
تحرير العلاقة الزوجية من الأجندة الخفية
في قلب العلاقة الزوجية، تختبئ أحيانًا "أجندة خفية" تؤثر على طبيعة التفاعل بين الزوجين، سواء أدركا وجودها أم لا. هذه الأجندة قد تكون موروثة من أساليب تنشئة أسرية، أو تقاليد اجتماعية صارمة، أو نابعة من توقعات غير واعية تفرض قيودًا على حرية الزوجين في التعبير عن ذواتهما. وهنا تبرز أهمية مفهوم الحرية الهيجلية، حيث يرى الفيلسوف جورج هيجل أن الحرية لا تعني التخلص العشوائي من القيود، بل هي انفلات الوعي -إن صحت التسمية- أو تحرره من الضرورات الطبيعية بمعنى اكتساب درجة وعي يتحرر فيها الإنسان اختيارًا من تأثير الغرائز وأساليب التنشئة والعادات الصارمة والتوقعات غير الواعية، ويبدأ في تحقيق ذاته لأنه حينها أصبح قادرًا على اتخاذ قرارته باختيار واعٍ ومسؤولٍ. هذا الفهم العميق للحرية يصبح مهمًا جدًا عندما نتحدث عن العلاقات الزوجية، لأنها مساحة حيّة للتفاعل والنمو المشترك، وليست مجرد ارتباط شكلي.
وبما أن التفاعلات بين الزوجين ليست مجرد سلوكيات ظاهرية، بل هي مشحونة بالرموز والمعاني –كما يؤكد المدخل التفاعلي الرمزي– فإن كل تصرف، مهما بدا بسيطًا، يحمل رسالة عاطفية ضمنية. فالهدية، أو الكلمة الدافئة، ليست تعبيرًا عن اللطف فقط، بل إشارات وجدانية عميقة تنتظر من الشريك الآخر أن يلتقطها ويتفاعل معها، وعندما يغيب هذا الانتباه، تتسرب فجوة صامتة تتراكم شيئًا فشيئًا. من هنا، تتضح أهمية الوعي والحرية الداخلية، لا للانسحاب من العلاقة، بل لفهم الشريك بعمق، والتفاعل معه بأصالة واحترام، ذلك هو ما يبني الثقة ويقوّي أواصر الاتصال الحقيقي.
وعندما أتحدث عن الأجندة الخفية في العلاقة الزوجية فأعني بها كل ما يفرض نفسه على العلاقة دون وعي الزوجين، ومن أمثلة ذلك:
الأدوار التقليدية الصارمة: مثل توقع أن يكون أحد الزوجين العائل المادي والآخر مقدم الرعاية، أو أن تتولى الزوجة دائمًا مسؤولية الأعمال المنزلية وتربية الأبناء.
الضغوط المجتمعية: التي تجبر الزوجين على اتباع أنماط حياة معينة حفاظًا على المظهر الاجتماعي كحفلات الزواج المكلفة أو شراء منزل فاخر للاستدلال على المكانة الاجتماعية.
التوقعات الفردية المبالغ فيها: كأن يطالب أحد الشريكين أن يكون الآخر متاحًا له عاطفيًا طوال الوقت دون انقطاع، أو أن يغير شخصيته بالكامل ليناسب تطلعاته. وما زلت أذكر أحد الحالات التي مرت عليّ في العيادة والتي طالب أحد الشريكين بقيمة (5 ملايين ريال) لإثبات توبته وصدقه وتم توثيق ذلك قانونيا لكن العلاقة لم تستقم وانتهى الأمر بالندم والبحث عن مخارج لهذا التوثيق عند أبواب المحامين. ولتحقيق علاقة زوجية قائمة على التفاهم والحرية، ينبغي أن تتسم بقدر عالٍ من السعة والاستمتاع، بحيث يكون ذلك اختيارًا واعيًا ومقصودًا من الزوجين، وليس مجرد نتيجة للظروف. فالأصل في العلاقة الزوجية أنها ليست للضيق والتضييق أو الخنق والتنكيد ومما يساعد الأزواج في ذلك اتباع المبادئ التالية:
الوعي الذاتي والمشترك: مراجعة توقعات الزوجين من علاقتهما والتأمل فيما إذا كانت تعبر عن احتياجات حقيقية نابعة من الداخل، أم أنها مجرد تقليد لما تفرضه الأسرة أو المجتمع.
إعادة توزيع الأدوار بمرونة: تجاوز الأدوار التقليدية يمكن أن يخلق توازنًا صحيًا، حيث يتشارك الزوجان في مختلف جوانب الحياة، من العمل إلى العناية بالأطفال.
وعي الاختيار المتجدد: فهم العلاقة الزوجية كرحلة ديناميكية ومستدامة تتطلب مراجعة دائمة وتجديدًا للنية، لا كقرار وحيد اتُّخذ في الماضي فالعلاقة هنا لا تُبنى على لحظة اختيار واحدة (كالزواج)، بل على استمرار هذا الاختيار كل يوم. فالشريك لا يُحب مرة ويُكتفى، بل يُختار مرة بعد مرة، بإرادة حرة ووعي متجدد، وهذا ما يمنح العلاقة معناها ومرونتها واستمراريتها.
إفساح المجال للنمو الشخصي: العلاقة الزوجية يجب أن تكون داعمة لنمو كل شريك مما يزيد من شعورهما بالسعادة داخل العلاقة.
فن الحضور: إن التحرر من ثقل التوقعات والقلق، وتقدير الحضور المشترك بوصفه جوهر العلاقة، هو ما يمنحها معناها الأعمق. ففي زحمة المسؤوليات وضجيج الالتزامات، كثيرًا ما ننسى أن جمال العلاقة لا يكمن في الغرق داخل تلك المسؤوليات والالتزامات، بل في اختيار وجود حقيقي مع الشريك فكريًا ومشاعريًا، هنا والآن..لحظة بسيطة، حديث صادق، ضحكة عفوية، أو حتى صمت مريح… كلها لحظات تُغذّي العلاقة وتبث فيها الحياة. إنه فن أن تكون حاضرًا بكلّك، وأن تقول دون كلمات: "أنا هنا، معك، الآن... وهذا كافٍ.
وأخيرا فإن تحقيق الحرية في العلاقة الزوجية، بمعناها الهيجلي، ليس ترفًا بل ضرورة لبناء علاقة متوازنة وعميقة. إنها دعوة لتجاوز الضرورات الغريزية والتوقعات المجتمعية، وتحويل العلاقة إلى فضاء للتعبير الحر والاحترام المتبادل. بذلك، تصبح العلاقة الزوجية مصدرًا للسعة والاستمتاع، حيث يجد الزوجان نفسيهما في الآخر، دون أن يفقدا حريتهما الفردية. فهل يمكن أن تكون علاقتك الزوجية أكثر حرية؟
*أخصائي اجتماعي
عبدالرحمن الرويحلي
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 5 ساعات
- الرياض
الواجهة البحرية بالوجه.. متنفس رياضي وترفيهي
تشكل الواجهة البحرية بمدينة الوجه، متنفسًا سياحيًا ورياضيًا على طول شريطها الساحلي الذي يمتد لمسافة تتجاوز الـ17 كيلو مترا، إضافة إلى 2 كيلو متر من الكورنيش الحضري بما يضم من مرافق متكاملة ومسارات آمنة تجذب العائلات وهواة الرياضة من مختلف الفئات العمرية. وتشهد الواجهة تفاعل الأهالي مع المسارات المخصصة لممارسة الرياضة، حيث تنوعت المشاهد بين أفراد يمارسون رياضة المشي في انسجام مع الطبيعة، ومجموعات تؤدي التمارين الرياضية على الشاطئ، وسط ممرات مزينة بالنخيل، ومقاعد للاستراحة، وأعمدة إنارة تتناغم مع التصميم الجمالي للموقع. ويعكس الموقع حالة من التوازن بين الرياضة والترفيه، حيث أصبح ممشى الوجه وجهة مفضلة للباحثين عن أسلوب حياة نشط، خاصة مع إطلالته المباشرة على البحر، التي تضفي على تجربة المشي أو الجري إحساسًا بالهدوء والانتعاش. ويأتي مشروع الواجهة البحرية، ضمن حزمة من المبادرات التنموية التي تهدف إلى تحسين جودة الحياة، وتوفير بيئات جاذبة تسهم في رفع مستوى رضا السكان والزوار، وفق أعلى المعايير التصميمية، بما يحقق التكامل بين الجانب الجمالي والخدمي.


الرياض
منذ 5 ساعات
- الرياض
الطير تلقابه من السبق مدلال
الطير تلقابه من السبق مدلال ايضا القطاعه بالمواري لحاله والريش والمنظر علامات بالبال ما به دقوق وصافيات خصاله أيضا العمد ممسوح والراس شعال أبلج صفا بأشقر ومعطي شعال أمشدد الأمواس عاتق وسروال وافي جميع قطوع لو غاب تاله والقحف رف الجال في حد محوال والعين غار له عبوس أباله يصفي حجاجه حيل لا شاف حفال وجه الصحيب بشوف خل حباله يكمل وحش مختار ما راض بدهال أو فرخ والشباك يوم عناله انبيك باللحاق في خمسة اعمال طول الجناح وثقلة في مشاله اجرد خفيف الريش مفهوق الأطوال مع وسعة المنخر وزوره قباله والقاطع المطلوب في كل الاحوال خمس المواري واحتفظ بالرساله الراس مع كبره فداغات فنجال وجل الفخود وبالكفوف الجزاله والمعلف الواسع وصدر كما الجال منها سواد لسان زود الكماله عشر المواري كملت وصف وفعال هن الدلايل والصقاره بساله هذي مواري من بغى العلم يا رجال والحظ عند الله بختم المقاله خالد بن سليمان الجريش


الرياض
منذ 5 ساعات
- الرياض
أمين القصيم يفتتح ورشة «تعزيز التخطيط العمراني»
افتتح أمين منطقة القصيم محمد المجلي ورشة عمل لتعزيز التخطيط العمراني واستخدامات الأراضي بحضور وكيل وزارة البلديات والإسكان للتخطيط الحضري والأراضي الأستاذ خالد الغملاس والوفد المرافق له وبمشاركة عدد من مسؤولي وممثلي البلديات في محافظات منطقة القصيم ضمن إطار جهود الأمانة لتعزيز التنسيق والتكامل بين الجهات الحكومية في مجال التخطيط العمراني. وتركزت محاور الورشة على مناقشة التوجهات الاستراتيجية لتطوير المخططات العمرانية في المنطقة وآليات توحيد الجهود لتحقيق الانسجام بين المستويات التخطيطية المختلفة بما يسهم في دعم التنمية المتوازنة ويرفع من كفاءة استخدامات الأراضي كما تناولت الورشة سبل تعزيز الاستفادة من الأدوات التخطيطية الحديثة بما يضمن تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 في بناء مدن مستدامة ومرنة تعزز جودة الحياة وتواكب تطلعات النمو السكاني والعمراني وأكد المشاركون في الورشة أهمية استمرار اللقاءات التنسيقية وتبادل الخبرات والتجارب بين الوزارة والأمانات والبلديات للوصول إلى نموذج تخطيطي متكامل يعكس هوية المكان ويخدم أولويات التنمية في مختلف مدن ومحافظات المنطقة.