
مجاعة ثالثة تفتك بالغزيين
250 فلسطينياً على الأقل، من بينهم 66 طفلاً، قضوا جوعاً نتيجة سوء التغذية منذ بداية الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ نحو 20 شهراً ضد قطاع غزة. آخر هؤلاء كان الشاب أيوب صابر أبو الحصين (29 عاماً)، من خان يونس بجنوب القطاع، الذي فارق الحياة ليلة الاثنين - الثلاثاء.
الطفل عمر محمد الهمص (3 سنوات)، أحد الأطفال القابعين في مجمع ناصر الطبي بخان يونس، يواجه خطر الموت نتيجة إصابته في قصف إسرائيلي سابق طال عائلته، وكذلك نتيجة معاناته من سوء تغذية حاد بسبب عدم توافر مواد غذائية مناسبة يمكن تقديمها له لتساعده على التعافي، ومنها الحليب الطبي المفقود داخل القطاع.
فقدَ عمر والدته الحامل، وثلاثة من أشقائه الأطفال، فيما بقي وحيداً على قيد الحياة برفقة والده الذي يعاني من إصابة وصدمة حادة بعد استهداف عائلته في خيمة عاشوا فيها لأشهر بعد قصف منزلهم.
تحاول عمّة الطفل عمر أن تكون أباً وأماً له، وترافقه طوال الوقت في مجمع ناصر الطبي، وهي تتمسك بآخر أمل ترى أنه يسمح بإنقاذ حياة ابن شقيقها: السماح له بالسفر إلى خارج القطاع لتلقي العلاج.
تقول عمّة الطفل عمر في حديث لـ «الشرق الأوسط»: «منذ إصابته، لم يعد قادراً على السير بشكل طبيعي»، مشيرةً إلى أنه كان يتلقى العلاج في مستشفى الإندونيسي ببلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وعندما اقتحمت القوات الإسرائيلية هذه المنشأة الطبية تم نقل عمر إلى مجمع ناصر الطبي جنوباً، وجرت له عمليات جراحية عدة لعلاج جروحه نتيجة إصابته بالقصف. وأضافت أنه لا يزال يحتاج إلى عمليات أخرى دقيقة لا يمكن أن تجري في غزة بسبب حساسيتها، وهو بحاجة ماسة للعلاج في الخارج.
مرضى الفشل الكلوي أمام مجمع الشفاء الطبي الذي تعرض لضربات إسرائيلية مدمرة في مدينة غزة يوم الأول من يوليو الجاري ( أ.ب)
لفتت عمّة الطفل إلى أنه رغم محاولات الأطباء السيطرة على الحالة الصحية لعمر، فإن عدم توافر أغذية صحية مناسبة تساعده على التعافي زاد من سوء وضعه الصحي، الأمر الذي تسبب في مشكلات صحية مختلفة كان سوء التغذية جزءاً أساسياً منها.
من الممكن أن أفقد ابنتي في أي لحظة... وما أريده فقط أن تُعالَج في الخارج
أسماء العرجا والدة الطفلة ميار التي تعاني سوء التغذية:
وأوضح الدكتور أحمد الفرا، مدير قسم الأطفال في مجمع ناصر الطبي، أن الطفل الهمص يعاني من إصابات شديدة في الدماغ، وخضع لأكثر من عملية جراحية ولديه صعوبة في التنفس، وبات يصنّف من الحالات التي تعاني من سوء شديد في التغذية.
وبيّن الفرا، في حديث لـ «الشرق الأوسط»، أن وزن عمر الطبيعي كان 15 كيلوغراماً، والآن أصبح 10 كيلوغرامات فقط، لافتاً إلى أن حالته الصحية يُنظر إليها على أنها صعبة وسيكون مستقبله صعباً طالما استمر بهذا الوضع نتيجة الإصابة وسوء التغذية الذي يلازمه وعدم توافر المواد الغذائية اللازمة لمثل حالته.
وأوضح الفرا أنه تم استصدار تحويلة للعلاج له بالخارج، إلا أن إغلاق المعابر يحرمه الخروج للعلاج، مثله مثل آلاف غيره من الأطفال الغزيين، مشيراً إلى أن هناك نحو 13 ألف طفل بحاجة ماسة للعلاج خارج القطاع لعدم توافر الإمكانيات الطبية المطلوبة في مستشفياته.
وقالت مصادر طبية في غزة إن هناك نحو 1200 طفل يعانون حالياً من سوء التغذية في داخل مستشفيات القطاع وخارجها.
وتوصف هذه الفترة في قطاع غزة بأنها واحدة من الأصعب والأقسى منذ بداية الحرب بفعل المجاعة التي تتحقق حالياً. وسبق للقطاع أن شهد مجاعة مماثلة مرتين في مرحلتين منفصلتين، كانت أشدهما حدة في شمال القطاع واستمرت نحو 3 أشهر نتيجة فرض حصار مشدد وخانق على أكثر من 350 ألف فلسطيني بقوا هناك خلال محاولات التوغل الإسرائيلية، والأخرى أقل حدة استمرت لأقل من شهر بقليل في جنوب القطاع حيث كان يتواجد أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني.
ويتوقع أن يزداد عدد ضحايا سوء التغذية اليوم في ظل استمرار عدم وجود آلية واضحة لتوزيع المساعدات على السكان في القطاع، بعد استئناف دخولها بشكل محدود، وإجبار السكان على التوجه إلى مناطق قريبة من أماكن تواجد الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي يزيد من معاناة الغزيين الذين يدفعون حياتهم ثمناً لذلك.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد حذّرت، في مايو (أيار) الماضي، من أن 71 ألف طفل ممن هم دون سن الخامسة من العمر، معرضون لخطر التعرض لسوء التغذية الحاد خلال فترة أقل من عام، في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه.
وقال حينها ممثل المنظمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة الدكتور ريك بيبركورن: «إن ما نراه في غزة هو أن الناس عالقون في هذه الحلقة المفرغة، حيث يغذّي نقص الغذاء المتنوع، وسوء التغذية، والأمراض بعضها بعضاً».
هذه واحدة من أسوأ أزمات الجوع بالعالم... وهي تتكشف في الوقت الراهن
الدكتور ريك بيبركورن ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة:
ونبه بيبركورن إلى أن الحظر الإسرائيلي الكامل على المساعدات لم يترك من إمدادات منظمة الصحة العالمية سوى ما يكفي لعلاج 500 طفل يعانون من سوء تغذية حاد، وهو «جزء بسيط من الاحتياجات الملحة». وترافق كلامه مع نشر تقرير أممي حول التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي تضمن تحذيراً من أن 470 ألف شخص في غزة سيواجهون جوعاً كارثياً (المرحلة الخامسة والأشد من التصنيف) خلال الفترة بين مايو (أيار)، وسبتمبر (أيلول) 2025، بزيادة قدرها 250 في المائة عن تقديرات التصنيف السابقة. وقال بيبركورن: «هذه واحدة من أسوأ أزمات الجوع في العالم، وهي تتكشف في الوقت الراهن».
ومن بين حالات سوء التغذية التي رصدتها «الشرق الأوسط» حالة الطفلة ميار العرجا (أقل من عامين) التي تقبع هي الأخرى في قسم الأطفال بمجمع ناصر الطبي. تقول أسماء العرجا، والدة الطفلة ميار، إن ابنتها تعاني بشدة من سوء التغذية، وإن لديها نقصاً حاداً في الوزن لعدم توافر الأغذية اللازمة مثل اللحوم والدجاج والبيض والأسماك والمكسرات، نتيجة إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر.
وتقول العرجا لـ «الشرق الأوسط»: «أنا ممكن أفقد بنتي في أي لحظة، وما أريده فقط أن تتعالج في الخارج»، مشيرةً إلى أنها تملك تحويلة لها لكن قوات الاحتلال الإسرائيلي لا تسمح بسفرها للخارج لتلقي العلاج.
وبيّنت العرجا أن طفلتها بحاجة لأنواع مختلفة من الغذاء حتى تستطيع التعافي واستعادة وزنها، مشيرةً إلى أنها تواجه نقصاً حاداً في الوزن أيضاً بفعل عدم توافر الحليب الطبي اللازم لها، مشيرةً إلى أنها تعاني من التهابات حادة وهناك شبهات بوجود جرثومة لديها.
وكان وزن الطفلة ميار يصل إلى 15 كيلوغراماً، وأصبح حالياً نحو 6 كيلوغرامات فقط. وأشارت والدتها إلى أن وضع الأطفال بغزة يزداد سوءاً، لافتة إلى أن الحالات المصابة بسوء التغذية تزداد داخل مجمع ناصر الطبي، مضيفة أنها بالكاد تفارق هذه المنشأة الطبية نتيجة تدهور وضع حالة طفلتها من حين إلى آخر.
وقالت: «خايفة أفقد بنتي. حالتها كل يوم تسوء أكثر لأنه ما فيه علاج (ليس هناك علاج)»، موجهةً مناشدتها لكل المؤسسات الدولية بالتحرك لإنقاذها، والعمل على إنقاذ حياة مختلف الأطفال الذين يعانون سوء التغذية في القطاع.
وتحذّر مصادر أممية من الضرر طويل الأمد الناجم عن سوء التغذية والذي يمكن أن «يستمر مدى الحياة» مع آثار تشمل التقزّم وضعف النمو المعرفي والصحة، وفق منظمة الصحة العالمية.
وتواجه الأمم المتحدة، كما يؤكد ينس لاركه، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، صعوبات في توصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة، إذ لا تسمح إسرائيل بإدخالها إلا بكميات قليلة بعد حصار مطبق بدأته مطلع مارس (آذار) قبل استئناف هجومها العسكري بغزة. واعتبر أن العدد المحدود من شاحنات المساعدات «هو مجرد قطرة في محيط»، قائلاً إن مهمة توزيع المساعدات واجهت «قيوداً تشغيلية جعلتها إحدى أكثر عمليات المساعدة المعوّقة ليس فقط في عالم اليوم، بل في التاريخ الحديث».
وأوضح الناطق الأممي أنه بمجرد دخول الشحنات إلى غزة، يقتحم السكان طرق دخولها أو المستودعات التي تخزّن فيها، معتبراً ذلك أنه يأتي في إطار «غريزة بقاء. عمل يقوم به أشخاص يائسون يريدون إطعام أسرهم وأطفالهم». وتابع: «كذلك، فإن المساعدات الموجودة في هذه الشاحنات موّلها مانحون لتوصيلها إلى هؤلاء الأشخاص، لذلك لا ألومهم»، مشيراً إلى أن هذه المساعدة مخصصة لسكان قطاع غزة «لكنها لا توزّع بالطريقة التي نريدها».
ولجأت الولايات المتحدة، بالشراكة مع إسرائيل، لإعلان إنشاء مؤسسة غزة الإنسانية، لتوزيع المساعدات على السكان، إلا أن هذه الآلية أثبتت فشلها نتيجة استهداف منتظري المساعدات يومياً مما يتسبب بوقوع ضحايا.
ووفقاً لوزارة الصحة بغزة، فإنه منذ بدء عمل هذه المؤسسة في نهاية مايو الماضي، قُتل 853 فلسطينياً نتيجة استهداف منتظري المساعدات، منهم 408 ممن وصلوا لنقاط التوزيع المخصصة من المؤسسة الأميركية – الإسرائيلية، و175 نتيجة انتظارهم قرب طرق دخول الشاحنات، ومن بين مجمل الضحايا 80 في المائة من الشبان والرجال، و16 في المائة من القاصرين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 6 ساعات
- الرياض
ارتفاع عدد الشهداء جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة إلى 57,338 شهيدًا
ارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ مطلع أكتوبر 2023 إلى(57,338) شهيدًا بينهم أطفال ونساء وعائلات بأكملها، فيما أصيب (135,957) آخرون وصفت جراح بعضهم بالخطيرة. وأفادت مصادر طبية فلسطينية باستشهاد (58) فلسطينيًا في قصف مدفعي وجوي إسرائيلي اليوم، استهدف منازل وخيامًا وتجمعات للفلسطينيين، ترافق ذلك مع استمرار عمليات نسف وتدمير مربعات سكنية كاملة في جباليا وخان يونس والأحياء الشرقية والجنوبية من مدينة غزة.


صحيفة سبق
منذ 6 ساعات
- صحيفة سبق
ارتفاع عدد الشهداء في غزة إلى 57,338 منذ بدء العدوان الإسرائيلي
ارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، منذ بدايته في السابع من أكتوبر 2023، إلى 57,338 شهيدًا، بينهم أطفال ونساء وعائلات بأكملها، وفق ما أعلنت عنه مصادر طبية فلسطينية. كما بلغ عدد المصابين 135,957 جريحًا، بينهم حالات خطيرة ما زالت تتلقى العلاج وسط ظروف طبية صعبة. وأفادت المصادر باستشهاد 58 فلسطينيًا اليوم فقط، إثر قصف مدفعي وجوي استهدف منازل وخيامًا وتجمعات سكانية في مناطق متعددة من القطاع.


صحيفة سبق
منذ 6 ساعات
- صحيفة سبق
فتّش عن الهواء الملوث.. سبب خفي لإصابات سرطان الرئة لدى غير المدخنين
أوضح الباحثون أن الدراسة اعتمدت على بيانات تلوث هوائي إقليمية، مما يصعّب تحديد مقدار التعرض الفردي للجزيئات الدقيقة في الهواء، كما أن دقة إفادات المشاركين بشأن تاريخهم مع التدخين قد تؤثر في النتائج. ورغم هذه القيود، يرى العلماء أن نتائج الدراسة تدعم الفرضية القائلة بأن تلوث الهواء قد يسهم في تطور سرطان الرئة من خلال آليات جينية تشبه تلك التي يسببها التدخين، بحسب ما نقلته سكاي نيوز عربية. من جانبها، أكدت عالمة الأوبئة الدكتورة ماريا تيريزا لاندي من المعهد الوطني للسرطان، أن العالم يواجه مشكلة صحية متنامية، قائلة: "علينا فهم العلاقة بين تلوث الهواء وإصابات سرطان الرئة لدى غير المدخنين بشكل أفضل".