
الآلام العظيمة لا تتقادم
كنت أقول لنفسي إني كسول لا أصلح لشيء، الحماس يزورني لحظة ويغيب دهورًا! والثقة؟ غريبة عني، تمامًا كالغربة نفسها.. لكنها كانت ترى شيئًا آخر؛ كانت تجلس أمامي بملامح لا تنسى، وجهها هادئ كما لو أنها جاءت من سلام لا أعرفه، عيناها دائمًا فيهما شيء من التصديق، كأنها ترى مستقبلي من نافذة لا أملك مفتاحها.
كانت تبتسم وتقول بصوتها الذي يشبه المطر إذا خف: "أنت ما زلت صغيرًا على الاستسلام.. عندك شيء، وأنا أراه حتى لو لم تره أنت، يومًا ما سترى نفسك بعيوني. وحينها، سأكون أول من يصفق لك." وكنت أصدقها، لا أدري لماذا.. ربما لأن نبرة صوتها كانت تقول الحقيقة أكثر من كلماتها.. ربما لأن عينيها لم تكذبا يومًا.
شيئًا فشيئًا بدأت أتحرّك، كان الانتصار بطيئًا لا صاخبًا، أشبه بخطوات طفل يتعلم المشي للمرة الأولى. كنت أتعثر كثيرًا، وكانت هي تمسك بي، لا لتمنع السقوط، بل لتعلّمني كيف أنهض.
أذكر ليلة انهياري الكبرى، حين قررتُ التخلّي عن كل شيء: الجامعة، والحلم، وحتى نفسي.. وجدتني جالسًا على الأرض، ظهري للحائط، وقلبي أيضًا. جلست أمامي بصمت، مدت يدها، لمست جبيني، وقالت بهدوء لا يشبه أي شيء في هذا العالم: "تخلَّ عن تعبك، لكن لا تتخلَّ عن نفسك.. أنا معك، حتى وإن كنت في أسوأ حالاتك، بل حتى في أسوأ حالاتك."
كنت أتنفس بها! وإن كنت أعيش، فذلك لأنني كنت أراها تشبه الحياة كما كنت أتمنّاها.
ووصلت.. في يوم تكريمي، أمسكت التذكار بيد ترتجف، لا من الخوف، بل من شوق لأن أقول لها: "لقد فعلتها.. كما قلت تمامًا." كانت تجلس بين الحضور، تصفق بحرارة، عيناها تدمعان لكنها كانت تبتسم، كما تفعل دائمًا حين تكون فرحتها أكبر من قدرتها على التعبير.
إعلان
غادرت الحفل قبلي، عائدة من الطريق ذاته الذي سلكناه معًا مئات المرات، لكنها لم تصل.. حادث بسيط، لحظة غفلة، سيارة فقدت توازنها على منحنىً نحفظه جيدًا.. انتهى كل شيء بسرعة رسالة هاتف، وببطء انهيار حياة.
في اليوم التالي، وقفت أمام مرآتي.. لم أر نفسي، لم أر صورتي، لم أر إلا انعكاسًا باهتًا لفتاة كانت تؤمن بي أكثر مما فعلت أنا.
حين حان وقت الرحيل، لم أستطع أن أنظر إليها، لم أستطع أن أواجه حقيقة الوداع.. عانقتها بصمت، بكل ما في قلبي من خشية وحنين.. أسمح لنفسي أن أنظر خلفي، لأنني أكره دموع الوداع، وأكره يدًا تلوح بمغادرة، وكأنها تسرق روحي معها
مر عام.. في ذكرى رحيلها، زرت مكاننا المفضل، جلست على المقعد ذاته الذي كانت تجلس عليه، وضعت بجانبي ذكرياتي وأحلامي معها. نظرت إلى السماء، وقلت: "أصبحت أراك كلما نظرت إلى نفسي! نجحت، لكن ليس وحدي. كنتِ معي.. وما زلتِ."
تذكرت اللقاء الأول.. في ذلك اليوم، جلسنا معًا، كأن الزمن توقف عندنا، أو بدأ يركض، لا أدري! كانت الكلمات تتدفق مني كجدول عذب، لكنها كانت تختلط أحيانًا بالتردد، والضياع في خواطري. قلت أشياء متناقضة، كالرياح التي تعانق الأشجار ثم تصفعها، فقط لأخفف من ثقل الصمت الذي كاد يخنقني.
كانت تضحك، تضحك لي حين أرتبك، حين تتلعثم كلماتي، فتشرق عيناها بابتسامة صامتة تقول: "أنا هنا، لا تخف.".. أثرثر، وأقول أشياء لا أفهمها، الشيء ونقضيه، أتحدث في كل شيء؛ العلاقات الدولية.. الفن والمسرح.. الطرب العربي.. الرياضة.. فقط لأُبقي اللحظة حيّة، لأملأ الفراغ الذي قد يتسلل بيننا. وكلما استمررت، كانت تزداد قربًا، لا بالكلام، بل بنظرتها التي تراني كما لم يرَني أحد من قبل.
حين حان وقت الرحيل، لم أستطع أن أنظر إليها، لم أستطع أن أواجه حقيقة الوداع.. عانقتها بصمت، بكل ما في قلبي من خشية وحنين.. أسمح لنفسي أن أنظر خلفي، لأنني أكره دموع الوداع، وأكره يدًا تلوح بمغادرة، وكأنها تسرق روحي معها.
رحلت وأنا لا أزال أشعر بأن ذلك العناق لم يكن وداعًا، بل وعدًا.. وعدًا أنني لن أكون وحيدًا أبدًا.
الناس يقولون لي: "الحياة لا تتوقف"! لكنهم لم يكونوا هناك، حين قالت لي في أضعف لحظاتي: "أنا أؤمن بك، حتى حين لا تؤمن بنفسك."
منذ رحيلها عن دنيا الناس، لم أغير شيئًا في البيت.. ثوبها الأزرق ما زال معلقًا خلف الباب، كما تركته في صباح عادي لا يُنسى..
عطرها يملأ الغرفة، كأنّه لا يريد أن يفقدها.. فنجانها الصغير ما زلت أضعه كل صباح على الطاولة المقابلة؛ كأنها ستدخل وتقول لي كما كانت تفعل دائمًا: "قهوتك ناقصة سكر، كالعادة."
وفي الدرج الصغير، نحتفظ بدفترنا الذي لم يكتمل.. في الصفحة الأولى، كتبنا اسم طفلنا الأول: "غسان"، اسم لم نختلف عليه بعد نقاش طويل وضحكات كثيرة، كنت أميل لاسم آخر، لكنها قالت لي حينها بضحكتها التي لا تُنسى: "غسان يشبهك.. عنيد، وفيه من الحنين أكثر مما يُظهر."
هي لم تكن مجرد امرأة في حياتي.. كانت الضوء، والدافع، والطريق.. كانت تقول دائمًا: "أنا لا أريد أن أغيّرك، فقط أريدك أن ترى كم أنت قادر." وأنا.. كنت أرى نفسي من خلالها.
الناس يقولون لي: "الحياة لا تتوقف"! لكنهم لم يكونوا هناك، حين قالت لي في أضعف لحظاتي: "أنا أؤمن بك، حتى حين لا تؤمن بنفسك."
أحيانًا، أسمع صوتها.. في وقع المطر، في ضوء النافذة الخافت، في الصمت الذي يلي الليل.. وأحيانا، حين أكتب، أجد كلماتها تتسلل إلى قلمي دون إذن.
تركت الباب مواربًا منذ رحيلها، ليس لأنني أظن أنها ستعود، بل لأنني لا أقدر أن أغلق بابًا كانت تمر منه كل يوم.
الآلام العظيمة لا تتقادم.. بل تتشكل، وتصبح جزءًا منك.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
الآلام العظيمة لا تتقادم
كلما نظرت في المرآة رأيت شابًّا ضائعًا، لا أقول تائهًا فقط، بل منهزمًا، يلهث خلف أحلام لا تؤمن حتى بوجوده! فكيف كنت سأؤمن أنا بها؟ كنت أقول لنفسي إني كسول لا أصلح لشيء، الحماس يزورني لحظة ويغيب دهورًا! والثقة؟ غريبة عني، تمامًا كالغربة نفسها.. لكنها كانت ترى شيئًا آخر؛ كانت تجلس أمامي بملامح لا تنسى، وجهها هادئ كما لو أنها جاءت من سلام لا أعرفه، عيناها دائمًا فيهما شيء من التصديق، كأنها ترى مستقبلي من نافذة لا أملك مفتاحها. كانت تبتسم وتقول بصوتها الذي يشبه المطر إذا خف: "أنت ما زلت صغيرًا على الاستسلام.. عندك شيء، وأنا أراه حتى لو لم تره أنت، يومًا ما سترى نفسك بعيوني. وحينها، سأكون أول من يصفق لك." وكنت أصدقها، لا أدري لماذا.. ربما لأن نبرة صوتها كانت تقول الحقيقة أكثر من كلماتها.. ربما لأن عينيها لم تكذبا يومًا. شيئًا فشيئًا بدأت أتحرّك، كان الانتصار بطيئًا لا صاخبًا، أشبه بخطوات طفل يتعلم المشي للمرة الأولى. كنت أتعثر كثيرًا، وكانت هي تمسك بي، لا لتمنع السقوط، بل لتعلّمني كيف أنهض. أذكر ليلة انهياري الكبرى، حين قررتُ التخلّي عن كل شيء: الجامعة، والحلم، وحتى نفسي.. وجدتني جالسًا على الأرض، ظهري للحائط، وقلبي أيضًا. جلست أمامي بصمت، مدت يدها، لمست جبيني، وقالت بهدوء لا يشبه أي شيء في هذا العالم: "تخلَّ عن تعبك، لكن لا تتخلَّ عن نفسك.. أنا معك، حتى وإن كنت في أسوأ حالاتك، بل حتى في أسوأ حالاتك." كنت أتنفس بها! وإن كنت أعيش، فذلك لأنني كنت أراها تشبه الحياة كما كنت أتمنّاها. ووصلت.. في يوم تكريمي، أمسكت التذكار بيد ترتجف، لا من الخوف، بل من شوق لأن أقول لها: "لقد فعلتها.. كما قلت تمامًا." كانت تجلس بين الحضور، تصفق بحرارة، عيناها تدمعان لكنها كانت تبتسم، كما تفعل دائمًا حين تكون فرحتها أكبر من قدرتها على التعبير. إعلان غادرت الحفل قبلي، عائدة من الطريق ذاته الذي سلكناه معًا مئات المرات، لكنها لم تصل.. حادث بسيط، لحظة غفلة، سيارة فقدت توازنها على منحنىً نحفظه جيدًا.. انتهى كل شيء بسرعة رسالة هاتف، وببطء انهيار حياة. في اليوم التالي، وقفت أمام مرآتي.. لم أر نفسي، لم أر صورتي، لم أر إلا انعكاسًا باهتًا لفتاة كانت تؤمن بي أكثر مما فعلت أنا. حين حان وقت الرحيل، لم أستطع أن أنظر إليها، لم أستطع أن أواجه حقيقة الوداع.. عانقتها بصمت، بكل ما في قلبي من خشية وحنين.. أسمح لنفسي أن أنظر خلفي، لأنني أكره دموع الوداع، وأكره يدًا تلوح بمغادرة، وكأنها تسرق روحي معها مر عام.. في ذكرى رحيلها، زرت مكاننا المفضل، جلست على المقعد ذاته الذي كانت تجلس عليه، وضعت بجانبي ذكرياتي وأحلامي معها. نظرت إلى السماء، وقلت: "أصبحت أراك كلما نظرت إلى نفسي! نجحت، لكن ليس وحدي. كنتِ معي.. وما زلتِ." تذكرت اللقاء الأول.. في ذلك اليوم، جلسنا معًا، كأن الزمن توقف عندنا، أو بدأ يركض، لا أدري! كانت الكلمات تتدفق مني كجدول عذب، لكنها كانت تختلط أحيانًا بالتردد، والضياع في خواطري. قلت أشياء متناقضة، كالرياح التي تعانق الأشجار ثم تصفعها، فقط لأخفف من ثقل الصمت الذي كاد يخنقني. كانت تضحك، تضحك لي حين أرتبك، حين تتلعثم كلماتي، فتشرق عيناها بابتسامة صامتة تقول: "أنا هنا، لا تخف.".. أثرثر، وأقول أشياء لا أفهمها، الشيء ونقضيه، أتحدث في كل شيء؛ العلاقات الدولية.. الفن والمسرح.. الطرب العربي.. الرياضة.. فقط لأُبقي اللحظة حيّة، لأملأ الفراغ الذي قد يتسلل بيننا. وكلما استمررت، كانت تزداد قربًا، لا بالكلام، بل بنظرتها التي تراني كما لم يرَني أحد من قبل. حين حان وقت الرحيل، لم أستطع أن أنظر إليها، لم أستطع أن أواجه حقيقة الوداع.. عانقتها بصمت، بكل ما في قلبي من خشية وحنين.. أسمح لنفسي أن أنظر خلفي، لأنني أكره دموع الوداع، وأكره يدًا تلوح بمغادرة، وكأنها تسرق روحي معها. رحلت وأنا لا أزال أشعر بأن ذلك العناق لم يكن وداعًا، بل وعدًا.. وعدًا أنني لن أكون وحيدًا أبدًا. الناس يقولون لي: "الحياة لا تتوقف"! لكنهم لم يكونوا هناك، حين قالت لي في أضعف لحظاتي: "أنا أؤمن بك، حتى حين لا تؤمن بنفسك." منذ رحيلها عن دنيا الناس، لم أغير شيئًا في البيت.. ثوبها الأزرق ما زال معلقًا خلف الباب، كما تركته في صباح عادي لا يُنسى.. عطرها يملأ الغرفة، كأنّه لا يريد أن يفقدها.. فنجانها الصغير ما زلت أضعه كل صباح على الطاولة المقابلة؛ كأنها ستدخل وتقول لي كما كانت تفعل دائمًا: "قهوتك ناقصة سكر، كالعادة." وفي الدرج الصغير، نحتفظ بدفترنا الذي لم يكتمل.. في الصفحة الأولى، كتبنا اسم طفلنا الأول: "غسان"، اسم لم نختلف عليه بعد نقاش طويل وضحكات كثيرة، كنت أميل لاسم آخر، لكنها قالت لي حينها بضحكتها التي لا تُنسى: "غسان يشبهك.. عنيد، وفيه من الحنين أكثر مما يُظهر." هي لم تكن مجرد امرأة في حياتي.. كانت الضوء، والدافع، والطريق.. كانت تقول دائمًا: "أنا لا أريد أن أغيّرك، فقط أريدك أن ترى كم أنت قادر." وأنا.. كنت أرى نفسي من خلالها. الناس يقولون لي: "الحياة لا تتوقف"! لكنهم لم يكونوا هناك، حين قالت لي في أضعف لحظاتي: "أنا أؤمن بك، حتى حين لا تؤمن بنفسك." أحيانًا، أسمع صوتها.. في وقع المطر، في ضوء النافذة الخافت، في الصمت الذي يلي الليل.. وأحيانا، حين أكتب، أجد كلماتها تتسلل إلى قلمي دون إذن. تركت الباب مواربًا منذ رحيلها، ليس لأنني أظن أنها ستعود، بل لأنني لا أقدر أن أغلق بابًا كانت تمر منه كل يوم. الآلام العظيمة لا تتقادم.. بل تتشكل، وتصبح جزءًا منك.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
مسلسل الجريمة "القبة الزجاجية".. ذاكرة مشروخة وبيت من الكوابيس
في بلدة سويدية صغيرة تغطيها الغابات، وتخفي خلف هدوئها جريمة حدثت في الماضي، وتجددت في الوقت الحاضر، تدور أحداث مسلسل "القبة الزجاجية" Glass Dome، وهو مسلسل جريمة وتشويق نفسي من إنتاج نتفلكس. المسلسل من تأليف الكاتبة السويدية كاميلا لاكبيرغ، وأماندا هوغبيرج، وأكسيل ستيرنه، ومن إخراج هنريك بيورن وليزا فرزانه، ويعرض في ست حلقات مكثفة ومشحونة. يدور المسلسل حول ليلى نيس، التي تلعب دورها "ليوني فينسنت" الطبيبة الشرعية ومحللة السلوك التي تعود إلى مسقط رأسها بعد موت أمها بالتبني، لتظهر في الوقت نفسه جريمة اختطاف فتاة، تعيد إليها ماضيها المؤلم وذكريات اختطافها في طفولتها. يشارك في البطولة جون هيدنبرج في دور والدها بالتبني فالتر نيس، المحقق المتقاعد الذي يخفي سرا قاتلا. ينتمي المسلسل إلى نوعية أدب الجريمة والتشويق الإسكندنافي (Nordic noir) وهو نوع أدبي وتلفزيوني ظهر في دول شمال أوروبا وحقق شهرة واسعة بفضل أجوائه الخاصة وملامحه القاتمة وإيقاعه البطيء. ماذا لو سرق طفولتنا من أحببناهم؟ تبدأ الحلقة الأولى بعودة الطبيبة الشرعية ليلى نيس إلى بلدتها الهادئة بعد وفاة والدتها بالتبني، لكن عودتها سرعان ما تفتح أبوابا لأسئلة غامضة بلا إجابات، خصوصًا بعد مقتل صديقة طفولتها لويز في ظروف غامضة واختطاف ابنتها أليسيا. تتقاطع هذه الجريمة الحديثة مع ماض مؤلم تحمله ليلى، إذ تبدأ ذكريات اختطافها وهي طفلة بالظهور في مشاهد ضبابية ومشوشة. تعود تلك الصور إلى فترة حبسها في مكان مظلم وضيق، حيث تومض بين الحاضر والماضي دون ترتيب زمني، حتى يبدو للمشاهد أحيانًا، أن الطفلة المرتجفة قد تكون صورة من الذاكرة. أو ربما واقعا يتكرر من جديد. يتحول الزمن داخل المسلسل إلى مساحة هشة وغير مستقرة، حيث تتداخل شخصية المرأة التي تبحث عن الطفلة المختطفة مع الفتاة التي لم تتعافَ بعد من صدمة اختطافها. وكلما اقتربت ليلى من الحقيقة، شعرت بأنها تنجرف نحو القفص الزجاجي ذاته الذي لم تغادره يوما. هذا التداخل بين الماضي والحاضر لا يعزز فقط التشويق في الحبكة، بل يكشف أيضا عن هشاشة النفس البشرية حين تُجبر على التعايش مع صدمة لم تُشف منها تماما. بين التحقيق وذاكرة البطلة لا تتجه الحبكة فقط نحو فك لغز الجريمة الجديدة، بل تتوازى معها طبقات نفسية تتكشف تدريجيا داخل عالم البطلة الداخلي. فمع تصاعد التحقيق في مقتل لويز واختطاف الطفلة أليسيا، تتسلل الشكوك نحو الأب "سعيد"، الغريب عن البلدة، مما يكشف عن مستويات من التمييز الاجتماعي ضده، دون أن تُقال بوضوح، بل تتسلل في النظرات والكلمات العابرة. وفي العمق، تبدأ ذاكرة ليلى في الغوص أبعد من الحاضر، حيث تعود إلى ماضيها طفلةً متبناة، فتبدأ في التشكيك في الرواية الرسمية التي كبرت عليها. الذكريات لا تأتي واضحة، بل كظلال متقطعة: أبواب تُغلق، طفلة ترتجف في الظلام، انعكاس وجهها على زجاج بارد. شيء ما في هذه الصور يجعلها تتساءل: هل كانت طفولتها "المنقذة" حقا كذلك؟ أم أنها كانت سجنا مغلفا بالحنان الظاهري؟ تنمو هذه الشكوك لتطاول علاقتها بوالدها بالتبني، فتتأرجح بين مشاعر الحنان والخوف، كأن شيئًا غير معلن يخيم على علاقتهما، شيء لا يجرؤ أحد على قوله. يتحول النصف الأول من المسلسل إلى رحلة نفسية عبر ذاكرة ليلى، تستعيد فيها فصولًا من الطفولة المسكوت عنها، وتتفكك أمامها طبقات من الصمت المجتمعي والتواطؤ، وكأن ما كُبت في الماضي بدأ يطالب بحقيقته الآن. حين تتسلل الحقيقة عبر الذاكرة في الحلقة الرابعة والخامسة من المسلسل، تخرج الحقائق من الظل إلى النور، وتقترب ليلى من الإجابة التي تحاول الهرب منها، ولا يصبح التساؤل عمن ارتكب الجريمة فقط، ولكن من تستر عليها أيضا، وظل يحرس القفص الزجاجي سنوات، خاصة بعد ظهور شاهد في قضية الاختطاف الحديثة، يحمل ملامح ما، تذكرها بماضيها، ويحفز وجوده ذكريات أكثر وضوحا من ماضيها، لتدخل ليلى في دوامة تفقد فيها الزمن ويتداخل الماضي بالحاضر. يتصاعد توتر ليلى وتتزايد شكوكها، عندما تكتشف أنها محاطة بشبكة من الأكاذيب من كل من تحب. تتحول عائلتها الصغيرة إلى غرباء لا تعرفهم، وتزداد حدة الكوابيس وتتطابق مع ما يحدث في الواقع، ويتكرر ظهور الضوء الأبيض الذي يسلط بقوة على القفص الزجاجي، كإشارة بصرية إلى انكشاف السر القديم. في هاتين الحلقتين، تتساقط الأقنعة، وتنكشف الدوافع وتضيق دائرة الشك حول "فالتر" الأب بالتبني الذي ظهر أن حبه لليلى مجرد وهم كبير. تنجح ليلى كمحققة في إظهار الحقيقة، لكنها تنهزم كابنة بمعرفة نفس الحقيقة. الانفجار الأخير.. عندما تنكسر القبة يصل المسلسل إلى ذروته في الحلقة السادسة والأخيرة، ويتغير التساؤل ليصبح: كيف تحملت ليلى الكذبة سنوات؟ لم يكن الأب هو الحامي، لكنه كان السجان الذي عزلها في غرفة زجاجية، وأوهمها أنها هدية القدر له بعدما فقد ابنته. تنهار السردية التي عاشتها ليلى سنوات، وتتجلى القبة الزجاجية كرمز للامتلاك والحب المشوه، حينما يعرف المشاهد أن الأب الحنون بعد فقد ابنته البيولوجية، لم يستطع مواجهة الفجوة العاطفية التي حدثت داخله، فارتكب جريمة اختطاف ليلى، وعندما بدأت في الاستقلال عنه، أعاد ارتكاب الجريمة باختطاف إليسيا، لتعويض ذلك الاحتياج الدائم لوجود ابنة تحت سيطرته بالكامل.


الجزيرة
٢٤-٠٦-٢٠٢٥
- الجزيرة
دعوات من فنانين عرب لأمن قطر واستقرار المنطقة
في أعقاب التطورات الأخيرة في منطقة الخليج العربي، تفاعل عدد من الفنانين والمشاهير في الوطن العربي مع حادثة استهداف قاعدة العديد الجوية في قطر، التي تضم قوات أميركية، بهجوم صاروخي نُسب إلى إيران، وفق موقع أكسيوس عن مصادر أميركية. وعبّر الفنانون عن تضامنهم مع دول الخليج عبر منشورات على منصات التواصل الاجتماعي، دعوا فيها إلى حفظ أمن المنطقة واستقرارها، مؤكدين على أهمية وحدة الصف العربي في مواجهة التحديات والتصعيدات الراهنة. تفاعل الفنان الإماراتي حسين الجسمي مع التطورات الأخيرة في منطقة الخليج، حيث نشر عبر حسابه على إنستغرام صورة للعلم القطري، وأرفقها بدعاء قال فيه: "رب اجعل هذا بلدًا آمنًا". وفي منشور آخر عبر خاصية القصص المصورة (ستوري)، أعاد الجسمي نشر بيان دولة الإمارات الذي أدان استهداف دولة قطر، في تعبير عن تضامنه مع أمن واستقرار المنطقة. وأضاف "قطر في القلب والروح، نبضُها من نبضنا، وعزّها من عزّنا، وكلنا دونها ودون كل شبرٍ في الخليج، بأرواحنا". من جانبها، نشرت المطربة أحلام أعلام دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي عبر خاصية القصص المصورة، ورافقتها بدعاء قالت فيه: "اللهم اشغل من أراد بهم سوءا في نفسه"، وأضافت "اللهم استودعناك أمن خليجنا العربي". كما حرص المخرج والممثل الإماراتي حبيب غلوم على الدعاء لدول الخليج العربي عبر حسابه على إنستغرام، ودعا الله أن يصرف شر الفتن، وأن يحفظ قيادات الخليج. وكتب في دعائه: اللهم احفظ خليجنا وقياداتنا وشعوبنا بحفظك الذي لا يرام، وعينك التي لا تنام، اللهم إنا نستودعك أمنها وأمانها وسلامتها واستقرارها، فاجعلنا يا الله من الآمنين المطمئنين". View this post on Instagram A post shared by Habib Ghuloom AlAttar (@habibgalattar) إعلان كما دعت الفنانة إلهام علي، عبر حسابها الرسمي على منصة إكس، أن يحفظ الله قيادات الخليج والشعوب. وبدوره، تفاعل الكويتي يوسف العماني مع الأحداث، وكتب عبر إنستغرام: "اللهم أدم على الخليج نعمة الأمان واحفظهم بعينك التي لا تنام". كما حرصت المطربة بلقيس فتحي على الدعاء لقادة وشعوب الخليج عبر خاصية القصص المصورة على إنستغرام. وكتبت المطربة التونسية لطيفة عبر حسابها على إنستغرام: "اللهم احم بلادنا في الخليج، واحم أهلنا وناسنا هناك، والطف بنا، وتعدي هذه الأيام الصعبة على خير يا رب". View this post on Instagram A post shared by Latifa لطيفة التونسية (@latifaofficial) ودعا الممثل ومقدم البرامج السعودي فايز المالكي عبر حسابه على منصة إكس أن يحفظ الله قطر وشعبها. بينما نشرت الممثلة البحرينية زهرة عرفات أعلام مجلس التعاون لدول الخليج العربي عبر حسابها على إنستغرام، ودعت الله أن يجعل الخليج آمنا وبلاد المسلمين.