
ليبيا: تحتج رسمياً لدى الأمم المتحدة ضد اليونان
وخاطبت البعثة الليبية لدى الأمم المتحدة بمذكرة شفهية الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، معبرة عن اعتراض ليبيا الرسمي على فتح اليونان الباب أمام منح تصاريح دولية للتنقيب عن الطاقة في مناطق بحرية واقعة جنوب جزيرة كريت.
وفي المذكرة، عبرت البعثة عن القلق العميق لحكومة الوحدة الوطنية إزاء التطورات الأخيرة في شرق البحر المتوسط، في سياق الصراع على التنقيب عن الطاقة في المنطقة بين ليبيا واليونان.
وقالت البعثة في المذكرة إن الحكومة أحيطت علماً مع استياء شديد بمحتويات العدد رقم 3335 من الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي، والذي يفيد بأن اليونان قد أعلنت عن دعوة دولية إلى تقديم عروض لمنح تصاريح للتنقيب عن الهيدروكربونات واستغلالها في مناطق بحرية واقعة جنوب جزيرة كريت.
وأضافت المذكرة أن هذه المناطق تقع ضمن المناطق البحرية التي لا تزال محل نزاع لم يجر حله بين ليبيا واليونان.
ولفتت البعثة إلى موقف ليبيا من أن هذا الإجراء يعد تعدياً واضحاً على حقوقها السيادية ونبهت إلى أنه إجراء يفتقر إلى أي أساس قانوني أو اتفاق ثنائي وهو يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي، ولا سيما أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ويقوض مبادئ الاحترام المتبادل وتسوية المنازعات بالطرق السلمية.
وأكدت البعثة أن ليبيا تسجل اعتراضها الرسمي والقاطع على هذه المبادرة وتدعو إلى الالتزام الصارم بالمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والصكوك القانونية الدولية ذات الصلة التي تنظم التسوية السلمية للنزاعات البحرية.
في تصعيد جديد في قضية التنقيب
ووفق المذكرة، تؤكد ليبيا من جديد التزامها الثابت بالحوار البناء والتفاوض وترفض رفضاً قاطعاً أي محاولة لفرض الأمر الواقع في المناطق التي لم يجر التوصل فيها إلى اتفاق قانوني.
كما حثت ليبيا المجتمع الدولي تحت قيادة الأمم المتحدة على تحمل مسؤوليته في الحفاظ على السلام والاستقرار في البحر المتوسط، داعية إلى عدم الإقدام على أي إجراءات قد تؤدي إلى التصعيد.
ويتمثل جوهر النزاع في مذكرة التفاهم البحرية الموقعة عام 2019، بين تركيا وليبيا، التي رفضتها أثينا بدعوى أنها غير صالحة قانونيًا بموجب القانون البحري الدولي.
وأرفقت المذكرة بتقرير صادر عن المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، مؤرخ في 7 حزيران / يونيو 2025، يفيد بأن حكومة اليونان أعلنت في 13 حزيران/ يونيو 2025 عن مناقصة دولية لمنح تراخيص التنقيب في مناطق بحرية تقع جنوب شبه جزيرة بيلوبونيز وجزيرة كريت.
وأوضح التقرير أن الفترة المحددة لتقديم العروض في إطار هذه المناقصة تمتد لـ 90 يومًا من تاريخ الإعلان.
وكشف التقرير أن شركة شيفرون كانت قد أعلنت، في مارس 2025، عن اهتمامها بالتنقيب عن الهيدروكربونات في منطقتي جنوب كريت 1 وجنوب كريت 2، وهما ضمن المناطق المحددة في المناقصة الدولية التي طرحتها اليونان عام 2014.
وتشير الوثائق المرفقة إلى أن منطقتي «كريت 1» و»كريت 2» تقعان جغرافيًا ضمن المساحات البحرية الليبية المتنازع عليها.
وتبلغ مساحة المنطقتين معًا نحو 23,300 كيلومتر مربع، ويقع أكثر من 85% من تلك المساحة جنوب الخط الحدودي البحري الذي يفصل ليبيا عن اليونان.
ووفق جريدة تو فيما اليونانية، فقد قدمت ليبيا المذكرة الدبلوماسية إلى الأمم المتحدة في 20 حزيران/ يونيو، وهي المرة الأولى التي تطالب فيها طرابلس رسميًا بمناطق في شرق البحر الأبيض المتوسط كانت اليونان خصصتها سابقًا للتنقيب عن الهيدروكربونات البحرية. وتشكك المذكرة الليبية فيما يسمى الخط الوسط الذي حددته اليونان، الذي يُشكل أساسًا لترخيص الكتل البحرية جنوب جزيرة كريت، فيما تؤكد ليبيا أن هذه المياه محل نزاع ثنائي لم يُحل بعد، وتعتبرها جزءًا من نطاقها البحري.
وفي الخرائط المرفقة، توضح ليبيا حدودًا بحرية تمتد من اتفاقيتها مع تركيا ويلغي هذا الخط فعليًا المنطقة الاقتصادية الخالصة لليونان جنوب جزيرة كريت، ويشكك في تأثير الجزيرة على تحديد المناطق البحرية.
وترى الجريدة اليونانية أن المذكرة الدبلوماسية تمثل تصعيدًا ملحوظًا من ليبيا من الصمت إلى التأكيد الرسمي، كما تشير إلى رغبة طرابلس في تأكيد مطالباتها البحرية التي كانت غامضة أو غير معلنة سابقًا.
ونقلت الجريدة اليونانية، عن مصادر دبلوماسية يونانية، أن الاحتجاج لا يُضيف أي جديد إلى الحجج الليبية السابقة، ويجري حاليًا إعداد رد يوناني رسمي للأمم المتحدة.
وترفض اليونان أي ادعاءات أو إجراءات تستند إلى مذكرة التفاهم التركية الليبية، التي تعتبرها باطلة ومخالفة لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وتؤكد أثينا أن أي حل يجب أن يستند إلى القانون الدولي، وخاصة قانون البحار، الذي يُقر بحق الجزر – مثل جزيرة كريت – في تحديد مناطق بحرية كاملة.
فيما اقترح وزير الخارجية اليوناني جورج جيرابيتريتيس تشكيل فرق تفاوض فنية مع كل من حكومتي الوحدة الوطنية في طرابلس والحكومة المكلفة من مجلس النواب في شرق ليبيا لبحث سبل الحوار.
وفي حزيران/ يونيو الماضي، أشعلت أزمة التنقيب عن الغاز في مناطق بحرية متنازع عليها خلافاً دبلوماسياً بين ليبيا واليونان، حيث استدعت طرابلس السفير اليوناني على خلفية ما وصفتها بـ»الخطوات الأحادية» التي اتخذتها أثينا في مناطق بحرية متنازع عليها.
وأعلنت حكومتا الدبيبة وحماد رفضهما لطرح اليونان عطاءات تنقيب جنوب كريت، معتبرتين الخطوة انتهاكاً للسيادة، ومؤكدتين ضرورة الحوار لتسوية النزاع البحري القائم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القدس العربي
منذ ساعة واحدة
- القدس العربي
غوتيريش: وجود خمسة ملايين فلسطيني بلا حقوق على أراضيهم يتعارض مع مبادئ الإنسانية والقانون الدولي
نيويورك (الأمم المتحدة): قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في مؤتمر صحافي بمقر المنظمة في نيويورك، إن وجود خمسة ملايين فلسطيني على أراضيهم في فلسطين المحتلة من دون حقوق، يتعارض مع مبادئ الإنسانية وأحكام القانون الدولي. جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي خصص لإطلاق تقرير 'أهداف التنمية المستدامة'، بمناسبة مرور عشر سنوات على إطلاقها، وبقاء خمس سنوات فقط لتحقيقها بحلول عام 2030. وأكد غوتيريش أن على المجتمع الدولي إدراك العلاقة الوثيقة بين تراجع التنمية وتصاعد النزاعات، قائلًا: 'لهذا السبب، يجب أن نواصل العمل من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط'. وشدد على الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، والإفراج العاجل عن جميع الرهائن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق، كخطوة أولى نحو حلّ الدولتين، إضافة إلى تثبيت وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وتحقيق سلام عادل ودائم في أوكرانيا، ووضع حد للعنف وسفك الدماء في السودان. وأشار الأمين العام إلى أن العالم يشهد أزمة تنموية عميقة، حيث يعيش نحو 800 مليون شخص في فقر مدقع، وهو وضع تفاقم بسبب التغير المناخي. وأقر بأن 35% فقط من أهداف التنمية المستدامة تسير على المسار الصحيح أو تحرز تقدمًا متوسطًا. وفي بيانه الذي ألقاه قبل الردّ على عدد محدود من الأسئلة، أعرب غوتيريش عن أمله في أن تتمكن الأطراف من تجاوز العقبات لتحقيق وقف لإطلاق النار، لكنه شدد على أن الوقف المؤقت لا يكفي، بل يجب أن يؤدي إلى حل دائم. وأضاف أن هذا الحل لن يتحقق إلا إذا تمكّن الفلسطينيون والإسرائيليون من العيش في دولتين تضمنان لهم ممارسة حقوقهم كاملة، معلنًا أن مؤتمرًا بشأن حلّ الدولتين سيعقد خلال يوليو/ تموز الجاري. وفي سياق متصل، دعت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، كاثرين راسل، إسرائيل إلى مراجعة قواعد الاشتباك في غزة، وذلك عقب استشهاد سبعة أطفال أثناء انتظارهم في طابور للحصول على الماء عند نقطة توزيع. وأضاف بيان راسل أن الحادث، بحسب تقارير إعلامية، وقع وسط غزة يوم الأحد، وأسفر أيضًا عن استشهاد أربعة أشخاص آخرين جراء غارة جوية إسرائيلية. وقد صرّح جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه كان يستهدف 'إرهابيًا'، لكنه أقرّ بوقوع 'خطأ فني' أدى إلى انحراف الذخيرة عن مسارها. وأشارت راسل إلى أن الحادث يأتي بعد أيام فقط من استشهاد عدد من النساء والأطفال أثناء وقوفهم في طوابير للحصول على الغذاء، داعية إسرائيل إلى الالتزام العاجل بالقانون الدولي الإنساني، ولا سيما في ما يتعلق بحماية المدنيين والأطفال. وكانت الأمم المتحدة قد استنكرت مرارًا مقتل مدنيين فلسطينيين أثناء سعيهم للحصول على مساعدات غذائية، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، حيث حذّر خبراء الأمن الغذائي من أن سكان القطاع بأكملهم لا يحصلون على الغذاء الكافي. من جهتها، ذكرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في منشور على منصة 'إكس'، أن شاحنات محمّلة بالمواد الغذائية والإمدادات الطبية لا تزال عالقة في المستودعات خارج القطاع. وجاء في المنشور، الذي حمل عنوان 'ارفعوا الحصار': 'دعوا الأمم المتحدة، بما فيها الأونروا، تقوم بعملها'. وفي سياق منفصل، سلّطت الأونروا الضوء على أوضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، في ظل استمرار الحرب على غزة. وقال المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، خلال مشاركته في منتدى كوكس بسويسرا اليوم الإثنين، إن 'عملية الضمّ مستمرة على قدم وساق'، مضيفًا: 'هذا ليس مجرد تدمير، بل تهجير قسري ممنهج، وانتهاك للقانون الدولي، وشكل من أشكال العقاب الجماعي'. وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد شنّت في يناير/ كانون الثاني الماضي عمليات عسكرية واسعة في مدينتي طولكرم وجنين بالضفة الغربية المحتلة، وصفتها الأونروا بأنها الأكبر منذ عقدين. وأفاد عاملون في المجال الإنساني الأسبوع الماضي بأن تلك العمليات تسببت في دمار واسع ونزوح كبير للسكان.


القدس العربي
منذ ساعة واحدة
- القدس العربي
القوى الوسيطة العاقلة… منطقتنا وأمنها المراوغ
من المعروف جيداً أن بعض دول الشرق الأوسط، وهي مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا وإسرائيل وإيران، تمتلك نفوذاً كبيراً يتجاوز حدودها. إن قوتها الشاملة ـ التي تشمل المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية ـ تضعها في موقع فريد يمكّنها من إطفاء نيران الصراعات في المنطقة. لا تزال مصر والأردن تحترمان اتفاقيات السلام الموقعة مع إسرائيل، ومن ثم تلتزمان بالنظام القائم على القواعد المنصوص عليها في تلك الاتفاقيات. بل إن اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل الموقعة عام 1994 تنص في المادة الرابعة (الأمن) على أن 'الطرفين يعترفان بإنجازات الجماعة الأوروبية والاتحاد الأوروبي في تطوير مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا (CSCE) ويلتزمان بإنشاء مؤتمر للأمن والتعاون في الشرق الأوسط (CSCME)'. ويتطلب هذا الالتزام تبني نماذج أمن إقليمية نُفذت بنجاح في حقبة ما بعد الحرب العالمية (على غرار عملية هلسنكي) تؤدي إلى منطقة إقليمية من الأمن والاستقرار. وفي المقابل، فإن 'اتفاقيات أبراهام' التي أُبرمت عام 2020 مهدت الطريق للاعتراف الرسمي بإسرائيل من قبل الإمارات والبحرين (وهو أول اعتراف منذ الأردن في 1994) وتبعتهما السودان والمغرب باتفاقيات تطبيع. ورغم أن هذه الاتفاقيات أرست بعض أوجه التعاون الدبلوماسي والأمني، إلا أن الاعتبارات الاقتصادية بدت هي الأرجح. لكن، قبل وقت طويل من 7 أكتوبر 2023، قامت كل من إيران وإسرائيل بتغذية العنف وزعزعة الأمن في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن. وقد أدت سياساتهما العدائية إلى عزلتهما عن قوى مؤثرة أخرى، وحصرت علاقاتهما في اتفاقات براغماتية، مثل اتفاق إيران مع السعودية لإعادة العلاقات الدبلوماسية في ظل الصراع اليمني، وتعاون إسرائيل مع مصر لإدارة التوترات الحدودية والأزمات المرتبطة بغزة. ورغم تحذير إسرائيل الدائم من التهديدات المحتملة لأمنها أو حتى لحقها في الوجود، فإنها ـ خلال السنوات الماضية ـ هي من شكّل التحديات والتهديدات الأكبر لأمن الشرق الأوسط، من خلال المغامرات العسكرية التي تنتهجها حكومتها اليمينية المتطرفة، واعتقادها بإمكانية فرض إرادتها على أعدائها باستخدام القوة العسكرية، إضافة إلى رفضها الفعال لأي مفاوضات أو حلول سلمية. كما أن القراءة الأصولية والمسيانية والأبوكاليبتية (نهاية العالم) لليهودية التي تتبناها الحكومة الائتلافية في إسرائيل تعكس صعود الأصوليات والتطرف الشيعي والسني على مدى عقود. وبالطبع، يجب أيضاً معالجة أخطار أخرى، منها الاستخدامات العسكرية غير المنظمة للذكاء الاصطناعي، والتأثيرات المزعزعة لاستمرار مأساة الفلسطينيين على مصر والأردن وسوريا والعراق. إلا أن الأخطر هو سهولة اندلاع الحروب والصراعات المسلحة في الشرق الأوسط اليوم ـ سواء مباشرة أو عبر وكلاء ، والغياب شبه الكامل للأطر الدبلوماسية الجماعية متعددة الأطراف، والتفاوت الهائل في القدرات العسكرية والاستخباراتية بين القوى الإقليمية. كما أن التجاهل الفاضح للقانون الدولي والإنساني، والتقليل من شأن المنظمات متعددة الأطراف، فضلاً عن انتهاك مبدأ حظر العنف المنصوص عليه في الفصل الرابع من ميثاق الأمم المتحدة وغيرها من البنود، هو أمر مقلق بشدة. وترافق هذه التطورات تطورات أخرى في تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات ووسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، مما يؤثر ليس فقط في الحروب التقليدية، بل في مجال المعلومات والتضليل أيضاً. إذ لم يعد الرأي العام وحده هو المستهدف بالأخبار الكاذبة واستراتيجيات التضليل، بل يشمل أيضاً القادة السياسيين والإدارات العامة. لقد أصبح الذكاء الاصطناعي والإعلام والتضليل عناصر رئيسية في الحرب والدعاية، مما أسهم في تقويض الثقة في الحلول السياسية أو الدبلوماسية، بل وفي قدرة السياسيين والإدارات والمواطنين والخبراء على المساهمة في حلول سلمية وصياغة آفاق إيجابية. لتحقيق الأمن والتعاون فعلياً، يجب الضغط على إسرائيل للتخلي عن السياسات القائمة على الإكراه والتفوق الأحادي وإنكار حق الفلسطينيين وبناءً عليه، لم يكن مفاجئاً اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران في يونيو 2025، ولا أن إسرائيل شنت ضربات على منشآت نووية ومواقع عسكرية إيرانية في مناطق جغرافية واسعة، واستهدفت علماء نوويين وقادة عسكريين. ولم يكن رد إيران مفاجئاً أيضاً، بإطلاق صواريخ على أهداف عسكرية واستراتيجية إسرائيلية ـ بعضها سقط في مناطق سكنية. كما لم يكن غير متوقع أن تصر إسرائيل على استمرار الحرب، نظراً لرؤيتها للبرنامج النووي الإيراني كتهديد وجودي، أو أن تعرض إيران العودة للمفاوضات مع وسطاء أوروبيين (مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة في جنيف) أو مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي بعد توقف الهجمات الإسرائيلية ـ ما يعني عملياً اقتراحاً بوقف إطلاق النار. ومع أن ميزان القوى العسكرية والاستخباراتية يميل بشدة لصالح إسرائيل، فإن تدخّل الولايات المتحدة المباشر عبر قصف المنشآت النووية الإيرانية (بما في ذلك مفاعل فوردو) والتحليلات المتناقضة التي تلت ذلك بشأن 'نجاح' هذه العمليات، كلها تؤكد تآكل السياسة المبنية على مبدأ الحد من العنف واستخدام الأدوات الدبلوماسية إلى أقصى حد. وقد زاد من حجم الدمار والدعاية إعلان كل من إسرائيل والولايات المتحدة احتمال حدوث 'تغيير في النظام' في إيران، وهو طرح ساذج في طبيعته، حيث تم الإيحاء بأن الشعب الإيراني ـ رغم تنوعه ووجود عدد متزايد من المعارضين لنظام الملالي ـ سينهض فجأة لإسقاط النظام التوتاليتاري. وهذا الطرح، رغم طابعه الساخر، قد يعرّض المجتمع المدني الإيراني والمعارضة لمزيد من القمع والانتهاكات لحقوق الإنسان. رغم أن إسرائيل خرجت من الصراع كمنتصر استراتيجي، فإنها وجدت نفسها في موقف هش، إذ إن ضرورة استمرار الضربات العسكرية لمنع 'محور المقاومة' من استئناف هجماته تؤدي إلى دوام حالة عدم الاستقرار. وفي الوقت نفسه، فإن إعادة احتلال غزة، وفرض التهجير، وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وانتهاك سيادة لبنان وسوريا لا تخلق أمناً دائماً، بل تعيق أيضاً جهود التطبيع مع جيرانها الإقليميين. ولتحقيق الأمن والتعاون فعلياً، يجب على إسرائيل ـ أو يجب الضغط عليها ـ للتخلي عن السياسات القائمة على الإكراه والتفوق الأحادي وإنكار حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. وبدلاً من ذلك، ينبغي الضغط لإقناعها بالسعي إلى توافق إقليمي يهدف إلى تسويات سلمية وترتيبات أمن جماعي، وتحديد حدود ومجالات نفوذ تُحترم بشكل متبادل. وإذا لم تُجرِ إسرائيل هذا التغيير الاستراتيجي، فإنها ستبقى رهينة صراع لا نهاية له يقوض السلام الإقليمي ومصالحها بعيدة المدى. وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ترفض بشكل صارخ أيًا من هذه التوجهات، فإن قوى المعارضة والمعتدلين داخل إسرائيل يمكن اعتبارها شركاء في هذه المساعي. أما إيران، فقد خرجت من الصراع بعد 7 أكتوبر كأكبر خاسر استراتيجي، تواجه تراجعاً يبدو متزايدًا في لا رجعيته. إذ إن الاستراتيجيات التقليدية التي اعتمدتها لاستعادة نفوذها ـ مثل دعم حلفائها في غزة ولبنان، أو محاولة توحيد فلول نظام الأسد في سوريا، أو تفعيل الميليشيات العراقية واليمنية لشن عمليات عبر الحدود ضد إسرائيل ـ أثبتت عدم كفايتها، حتى مع تدخل الحرس الثوري المباشر. ويبدو أن القيادة الإيرانية ـ كما يتضح من تصريحات المرشد الأعلى خامنئي ومسؤولين آخرين ـ تدرك جيداً تعدد الجهات التي تستفيد من تراجع نفوذها. لقد انهارت السردية القوية لمحور المقاومة تحت وطأة الصراعات والتدمير وتفوق إسرائيل العسكري الساحق، ما جعل طهران أكثر عزلة وهشاشة إقليمياً. وقد أدى هذا التراجع في تأثير إيران على وكلائها التقليديين ـ وربما سيؤدي مستقبلاً ـ إلى إحياء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وفصائلها. وربما بدأت إيران بالفعل تدرك هذا التحول الاستراتيجي، وردت بفتح قنوات تفاوض مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي. كما سعت لتحسين علاقاتها الدبلوماسية مع جيرانها العرب في الشرق الأوسط، أملاً في أن يشكّل الرفض العربي لأي هجوم إسرائيلي على أراضيها حاجزاً إقليمياً، وأن تقوم بعض الدول العربية بدور الوسيط بين طهران وواشنطن. وفي الواقع، فإن التصريحات والمواقف الأخيرة من دول الخليج ومصر والعراق والأردن تشير إلى أن العالم العربي يعارض بوضوح الضربات الإسرائيلية ضد إيران. كما أن عمان وقطر واصلتا جهود الوساطة مع الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل لوقف حملتها العسكرية. ومع ذلك، فإن التعديلات في سلوك إيران الإقليمي، وتقاربها مع جيرانها العرب، وجولات التفاوض مع الولايات المتحدة، لم تكن كافية لتهدئة أو ردع إسرائيل عن مواصلة هجماتها على جيرانها وما بعدهم. في المقابل، بدأت السعودية والإمارات وقطر ومصر وتركيا تتبنى بشكل متزايد استراتيجيات تركز على الدبلوماسية والسياسات الخارجية غير العنيفة بدلاً من الانخراط العسكري في صراعات طويلة الأمد. لكن كسر دائرة العنف في الشرق الأوسط يتطلب إرادة جماعية لبناء إطار للأمن والتعاون يستند إلى مبادئ عادلة وقابلة للتنفيذ في جميع أنحاء المنطقة. ويجب أن يوظف هذا الإطار الموارد الإقليمية لتعزيز الأمن والازدهار، وتشجيع التجارة والتعاون العلمي والأكاديمي، وتعزيز ممارسات حسن الجوار، وتنمية التواصل بين الشعوب من خلال التعليم والتبادل. كما أن فشل القوى الكبرى ـ وخاصة الولايات المتحدة ـ في قيادة مثل هذه المبادرة يؤكد على الحاجة الملحة لتحمّل الفاعلين الإقليميين هذه المسؤولية بأنفسهم. كاتب من مصر


القدس العربي
منذ 3 ساعات
- القدس العربي
«بِتكوين» تتجاوز 123 ألف دولار لأول مرة في تاريخها
سنغافورة/لندن – وكالات: سجلت عملة بِتكوين المُشَفَّرة مستوىً جديداً غير مسبوق أمس الإثنين إذ تجاوزت 123 ألف دولار للمرة الأولى قبل أن تتراجع في المعاملات اللاحقة، بينما تجاوز سعر إيثريوم، ثاني أغلى عملة مُشَفَّرة بعد البِتكوين، الثلاثة آلاف دولار، في مؤشر على زيادة الثقة والاستثمار في أكبر عملة مُشَفَّرة في العالم وسط توقعات المستثمرين بتحقيق مكاسب سياسية طال انتظارها لهذا النوع من الأصول هذا الأسبوع. وبدأ مجلس النواب الأمريكي أمس مناقشة سلسلة من القوانين لتوفير الإطار التنظيمي لقطاع الأصول الرقمية، وهو مطلب طال انتظاره. ولاقت هذه المطالب صدى لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يصف نفسه بأنه «رئيس العملات المُشَفَّرة» وحث صانعي السياسات على تحديث القواعد بما يخدم القطاع. وشهدت بِتكوين ارتفاعا بنسبة 29 في المئة منذ بداية العام وحتى الآن، مما أدى إلى انتعاش أوسع في العملات المُشَفَّرة الأخرى خلال الأسابيع الماضية على الرغم من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب وأثارت الكثير من الفوضى. أما إيثر، ثاني أكبر العملات المُشَفَّرة في العالم، فقد قفزت أيضاً إلى أعلى مستوى لها خلال أكثر من خمسة أشهر عند 3059.60 دولار وارتفعت «إكس.آر.بي» و»سولانا» بنحو ثلاثة في المئة. وقالت سوزانا ستريتر من «هارغريفز لانسداون» البريطانية لإدارة الاستثمارات إن «ترامب كان من أشدّ المدافعين عن العملات الرقمية، ويبدو أن وعوده ستترجم قانوناً». وأضافت «قد يُشجّع ذلك المزيد من الشركات والمؤسسات المالية على حيازة» عملات رقمية. وأوضحت أن «المضاربين يتهافتون على العملات المُشَفَّرة بسبب المخاوف من الوضع المالي غير المُستدام في الولايات المتحدة وتراجع سمعة الدولار». وفي الأسابيع الأخيرة استفادت عملة البِتكوين أيضاً من «التدفقات المالية إلى صناديق الاستثمار المتداولة» وهي منتجات استثمارية يتطور سعرها بناء لأداء هذه الأصول المُشَفَّرة، «والاستثمارات المؤسسية الجديدة» كما يقول بوب سافاج المحلل في بنك «نيويورك ميلون». ووصلت القيمة السوقية الإجمالية للقطاع إلى نحو 3.81 تريليون دولار حسب بيانات موقع «كوين ماركت كاب» المتخصص في تتبع سوق العملات الرقمية.