
5 حقائق تعينك في التغلب على الإمساك
ومع هذا، هناك بالأصل «اختلاف طبيعي» واسع بين الناس في عدد مرات التبرز التي عادة يقومون بها. ولذا نجد أن الطبيعي لدى البعض في التبرز هو الذهاب إلى المرحاض 2-3 مرات في اليوم، بينما لدى آخرين ربما الطبيعي 2-3 مرات في الأسبوع.
ولذا فإن «تغير العادة الطبيعية» في التبرز بشكل واضح، قد يكون علامة على وجود الإمساك، مما يعني أن عدم إخراج الفضلات في يوم ما لا يعني تلقائياً وجود حالة الإمساك لدى الشخص.
هذا مع الأخذ في عين الاعتبار جانب آخر، وهو أن الطبيعي للشخص البالغ هو إخراج فضلات بوزن نحو 200 غرام في اليوم. والطبيعي أيضاً عدم الاضطرار إلى بذل مجهود «عالٍ» لإتمام عملية الإخراج. والطبيعي أيضاً هو عدم إخراج براز صلب أو شبه جاف.
وإليك الحقائق الـ5 التالية حول الإمساك وأسبابه وكيفية التعامل معه، وهي:
1. الإمساك هو عرض وليس مرضاً بحد ذاته. ويشير أطباء «مايوكلينك» إلى أنه ووفقاً للتحديث الرابع لمعايير روما للإمساك Rome IV Criteria، يتم تشخيص الإمساك إذا حصل واحد أو أكثر من العناصر التالية:
وإذا كان لدى الشخص اثنان أو أكثر من هذه الأعراض خلال الثلاثة أشهر الماضية، يكون الإمساك مزمناً. وبالإضافة إلى ذلك، يجب ألّا يستوفي المريض معايير روما الرابعة لتشخيص الإصابة بمتلازمة القولون العصبي IBS.
وتجدر الإشارة إلى أن معايير روما هي جهد طبي معتمد في تشخيص وعلاج اضطرابات الجهاز الهضمي الوظيفية، ويتم تحديثها عالمياً.
2. ثمة طريقة صحيحة لإتمام عملية الإخراج الطبيعي للبراز، والمهم فيها هي جوانب تتعلق بـ«الظروف». والوقت الأنسب والأعلى فاعلية هو الذهاب إلى المرحاض عندما يشعر المرء بالحاجة إلى ذلك. أي عدم تأجيل الاستجابة لنداء الجسم.
ولدى غالبية الناس، فإن الأوقات الشائعة للحصول على هذه الرغبة هي إما أول شيء في الصباح، أو بعد شرب القهوة الصباحية، أو بعد تناول وجبة الطعام. وتؤدي مقاومة الرغبة في التبرز، أو تجاهل المرء شعوره بالحاجة إلى المرحاض، إلى تراكم الفضلات في الأمعاء الغليظة وتفاقم الإمساك.
وللتوضيح، فإن الجسم يُعطينا «عدداً من الفرص» خلال اليوم للقيام بعملية الإخراج. وخلال هذه الفرص، «يتناغم» كل من الجهاز العصبي والجهاز الهضمي في عملهما على تسهيل دفع الفضلات وارتخاء العضلات، لإتمام الإخراج.
وعندما لا «يقتنص» المرء تلك الفرص، يصعب «إرادياً» إجبار الأمعاء على إجراء عملية التبرز. ولذا يجدر الاستماع إلى رسائل الجسم بالرغبة في الإخراج والتوجه إلى الحمام، حتى لو كان المرء مشغولاً أو يشعر بالحرج عند استخدام المرحاض خارج منزله.
وتضع المؤسسة القومية الأميركية للشيخوخة كبح حركات الأمعاء ضمن أسباب الإمساك الرئيسية لدى كبار السن، وتقول: «يمكن أن يؤدي تجاهل الرغبة في التبرز إلى الإمساك. يفضل بعض الناس التبرز في المنزل. لكن كبح حركة الأمعاء يمكن أن يسبب الإمساك إذا كان التأخير طويلاً».
3. الأساس هو ما يشير إليه أطباء «مايوكلينيك» بقولهم: «خذ وقتك في الحمام، واسمح لنفسك بوقت كافٍ للتبرز دون مضايقات ودون الشعور بالاستعجال». ولكن يجب ألا يستغرق فتح الأمعاء أثناء «التبرز الفعلي» أكثر من دقيقتين أو ثلاث دقائق. وأن يتم دون إجهاد ودون كتم النفس. ويجب ألا يكون البراز شبه صلب أو جافاً. ويقول المتخصصون الطبيون في «كليفلاند كلينك»: «تحدث العديد من مشكلات الشرج والمستقيم بسبب العادة السيئة لإفراغ فضلات الأمعاء. مما يمنع إفراغ الأمعاء بشكل فعَّال ويتسبب أيضاً بالبواسير».
ويجدر أن يكون الشخص مرتاحاً في الجلوس على المرحاض، واضعاً المرفقين على الركبتين، مع الانحناء قليلاً إلى الأمام والاسترخاء والتنفس بشكل طبيعي. وقد يساعد البعض وضع قدميه على مسند قدم بارتفاع 20-30 سم لتحسين زاوية المستقيم داخل تجويف الحوض، مما يسهل إخراج البراز. ومع ذلك تجدر المحافظة مسافة تباعد بين القدمين (نحو 40-50 سم).
ولإتمام العملية، من الأفضل استخدام عضلات البطن في الضغط المعتدل، مع التركيز على إرخاء فتحة الشرج للسماح للبراز بالمرور. والمهم ألّا يضغط المرء للإخراج دون إرخاء فتحة الشرج، وليس بالضرورة قضاء وقت طويل في عملية الإخراج الفعلي. وكما يقول أطباء «كليفلاندكلينك»: «إذا لم تفتح الأمعاء لا داعي للضيق، وحاول مرة أخرى في الوقت نفسه في اليوم التالي. قد لا يكون من الطبيعي بالنسبة لك إخراج البراز كل يوم».
4. السبب الرئيسي للإمساك عند غالبية الناس (صغاراً وكباراً) هو عدم تناول كمية يومية كافية من الألياف. ولذا تظل أفضل وسيلة للوقاية وكذلك للعلاج، هي الإكثار من تناول الألياف. وللتوضيح، فإن الألياف أحد مكونات المنتجات الغذائية النباتية، وتتفاوت نسبتها فيما بين الأطعمة النباتية المختلفة. وهي لا يتم هضمها ولا امتصاصها، بل تبقى في الأمعاء. وتزيد الألياف من كتلة البراز، وتساعد على احتفاظه بالسوائل. وتمنح هذه الألياف البراز شكله ووزنه المناسبين للحركة عبر القولون، وتساعد في زيادة وزن وحجم وليونة البراز، مما يجعل من السهل إتمام عملية الإخراج ومنع الإصابة بالإمساك.
كما أن شرب الماء أمر أساسي في تسهيل عمل الألياف على تسهيل الإخراج. ولذا فإن عدم شرب الكمية اليومية التي يحتاجها الجسم من الماء هو من أقوى أسباب الإمساك لدى الكثيرين. ووسيلة التأكد من نيل الجسم حاجته من الماء هي: إخراج بول ذي لون أصفر باهت جداً أو شفاف.
وتساعد ممارسة التمارين الرياضية أيضاً على إزالة أو تخفيف الإمساك. لأن الكسل البدني يزيد من طول وقت بقاء الفضلات في الأمعاء، ويُبطئ حركة الأمعاء، مما يجعل الفضلات أشد جفافاً ويُصعّب إخراج البراز.
كما أن تناول بعض أنواع الأدوية قد يتسبب أو يُفاقم مشكلة الإمساك. وذلك مثل: مسكنات الألم القوية، والأدوية المضادة للالتهابات، وأدوية حموضة المعدة المحتوية على الكالسيوم أو الألمنيوم، وأدوية الحساسية، ومضادات الاحتقان، وأدوية الحديد لفقر الدم، وبعض أنواع الأدوية النفسية.
كما يمكن لعدد من الحالات المرضية أن تؤثر على عمل العضلات أو الأعصاب أو الهرمونات المسؤولة عن تسهيل إخراج البراز، بما في ذلك متلازمة القولون العصبي، ومرض السكري، وكسل الغدة الدرقية، وعدد من الأمراض العصبية.
كبح حركات الأمعاء يقع ضمن أسباب الإمساك الرئيسية لدى كبار السن
5. وفق ما تؤكده المصادر الطبية، فإن علاج الإمساك يبدأ عادةً بتغيير النظام الغذائي ونمط الحياة بهدف زيادة سرعة تحرك البراز عبر القولون. وكذلك قد يغير الطبيب الأدوية التي يتناولها المرء إذا كانت تسبب الإمساك أو تزيده سوءاً.
وإذا لم تساعد هذه التغييرات، فقد يلزم اللجوء إلى العلاجات الأخرى، التي من أهمها المُليِّنات. وهي أدوية تساعد على حركة البراز عبر القولون. وكل نوع منها يعمل بصورة مختلفة. وتتوفر المليِّنات التالية دون وصفة طبية:
- المكمّلات الغذائية الغنية بالألياف. تساعد المكمّلات الغذائية الغنية بالألياف على احتفاظ البراز بالسوائل. وبهذا يكون البراز أكثر ليونة وأسهل في الإخراج.
- المليِّنات التناضحية. تساعد الملينات التناضحية على تحريك البراز عبر القولون عن طريق زيادة إفراز السوائل الخارجة من الأمعاء لتمتزج بالفضلات وتزيد ليونتها.
- المنبهات. تُسبب المنبهات انقباض جدران الأمعاء، مما يدفع البراز إلى التحرك.
- المزلقات. تعمل المزلقات، مثل الزيوت المعدنية، على تحريك البراز عبر القولون بسهولة أكبر.
- مطرّيات البراز. تساعد مطريات البراز في سحب مزيد من الماء من الأمعاء إلى البراز.
وتحت التوجيه الطبي، قد تُستخدم الحقنة الشرجية أو التحميلة الشرجية عندما لا تُجدي العلاجات الأخرى نفعاً، حيث يلجأ الأطباء إلى إحدى هذه العلاجات في حال وجود انسداد في المستقيم بسبب تجمع البراز. والسائل في الحقنة الشرجية قد يكون ماء الصنبور، أو ماء الصنبور مع الصابون المخفف، أو زيتاً معدنياً طبياً. وثمة عدة أنواع من التحاميل الشرجية التي تتضمن أنواعاً مختلفة من الملينات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مجلة سيدتي
منذ 2 ساعات
- مجلة سيدتي
الوصفات الطبيعية بين الحقيقة والخرافة... رحلة شاملة في عالم الجمال
تتساءلين في لحظة صدق: هل أنا فعلاً أعتني بنفسي كما يجب؟ أم أنني مجرد وريثة لعادات جمالية ربما لم تخضع يوماً لأي اختبار علمي؟ لا تخجلي من طرح هذا السؤال على نفسك، بل اعتبريه بداية نضج حقيقي في رحلتك مع الجمال والعناية، نحن النساء نرث الجمال من أمهاتنا ليس فقط في الملامح، بل أيضاً في الطقوس: خلطات، وصفات، أسرار تنقل همساً، وكأنها رموز مقدسة لا يجوز التشكيك بها، لكن في زمن أصبحت فيه المعلومة متاحة، والبحث العلمي مرجعاً، لم يعد من الحكمة أن نثق ثقة عمياء في كل ما يقال لنا باسم "الطبيعة" أو "التراث". هذا الموضوع ليس دعوة للتمرد على تاريخنا الجمالي، ولا هو إنكار لفاعلية بعض الموروثات، بل هو محاولة هادئة، ناضجة، وصادقة لفهم الوصفات الشعبية بعين الباحثة، لا بعين المتلقية. سنخوض معاً رحلة طويلة نتتبع فيها أثر أشهر الوصفات الشعبية بين الجدات ، نختبرها في ضوء العلم، ونفهم لماذا نجحت بعضها، ولماذا تسبب البعض الآخر في كوارث جلدية لم يفصح عنها أحد. سنكشف الخرافات التي تنتحل صفة "الخلطات السحرية"، ونؤكد على ما أثبته الطب والبحوث من وصفات شعبية بين الفعالية والخرافة، لأنك لا تستحقين أقل من الحقيقة، ولا يليق بك أن تكوني ساحة تجارب في زمن المعرفة. لماذا نلجأ إلى الوصفات الشعبية رغم تعدد المنتجات الحديثة؟ الرغبة في العودة للطبيعة: مع كثرة المنتجات الكيمائية، يشعر الكثير منا بالراحة حين نستخدم شيئاً مألوفاً من الطبيعة، كالعسل أو الحليب أو الأعشاب. عامل الثقة العاطفية: الوصفات الطبيعية غالباً ما ترتبط بصورة "المرأة الجميلة في ذاكرة الطفولة"، كأمك أو جدتك، مما يخلق في داخلنا ثقة مبنية على الحنين لا على الحقائق. سهولة الحصول على المكونات: معظم الخلطات لا تتطلب الذهاب إلى الصيدلية أو المتجر المتخصص، بل إن معظمها من مكونات موجودة في مطبخك. الميزانية المحدودة: كثير من النساء، خاصة في فترات الدراسة أو بداية الزواج، لا يمتلكن رفاهية اقتناء منتجات العناية بالبشرة الفاخرة، فيلجأن للوصفات المنزلية كبديل اقتصادي. الوصفات التي ثبتت فاعليتها... إرث من ذهب الحناء للشعر مفعولها: تلوين طبيعي، تقوية الشعر، تقليل القشرة. الحقيقة العلمية: تحتوي الحناء على مواد مضادة للبكتيريا، وتعرف بقدرتها على تقوية جذور الشعر وتحسين الدورة الدموية في فروة الرأس. تحذير: الحناء التجارية أحياناً تكون مخلوطة بمواد كيميائية، اختاري دائماً الحناء العضوية النقية. العسل للبشرة والجروح مفعوله: ترطيب، تطهير، التئام الجروح، محاربة البكتيريا. الحقيقة العلمية: العسل المستخدم طبياً (مثل "عسل المانوكا") يستخدم في المستشفيات لعلاج الجروح البسيطة، ويدخل في مكونات كريمات عالمية مرموقة. زيت الزيتون للشعر والبشرة مفعوله: يغذي زيت الزيتون الشعر ويمنحه لمعاناً، كما يرطب البشرة ويقي من الجفاف. الدليل العلمي: غني بالفيتامينات A وE، مضاد للأكسدة، ويعتمد عليه في العناية بالبشرة الجافة والمتحسسة. الزبادي لتقشير البشرة مفعوله: ينعم البشرة، ويستخدم في خلطات التفتيح الطبيعية. الحقيقة العلمية: يحتوي على حمض اللاكتيك الذي يعمل كمقشر لطيف ويحسن مظهر البشرة. يمكنك التعرف أيضاً إلى الوصفات التي تعد خرافات رغم شهرتها الليمون لتفتيح البشرة الخرافة: أنه يفتح البشرة خلال أيام. الواقع: الليمون حمضي جداً، يسبب التهابات وتصبغات، خصوصاً عند التعرض لأشعة الشمس بعد استخدامه. معجون الأسنان للحبوب الخرافة: يجفف البثور بسرعة. الواقع: يحتوي على مواد مثل الفلور والنعناع والكحول، والتي قد تحرق الجلد وتتسبب بتلف دائم. الكركم + النشا + الليمون لتبييض الوجه الفوري الخرافة: نتائج "مذهلة" من أول استخدام. الواقع: قد تؤدي إلى تحسس والتهابات، خاصة للبشرة الحساسة، كما أن التفاعل بين هذه المواد لا يناسب كل أنواع البشرة. الفازلين لتطويل الرموش الخرافة: يحفز نمو الرموش. الواقع: لا يحتوي على أي محفز لنمو الشعر، وهو فقط مرطب، وقد يسبب انسداد المسام حول العين. كيف تكتشفين الفرق بين الفعّال والوهمي؟ الخطوة الأولى: لا تجربي شيئاً لأن صديقتك جربته وقالت إنه ممتاز. الخطوة الثانية: ابحثي إن كان هناك دراسة علمية أو طبيب متخصص يوصي به. الخطوة الثالثة: اختبري الخلطة على جزء صغير من الجسم وانتظري 24 ساعة. الخطوة الرابعة: احذري أي خلطة تعدك بنتيجة فورية. الخطوة الخامسة: لا تخلطي أكثر من 3 مكونات في وصفة واحدة إن لم تكوني واثقة. كيف نتصالح مع تراثنا الجمالي بعقلانية؟ نبقي الجميل ونترك المؤذي: لا حاجة لأن نعادي الطبيعة أو نقدسها، الاعتدال والبحث هما طريقنا الأفضل. نعيد إنتاج التراث علمياً: نأخذ الخلطة ونعرضها على الطب الحديث، ونعيد تطويرها لتناسب بشرتنا اليوم، في بيئة مختلفة وتغذية مختلفة وعوامل يومية مختلفة تماماً عن حياة الجدات. نشجع مشاركة التجارب الحقيقية وليس فقط الصور المعدلة على السوشيال ميديا.


الرياض
منذ 4 ساعات
- الرياض
تبطون.. هم بلا عيوب
النقد السلبي في الطفولة يجعل الشخص يميل إلى نزعة الكمال، والقول إنه بلا أخطاء، ولكن لغة أجسادهم تفضحهم، والعقد موجودة لديهم، وإن أخفوها بإطار زجاجي من الصلابة النفسية، وسيخفقون حتماً أمام أول اختبار يقيس قدرتهم على ضبط أعصـــــابهم، وتظهر شخصياتهم الانفعـــــالية سريعة الغضب والعدوانية.. أوضحت دراسة محلية نشرت عام 2017، أن 45 % من الأطفال السعوديين قد تعرضوا لشكل من أشكال الإيذاء والعنف في حياتهم، و12 % من هؤلاء كان التصرف يمارس عليهم بشكل دائم، والإساءات الكلامية أو العنف اللفظي، يصنفان باعتبارهما الأخطر في هذا الجانب، لأنهما يستمران مع الشخص طوال عمره، وفيهما تفسير لحالات الرهاب الاجتماعي، الذي يمثل سلوكا ملحوظا عند نسبة مرتفعة من مواطني المملكة، لأنه يأتي مؤطرا بالعــــادات والتقاليد، وبالسلوكيات المفروض السير عليها في المناسبات المختلفة، وفي مغامرة البحث عن المثالية المطلوبة، يحاول الشخص الابتعاد عن طاولة النقد والتشريح الاجتماعي، من قبل أبناء القبيلة أو العائلة، ولعل أكثر الإســــاءات اللفظية حضـــــورا في المشهد السعودي، تدخل من باب علـــوم المرجلــــة، وحسن التــــدبير للمرأة، والسناعة والذرابة، ولا بأس من استخدام الدين والرحم كعباءة لتجميلهــــــا، إذا لزم الأمـــــر، ومعها جملة من الألفاظ والتصرفات الجاهلية، التي لا تنفع إلا صاحبها أو "لابته"، وجماعة "تبطون ما تلقون فينا ولا عيب"، وتأتي من باب تسول المصادقة والاحتفاء المجتمعي. الأصعب أن دراسة أميركية حذرت من ذلك، وقد تم نشرها في 2023، ورأت أن صراخ الكبار على الصغار، يفوق ضرر الاعتداء الجنسي والجسدي، وأنها يمكن أن تظهر في شكل اضطراب عقلي في المستقبل، وقد تدفع الأطفال لارتكاب الجرائم، أو تعاطي المخدرات، ومن يتعرضون لإساءات لفظية في مرحلة الطفولة، وتحديدا بعد سن الخامسة، لأنهم لا يعرفون المقصود بها قبل ذلك، وقد أوضحت دراسة أجرتها جامعة فلوريدا مؤخرا، وتناولت في موضوعها العنف اللفظـــي، أن توجيه السباب والشتائم للأطفال، يجعلهم معرضين للاكتئاب بمعدل الضعفين مقارنة بغيرهم، وقد تظهر عليهم سلوكيات معادية للمجتمع، وحتى تكسير ألعابهم التي يميلون إليها أمامهم، ومعها الإفراط في الانتقاد السلبي لهم، وفضفضة الأم والأب غير المقيدة للأبناء الصغار، فيما يخص تجاوزات أحدهم على الآخر، كلها تمثل إساءه وعنف لفظي عليهم، وتعبر عن شكل مرضي للعلاقة بين الأهل وأبنائهم. منظمة الصحة العالمية، واستنادا لتقريرها في 2025، أشارت إلى أن الإهمال والإساءات اللفظية، تعتبر من أكثر صور الإساءة للأطفال انتشارا في العالم، وتمثل ما نسبته 54 % من الحالات المؤكدة للعنف ضدهم، ولاحظ المختصون أن الأطفال الذين يعانون من ضغط نفسي متواصل، بفعل التعنيف اللفظي، يصابون بأمراض مزمنة عند تقدمهم في العمر، كأمراض القلب والأورام، وقد تتطور لديهم متلازمة تعرف باسم الفايبرو أو التعب المزمن، وآلام صداع مزمنة، وآلام في المفاصل والعامود الفقري، وبالأخص في الرقبة، وعندما قامت دراسة أميركية نشرت في 2014، بتصوير أدمغة الأطفال المعنفين لفظيا، بواسطة جهاز الرنين المغناطيسي، وجدت زيادة لديهم في المادة الرمادية، وخصوصا في المناطق المسؤولة عن السمع واللغة، ما يعني أن هذا النوع من العنف يؤثر في قدراتهم العقلية. الإساءة اللفظية للأطفال من قبل الوالدين، قد تحولهم إلى شخصيات زائفة، وتولد لديهم الإحساس بضرورة إرضاء الآخرين، ولو على حساب ذواتهم، وقد يربطون الجدارة والاستحقاق بالكذب والنفاق، وإسماع الناس ما يرغبون في سماعه، وكأنهم يعملون في مكاتب لخدمة العملاء، أو أن يكون لديهم ما يسمونه بفوبيا الحميمية، والمعنى أنهم يضعون مساحة فاصلة بينهم وبين المحيطين بهم، ويسطحون علاقاتهم مع الآخر، لأنهم يعتقدون أن الناس إذا اقتربوا منهم سيكرهونهم، تماماً مثلما فعل والديهم، والشيء نفسه يحصل في مؤسسة الزوجية، وهو تصور مغلوط ومتوهم. ليس هناك خطاب نفسي معقم وبلا أخطاء بين الوالدين وأبنائهم، وإن وجد فإنه مجرد تمثيل، فالعلاقة الوالدية ليست معسكر تدريب عسكريا، ولا يجب أن تكون، والمفروض أن لا تتحول مهام الوالدين إلى احتكار نرجسي أناني مشغول بالرغبة في الامتلاك، وبصناعة أبنـــاء يعــــانون من نقص فـي الثقة بالنفس، ويشعرون بالدونية وأنهم بلا قيمة، لأنهم أفهموهم أن النجاحات لا تحدث إلا نتيجــــــة لتدخلات الوالد أو الوالدة، وإذا اعتمد الطفل على قدراته وحدها فإنه سيفشل، وأطفال العـــوائل النرجسية، لا ينتجون ويقادون ولا يصلحون كقادة، وإن تظاهروا، ولا يعرفون الحدود ما بين الأمور الشخصية والعامة، ويوقعون من يثق بهم في إحراجات كثيرة وكارثية. حتى السعوديين والسعوديات ممن يعتقدون أن شخصياتهم سوية، من الأجيال السابقة، رغم أنهم مروا بقسوة في التربية، هم في الواقع ليسوا كما يقولون، فالنقد السلبي في الطفولة، يجعل الشخص يميل إلى نزعة الكمال، والقول إنه بلا أخطاء، ولكن لغة أجسادهم تفضحهم، والعقد موجودة لديهم، وإن أخفوها بإطار زجاجي من الصلابة النفسية، وسيخفقون حتماً أمام أول اختبار يقيس قدرتهم على ضبط أعصـــــابهم، وتظهر شخصياتهم الانفعـــــالية وسريعة الغضب والعدوانية، والسابق يأتي من أزمات الطفولة مع الوالدين أو أحدهما، ولا بد أن يتعامل الوالدان بأريحية مع أخطائهم التربوية، ولا يتحسسون من الاعتذار المدروس، الذي يساعد أبناءهم في تكوين خبرات جيدة، تفيدهم في مواجهة تحديات الحياة.


الرياض
منذ 4 ساعات
- الرياض
الضجيج والإغراق المعلوماتي
تتوالى العناوين وتتكرر المشاهد، فيما تتلاشى القدرة على التعاطف والفهم العميق. الأخبار تُغدَق علينا طواعية عبر شاشاتنا، حتى أصبح القلق خلفية ثابتة لبعض تجاربنا اليومية. والأدهى من ذلك، إعادة تدوير هذه المحتويات عبر المنصات الرقمية ومجموعات التواصل، حيث تُستعاد المواقف المؤلمة بصيغ مختلفة، فتُستهلك أكثر مما تُفهم، وتُبثّ أكثر مما تُهضَم، وهكذا تُستنزف النفوس، وتُرهق المشاعر، ويبهت الحسّ. في خضم هذا السيل اللامتناهي من الأخبار والصور والمقاطع المقلقة، يشعر البعض أحياناً بالغرق في هذا الفيض. أظهرت دراسة نُشرت عام 2022 في مجلة بلس وان البحثية أن التعرض المفرط للمحتوى السلبي يرفع مستويات القلق والاكتئاب ويزيد من التوتر المزمن. وفي تقرير أصدرته الجمعية الأمريكية لعلم النفس عام 2023، أشار 70 % من المشاركين إلى شعورهم بالإرهاق من كثرة الأخبار السلبية، بينما أكد 56 % تأثر صحتهم النفسية سلباً نتيجة لذلك. لكن التأثير لا يقتصر على الانزعاج المؤقت، فقد كشفت دراسة من جامعة مونتريال عام 2021 أن التعرض المتكرر لمحتوى صادم يرفع مستوى هرمون الكورتيزول، مما يؤدي إلى ضعف النوم، وتسارع دقات القلب، وضعف المناعة. ربما يفسر هذا تفشي الأرق والإرهاق المزمن وتقلب المزاج في بيئات مُثقلة بالضجيج المعلوماتي. ولعل الكثيرين قد اختبروا ذلك بأنفسهم، إذ بعد تصفح مطول في نهاية اليوم، والتنقل بين أخبار النزاعات والكوارث والجرائم، يتسلل شعور بالضيق رغم عدم حدوث شيء "شخصياً" سلبي. وعلى الصعيد المجتمعي، خلُصت دراسة من جامعة كامبريدج عام 2021 إلى أن التعرض المزمن للمحتوى الحزين يقلل من قدرة الإنسان على التعاطف ويولد نوعًا من التبلد الشعوري. كما أوضحت مجلة علم الاتصال في بحث منشور عام 2019 أن التكرار المفرط لأخبار العنف والفساد يضعف الثقة الاجتماعية ويعزز مشاعر العزلة واللامبالاة. أما دراسة جامعة كولومبيا البريطانية عام 2020 فأشارت إلى أن التعرض المستمر للمحتوى السلبي يجعل الأفراد أكثر تردداً وأقل رغبة في خوض تجارب جديدة. إنها حالة من الشلل الوجداني، لأن صورته أصبحت مألوفة حدّ الخدر. وكما يُقال: "الخوف لا يمنع الموت، لكنه يمنع الحياة." تتسابق المجتمعات على مشاركة الألم أكثر من مشاركتها للفهم والبهجة، فتتضاعف الحاجة إلى مسؤولية معرفية ونفسية وضرورة لراحة البال. المعلومة حين تُسكب على عقل لم يُحصّن قد تتحول إلى عبء يثقل النفوس. قد تمر فكرة واحدة ثاقبة، أو كلمة بسيطة لا تلفت الانتباه، لكنها توقظ في عقل حاضر بذور تغيير عميق. فالأثر لا يُقاس بالكم، بل بالعمق، ومن لم ينتقِ ما يعرض عليه وعيه، لا يملك السيطرة على ما يفرزه وجدانه. وكما قال الجاحظ قبل قرون: "من لم يزن ما يسمع بما يعقل، فليس بعاقل." في إحدى الورش المدرسية، طُلب من الطلاب رسم ما يتخيلونه حين يسمعون كلمة "العالم". فاجأت الإجابات المعلم؛ معظم الرسومات كانت لحرائق ودمار وبكاء وسفن تغرق. وعندما سُئل أحدهم لماذا، أجاب ببساطة: "هكذا يبدو لي العالم من التلفاز." هذا الطفل لا يعيش في منطقة حرب أو بيئة مضطربة، لكنه يعيش في عصر قد تصبح فيه الصورة أقوى من الواقع. مع كل ذلك، ليس المطلوب الانغلاق أو دفن الرأس في الرمال. فبعض المحتويات الصادمة قد تحفّز الفعل الإيجابي وتوقظ ضميراً خامداً أو إحساساً بالمسؤولية، لكن الفرق شاسع بين الوعي بالحدث والغرق في صداه. علاقتنا بالمعلومة تحتاج إلى تهذيب، وتوازن، وانتقاء، وفهم. قد يكون من الأنسب تخصيص أوقات محددة لمتابعة الأخبار بدلاً من الاستهلاك المستمر والعشوائي، والابتعاد المؤقت عن الشاشات والمحتوى الإخباري بين الحين والآخر بما يُعرف بـ"الصيام الرقمي"، وتنويع مصادر المعلومات لضمان رؤية متوازنة وحيادية، والتمييز بين المحتوى المفيد والمرهق، وفلترة ما يُعاد نشره، وتعزيز المحتوى الإيجابي في بيئات الأسرة والعمل، خاصة لكبار السن أو من يعانون من قلق مزمن، وتعليم الأطفال والمراهقين كيفية التفريق بين ما يجب الاطلاع عليه وما يمكن تجاوزه دون ضرر أو تأنيب. الضجيج المعلوماتي لن يتوقف، لكن وعينا بكيفية التعامل معه يصنع الفرق. فالحياة، بكل ما فيها من تحديات، تستحق أن تُعاش بصفاء لا بقلق، وبفعل لا بشلل. وما يُعرض علينا لا يجب أن يسكننا، وما نراه لا ينبغي أن يبتلعنا. من يفرط في استقبال كل شيء قد يفقد القدرة على الشعور بأي شيء، ومن لا يملك انسحابه، لا يملك حضوره.