
ما العمل بعد نهاية «النظام العالمي»؟
بطبيعة الحال، عالم الواقع أكثر تعقيداً من عالم صاحب الكرة، فالمتنافسون سعياً للتقدم في لعبة الأمم لن ينتظروا نظاماً جديداً يُنعم به عليهم من احترف الفوز في النظام القديم، بل سيسعون إلى ترتيب البدائل التي تيسر حركة التجارة والاستثمار وتنظم سريانها وتسوي منازعاتها. وفي هذه الأثناء سيسعون إلى احتواء اللاعب القديم؛ فقد صار لديهم ما يخسرونه إذا ما افتعل المعارك ليطيل أمد الهيمنة بكل ما يتاح له من سبل استخدام القوة بأنواعها ناعمة كانت أم خشنة، أو مزج بينهما بما تيسر له من ذكاء مفترض.
وما دمنا بصدد القوة في العلاقات الدولية فلنرجع إلى آخر ما كتبه جوزيف ناي، الأستاذ بجامعة هارفارد، ونُشر قبل وفاته بأيام في عدد شهر أبريل (نيسان) الماضي من مجلة «أفريكان إيكونومي» المعنية باقتصاد القارة السمراء، وكان قد اختصها بمقال عن مستقبل النظام العالمي، أشار فيه إلى أنه بعد القرن الماضي الذي شهد سيطرة أميركية بعد نهاية الحرب الباردة في عام 1991، بما أسفر عن تدعيم مؤسسات واتفاقيات دولية قائمة وإنشاء أخرى تؤكد نهج الاعتماد على القواعد الحاكمة في إدارة العلاقات الدولية. لعب فيها دور حكام اللعبة الدولية مؤسستا بريتون وودز المتمثلتان في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية والاتفاقية الإطارية لتغيرات المناخ وغيرها. ولكن مع اطراد الصعود الآسيوي، وقبل قدوم الرئيس الأميركي دونالد ترمب لسدة الحكم بفترة بدأ تنبؤ المحللين بأن عصر الهيمنة الأميركية يوشك أن يرى نهايته، مع توزيع جديد للقوة.
جاءت المكاسب الآسيوية المتنامية منذ مطلع هذا القرن على حساب أوروبا، فما زالت الولايات المتحدة تحتفظ بنصيبها الذي تمتعت به لعقود وهو ربع الاقتصاد العالمي. ورغم تقدم الصين فاقتصادها لم يتفوق على المنافس الأميركي بعد. وعلى الرغم من تطورها العسكري الوثاب فإنها تأتي بعد الولايات المتحدة وزناً في آلة الحرب، ولا تتمتع بتحالفاتها، أو تقدمها التكنولوجي، حتى الآن.
النقطة المحورية هي تلك التي اختتم بها جوزيف ناي مقاله، والتي تمزج بين معرفته البحثية وخبرته العملية، مساعداً سابقاً لوزير الدفاع الأميركي، وخلاصتها أنه «إذا ما تآكل النظام الدولي الراهن فإن السياسات المحلية الأميركية تتحمل مسؤولية هذا التآكل بقدر مسؤولية الصعود الصيني عنه». وقد ترك السؤال مفتوحاً عما إذا كان ما يشهده العالم منذ تولي الإدارة الثانية للرئيس ترمب من هجوم متوالٍ على التحالفات والمؤسسات الدولية التي بنيت القرن الماضي، بداية طويلة لانحدار أميركي، أم هي مجرد مرحلة دورة ستشهد صعوداً بعدما تصل للدرك الأسفل من القاع. وقد دعا ناي إلى الانتظار للتعرف إلى الحقيقة بين الأمرين مع بداية ولاية رئيس أميركي جديد في 2029. لم يمنح القدر الفرصة لناي للتعرف إلى الرئاسة الجديدة لما بعد ترمب وتوجهاتها، ولا أحسب أن سائر العالم معلقة مصائره انتظاراً لما سيقرره الناخب الأميركي ومزاجه، ويجب ألا تكون.
سنشهد مزيداً من محاولات الكر والفر في معركة التجارة الدولية لتخفيض التعريفة الجمركية المفروضة أحادياً في الثاني من أبريل الماضي الذي سماه ترمب «يوم التحرير» للتعريفة الجمركية الذي أعقبه التاسع من أبريل وهو «يوم تجميد» هذه التعريفة لتسعين يوماً، بعدما انتفضت الأسواق المالية متقلبة بعد تصعيد الحرب التجارية. وقد وجدنا اتفاقيات تجارية للتوصل لترتيب أفضل مع الولايات المتحدة، أو قُل أقل سوءاً مما صار في يوم التحرير، على النحو الذي تم بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وما يسعى إليه الاتحاد الأوروبي أيضاً.
وربما استجابت بلدان عالم الجنوب، ومنها البلدان العربية والأفريقية، لدعاوى الناصحين لها بزيادة القيمة المضافة بتصنيع ما تملكه من ثروات طبيعية وتعدينية على أرضها بدلاً من الاسترسال في النمط المتدني لعلاقاتها التجارية بتصديرها خاماتٍ وسلعاً أولية، وذلك بعقد منافسة مفتوحة بين الشركات الراغبة في التصنيع بخاصة مع الرغبة الجامحة للولايات المتحدة في الحصول على المواد الخام الحرجة اللازمة للصناعات التكنولوجية المتقدمة، بخاصة مع تقدم الصين في الولوج لمصادرها بخاصة في أفريقيا. ويقترح الاقتصاديان فيرا سونغ وي وويتني شنيدمان أن الولايات المتحدة في اتفاقياتها التجارية الجديدة مع أفريقيا عليها أن تعلي فرص زيادة التعاون في التصنيع بالقارة لكي تحظى بفرص تفوق الصين التي سبقتها بالفعل إلى القارة.
والأهم مما سبق هو كيفية قيام دول عالم الجنوب، وقد أدركت زوال النظام القديم، بإدارة عملية التنمية والتقدم بارتكازها على البشر، والتنويع الاقتصادي، والتحول الرقمي، وتيسير الاستثمار، وثورة في البيانات. وفي هذه المرتكزات والممكنات الخمس ما نفصله في مقال قادم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة سبق
منذ ساعة واحدة
- صحيفة سبق
انخفاض العقود الآجلة لخام برنت إلى 69.37 دولارًا للبرميل
تراجعت أسعار النفط اليوم الثلاثاء بعد ارتفاعها بنحو 2% في الجلسة السابقة، مع تقييم المستثمرين التطورات الجديدة بشأن الرسوم الجمركية الأمريكية وزيادة إنتاج أوبك+ التي فاقت التوقعات لشهر أغسطس. وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 21 سنتًا إلى 69.37 دولارًا للبرميل. وتراجع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 24 سنتًا إلى 67.69 دولارًا للبرميل.


العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
جنوب أفريقيا: الجهد الدبلوماسي مستمر نحو علاقات تجارية متوازنة مع أميركا
قال رئيس جنوب أفريقيا، اليوم الثلاثاء، إن الجهد الدبلوماسي مستمر نحو علاقات تجارية متوازنة مع أميركا. وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، يوم الاثنين، إن الولايات المتحدة ستفرض رسوما جمركية 25% على تونس وماليزيا وقازاخستان و30% على جنوب أفريقيا والبوسنة والهرسك و32% على إندونيسيا و35% على صربيا وبنغلادش و36% على كمبوديا وتايلاند و40% على لاوس وميانمار. وبدأ الوقت ينفد أمام الدول لإبرام اتفاقيات مع الولايات المتحدة بعد أن أطلق ترامب حربا تجارية عالمية في أبريل/نيسان، هزت الأسواق المالية ودفعت صانعي السياسات للإسراع إلى حماية اقتصاداتهم. حصل الشركاء التجاريون على مهلة أخرى بتوقيع ترامب أمرا تنفيذيا أمس الاثنين، يمدد بموجبه الموعد النهائي للمفاوضات المقرر يوم الأربعاء إلى أول أغسطس/آب.

العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
ترامب يفرض رسوماً 25% على اليابان وكوريا الجنوبية وتونس
بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الاثنين إبلاغ شركائه التجاريين، من كبار الموردين مثل اليابان وكوريا الجنوبية إلى الدول الصغيرة، بأن الرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة ستبدأ في أول أغسطس، إيذانا بمرحلة جديدة في الحرب التجارية التي بدأها في وقت سابق من هذا العام. أشارت الدول الأربع عشرة التي وصلتها رسائل تبلغها بالرسوم التي ستفرض عليها إلى وجود فرص لإجراء مفاوضات إضافية، محذرة في الوقت نفسه من أن أي خطوات انتقامية ستُقابل برد مماثل. وتشمل هذه الدول دولا مصدرة أصغر للولايات المتحدة مثل صربيا وتايلاند وتونس. وقال ترامب في رسالتين إلى اليابان وكوريا الجنوبية واللتين نشرهما على منصة تروث سوشيال: "إذا قررتما لأي سبب رفع رسومكما الجمركية، فإن أي رقم تختارانه سيضاف إلى نسبة 25% التي نفرضها". وستدخل الرسوم الجمركية المرتفعة، التي ستفرض على مستوردي السلع الأجنبية في الولايات المتحدة، حيز التنفيذ في أول أغسطس، ولن تدمج مع تلك المفروضة على قطاعات معلنة سابقا، مثل السيارات والصلب والألمنيوم. وهذا يعني على سبيل المثال أن الرسوم الجمركية على السيارات اليابانية ستبقى عند 25%، ولن ترتفع إلى 50% مثلما حدث مع قطاع السيارات مع فرض الرسوم الانتقامية الجديدة. وبدأ الوقت ينفد أمام الدول لإبرام اتفاقيات مع الولايات المتحدة بعد أن أطلق ترامب حربا تجارية عالمية في أبريل/نيسان، هزت الأسواق المالية ودفعت صانعي السياسات للإسراع إلى حماية اقتصاداتهم. حصل الشركاء التجاريون على مهلة أخرى بتوقيع ترامب أمرا تنفيذيا يوم الاثنين، يمدد بموجبه الموعد النهائي للمفاوضات المقرر يوم الأربعاء إلى أول أغسطس/آب. أبقى ترامب بعض الدول في حالة من الغموض وأبقى ترامب الكثير من دول العالم في حالة من الغموض بشأن نتائج المحادثات التي استمرت لأشهر مع الدول التي تأمل في تجنب الزيادات الكبيرة في الرسوم الجمركية التي هدد بها. ومعدل الرسوم الجمركية على كوريا الجنوبية هو نفسه الذي أعلنه ترامب في بادئ الأمر، بينما يزيد على اليابان بنقطة واحدة عن المعلن في الثاني من أبريل/نيسان. وبعد أسبوع، حدد ترامب سقفا لجميع الرسوم الجمركية المتبادلة عند 10% حتى يوم الأربعاء. ولم يتسن التوصل إلا إلى اتفاقيتين حتى الآن، مع بريطانيا وفيتنام. وقالت نائبة رئيس معهد سياسات جمعية آسيا، ويندي كاتلر، إنه من المؤسف أن يرفع ترامب الرسوم الجمركية على الواردات من اثنين من أقرب حلفاء الولايات المتحدة، ولكن لا يزال هناك وقت لتحقيق تقدم في المفاوضات. وأضافت "مع أن الأخبار مخيبة للآمال، فإنها لا تعني أن اللعبة قد انتهت". الرسوم تشمل 14 دولة وقال ترامب إن الولايات المتحدة ستفرض رسوما جمركية 25% على تونس وماليزيا وكازاخستان و30% على جنوب أفريقيا والبوسنة والهرسك و32% على إندونيسيا و35% على صربيا وبنغلادش و36% على كمبوديا وتايلاند و40% على لاوس وميانمار. وأعلنت كوريا الجنوبية عزمها تكثيف محادثات التجارة مع الولايات المتحدة، وتعد خطة ترامب فرض رسوم 25% من أو أغسطس/آب تمديدا فعليا لفترة سماح لتطبيق الرسوم المتبادلة. وقالت وزارة الصناعة في سول "سنكثف المفاوضات خلال الفترة المتبقية للوصول إلى نتيجة مفيدة للطرفين، تسهم في سرعة حل أوجه عدم اليقين الناجمة عن الرسوم الجمركية". وقال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوسا إن معدل الرسوم الأميركية البالغ 30% غير مبرر، نظرا لأن 77% من البضائع الأميركية تدخل بلاده دون أي رسوم. وقال المتحدث باسم رامابوسا إن حكومته ستواصل التعاون مع الولايات المتحدة. ولم يصدر أي رد من السفارة اليابانية في واشنطن. انخفاض في الأسواق تراجعت الأسهم الأميركية عقب هذه التحركات، في أحدث اضطراب في الأسواق منذ أن أطلق ترامب العنان لحرب تجارية عالمية عند عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني. وتسببت تحركاته في زعزعة الأسواق المالية ودفعت صناع السياسات إلى التحرك سريعا لحماية اقتصاداتهم. انخفضت الأسهم الأميركية مقتربة من منطقة السوق الهابطة بسبب سلسلة إعلاناته عن الرسوم الجمركية في أوائل الربيع، لكنها سرعان ما انتعشت إلى مستويات قياسية بعد أن أوقف فرض أشد الرسوم في التاسع من أبريل/نيسان. وأغلق المؤشر ستاندرد اند بورز 500 منخفضا 0.8% يوم الاثنين، في أكبر انخفاض له في ثلاثة أسابيع. وتراجعت أسهم شركات السيارات اليابانية المدرجة في الولايات المتحدة، إذ تراجع سهم شركة تويوتا موتور أربعة بالمئة وهوندا موتور 3.9%. وارتفع الدولار مقابل كل من الين الياباني والوون الكوري الجنوبي. وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت في وقت سابق من يوم الاثنين إنه يتوقع صدور عدد من الإعلانات التجارية خلال اليومين المقبلين، مضيفا أنه تلقى العديد من العروض من الدول لإبرام اتفاقيات قبل الموعد النهائي. تكتلات تجارية قالت مصادر مطلعة في الاتحاد الأوروبي لرويترز يوم الاثنين إن الاتحاد لن يتلقى خطابا يحدد رسوما جمركية أعلى. ولا يزال الاتحاد يهدف إلى التوصل إلى اتفاق تجاري بحلول التاسع من يوليو/تموز. وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية أن رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين وترامب أجريا "مناقشة جيدة". والاتحاد الأوروبي متردد بين السعي لإبرام اتفاق تجاري سريع وبسيط، أو الارتكان على نفوذه الاقتصادي للتفاوض على نتيجة أفضل. وكان قد فقد الأمل في التوصل إلى اتفاق تجاري شامل قبل الموعد النهائي في يوليو/تموز. وزاد من الضغوط تهديد ترامب الأسبوع الماضي بفرض رسوم جمركية 17 % على صادرات الاتحاد الأوروبي الغذائية والزراعية. وهدد ترامب أيضا الدول الأعضاء في مجموعة بريكس بفرض رسوم جمركية إضافية عشرة بالمئة على أي دولة بالتكتل تتبنى سياسات "معادية للولايات المتحدة". وقال مصدر مطلع إن الرسوم الجمركية الجديدة بنسبة 10% ستفرض على كل دولة على حدة إذا ما اتخذت إجراءات معادية للسياسة الأميركية. وتضم مجموعة بريكس البرازيل وروسيا والهند والصين والهند وجنوب أفريقيا، إلى جانب دول انضمت حديثا هي مصر وإثيوبيا وإندونيسيا وإيران والإمارات.