
فرانشيسكا ألبانيزا: ضمير العدالة في وجه إبادة 'نتنياهو-ترامب"
بقلم: جمال زقوت / تُعتبر فرانشيسكا ألبانيزا أول امرأة يتم تعيينها، في الأول من مايو 2020، كمقررة خاصة للأمم المتحدة معنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لتتولى هذا المنصب لمدة ثلاث سنوات. وقد مدد مجلس حقوق الإنسان مهمتها لولاية ثانية في الرابع من أبريل 2025، لمدة ثلاث سنوات إضافية، لتستمر ولايتها حتى نهاية عام 2028.
العدالة لفلسطين أولًا: جوهر نضال المقررة الأممية
ومنذ تولّيها هذه المهمة، كرّست ألبانيزا حياتها المهنية من أجل العدالة في فلسطين، وكشف مدى خطورة الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من حكومة الاحتلال الصهيوني، والتي تركزت على مصادرة سُبل الحياة الإنسانية لشعبنا الفلسطيني، وليس فقط أرضه وموارده وحريته، انطلاقًا من إصرار الحكومات الصهيونية المتعاقبة على مصادرة حق الفلسطينيين في العودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني في دولتهم المستقلة، وفقًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
'اقتصاد الإبادة': الشركات المتواطئة في الجرائم
فور إعلان إسرائيل الحرب العدوانية على قطاع غزة، سعت ألبانيزا إلى إعلان وقف فوري للأعمال العسكرية، محذرة منذ البداية من الانزلاق نحو التطهير العرقي، الذي شكّل وما يزال حتى اليوم العنوان الأبرز لجرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها حكومة تل أبيب وجيشها. وقد قدمت تقريرًا إلى مجلس حقوق الإنسان في مارس 2024، خلُص إلى أن ما يحدث في غزة قد يرقى إلى جريمة إبادة جماعية. كما نشرت في يونيو 2025 تقريرًا يربط بين الشركات الكبرى ودعمها للاحتلال، وذكر التقرير 48 شركة، متهمًا إياها بالمساهمة في 'اقتصاد الإبادة'.
بهذا المعنى، تحدّت فرانشيسكا ما يمكن اعتباره 'عشّ الدبابير'، لإعلاء قيم العدالة وصوت ضحايا عدوانية التحالف الصهيو-أمريكي، المستمرة منذ أكثر من خمسة وسبعين عامًا من الألم والظلم. فكانت مواقفها تكشف حقيقة العصب الحيّ لهذه المعاناة، التي تُوِّجت بجرائم الإبادة الجماعية المستمرة ضد شعبنا الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم.
غزة رماد بشري
في تقريرها الشهير 'Anatomy of a Genocide'، الذي قدمته في مارس 2024 أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أكدت ألبانيزا أن هناك 'أُسسًا معقولة للاعتقاد' بأن إسرائيل ارتكبت على الأقل ثلاثة أفعال مُعرّفة قانونيًا كإبادة جماعية في غزة: أولها قتل أعضاء من مجموعة فلسطينية، وثانيها تعريضهم لأضرار جسدية أو نفسية خطيرة، وأخيرًا خلق ظروف معيشية يُقصد منها التدمير الجزئي أو الكامل للمجموعة الفلسطينية. وأشارت إلى التدمير الشامل لهياكل الحياة الإنسانية، مؤكدة أن 'تدمير كل ما هو ضروري للحياة في غزة'، بما يشمل المدارس والمستشفيات والمساكن والبنية التحتية، يُعد دليلًا على نية 'تدمير النظام الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للفلسطينيين'. كما أشارت إلى تصاعد 'خطاب التحريض' من قِبل مسؤولين إسرائيليين، وذلك كأدلة قاتلة على وجود نية الإبادة. وفي تصريحات لاحقة، اعتبرت ما يجري في القطاع 'ليس حربًا بل إبادة'. ففي أكتوبر 2024، قالت حرفيًا: 'لا تُسمِّها حربًا. إنها إبادة جماعية… النية واضحة وقطعية'. كما ذكرت أن غزة تحولت إلى 'رماد بشري'، وأن ما يجري فيها هو أكبر 'حالة إبادة جماعية في التاريخ الحديث'، بفضل التكنولوجيا والأسلحة الحديثة. فدعت إلى فرض عقوبات على إسرائيل وحظر التصدير العسكري لها، لأنها تعتقد أن استمرار توريد السلاح يُعد 'مساعدة' لها في ارتكاب جرائم إبادة جماعية. وفي مايو 2025، استنكرت سياسة 'القناع الإنساني' المستخدمة لتوصيل مساعدات تُدار تحت هيمنة عسكرية إسرائيلية، وأطلقت نداءً صارخًا لـ'إيقاف الجنون' ومنع استخدام المساعدات كغطاء لجرائم إبادة، مشيرة إلى أن قطع الكهرباء والماء عن غزة يُشكّل 'تحذيرًا من إبادة جماعية' بسبب منع فرص الحياة الأساسية.
عقوبات أمريكية: محاولة لإسكات صوت الضحايا
أثارت مواقف ألبانيزا أهمية ممارسة الضغط على المجتمع الدولي ليتحرّك قانونيًا، وتقديم الدعم للمحكمة الجنائية الدولية، واعتبرتها أولوية عليا لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين. تقريرها الأخير في يوليو 2025 بعنوان 'من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة' ادّعى استفادة شركات محددة مما تسميه 'اقتصاد الإبادة'، مما أدى إلى رد فعل سياسي ضاغط، من ضمنه عقوبات أمريكية عليها. فقد أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية قرارًا بفرض عقوبات على فرانشيسكا ألبانيزا في 9 تموز/يوليو 2025، تضمّن تجميدًا لأصولها في الولايات المتحدة وحظر دخولها إلى أراضيها، وذلك في إطار تنفيذ الأمر التنفيذي رقم 14203، الذي يستهدف مساعدي المحكمة الجنائية الدولية والأشخاص المرتبطين بتحقيقات ضد مواطني إسرائيل أو الولايات المتحدة.
منذ دخول ترامب البيت الأبيض، أعلن حربه على مؤسسات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. ورغم إصراره على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قبل تنصيبه لولايته الثانية، إلا أنه سرعان ما انحاز إلى حرب الإبادة، عندما ساند إسرائيل في انتهاك الاتفاق الذي أشرف وفريقه عليه، مقدّمًا الغطاء منذ مارس وحتى اليوم لاستمرار الجرائم الإسرائيلية ضد الأبرياء في القطاع، وصامتًا على ما يرتكبه جيش الاحتلال والمستوطنون الإرهابيون من جرائم يومية، لا تستثني التمهيد للإبادة والتطهير العرقي، في سياق سعي حكومة تل أبيب إلى تنفيذ ما تعتبره 'خطة الحسم'. وفي الوقت نفسه، يستمر ترامب في تقديم الضوء الأخضر لمواصلة الإبادة والتطهير العرقي، وهذه المرة من خلال التلويح الكاذب برغبته في وقف الحرب، التي لا تتجاوز الأهداف والتوقيت الإسرائيليين.
لقد استحقّت فرانشيسكا لقب 'حاملة لواء العدالة' في مواجهة مجرمي الإبادة ومن يقف خلفهم، سيّما ترامب وإدارته، والنفاق الأوروبي الذي لم يُقدِم حتى اللحظة على أي خطوة عملية لوقف الإبادة وتعطيل أهدافها السياسية، مكتفيًا بالإدانات اللفظية التي لا تُغني ولا تُسمن. نعم، إنه الصراع بين قيم العدالة والحق التي أصبحت فلسطين عنوانها الأبرز، وبين الاضطهاد والظلم والاستهانة بكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية. ولعلّ فرانشيسكا باتت في هذا الصراع رمزًا لملايين البشر في أصقاع الأرض، ومعها الآلاف من منظمات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك واشنطن، وكذلك في تل أبيب.
إلا أن المستغرَب أن يصل نأي القيادة المُهيمنة على السلطة والحكم بالنفس، إلى درجة تحجم فيها حتى اللحظة عن إعلان أي موقف يندد بالعقوبات الأمريكية على ألبانيزا؛ ليس فقط لمساندة صوتها الحر، والذي يُشكّل امتدادًا لملايين الحناجر التي تهتف لفلسطين وحريتها وإنصاف العدالة لشعبها، بل ولإبراز صوت الضحايا من الأطفال والنساء وغيرهم، الذين اعتبرتهم ألبانيزا جوهر القضية، وليس ما فُرض عليها من عقوبات لا تستهدف سوى إسكاتها، ومعها إسكات وتغييب العدالة في فلسطين، للمضي في تصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


قدس نت
منذ يوم واحد
- قدس نت
فرانشيسكا ألبانيزا: ضمير العدالة في وجه إبادة 'نتنياهو-ترامب"
بقلم: جمال زقوت بقلم: جمال زقوت / تُعتبر فرانشيسكا ألبانيزا أول امرأة يتم تعيينها، في الأول من مايو 2020، كمقررة خاصة للأمم المتحدة معنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لتتولى هذا المنصب لمدة ثلاث سنوات. وقد مدد مجلس حقوق الإنسان مهمتها لولاية ثانية في الرابع من أبريل 2025، لمدة ثلاث سنوات إضافية، لتستمر ولايتها حتى نهاية عام 2028. العدالة لفلسطين أولًا: جوهر نضال المقررة الأممية ومنذ تولّيها هذه المهمة، كرّست ألبانيزا حياتها المهنية من أجل العدالة في فلسطين، وكشف مدى خطورة الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من حكومة الاحتلال الصهيوني، والتي تركزت على مصادرة سُبل الحياة الإنسانية لشعبنا الفلسطيني، وليس فقط أرضه وموارده وحريته، انطلاقًا من إصرار الحكومات الصهيونية المتعاقبة على مصادرة حق الفلسطينيين في العودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني في دولتهم المستقلة، وفقًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. 'اقتصاد الإبادة': الشركات المتواطئة في الجرائم فور إعلان إسرائيل الحرب العدوانية على قطاع غزة، سعت ألبانيزا إلى إعلان وقف فوري للأعمال العسكرية، محذرة منذ البداية من الانزلاق نحو التطهير العرقي، الذي شكّل وما يزال حتى اليوم العنوان الأبرز لجرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها حكومة تل أبيب وجيشها. وقد قدمت تقريرًا إلى مجلس حقوق الإنسان في مارس 2024، خلُص إلى أن ما يحدث في غزة قد يرقى إلى جريمة إبادة جماعية. كما نشرت في يونيو 2025 تقريرًا يربط بين الشركات الكبرى ودعمها للاحتلال، وذكر التقرير 48 شركة، متهمًا إياها بالمساهمة في 'اقتصاد الإبادة'. بهذا المعنى، تحدّت فرانشيسكا ما يمكن اعتباره 'عشّ الدبابير'، لإعلاء قيم العدالة وصوت ضحايا عدوانية التحالف الصهيو-أمريكي، المستمرة منذ أكثر من خمسة وسبعين عامًا من الألم والظلم. فكانت مواقفها تكشف حقيقة العصب الحيّ لهذه المعاناة، التي تُوِّجت بجرائم الإبادة الجماعية المستمرة ضد شعبنا الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم. غزة رماد بشري في تقريرها الشهير 'Anatomy of a Genocide'، الذي قدمته في مارس 2024 أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أكدت ألبانيزا أن هناك 'أُسسًا معقولة للاعتقاد' بأن إسرائيل ارتكبت على الأقل ثلاثة أفعال مُعرّفة قانونيًا كإبادة جماعية في غزة: أولها قتل أعضاء من مجموعة فلسطينية، وثانيها تعريضهم لأضرار جسدية أو نفسية خطيرة، وأخيرًا خلق ظروف معيشية يُقصد منها التدمير الجزئي أو الكامل للمجموعة الفلسطينية. وأشارت إلى التدمير الشامل لهياكل الحياة الإنسانية، مؤكدة أن 'تدمير كل ما هو ضروري للحياة في غزة'، بما يشمل المدارس والمستشفيات والمساكن والبنية التحتية، يُعد دليلًا على نية 'تدمير النظام الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للفلسطينيين'. كما أشارت إلى تصاعد 'خطاب التحريض' من قِبل مسؤولين إسرائيليين، وذلك كأدلة قاتلة على وجود نية الإبادة. وفي تصريحات لاحقة، اعتبرت ما يجري في القطاع 'ليس حربًا بل إبادة'. ففي أكتوبر 2024، قالت حرفيًا: 'لا تُسمِّها حربًا. إنها إبادة جماعية… النية واضحة وقطعية'. كما ذكرت أن غزة تحولت إلى 'رماد بشري'، وأن ما يجري فيها هو أكبر 'حالة إبادة جماعية في التاريخ الحديث'، بفضل التكنولوجيا والأسلحة الحديثة. فدعت إلى فرض عقوبات على إسرائيل وحظر التصدير العسكري لها، لأنها تعتقد أن استمرار توريد السلاح يُعد 'مساعدة' لها في ارتكاب جرائم إبادة جماعية. وفي مايو 2025، استنكرت سياسة 'القناع الإنساني' المستخدمة لتوصيل مساعدات تُدار تحت هيمنة عسكرية إسرائيلية، وأطلقت نداءً صارخًا لـ'إيقاف الجنون' ومنع استخدام المساعدات كغطاء لجرائم إبادة، مشيرة إلى أن قطع الكهرباء والماء عن غزة يُشكّل 'تحذيرًا من إبادة جماعية' بسبب منع فرص الحياة الأساسية. عقوبات أمريكية: محاولة لإسكات صوت الضحايا أثارت مواقف ألبانيزا أهمية ممارسة الضغط على المجتمع الدولي ليتحرّك قانونيًا، وتقديم الدعم للمحكمة الجنائية الدولية، واعتبرتها أولوية عليا لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين. تقريرها الأخير في يوليو 2025 بعنوان 'من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة' ادّعى استفادة شركات محددة مما تسميه 'اقتصاد الإبادة'، مما أدى إلى رد فعل سياسي ضاغط، من ضمنه عقوبات أمريكية عليها. فقد أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية قرارًا بفرض عقوبات على فرانشيسكا ألبانيزا في 9 تموز/يوليو 2025، تضمّن تجميدًا لأصولها في الولايات المتحدة وحظر دخولها إلى أراضيها، وذلك في إطار تنفيذ الأمر التنفيذي رقم 14203، الذي يستهدف مساعدي المحكمة الجنائية الدولية والأشخاص المرتبطين بتحقيقات ضد مواطني إسرائيل أو الولايات المتحدة. منذ دخول ترامب البيت الأبيض، أعلن حربه على مؤسسات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. ورغم إصراره على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قبل تنصيبه لولايته الثانية، إلا أنه سرعان ما انحاز إلى حرب الإبادة، عندما ساند إسرائيل في انتهاك الاتفاق الذي أشرف وفريقه عليه، مقدّمًا الغطاء منذ مارس وحتى اليوم لاستمرار الجرائم الإسرائيلية ضد الأبرياء في القطاع، وصامتًا على ما يرتكبه جيش الاحتلال والمستوطنون الإرهابيون من جرائم يومية، لا تستثني التمهيد للإبادة والتطهير العرقي، في سياق سعي حكومة تل أبيب إلى تنفيذ ما تعتبره 'خطة الحسم'. وفي الوقت نفسه، يستمر ترامب في تقديم الضوء الأخضر لمواصلة الإبادة والتطهير العرقي، وهذه المرة من خلال التلويح الكاذب برغبته في وقف الحرب، التي لا تتجاوز الأهداف والتوقيت الإسرائيليين. لقد استحقّت فرانشيسكا لقب 'حاملة لواء العدالة' في مواجهة مجرمي الإبادة ومن يقف خلفهم، سيّما ترامب وإدارته، والنفاق الأوروبي الذي لم يُقدِم حتى اللحظة على أي خطوة عملية لوقف الإبادة وتعطيل أهدافها السياسية، مكتفيًا بالإدانات اللفظية التي لا تُغني ولا تُسمن. نعم، إنه الصراع بين قيم العدالة والحق التي أصبحت فلسطين عنوانها الأبرز، وبين الاضطهاد والظلم والاستهانة بكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية. ولعلّ فرانشيسكا باتت في هذا الصراع رمزًا لملايين البشر في أصقاع الأرض، ومعها الآلاف من منظمات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك واشنطن، وكذلك في تل أبيب. إلا أن المستغرَب أن يصل نأي القيادة المُهيمنة على السلطة والحكم بالنفس، إلى درجة تحجم فيها حتى اللحظة عن إعلان أي موقف يندد بالعقوبات الأمريكية على ألبانيزا؛ ليس فقط لمساندة صوتها الحر، والذي يُشكّل امتدادًا لملايين الحناجر التي تهتف لفلسطين وحريتها وإنصاف العدالة لشعبها، بل ولإبراز صوت الضحايا من الأطفال والنساء وغيرهم، الذين اعتبرتهم ألبانيزا جوهر القضية، وليس ما فُرض عليها من عقوبات لا تستهدف سوى إسكاتها، ومعها إسكات وتغييب العدالة في فلسطين، للمضي في تصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت


معا الاخبارية
منذ يوم واحد
- معا الاخبارية
اسرائيل تعترف: ليس لدينا حل لـ"اليوم التالي" في غزة
بيت لحم معا- على الرغم من مرور سنة وتسعة أشهر على العدوان الإسرائيلي غزة، كشفت القناة 12 الإسرائيلية أن إسرائيل لم تضع بعد مخططًا لمرحلة ما بعد الحرب. واقرت المؤسسة العسكرية في اسرائيل بأنه لم يُرسم حتى الآن أي إطار سياسي، ولم يُتوصّل إلى اتفاق بشأن حكومة تُشكّل بديلا لحماس، وأنه عمليًا لا يوجد من يتحمّل المسؤولية. في الوقت نفسه، لا تستبعد إسرائيل مشاركة قطر في إعادة إعمار غزة إلى جانب جهات إقليمية أخرى. و تُعتبر قطر الآن "شريكًا استراتيجيًا" نجح في إبرام صفقات الرهائن وساهم في وقف إطلاق النار مع إيران. في الأسبوع الماضي، أعلن وزير الحرب الإسرائيلي كاتس عن خطة لإنشاء "مدينة إنسانية" في رفح من شأنها أن تجمع مئات الآلاف من سكان غزة، لكن الجيش اوضح أن هذا حدث كبير يتطلب تخطيطاً معمقاً، وتعبئة سكان غزة على نطاق واسع، ومليارات الدولارات - بحيث إذا بدأ تنفيذه، فسوف يحدث تدريجياً. وفقاً للخطط، ستشمل المساحات المدنية: مساحة المعيشة المحيطة، والمناطق المنظمة، وخطوط الكهرباء والمياه، والخيام، والأمن الشخصي دون مساحة قتالية. حسب وصف التقرير الاسرائيلي. ولتنفيذ هذه الخطوة، من الضروري أولاً إنشاء البنية التحتية والمساحات المناسبة، وتنظيف النفايات، وإنشاء منطقة تضم مساحة إنسانية. لكن من المتوقع أن يسيطر الفلسطينيون على المنطقة، ولكنهم سيحتاجون إلى دعم طرف خارجي مثل الأميركيين. سيتضمن الموقع مجمعات توزيع الأغذية والعيادات والمستشفيات الميدانية. وفيما يتعلق بصفقة التبادل ، تصر حماس على أن تلغي إسرائيل أنشطة صندوق الإغاثة الأميركي، المسؤول عن مجمعات توزيع الغذاء - وأن تدخل المساعدات وتوزع على قطاع غزة خلال وقف إطلاق النار فقط في صورة شاحنات مساعدات تابعة للأمم المتحدة. لكن في الوقت الحاضر، لا يزال من غير الواضح عدد شاحنات المساعدات التي ستدخل، لكن إسرائيل تعتقد أنه لن يكون هناك خيار سوى التنازل عن هذه المسألة وإدخال المساعدات بالصيغة السابقة أيضاً من أجل تمكين صفقة التبادل. وأشارت المؤسسة العسكرية أن غزة تحتاج إلى 300 شاحنة يومياً للبقاء على قيد الحياة، ولا تحتاج إلى 600 شاحنة كما كان الحال في الصفقة الأخيرة. في ظل انتقادات لإدارة إدخال المساعدات لغزة، تؤكد المؤسسة الأمنية أن الوضع الإنساني بات يشكل خطرًا وطنيًا، ما يتطلب تخفيف الضغط وتجنب "فرامل" دولية. مسؤول دفاعي حذر من تداعيات المجاعة ونقص الدواء، التي قد تؤدي لعقوبات أوروبية وتحقيقات دولية ووقف دعم أميركي.


فلسطين اليوم
منذ يوم واحد
- فلسطين اليوم
قراءة في العقلية الإلغائية والسلوك العدواني الإسرائيلي
فلسطين اليوم الكاتب: د.محسن صالح يَنظر كثيرون باستغراب إلى طريقة تفاعل الجمهور الإسرائيلي الصهيوني مع قيام جيشهم بقتل نحو 18 ألف طفل و12,400 امرأة في قطاع غزة، مع التدمير الهائل لمئات المدارس والمساجد والمستشفيات، والحملة الممنهجة للتجويع والإذلال، حيث لا يكاد يجدون لذلك صدى حقيقيا في الوسط الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه، فإن أكثر جهة يُجمع الإسرائيليون على الثقة بها هي الجيش الإسرائيلي، وبنسبة تصل إلى 82 في المئة حسب آخر استطلاعات الرأي. وبالرغم من وجود أغلبية إسرائيلية كبيرة (نحو 67 في المئة) تؤيد وقف الحرب وعقد صفقة لتبادل الأسرى، وبالرغم من وجود تنازع كبير وقوى بين التحالف الحكومي وبين المعارضة حول ذلك؛ إلا أن جوهر النقاش مُنصَبٌّ على تحرير الأسرى الإسرائيليين وعلى "معاناتهم" الإنسانية كرهائن؛ وليس ثمة نقاش مؤثر وفعال بالطريقة نفسها عن وقف استهداف المدنيين وحرب الإبادة أو وقف التجويع. السلوك الإسرائيلي يجد لنفسه أيضا مبررات كافية للهجوم العسكري على دول مستقلة مثل سوريا وإيران (هذا إلى جانب لبنان واليمن) لمجرد الشعور بإمكانية تشكيل خطر محتمل أو بقصد التطويع وفرض الهيمنة، بغض النظر إن كان ذلك ضدّ القانون الدولي وأنظمة الأمم المتحدة. هذه العقلية لا تنطبق على مستوى الحكومة الإسرائيلية فقط، وإنما على مستوى الأغلبية الساحقة للإسرائيليين، وهي عقلية "تحتكر الضحية" وتلغي الآخر، وتَعدُّ نفسها حالة "فريدة" في التاريخ والحاضر الإنساني؛ وتُعطي لنفسها حقَّ الظُّلم والقهر والعدوان والاحتلال والتهجير والإبادة، وفرض الهيمنة، تحت اعتذارية حماية الذات باعتبارها "ضحية محتملة". العقلية الإلغائية: هذه العقلية لا تنطبق على مستوى الحكومة الإسرائيلية فقط، وإنما على مستوى الأغلبية الساحقة للإسرائيليين، وهي عقلية "تحتكر الضحية" وتلغي الآخر، وتَعدُّ نفسها حالة "فريدة" في التاريخ والحاضر الإنساني؛ وتُعطي لنفسها حقَّ الظُّلم والقهر والعدوان والاحتلال والتهجير والإبادة، وفرض الهيمنة، تحت اعتذارية حماية الذات باعتبارها "ضحية محتملة"!! كان الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله من أبرز من تحدث عن العقلية الصهيونية، وأكد أن الفكر الصهيوني قائم على إلغاء الآخر في مقابل إثبات الذات. وهي عقلية إلغائية من ثلاث جهات: 1- الإلغاء التاريخي: فهي تتعامل وكأن شعب فلسطين حدثٌ عابر في التاريخ، أو مجرد خطأ تاريخي، وتتجاهل وجوده الراسخ لآلاف السنين، بينما تتجاهل الانقطاع اليهودي السياسي والحضاري عن فلسطين لأكثر من 1800 عام، وتتحدث وكأن اليهود غابوا بضعة أيام ثم رجعوا!! 2- الإلغاء السكاني: فهي تنزع حق أبناء فلسطين في أرضهم، وترى فلسطين "أرضا بلا شعب"؛ وترى في تهجير الفلسطينيين وطردهم، أو حتى شنّ حرب إبادة ضدهم أمرا عاديا!! 3- الإلغاء الديني: فهي تعطي حقا وحيدا وحصريا لليهود في الأقصى والقدس وباقي فلسطين (وما هو أوسع من ذلك لدى كثير من الصهاينة). وهي عقلية "مانعة" تفشل في التعايش الديني مع الآخر عندما تتصدر الحكم والسلطة، بعكس العقلية الإسلامية "الجامعة" القائمة على التسامح الديني واستيعاب الآخر. وهذا يُفسر السلوك الديني العدواني تجاه المقدسات الإسلامية والمسيحية، ومحاولات إيجاد هوية دينية مصطنعة حتى ولو بتزوير التاريخ والآثار. احتكار الضحية: وهي قاعدة أساسية في الفكر الصهيوني، تسعى إلى تصوير اليهود كضحايا وحيدين ومتفردين عبر التاريخ وفي شتاتهم، مع التركيز على "المحرقة النازية" أو "الهولوكوست"؛ ومنح أنفسهم "حقا حصريا" في تمثيل دور الضحية!! هذا الاحتكار يُستخدم لتبرير سياسة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، في الاستيطان والتهجير القسري والإبادة للفلسطينيين، حيث لا يُنظر للفلسطينيين كضحايا، وإنما كأعداء أو "عماليق" أو "غوييم"، وبالتالي يستخدم الصهاينة ذلك، كأداة دينية وسياسية لتثبيت مشروعهم الاستيطاني التوسعي العدواني، ولو على حساب الآخرين. وتُوضح النظرية البنائية (Constructivism) هذا السلوك بافتراض أن هوية الدول وقيمها وتصوراتها تشكل سلوكها؛ وأن الكيان الإسرائيلي يرى نفسه "دولة صغيرة" مهددة في محيط مُعادٍ وضَحية محتملة، مما يجعل الهيمنة الأمنية على المنطقة مكونا أساسيا في بُنيتها، وضرورة حصولها على تفوقٍ نوعي وإجبار الآخرين على البقاء في وضع أدنى تكنولوجيا وعسكريا، حتى تبقى "الضحية" في "أمان"!! وكذلك نظرية الاستثناء الأمني (Security Exception Theory)، حيث تُقدم "إسرائيل" نفسها استثناء عن النظام الدولي وقوانينه، لأنها ترى في نفسها مجتمعا فريدا مُهدّدا بالزوال (تاريخيا ودينيا وسكانيا)، وبالتالي ترى لنفسها حقا في امتلاك التفوق الأمني والسلوك العسكري العدواني، حتى لو تعارض ذلك مع النظام الدولي وأي منظومات أخلاقية أو إنسانية. وبالتأكيد، فهاتان النظريتان تحاولان فهم الظاهرة وتوصيفها، لكنهما لا يقدمان تبريرا أخلاقيا أو قانونيا أو سلوكيا لها. الهيمنة الوقائية: ويندرج تحت ما سبق فكرة "الهيمنة الوقائية"؛ حيث لا يكتفي الاحتلال الإسرائيلي بردع التهديدات، بل يسعى لإضعاف القوى الإقليمية واستمرار تشرذمها وتخلُّفها، ليضمن الاحتلال لنفسه التفوق والهيمنة، ويمنع أي حالة توازن محتملة، باعتبار ذلك خطرا وجوديا عليه. وتقدم المدرسة الواقعية التقليدية (Classical Realism) والمدرسة الواقعية الهجومية (Offensive Realism) تفسيرا لهذا السلوك، حيث يرى الكيان الإسرائيلي أن تحقيق أمنه لا يتم بالتوازن، بل بالهيمنة الإقليمية الكاملة؛ وهو ما يبرر لها احتكار السلاح النووي والأسلحة النوعية. التفوق الحضاري المصطنع: وهي عقلية تقدم نفسها كجزء من الغرب "المتقدم" في قلب المشرق "المتخلف"، مصحوبا بادعاء التفوق الحضاري "تكنولوجيا وأخلاقيا وديمقراطيا"، لتبرر لنفسها الهيمنة على شعوب "متخلفة" أو تمثل تهديدا ثقافيا أو سكانيا لها. وتصنع هذه العقلية عن أهل المنطقة صورة العدو "البدائي" العنيف وغير العقلاني، الذي لا تُفرض عليه الأمور إلّا بالقوة، ولا يمكن التعايش معه على أسس التكافؤ والمساواة!! وهو ما يعزّز سرديات الهيمنة والسيطرة. وهذا "الحقُّ" المدَّعى، هو حقّ متهافت لا يستند إلى أسس موضوعية ولا يملك سندا أخلاقيا ولا سلوكيا. ومن اللافت للنظر أن يتبجح الصهاينة بهكذا ادعاءات، بينما هم الداعم الأساس والأول (إلى جانب حلفائهم الغربيين) لأنظمة الاستبداد والفساد في المنطقة، والمانع الأساس لأي تحولات حقيقية في المنطقة تعبر عن إرادة شعوبها وتطلعاتها النهضوية والوحدوية، بينما تتمتع شعوب المنطقة بعمق حضاري ثقافي راسخ، وحضارات عريقة لها دور مركزي في حركة التاريخ عبر آلاف السنين. هذه العقلية، تستند إلى الإرث الاستعماري "للرجل الأبيض"، الذي يرى نفسه متفوقا، وأن له حقا في استعمار الآخرين واستغلالهم، وهي عقلية استعمارية لم يبقَ في شكلها التقليدي سوى الاستعمار الصهيوني. الشرعية الدولية الانتقائية: حيث يحظى الكيان الإسرائيلي بدعم القوى الكبرى، وخصوصا الولايات المتحدة، باعتباره "القلعة المتقدمة" للإمبريالية الغربية، و"العصا الغليظة" التي تضمن مصالحها، والتي تقوم بدور "الدولة الوظيفية" التي تواجه "المد الإسلامي" وتواجه مشاريع الوحدة العربية، وتضمن ضعف المنطقة لإبقائها في دائرة التبعية الغربية، ولتظل سوقا للمنتجات الغربية. تتكامل جدلية "العقلية الإلغائية" الصهيونية، فتُسوِّغ لنفسها ما لا تجيزه لغيرها؛ وتتحلل من القيود والالتزامات القانونية والأخلاقية والإنسانية، لتختلق ذرائع واعتذاريات لاحتلال أراضي الآخرين بالقوة، وللتهجير القسري والإبادة الجماعية، والعدوان، وتدمير المقدرات البشرية والمادية لدول المنطقة، وتعطيل نهوضها الحضاري ووحدتها. هذه الازدواجية الغربية الانتقائية تعطي "الشرعية" للكيان الإسرائيلي لاحتكار القوة والهيمنة والسيطرة، بينما تمنع حق دول المنطقة في امتلاك الأسلحة النوعية والنووية حتى لو دخلت في "حظيرة التطبيع". ويخدم في تفسير هذا السلوك سياسيا، نظرية النظام الأمني الإقليمي (Regional Security Complex Theory)، التي تنظر للمنطقة كبيئة أمنية مترابطة، وأن على الاحتلال الإسرائيلي فرض هيمنته لمنع ظهور أي قوى أو تحالفات أو مشاريع وحدة تهدّد الأمن الإسرائيلي. وكذلك نظرية الردع غير المتكافئ (Asymmetric Deterrence Theory) من حيث ضرورة احتكار طرف هو الطرف الإسرائيلي لأدوات القوة الاستراتيجية. ونظرية إدارة الهيمنة الإقليمية (Managed Regional Dominance)، حيث توفر القوى العالمية (تحديدا الولايات المتحدة) الغطاء للتفوق الإسرائيلي لكبح القوى الإقليمية و"إدارتها" وإبقائها تحت السيطرة. وهكذا تتكامل جدلية "العقلية الإلغائية" الصهيونية، فتُسوِّغ لنفسها ما لا تجيزه لغيرها؛ وتتحلل من القيود والالتزامات القانونية والأخلاقية والإنسانية، لتختلق ذرائع واعتذاريات لاحتلال أراضي الآخرين بالقوة، وللتهجير القسري والإبادة الجماعية، والعدوان، وتدمير المقدرات البشرية والمادية لدول المنطقة، وتعطيل نهوضها الحضاري ووحدتها. وتتحول هذه العقلية إلى ثقافة شعبية صهيونية يشترك فيها علماء وخبراء وأساتذة جامعات ومفكرون وقادة مراكز دراسات ورموز سياسية وإعلامية وثقافية.. لا تتردد في شرعنة حالة "الاستثناء" الصهيوني. على أنه يجب أن ننبه إلى أن ما ذكرناه يحاول تقديم صورة أوضح للعقلية الإلغائية الصهيونية، ويكشف جدليتها المتهافتة، لكنه بالتأكيد يرفض تبريراتها في شرعنة الظلم والاحتلال والهيمنة؛ ويؤكد أن هذه العقلية لا تستطيع الاستمرار طويلا في فرض هيمنتها وإرادتها، لأنها ليست قوية في ذاتها، بل هي حالة مصطنعة مدعومة من قوى عالمية. وإن أي حالة نهوض حقيقي ووحدوي في المنطقة ستؤدي عاجلا أم آجلا إلى زوال هذه الظاهرة، التي لا تملك مقومات حقيقية راسخة لبقائها.