logo
"أسوار الساحل".. العملية التي أوقفت 750 طنًا من الموت القادم من إيران

"أسوار الساحل".. العملية التي أوقفت 750 طنًا من الموت القادم من إيران

خبر للأنباءمنذ 6 ساعات
مصطفى غليس
في واحدة من أنجح الضربات الاستباقية التي وجّهتها القوات اليمنية ضد المشروع الإيراني في اليمن، أعلنت المقاومة الوطنية، فجر الثلاثاء 16 يوليو 2025، على لسان قائدها العميد طارق صالح، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، عن ضبط قواتها البحرية شحنة ضخمة من الأسلحة الإيرانية كانت في طريقها إلى مليشيا الحوثي الإرهابية.
المضبوطات التي أعلنت عنها بحرية المقاومة الوطنية لم تكن مجرد حمولة مهربة عابرة، بل عملية تهريب استراتيجية بلغ وزنها 750 طنًا من الأسلحة المتنوعة، شملت صواريخ بحرية وجوية، منظومات دفاع جوي، طائرات مسيّرة، رادارات متقدمة، أجهزة تصنت، قناصات، مدفعية، وذخائر بأصناف مختلفة، إضافة إلى معدات عسكرية أخرى.
إن هذه العملية، التي يمكن تسميتها مجازًا بـ"أسوار الساحل" لا يمكن التعامل معها كحدث عابر، بل هي الضربة الأكبر والأكثر تعقيدًا في تاريخ المواجهة مع تهريب السلاح الإيراني إلى اليمن. وإذا ما وُضِعت في سياق مقارن مع عمليتي 'جيهان 1' التي ضُبطت في يناير 2013، و'جيهان 2' التي تم توقيفها في فبراير من العام نفسه، فإن الفرق يصبح واضحًا وصادمًا في آن. فبينما كانت 'جيهان 1' تحمل نحو 48 طنًا من الأسلحة، ومثلت في حينها دليلاً مبكرًا على الدعم الإيراني الخفي للحوثيين، فإن العملية الأخيرة جاءت بعد سنوات من الحرب، وبعد عدد لا يُحصى من عمليات التهريب الناجحة التي مكّنت الحوثي من ارتكاب أبشع الجرائم بحق اليمنيين.
لقد كشفت عملية تفتيش السفينة المضبوطة مؤخرًا عن أساليب تهريب غير مسبوقة - وفقًا لمقطع الفيديو الذي نشره إعلام المقاومة الوطنية - تؤكد حجم الدعم الخارجي لمليشيا الحوثي وخطورة ما يُنقل إليها من أدوات الحرب، فقد وُجدت داخل السفينة كتالوجات باللغة الفارسية وكتب تعليمات مفصّلة موجهة للحوثيين، تشرح كيفية التعامل مع الأسلحة والأجهزة المنقولة.
يفيد طاقم السفينة، أن الشحنة تم تجهيزها في ميناء بندر عباس الإيراني، بطريقة تمويه احترافية غير مسبوقة، إذ تم إخفاء الذخائر في بطاريات عادية، كما جرى تغليف منظومات الدفاع الجوي وقطع الصواريخ داخل معدات حفر وكهرباء، ومن أبرز وسائل التمويه تصميم هيكل يشبه 'ماطور كهربائي' مغلق بإحكام، يخدع أي مراقب بأنه معدّة مدنية، لكن بعد الفتح تبيّن أنه مستودع لسلاح متكامل.
يقول الصحفي نبيل الصوفي إن بعض قطع السلاح لم يتم اكتشافها إلا بعد أكثر من عشرة أيام من التفتيش الدقيق، وقد عُثر على صواريخ مخبأة داخل كتل حديدية تُستخدم عادة لأغراض صناعية، ما يصعّب حتى على أكثر الخبراء توقع وجود أسلحة بداخلها.
لقد شكّلت هذه الشحنات تهديدًا متصاعدًا لأمن المنطقة، وعرّضت سلامة الممرات البحرية الدولية للخطر. كما أن العملية الأخيرة جاءت لتذكّر اليمنيين أولًا، والعالم تاليًا، أن الدعم الإيراني لم يتوقف لحظة واحدة، بل تطوّر وتعاظم، وانتقل من التهريب إلى التورط المباشر في نقل، وتمويل، وتسليح جماعة تعمل علنًا لخدمة أجندة إيران العابرة للحدود، في تحدٍ سافر للقرارات الدولية التي تمنع الدول من تزويد المليشيا بالسلاح، أيًّا كان نوعه.
ما يميز هذه العملية ليس فقط حجم الإرسالية أو خطورتها، بل الطابع اليمني الخالص لها، فقد جاءت نتيجة عمل استخباراتي دقيق نفذته شعبة الاستخبارات التابعة للمقاومة الوطنية، وتولت بحرية المقاومة بنفسها اعتراض السفينة والسيطرة عليها في الساحل الغربي، دون تدخل أجنبي مباشر. هذا الإنجاز يُسجَّل كدليل حيّ على نضوج الأداء الأمني والاستخباراتي الوطني، وقدرته على التصدي لأخطر المخططات العابرة للحدود.
ضبط الشحنة الأخيرة جاءت كدليل جديد على أن إيران ليست داعمًا عابرًا، بل طرف مباشر في تغذية الحرب في اليمن، وما يضاعف من أهمية هذه العملية أنها تكشف بوضوح حجم الانتهاك الإيراني الصارخ لقرارات مجلس الأمن، وفي مقدمتها القرار 2216 (2015)، الذي يُلزم جميع الدول الأعضاء بمنع توريد السلاح إلى مليشيا الحوثي، والقرار 2140 (2014)، الذي ينص على معاقبة الأفراد والكيانات التي تهدد السلام والأمن في اليمن، ويمنع تقديم أي دعم مادي أو عسكري للجهات التي تعرقل العملية السياسية.
إن ضبط هذه الكمية الهائلة من الأسلحة يفضح استمرار إيران في تسليح جماعة انقلابية ارهابية خارجة عن القانون، في تحدٍ فاضح للقرارات الدولية. وهذا النمط من الخرق لم يعد مجرد حادث عابر، بل سياسة متكررة وثابتة تُمارَس بإرادة سياسية من طهران، ما يُخرجها من خانة 'الداعم' إلى خانة 'الطرف المباشر' في الحرب.
هذه العملية تكشف أيضًا عن قصور فادح في منظومة الرقابة الدولية، وتخاذل مريع في ترجمة الإدانات إلى إجراءات رادعة. الأسوأ من ذلك، أن المجتمع الدولي، ومع كل شحنة جديدة، لا يزال يتعامل مع الحوثيين كطرف سياسي، رغم أن الوقائع على الأرض تثبت أنهم مليشيا إرهابية تعمل كوكلاء لنظام إرهابي، هدفه الوحيد هو تقويض السلام ونسف النظام الدولي من أساسه.
وما يثير القلق أكثر، أن هذا الصمت الدولي لم يعد يُقرأ كعجز دبلوماسي، بل كإشارة خاطئة تُفسَّر كقبول ضمني باستمرار تدفق السلاح الإيراني. المواقف الرمادية لم تعد كافية. وغموض المجتمع الدولي في توصيف الحوثيين أو معالجة الخروقات الإيرانية يجعل من تلك الخروقات خطرًا يتجاوز اليمن إلى أمن الإقليم ومصالح العالم.
كما تذكّرنا هذه العملية بأن الحوثي لا يبني وطنًا، بل يراكم أدوات قمع وموت لإخضاع ما تبقى من اليمنيين. وتُثبت، مرة بعد مرة، أن هذه الجماعة لا تملك مشروع دولة، ولا أدوات سلام، بل تعيش على التهريب والتبعية، وتمارس القتل والاستعباد كلما امتلكت وسيلة قهر جديدة، فكل سلاح يصل إلى يد الحوثيين يقابله معلم يُهان ويضرب في صنعاء، وطالب يُجنَّد قسريًا من حجة، ومسجد يتحوّل إلى مركز تعبئة طائفية في إب، وفتاة تغتصب في بيتها، وبيت تنتهك حرمته وآخر يفجر ويسقط على رؤوس ساكنيه.
إن عملية ضبط الـ750 طنًا من السلاح الإيراني تمثل تحولًا نوعيًا في مسار المواجهة مع المشروع الحوثي الإيراني. إنها لا تحمي فقط اليمن، بل تحمي ممرات التجارة العالمية، وأمن البحر الأحمر، واستقرار الجزيرة العربية. وقد وضعت هذه العملية المجتمع الدولي أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يواجه المشروع الإيراني في اليمن بوضوح لا لبس فيه، أو أن يستعد لدفع فاتورة الإرهاب الحوثي الإيراني في موانئه وسواحله وشركاته.
*صفحة الكاتب على منصة (X)
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تعز مدينة تحت الحصار الداخلي... فساد وانهيار خدمات في ظل سلطة غائبة
تعز مدينة تحت الحصار الداخلي... فساد وانهيار خدمات في ظل سلطة غائبة

خبر للأنباء

timeمنذ 2 ساعات

  • خبر للأنباء

تعز مدينة تحت الحصار الداخلي... فساد وانهيار خدمات في ظل سلطة غائبة

وسط مدينة تعز، ثالث أكبر مدن اليمن، تتراكم الأزمات الإنسانية والمعيشية في مشهد يعكس انهياراً شاملاً لمنظومة الخدمات، في ظل سلطة محلية عاجزة ومتهمة على نطاق واسع بالفساد وسوء الإدارة، يعيش سكان تعز واقعاً يومياً قاسياً يتمثل في انعدام مياه الشرب وارتفاع أسعار الإيجارات وغلاء المعيشة، بالإضافة إلى انهيار البنى التحتية، بينما تبقى رواتب موظفي الدولة، إن وجدت، غير كافية حتى لسد احتياجات أسبوع واحد. وبرغم الهدوء النسبي في جبهات المدينة مؤخراً إلا أن الأزمة الحقيقية التي تقض مضاجع الأهالي لم تأت من ساحة الحرب بل من داخل مؤسساتهم المحلية، حيث يتحدث المواطنون عن غياب تام لأي جهود حقيقية من قبل الجهات المعنية لتحسين مستوى الخدمات، متهمين قيادات محلية محسوبة على حزب الإصلاح، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، بالسيطرة على مفاصل القرار ونهب الإيرادات العامة والعبث بموارد المحافظة، وفي ظل هذا الواقع تحولت السلطة إلى أداة سياسية لخدمة مصالح محددة، في حين تُرك المواطن يواجه الجوع والعطش والغلاء بمفرده. وعن المعاناة اليومية يُجبر سكان المدينة على شراء المياه من الصهاريج الخاصة بأسعار باهظة، إذ يتجاوز سعر الخزان الواحد أكثر من 80 ألف ريال يمني، في وقت لا تتجاوز فيه مرتبات كثير من الموظفين 30 ألفاً شهرياً، ولا تُصرف بانتظام، ولا توجد أيضاً شبكة مياه عامة فاعلة، ولا رقابة على أسعار الموردين، ولا أي تحرك جاد من الجهات المختصة لمعالجة الأزمة أو حتى الاعتراف بفشل إدارتها. كما تشهد الأسواق ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية من كهرباء واتصالات باتت رفاهية لا تصل إلا لفئة محدودة، ومع تفشي البطالة ونزوح عشرات الآلاف داخل المدينة، أصبح الوضع أقرب إلى انفجار اجتماعي مكبوت، فيما يتحدث السكان عن طفح في الغضب الشعبي قابل للانفجار في أية لحظة، في ظل استمرار تدهور الأوضاع وتجاهل السلطات لمطالب الناس. وعوضاً عن مواجهة هذه الكارثة الخدمية والمعيشية، يخرج المسؤولون المحليون بتصريحات مثيرة للجدل تحاول صرف النظر عن الواقع المتردي، إذ غالباً ما يتم تحميل ميليشيا الحوثي مسؤولية أي احتجاج شعبي أو تحرك مجتمعي غاضب، وهذا لا يعني بأن ميليشيا الحوثي لا تسعى لتفجير الوضع في تعز، ولا يعني بأن ما يحدث في تعز من غليان شعبي ليس بسبب الفشل السياسي وانتهازية السلطة في تعز، بل يراه كثير من الناشطين محاولة مكشوفة لتضليل الرأي العام المحلي والدولي، ووسيلة للتهرب من المحاسبة، وأحد أبرز هذه التصريحات التي أثارت الجدل كان لنائب مدير الأمن في تعز نبيل الكدهي، الذي تحدث عن خلايا حوثية تقف وراء احتجاجات شعبية أشعل فيها المتظاهرون الإطارات في بعض شوارع المدينة، في حين تؤكد مصادر ميدانية أن المظاهرات نابعة من معاناة حقيقية وليست مدفوعة من أطراف خارجية. مراقبون يرون أن تعز تحولت إلى محافظة مستنزفة على جميع المستويات، حيث لا توجد خطط واضحة لإعادة الإعمار أو تحسين البنية التحتية، ولا جهود حقيقية لاستغلال مواردها وإيراداتها في مصلحة السكان، لكن في المقابل هناك شبه إجماع شعبي على أن السلطة المحلية باتت تمثل عبئاً ثقيلاً على المدينة، لا سيما مع استمرار تحكم قيادات محسوبة على قوى سياسية بعينها، معظمها من تيار الإخوان وقادة ما يُعرف بشباب فبراير في مفاصل السلطة المحلية بعيداً عن الكفاءة أو المساءلة. وفي ظل هذا الانهيار الصامت، لا يجد أهالي تعز من يرفع عنهم المعاناة، حيث إن المنظمات الدولية خففت تدخلاتها، والحكومة المركزية غائبة، والسلطة المحلية منشغلة بتقاسم النفوذ، فيما يموت الناس ببطء من العطش ومن الجوع والفقر، والإهمال. فإن الصورة اليوم في تعز تبدو أكثر قتامة مما تبدو عليه في نشرات الأخبار، مدينة منهكة فقدت الثقة في كل من وعدها بالدولة والخدمات والكرامة، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى انفراجة قريبة، ما لم يتم كسر الحلقة المفرغة من الفساد، وإعادة بناء سلطة محلية نزيهة وفعالة، تعيد للمواطن في تعز حقه في الحياة.

فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة يدن إصدار مليشيا الحوثي عملة جديدة
فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة يدن إصدار مليشيا الحوثي عملة جديدة

خبر للأنباء

timeمنذ 3 ساعات

  • خبر للأنباء

فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة يدن إصدار مليشيا الحوثي عملة جديدة

أدانت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، الخميس، إصدار الحوثيين عملة نقدية جديدة، معتبرة هذا الإجراء "غير قانوني". وجاء في بيان موحد صادر عن سفارات الدول الثلاث لدى اليمن: "ندين بشدة إصدار الحوثيين غير القانوني للأوراق النقدية والعملات المعدنية الجديدة". وأضاف البيان، الذي نشرته السفارات، أن "السلطة النقدية اليمنية الوحيدة المعترف بها هي البنك المركزي، الذي يتخذ من عدن مقرا له، وقراراته وحدها تعتبر شرعية من قبل المجتمع الدولي" وتابع: "يجب على فرع صنعاء الامتثال لتوجيهات البنك المركزي في عدن دون تأخير". وكانت ميليشيا الحوثي أعلنت، الثلاثاء إصدار عملة ورقية فئة 200 ريال وطرحها في السوق المصرفي، وذلك بعد أيام من إصدارها عملة معدنية فئة 50 ريالا.

"أسوار الساحل".. العملية التي أوقفت 750 طنًا من الموت القادم من إيران
"أسوار الساحل".. العملية التي أوقفت 750 طنًا من الموت القادم من إيران

خبر للأنباء

timeمنذ 6 ساعات

  • خبر للأنباء

"أسوار الساحل".. العملية التي أوقفت 750 طنًا من الموت القادم من إيران

مصطفى غليس في واحدة من أنجح الضربات الاستباقية التي وجّهتها القوات اليمنية ضد المشروع الإيراني في اليمن، أعلنت المقاومة الوطنية، فجر الثلاثاء 16 يوليو 2025، على لسان قائدها العميد طارق صالح، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، عن ضبط قواتها البحرية شحنة ضخمة من الأسلحة الإيرانية كانت في طريقها إلى مليشيا الحوثي الإرهابية. المضبوطات التي أعلنت عنها بحرية المقاومة الوطنية لم تكن مجرد حمولة مهربة عابرة، بل عملية تهريب استراتيجية بلغ وزنها 750 طنًا من الأسلحة المتنوعة، شملت صواريخ بحرية وجوية، منظومات دفاع جوي، طائرات مسيّرة، رادارات متقدمة، أجهزة تصنت، قناصات، مدفعية، وذخائر بأصناف مختلفة، إضافة إلى معدات عسكرية أخرى. إن هذه العملية، التي يمكن تسميتها مجازًا بـ"أسوار الساحل" لا يمكن التعامل معها كحدث عابر، بل هي الضربة الأكبر والأكثر تعقيدًا في تاريخ المواجهة مع تهريب السلاح الإيراني إلى اليمن. وإذا ما وُضِعت في سياق مقارن مع عمليتي 'جيهان 1' التي ضُبطت في يناير 2013، و'جيهان 2' التي تم توقيفها في فبراير من العام نفسه، فإن الفرق يصبح واضحًا وصادمًا في آن. فبينما كانت 'جيهان 1' تحمل نحو 48 طنًا من الأسلحة، ومثلت في حينها دليلاً مبكرًا على الدعم الإيراني الخفي للحوثيين، فإن العملية الأخيرة جاءت بعد سنوات من الحرب، وبعد عدد لا يُحصى من عمليات التهريب الناجحة التي مكّنت الحوثي من ارتكاب أبشع الجرائم بحق اليمنيين. لقد كشفت عملية تفتيش السفينة المضبوطة مؤخرًا عن أساليب تهريب غير مسبوقة - وفقًا لمقطع الفيديو الذي نشره إعلام المقاومة الوطنية - تؤكد حجم الدعم الخارجي لمليشيا الحوثي وخطورة ما يُنقل إليها من أدوات الحرب، فقد وُجدت داخل السفينة كتالوجات باللغة الفارسية وكتب تعليمات مفصّلة موجهة للحوثيين، تشرح كيفية التعامل مع الأسلحة والأجهزة المنقولة. يفيد طاقم السفينة، أن الشحنة تم تجهيزها في ميناء بندر عباس الإيراني، بطريقة تمويه احترافية غير مسبوقة، إذ تم إخفاء الذخائر في بطاريات عادية، كما جرى تغليف منظومات الدفاع الجوي وقطع الصواريخ داخل معدات حفر وكهرباء، ومن أبرز وسائل التمويه تصميم هيكل يشبه 'ماطور كهربائي' مغلق بإحكام، يخدع أي مراقب بأنه معدّة مدنية، لكن بعد الفتح تبيّن أنه مستودع لسلاح متكامل. يقول الصحفي نبيل الصوفي إن بعض قطع السلاح لم يتم اكتشافها إلا بعد أكثر من عشرة أيام من التفتيش الدقيق، وقد عُثر على صواريخ مخبأة داخل كتل حديدية تُستخدم عادة لأغراض صناعية، ما يصعّب حتى على أكثر الخبراء توقع وجود أسلحة بداخلها. لقد شكّلت هذه الشحنات تهديدًا متصاعدًا لأمن المنطقة، وعرّضت سلامة الممرات البحرية الدولية للخطر. كما أن العملية الأخيرة جاءت لتذكّر اليمنيين أولًا، والعالم تاليًا، أن الدعم الإيراني لم يتوقف لحظة واحدة، بل تطوّر وتعاظم، وانتقل من التهريب إلى التورط المباشر في نقل، وتمويل، وتسليح جماعة تعمل علنًا لخدمة أجندة إيران العابرة للحدود، في تحدٍ سافر للقرارات الدولية التي تمنع الدول من تزويد المليشيا بالسلاح، أيًّا كان نوعه. ما يميز هذه العملية ليس فقط حجم الإرسالية أو خطورتها، بل الطابع اليمني الخالص لها، فقد جاءت نتيجة عمل استخباراتي دقيق نفذته شعبة الاستخبارات التابعة للمقاومة الوطنية، وتولت بحرية المقاومة بنفسها اعتراض السفينة والسيطرة عليها في الساحل الغربي، دون تدخل أجنبي مباشر. هذا الإنجاز يُسجَّل كدليل حيّ على نضوج الأداء الأمني والاستخباراتي الوطني، وقدرته على التصدي لأخطر المخططات العابرة للحدود. ضبط الشحنة الأخيرة جاءت كدليل جديد على أن إيران ليست داعمًا عابرًا، بل طرف مباشر في تغذية الحرب في اليمن، وما يضاعف من أهمية هذه العملية أنها تكشف بوضوح حجم الانتهاك الإيراني الصارخ لقرارات مجلس الأمن، وفي مقدمتها القرار 2216 (2015)، الذي يُلزم جميع الدول الأعضاء بمنع توريد السلاح إلى مليشيا الحوثي، والقرار 2140 (2014)، الذي ينص على معاقبة الأفراد والكيانات التي تهدد السلام والأمن في اليمن، ويمنع تقديم أي دعم مادي أو عسكري للجهات التي تعرقل العملية السياسية. إن ضبط هذه الكمية الهائلة من الأسلحة يفضح استمرار إيران في تسليح جماعة انقلابية ارهابية خارجة عن القانون، في تحدٍ فاضح للقرارات الدولية. وهذا النمط من الخرق لم يعد مجرد حادث عابر، بل سياسة متكررة وثابتة تُمارَس بإرادة سياسية من طهران، ما يُخرجها من خانة 'الداعم' إلى خانة 'الطرف المباشر' في الحرب. هذه العملية تكشف أيضًا عن قصور فادح في منظومة الرقابة الدولية، وتخاذل مريع في ترجمة الإدانات إلى إجراءات رادعة. الأسوأ من ذلك، أن المجتمع الدولي، ومع كل شحنة جديدة، لا يزال يتعامل مع الحوثيين كطرف سياسي، رغم أن الوقائع على الأرض تثبت أنهم مليشيا إرهابية تعمل كوكلاء لنظام إرهابي، هدفه الوحيد هو تقويض السلام ونسف النظام الدولي من أساسه. وما يثير القلق أكثر، أن هذا الصمت الدولي لم يعد يُقرأ كعجز دبلوماسي، بل كإشارة خاطئة تُفسَّر كقبول ضمني باستمرار تدفق السلاح الإيراني. المواقف الرمادية لم تعد كافية. وغموض المجتمع الدولي في توصيف الحوثيين أو معالجة الخروقات الإيرانية يجعل من تلك الخروقات خطرًا يتجاوز اليمن إلى أمن الإقليم ومصالح العالم. كما تذكّرنا هذه العملية بأن الحوثي لا يبني وطنًا، بل يراكم أدوات قمع وموت لإخضاع ما تبقى من اليمنيين. وتُثبت، مرة بعد مرة، أن هذه الجماعة لا تملك مشروع دولة، ولا أدوات سلام، بل تعيش على التهريب والتبعية، وتمارس القتل والاستعباد كلما امتلكت وسيلة قهر جديدة، فكل سلاح يصل إلى يد الحوثيين يقابله معلم يُهان ويضرب في صنعاء، وطالب يُجنَّد قسريًا من حجة، ومسجد يتحوّل إلى مركز تعبئة طائفية في إب، وفتاة تغتصب في بيتها، وبيت تنتهك حرمته وآخر يفجر ويسقط على رؤوس ساكنيه. إن عملية ضبط الـ750 طنًا من السلاح الإيراني تمثل تحولًا نوعيًا في مسار المواجهة مع المشروع الحوثي الإيراني. إنها لا تحمي فقط اليمن، بل تحمي ممرات التجارة العالمية، وأمن البحر الأحمر، واستقرار الجزيرة العربية. وقد وضعت هذه العملية المجتمع الدولي أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يواجه المشروع الإيراني في اليمن بوضوح لا لبس فيه، أو أن يستعد لدفع فاتورة الإرهاب الحوثي الإيراني في موانئه وسواحله وشركاته. *صفحة الكاتب على منصة (X)

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store