logo
دراسة: حموضة المحيطات "قنبلة موقوتة" تهدد رئة العالم

دراسة: حموضة المحيطات "قنبلة موقوتة" تهدد رئة العالم

الجزيرة١٠-٠٦-٢٠٢٥
أفادت دراسة جديدة بأن محيطات العالم في حالة أسوأ مما يعتقد بفعل الزيادة الكبيرة في نسبة حموضة المياه، وحذرت من أن قياسات نمذجة رئيسية تظهر أن "الوقت ينفد" لحماية النظم البيئية البحرية وتنوعها في أكبر بيئة حيوية على كوكب الأرض.
وأكدت الدراسة المشتركة التي أجراها مختبر بليموث البحري في المملكة المتحدة، والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في واشنطن، ومعهد الدراسات التعاونية للموارد البحرية في جامعة ولاية أوريغون، أن "حدود تحمض المحيطات تم الوصول إليها أيضا منذ حوالي 5 سنوات".
وقال البروفيسور ستيف ويديكومب من معهد بليموث البحري، وهو أيضا الرئيس المشارك لشبكة مراقبة تحمض المحيطات العالمية، "إن تحمض المحيطات ليس مجرد أزمة بيئية، بل هو بمثابة قنبلة موقوتة للنظم البيئية البحرية والاقتصادات الساحلية".
يحدث تحمض المحيطات، الذي يُطلق عليه غالبا "التوأم الشرير" لأزمة المناخ، عندما يمتص المحيط ثاني أكسيد الكربون بسرعة، حيث يتفاعل مع جزيئات الماء، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى الرقم الهيدروجيني لمياه البحر.
والرقم الهيدروجيني "بي إتش" (pH) هو مقياس لدرجة حموضة أو قاعدية السائل. يتم قياسه على نطاق من 0 إلى 14، حيث تكون القيم أقل من 7 حمضية، والقيم أكبر من 7 قلوية، والقيمة 7 متعادلة. ويضر هذا التحمض بالشعاب المرجانية وغيرها من موائل المحيطات، وفي الحالات القصوى قد يُذيب أصداف الكائنات البحرية.
حتى الآن، لم يُعتبَر تحمض المحيطات تجاوزا لحدوده الكوكبية التي تعني الحدود الطبيعية للأنظمة العالمية الرئيسية، مثل المناخ والمياه وتنوع الحياة البري، والتي تُصبح قدرتها على الحفاظ على كوكب سليم، بعد تجاوزها، مُعرضة لخطر الفشل. وقد صرّح العلماء العام الماضي بأن 6 من هذه الحدود التسعة قد تم تجاوزها بالفعل.
واستندت الدراسة إلى قياسات فيزيائية وكيميائية جديدة وتاريخية من عينات الجليد، إلى جانب نماذج حاسوبية متقدمة ودراسات للحياة البحرية، مما أعطى العلماء تقييما شاملاً للسنوات الـ150 الماضية.
وقد وجد أنه بحلول عام 2020 كان متوسط ​​حالة المحيطات في جميع أنحاء العالم قريبا جدًا من الحد العالمي لتحمض المحيطات، بل في بعض المناطق أبعد منه. ويُعرّف هذا بأنه عندما يكون تركيز كربونات الكالسيوم في مياه البحر أقل بنسبة 20% عن مستويات ما قبل الصناعة.
تدمير الموائل
وأكد العلماء أنه كلما تعمقوا في المحيط، كانت النتائج أسوأ. فعلى عمق 200 متر تحت سطح البحر، تجاوزت نسبة 60% من مياه العالم الحد الآمن للتحمض، وزادت حدة تأثيراته على الكائنات.
وقالت البروفيسورة هيلين فيندلاي من معهد بليموث البحري إن "معظم الكائنات البحرية لا تعيش على السطح فحسب، بل إن المياه في الأعماق موطنٌ لأنواعٍ مختلفة من النباتات والحيوانات. ونظرا لتغير هذه المياه العميقة بشكل كبير، فإن آثار تحمض المحيطات قد تكون أسوأ بكثير مما كنا نعتقد".
وأضافت أن هذا كان له آثار هائلة على النظم البيئية المهمة تحت الماء مثل الشعاب المرجانية الاستوائية وحتى في أعماق البحار التي توفر موائل أساسية ومناطق حضانة لصغار العديد من الأنواع.
ومع انخفاض مستويات الرقم الهيدروجيني، تكافح الأنواع المتكلسة مثل المرجان والمحار وبلح البحر والرخويات الصغيرة المعروفة باسم فراشات البحر للحفاظ على هياكلها الوقائية، مما يؤدي إلى إضعاف الأصداف وتباطؤ النمو وانخفاض التكاثر وانخفاض معدلات البقاء على قيد الحياة.
وأكد المؤلفون أن خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون هو السبيل الوحيد للتعامل مع مشكلة الحموضة على مستوى العالم، ولكن تدابير الحفاظ على البيئة ينبغي أن تركز على المناطق والأنواع الأكثر عرضة للخطر.
وقالت مديرة التحالف الدولي لمكافحة حموضة المحيطات جيسي تيرنر، التي لم تشارك في الدراسة، "يوضح هذا التقرير الأمر بوضوح: إن الوقت ينفد منا، وما نقوم به أو نفشل في القيام به الآن يحدد بالفعل مستقبلنا".
وأشارت تيرنر إلى أننا نواجه تهديدا وجوديا، يتمثل في فقدان الكثير من الموائل المناسبة لأنواع رئيسية، ومن الواضح أن الحكومات لم تعد قادرة على تجاهل مسألة الحموضة في أجندات سياساتها العامة.
ورغم وجود التزامات تجاه الدول لمعالجة تحمض المحيطات، منصوص عليها في الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك الإطار العالمي للتنوع البيولوجي، فإن صانعي القرار يفتقرون إلى الموارد اللازمة لمعالجة هذه المشكلة، أو يكتفون بالتراخي في تنفيذ خطة، في حين يتدخل المشغلون التجاريون لتقديم حلول بديلة وغير فعالة.
وتشير الدراسة إلى أنه بعيدا عن الهدف الأساسي المتمثل في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، هناك أشياء أخرى يمكن القيام بها لمعالجة تحمض المحيطات التي تضم نحو 80% من جميع أنواع الحياة على الكوكب.
ويشمل ذلك الحد من التلوث العضوي في المياه، وهو أمر غالبا ما يكون من السهل نسبيا القيام به على المستوى المحلي، وإنشاء موائل بحرية أكثر مرونة حول الشواطئ.
ويشعر علماء البيئة والمناخ بإحباط متزايد إزاء عدم أخذ هذه القضية عالميا على محمل الجد. ويأملون أن يُتيح مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات الثالث، الذي يُعقد هذا الأسبوع في فرنسا، فرصة مهمة لمناقشة القضية الملحة مع رؤساء الدول، وإدراجها رسميا على أجندات حكومات العالم.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حموضة المحيطات تتجاوز الحدود الآمنة والخبراء يحذرون
حموضة المحيطات تتجاوز الحدود الآمنة والخبراء يحذرون

الجزيرة

timeمنذ 3 أيام

  • الجزيرة

حموضة المحيطات تتجاوز الحدود الآمنة والخبراء يحذرون

أظهرت دراسة حديثة أن تحمض المحيطات قد تجاوز الحد الآمن في مساحات شاسعة من البيئة البحرية العالمية وعلى عمق يصل إلى 200 متر، وكان التأثير شديدا بشكل خاص في المناطق القطبية. ووجد الباحثون أن 60% من محيطات العالم تجاوزت الحدود الآمنة لتحمض المحيطات حتى عمق 200 متر، مقارنة بـ 40% منها على السطح، وهو ما أثار قلق العلماء لأن معظم الكائنات البحرية توجد في هذه المنطقة، كما أن آثار التحمض على التنوع البيولوجي في الأعماق الكبرى غير معروفة تماما. ويشكل تحمض المحيطات عامل ضغط إضافيا على الحياة البحرية، التي تواجه بالفعل ضغوطا من التهديدات المتعددة المرتبطة بتغير المناخ، بما في ذلك موجات الحر البحرية، وانخفاض مستويات الأكسجين في مياه البحر، إلى جانب التأثيرات البشرية المباشرة الأخرى، بما في ذلك التلوث والصيد الجائر والتعدين في أعماق البحار. وتقول المؤلفة الرئيسية للدراسة هيلين فيندلاي، وهي عالمة محيطات بيولوجية في مختبر بليموث البحري في المملكة المتحدة: "إن تفاقم حموضة المحيطات ليس نتيجة مفاجئة للغاية، إننا نرى انهيار النظام، ونحن بحاجة إلى إجراء تغيير حقيقي الآن حتى لا نجعل الأمور أسوأ". من جهته، يقول يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ في ألمانيا، والذي لم يشارك في الدراسة الحالية: "في تقديري، تؤكد هذه الدراسة الجديدة ما كنا نتوقعه. للأسف، نتجاوز الحد الآمن لتحمض المحيطات". ويضيف روكستروم أن الأدلة المتزايدة على تفاقم حموضة المحيطات ينبغي أن تُحفّز مستوى أكثر طموحا بكثير من حماية المحيطات، إلى جانب اتخاذ إجراءات مناخية سريعة. تراجع الموائل وتوصل فريق فيندلاي إلى أن 4 من الأحواض المحيطية الـ7 قد تجاوزت الحدود الكوكبية لتحمض المحيطات، حيث تأثرت المياه القطبية ومناطق ارتفاع منسوب المحيطات بشكل خاص. وتقول فيندلاي إن هذا الأمر يثير القلق بالنسبة للحياة البحرية، لأن هذا الجزء من عمود الماء هو المكان الذي يزدهر فيه الكثير من التنوع البيولوجي البحري على الأرض. ووجد الباحثون أن ارتفاع مستويات حموضة المحيطات قد تسبب بالفعل في "تراجعات كبيرة" في موائل بعض الكائنات، حيث فقدت الشعاب المرجانية الاستوائية وشبه الاستوائية 43% من موائلها المناسبة. أما الأجنحة القطبية، وهي نوع من الحلزونات البحرية العوالقية تسبح بحرية، وتُعد جزءا أساسيا من السلسلة الغذائية، فقد فقدت 61% من موائلها المناسبة، بينما فقدت ذوات المحار الساحلية 13%. ويُشير الخبراء إلى أن هذه المستويات المُتزايدة تُثير قلقا بالغا عند الأخذ في الاعتبار تضرر محيطات العالم من عوامل ضغط أخرى، بما في ذلك موجات الحر البحرية الناجمة عن تغير المناخ، وانخفاض مستويات الأكسجين في المحيطات، والتغذية المفرطة، والتأثيرات البشرية المباشرة، مثل الصيد الجائر والتلوث من مصادر بعيدة المدى، بما في ذلك البلاستيك الدقيق ومياه الصرف الصحي الخام. وتؤكد هيلين فوكس، الخبيرة في تحالف الشعاب المرجانية بكاليفورنيا، والتي لم تشارك في البحث الأخير أن "النتائج مثيرة للقلق بالتأكيد بالنسبة للشعاب المرجانية وذوات المحار، والعديد من الكائنات الحية الأخرى التي تعتمد على الكالسيوم في أصدافها وهياكلها العظمية". المعاهدة المتعثرة ويرى دعاة الحفاظ على البيئة أن حماية البيئة البحرية عالميا متأخرة كثيرا عن جهود حماية البيئة البرية. وفي مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات لعام 2025 الذي اختتم مؤخرًا في فرنسا، أُعلن عن مجموعة من المناطق البحرية المحمية الجديدة والتزامات بحماية المحيطات، مع توجه الدول نحو التصديق على اتفاقية التنوع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج نطاق الولاية الوطنية، والمعروفة أيضا باسم معاهدة أعالي البحار. وتهدف هذه الاتفاقية الدولية إلى تعزيز حماية 30% من محيطات العالم بحلول عام 2030، مع إرساء آليات قانونية لحماية مناطق أعالي البحار. وقد صادقت 50 دولة على المعاهدة حتى الآن، ولكن دخولها حيز التنفيذ يتطلب تصديق 60 دولة. في تعليق نُشر في مجلة "نيتشر" في يونيو/حزيران الجاري، حذّر روكستروم وعلماء آخرون، منهم عالمة الأحياء البحرية البارزة سيلفيا إيرل، من أن معاهدة أعالي البحار، على الرغم من أهميتها، سيستغرق تطبيقها سنوات على الأرجح. ويؤكدون ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة وفورية لحماية محيطات العالم من جميع أشكال الاستغلال. وتؤكد النتائج الجديدة للدراسة الحاجة الملحة إلى تعزيز حماية محيطات العالم، حيث يؤكد الخبراء أن انبعاثات الكربون بحاجة إلى خفض كبير وتعزيز حماية المحيطات بشكل كبير للسماح للأنظمة البيئية بالوقت الكافي للتكيف والتعافي يومًا ما. وحذّر باحثون مؤخرا من أن فرصة إبقاء الاحترار دون مستوى 1.5% المستهدف في اتفاقية باريس للمناخ تتلاشى بسرعة، مع بقاء 3 سنوات فقط. وخلصت عدة تحليلات إلى أنه ما لم يُجرَ تصحيح جذري للمسار، فإن العالم يندفع نحو ارتفاع كارثي في ​​درجة الحرارة يتراوح بين 2% و3% فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية بحلول عام 2100. ومع ذلك تشير الدراسات إلى أنه حتى لو تم خفض مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي اليوم، فإن عواقب تحمض المحيطات سوف تظل معنا لعدة قرون، حيث تستمر المحيطات في امتصاص ثاني أكسيد الكربون مما يؤدي إلى تغيير كيمياء البحر ودرجة حموضته.

ثلث سكان توفالو يتقدمون للحصول على تأشيرة المناخ في أستراليا
ثلث سكان توفالو يتقدمون للحصول على تأشيرة المناخ في أستراليا

الجزيرة

timeمنذ 6 أيام

  • الجزيرة

ثلث سكان توفالو يتقدمون للحصول على تأشيرة المناخ في أستراليا

يسعى ثلث سكان توفالو، الأرخبيل الواقع في جنوب غرب المحيط الهادي والمهدد بارتفاع منسوب مياه البحر، للحصول على "تأشيرة المناخ"، التي تمكّنهم من العيش في أستراليا بموجب معاهدة وقّعت عام 2024، حسب معلومات رسمية حصلت عليها وكالة الصحافة الفرنسية. وكل عام، تقدم أستراليا تأشيرات لـ280 مواطنا من توفالو بموجب معاهدة "اتحاد فاليبيلي"، الذي وصفته كانبيرا بأنه "الاتفاق الأول من نوعه في العالم". وفي إطار هذه المعاهدة، فتحت أستراليا فئة جديدة من التأشيرات مخصصة للمواطنين البالغين في توفالو. وتسجّل أكثر من 3 آلاف مواطن من توفالو للمشاركة في السحب الأول على التأشيرات، وهو ما يمثل حوالي ثلث سكان الأرخبيل، وفق الأرقام الرسمية التي وفرها البرنامج الأسترالي. وتظهر البيانات الرسمية الخاصة بالبرنامج أن 3125 مواطنا من توفالو سجلوا للمشاركة في السحب خلال الأيام الأربعة التي تلت افتتاحه الأسبوع الماضي، وفي عام 2022، كان عدد سكان توفالو 10 آلاف و643 نسمة. وتبلغ كلفة التسجيل 25 دولارا أستراليا (حوالي 16 دولارا أميركيا) ويغلق السحب في 18 يوليو/تموز. ووصف ناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية المعاهدة بأنها "الاتفاق الأول من نوعه في العالم"، الذي يسمح لمواطني توفالو "بالانتقال بكرامة فيما يتفاقم تغير المناخ". تهديد مناخي ويخشى العلماء من أن يصبح أرخبيل توفالو، أحد أكثر المناطق المهددة بتغير المناخ، غير صالح للسكن خلال 80 عاما. وقال المتخصص في الجغرافيا بجامعة سيدني جون كونيل إن الراغبين في الهجرة من الأرخبيل يأملون في العثور على فرص عمل وتعليم ورعاية صحية أفضل في أستراليا، لكن الهجرة الطويلة الأمد للعمال المهرة قد تهدد مستقبل توفالو. وأوضح أن "الجزر المرجانية لا تقدم مستقبلا: الزراعة صعبة، وصيد الأسماك يوفر إمكانات هائلة لكنه لا يولد فرص عمل". الدفاع عن توفالو وبموجب "اتحاد فاليبيلي"، تلتزم أستراليا الدفاع عن توفالو في مواجهة الكوارث الطبيعية والأوبئة الصحية وأي "عدوان عسكري" محتمل. في المقابل، تمنح المعاهدة أستراليا حق التصويت في أي اتفاقات دفاعية قد تبرمها توفالو مع دول أخرى، وهو أمر أثار مخاوف. وتقول كانبيرا إن هذه المعاهدة تهدف أيضا إلى الحد من النفوذ الصيني في المنطقة.

بأسود مادة عرفها الإنسان.. قمر صناعي يواجه التلوث الضوئي بالفضاء
بأسود مادة عرفها الإنسان.. قمر صناعي يواجه التلوث الضوئي بالفضاء

الجزيرة

time٢٥-٠٦-٢٠٢٥

  • الجزيرة

بأسود مادة عرفها الإنسان.. قمر صناعي يواجه التلوث الضوئي بالفضاء

إذا كنت من المهتمين بمتابعة الظواهر الفلكية ورصد الأجرام السماوية والمجرات البعيدة، فلا شك أنك واجهت يوما مشكلة "التلوث الضوئي"، كأن يعترض ضوء قمر صناعي عدسة تلسكوبك، ليعكس الضوء كما تفعل المرآة. وباتت السماء تعج بآلاف الأقمار الصناعية اللامعة التي تسرق سواد الليل، وتربك أعين العلماء، مسببة ضجيجا بصريا متزايدا، وهي المشكلة التي يستعد فريق من الباحثين في المملكة المتحدة لمواجهتها عبر إطلاق قمر صناعي مكسو بأسود مادة عرفها الإنسان، وهي "فانتابلاك"، تلك المادة الشهيرة التي تمتص 99.965% من الضوء الساقط عليها. ويأمل الباحثون أن تثبت هذه التجربة نجاعتها، بما يمهد لتعميم استخدامها مستقبلا، في محاولة لاستعادة ظلمة السماء المهيبة، التي تحتاجها البشرية لفهم أعمق للكون. القمر الصناعي الجديد، الذي يحمل اسم "جوفيان-1″، من المقرر إطلاقه عام 2026، ويبلغ حجمه تقريبا حجم علبة أحذية، وتكمن مهمته في اختبار قدرة مادة "فانتابلاك" الخارقة على تقليل الانعكاسات الضوئية الصادرة عن الأقمار الصناعية، وهي ظاهرة تزداد بشكل مقلق في سماء الليل، ما يعطل عمل المراصد الفلكية حول العالم. عصر "الأسراب الفضائية" مع وجود أكثر من 14 ألفا و900 قمر صناعي يدور حول الأرض اليوم، والتوقعات بارتفاع هذا العدد إلى أكثر من 100 ألف خلال العقود المقبلة، بفعل "الأسراب الفضائية" التجارية مثل شبكة "ستارلينك" التابعة لشركة سبيس إكس، تتفاقم التحديات أمام الفلكيين. وتتمثل أبرز هذه التحديات في الانعكاسات الضوئية الصادرة من الأقمار المعدنية، التي تضيء السماء وتؤثر سلبا على جودة الرصد، وقد ازداد الوضع سوءا مع إطلاق أقمار صناعية فائقة السطوع، مثل سلسلة "ألف شراع" الصينية، التي تتجاوز بكثير حدود اللمعان التي توصي بها الجهات الفلكية. وللتصدي لهذه المشكلة، تعاونت جامعات سري وساوثهامبتون وبورتسموث ضمن مشروع مشترك يعرف باسم "جوبيتر" لإطلاق القمر الجديد، حيث تم تزويده من أحد جوانبه بمادة "فانتابلاك 310″، وهي نسخة معدلة من المادة الأصلية صممت خصيصا لتحمل تقلبات درجات الحرارة والإشعاع الكوني في مدار الأرض المنخفض. وصرّحت شركة "سري نانوسيستمز"، المنبثقة عن جامعة سري والمطورة للمادة في بيان صحفي رسمي أن "فانتابلاك 310، توفر أداء بالغ السواد من مختلف الزوايا، دون أن تتأثر ببيئة الفضاء القاسية". ويقول كيران كليفورد، كبير التقنيين في الشركة وقائد المشروع: "هدفنا من هذا الطلاء هو ضمان وصول مستدام ومنصف إلى سماء ليلية مظلمة للجميع". تحديات لا تزال قائمة ورغم أن الطلاء الأسود قد يُسهم في الحد من التلوث الضوئي، إلا أن هناك تحديات أخرى، أبرزها التداخل الإشعاعي (الراديوي)، الذي تصدره الأقمار، مما قد يهدد مستقبل علم الفلك الراديوي من على سطح الأرض. كما أن الزيادة الهائلة في عدد الأقمار الصناعية ترفع من احتمالات التصادم الفضائي، ما يؤدي إلى تفاقم مشكلة الحطام المداري. ولا تزال الآثار البيئية الناجمة عن احتراق الأقمار عند عودتها للغلاف الجوي، بما تطلقه من معادن وجزيئات، قيد الدراسة والفهم. وفي ظل هذه التحديات، يمثل مشروع "جوفيان-1″ خطوة واعدة نحو استعادة سماء ليلية أكثر صفاء، وإذا أثبتت المادة فعاليتها في المدار، فقد يصبح طلاء الأقمار بـ"فانتابلاك" خيارا معتمدا في تصميم المركبات الفضائية المستقبلية، للحد من آثارها السلبية على الرصد الفلكي، وتمكين العلماء من استكشاف أعماق الكون بعيون أوضح.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store