
قراءة في العقلية الإلغائية والسلوك العدواني الإسرائيلي
الكاتب: د.محسن صالح
يَنظر كثيرون باستغراب إلى طريقة تفاعل الجمهور الإسرائيلي الصهيوني مع قيام جيشهم بقتل نحو 18 ألف طفل و12,400 امرأة في قطاع غزة، مع التدمير الهائل لمئات المدارس والمساجد والمستشفيات، والحملة الممنهجة للتجويع والإذلال، حيث لا يكاد يجدون لذلك صدى حقيقيا في الوسط الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه، فإن أكثر جهة يُجمع الإسرائيليون على الثقة بها هي الجيش الإسرائيلي، وبنسبة تصل إلى 82 في المئة حسب آخر استطلاعات الرأي. وبالرغم من وجود أغلبية إسرائيلية كبيرة (نحو 67 في المئة) تؤيد وقف الحرب وعقد صفقة لتبادل الأسرى، وبالرغم من وجود تنازع كبير وقوى بين التحالف الحكومي وبين المعارضة حول ذلك؛ إلا أن جوهر النقاش مُنصَبٌّ على تحرير الأسرى الإسرائيليين وعلى "معاناتهم" الإنسانية كرهائن؛ وليس ثمة نقاش مؤثر وفعال بالطريقة نفسها عن وقف استهداف المدنيين وحرب الإبادة أو وقف التجويع.
السلوك الإسرائيلي يجد لنفسه أيضا مبررات كافية للهجوم العسكري على دول مستقلة مثل سوريا وإيران (هذا إلى جانب لبنان واليمن) لمجرد الشعور بإمكانية تشكيل خطر محتمل أو بقصد التطويع وفرض الهيمنة، بغض النظر إن كان ذلك ضدّ القانون الدولي وأنظمة الأمم المتحدة.
هذه العقلية لا تنطبق على مستوى الحكومة الإسرائيلية فقط، وإنما على مستوى الأغلبية الساحقة للإسرائيليين، وهي عقلية "تحتكر الضحية" وتلغي الآخر، وتَعدُّ نفسها حالة "فريدة" في التاريخ والحاضر الإنساني؛ وتُعطي لنفسها حقَّ الظُّلم والقهر والعدوان والاحتلال والتهجير والإبادة، وفرض الهيمنة، تحت اعتذارية حماية الذات باعتبارها "ضحية محتملة".
العقلية الإلغائية:
هذه العقلية لا تنطبق على مستوى الحكومة الإسرائيلية فقط، وإنما على مستوى الأغلبية الساحقة للإسرائيليين، وهي عقلية "تحتكر الضحية" وتلغي الآخر، وتَعدُّ نفسها حالة "فريدة" في التاريخ والحاضر الإنساني؛ وتُعطي لنفسها حقَّ الظُّلم والقهر والعدوان والاحتلال والتهجير والإبادة، وفرض الهيمنة، تحت اعتذارية حماية الذات باعتبارها "ضحية محتملة"!!
كان الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله من أبرز من تحدث عن العقلية الصهيونية، وأكد أن الفكر الصهيوني قائم على إلغاء الآخر في مقابل إثبات الذات. وهي عقلية إلغائية من ثلاث جهات:
1- الإلغاء التاريخي: فهي تتعامل وكأن شعب فلسطين حدثٌ عابر في التاريخ، أو مجرد خطأ تاريخي، وتتجاهل وجوده الراسخ لآلاف السنين، بينما تتجاهل الانقطاع اليهودي السياسي والحضاري عن فلسطين لأكثر من 1800 عام، وتتحدث وكأن اليهود غابوا بضعة أيام ثم رجعوا!!
2- الإلغاء السكاني: فهي تنزع حق أبناء فلسطين في أرضهم، وترى فلسطين "أرضا بلا شعب"؛ وترى في تهجير الفلسطينيين وطردهم، أو حتى شنّ حرب إبادة ضدهم أمرا عاديا!!
3- الإلغاء الديني: فهي تعطي حقا وحيدا وحصريا لليهود في الأقصى والقدس وباقي فلسطين (وما هو أوسع من ذلك لدى كثير من الصهاينة). وهي عقلية "مانعة" تفشل في التعايش الديني مع الآخر عندما تتصدر الحكم والسلطة، بعكس العقلية الإسلامية "الجامعة" القائمة على التسامح الديني واستيعاب الآخر.
وهذا يُفسر السلوك الديني العدواني تجاه المقدسات الإسلامية والمسيحية، ومحاولات إيجاد هوية دينية مصطنعة حتى ولو بتزوير التاريخ والآثار.
احتكار الضحية:
وهي قاعدة أساسية في الفكر الصهيوني، تسعى إلى تصوير اليهود كضحايا وحيدين ومتفردين عبر التاريخ وفي شتاتهم، مع التركيز على "المحرقة النازية" أو "الهولوكوست"؛ ومنح أنفسهم "حقا حصريا" في تمثيل دور الضحية!!
هذا الاحتكار يُستخدم لتبرير سياسة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، في الاستيطان والتهجير القسري والإبادة للفلسطينيين، حيث لا يُنظر للفلسطينيين كضحايا، وإنما كأعداء أو "عماليق" أو "غوييم"، وبالتالي يستخدم الصهاينة ذلك، كأداة دينية وسياسية لتثبيت مشروعهم الاستيطاني التوسعي العدواني، ولو على حساب الآخرين.
وتُوضح النظرية البنائية (Constructivism) هذا السلوك بافتراض أن هوية الدول وقيمها وتصوراتها تشكل سلوكها؛ وأن الكيان الإسرائيلي يرى نفسه "دولة صغيرة" مهددة في محيط مُعادٍ وضَحية محتملة، مما يجعل الهيمنة الأمنية على المنطقة مكونا أساسيا في بُنيتها، وضرورة حصولها على تفوقٍ نوعي وإجبار الآخرين على البقاء في وضع أدنى تكنولوجيا وعسكريا، حتى تبقى "الضحية" في "أمان"!!
وكذلك نظرية الاستثناء الأمني (Security Exception Theory)، حيث تُقدم "إسرائيل" نفسها استثناء عن النظام الدولي وقوانينه، لأنها ترى في نفسها مجتمعا فريدا مُهدّدا بالزوال (تاريخيا ودينيا وسكانيا)، وبالتالي ترى لنفسها حقا في امتلاك التفوق الأمني والسلوك العسكري العدواني، حتى لو تعارض ذلك مع النظام الدولي وأي منظومات أخلاقية أو إنسانية.
وبالتأكيد، فهاتان النظريتان تحاولان فهم الظاهرة وتوصيفها، لكنهما لا يقدمان تبريرا أخلاقيا أو قانونيا أو سلوكيا لها.
الهيمنة الوقائية:
ويندرج تحت ما سبق فكرة "الهيمنة الوقائية"؛ حيث لا يكتفي الاحتلال الإسرائيلي بردع التهديدات، بل يسعى لإضعاف القوى الإقليمية واستمرار تشرذمها وتخلُّفها، ليضمن الاحتلال لنفسه التفوق والهيمنة، ويمنع أي حالة توازن محتملة، باعتبار ذلك خطرا وجوديا عليه. وتقدم المدرسة الواقعية التقليدية (Classical Realism) والمدرسة الواقعية الهجومية (Offensive Realism) تفسيرا لهذا السلوك، حيث يرى الكيان الإسرائيلي أن تحقيق أمنه لا يتم بالتوازن، بل بالهيمنة الإقليمية الكاملة؛ وهو ما يبرر لها احتكار السلاح النووي والأسلحة النوعية.
التفوق الحضاري المصطنع:
وهي عقلية تقدم نفسها كجزء من الغرب "المتقدم" في قلب المشرق "المتخلف"، مصحوبا بادعاء التفوق الحضاري "تكنولوجيا وأخلاقيا وديمقراطيا"، لتبرر لنفسها الهيمنة على شعوب "متخلفة" أو تمثل تهديدا ثقافيا أو سكانيا لها. وتصنع هذه العقلية عن أهل المنطقة صورة العدو "البدائي" العنيف وغير العقلاني، الذي لا تُفرض عليه الأمور إلّا بالقوة، ولا يمكن التعايش معه على أسس التكافؤ والمساواة!! وهو ما يعزّز سرديات الهيمنة والسيطرة. وهذا "الحقُّ" المدَّعى، هو حقّ متهافت لا يستند إلى أسس موضوعية ولا يملك سندا أخلاقيا ولا سلوكيا.
ومن اللافت للنظر أن يتبجح الصهاينة بهكذا ادعاءات، بينما هم الداعم الأساس والأول (إلى جانب حلفائهم الغربيين) لأنظمة الاستبداد والفساد في المنطقة، والمانع الأساس لأي تحولات حقيقية في المنطقة تعبر عن إرادة شعوبها وتطلعاتها النهضوية والوحدوية، بينما تتمتع شعوب المنطقة بعمق حضاري ثقافي راسخ، وحضارات عريقة لها دور مركزي في حركة التاريخ عبر آلاف السنين.
هذه العقلية، تستند إلى الإرث الاستعماري "للرجل الأبيض"، الذي يرى نفسه متفوقا، وأن له حقا في استعمار الآخرين واستغلالهم، وهي عقلية استعمارية لم يبقَ في شكلها التقليدي سوى الاستعمار الصهيوني.
الشرعية الدولية الانتقائية:
حيث يحظى الكيان الإسرائيلي بدعم القوى الكبرى، وخصوصا الولايات المتحدة، باعتباره "القلعة المتقدمة" للإمبريالية الغربية، و"العصا الغليظة" التي تضمن مصالحها، والتي تقوم بدور "الدولة الوظيفية" التي تواجه "المد الإسلامي" وتواجه مشاريع الوحدة العربية، وتضمن ضعف المنطقة لإبقائها في دائرة التبعية الغربية، ولتظل سوقا للمنتجات الغربية.
تتكامل جدلية "العقلية الإلغائية" الصهيونية، فتُسوِّغ لنفسها ما لا تجيزه لغيرها؛ وتتحلل من القيود والالتزامات القانونية والأخلاقية والإنسانية، لتختلق ذرائع واعتذاريات لاحتلال أراضي الآخرين بالقوة، وللتهجير القسري والإبادة الجماعية، والعدوان، وتدمير المقدرات البشرية والمادية لدول المنطقة، وتعطيل نهوضها الحضاري ووحدتها.
هذه الازدواجية الغربية الانتقائية تعطي "الشرعية" للكيان الإسرائيلي لاحتكار القوة والهيمنة والسيطرة، بينما تمنع حق دول المنطقة في امتلاك الأسلحة النوعية والنووية حتى لو دخلت في "حظيرة التطبيع".
ويخدم في تفسير هذا السلوك سياسيا، نظرية النظام الأمني الإقليمي (Regional Security Complex Theory)، التي تنظر للمنطقة كبيئة أمنية مترابطة، وأن على الاحتلال الإسرائيلي فرض هيمنته لمنع ظهور أي قوى أو تحالفات أو مشاريع وحدة تهدّد الأمن الإسرائيلي. وكذلك نظرية الردع غير المتكافئ (Asymmetric Deterrence Theory) من حيث ضرورة احتكار طرف هو الطرف الإسرائيلي لأدوات القوة الاستراتيجية. ونظرية إدارة الهيمنة الإقليمية (Managed Regional Dominance)، حيث توفر القوى العالمية (تحديدا الولايات المتحدة) الغطاء للتفوق الإسرائيلي لكبح القوى الإقليمية و"إدارتها" وإبقائها تحت السيطرة.
وهكذا تتكامل جدلية "العقلية الإلغائية" الصهيونية، فتُسوِّغ لنفسها ما لا تجيزه لغيرها؛ وتتحلل من القيود والالتزامات القانونية والأخلاقية والإنسانية، لتختلق ذرائع واعتذاريات لاحتلال أراضي الآخرين بالقوة، وللتهجير القسري والإبادة الجماعية، والعدوان، وتدمير المقدرات البشرية والمادية لدول المنطقة، وتعطيل نهوضها الحضاري ووحدتها. وتتحول هذه العقلية إلى ثقافة شعبية صهيونية يشترك فيها علماء وخبراء وأساتذة جامعات ومفكرون وقادة مراكز دراسات ورموز سياسية وإعلامية وثقافية.. لا تتردد في شرعنة حالة "الاستثناء" الصهيوني.
على أنه يجب أن ننبه إلى أن ما ذكرناه يحاول تقديم صورة أوضح للعقلية الإلغائية الصهيونية، ويكشف جدليتها المتهافتة، لكنه بالتأكيد يرفض تبريراتها في شرعنة الظلم والاحتلال والهيمنة؛ ويؤكد أن هذه العقلية لا تستطيع الاستمرار طويلا في فرض هيمنتها وإرادتها، لأنها ليست قوية في ذاتها، بل هي حالة مصطنعة مدعومة من قوى عالمية. وإن أي حالة نهوض حقيقي ووحدوي في المنطقة ستؤدي عاجلا أم آجلا إلى زوال هذه الظاهرة، التي لا تملك مقومات حقيقية راسخة لبقائها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


قدس نت
منذ 5 ساعات
- قدس نت
فرانشيسكا ألبانيزا: ضمير العدالة في وجه إبادة 'نتنياهو-ترامب"
بقلم: جمال زقوت بقلم: جمال زقوت / تُعتبر فرانشيسكا ألبانيزا أول امرأة يتم تعيينها، في الأول من مايو 2020، كمقررة خاصة للأمم المتحدة معنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لتتولى هذا المنصب لمدة ثلاث سنوات. وقد مدد مجلس حقوق الإنسان مهمتها لولاية ثانية في الرابع من أبريل 2025، لمدة ثلاث سنوات إضافية، لتستمر ولايتها حتى نهاية عام 2028. العدالة لفلسطين أولًا: جوهر نضال المقررة الأممية ومنذ تولّيها هذه المهمة، كرّست ألبانيزا حياتها المهنية من أجل العدالة في فلسطين، وكشف مدى خطورة الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من حكومة الاحتلال الصهيوني، والتي تركزت على مصادرة سُبل الحياة الإنسانية لشعبنا الفلسطيني، وليس فقط أرضه وموارده وحريته، انطلاقًا من إصرار الحكومات الصهيونية المتعاقبة على مصادرة حق الفلسطينيين في العودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني في دولتهم المستقلة، وفقًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. 'اقتصاد الإبادة': الشركات المتواطئة في الجرائم فور إعلان إسرائيل الحرب العدوانية على قطاع غزة، سعت ألبانيزا إلى إعلان وقف فوري للأعمال العسكرية، محذرة منذ البداية من الانزلاق نحو التطهير العرقي، الذي شكّل وما يزال حتى اليوم العنوان الأبرز لجرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها حكومة تل أبيب وجيشها. وقد قدمت تقريرًا إلى مجلس حقوق الإنسان في مارس 2024، خلُص إلى أن ما يحدث في غزة قد يرقى إلى جريمة إبادة جماعية. كما نشرت في يونيو 2025 تقريرًا يربط بين الشركات الكبرى ودعمها للاحتلال، وذكر التقرير 48 شركة، متهمًا إياها بالمساهمة في 'اقتصاد الإبادة'. بهذا المعنى، تحدّت فرانشيسكا ما يمكن اعتباره 'عشّ الدبابير'، لإعلاء قيم العدالة وصوت ضحايا عدوانية التحالف الصهيو-أمريكي، المستمرة منذ أكثر من خمسة وسبعين عامًا من الألم والظلم. فكانت مواقفها تكشف حقيقة العصب الحيّ لهذه المعاناة، التي تُوِّجت بجرائم الإبادة الجماعية المستمرة ضد شعبنا الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم. غزة رماد بشري في تقريرها الشهير 'Anatomy of a Genocide'، الذي قدمته في مارس 2024 أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أكدت ألبانيزا أن هناك 'أُسسًا معقولة للاعتقاد' بأن إسرائيل ارتكبت على الأقل ثلاثة أفعال مُعرّفة قانونيًا كإبادة جماعية في غزة: أولها قتل أعضاء من مجموعة فلسطينية، وثانيها تعريضهم لأضرار جسدية أو نفسية خطيرة، وأخيرًا خلق ظروف معيشية يُقصد منها التدمير الجزئي أو الكامل للمجموعة الفلسطينية. وأشارت إلى التدمير الشامل لهياكل الحياة الإنسانية، مؤكدة أن 'تدمير كل ما هو ضروري للحياة في غزة'، بما يشمل المدارس والمستشفيات والمساكن والبنية التحتية، يُعد دليلًا على نية 'تدمير النظام الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للفلسطينيين'. كما أشارت إلى تصاعد 'خطاب التحريض' من قِبل مسؤولين إسرائيليين، وذلك كأدلة قاتلة على وجود نية الإبادة. وفي تصريحات لاحقة، اعتبرت ما يجري في القطاع 'ليس حربًا بل إبادة'. ففي أكتوبر 2024، قالت حرفيًا: 'لا تُسمِّها حربًا. إنها إبادة جماعية… النية واضحة وقطعية'. كما ذكرت أن غزة تحولت إلى 'رماد بشري'، وأن ما يجري فيها هو أكبر 'حالة إبادة جماعية في التاريخ الحديث'، بفضل التكنولوجيا والأسلحة الحديثة. فدعت إلى فرض عقوبات على إسرائيل وحظر التصدير العسكري لها، لأنها تعتقد أن استمرار توريد السلاح يُعد 'مساعدة' لها في ارتكاب جرائم إبادة جماعية. وفي مايو 2025، استنكرت سياسة 'القناع الإنساني' المستخدمة لتوصيل مساعدات تُدار تحت هيمنة عسكرية إسرائيلية، وأطلقت نداءً صارخًا لـ'إيقاف الجنون' ومنع استخدام المساعدات كغطاء لجرائم إبادة، مشيرة إلى أن قطع الكهرباء والماء عن غزة يُشكّل 'تحذيرًا من إبادة جماعية' بسبب منع فرص الحياة الأساسية. عقوبات أمريكية: محاولة لإسكات صوت الضحايا أثارت مواقف ألبانيزا أهمية ممارسة الضغط على المجتمع الدولي ليتحرّك قانونيًا، وتقديم الدعم للمحكمة الجنائية الدولية، واعتبرتها أولوية عليا لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين. تقريرها الأخير في يوليو 2025 بعنوان 'من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة' ادّعى استفادة شركات محددة مما تسميه 'اقتصاد الإبادة'، مما أدى إلى رد فعل سياسي ضاغط، من ضمنه عقوبات أمريكية عليها. فقد أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية قرارًا بفرض عقوبات على فرانشيسكا ألبانيزا في 9 تموز/يوليو 2025، تضمّن تجميدًا لأصولها في الولايات المتحدة وحظر دخولها إلى أراضيها، وذلك في إطار تنفيذ الأمر التنفيذي رقم 14203، الذي يستهدف مساعدي المحكمة الجنائية الدولية والأشخاص المرتبطين بتحقيقات ضد مواطني إسرائيل أو الولايات المتحدة. منذ دخول ترامب البيت الأبيض، أعلن حربه على مؤسسات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. ورغم إصراره على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قبل تنصيبه لولايته الثانية، إلا أنه سرعان ما انحاز إلى حرب الإبادة، عندما ساند إسرائيل في انتهاك الاتفاق الذي أشرف وفريقه عليه، مقدّمًا الغطاء منذ مارس وحتى اليوم لاستمرار الجرائم الإسرائيلية ضد الأبرياء في القطاع، وصامتًا على ما يرتكبه جيش الاحتلال والمستوطنون الإرهابيون من جرائم يومية، لا تستثني التمهيد للإبادة والتطهير العرقي، في سياق سعي حكومة تل أبيب إلى تنفيذ ما تعتبره 'خطة الحسم'. وفي الوقت نفسه، يستمر ترامب في تقديم الضوء الأخضر لمواصلة الإبادة والتطهير العرقي، وهذه المرة من خلال التلويح الكاذب برغبته في وقف الحرب، التي لا تتجاوز الأهداف والتوقيت الإسرائيليين. لقد استحقّت فرانشيسكا لقب 'حاملة لواء العدالة' في مواجهة مجرمي الإبادة ومن يقف خلفهم، سيّما ترامب وإدارته، والنفاق الأوروبي الذي لم يُقدِم حتى اللحظة على أي خطوة عملية لوقف الإبادة وتعطيل أهدافها السياسية، مكتفيًا بالإدانات اللفظية التي لا تُغني ولا تُسمن. نعم، إنه الصراع بين قيم العدالة والحق التي أصبحت فلسطين عنوانها الأبرز، وبين الاضطهاد والظلم والاستهانة بكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية. ولعلّ فرانشيسكا باتت في هذا الصراع رمزًا لملايين البشر في أصقاع الأرض، ومعها الآلاف من منظمات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك واشنطن، وكذلك في تل أبيب. إلا أن المستغرَب أن يصل نأي القيادة المُهيمنة على السلطة والحكم بالنفس، إلى درجة تحجم فيها حتى اللحظة عن إعلان أي موقف يندد بالعقوبات الأمريكية على ألبانيزا؛ ليس فقط لمساندة صوتها الحر، والذي يُشكّل امتدادًا لملايين الحناجر التي تهتف لفلسطين وحريتها وإنصاف العدالة لشعبها، بل ولإبراز صوت الضحايا من الأطفال والنساء وغيرهم، الذين اعتبرتهم ألبانيزا جوهر القضية، وليس ما فُرض عليها من عقوبات لا تستهدف سوى إسكاتها، ومعها إسكات وتغييب العدالة في فلسطين، للمضي في تصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت


قدس نت
منذ 6 ساعات
- قدس نت
لم يبق سوى انسحاب «حماس» ...!
بقلم: أكرم عطا الله الكاتب: أكرم عطا الله بألم شديد قال صديقي المستشار وعزيز القوم كما كل أبناء غزة الأعزاء أنه لم يأكل الخبز منذ أسبوع، ويحاول أن يضع في معدته أي شيء لتخفيف وجع الجوع بعد وجعه بفقدان ابنه خريج كلية القانون، أما أختي التي فقدت ابنها أيضاً، فهي لا تستطيع الحصول على الدقيق الذي يتم سرقته وعرضه في الأسواق بأسعار أكبر من قدرة العائلات، وهكذا وقعنا بين عدو مجرم لا يتورع عن استخدام أبشع الوسائل وأشدها قذارة وانحطاطاً ضد شعب أعزل، وبين تنظيم مغامر لم يدرك بعد فداحة ما تسبب به نتيجة مغامراته. هل تستطيع حماس حماية شعبنا؟ الواقع كان أصدق من كل الشعارات، هل تستطيع حماس طرد إسرائيل من غزة وإزاحة الخرائط المعروضة في المفاوضات؟ فتلك أكبر كثيراً من طاقتها وقدراتها وأزمتها أنها صورت نفسها أمام المواطن أنها تستطيع، هل تستطيع حماس إنهاء هذه المقتلة؟ بالتأكيد ليس لديها من القوة حتى يمكن ذلك. وبالتالي ليس من المصادفة أن تستمر المذبحة لأكثر من واحد وعشرين شهراً دون قدرة على وقفها. لن تقبل اسرائيل بوجود حماس ولا بسلاحها، هل في هذا ما يساعدنا على فهم حقيقة الحدث وتداعياته والخلاص منه؟ فالأمر يتعلق بالفكرة الوجودية نفسها لدولة مدججة بالأسلحة تعيش بسيكلولوجية الخوف، وحدث ما يصدق ذعرها والخوف من طوفان آخر ولو بعد حين، يعني أن حماس تقاتل بمعادلة صفرية في ظل خلل فادح بموازين القوى، ما يعني انتحاراً لها وللشعب، وهذا ما حدث ويحدث. لماذا تتلكأ صفقة الأسرى أو تهدئة الستين يوماً؟ هناك طرفان أحدهما يملك القوة للقتل والسحق والضغط، يتصرف كمنتصر ليس في غزة وحدها، ولأنه يسيطر على الميدان، وطرف آخر ممثلاً بحركة حماس لا تريد أن تسلم بنتائج الميدان التي لم تمكنها لا من رد العدوان ولا حماية شعبها ولا شيء، فما الحل إذن؟ هدنة تشبه ما طرحه ويتكوف قبل أربعة أشهر، كان يجب أن ندرك متأخراً بفارق سبعة آلاف شهيد أن ليس لدينا ممكنات تحسينها في ظل شعب يتضور جوعاً، يتكالب عليه الاحتلال والتجار والمرابون والقتلة والنصابون والكاذبون، لا يعرف من أين ستأتيه الضربة الأخيرة، ومع تكاتف كل هؤلاء وصل الشعب حالة الاستسلام. لا يُخفي نتنياهو أنه إذا ما نجحت صفقة الستين يوماً سيعود للحرب لتفكيك حماس وسلاحها، أي سيستمر في القتل والإبادة وزيادة السيطرة على القطاع، وحين يعود لن تستطيع حماس التصدي له، ينتهي خلالها حكم الحركة الذي كان يجب أن تعلنه مبكراً، وبعدها يحتل القطاع أو كما تقول يغرق الاحتلال في رمال غزة، تبدأ المقاومة بتوجيه ضرباتها للاحتلال وقد يستمر هذا عقداً أو أكثر، حينها يستنزف الاحتلال ولا يعود قادراً على الاستمرار بالسيطرة على غزة، فيرحل إلى خارج حدوده وتعود حركة حماس منتصرة تحكم غزة، لكن الاحتلال يستمر في محاصرة غزة لعقود، وهكذا في كوميديا سوداء متصلة. هل هذا سيناريو واقعي؟ ربما يكون الأكثر تفاؤلاً بالنسبة لحركة ارتكبت ما يكفي من المغامرات، وفي كل مرة تقول لم نكن نعرف النتائج، وأن الامور خرجت عن سيطرتنا، بدءاً من مغامرة السيطرة على غزة والتسبب بحصارها مع وعد مزمن بفك الحصار، إلى أن تفكك المجتمع مروراً بمغامرة السابع من أكتوبر التي ضربت إسرائيل، لكنها أكملت تدمير ما تبقى من بنية مجتمع لعقود قادمة، وتنتهي باستدعاء الإسرائيلي لاحتلال غزة بعد سحق القطاع وتدميره. لا يقال هذا لمحاكمة حماس أو انتقادها، فقد فات الأوان على هذا ولم يعد مجدياً، فالكابوس تحقق والكارثة تمت والشعب هائم على وجهه في الخيام والشوارع، بعد أن هُدّمت بيوته، وهو يحتضن حزنه بعد أن فقد الأحبة، يتوق لكسرة خبز ولا يجدها، فحماس أصدرت على نفسها حكم التاريخ ولا يفيد الاستئناف عليه، لا تجميله بالشعارات أو بالكلام، أو لا يزيده مراجعات أو ملاحظات، فهذا تاريخ يتحرك للأمام ولا ينتظر من يخطئ الحسابات دوماً، فما بالنا حين يكرر الأخطاء بعمى شديد، بل هذا مهم لمعرفة أين تقف اللحظة، وما هي ممكنات قوتها وضعفها، وهل يمكن اختصار رحلة الآلام أم حُكم على الغزيين استمرار النزيف حتى الموت، نتاج قلة حيلة وجهل حسابات من يصر على الاستمرار وكأن شيئاً لم يكن، وكأنه لم يستدع لهم كل هذا الخراب؟ أما الفرصة التي وفرتها حماس للخراب الإقليمي فأشد وطأة، وتصيب المراقب بالحزن على ما حدث لحزب الله وإيران وسورية. فلسطينياً أمام مجاعة الأهل ماذا ينتظر غزة؟ وهل تعتقد الحركة الفلسطينية أن ما لم تحققه بمائتي أسير ستحققه بعشرات الأسرى؟ إذا كانت تعتقد ذلك فهذا يعني مزيداً من خساراتنا، لأن هناك قراراً إسرائيلياً وأميركياً وأوروبياً وعربياً وبعضه فلسطيني، يضاف له الفئة الأكبر من الغزيين بإنهاء وجود حماس وسلاحها، فعلى ماذا تراهن لمواجهة ذلك؟ محور المقاومة؟ خرج جريحاً من المعادلة.... الشعب؟ أضعف وأكثر هشاشةً، فهو على حافة الحياة، ولم يعد دمه ولا موته يؤثر أو يشكل عامل ضغط لا دولياً ولا عربياً ولا اسلامياً على إسرائيل لوقف الحرب، هكذا قالت التجربة الطويلة، ولم يبق سوى أن تنسحب حماس من المشهد تراجع نفسها. فالوقت من دم ومن أمعاء أكثر قسوةً ومن موت بالآلاف بلا حيلة.. كلام صعب لكن يجب أن يُقال ...! جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت


فلسطين أون لاين
منذ 6 ساعات
- فلسطين أون لاين
الضَّيف… قائد الظِّل الذي أرهق العدوَّ ثلاثين عاماً
ثلاثون عاماً ظلّ فيها اسمه يهمس في دهاليز أجهزة المخابرات، ويهدر في ساحات المعارك. ثلاثون عاماً شكّل فيها محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام، أسطورة حيّة يلاحقها الاحتلال الصهيوني بلا كلل. في الذكرى الأولى لاستشهاده، يظلّ الرجل الحاضر الغائب، رمزاً لمقاومة أرهقت العدو وهزّت أركانه، وألهمت أجيال الفلسطينيين والأمة العربية والإسلامية. «مهما حاول الطغاة قلعنا ستنبت البذور، أنا هنا في أرضي الحبيبة الكثيرة العطاء، ومثلها عطاؤنا يواصل الطريق لا يُخفي المسير».. هكذا خطّ الضيف آخر كلماته، واضعاً اللمسات الأخيرة على أعظم معركة في تاريخ المقاومة الفلسطينية: «طوفان الأقصى». مع ارتقائه شهيداً، طُوي بعض الستار عن ذلك الغموض الكثيف الذي غلّف مسيرته. شخصيته العسكرية الرفيعة، وحنكته الأمنية الفائقة، جعلتا منه المطلوب الأول للاحتلال الصهيوني، الذي أفنى سنوات يفتّش عن أثره، أو صورة جديدة له، أو خيط يقوده إلى مكانه. صوت الطوفان في صباح السابع من أكتوبر 2023، خرج الضيف بصوته الجهوري في تسجيل دوّى في الآفاق، معلناً انطلاق معركة «طوفان الأقصى». قال إن الضربة الأولى استهدفت مواقع ومطارات وتحصينات عسكرية صهيونية، وإن المقاومة أطلقت خلالها خمسة آلاف صاروخ وقذيفة في الدقائق العشرين الأولى وحدها. أكد الضيف أن «طوفان الأقصى» جاء رداً على جرائم الاحتلال المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، والتنكر للقوانين الدولية، والدعم الغربي للعدو الصهيوني، مؤكداً: «لقد انتهى زمن عربدة الاحتلال دون محاسب». رجل الظل قلّ أن شهد التاريخ قائداً توارى عن الأعين كما توارى الضيف. قليلون رأوه وجهاً لوجه، وكثيرون سمعوا صوته يقضّ مضاجع العدو. حياته كانت ساحة دائمة للحيطة والحذر، محصّنة بإجراءات أمنية بالغة التعقيد، جعلت اغتياله أمنية عصيّة على الاحتلال لعقود طويلة. وحتى استشهاده لم يعرف العالم عنه سوى ثلاث صور: إحداها التقطت له شاباً يافعاً، والثانية وهو ملثّم، والثالثة ظله فقط في تسجيلات مصوّرة، ليبقى الرجل لغزاً يتردد بين الظلال والصدى. ويؤكد الناطق العسكري باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام أبو عبيدة، في تغريدة له في ذكرى استشهاد القائد الكبير محمد الضيف 'أبو خالد' بأن إخوان الضيف وأبناؤه ومحبوه في كل بقاع العالم يواصلون طريقه، ويكبّدون الاحتلال كل يومٍ مزيداً من الخسائر الاستراتيجية، وسيبقى طيفه كابوساً يؤرق مجرمي الحرب واللصوص؛ الذين لن يهنؤوا بعيشٍ في أرض فلسطين بعد أن خطّ الضيف وإخوانه بدمهم الفصل الأخير في سِفْر تحرير فلسطين. بصمة أفعال لم يكن الضيف رجلاً كثير الكلام، بل كان رجلاً تصنع أفعاله المجد. بصمته ظاهرة في تطوير أداء كتائب القسام، وفي استراتيجياتها وأساليبها التي أربكت العدو الصهيوني، وأذلّت جيشها المدجج بالسلاح. اعتمد «أسلوب الإعداد الصامت»، فكانت معاركه تأتي مباغتة، موجعة، حاملة مفاجآت تكسر حسابات العدو. تجلّى ذلك بأوضح صورة في «طوفان الأقصى»، التي كشفت للعالم كيف ارتقى العمل الاستخباري والعسكري للقسام إلى مستوى غير مسبوق، ودوّى وقعها في أروقة قيادة الجيش الصهيوني. الجذور الأولى وُلد محمد ذياب المصري «أبو خالد» في غزة عام 1965، لعائلة هجّرها الاحتلال من قرية كوكبا. نشأ في خان يونس جنوب القطاع، وتلقى تعليمه في مدارسه، قبل أن يتخرج في الجامعة الإسلامية بغزة حاملاً شهادة البكالوريوس في الأحياء. تزوج عام 2001 من غدير صيام ولم يُرزق منها بأطفال، ثم تزوج عام 2007 من وداد عصفور ورُزق منها بأربعة أبناء. وقدّر الله أن تحمل زوجته الأولى لاحقاً بثلاثة توائم. تربّى الضيف في مساجد خان يونس، وانخرط مبكراً في العمل الدعوي، ثم في صفوف الكتلة الإسلامية بالجامعة، قبل أن ينضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، ومنها إلى حركة حماس مع اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1987. اعتقلته سلطات الاحتلال عام 1989 لنشاطه العسكري، وأُفرج عنه بعد ستة عشر شهراً في صفقة تبادل أسرى. ميلاد القسام بعد خروجه من السجن، ساهم الضيف في تأسيس كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، وأشرف مع رفاقه على العمليات النوعية ضد الاحتلال ومستوطنيه. تسلّم قيادة الكتائب بعد اغتيال القائد العام صلاح شحادة في يوليو 2002، لكنه اضطر للابتعاد جزئياً عن القيادة بين 2006 و2012 بسبب إصابات بالغة أُصيب بها في محاولات اغتيال، فتولى نائبه الشهيد أحمد الجعبري القيادة الفعلية للكتائب في تلك الفترة. سبع محاولات سعى الاحتلال لاغتياله سبع مرات بين 2001 و2014. آخرها كانت في أغسطس 2014، حين أغارت طائرات الاحتلال على منزل بحي الشيخ رضوان بغزة، فاستشهدت زوجته الثانية واثنان من أطفاله. أصيب الضيف إصابتين بالغتين؛ الأولى عام 2002 في شارع الجلاء وسط غزة وفقد فيها عينه اليسرى، والثانية عام 2006 حين استُهدف منزله، فأصيب بحروق وكسور أثّرت على قدرته على المشي. استُشهد شقيقه عبد الفتاح المصري، ونجله مدحت، وأحد أحفاده، وزوجة أحد أبنائه في غارة صهيونية على منزل العائلة في خان يونس في 11 أكتوبر 2023. حضور الصوت ظهر الضيف أول مرة في تسجيل مصوّر عام 1994، معلناً أسر الجندي الصهيوني ناحشون فاكسمان، كاشفاً هويته وسلاحه، ومطالباً بالإفراج عن الشيخ أحمد ياسين وصلاح شحادة وأسرى آخرين. توالت تسجيلاته لاحقاً، فأعلن في معركة «حجارة السجيل» عام 2012 أن المقاومة جاهزة للرد بعد اغتيال أحمد الجعبري. وفي يوليو 2014، ظهر في معركة «العصف المأكول» قائلاً إن «موازين المعركة تغيّرت لصالح شعبنا». وفي 2021، حذّر الاحتلال من استمرار الاعتداءات في حي الشيخ جراح، وأطلق معركة «سيف القدس» دفاعاً عن القدس والأقصى. وكان ظهوره الأشد وقعاً في صبيحة السابع من أكتوبر 2023، حين أعلن انطلاق «طوفان الأقصى»، ثم عاد في تسجيل آخر يدعو الشعوب العربية والإسلامية للزحف نحو فلسطين. الشهادة والإعلان نال الضيف الشرف الذي أفنى عمره لأجله، إذ استُشهد خلال معركة «طوفان الأقصى» جراء غارات صهيونية في الثالث عشر من يوليو 2024. غير أن كتائب القسام آثرت إبقاء استشهاده طيّ الكتمان لأسباب أمنية وعسكرية، حتى أعلنت عنه رسمياً في الثلاثين من يناير 2025 عبر المتحدث العسكري باسمها، أبو عبيدة، الذي زفّ نبأ استشهاد قائد هيئة أركان الكتائب محمد الضيف وعدد من رفاقه. رحل محمد الضيف، لكن ظله ما يزال مخيماً على سماء فلسطين. اسمه يتردّد في كل خلية للمقاومة، وفي كل حسابات العدو. سيظل قائد الظل رمزاً لعصر من الصمود والدهاء، حاضراً في الذاكرة، وفي ساحات المواجهة القادمة، شاهداً على أن للحرية رجالاً لا يُهزمون حتى وهم في رحيلهم، لتعبّد حماس بدماء قادتها العظام الطريق نحو حرية فلسطين كل فلسطين. المصدر / فلسطين أون لاين