logo

أغنى رجل في آسيا يسهم في "إعادة العظمة" إلى أمريكا

الاقتصاديةمنذ 20 ساعات
أمباني يحول دفة إمبراطورية البتروكيماويات نحو الولايات المتحدة ويغتنم الفرصة لاستبدال المشترين الصينيين
التالي:شركاء واشنطن يسرعون الخطى لإتمام اتفاقيات تجارية قبل فرض رسوم ترمب
صنع الرئيس دونالد ترمب بحربه التجارية كثيراً من الأعداء، من أوتاوا إلى بكين. لكنه أكسب أمريكا بعض الحلفاء أيضاً، فيستعد أغنى شخص في آسيا لاستقبال شحنة أمريكية كانت متجهة أصلاً إلى الصين، لكن غُيرت وجهتها إلى الهند. أما حمولة السفينة التي ينتظرها موكيش أمباني فهي الإيثان.
يُنقل الإيثان، المُكون عديم اللون والرائحة في الغاز الطبيعي، في صورته السائلة على متن ناقلات خاصة، مثل "إس تي إل تشيانجيانغ"، التي تبحر حالياً من ساحل خليج المكسيك- الذي أطلق عليه ترمب "خليج أمريكا"- متجهة إلى المحطة التي يملكها الملياردير أمباني في داهج، غوجارات، على الساحل الغربي للهند. هناك، تملك شركته الرئيسية "ريلاينس إندستريز" وحدة تكسير الإيثان لإنتاج الإيثيلين، وهو مكون أساسي في صنع منتجات البلاستيك.
اكتمل بناء الوحدة في 2017، وجعلت "ريلاينس" "أول شركة على مستوى العالم تتبنى فكرة الاعتماد على واردات الإيثان الضخمة من أميركا الشمالية كلقيم"، بحسب ما تباهت به الشركة في بيان صحفي صدر حينها. وبعد ثماني سنوات، قد يُفيد بُعد النظر هذا المفاوضين التجاريين في نيودلهي. وربما يقولون لنظرائهم في واشنطن: "كفاكم هوساً بعجز ميزانكم التجاري البالغ 43 مليار دولار معنا. سنشتري منكم الغاز"، بينما يحاول الطرفان إبرام اتفاق قبل حلول الموعد النهائي لفرض رسوم جمركية متبادلة بنسبة 26% في التاسع من يوليو.
تحول من النافثا إلى الإيثان
راهن قطب البتروكيماويات البالغ 68 عاماً، على واردات الإيثان من أميركا الشمالية قبل أكثر من عقد. أما والده ديروبهاي أمباني، مؤسس إمبراطورية الأعمال، فكان "أمير البوليستر" الحقيقي. ورغم استثمار ولده- موكيش- في مجالات جديدة وتحقيقه 57 مليار دولار من بيع التجزئة والخدمات الرقمية، لا تزال الإيرادات السنوية من النشاط القديم لتحويل النفط إلى كيماويات هي الأكبر، إذ تبلغ 74 مليار دولار.
من الناحية التاريخية، اعتمدت "ريلاينس" وشركات التكرير الأخرى على تكسير النافثا- المستخرجة من تقطير النفط الخام- لإنتاج الإيثيلين. غير أن كفاءة التحويل منخفضة، إذ تصل إلى نحو 30%، مقارنةً بنسبة 80% عند استخدام الإيثان. لكن بما أن استيراد النفط الخام كان ضرورياً بأي حال لإنتاج وقود السيارات، كان استخدامه لإنتاج البوليستر والبوليمرات الأخرى منطقياً أيضاً.
لم يلق الإيثان رواجاً كبيراً حتى الآن، رغم أن سعره نصف تكلفة النافثا من حيث تكافؤ الطاقة. في الواقع، لم تكلف قطر نفسها أصلاً عناء فصله عن الغاز الطبيعي الذي تورده إلى الهند. لكن ذلك يتغير حالياً، فبمقتضى اتفاق جديد مع شركة "أويل آند ناتشورال غاز" (Oil & Natural Gas) الهندية، لن تورّد "قطر للطاقة" سوى الغاز "المعالج"، وإذا أراد المشترون الإيثان، سيتعين عليهم دفع ثمنه.
تزايد الاعتماد على الإيثان
أبرمت "أويل آند ناتشورال غاز" في الآونة الأخيرة اتفاقاً مع "ميتسوي أو إس كيه لاينز"، التي ستبني ناقلتين عملاقتين، وتملكهما، وتشغّلهما لاستيراد الإيثان لصالح الشركة الحكومية. وهنا أيضاً كان أمباني من وضع النموذج الذي يُقتدى به، إذ تشارك "ريلاينس" في ملكية أسطول من ست سفن، وتسعى الآن إلى مد خط أنابيب بطول 100 كيلومتر (62 ميلاً) لنقل الإيثان من المحطة إلى أخرى مخصصة لوحدات المعالجة التابعة في غوجارات. ويجري إنشاء قدرات إنتاجية جديدة لتكسير الإيثان أيضاً، بما فيها مشروع لـ"غايل إنديا" (GAIL India)، وهي شركة حكومية مثل "أويل آند ناتشورال غاز".
لم يتضح إذا كان هذا الارتباط مع اللقيم المستورد من أميركا الشمالية سيتزايد بلا حدود. فما مدى قدرة "ريلاينس" والشركات الأخرى على التعامل مع كميات أكبر بكثير من الإيثان؟ إذ إنها تخدم اقتصاداً قائماً على النفط في النهاية. لكن إذا تزايد الاعتماد، فقد يؤدي ذلك إلى تحول كبير في اقتصاديات الوقود في الهند.
فمن جهة، قد تصبح شركات التكرير الحكومية الهندية وجهةً غير مربحة لتصريف الخام القادم من الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى، أي استخدام متبقٍ للنافثا التي تنتجها بكميات كبيرة، إلى جانب وقود وسائل النقل لن يعوّّض خسارة دورها الرئيسي في إنتاج كل شيء، بدءاً من البوليستر والمنظفات ووصولاً إلى الأسمدة، ومستحضرات التجميل، والأدوية.
النفط يلفظ أنفاسه الأخيرة في الهند
يدخل النفط الشوط الأخير في الهند، فُثلث المركبات التي باعتها أكبر شركة سيارات في البلاد العام الماضي يعمل بالغاز المضغوط. وبهدف السيطرة على التلوث، وتقليل الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري، فرضت نيودلهي مزج البنزين بنسبة 20% من الإيثانول الحيوي. كما سيؤدي التبني الواسع للسيارات الكهربائية إلى تراجع الطلب على البنزين بشكل أكبر.
مع ذلك، تنشئ شركة تسيطر عليها الحكومة مصفاة نفط بقدرة إنتاجية 9 ملايين طن سنوياً في ولاية أندرا براديش جنوب البلاد. وأظن السبب في المضي قدماً في تنفيذ المشروع أن الدولة تقدم دعماً سخياً، في إطار حرصها على جذب الاستثمارات وخلق الوظائف. بخلاف ذلك، فإن مبرر الاستثمار ضعيف.
في الوقت نفسه، يخطط أمباني لضم ثلاث ناقلات إيثان أخرى إلى أسطوله. وبعد خلاف ترمب مع إيلون ماسك، ربما يجد البيت الأبيض مكاناً لضيف جديد تتجاوز ثروته عتبة المئة مليار دولار، فقد يستفيد الطرفان من صداقة وطيدة. وبينما تشهد الحرب التجارية مع الصين توقفاً مؤقتاً، لا يزال مصير صادرات الإيثان الأميركية غير محسوم.
توطد العلاقات بين أمباني وترمب
رغم أن الهند لا يمكنها مضاهاة إقبال الصين الضخم على تكسير الإيثان، فالمؤكد أنها قادرة على امتصاص جزء من فائض المعروض. سيتسنى لترمب أن يتباهى بكيفية إعادة سياساته التجارية العظمى إلى أمريكا، وقد يتلقى أولاده بعض النصائح عن طريقة إدارة شركة الاتصالات الناشئة التي أسسوها. بينما سيتصدى أمباني للضغط على هوامش الأرباح بالتحول إلى لقيم أقل تكلفة.
يدير قطب الأعمال أكبر شبكتي اتصالات وتجزئة في الهند، لكن عائلته لم تبدأ الصعود في قائمة المشاهير العالميين إلا خلال الفترة الماضية. جاءت البداية مع حفل الزفاف المبهرج لأصغر أولاده الثلاثة، الوريث المتوقع لوحدة "ريلاينس" للطاقة، العام الماضي، إذ استمر خمسة شهور وبتكلفة بلغت 600 مليون دولار. وكانت إيفانكا ترمب وجاريد كوشنر ضمن الحاضرين. ثم التقى ترمب بأمباني وزوجته نيتا في حفل ما قبل التنصيب. وفي الخريف المقبل، ستُنظم نيتا أمباني فعالية "لمحة من الهند" (Slice of India) خلال نهاية أسبوع في مركز لينكولن في نيويورك.
التميز بأنك مشترٍ كبير للإيثان الأميركي قد لا يجذب اهتمام مجلة "فانيتي فير"، لكنه أمر سيلاحظه البيت الأبيض بالتأكيد.
خاص بـ "- بلومبرغ"
كاتب في بلومبرغ ويغطي الشركات الصناعية والخدمات المالية. وكاتب في رويترز بريكنج فيوز. وعمل Straits Times وET NOW وBloomberg News.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المكسيك واثقة من تفادي رسوم ترامب الجمركية
المكسيك واثقة من تفادي رسوم ترامب الجمركية

العربية

timeمنذ 32 دقائق

  • العربية

المكسيك واثقة من تفادي رسوم ترامب الجمركية

أبدت المكسيك ثقة كبيرة في قدرتها على التوصل إلى اتفاق يُجنّبها الرسوم الجمركية الجديدة بنسبة 30% التي هدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرضها الشهر المقبل، مؤكدة أن المفاوضات مع واشنطن انطلقت منذ يوم الجمعة. من جانبها، خفّفت الرئيسة المكسيكية من أهمية الرسالة التي وجّهها ترامب، مشيرة إلى أن معظم الدول تلقّت رسائل مشابهة ضمن نهجه التجاري الحمائي، مؤكدة في الوقت نفسه أن المكسيك تمتلك الخبرة الكافية للتعامل مع مثل هذه الضغوط. وتأتي هذه التصريحات في ظل تصاعد التوتر بين البلدين منذ يونيو، على خلفية تشديد الولايات المتحدة إجراءاتها ضد المهاجرين إلى جانب تزايد الاتهامات الأميركية بشأن دور المكسيك في تدفق الفنتانيل. وهدد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوم السبت، بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على الواردات من المكسيك والاتحاد الأوروبي اعتبارًا من أول أغسطس/ آب، بعد مفاوضات لأسابيع مع الشريكين التجاريين الرئيسيين لبلاده لم تثمر عن اتفاق تجاري شامل. وأعلن ترامب القرار الذي يشعل الحرب التجارية عبر رسالتين منفصلتين على تروث سوشيال لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيسة المكسيك كلاوديا شينبوم.

هل تجعل الحرب التجارية جنوب الهند مركز التصنيع العالمي؟
هل تجعل الحرب التجارية جنوب الهند مركز التصنيع العالمي؟

الاقتصادية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الاقتصادية

هل تجعل الحرب التجارية جنوب الهند مركز التصنيع العالمي؟

يطلّ مكتب بنجامين لين في مدينة بنغالورو، عاصمة التقنية الهندية، على محطة مترو فوق الأرض باتت تحمل اسم شركته. إذ أنفقت الشركة التايوانية المتخصصة في تصنيع القطع الإلكترونية 650 مليون روبية (7.5 مليون دولار) لشراء حقوق التسمية، التي تعني رسالةً لآلاف الركّاب الذين يمرّون عبر محطة "دلتا إلكترونيكس بومّاساندرا" يومياً بأن الشركة جزء من مستقبل المدينة. هذا الاستثمار جزء من خطة خمسية لترسيخ "دلتا" وجودها الصناعي في جنوب الهند. إلى جانب مركز الأبحاث والتطوير العصري الذي يعمل فيه لين مع نحو 400 مهندس من تايوان والهند، تدير الشركة منشأة إنتاج ضخمة على مساحة 125 فداناً في منطقة كريشناجيري بولاية تاميل نادو المجاورة. وتنتج هذه المنشأة شواحن للمركبات الكهربائية ومعدات تُستخدم في تصنيع هواتف "أيفون" عبر شركات تصنيع متعاقدة مع "أبل" التي كانت أعلنت عزمها نقل معظم إنتاج هواتفها المخصصة للسوق الأميركية إلى الهند. حوافز الجنوب تستقطب المستثمرين بيّن لين، الذي تولّى رئاسة عمليات الشركة في الهند عام 2022، أن "دلتا" التي تملك مصنعَين في شمال الهند، اختارت إقامة مصنعها الأحدث في ولاية تاميل نادو بعدما قدمت الولاية حزمة حوافز سخية تشمل إعفاءً ضريبياً لمدة عشر سنوات. وأشار إلى أن السلطات سارعت إلى تأمين امدادات الكهرباء والمياه، فيما شكلت البنية التحتية المتطورة، من الطرق السريعة المعبدة إلى سهولة الوصول إلى ميناء تشيناي على الساحل الشرقي، عاملاً حاسماً في اتخاذ القرار. قال: "هم يساعدوننا في حلّ كثير من المشاكل". تدير "دلتا" اليوم 19 مصنعاً في أنحاء آسيا، معظمها في تايوان، إلى جانب مصنعين في الصين وثلاثة في تايلندا. لكن لين أشار إلى تزايد الطلب من العملاء على توريد المنتجات من مصانع الشركة في الهند، في ظل توجّه عالمي لبناء سلاسل توريد أكثر تنوعاً وأقل اعتماداً على الصين، إلى جانب الارتباك الذي خلّفته موجة الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب. قال: "نحن نلحق بالعميل، وإذا طلب منا الخروج من الصين، نخرج من الصين". بعد مرور ستة أشهر على بدء ولاية ترمب الثانية، تبدو آفاق التجارة العالمية أكثر ضبابية من أي وقت مضى. وبينما يدرس المصنعون ما إذا كان عليهم مغادرة الصين التي فُرضت عليها بعض من أعلى الرسوم الجمركية الأميركية، تسعى الهند إلى اقتناص فرصة إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية. وتستند في ذلك إلى وفرة اليد العاملة الشابة لديها، والأجور التي ما تزال أدنى بكثير مقارنة بالقوى الصناعية الآسيوية الأخرى. حتى الآن، تتدفق معظم الاستثمارات الجديدة نحو الولايات الجنوبية الأكثر ازدهاراً ونمواً من حيث الصناعة في الهند. وتبذل الحكومات المحلية كلّ ما بوسعها للترحيب بالوافدين الجدد، عبر تسريع تنفيذ مشاريع البنية التحتية وتقديم حوافز ضريبية، في مسعى لتغيير الصورة النمطية التي ارتبطت بالهند كمكان تصعب ممارسة الأعمال فيه. قال وزير الصناعة في ولاية تاميل نادو، تي آر بي راجا: "كل ما نفعله هنا مصمَّم بعناية ليتماشى مع احتياجات المستثمرين". قيادة قطاع الصناعة في الهند لطالما كان إنشاء قطاع تصنيع قوي أحد الأهداف الكبرى للهند، لكنه ظلّ بعيداً عن منال كثير من قادتها. بعد الاستقلال عن الحكم البريطاني، ركّز رئيس الوزراء جواهر لال نهرو على تحقيق الاكتفاء الذاتي عبر إنتاج كل ما تحتاجه البلاد محلياً. غير أن هذه السياسات أفرزت اقتصاداً منغلقاً عُرف بمنتجاته الرديئة. وفي تسعينيات القرن الماضي، أدّت الإصلاحات الاقتصادية إلى خفض الضرائب والرسوم الجمركية، ما ساعد على جذب استثمارات أجنبية وتسريع وتيرة النمو. إلا أن الاقتصاد بقي معتمداً بدرجة كبيرة على قطاع الخدمات، مثل تقنية المعلومات والخدمات المالية. في 2014، أطلق رئيس الوزراء ناريندرا مودي حملة "اصنع في الهند"، واضعاً هدفاً طموحاً يتمثل في رفع مساهمة القطاع الصناعي إلى ربع الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2025. لكن مع نهاية السنة المالية في مارس 2024، لم تتجاوز مساهمة التصنيع 17.3%، أي بلا تغيير يذكر خلال عقد. لكن المؤشرات الوطنية تخفي ما تحققه بعض الولايات الجنوبية من تقدّم، ومنها ولاية تاميل نادو التي باتت قاب قوسين أو أدنى من بلوغ هدف 25% الذي حدّده مودي. برغم أن الولاية لا تضم سوى 6% من سكان الهند، إلا أنها تحتضن العدد الأكبر من المصانع في البلاد، وهي ثمرة عقود من الاستثمار في التعليم وتطوير البنية التحتية وتبنّي سياسات داعمة لبيئة الأعمال، بحسب راجا. يبلغ إسهام تاميل نادو اليوم أكثر من 40% من صادرات الهند من الإلكترونيات، وما يقارب نصف إنتاجها من السيارات وقطع الغيار. وقال نيلاكّنتان آر إس، عالم البيانات ومؤلف كتاب (South vs North: India's Great Divide): "قطاع التصنيع في الهند متركّز بشدة في جنوب من البلاد، بغضّ النظر عن طبيعة المنتج، لكن كلما ارتفعت قيمة المنتج، زاد هذا التركّز نحو الجنوب". مع اكتساب الولايات الجنوبية مزيداً من الثروات، تصاعد الاستياء حيال مساهمتها غير المتكافئة في خزينة الدولة. فيما يقلّ في هذه المناطق تأييد حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي، وترتفع مطالب الولايات بمزيد من حماية اللغات المحلية، وتتنامى المعارضة لمقترحات إعادة هيكلة مجلس النواب بطريقة قد تُقلل من ثقل الجنوب السياسي. تحوّل إلى معقل صناعي قبل عقود قليلة، لم تكن مدينة هوسور الواقعة شمال غرب تاميل نادو تضمّ سوى حفنة من المصانع التقليدية، مثل شركة "تيتان" (Titan)، أكبر صانع للساعات في الهند، و"أشوك ليلاند" (Ashok Leyland)، التي تنتج الشاحنات المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد. عندما انتقل سينيفاسان بالاسوبراهمانيان إلى هوسور قبل ثلاثين عاماً ليعمل لدى شركة "تي في إس موتور" (TVS Motor)، المصنّعة للدراجات النارية والسكوترات، وصف المدينة آنذاك بأنها "مدينة عزّاب" يقطنها شبان يعملون في المصانع خلال أيام الأسبوع، ويغادرونها نهاية كل أسبوع. استذكر قائلاً: "في فترات الأعياد، كانت المدينة تخلو بالكامل تقريباً". اليوم، أصبحت هوسور في قلب الاقتصاد الصناعي الهندي. فهي تحتضن ما تصفه شركة "أولا إليكتريك موبيليتي" (Ola Electric Mobility) بأنه أكبر مصنع في العالم لإنتاج السكوترات الكهربائية، فيما تشيّد "تاتا إلكترونيكس" (Tata Electronics) على الطرف الجنوبي الشرقي من المدينة مجمّعاً ضخماً لتجميع هواتف "أيفون" في ما كان يُعرف بأنه موقع عادةً ما تعبره الفيلة. في المدينة نفسها، اختارت الشركة التي يعمل فيها بالاسوبراهمانيان اليوم، "إنترناشيونال إيروسبيس مانيوفاكتشرينغ " (International Aerospace Manufacturing) وهي مشروع مشترك بين "هندوستان إيروسبيس" (Hindustan Aeronautics) و"رولز رويس"، إقامة مجمّع صناعي بقيمة 850 مليون روبية لتوسيع إنتاج التوربينات النفاثة وأجزاء الطائرات المخصصة للقطاعين المدني والعسكري. قال بالاسوبراهمانيان، وهو الرئيس التنفيذي للمشروع، إن أحد أبرز أسباب اختيار هوسور كان تسهيل حكومة تاميل نادو لكافة الإجراءات. أضاف: "أجرينا دراساتنا في عدد من الولايات، وما أن بدأنا نتواصل مع حكومة تاميل نادو حتى تحركوا فوراً وعرضوا علينا 12 قطعة أرض في هوسور". إن تأمين الأراضي أحد أبرز التحديات التي تواجه المستثمرين في الهند، نظراً لتعقيدات قوانين الملكية العقارية، وهو عائق لطالما وعدت الحكومة المركزية بمعالجته لتخفق في الإيفاء بوعودها لاحقاً. لكن حين أثار بالاسوبراهمانيان هذه المسألة مع مسؤولي تاميل نادو، جاء الرد ببساطة: "سنتولّى الأمر". اكتمل بناء المنشأة في ديسمبر 2023، وبدأ الإنتاج بعد شهر من ذلك. وتخطط الشركة لاستثمار ملياري روبية إضافية خلال السنوات المقبلة لتوسيع طاقتها التشغيلية، بحسب بالاسوبراهمانيان، الذي قال: "بعد ثلاث سنوات من الآن، أي طائرة تستقلّها ستكون مزوّدة بأجزاء أنتجها هذا المجمّع". على بُعد بضعة كيلومترات، يواصل مصنع "تيتان" القديم إنتاج الساعات، غير أن مصنعاً أحدث يقع على مقربة منه يُعدّ اليوم أحد محركات الطفرة الصناعية في الولاية، وهو منشأة "تيتان إنجنيرينغ أند أوتوميشن" (Titan Engineering & Automation)، التي يمكن تسميتها "مصنع المصانع" في الهند، إذ تُجمع فيها المعدات التي تُستخدم في تصنيع الإلكترونيات والمعدات الطبية والمركبات الكهربائية والهواتف الذكية. وقد حققت المنشأة نمواً في الإيرادات بنسبة 15% خلال السنة المالية 2025، بعد نمو بلغ 50% في العام السابق. قال مديرها العام سريدهار نيلاكنتان: "جميع المحادثات التي أجريناها حتى الآن كانت تتطرق إلى ما يمكننا تقديمه أكثر، ولا أعتقد أن الرسوم الجمركية هي ما يقود هذه الحوارات". استمرار الاعتماد على الصين رغم التقدم الكبير الذي أحرزته ولايات الجنوبية في الهند كي تتحوّل إلى مركز صناعي عالمي، ما يزال أصحاب المصانع يشتكون من ثغرة رئيسية، فحتى عندما تكون خطوط الإنتاج داخل الهند، تبقى سلاسل التوريد معتمدة إلى حد كبير على مكوّنات ومواد مستوردة من الصين. ينطبق ذلك حتى على شركات رائدة مثل "آذر إنرجي" (Ather Energy)، رابع أكبر مصنّع للسكوترات الكهربائية في الهند بعد "أولا". فقد اختارت الشركة مدينة هوسور موقعاً لمصنعها الثاني بفضل قربها من موردي قطع الغيار، إلا أنها لا تزال عاجزة عن تقليص اعتمادها على الصين لتأمين مكونات أساسية، ومن ذلك الرقائق الدقيقة المسماة "المتحكمات المصغرة" والمغناطيسات الأساسية المستخدمة في البطاريات، والتي أصبحت نقطة ساخنة في الحرب التجارية بين واشنطن وبكين. قال الشريك المؤسس سوبنيل جاين: "الهند مكان جذاب لكل من يسعى إلى الانتقال من الصين، وما تزال تتمتع بقدرة تنافسية من حيث الكلفة... لكن استمرار هذا الاعتماد على الصين في جزء كبير من سلسلة التوريد أمر لا بد من معالجته". يشغل هذا الهاجس أيضاً لين، رئيس "دلتا إلكترونيكس". فيشير إلى أن خطوط الإنتاج التابعة للشركة في الهند أصبحت اليوم أكثر كفاءة من حيث الكلفة مقارنة بمصنعها في تايلندا. إلا أنها ما تزال غير قادرة على منافسة مصانعها في الصين، التي تستفيد من منظومة توريد إلكترونية متكاملة، صقلتها سنوات من التطوير ضمن نموذج "الإنتاج عند الطلب". لكن لين يطمح إلى تغيير هذا الواقع. لقد خصصت الشركة في مجمّع "دلتا" الصناعي في كريشناجيري 20 فداناً لاستقبال الموردين، على أمل أن يلتحق بعضهم بها في الهند. وبينما الأراضي ما تزال خالية حتى الآن، قال لين إنه دخل في محادثات مع عدد من الشركات، ورسالته لها: "الوقت مناسب الآن. يمكنكم الانتقال إلى الهند".

تهديدات ترمب برسوم جديدة تربك الأسواق مجددا
تهديدات ترمب برسوم جديدة تربك الأسواق مجددا

الاقتصادية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الاقتصادية

تهديدات ترمب برسوم جديدة تربك الأسواق مجددا

في اختبار جديد لصمود الأسواق المالية، التي أظهرت حساسية متزايدة تجاه تهديدات الرسوم الجمركية من الولايات المتحدة، تواجه التداولات العالمية مع افتتاح جلسة الإثنين ضغوطاً متصاعدة، بعدما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على واردات من الاتحاد الأوروبي والمكسيك بدءاً من الأول من أغسطس. زاد ترمب من حدة إجراءاته التجارية، وتعهد بفرض المزيد من الرسوم على الجميع من كندا والبرازيل وصولاً إلى الجزائر، مع دعوته المتكررة لشركاء الولايات المتحدة التجاريين إلى مواصلة التفاوض. على الرغم من التحذيرات التي أطلقها كبار المسؤولين الماليين من بينهم جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لـ"جيه بي مورغان تشيس"، والذي أشار إلى مخاطر "حالة التراخي"، فإن المستثمرين ظلوا حتى الآن يتعاملون مع هذه التصريحات بوصفها تكتيكاً تفاوضياً قابلاً للتراجع، كما حدث في مرات سابقة خلال ولاية ترمب. رسوم ترمب قد لا تكون ورقة ضغط لكن براين جاكوبسن، كبير الاقتصاديين في "آنيكس ويلث مانجمنت" (Annex Wealth Management)، حذّر من الافتراض بأن ترمب يلوّح بالرسوم دون تنفيذ، قائلاً في رسالة بالبريد الإلكتروني: "لا ينبغي للمستثمرين أن يفترضوا أن تهديد ترمب بفرض رسوم بنسبة 30% على سلع الاتحاد الأوروبي مجرد ورقة ضغط"، مضيفاً أن "هذا المستوى من الرسوم عقابي، وقد يُلحق ضرراً أكبر بأوروبا مقارنة بالولايات المتحدة، ما يُعزز عامل الوقت كعنصر ضاغط". وفي حين واصلت "بيتكوين" تسجيل مستويات قياسية خلال عطلة نهاية الأسبوع، فإنها لم تُظهر تأثراً كبيراً بالتصعيد الأخير. ومن المتوقع أن تعكس أسواق العملات مدى تأثير هذه التطورات على شهية المخاطرة، مع بدء التداول في الساعة الخامسة صباحاً بتوقيت سيدني. لامس اليورو هذا الشهر أعلى مستوياته أمام الدولار منذ عام 2021، في الوقت الذي يقيم فيه المستثمرون آفاق النمو النسبي في منطقة اليورو. وكان الاتحاد الأوروبي يطمح إلى التوصل لاتفاق مبدئي مع واشنطن لتفادي الرسوم الأعلى، غير أن رسالة ترمب الأخيرة بدّدت موجة التفاؤل في بروكسل، رغم أنه أبقى الباب مفتوحاً لإجراء تعديلات مستقبلية. وكتب جاكوبسن: "كالعادة، هناك شروط كثيرة قد تتيح خفض هذه الرسوم"، مضيفاً: "لهذا السبب لا تحبذ الأسواق هذه التهديدات، لكنها لا تُصاب بالذعر منها أيضاً". حيرة الأسواق تجاه الرسوم تواجه الأسواق تحديات في تسعير تأثير سياسة الرسوم المتقطعة التي يتبعها ترمب منذ بدء ولايته الثانية. فعندما أعلن "يوم التحرير" في 2 أبريل، شهدت الأصول عالية المخاطر وسندات الخزانة الأمريكية تراجعاً ملحوظاً، قبل أن تعود وتتعافى مع تراجع الرئيس عن بعض تهديداته. ورغم تأكيد ترمب أن الأول من أغسطس سيكون موعداً نهائياً لا تراجع عنه، إلا أن الأسواق تعاملت مع هذا التاريخ كموعد قابل للتفاوض. ومع ذلك، ظهرت إشارات حذر يوم الجمعة الماضي، حيث تراجعت الأسهم عن أعلى مستوياتها على الإطلاق مع تكثيف ترمب لهجمته التجارية، وسجّل الدولار أفضل أداء أسبوعي له منذ فبراير. وفي رسالة إلى رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم، أشار ترمب إلى أن البلاد تساعد الولايات المتحدة في تأمين الحدود، لكنه أضاف أن ذلك ليس كافياً. وأوضح مسؤول في البيت الأبيض أن الولايات المتحدة لا تعتزم تطبيق نسبة الـ30% على السلع المتوافقة مع اتفاقية تجمع الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. يُذكر أن البيزو المكسيكي بلغ أعلى مستوياته في عام عند 18.5525 مقابل الدولار في التاسع من يوليو.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store