logo
من الضاحية إلى الحدود: هل يعيد الحزب رسم معادلة الحرب والسلم؟

من الضاحية إلى الحدود: هل يعيد الحزب رسم معادلة الحرب والسلم؟

في خطاب لافت ألقاه من المجلس العاشورائي المركزي في مجمع سيد الشهداء في الضاحية الجنوبية لبيروت، رسم الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ملامح موقف سياسي وأمني يتجاوز الطابع المناسباتي لمجالس عاشوراء. جاءت كلماته لتسلّط الضوء على تحوّل في خطاب حزب الله، بين ما تصفه قيادته بواجب الدفاع والردع، وبين دعوة مباشرة وصريحة إلى الدولة اللبنانية لتحمّل مسؤولياتها كاملة في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل على لبنان، بحسب وصفه.
الشيخ قاسم، الذي انتقل رسميا إلى موقع الأمين العام للحزب بعد عقود في موقع النائب، أراد من خلال هذا الظهور توجيه رسائل متعدّدة الاتجاهات: إلى الداخل اللبناني أولا، وإلى العدو الإسرائيلي ثانيا، وإلى المجتمع الدولي ثالثا. الرسالة الأساسية تمثلت في رفض ما وصفه بـ"العدوان المستمر"، محمّلا الدولة اللبنانية جانبا من المسؤولية، ليس فقط في المواجهة بل في ما يعتبره "التقصير" في ردع الاعتداءات واحتضان عناصر القوة الوطنية.
لكن المواقف التي صدرت عن الشيخ قاسم تثير أسئلة عدة، أولها: كيف يمكن الموازنة بين دعوة الدولة لتحمّل مسؤوليتها، وبين واقع تفرض فيه المقاومة قرارات الحرب والسلم خارج الأطر الرسمية؟ وثانيها: هل ثمة انسجام بين دعوة الدولة لاستلام زمام المبادرة، واستمرار حزب الله في تأكيد استعداده الدائم للرد والردع وفق ما يراه هو مناسبا؟
في هذا السياق، يعتبر قاسم أن وقف إطلاق النار – إن تحقق – ليس نهاية للمعركة بل بداية "مرحلة جديدة اسمها مسؤولية الدولة". هذا التحوّل في الخطاب يحمّل الدولة مسؤولية ضبط الإيقاع الأمني والوطني، لكنه في الوقت نفسه لا يعفي المقاومة من اتخاذ المبادرة إن رأت أن إسرائيل تجاوزت الخطوط الحمراء. وهي معادلة قد تبدو متناقضة في ظاهرها، لكنها تعكس واقعا مركّبا يعيشه لبنان منذ ما بعد العام 2006، حيث لا تزال العلاقة بين المقاومة والدولة تخضع لتجاذبات داخلية وخارجية.
وقد بدا واضحا أن كلام الشيخ قاسم يحمل تحذيرا ضمنيا، أو بالأحرى إنذارا متقدّما، مفاده أن الصمت لم يعد خيارا دائما، وأن الاستهدافات المتكررة – كالقصف الذي طال مدينة النبطية مؤخرا – لن تمرّ من دون ردّ. وهو ما يضع لبنان من جديد أمام سيناريوات مفتوحة: إما التصعيد، وإما تثبيت وقف إطلاق نار هش، رهن بتوازن الردع لا باتفاق رسمي معلن.
في المقابل، استدعى قاسم من الذاكرة معركة "أولي البأس"، مستشهدا بتفوّق المقاومة في ظروف غير متكافئة عددا وعدة، ليؤكد أن "الإيمان والتسديد الإلهي" كانا سببا في النصر. ومهما حمل هذا الاستشهاد من بعد رمزي وعقائدي لجمهور الحزب، إلا أنه يضع المعركة في إطار يتخطى الحسابات الميدانية المباشرة، وينقلها إلى مستوى أعلى من التفسير الوجداني والديني، وهو ما يفتح أيضا بابا لتأويلات متناقضة بين من يرى في ذلك مصدر قوّة، ومن يعتبره قطيعة مع منطق الدولة الحديثة.
أما على مستوى الإقليم، فقد أعاد قاسم تأكيد أن ما قام به حزب الله في معركة "الإسناد لغزة" لم يكن قرارا داخليا معزولا، بل التزاما سياسيا ومبدئيا تجاه القضية الفلسطينية. وبهذا الموقف، يربط الحزب ما يجري في الجنوب اللبناني بما يجري في غزة، في مقاربة ترى في الجبهتين ساحة واحدة، وإن كانت إدارتها تتم وفق حسابات محلية ودولية مختلفة.
إلا أن هذه الرؤية تثير بدورها مخاوف من أن يتحول لبنان إلى ساحة رديفة تُستخدم كأداة ضغط في صراع أوسع، دون أن تكون للدولة الكلمة الفصل فيه. وهو ما ينعكس في نقاش لبناني داخلي لا يهدأ، حول موقع لبنان من الصراعات الإقليمية، وحدود الانخراط، وأثمانه الاقتصادية والسياسية والأمنية.
والجدير بالتوقف عنده، هو ما تضمّنته كلمة الشيخ قاسم من تحميل الدولة مسؤولية ما وصفه بـ"السكوت عن العدوان". ففي الوقت الذي يشدد فيه على دور الدولة، يُبقي للحزب حرية المبادرة، وهو ما يعيد طرح الإشكالية المزمنة: هل يمكن الحديث عن مسؤولية موحّدة للدولة في ظل وجود قوى مسلّحة خارج قيادتها المباشرة، حتى وإن كانت هذه القوى تقول إنها تدافع عن لبنان؟
من جهة أخرى، فإن التوقيت الذي جاءت فيه كلمة قاسم لا يقل أهمية عن مضمونها. فهي تلت زيارة الموفد الأميركي توم بارّاك إلى بيروت، وحديثه عن خارطة طريق أميركية لاستكمال تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية وفق القرار 1701، وهو ما اعتبره البعض مقدّمة لتوسيع نطاق وقف النار في غزة ليشمل الجبهة اللبنانية. وبالتالي، فإن خطاب قاسم بدا ردا استباقيا على أي محاولة لفصل المسارات أو لتقييد تحرّك المقاومة ضمن حسابات دولية.
ومع هذا كلّه، لا يمكن إغفال البعد الشعبي والرمزي للكلمة، التي جاءت في مجلس عاشورائي، حيث تختلط السياسة بالمقدّس، والشأن المحلي بالقضية المركزية، وحيث يُعاد إنتاج سردية الصراع وفق مفاهيم تتجاوز الحدود الجغرافية. وهو ما يجعل الخطاب متماهيا مع جمهوره، لكنّه في الوقت نفسه يترك الباب مفتوحا على نقاش وطني لا بدّ منه حول السلاح، السيادة، وسبل تجنيب لبنان حربا واسعة لا يحتملها.
في المحصّلة، تطرح مواقف الشيخ نعيم قاسم إشكاليات أكثر مما تُقدّم أجوبة. هي دعوة إلى دولة فاعلة، ولكن ضمن شروط مقاومة مستمرة. وهي تحذير من استمرار العدوان، ولكن من دون تحديد سقف للرد أو كيفية احتوائه. وهي موقف تضامني مع غزة، ولكن بثمن قد يدفعه الداخل اللبناني. وهي، فوق ذلك، إعلان جهوزية للمواجهة، ولكن في وقت يتطلّب من لبنان ترتيب أولوياته، وبناء استراتيجية دفاعية جامعة تحصّن الداخل قبل الخارج.
هكذا، ومن الضاحية الجنوبية، عاد النقاش حول حدود الدولة وحدود المقاومة إلى الواجهة، في لحظة سياسية وأمنية حرجة، لا يبدو فيها أن أي طرف يملك وحده مفاتيح الحل… أو الحرب.
داود رمال – "أخبار اليوم"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تل أبيب ترفع سقف الضغوط وواشنطن تنتظر قرار بيروت: المسألة ليست أبيض أو أسود
تل أبيب ترفع سقف الضغوط وواشنطن تنتظر قرار بيروت: المسألة ليست أبيض أو أسود

النشرة

timeمنذ 29 دقائق

  • النشرة

تل أبيب ترفع سقف الضغوط وواشنطن تنتظر قرار بيروت: المسألة ليست أبيض أو أسود

على وقع حملة تهويل كبيرة، يتصدر ملف سلاح "حزب الله" وجهة الأحداث في البلاد، من منطلق الرد الرسمي المنتظر على الورقة الأميركية، التي كان قد تقدم بها الموفد توم باراك إلى المسؤولين المحليين في زيارته الماضية إلى بيروت، حيث بات من الواضح أن واشنطن تسعى إلى صدور قرار عن مجلس الوزراء بهذا الخصوص، ما يعني نقل الملف، من الناحية العملية، من دائرة الحوار بين رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وقيادة الحزب، إلى دائرة السلطة التنفيذيّة. صدور مثل هذا القرار، في حال حصول ذلك، سيكون له تداعياته المستقبلية، أكثر من نتائجه العملية الفورية، على إعتبار أن واشنطن لن تكون في وارد دفع الأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية إلى صدام مع "حزب الله"، بعد أن نجحت التحولات الداخلية والإقليمية، التي فرضت نفسها في الأشهر الماضية، في توسيع رقعة نفوذها في البلاد، خصوصاً أن ذلك من الممكن أن يهدد كل ما تحقق حتى الآن. على الرغم من ذلك، تشدد مصادر نيابية، عبر "النشرة"، على أن الأمور ليست كما يسعى البعض إلى تصويرها، أي أبيض أو أسود، بل هناك الكثير من الأخذ والرد الذي يرافق هذا الملف، خصوصاً أن الجانب الرسمي، على عكس ما يتمنى البعض، لا يستطيع أن يتجاهل إستمرار ​ الإحتلال الإسرائيلي ​ للنقاط الخمس وعدم إطلاق سراح الأسرى، بالإضافة إلى الإعتداءات اليومية، ما يتمّ التعبير عنه بأن عدم إلتزام تل أبيب بإتفاق وقف إطلاق يعقّد ذهاب بيروت إلى المزيد من الخطوات العملية، مع العلم أن ما يطرح موجود في الأصل في خطاب القسم والبيان الوزاري. في هذا السياق، لا تستبعد المصادر نفسها ذهاب الجانب الإسرائيلي إلى رفع وتيرة الإعتداءات اليومية التي يقوم بها، بل على العكس من ذلك تؤكد أن هذا الإحتمال متوقع، من منطلق زيادة الضغوط على الجانب الرسمي، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما كان يحصل في سوريا في السنوات الأخيرة من عمر النظام، لكن مع تركيز على ما هو متعلق بـ"حزب الله" في الحالة اللبنانية، كما حصل في الغارات الجوية يوم الجمعة الماضي، أو حتى تلك التي استهدفت الضاحية الجنوبية عشية عيد الأضحى. في المقابل، تطرح هذه المصادر الكثير من علامات الإستفهام حول ما يذهب إليه البعض، عبر طرح فرضيّة ذهاب تل أبيب إلى عدوان شامل، حيث تسأل عن المصلحة الإسرائيلية في ذلك، خصوصاً أنه في هذه الحالة لن يتردّد "حزب الله" في الردّ، بالرغم من أنه لا يزال، حتى الآن، يتمسك بخيار "الصبر"، الذي يتزامن مع القاء المسؤولية على عاتق الدولة اللبنانية، بعد سقوط العديد من المعادلات الردعية التي كانت قائمة في السنوات الماضية. إنطلاقاً من ذلك، لا تزال تُصر المصادر النيابية المتابعة على أن السيناريو الأرجح هو إستمرار المسار الحالي، أي الضغوط الدبلوماسية الأميركية المتزامنة مع تصعيد إسرائيل لا يتجاوز الخطوط الحمراء، بالإضافة إلى تصعيد سياسي على المستوى الداخلي، خصوصاً مع إقتراب موعد الإنتخابات النيابية، بالتزامن مع عرقلة كل مشاريع إعادة الأعمار أيضاً، بالرغم من تشديدها على أنه في ظل وجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض من الممكن حصول مفاجآت من خارج دائرة الحسابات المنطقية. في المحصّلة، تعود المصادر نفسها إلى التشديد على أن المعادلة الأساس، التي كانت قائمة قبل الحرب على إيران، لا تزال قائمة، وبالتالي من المفترض إنتظار مسار المفاوضات بين واشنطن وطهران، في المرحلة المقبلة، حيث المخرج الممكن من أجل الوصول إلى ترتيب متعلق بملف سلاح "حزب الله"، من دون أن يعني ذلك أن الأمور ستعود إلى ما كانت عليه قبل العدوان الأخير.

قاسم: المقاومة مستمرة بفضل إيمان بيئتها
قاسم: المقاومة مستمرة بفضل إيمان بيئتها

صوت لبنان

timeمنذ ساعة واحدة

  • صوت لبنان

قاسم: المقاومة مستمرة بفضل إيمان بيئتها

أكد الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، مساء اليوم الإثنين، خلال كلمة ألقاها في المجلس العاشورائي المركزي، أن "الأمهات والزوجات والبنات كان لهن دور كبير في ساحة الجهاد ودعم المقاومة وعزيمتها، اقتداءً بالسيدة زينب (ع)". وأضاف قاسم، "والله، لولا هذا المستوى العظيم من الإيمان الذي يتحلى به مجتمعنا وبيئتنا، لما استطعنا تحرير أرضنا وطرد إسرائيل منها، ولما تمكنّا من الحفاظ على كرامة هذه الأرض وعزتها لأكثر من 40 عامًا". وأشار إلى أن "هذه الأرض ستبقى عزيزة وكريمة ومحررة بإذن الله تعالى، فالاحتلال مؤقت، أما التحرير فهو دائم". وشدد قاسم على أن المقاومة في حالة دفاعية قائلاً: "لا تطلبوا منا أن نتوقف عن الدفاع، ولا تطلبوا منا الاستسلام، فهؤلاء الطغاة يريدون التحكم بمسار البشرية". كما أكد على الثبات على نهج المقاومة مستلهماً من الإمام الحسين (ع): "نحن تعلمنا من الحسين (ع) أن نقول دائمًا: هيهات منّا الذلة".

30 Jun 2025 06:49 AM تحذير أميركي للبنان: حتى لا يتحوّل الـmadman إلى angry man
30 Jun 2025 06:49 AM تحذير أميركي للبنان: حتى لا يتحوّل الـmadman إلى angry man

MTV

timeمنذ 2 ساعات

  • MTV

30 Jun 2025 06:49 AM تحذير أميركي للبنان: حتى لا يتحوّل الـmadman إلى angry man

كل الأجواء الدبلوماسية، سواء في واشنطن، أو في بيروت، تؤكد أكثر فأكثر، أن الأجواء الضاغطة تٌلقي بثقلها على السلطات اللبنانية للتحرر من المماطلة وتضييع الوقت في ما يتعلَّق بموضوع سلاح "حزب الله". ويبدو أن تاريخ السابع من تموز سيكون تاريخًا مفصليًا، لأنه موعد عودة الموفد الرئاسي الأميركي توم براك إلى بيروت لتلقي الأجوبة عن الورقة التي قدمها إلى الجانب اللبناني. "Hezbollah has to be gone"، بهذه الكلمات اختصر السفير الأميركي في تركيا، والمبعوث الرئاسي إلى سوريا، وإلى لبنان، توم برّاك في مقابلة تلفزيونية ما تريده الولايات المتحدة من لبنان بالنسبة إلى "حزب الله". مصدر في وزارة الخارجية الأميركية قال حرفيًا: "إن نزع السلاح يجب أن يتم فورًا وبشكل كامل". ويلفت المصدر إلى أن لا أحد في لبنان يريد أن يرى مفاعيل تحوّل فريق البيت الأبيض من سياسة الـ madman (الرجل الذي لا تتوقع ردّ فعله) إلى سياسة الـ angry man. في المقابل، السلطات اللبنانية وقعت في حال إرباك، فهي حاولت أن تعتمد سياسة التروي وصولًا إلى حد المماطلة، على رغم أن مهلة السابع من تموز تسبب الحرج بالنسبة إليها، لكنها وعلى رغم أسلوب المماطلة، فإنها وجدت نفسها في واقع أنها تسابق الوقت وتحاول إقرار ورقة الردود اللبنانية في جلسة لمجلس الوزراء قبل السابع من تموز، أي في جلسة تعقدها هذا الأسبوع.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store