهران للضغط عليها للاستقالة بسبب تغطية القناة للصراع الإيراني الإسرائيلي. وتلقت المذيعة اتصالاً هاتفياً من والدها - بتحريض من عناصر الأمن - يحثها فيه على الاستقالة ويحذّرها من عواقب أخرى. وبعد بدء النزاع، ازدادت حدة التهديدات الموجهة لصحفيي بي بي سي الفارسية وعائلاتهم. وبحسب صحفيين تعرضوا لذلك مؤخراً، فإن مسؤولي أمن إيرانيين تواصلوا مع عائلاتهم، مدعين أنه في سياق الحرب، من المبرَّر استهداف أفراد عائلاتهم كرهائن. كما وصفوا الصحفيين بأنهم "يحاربون الله"، وهي تهمة قد تُؤدي، بموجب القانون الإيراني، إلى الإعدام. وأفادت قناة مانوتو التلفزيونية بوقوع حوادث مماثلة، شملت تهديدات لعائلات الموظفين ومطالبات بقطع جميع العلاقات مع القناة. وورد أن بعض الأقارب تلقوا تهديدات بتهم مثل "محاربة الله" والتجسس، وهما جريمتان يُعاقب عليهما بالإعدام بموجب القانون الإيراني. ويرى محللون أن هذه الأساليب تُعد جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى إسكات المعارضين، وترهيب العاملين في وسائل الإعلام في المنفى. كما اعتقلت قوات الأمن عشرات النشطاء والكتاب والفنانين، في كثير من الحالات دون توجيه تهم رسمية إليهم. كما وردت تقارير عن اعتقالات طالت عائلات ضحايا احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية" المناهضة للحكومة عام 2022. وتشير هذه الإجراءات إلى حملة أوسع نطاقاً تستهدف ليس فقط الناشطين الحاليين، بل أيضاً المرتبطين بموجات المعارضة السابقة. وخلال الحرب، فرضت الحكومة الإيرانية قيوداً مشددة على الوصول إلى الإنترنت. وحتى بعد وقف إطلاق النار، لم يعد الأمر كما كان عليه في السابق بشكل كامل. وأصبح تقييد الوصول إلى الإنترنت خلال الأزمات، وخاصةً خلال الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة، نمطاً شائعاً في إيران. إضافةً إلى ذلك، فإن معظم شبكات التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام وتلغرام وإكس ويوتيوب، بالإضافة إلى مواقع إخبارية مثل بي بي سي الفارسية، محجوبة منذ فترة طويلة في إيران، ولا يمكن الوصول إليها إلا باستخدام خدمة بروكسي للشبكة الافتراضية الخاصة (VPN). وقارن مدافعون عن حقوق الإنسان ومراقبون سياسيون بين ما يحدث حالياً وما حدث في ثمانينيات القرن الماضي، عندما قمعت السلطات الإيرانية المعارضة السياسية بوحشية خلال الحرب العراقية الإيرانية. ويخشى كثيرون من أنه في أعقاب ضعف مكانة إيران الدولية بعد الصراع مع إسرائيل، قد تلجأ السلطات مجدداً إلى الانغلاق على نفسها، والاعتماد على الاعتقالات الجماعية والإعدامات والقمع الشديد.

أخبار العالم : ما هي جماعة "سرايا أنصار السنة" التي تبنت تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق؟
أخبار العالم : ما هي جماعة "سرايا أنصار السنة" التي تبنت تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق؟

نافذة على العالم

timeمنذ 4 أيام

  • نافذة على العالم

أخبار العالم : ما هي جماعة "سرايا أنصار السنة" التي تبنت تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق؟

الثلاثاء 24 يونيو 2025 06:00 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، أودى الهجوم الانتحاري على كنيسة مار إلياس في دمشق بحياة 25 شخصاً على الأقل. Article Information Author, بي بي سي عربي وقسم المتابعة الإعلامية في بي بي سي Role, قبل 2 ساعة أعلنت جماعة "سرايا أنصار السنة" الجهادية الجديدة نسبياً مسؤوليتها عن هجوم كنيسة مار إلياس في دمشق في 22 يونيو/حزيران، والذي أودى بحياة 25 شخصاً على الأقل، واصفةً إياه بأنه رد على "استفزازات مسيحية ضد السنة". صدر هذا الإعلان في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء على قناة الجماعة على تلغرام، ذكرت فيه الجماعة أن الاسم الحركي للانتحاري هو "محمد زين العابدين أبو عثمان"، لكنها لم تقدم أي دليل إضافي يدعم مسؤوليتها عن الهجوم. إذا كانت سرايا أنصار السنة وراء التفجير بالفعل، فسيكون هذا أكبر هجوم لها حتى الآن. فمن هي هذه الجماعة الجهادية التي برز اسمها في الفترة الأخيرة؟ امتداد لـ"داعش" أم أداة استخباراتية؟ إنها مجموعة جهادية جديدة في سوريا تعهدت في الفترة الأخيرة بملاحقة أبناء الطائفة العلوية والشيعة والدروز. وأعلنت مسؤوليتها عن العديد من عمليات القتل، كما هددت بملاحقة من يُطلق عليهم اسم "فلول الأسد". لكنها أيضاً لم تُخفِ ازدراءها لحكومة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وإن لم تدعُ لمواجهته. ولم تتضح بعد ارتباطاتُها بالحركات الجهادية الأخرى، لكن يبدو أنها تسير "على نهج داعش". أعلنت الجماعة، التي تُطلق على نفسها اسم "سرايا أنصار السنة"، عن ظهورها في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي عبر حساب على تلغرام. وتضمنت رسائل الجماعة في البداية تهديدات للعلويين بغض النظر عن جنسهم وأعمارهم، كما قالت، إلا أنها خففت من حدة هذه التهديدات لاحقاً. ومع ذلك، فإن خطابها عموماً شديد العنف، وازدراؤها للشيعة يشبه إلى حد كبير خطاب ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وأنصاره. ومنذ ذلك الحين، واصلت الجماعة التحريض والتهديد، بالإضافة إلى تبنيها هجمات تستهدف في المقام الأول أفراد الطائفة العلوية؛ الطائفة التي ينتمي إليها الرئيس السابق بشار الأسد ومن يوصفون بفلول نظامه، كما أعلنت هذه الجماعة مسؤوليتها عن هجمات على ما وصفتها بـ "أضرحة المشركين"، في إشارة لبعض المواقع الدينية الشيعية في سوريا. وقد تناقل الإعلام على نطاق واسع إحدى الهجمات الرئيسية التي أعلنت الجماعة مسؤوليتها عنها، وفيها قُتل عدد من العلويين في قرية أرزّة ذات الأغلبية الشيعية في محافظة حماة في الأول من فبراير/شباط الماضي. ونُسبت الحادثة إلى "مسلحين مجهولين"، أشارت التقارير إلى أنهم داهموا القرية ليلاً. صدر الصورة، Copyright ANSAR AL-SUNNAH BATTALIONS التعليق على الصورة، تضمنت رسائل الجماعة في البداية تهديدات للعلويين بغض النظر عن أعمارهم أو جنسهم، لكنها خففت من حدتها لاحقاً أعربت الجماعة أيضاً عن ازدرائها للحكومة السورية الجديدة، بقيادة أحمد الشرع - القائد السابق لهيئة تحرير الشام - متهمةً إياها بـ"التساهل المفرط" لعفوها عن مسؤولين وموظفين حكوميين سابقين. وتدّعي الجماعة، مبررةً ذلك، أنها تولّت زمام الأمور للانتقام من العلويين والشيعة وموظفي نظام الأسد السابقين، ومنعهم من "إعادة تنظيم صفوفهم". كما أعربت الجماعة الجديدة أيضاً عن ازدرائها الواضح للأقليات غير المسلمة، مثل المسيحيين. وبالرغم من أنها لم تُشر سابقاً إلى أنها ستستهدفهم، ما لم يدعموا أو يدافعوا عن أفراد الفئة الأولى، إلا أن التفجير الأخير في كنيسة مار إلياس كان بمثابة رسالة واضحة لهم. يعتقد الكاتب والباحث المتابع للجماعات الإسلامية، حسام جزماتي، أنه بالإضافة لـ"البعد الشرعي" الذي تنم عنه رسائل التنظيم فإن هنالك أيضاً "بعداً سياسياً". ويتابع "هم كفّروا الحكم الحالي، وكفّروا قواته العسكرية والأمنية، ورغم ذلك لم يعلنوا عن رغبتهم بقتالهم الآن، بل قالوا قاتلوا لونكم من الكفار، أي الأقرب إليكم" - مشيراً إلى أن الحركة لم تستثنِ الكُرد التابعين لقوات سوريا الديمقراطية من القتال. بدوره يعتقد ستيفن همفريز، المتخصص في الإعلام الجهادي في "بي بي سي" أن تركيز التنظيم تحديداً على العلويين والدروز قد يكون "استغلالاً لتخوّف السنة المتشددين السوريين تجاه هذه الأقليات"، ولا سيما في ظل "هيمنة العلويين على مؤسسات السلطة في عهد الأسد، وما يُنظر إليه على أنه تعاطف مع إسرائيل لدى الدروز" - على حد تعبيره. "ذئاب منفردة" ليس من الواضح حجم هذه القوة عسكرياً، سواء من حيث تعداد المقاتلين، وجنسياتهم، أو أنواع الأسلحة التي بحوزتهم أو مصادر التمويل. ويرجح جزماتي أنهم "بحدود العشرات، وربما لم يتجاوزوا المئة". أما أيديولوجياً، فتتبنى الجماعة خطاباً "متشدداً وجهادياً،" بحسب همفريز. كما ألمحت الجماعة إلى تعاطف مع تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية "داعش". مع ذلك، يضيف همفريز، لا يزال جهاديون آخرون، "بمن فيهم مؤيدو داعش، متشككين بشأنها". وفي حين أن خطاب الجماعة وأيديولوجيتها المعلنة تتوافق مع الحركات الجهادية، إلا أنه لا يوجد دليل حتى الآن يربطها بأي جماعة جهادية قائمة أو يشير إلى تعاونها معها. عرّفت الجماعة قائدها بأنه "أبو عائشة الشامي"، وهو اسم حركي يوحي بأنه سوري لكنها لم تُقدّم أي تفاصيل إضافية عن هويته أو خلفيته. كما لم يُلاحَظ ظهوره العلني. وفي حين زعمت الجماعة في 9 فبراير/شباط الماضي أنه أصدر رسالة صوتية، لم تُنشر على تلغرام سوى مقتطفات نصية منها. لكنّ اسماً آخر بدأ يبرز مؤخراً، وهو أبو فتح الشامي، الذي يصف نفسه بأنه أحد قياديي التنظيم، والمسؤول عن القسم الشرعي فيه. تشبه الشعارات والعلم والرموز الدعائية التي تستخدمها "سرايا أنصار السنة" إلى حد كبير تلك التي تستخدمها الجماعات الجهادية. ورغم نشاطها على تلغرام، وتصريحاتها وادعاءاتها المتكررة، إلا أنها لم تحظَ إلا بقدر ضئيل جداً من الاهتمام في الأوساط الجهادية والإسلامية على الإنترنت، وهو ما يدل على شك الجهاديين بمدى مصداقية هذه الجماعة. واعتباراً من 27 مارس/آذار، أطلق التنظيم على ذراعه الإعلامية الرسمية اسم "العاديات". صدر الصورة، ANSAR AL-SUNNAH BATTALIONS التعليق على الصورة، يشبه شعار الجماعة إلى حد كبير الشعارات واللافتات التي تستخدمها الجماعات الجهادية الأخرى وتدّعي الجماعة أنها شبكة "لامركزية" تعمل من خلال "ذئاب منفردة"، أي أفراد أو خلايا صغيرة ذات صلات محدودة ببعضها البعض، وليست لها قواعد مشتركة. ومن اللافت للنظر أيضاً، أن بيانات وكتابات الجماعة تفتقر للمهنية التي عادة ما توجد في صياغة بيانات الجماعات الجهادية الأخرى. وهنا يضيف جزماتي أنه من الواضح أنهم بعموم عناصرهم وقياداتهم القليلة "ليسوا من العلماء أو المدججين أيديولوجياً على مستوى اللغة"، قبل انضمام من يسمّي نفسه الدكتور أبو فتح الشامي، الذي يصفه جزماتي بأن "لغته الشرعية رصينة وواضحة ولديه أدلة من الفقه الإسلامي ومتمكن"، لكن يبدو أنه حالة "منفردة"، بحسب الباحث الذي يضيف "معظم عناصرهم محدودو التعليم، لغتهم بسيطة ومباشرة، وبياناتهم قصيرة جداً". بحسب تقييم مينا اللامي، خبيرة بي بي سي في الجماعات المتشددة، فإن الجماعة تقوم بـ"التمسّح بتنظيم الدولة، وتحاول بشكل مبالغ فيه الترويج لقربها الفكري من التنظيم، وكذلك الترويج بطريقة مبالغة ومثيرة للشك لمدى تطرّف الجماعة (سرايا أنصار السنة) ونَفَسها الطائفي وعملياتها الطائفية، كأنها تسعى إلى تسريع إشعال صراع طائفي أو إثارة الذعر من هجمات جهادية محتملة". الجهاديون "مشبوهون" على الرغم من ادعاءاتها المتكررة بشن هجمات قاتلة ضد أهداف من الطائفة العلوية، بما فيها بعض أحداث الساحل، إلا أن المجموعة فشلت حتى الآن في جذب اهتمام أو دعم كبير من الجهاديين والإسلاميين المتشددين. وأسفرت أحداث العنف في مارس/آذار الماضي في الساحل عن مقتل نحو 1614 مدنياً غالبيتهم الساحقة من الأقلية العلوية، بحسب ما نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان. وأشارت تقارير حقوقية إلى تورط قوات حكومية وأخرى رديفة لها في المجازر التي وقعت بعد أن شنت قوات تابعة للنظام السابق هجوماً مباغتاً على عناصر القوات الأمنية الحكومية، وأدت إلى مقتل 250 عنصراً، بحسب مصادر رسمية. وفي حين لم تعلن المجموعة مسؤوليتها عن عمليات قتل واسعة، يستبعد جزماتي أن تكون السرايا لديها القدرة على القيام بهجمات من هذا النوع في الوقت الراهن، مشيراً إلى أن إمكانياتها "لا تتجاوز عمليات صغيرة وأحداث قتل منفردة، لذلك لا يمكن لها أن تقوم بعمليات تمشيط أوسع والوصول لقرى وارتكاب مجازر كما حدث في الساحل". وتدور شكوك حول مصداقية الجماعة، إذ يتكهن بعض الجهاديين بأن الجماعة قد تكون مرتبطة بجهات معادية للجهاديين، تحاول من خلالها الإيقاع بالجهاديين الحقيقيين، أو تشويه سمعتهم من خلال ربطهم بالهجمات على المدنيين والطائفة العلوية. وفي حين يصعب التكهن بحقيقتهم ضمن المعطيات الحالية، إلا أن همفريز لا يستبعد ذلك، مشيراً إلى أن أحد أبرز مؤيدي ما يعرف بداعش "أصدر عبر الإنترنت هذا التحذير نفسه بالضبط. لكنني لن أتكهن بشدة بهذا الأمر". كذلك تميل آراء أخرى إلى أنهم قد يكونون "أداة استخباراتية" بيد الحكومة السورية الحالية للتنصل من الاتهامات الموجهة لقواتها بارتكاب انتهاكات كبيرة، ولا سيما تلك المرتبطة بأحداث القتل الأخيرة في الساحل السوري. لكن يشير همفريز مجدداً إلى أنه "من المبكر إصدار حكم قاطع بشأن هذا الأمر استناداً إلى المعطيات المتوفرة". غير أنه يضيف قائلاً : "من المثير للاهتمام أن الجماعة اتهمت في الأيام الأخيرة الحكومة السورية بإلقاء اللوم عليها (أنصار السنة) وعلى تنظيم الدولة الإسلامية في عمليات قتل الأقليات التي تورطت بها قوات أو أفراد محسوبون على الحكومة. وقالت جماعة أنصار السنة إن حكومة الشرع تفعل ذلك لتجنب الاتهامات الدولية بانتهاكات حقوق الإنسان". بدورها، ترى الباحثة مينا اللامي أن حالة الفوضى في بعض المناطق السورية من جهة، ومحاولة استغلال بعض الأطراف المحلية أو الخارجية - سواء كانت متطرفة أو من أتباع النظام السابق - من جهة أخرى، "توفر بيئة مناسبة لظهور مجموعات كهذه وأفراد مُريبة وذات أجندات عادة ما تكون طائفية وتسعى الى تأجيج الصراع الداخلي". لكنها تضيف، أن الشك في هذه التنظيمات الجديدة "يجب ألّا يجعلنا ننسى أن مجموعات جهادية متطرفة في سوريا حالياً ساخطة جداً على حكومة الشرع وتسعى إلى قلب الطاولة على الحكام الجدد بأي طريقة، والورقة الطائفية عادة ما تلجأ إليها".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store