
هل يخفف الروبل الروسي أزمة الدين بمصر؟
القاهرة – يبدو أن التحركات المصرية نحو تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي وتخفيف الضغوط على العملة المحلية، في إطار محاولات احتواء أزمة الدين، بدأت تؤتي ثمارها على صعيد التعاملات المالية الخارجية.
فبموجب اتفاق تمت المصادقة عليه مؤخرًا بين القاهرة وموسكو، ستبدأ مصر سداد قروض مشروع الضبعة النووي -البالغة قيمتها 25 مليار دولار- للشركات الروسية بالروبل، بعدما تعذر على الجانب المصري السداد بالدولار الأميركي.
وذكر فلاديمير كوليتشيف نائب وزير المالية الروسي أن صعوبة سداد القروض بالعملات "غير المواتية" دفعت الطرفين إلى التحول نحو تسوية الديون بالروبل.
وفي السياق ذاته، وقّعت القاهرة وموسكو، في مايو/أيار الماضي، اتفاقًا بشأن إنشاء منطقة صناعية روسية داخل المنطقة الاقتصادية ل قناة السويس ، بقيمة استثمارية تصل إلى 4.6 مليارات دولار.
وعقب توقيع الاتفاق، صرح وزير الصناعة والتجارة الروسي أنطون أليخانوف بأن 40% من المعاملات التجارية المشتركة بين الجانبين تتم تسويتها بعملات أخرى بخلاف اليورو والدولار، مضيفًا أن العملات المحلية أصبحت إحدى وسائل التسوية، مع التأكيد على أن هناك المزيد من العمل المطلوب بهذا الشأن.
ويبلغ سعر صرف الدولار الأميركي نحو 50 جنيهًا مصريًا، بينما يساوي الروبل حوالي 0.63 جنيه.
الدين سحابة سوداء
وفي وقت سابق، وصف وزير المالية المصري أحمد كوجك الدين الخارجي والتضخم بأنهما يمثلان "سحابة سوداء" تحجب ما تشهده البلاد من إنجازات تنموية غير مسبوقة.
ويبلغ حجم الدين الخارجي لمصر نحو 155.1 مليار دولار، أي ما يعادل نسبة 82.9% من الناتج المحلي الإجمالي.
وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، بلغ متوسط نصيب الفرد من الدين الخارجي حوالي 1293 دولارًا بنهاية عام 2024، في حين يزيد الدين الداخلي عن 13.3 تريليون جنيه (نحو 263 مليار دولار).
إعلان
ووفق البنك الدولي ، يتعين على الحكومة المصرية سداد نحو 43.2 مليار دولار من الالتزامات الخارجية خلال أول 9 أشهر من العام الحالي، كما يجب سداد حوالي 118 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة بدءًا من عام 2024.
وخلال العام الماضي، سددت مصر نحو 38 مليار دولار كقروض خارجية بحسب مسؤولين رسميين، مما يعني أن البلاد مطالبة بسداد 80 مليار دولار إضافية قبل نهاية عام 2029.
ماذا عن قرض المفاعل النووي؟
ووقّعت مصر وروسيا في ديسمبر/كانون الأول 2017 اتفاقًا لإنشاء محطة الضبعة للطاقة الكهروذرية، وهي أول محطة من نوعها في البلاد.
ويتم تمويل المشروع من خلال قرض حكومي روسي بقيمة 25 مليار دولار، يمتد أجله على مدار 22 عامًا، بفائدة تبلغ 3% سنويًا.
ووفقًا لمسؤولين روس، فقد سددت مصر جميع الديون المستحقة عليها حتى بداية عام 2024.
ويستهدف المشروع بناء 4 مفاعلات من الجيل "3+" العاملة بالماء المضغوط، بقدرة إجمالية 4800 ميغاواط، بواقع 1200 ميغاواط لكل مفاعل.
وقد وصلت نسبة الإنجاز في المشروع إلى 30.1%، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 50% خلال العام المقبل، على أن يتم إطلاق المفاعل الأول عام 2028، وفقًا للجدول المعلن.
الروبل في أزمة
من جانبه، قلّل الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب من أهمية تأثير استخدام الروبل في سداد القروض على تخفيف أزمة الدين، موضحًا أن القاهرة تواجه صعوبة السداد بغض النظر عن العملة المستخدمة، سواء كانت الروبل أو الدولار.
وأكد عبد المطلب -في حديثه للجزيرة نت- ضرورة أن تعمل الحكومة على زيادة إيراداتها من الروبل حتى تتمكن من الوفاء بالتزاماتها تجاه موسكو، مضيفًا "في كل الأحوال يجب أن يكون لدى مصر فائض تستطيع أن تستخدمه في عمليات الدفع، مما يستلزم زيادة الإيرادات من كافة العملات الصعبة".
ورغم التحفظ، يرى الخبير الاقتصادي بعض الجوانب الإيجابية في الاتفاق المصري الروسي الأخير، حيث يتوقع أن يسهم في تعزيز المعاملات التجارية بين القاهرة وموسكو.
واستطرد عبد المطلب في تفاؤله بتداعيات التوجه نحو استخدام العملات المحلية، مشيرًا إلى إمكانية مساهمة هذا النهج في زيادة الصادرات المصرية إلى روسيا، وتحقيق شروط أفضل للحصول على واردات مصرية من موسكو، بما يشمل صفقات السلاح والقمح، بل وقد يمتد ليشمل التعاون في مجال الغاز، بحيث تصبح القاهرة بوابة الغاز الروسي إلى أفريقيا.
كما لم يستبعد الخبير أن تتجه مصر إلى عقد اتفاقات مماثلة مع دول أخرى لتسوية المدفوعات التجارية بالعملات المحلية، لافتًا إلى وجود اتفاقات مشابهة مع الصين.
ومؤخرًا، أعلن وزير الاستثمار المصري أن بلاده بدأت السماح للشركات الصينية باستخدام اليوان الصيني في تعاملاتها المالية، بدعم من البنك المركزي المصري.
وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والصين نحو 17 مليار دولار خلال عام 2024، مقارنة بـ16 مليارا عام 2023، بزيادة قدرها 6%، في حين لم تتجاوز التجارة بين مصر وروسيا 9 مليارات دولار.
تثمين وتوصية
وفي الإطار ذاته، ثمن المدير التنفيذي للمركز الدولي للدراسات التنموية مصطفى يوسف الخطوة التي اتخذها البلدان نحو التحرر من الدولار، متمنيًا أن تحذو دول أخرى حذوهما للحد مما وصفه بـ"العبودية الدولية" للعملة الأميركية.
وعن قدرة الروبل على التخفيف من عبء الدين المصري، أشار الباحث الاقتصادي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن مصر ستواجه تحديًا في توفير الروبل، نظرًا لأن صادراتها إلى روسيا محدودة.
وبحسب الإحصاءات الرسمية، سجلت الصادرات المصرية إلى روسيا نحو 607 ملايين دولار خلال عام 2024، في حين بلغت الواردات من روسيا حوالي 6 مليارات دولار خلال نفس الفترة.
وبعيدًا عن التبادل التجاري، لفت يوسف إلى أن السائح الروسي -الذي يفضل مصر كوجهة سياحية- قد يمثل مصدرًا إضافيًا لتوفير الروبل، مشيرًا إلى أن عدد السياح الروس بلغ نحو 1.6 مليون شخص خلال عام 2024، غالبيتهم يفضلون المدن الشاطئية مثل شرم الشيخ والغردقة.
ويرى الخبير الاقتصادي أن الحلول الجذرية لأزمة الديون المصرية لا ترتبط بنوع العملة المستخدمة في السداد، بل تكمن في:
التوقف عن الإنفاق على مشروعات غير مجدية اقتصاديًا.
ترشيد الإنفاق الحكومي.
زيادة الصادرات وتقليل الواردات.
الاستثمار في رأس المال البشري بوصفه المحرك الرئيس للإنتاج والتصدير.
روسيا تستفيد
أما عن مدى استفادة موسكو من تحصيل قيمة القروض بعملتها المحلية، فيرى الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد الباري أن روسيا تسعى من خلال هذه الخطوة إلى كسر حلقة العقوبات الغربية المفروضة عليها منذ بدء حربها مع أوكرانيا.
وأوضح أن موسكو تبحث عن تعزيز علاقاتها مع القاهرة باعتبارها بوابة رئيسية نحو أفريقيا، وقد انعكس هذا التوجه في اتفاق الطرفين على إنشاء منطقة صناعية روسية في مصر، والتي من المتوقع أن تتولى مهام الإنتاج والتوزيع لباقي الدول الأفريقية.
وفي السياق ذاته، رأى الخبير الاقتصادي يوسف أن روسيا، بوصفها واحدة من أكبر الدول المصدرة للمواد الخام، ستستفيد على المدى المتوسط والطويل من تقليل اعتمادها على الدولار في تجارتها الدولية، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 44 دقائق
- الجزيرة
روسيا تسيطر على أول قرية في دنيبروبيتروفسك
قالت وسائل إعلام روسية رسمية اليوم الاثنين إن الجيش الروسي سيطر على أول قرية في منطقة دنيبروبيتروفسك بوسط شرق أوكرانيا بعد أن تمكن خلال نحو شهرين من فرض سيطرته على 950 كيلومترا مربعا من الأراضي الأوكرانية. ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن المسؤول الموالي لروسيا فلاديمير روغوف قوله إن القوات الروسية سيطرت على قرية داتشنوي داخل منطقة دنيبرو بيتروفسك. ووسط جهود لدفع محادثات السلام بين موسكو وكييف، تحتدم الحرب مع سيطرة القوات الروسية على جزء من منطقة سومي الأوكرانية تبلغ مساحته 200 كيلومتر مربع ودخول منطقة دنيبروبيتروفسك الشهر الماضي. كما أكدت وزارة الدفاع الروسية إسقاط 144 مسيرة أوكرانية في يوم واحد واستهداف مصفاة نفطية تزود البحرية الأوكرانية بالوقود. يأتي ذلك فيما أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف -في تصريحات تلفزيونية- أن وتيرة المحادثات لإنهاء الحرب ضد أوكرانيا تعتمد على موقف كييف وفعالية الوساطة الأميركية والوضع الميداني. البيانات الأوكرانية وفي الجانب الأوكراني، أعلنت القوات البرية الأوكرانية أن روسيا شنت هجوما بمسيرات انتحارية على مبنى مركز القيادة والسيطرة في "كريفي ريه" شرقي البلاد. كما قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن مجموعات قتالية روسية كبيرة تتمركز على جبهة باكروفسك وتشن هجمات يومية على مواقع قواتنا. في غضون ذلك شدد وزير الخارجية الألماني يوهان فاديبول الذي يقوم بزيارة إلى كييف أن بلاده "ستواصل بحزم دعم أوكرانيا -حتى تتمكن من مواصلة الدفاع عن نفسها بنجاح- بالدفاع الجوي الحديث والأسلحة الأخرى، وبالمساعدات الإنسانية والاقتصادية". وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية إن برلين تتوقع أن يتم هذا الأسبوع إقرار خطة الاتحاد الأوروبي بشأن حزمة العقوبات رقم 18 ضد روسيا. يشار إلى أن روسيا كررت مرارا أنها مستعدة للسلام مع أوكرانيا لكن يجب على كييف الانسحاب من كامل المناطق الأربع التي تسيطر موسكو على أغلبها، ويعتبرها الرئيس فلاديمير بوتين أنها باتت الآن "جزءا من روسيا". وتقول أوكرانيا وداعموها الأوروبيون إن هذه الشروط تعادل الاستسلام وإن روسيا ليست مهتمة بالسلام وإنهم لن يقبلوا أبدا بسيطرة روسيا على خُمس مساحة أوكرانيا. وتشمل المناطق الخاضعة للسيطرة الروسية شبه جزيرة القرم وأكثر من 99% من منطقة لوغانسك وأكثر من 70% من مناطق دونيتسك و زاباروجيا و خيرسون ، وجميعها في الشرق أو الجنوب الشرقي للبلاد، وأجزاء من مناطق خاركيف وسومي ودنيبروبيتروفسك.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
شبكات كيف تفاعلت المنصات مع فقدان أوكرانيا مقاتلة جديدة من طراز "إف-16"
فقد الجيش الأوكراني، أمس الأحد، مقاتلة جديدة من طراز 'إف-16' التي تعتمد عليها منذ العام الماضي في التصدي للهجمات الروسية، وهو ما أثار تفاعلا على مواقع التواصل. اقرأ المزيد


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
الناتو يتحصن خلف "جدار المسيّرات" في مواجهة روسيا
في عام 2023 أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما يفرض إدراج مهارات تصميم الطائرات المسيّرة وكيفية استخدامها في المناهج الدراسية، في حين أعلن حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد ذلك بعام فقط عن مساعيه لتأسيس جدار من المسيّرات يمتد من النرويج إلى بولندا. وبغض النظر عن الأهداف العقائدية والعسكرية بعيدة المدى لقرار الكرملين، فإن تقدير الخبراء لخبايا المرسوم يشير إلى ترابط وثيق بين مجريات الحرب الدائرة في أوكرانيا وإستراتيجية موسكو نحو توسيع استخدامها الطائرات المسيرة التكتيكية في الحروب المقبلة، اعتمادا على جيل جديد يكون ملما بهذه التكنولوجيا. في المقابل، وعلى مستوى الناتو، تتحدث تقارير صحفية منذ نحو عام عن مشاورات بشأن التأسيس لجدار مراقبة مكون من طائرات بدون طيار، يمتد من النرويج إلى بولندا. وحسب ما نشرته صحيفة "نيوزويك" الأميركية سيكون هذا الجدار جاهزا لرصد أدنى توغل معادٍ، أو ما يُسمى بـ"أساليب الحروب غير التقليدية" في منطقة نفوذ الحلف، والردع والدفاع باستخدام أحدث التقنيات في أنظمة الذكاء الاصطناعي، وتكون مدعومة من شبكة مكونة من أجهزة الاستشعار. رادع إستراتيجي وتعد مثل هذه الخطة الطموحة، التي تقودها ألمانيا إلى جانب 6 دول من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إحدى أوسع عمليات نشر أنظمة المراقبة الذاتية ومكافحة الطائرات بدون طيار في التاريخ الحديث، ويصفها القادة بأنها رادع إستراتيجي واستجابة للتطور المتسارع للحرب الحديثة. ولفهم أكثر حول استخدامات "جدار الطائرات المسيرة"، فإنه سيكون وفق تحليل نيوزويك بمثابة شبكة دائمة للإنذار المبكر والاستطلاع على طول الجناح الشرقي لحلف الناتو، خاصة في المناطق المعرضة للخطر على الحدود مع روسيا. وبخلاف أهميته الإستراتيجية، فإن الصحيفة الأميركية تنظر أيضا إلى هذا الجدار كجهد فعلي ورمزي لتعزيز دفاعات أوروبا، وفرض السيطرة الإقليمية على تقنيات المراقبة ومواجهة صراعات المنطقة الرمادية التي ميزت إستراتيجيات روسيا الأخيرة في أوكرانيا وأماكن أخرى. وفي تقديرها تعكس المبادرة في نهاية المطاف، تحولا متزايدا في إستراتيجية الدفاع الأوروبية نحو الاعتماد على الذات، في وقت يبدو فيه التزام الولايات المتحدة تجاه الناتو أقل يقينا، لا سيما مع ضغوط الرئيس دونالد ترامب على الأعضاء الأوروبيين لزيادة إنفاقهم الدفاعي. أوكرانيا وخطط مستقبلية يأتي ذلك في وقت تتحول فيه أوروبا إلى ورشة تصنيع مكثف لـ"الطائرات المسيرة"، فأوكرانيا تحولت خلال سنوات قليلة إلى أكبر الدول المصنعة للطائرات المسيرة، بطاقة إنتاج تصل إلى 4.5 ملايين طائرة مسيرة في 2025 ومع خطط مستقبلية لتصنيع 10 ملايين طائرة مسيرة سنويا، وفق وزارة الدفاع الأوكرانية. ويلخص فياتشيسلاف، أحد أعضاء مجموعة "فيلد هورنست" المطورة للطائرات المسيرة الأوكرانية، هذا التحول في تكتيكات الحروب، عندما دعا إلى إعادة النظر في أدوار الأسلحة التقليدية بما في ذلك الدبابات -على سبيل المثال- التي يمكن نسفها على الأرض بمسيّرات منخفضة التكلفة. وحتى الآن تعكس الحرب الروسية في أوكرانيا وحتى النزاع بين إسرائيل وإيران، تلك التقديرات بقوة على أرض الواقع، حيث أعادت تعريف دور "الدرون" كأسلحة العصر الأولى في الحروب، كما فتحت الباب على مصرعية نحو التصنيع المكثف لهذ التقنية الفعالة وعالية الدقة في الاستخدامات الهجومية والدفاعية معا. قبل اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في 2022 كانت هناك أرقام ذات دلالات عن حرب ناغورنو كارباخ التي تعد من بين أكثر الحروب استخداما للطائرات المسيرة، التي كانت سببا في تدمير 45% من إجمالي عدد المدرعات والمركبات وقطع المدفعية وبطاريات الدفاع الجوي. لكن ما حصل في عملية "شبكة العنكبوت" مطلع يونيو/حزيران 2025، قد يدفع مستقبلا إلى مراجعات أوسع نطاقا لأسلحة الحروب التقليدية، بعد أن نجحت 117 طائرة مسيرة مشاركة في العملية بضرب 4 مطارات وقواعد جوية في عمق روسيا، وإلحاق أضرار مدمرة بـ41 طائرة عسكرية روسية وهي رابضة بالمدارج، حسب هيئة الأركان الأوكرانية. ويرى المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية "إيفري" أن استخدام الطائرات المسيرة في أوكرانيا، بذلك الحجم من الأساطيل المشاركة وانتشارها الواسع في عمليات كلا الطرفين المتحاربين، يهيئ الظروف لـ"ثورة عسكرية" حقيقية. وتشير إحصائيات المنصة الأميركية "بيانات ومواقع وأحداث النزاعات المسلحة" إلى بعض ملامح هذه الثورة، مع امتلاك 48 جيشا في العالم مسيرات حربية في عام 2024، مقابل 4 جيوش فقط قبل عام 2014. وفي عام 2023 مثلا تم استخدام الطائرات المسيرة في 34 نزاعا عسكريا، ما يعكس سباقا دوليا متسارعا لامتلاك هذا السلاح. ولأهمية هذا الاستخدام المتزايد، يعتقد المعهد الفرنسي في ورقة تحليلية له أنه لا يمكن اختزال الطائرات المسيّرة كمجرد ابتكار تقني أو كمجموعة أجهزة ذات خصوصية محددة، بل إنها في تقديره تعادل التحول إلى استخدام المحركات والآليات في القرن الماضي. كما أنها تجسّد -حسب تحليله- إحدى مظاهر "الحرب التشاركية" داخل "قتال متعدد النيران والجبهات". تصنيع روسي مكثف ومن أجل اللحاق بالركب تحولت روسيا -التي دفعت في حربها مع أوكرانيا بطائرات درون إيرانية الصنع "شاهد" وفق ما أثبتته تقارير ميدانية- إلى تصنيع مكثف لطائراتها المسيّرة الخاصة، معتمدة على اقتصاد الحرب، في مسعى للحد من التفوق الأوكراني في هذا المجال. وأفاد تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" في أغسطس/آب 2023، استنادا إلى وثائق مسربة، بأن هدف روسيا هو إنتاج 6 آلاف طائرة مسيرة عام 2025 داخل حدودها وفي مصانعها الخاصة، في صفقة مع إيران قد تكلّف موسكو نحو مليار دولار. وعلى الرغم من أن أوكرانيا لا تملك القدرات الإنتاجية ذاتها مقارنة بروسيا، لكن يمكنها التعويل على الابتكار وتطوير نماذجها الخاصة، التي أثبتت فعاليتها في عملية "شبكة العنكبوت"، كما يمكنها الاستفادة من الأسراب التي أطلقتها موسكو على أراضيها وإعادة استخدامها أو تدويرها. وحتى الآن تميل كفة الفعالية إلى أوكرانيا، حيث تشير التقارير العسكرية إلى أن طائرات الدرون الأوكرانية كانت مسؤولة عن 70% من عمليات التدمير التي لحقت الأهداف والمنشآت الروسية. وعلاوة على ذلك، فإن كييف تنتظر في المستقبل القريب دعما قويا من شركات التصنيع الفرنسية، وهو ما أعلن عنه مؤخرا وزير القوات المسلحة الفرنسي سيباستيان ليكورنو، حيث تخطط باريس لتصنيع طائرات بدون طيار على الأراضي الأوكرانية. شراكة رابح رابح حددت فرنسا شراكة مع أوكرانيا تقوم على قاعدة "رابح-رابح" عبر مشروع تصنيع طائرات من دون طيار على الأراضي الأوكرانية، حيث ستتولى شركة صناعة السيارات الفرنسية العملاقة "رينو" إطلاق هذا المشروع بالتعاون مع شركة تصنيع عسكري فرنسية. وحسب محطة "فرانس إنفو"، فإنه من المتوقع أن تنطلق الشركتان قريبا في تجهيز خطوط الإنتاج على بعد عشرات أو مئات الكيلومترات من الجبهة، وهو ما يفترض أن يمنح دفعة قوية وهامشا أوسع لرد الفعل والمبادرة لدى الجيش الأوكراني في نزاعه مع روسيا، كما سيتيح لفرنسا تدارك النقص في هذا القطاع. ووفقا لجان بول بيروش، الجنرال المتقاعد والمدير العام السابق لهيئة الأركان العسكرية للاتحاد الأوروبي، فإن فرنسا لم تكن حتى الآن مستعدة بشكل كافٍ لهذا التحول في أساليب الحرب، مقارنة بالولايات المتحدة والصين، على الرغم من أن الطائرات المسيّرة كانت قيد المناقشة منذ ثمانينيات القرن الماضي. وفي حديثه مع محطة "إل سي إي" الفرنسية اعترف بوجود تأخر كبير في تطوير هذه الطائرات، وهو ما ذهب إليه أيضا وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو، الذي أقر بوجود نقص كبير في إمدادات الطائرات المسيرة إلى الجيش الفرنسي. فرنسا تلحق بالركب ويمتلك الجيش الفرنسي قرابة 3000 طائرة مسيرة، وهو الهدف الذي حددته وزارة الدفاع لبلوغه في 2025، بعد أن كان في حدود ألفي طائرة في الربع الأول من عام 2024، وهو رقم لا يمكن مقارنته مع ترسانة أوكرانيا التي تعد أكثر من 4.5 ملايين طائرة مسيرة في 2025. لكن على الرغم من أن أوكرانيا تحرز تقدما ملحوظا نحو الاكتفاء الذاتي في تصنيع الطائرات المسيرة، فإن الاعتماد على المكونات الأجنبية في التصنيع مثل المحركات وأجهزة التحكم في الطيران يشكّل تحديا مستمرا في تأمين كامل مراحل التصنيع محليا. وتقوم فكرة التعاون الآن -كما لخصها الوزير الفرنسي- على التزويد المستمر والمكثف لأوكرانيا بالدرون، وفي الوقت نفسه تخصيص جزء من التصنيع الموجه للجيش الفرنسي، إلى جانب الاستفادة المباشرة من التدريب التكتيكي والاستخدام العملياتي للطائرات من دون طيار على أرض المعركة مع روسيا. أما بخصوص جهات التصنيع، فإن الخيار الفرنسي هو أن يكون بشكل كامل بأيادي أوكرانية، والهدف من ذلك هو الاستفادة القصوى من خبرات الأوكرانيين المتقدمة في التصميم وفي "تطوير العقيدة ذات الصلة". تأتي هذه الخطوة وفق تقارير أوروبية، في أعقاب مناقشات جرت في الخامس من يونيو/حزيران ببروكسل بين وزيري الدفاع الأوكراني والفرنسي بشأن التصنيع المشترك للأسلحة، لتلبية احتياجات الدفاع الأوكرانية، وأيضا عقب الاجتماع الثامن والعشرين في "رامشتاين" بألمانيا مقر حلف شمال الأطلسي، بين أوكرانيا والدول الشريكة من أجل الاتفاق على آلية لإنتاج الأسلحة. لا تعد الشراكة الفرنسية الأوكرانية الأولى من نوعها داخل أوروبا، فقد أسست فنلندا أيضا منشأة لتصنيع الطائرات المسيرة بالتعاون مع شركاء أوكرانيين لإنتاج طائرات مسيرة موجهة لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي، وقد وضعت خططا لبدء الإنتاج المكثف العام الجاري 2025. كما أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية عبر موقعها على الإنترنت توقيع عقود مع هولندا بقيمة إجمالية تفوق 675 مليون يورو، من أجل إنتاج 600 ألف طائرة مسيرة للقوات المسلحة الأوكرانية، في إطار مبادرة "خط الطائرات المسيرة"، ومن المقرر أن تبدأ عمليات التسليم العام الجاري 2025. وحسب معلومات الوزارة، تعد هذه العقود جزءا من حزمة مساعدات هولندية تشمل كذلك تسليم 100 نظام رادار إضافي لكشف الطائرات المسيرة، ومعدات لإجلاء الجرحى. من جهتها، كشفت الحكومة البريطانية عبر موقعها عن استثمارات قياسية بقيمة 350 مليون جنيه إسترليني (حوالي 480 مليون دولار أميركي) هذا العام لزيادة إمدادات الطائرات المسيرة إلى أوكرانيا، من هدفها البالغ 10 آلاف طائرة في عام 2024 إلى 100 ألف طائرة في عام 2025. كما خصصت حكومة النرويج قرابة 644 مليون دولار أميركي لتمويل إنتاج طائرات من دون طيار من مصنعين أوكرانيين وأوروبيين، حسب ما ورد في بيان لها نشرته على موقعها الرسمي. وتهدف هذه الخطوة -كما صرح بذلك رئيس الوزراء يوناس غار ستوره- إلى تعزيز قدرات أوكرانيا في حماية البنية التحتية الحيوية واستخدام الطائرات بدون طيار في الخطوط الأمامية، وفي عمليات المراقبة وباقي العمليات اللازمة. بالعودة إلى حجم التصنيع الدولي للطائرات المسيرة، تكشف بيانات نشرتها صحيفة "لوموند" عن رقم معاملات في حدود 4.3 مليارات دولار لسوق الطائرات المسيرة في العالم عام 2024، مقابل توقعات بأن يرتفع الرقم إلى 5.2 مليارات دولار في العام 2025، وإلى قرابة 14 مليون دولار في عام 2033. وتتصدر الصين دول العالم من حيث حجم الصادرات من الطائرات المسيرة في عام 2023 بقيمة 1.830 مليار دولار، متقدمة على هونغ كونغ التي تأتي في المركز الثاني بمبيعات تعادل 408 ملايين دولار، ثم تركيا بـ231 مليون دولار، وبعدها الولايات المتحدة الأميركية رابعة بـ212 مليون دولار. أما بالنسبة للدول الموردة للطائرات المسيرة فتأتي أوكرانيا في المرتبة الأولى بواردات قيمتها 464 مليون دولار في عام 2023، في حين تحل الولايات المتحدة في المركز الثاني بـ423 مليون دولار، ثم هولندا ثالثة بـ223 مليون دولار، وبعدها ألمانيا رابعة بـ211 مليون دولار. وعلى العموم، توفر هذه الطائرات قدرات جوية متقدمة متاحة لجميع الدول بما في ذلك الفقيرة، في وقت كانت فيه تلك القدرات في السابق حكرا على القوى العسكرية الكبرى. واليوم وبسعر قد لا يتجاوز 130 دولارا يمكن شراء طائرة مسيرة صينية الصنع مستوحاة من طائرة "بلاك هورنت" الأميركية مع نفس الأداء والفاعلية، لتصبح بذلك هذه التقنية "سلاحا للفقراء" بامتياز.