logo
ما مصير المشروع النووي الإيراني؟

ما مصير المشروع النووي الإيراني؟

القدس العربي ١٤-٠٧-٢٠٢٥
بداية لا بد من الإشارة إلى أن القاعدة العسكرية والاستراتيجية تقول، إن القوة النووية هي الرادع الوحيد للدول ضد أهداف وطموحات الأعداء الخارجيين. وقد بدا ذلك واضحا على أرض الواقع، في السياسة الدولية، التي يمارسها النظام الدولي الراهن، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو غزو واحتلال العراق، ومهاجمة ليبيا وأوكرانيا. فلو امتلك أي من هذه الدول السلاح النووي، لما تمت مهاجمتها ولما هُزمت في المعركة، وقد فهم اللعبة جيدا صانع القرار الإيراني، وأن القول إن هدف برنامجهم سلمي محض هراء، تُكذّبه وقائع التخصيب التي بلغت 60%، زائدا نصب جيل متقدم جدا من أجهزة الطرد المركزي، لم يكن مسموحا باستخدامها، حين تم التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة بين إيران والدول الغربية في عام 2015. وعليه فإن هذه الدلائل والمؤشرات، تؤكد أن إيران كانت منذ البداية تهدف إلى امتلاك القوة النووية، كوسيلة من وسائل الردع والحماية الذاتية، وهي تمارس سياساتها الرثة والاستفزازية ضد دول المنطقة والعالم، التي تروم من خلالها تحقيق أهدافها.
لقد أثار هجوم الولايات المتحدة الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، خلال حرب الأيام الاثني عشر الأخيرة، جدلا واسعا عن مصير اليورانيوم المُخصّب، وإذا ما زال برنامجها النووي بشكل عام على قيد الحياة أم لا. وقد بدت التصريحات بهذا الشأن متضاربة إلى حد كبير، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقول، تم التدمير بشكل كامل، بينما هناك تقرير من أجهزة الاستخبارات الأمريكية يتحدث عن تأخير البرنامج، لا تدميره بشكل كامل.
إيران كانت تهدف إلى امتلاك القوة النووية، كوسيلة من وسائل الردع والحماية الذاتية، وهي تمارس سياساتها الرثة والاستفزازية ضد دول المنطقة والعالم، التي تروم من خلالها تحقيق أهدافها
ولو أخذنا بتصريحات رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية روفائيل غروسي، في حديثه إلى صحيفة «الفاينيشال تايمز» قبل الضربة العسكرية على المفاعلات النووية بعدة أيام، نجده يقول، إنه يعرف المنشآت الإيرانية جيدا، من خلال الزيارات التي قام بها، وهي موجودة داخل أنفاق حلزونية تحت الأرض، والتخصيب يتم على عمق 800 متر، بينما الولايات المتحدة ضربت هذه المنشآت بصواريخ لا تتجاوز مدياتها 60 مترا. معنى ذلك أن الضربة العسكرية أحدثت أضرارا في الطبقات العليا من المفاعلات، وأن 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب ما زال سالما، ويمكن نقله بسهولة إلى مواقع أخرى، بعيدا عن أعين مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي علقت طهران تعاملها معهم.
إن تقارير المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، التي تم نشرها في بداية الشهر الماضي قالت، إن طهران لديها مدينة كاملة لأغراض التخصيب تحت الأرض. ومعنى ذلك أن بعض عمليات التخصيب وليس كلها تجري في أماكن سرية أخرى، وليس بالضرورة في منشآت فوردو ونطنز، ولبيان مدى مصداقية تقارير المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، يكفي القول إنه هو من كشف عن منشأة فوردو للرأي العالم الدولي في عام 2009، وبالتالي فإن إيران لا تكشف عن منشآتها النووية، إلا بعد أن تكشف عنها المعارضة أو تقارير استخباراتية دولية. لذلك يمكن أن يكون هناك برنامج نووي مواز موجود في مكان آخر. كما جاءت الضربة الأمريكية الأخيرة لتُدخل إيران في مرحلة غموض نووي أكبر من ذي قبل، وبذلك غابت المعلومة الحقيقية عن البرنامج النووي الإيراني في الوقت الحالي. وإيران ترى أن هذه الحالة تصب في مصلحتها، فصانع القرار الإيراني يروم التمنّع من الذهاب إلى جولة جديدة من المفاوضات، وهم اليوم يطالبون بضمانات مكتوبة من الإدارة الأمريكية بأنها لن تُقدم على ضرب إيران مُجددا. وهذا شيء مستحيل بالنسبة لعقلية الرئيس ترامب، لكن الإيرانيين يريدون أن يجعلوا هذا الفعل رسالة تهدئة لتيار المحافظين المتشددين، الذين كانوا في الأساس يرفضون الذهاب إلى المفاوضات، وهم اليوم يلقون اللائمة على تيار محمد جواد ظريف وعباس عراقجي، الذين دعموا من قبل وبقوة الذهاب إلى المفاوضات مع الغرب.
لقد صبت طهران جام غضبها على مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية روفائيل غروسي، واتهمته بالتواطؤ في التحضير للضربة الأمريكية، التي حصلت على منشآتها النووية، وبذلك أعلنت عن تعليق تعاونها مع الوكالة، ورفعت الكاميرات المنصوبة في منشآتها. وقد أحدث هذا العمل ردة فعل لدى الدول الغربية، التي رأت فيه تهديدا إيرانيا مباشرا لمدير الوكالة، لكن هذا الموقف هو نتيجة طبيعية للتقرير الذي أصدره غروسي في 31 مايو/ أيار من العام الجاري. حيث تضمن التقرير اتهامات عديدة قيل إن بعضها كانت غير فنية، بل سياسية، وقد أدى هذا التقرير إلى قيام مجلس المحافظين في الوكالة، باتهام طهران بعدم الامتثال ومخالفتها معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وبالتالي إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي.
ويبدو أن الاتهامات التي وردت في التقرير كان لها أثر فاعل في الضربة الإسرائيلية على إيران، التي جاءت بعد 12 ساعة فقط من صدوره.
واليوم ما زالت التقارير الغربية تتحدث عن نجاح إيران في نقل اليورانيوم عالي التخصيب إلى أماكن آمنة قبل الضربة العسكرية، وكذلك كميات اليورانيوم الأقل تخصيبا. وقد تحدث رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسية نيكولا ليرنر قائلا، إن جميع جوانب البرنامج النووي الإيراني قد عادت إلى الوراء لعدة أشهر، بعد الغارات الجوية الأمريكية والإسرائيلية. لكنه أضاف، أن هناك غموضا بشأن موقع مخزونات اليورانيوم عالي التخصيب، وأن كمية صغيرة منه قد دُمرت، لكن الباقي لا يزال في أيدي السلطات.. وهنا لا بد من الإشارة إلى ما قيل على إنها صور عبر الأقمار الصناعية، لشاحنات كانت متوقفة أمام أحد المواقع النووية الإيرانية، يعتقد أنها هي التي نقلت اليورانيوم عالي التخصيب إلى أماكن أخرى. لكن هذا الادعاء لا يبدو أنه يقين مؤكد، فليس من المعقول أن تكون إيران بهذه السذاجة، بحيث لا تعرف أن هذه الشاحنات سوف يتم رصدها من قبل الأقمار الصناعية ثم تدميرها. كما أنه ليس من السذاجة أيضا أن إسرائيل والولايات المتحدة تركوا هذه الشاحنات، من دون معالجة بالطيران الحربي أو المُسيّر. ربما هي عملية تمويه قامت بها إيران لإعطاء فكرة بأنها نقلت اليورانيوم كي تمنع حدوث الضربة، فتجاهلتها الولايات المتحدة وإسرائيل، لأنهما يعلمان أن الموضوع مجرد تمويه.
إن السيناريو السيئ المقبل، في حالة إصرار طهران على عدم السماح لمدير الوكالة الدولية ومفتشيها بالدخول إلى إيران، هو رفع الملف إلى مجلس الأمن الدولي، والذي قد يترتب عليه قرار إيراني مقابل، وهو الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وبذلك سيكون العالم أمام حالة أخرى شبيهة بالسيناريو الكوري الشمالي والإسرائيلي أيضا، أي الذهاب إلى صنع السلاح النووي بعيدا عن أعين العالم.
كاتب عراقي
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

التطبيع بالبلطجة وفرض الإذعان
التطبيع بالبلطجة وفرض الإذعان

العربي الجديد

timeمنذ 3 ساعات

  • العربي الجديد

التطبيع بالبلطجة وفرض الإذعان

لن يكون وضع نهاية لحرب الإبادة على غزّة خاتمة المطاف في السُعار الإسرائيلي، وهو ما يُستدَّل عليه من السلوك العسكري والسياسي لحكومة بنيامين نتنياهو، فهذا الشخص بات يرى في دولته قوةً إقليمية كُبرى، وما يوصف بالشرق الأوسط بات مسرحاً لعمليات الجيش بترخيص ضمني من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بعدما اقتنع الأخير بأن الضغوط العسكرية "أفضل ضمان للمطامح السياسية، ولانتزاع تنازلات كبيرة"، وحتى باتت تسريبات صحافية إسرائيلية بأن اتفاقاً سورياً إسرائيلياً سيُنجز قبل نهاية العام الجاري أمراً مألوفاً وحسناً، إلا أن السلطات الانتقالية في دمشق نفت ذلك. وفي لبنان، لن يطوي تسليم سلاح حزب الله للدولة اللبنانية ملفّ الأزمة المحتدمة، فلن تتأخّر تل أبيب في المجاهرة بضرورة صياغة اتفاق سلام، وإلا فإن قوات الجيش سوف تواصل قصف بؤر حزب الله ومستودعاته ورموزه. أمّا إيران، فسوف يسعى نتنياهو إلى انتزاع تفويض من ترامب بضرورة معاودة قصفها، إذا ما عاودت بناء منشآتها، ولن يوقف مثل هذه المخطّطات سوى تصدّع في بنية النظام الإيراني. وفي غزّة، لن يُترك الغزّيون وشأنهم، فتل أبيب ماضية على قدم وساق في التمهيد لاقتتال داخلي يؤسّس له ويرعاه ويغذّيه الاحتلال، وقد يعزّزه من غير قصد قمعٌ "حكومي" لمواطنين منكوبين يمارسون حقّهم في حرية التعبير، أو من خلال نشر قوات متعدّدة الجنسيات بغير تمهيد أو اتفاق، ومن دون تحديد مهماتها مسبقاً. وواقع الحال أن ثمّة تناغماً موضوعياً بين التطلّعات المُعلَنة لإدارة ترامب لفرض مزيد من التطبيع الإبراهيمي في المنطقة وعمل نتنياهو على تغيير الشرق الأوسط، على نحو تكون فيه تل أبيب مركزاً لنفوذ إقليمي واسع، وبالسطوة المسلّحة، وسط شلل عربي، وانكفاء داخلي أو استعداد للتعامل مع الأمر الواقع حين يقع. ومن المهازل أن يربط نتنياهو مصير المنطقة بمصير حكومته، فهذه الحكومة كما يقول رئيسها ستكون مهدّدةً بالانهيار إذا وضعت نهاية للحرب على غزّة، من دون تهجير سكّانها والقضاء على حركة حماس. أمّا معاودة استهداف إيران فهو مطلب غالبية أعضاء الحكومة، وكذلك الاستيلاء (يسمونه فرض السيادة) على الضفة الغربية، فهو مطلب عزيز على قلوب الوزراء ممّن لديهم مطالب أخرى تتعلّق بسورية ولبنان، وربّما بتركيا وباكستان. وبهذا، فإنه على العالم أن يتفهّم أن صمود ائتلاف حكومة نتنياهو يقتضي إطلاق يد الجيش في استهداف أيّ رقعة في الشرق الأوسط، ولن ينجو أحد من العقاب الاسرائيلي إلا إذا زحف نحو التطبيع مُذعناً لشروط نتنياهو ووزرائه. وسيجري تصوير ذلك من إدارة ترامب بأنه طيٌّ لصفحة الحروب، وإغلاق للصراعات، وفتح الأبواب أمام سلام عظيم، تتطلّع إليه الشعوب. لا يتورّع ترامب عن تحويل كلمة فلسطيني شتيمةً يصف بها من لا يروق له ومع أنه سبق أن اتهم نتنياهو بأنه يسعى إلى أن يتلاعب به، لم يواظب ترامب على الاتصال بأحد في العالم كما يفعل مع نتنياهو، ولم يلتقِ أحداً من الزعماء ثلاث مرّات منذ بدء ولايته سوى نتنياهو، ومن المرجّح أن تتواصل هذه الوتيرة، رغم أن ترامب قد لا يكون مُحبّاً لهذا الأخير (هل يحبّ أحداً على الإطلاق؟)، بيد أنه من الواضح أنه معجب باندفاعه المتوحّش، لدرجة أنه دعا المؤسّسات الاسرائيلية إلى وقف محاكمته، وتكريمه بدلاً من جعله يقف أمام القضاء، وقد جاء ذلك في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على إيران. وسبق لنتنياهو أن قال إن ترامب يحبّ الأقوياء على شاكلته لا الضعفاء، ممّا يؤدّي في النهاية إلى انتزاع الإعجاب به من طرف سيّد البيت الأبيض. والمسألة بطبيعة الحال تتعدّى التفاعل الشخصي المركّب بين الرجلَين، إذ إنهما يلتقيان أساساً عند رفض الامتثال للقواعد السياسية المألوفة التي تحكم علاقات الدول في عالمنا، ويؤمنان بعسكرة السياسة الخارجية، والاستيلاء على ما يملكه الغير بطرق شتى، بما يُعيد صورة الاستعمار القديم، ولكن مع استخدام مصطلحات حديثة للهيمنة منها إحلال التعاون ونشر السلام، والإفادة من خبرات وكفاءة القوة الغازية في المجالات التقنية والاقتصادية والعلمية، وأخيراً في مجال الذكاء الاصطناعي. لن ينجو أحد من العقاب الاسرائيلي إلا إذا زحف نحو التطبيع مُذعناً لشروط نتنياهو ووزرائه وبينما تتعزّز هذه التوجّهات بميول قومية مفرطة، أميركية وإسرائيلية، يُستهان بقومية الآخرين، وفي مقدمّهم الفلسطينيون، ولا يتورّع ترامب عن تحويل كلمة فلسطيني شتيمةً يصف بها من لا يروق له من شخصيات في بلده، وهو ما يجيب عنه أحرار العالم، بمن فيهم شبّان أميركا، بالهتاف لفلسطين حرّة، وإدانة الولوغ في حرب الإبادة، وحرب التجويع من واشنطن وعواصم غربية، مع تخاذل عربي وإسلامي لا نظير له، ما سوف تسير بذكره الرُّكبان في مقبل الأيام وبما يليق به. في سنوات سابقة، كانت تُجرى حوارات عربية دورية ذات طابع "استراتيجي" مع الولايات المتحدة، غير أن صفحة الحوارات طويت لاحقاً، فواشنطن ترغب في حوار منفرد مع الدول العربية، وبما يلاقي رغبةً مماثلةً لدى أطراف عربية بالتفاهم المنفرد مع واشنطن في أمور ثنائية وإقليمية، وهو ما ترسّخ خلال العقد الماضي، ما يسهم في استثمار واشنطن لهذه التباينات، وعلى نحو تعيد فيه تأكيد أولوية تطبيع عربي مع دولة الاحتلال، وتردف تل أبيب ذلك بتوجيه ضغوط عسكرية، والتهديد باستخدام القوة واليد الطويلة للوصول إلى كلّ من يعارضها، وذلك هو عنوان المرحلة الراهنة والمرشّحة لأن تمتدّ حتى الانتخابات الإسرائيلية في خريف العام المقبل (2026)، إلا إذا حدثت حالة نهوض عربية، وجرى فيها استثمار الأوراق الاقتصادية والسياسية من أجل حمْل إدارة ترامب على التعامل باحترام أكبر مع العالم العربي، يتعدّى العبارات المنمّقة، ويضع حدّاً لترخيص البلطجة الإسرائيلية، التي يفوق خطرها ما كان يمثّله التحدّي الإيراني من مخاطر على المنطقة العربية.

السوريون وصراعُ "الظَالِمَيْن" النوويَّين...
السوريون وصراعُ "الظَالِمَيْن" النوويَّين...

العربي الجديد

timeمنذ 3 ساعات

  • العربي الجديد

السوريون وصراعُ "الظَالِمَيْن" النوويَّين...

في عالم تسوده جيوش التجسّس والتكنولوجيا والمسيّرات وحملات التضليل، يبدو أنّ حرباً سيبرانية لا مركزية تجتاح القارّات، وكأنّ "السلام المديد" الذي تبنّاه المؤرّخ جون لويس جاديس يصفُ عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية قد انتهت دورة حياته، والسؤال الملحّ: إلى أيّ مدى نقترب بالفعل من حربٍ عالميةٍ جديدة، بينما كلّ قوة عظمى لم تتوقف يوماً عن الاعتقاد بأنّ الآخر يمثّل خطراً استراتيجياً عليها؟ والأمر كذلك، فإنّ مقولة ونستون تشرشل "الحروبُ تعمل على تنقية الأجواء مثل عاصفة الصيف" لم تعد صالحة للاستهلاك السياسي، فالإشارات هي إلى ما يعكّر صفو العالم ويزيد سادته عجرفة وعبثاً. ومهما يكن من أمر الحرب بين أوكرانيا وروسيا، بقيادها قيصرها المتعطش لاستعادة أمجاد الإمبراطورية البائدة، فالخطر الأكبر يتمحور حول الصراع الإيراني - الإسرائيلي الذي تندلع شرارته في كلّ مرة ربطاً بتطوراتٍ غير معلنة، واليوم يتسيّد صدارة الصراعات العالمية الأكثر قابلية للتمدّد، وقد وصل إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، تزيده خطورة أنّ تبعاته ستصل إلى منطقة الشرق الأوسط، وتغذّي بؤر التوتر في البلدان التي تقع تحت سطوة جنون التنافس بينهما. ليس هذا الافتراض إشكالياً ألبتة، فالتحوّلات السياسية في بلدانٍ تآكلت فيها الأذرع الفارسية ولّدت مزاجاً عدائياً محموماً تجاه إيران، يُضاعف من احتماليّة نشوب حربٍ ملتهبة، رغبةً من الأخيرة بالانتقام من الإذلال الذي تجرّعته، في سورية تحديداً. بالتالي، يجب النظر في حقيقة أنّ الدول الحليفة لطهران يتمتع زعماؤها باستدامةٍ سياسية لن تنتهي صلاحيتها قريباً، (روسيا، الصين، كوريا الشمالية)، لذا سنرى تحالفاً مديداً بين هذه الدول يضع العالم دائماً على حافّة الخطر، ومع وجود فارق كبير في السياقات التاريخية تبقى النتائج مرهونة بالفجوة الإجمالية في القوة بين هذا التحالف المتعنّت والمعسكر الغربي التي تقوده أميركا، ومن خلفها إسرائيل. بالتساوق مع ما تقدّم، صرّح هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركية السابق، في حوار له: "الحرب العالمية الثالثة باتت على الأبواب، وإيران ستكون ضربة البداية، وسيكون على إسرائيل قتلَ أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط"، وعليه فصراع الظلّ بين المشروعين، الصهيوني والفارسي، في المنطقة العربية، يهوي في سقوط حر، خاصة أنّ كوابح الحرب تبدو أضعف مما تبدو عليه عادة، بعدما شنّ الجيش الأميركي ضربات بالغة القوة على ثلاث منشآت نووية دمّرتها تماماً، وفقاً للرئيس الأميركي، ترامب، الذي سبق أن قال إنّ "إسرائيل تُبلي بلاءً حسناً، وأميركا تقدّم لها الدعم الكثير"، ولربما تكون البداية فقط، بعدما أكّد وزير خارجية إيران، عباس عراقجي، أنّ بلاده لن تُوقف تخصيب اليورانيوم وأنّ ما فعله الأميركيون خيانة للدبلوماسية، في وقتٍ لا يملك فيه أنصار سياسات ضبط النفس ترفَ لجم المسير المحتمل نحو حرب طاحنة ستعقّد الوضع الإقليمي، حيث آلاف الرؤوس النووية على أهبة الاستعداد، وسيجعل هذا كله الكوارث التي خلّفتها حروب سورية وغزّة وأفغانستان والعراق تبدو ناعمة بالمقارنة. فقد السوريون دورهم في أيّ صراع إقليمي، وشبح الحرب الأهلية ما زال منتعشاً بعد سقوط الأسد خيارات المواجهة بالتأكيد مفتوحة على كل أنواع السيناريوهات. وعلى أية حال، لافتٌ أنّ المكسبَ الثابت للنظام الإيراني القمعي ردّه الذي جاء بتأييدٍ شعبي واسع، ليكشف التصعيدُ الإسرائيلي وجودَ حالةٍ من النضج بين صفوف المعارضة الأكثر خصومة للنظام الحاكم، وهذا لم يحصل في سورية مطلقاً. لا الضربات الإسرائيلية، ولا سقوط بشّار الأسد، ولا حتى المجازر الدموية، كلّ ذلك لم يستطع أن يوحد السوريين الذين يتابعون بشماتةٍ مآلات التصعيد بين عدوّتين لم تجلبا لبلادهم سوى الويلات، وبالجُملة. في المقلب الآخر، فإنّ سقوط النظام في طهران ومن دون ترتيبات ملء الفراغ، وإن بدا حلماً وردياً للسوريين، سيحمل في طيّاته احتمال فوضى شاملة ستمتد إلى بلادهم، وتزيد طين حياتهم بلّة. ومن المهم في هذا السياق التوقف عند دلالات هزيمة إيران واحتساب عواقب ذلك، منها استغناء الغرب عن حكومة الشرع ذات الخلفية المتشدّدة، ما سيؤثر حكماً على الاستقرار السوري، فالسقوط الإيراني لم يكن لحظة تحرّر تاريخي فحسب، بل كشف عن أمراض "مزرعة الأسد" المزمنة، وغياب أيّ رادع وطني أمام تغوّل قوى إقليمية أخرى لا تقلّ عداءً وخطراً، بينما لا يُدرك السوريون أنّ زعماء العالم يؤججون الحروب دائماً ليرفعوا أنخاب نهايتها في قصورهم الفارهة، وأنهم ضحايا اتفاقيات واحتلالات وانقلابات وأنظمة استبدادية، يتمّ توزيعهم خلالها كغنائم حرب لقاء حماية العروش والحدود. يقول الفيلسوف الصيني سون تزو في كتابه فنّ الحرب: (كلّ الحروب خداع، وكلّ خداع حرب)، وكالعادة، السوريون المنقسمون حول كلّ شيء أغرتهم مجدداً لعبة الانجرار إلى ساحة الاصطفاف العقائدي، وتناول الحدث الدسم الذي لن ينالهم منه سوى جوع مُحتّم، ففتحوا ساحات الاحتراب على وسائل التواصل الاجتماعي، وانشغلوا بالجدال العقيم بينما يصل التوغل الإسرائيلي إلى قرية "بيت جن" في ريف دمشق، ليقتل ويعتقل مدنيين. ومن المضحك المبكي مطالعة التحليلات التي تعكس الخدعة الكبرى التي يعيشها السوريون، وهم يتابعون بفرحٍ غامر الصواريخ الإيرانية والإسرائيلية تضيء سماءهم كما تضيء قلوبهم. شريحةٌ منهم تدعو الله أن يضرب الظالمين بالظالمين من منطلق أنّ "قتلة الشعب الفلسطيني يتصارعون مع قتلة الشعب السوري". هناك فئة تُعرب عن حقّ إيران في الدفاع عن حقوقها النووية السلمية، وتدعم مواقفها المعادية لإسرائيل في ظلّ التخاذل العربي، بينما أخرى، وإنْ تعتبر إسرائيل ليست جمعية خيرية، تتحدث عن انتفاء الحاجة لوجود حكم "سنّي" متشدد في سورية يقارع إيران "الشيعية" إذا ما قُدّر للأخيرة الهزيمة، تماماً كما يروّج آخرون فكرة أنّ إيران تبقى عدو الأمة العربية الأول، وأنّ إسرائيل تمثّل نموذجاً ديمقراطياً فريداً في هذا الشرق التعيس، وينسون أنّ كلتيهما تنظران إلى المنطقة من منظور مصالحهما التاريخية المتضاربة، لا من زاوية التضامن أو حتّى العداء. إسرائيل تسرح في الجنوب السوري، وعينُها على دمشق، والخطر الإيراني لن يُخلع من جذوره، ولن يقابله أيّ مشروع سوري حقيقي ومن واقع رصدٍ وتحليلٍ منطقي، في ضوء غياب النموذج الوطني الذي سيُبنى عليه، فأكثر ما يؤلم أنّ السوريين فقدوا دورهم في أيّ صراع إقليمي، أما شبح الحرب الأهلية الذي ما زال منتعشاً بعد سقوط الأسد لم يرغمهم على إعادة التفكير في فكرة النصر نفسها. هل انتصر السوريون فعلاً بينما الطائفية تقتلهم ولغة الشماتة ومنطق الانتقام يعميان بصيرتهم؟ وهل ستفيدهم هزيمة إيران أو حتى إسرائيل، بعدما تحوّلت سورية مسرحاً لصراع جيوسياسي مفتوح بين المشاريع الغربية العابرة للحدود على حساب استنزاف الأمل السوري في بناء دولة المواطنة والكرامة؟ نافل القول: إسرائيل تسرح في الجنوب السوري، وعينُها على دمشق، والخطر الإيراني لن يُخلع من جذوره، ولن يقابله أيّ مشروع سوري حقيقي، أقلّه على المدى المنظور، يكفّ يد طهران التي غالباً ما تنصب فِخاخها بهدوء وحنكة عالية. إذاً لا بدّ من تجاوز لذّة الشماتة ونشوة النصر، وإن ضَربَ "الظالِمَان النوويَّان" بعضيهما بعضاً فثمّة حلول جاهزة عند الطلب، محفوظة في الأدراج السرية لقادة العالم، ومن المفيد اليوم التساؤل بتروٍّ شديد: من سيملأ الفراغ السوري بينما الشرق الأوسط تُرسم خرائطه من جديد؟ وهل سيشهد السوريون تكرار انقلابٍ مفاجئ أو استباحةٍ سافرة، تحت رايةٍ وذريعةٍ أخريين؟

توقعات بإعلان اتفاق تجاري بين واشنطن وبروكسل خلال عطلة نهاية الأسبوع
توقعات بإعلان اتفاق تجاري بين واشنطن وبروكسل خلال عطلة نهاية الأسبوع

العربي الجديد

timeمنذ 8 ساعات

  • العربي الجديد

توقعات بإعلان اتفاق تجاري بين واشنطن وبروكسل خلال عطلة نهاية الأسبوع

نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين ودبلوماسيين أوروبيين قولهم يوم الجمعة إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يتوصلان إلى اتفاق تجاري خلال عطلة نهاية الأسبوع وهو تطور من شأنه أن يضع حداً لشهور من عدم اليقين للصناعة الأوروبية، في أعقاب تلويح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم تصل إلى 30% على الصادرات من دول الاتحاد. وبحسب المصادر التي تحدثت إليها الوكالة فمن المتوقع أن يشمل الاتفاق رسوماً رئيسية بنسبة 15% على كل الصادرات الأوروبية باستثناء صادرات الألمنيوم والحديد التي من المحتمل ان تخضع لرسوم جمركية تبلغ 50%. وكان الرئيس الأميركي قد قال الجمعة قبل توجهه إلى اسكتلندا في زيارة خاصة لعدة أيام، إن احتمال التوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي قائم بنسبة 50 % أو أقل، مضيفاً أن دول الاتحاد " في حاجة ماسة إلى إبرام اتفاق". لكن "رويترز" نقلت عن مصدر أوروبي قوله إن "الاتفاق المقترح في أيدي ترامب حالياً"، فيما أشار مصدر آخر مطلع على سير المفاوضات الى احتمال أن تلتقي رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الرئيسَ الأميركي أثناء وجوده في اسكتلندا خلال عطلة نهاية الأسبوع. وسيمضي ترامب عدة أيام في اسكتلندا ضمن زيارته الخاصة التي يتفقد خلالها ملاعب الغولف التي يمتلكها، كما سيلتقي رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، حيث أشار إلى أنه سيبحث معه مزيداً من التفاصيل المتعلقة بالاتفاق التجاري الذي أُبرم سابقاً بين واشنطن ولندن. اقتصاد دولي التحديثات الحية الاتحاد الأوروبي يخطط لمواجهة رسوم ترامب مع الدول المتضررة وتعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كلٌّ منهما للآخر أكبرَ شريكين تجاريين بالنظر إلى إجمالي تبادل السلع والخدمات والاستثمارات. وقد حذرت غرفة التجارية الأميركية مع الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار الماضي من أن استمرار النزاع يهدد علاقات تجارية قيمتها 9.5 تريليونات دولار، وهي الأهم من نوعها في العالم. وكان ترامب قد لوح بفرض رسوم جمركية تبلغ 30% على الصادرات الأوروبية إلى الأسواق الأميركية اعتباراً من أول اغسطس/ آب المقبل، إضافة إلى الرسوم الأعلى على صادرات الصلب والألمنيوم، وهي رسوم حذر مسؤولون أوروبيون من أنها ستقضي على التجارة بين جانبي المحيط الأطلسي. (رويترز، العربي الجديد)

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store