logo
المغرب: المعارضة البرلمانية توجه انتقادات حادة إلى الحكومة بسبب «اختلالات» القطاع الصحي… وأخنوش يؤكد «استمرار الإصلاح»

المغرب: المعارضة البرلمانية توجه انتقادات حادة إلى الحكومة بسبب «اختلالات» القطاع الصحي… وأخنوش يؤكد «استمرار الإصلاح»

القدس العربي ٠٩-٠٧-٢٠٢٥
الرباط ـ «القدس العربي»: في ظل الجدل المتواصل حول واقع المنظومة الصحية في المغرب، شهدت جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة بمجلس النواب نقاشا حادا بين نواب المعارضة وعزيز أخنوش، حيث انتقدت فرق برلمانية ما وصفته بالاختلالات العميقة التي تعيق إصلاح القطاع الصحي وتؤثر على عدالة الاستفادة من التغطية الصحية، في وقت شددت فيه الحكومة على التزامها بمواصلة الإصلاحات لضمان استدامة الخدمات الصحية وتحسين الولوج إلى العلاج.
واتهم عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، رئيس الحكومة خلال جلسة المساءلة الشهرية، بعدم الوفاء بالوعود المعلنة لإصلاح المنظومة الصحية، معتبرا أن مشروع 'الدولة الاجتماعية' الذي تتبناه الحكومة لم ينعكس بعد على أرض الواقع، واصفا السياسات الصحية الحكومية بكونها 'فوقية ومفصولة عن معاناة المغاربة اليومية'.
واستعرض النائب البرلماني المعارض عددا من الالتزامات التي لم تتحقق رغم مرور ثلاث سنوات على عمر الحكومة، مثل تعميم البطاقة الصحية الذكية، وتحسين ظروف العمل في المستشفيات العمومية، وتطوير خدمات مراقبة الحمل، وتوفير سيارات إسعاف مجهزة. واعتبر أن هذا الإخفاق يزيد من أزمة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة. كما أشار إلى استمرار الخصاص في الخدمات الأساسية، وغياب الأثر الفعلي للبرامج رغم الشعارات الرسمية المطمئنة.
ودق شهيد ناقوس الخطر بخصوص الموارد البشرية، متحدثا عن خصاص يفوق 30 ألف طبيب و65 ألف ممرض، بالإضافة إلى التوزيع غير العادل للكوادر الطبية، وهجرة مقلقة للكفاءات. وانتقد كذلك سيطرة القطاع الخاص على التمويل الصحي، لافتا إلى أن المصحات الخاصة تستهلك الجزء الأكبر من التأمين الصحي، رغم أنها لا توفر سوى ثلث الطاقة الاستشفائية.
وقال رشيد حموني، رئيس الفريق النيابي لحزب 'التقدم والاشتراكية' المعارض بمجلس النواب، إن رئيس الحكومة عزيز أخنوش لا يتحدث عن 8.5 مليون مغربي خارج التغطية الصحية، واستطرد: 'كنا ننتظر الحديث عن الفوضى في القطاع الخاص، لأن تخوفنا هو أن يفشل المشروع بسبب استنزاف الصناديق والنفخ في الفواتير' وفق تعبيره.
وأشار حموني إلى أن هناك بروتوكولات علاجية تقدم في القطاع الخاص لا يحتاجها المريض، والدليل أن 90 في المئة من المرجوعات تذهب للقطاع الخاص، في غياب بروتوكول علاجي موحد بين القطاعين العام والخاص.
وسجل حموني أن هناك دواء ثمنه 316 درهما (حوالي 30 دولارا) في المغرب بينما لا يتجاوز ثمنه 25 درهما في بلجيكا، ودواء آخر يكلف أكثر من 3000 درهم (حوالي 300 دولار) ثمنه في فرنسا 945 درهما (حوالي 91 دولارا)، وعلق: 'لم نعد نتحدث عن أي سيادة دوائية، والخطير في الأمر هو استيراد أدوية من بعض الدول دون أي مراقبة'.
بدورها، قالت فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن 'فدرالية اليسار الديمقراطي'، إن الحق في الصحة موجود فقط في خطابات الحكومة وليس له أثر على أرض الواقع، وأكدت أن القطاع الصحي في المغرب تحول إلى 'تجارة عنوانها البيع والشراء.'
وأشارت النائبة البرلمانية، إلى أن الكثير من الأدوية مقطوعة ومرضى السرطان يتعذبون مرتين، إحداها بالمرض والثانية بالأدوية التي لا يجدونها. ولفتت إلى أن مستشفيات كثيرة بالمغرب بدون أجهزة طبية، ومواعيد تقدم للمواطنين لشهور، وهناك أجهزة بمبالغ مالية باهظة جدا معطلة وصفقات غامضة ومشبوهة، ومستشفيات مخنوقة بالاكتظاظ، وكل هذا يدفع المغاربة دون رغبتهم إلى القطاع الخاص، ومع ذلك الحكومة لا تجد حرجا في التطبيل لـ 'إنجازات وهمية'.
وقال مصطفى ابراهيمي، النائب البرلماني عن المجموعة النيابية لحزب 'العدالة والتنمية'، إنه لا يمكن الحديث عن الحماية الاجتماعية إلا بالقطاع العمومي، لأنه الضامن الأساس لكرامة المواطنين والمواطنات، واتهم الحكومة بـ 'تبديد المالية العمومية، لأن ما بين 70 إلى 80 في المئة من أموال مشروع التغطية الصحية تذهب للقطاع الخاص' وفق تقديره.
وتابع: 'هذه الأموال الضخمة لا تذهب للمستشفيات العمومية، وعلى يد هذه الحكومة سيفلس المستشفى العمومي لأنه يتم حرمانه من الموارد'، لافتا الأنظار إلى 'تهجير المرضى للقطاع الخاص'، حيث أكد أن الحكومة تسعى وبإصرار غريب إلى تدمير الصناعة الوطنية الدوائية، وهذا ما ظهر في الإجراءات الضريبية الخاصة بقانون موازنة 2024.
وأطلق محمد أوزين، النائب البرلماني والأمين العام لحزب 'الحركة الشعبية' المعارض، صرخة تنديد بخطورة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المغرب، متوقفا عند أزمة الثقة الشاملة، وعنف الرمزية السياسية، وتردي الخدمات العمومية التي لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من حاجيات المواطنين. وأبدى تحسره عن واقع شباب مغربي 'تائه بين الأمل المؤجل واليأس المتسلل، يعيش تحت وطأة البطالة، والحيرة، وغياب الأفق. شباب يشعر أن لا أحد يصغي إليه، ولا أحد يفكر فيه'.
كما تحدث عن 'صحة أصبحت امتيازًا لا حقًا، وعن مستشفياتٍ تعاني، وأدويةٍ أسعارها تلتهب، ومرضى لا يجدون إلى العلاج سبيلا'، وتوقف عند معاناة 'كبار سن تقاعدوا عن العمل، لكنهم لم يتقاعدوا عن الانتظار… انتظار الكرامة، والاعتراف، والرعاية'.
ودق أوزين ناقوس الخطر حول ما أسماه 'تحويلًا غير معلن' للصحة العمومية نحو القطاع الخاص، مع ما يحمله هذا التوجه من مخاطر على العدالة الاجتماعية، وعلى مبدأ المساواة في الولوج إلى العلاج. واعتبر أن ما يجري هو انسحاب صامت للحكومة من التزاماتها الأساسية؛ خالصا إلى القول 'إن الحكومة لم تلتزم بما وعدت به، وإن خيبات الأمل تتراكم، والثقة تتآكل، والمواطنون لم يعودوا يصدقون الخطاب الخكومي، ولا الوعود الكاذبة المتكررة'.
وكان رئيس الحكومة عزيز أخنوش، قد أكد خلال العرض الذي قدمه بجلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب (الغرفة الأولى)، حول موضوع 'المنظومة الصحية الوطنية بين المنجزات الراهنة والتطلعات المستقبلية'، أن الحكومة تحرص، من خلال إصلاح منظومة الصحة، على استدامة منظومة التغطية الصحية، وذلك من خلال ضمان التوازن المالي المستدام لصناديق التغطية الصحية، عبر السعي نحو تبني سياسة دوائية فعالة، أخذا بعين الاعتبار أثر تكلفتها على المواطنين وعلى صناديق التأمين الصحي.
وأوضح، في هذا الإطار، أنه تم إحداث الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية، التي تشكل رافعة محورية لضمان السيادة الدوائية الوطنية، والتي ستتولى مسؤولية ضمان وفرة الأدوية والمنتجات الصحية، مع الحرص على سلامتها وجودتها.
وسجل أخنوش، أن الحكومة تستهدف في أفق سنة 2026، الرفع بصفة تدريجية من أعداد العاملين إلى أكثر من 90.000، بغاية تجاوز عتبة 24 مهنيا للصحة لكل 10.000 نسمة، في أفق رفعها إلى 45 بحلول سنة 2030. من جهة ثانية، سجل رئيس الحكومة، أنه تم الرفع من عدد المناصب المالية المخصصة لقطاع الصحة، والتي عرفت تطورا تدريجيا انتقل من 5.500 منصب خلال سنوات2021، 2022، 2023 و2024، إلى 6.500 منصب في سنة 2025 لتبلغ عددا إجماليا يقدر بـ 23.000 منصب.
وسجل أنه تم إطلاق سياسة طموحة لمراجعة وتخفيض أثمان الأدوية، عبر إقرار إجراءات جريئة، كان أبرزها الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة، سواء عند الاستيراد أو على المستوى الداخلي، وهو ما أدى إلى خفض أسعار أكثر من 4.500 دواء جنيس. كما أكد أن الحكومة بذلت جهودا جبارة لتعزيز التمويل اللازم لهذا الإصلاح، حيث تم العمل على رفع ميزانية قطاع الصحة بشكل غير مسبوق. إذ انتقلت من 19.7 مليار درهم في عام 2021 إلى 32.6 مليار درهم في عام 2025، أي بزيادة تفوق 65 في المئة خلال الولاية الحكومية الحالية، ما يؤكد على جدية التزامات الحكومة، ويعبر عن إرادتها السياسية الحقيقية في إحداث تحول هيكلي للقطاع الصحي، حسب تعبيره.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"يونيسف": أكثر من 600 ألف طفل سوري يعانون سوء التغذية الحاد
"يونيسف": أكثر من 600 ألف طفل سوري يعانون سوء التغذية الحاد

العربي الجديد

timeمنذ 4 ساعات

  • العربي الجديد

"يونيسف": أكثر من 600 ألف طفل سوري يعانون سوء التغذية الحاد

أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة " يونيسف " عودة نحو 1.6 مليون نازح سوري من الداخل إلى مناطقهم الأصلية منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مشيرةً إلى أنّ أكثر من نصفهم هم من الأطفال. وقالت المنظمة في تقريرها بشأن الوضع في سورية خلال النصف الأول من العام الجاري، الذي نُشر أمس الاثنين، إنّ هناك 16.5 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية في سورية، بينهم 7.4 ملايين طفل. وحذّرت المنظمة من أن استمرار النزاع، والألغام، والجفاف، والتدهور الاقتصادي، كلها عوامل تفاقم الأوضاع، خصوصاً في الشمال الشرقي والجنوب. وبحسب بيانات المنظمة، فإن أكثر من 600 ألف طفل سوري دون سن الخامسة، يعانون من سوء التغذية الحادّ، بينهم 177 ألف يعانون من "الهزال الشديد". ونبّهت "يونيسف" إلى أن سورية تمرّ بأسوأ موجة جفاف منذ 36 عاماً، ما أدّى إلى انخفاض محصول القمح، وتعطّل إمدادات المياه. وأشارت إلى أنّ الزراعة بدورها تضرّرت، إذ تراجع متوسط الهطولات المطرية بنسبة 54%، خصوصاً في الحسكة، وحلب، والرقة، ما أدّى إلى عجز في محصول القمح يُقدّر بـ 2.73 مليون طن متري. قضايا وناس التحديثات الحية يونيسف: 640 ألف طفل مهددون بالجوع والمرض شمالي دارفور ولفت تقرير المنظمة كذلك إلى تضرّر 8.5 ملايين شخص من نقص المياه، منهم 1.8 مليون بشكل حادّ، مؤكداً أن ذلك يزيد من خطر سوء التغذية وتفشّي الأمراض، مثل الإسهال المائي الحادّ. ووفق التقرير، شهدت سورية منذ مطلع عام 2025 وحتى 30 يونيو/ حزيران الماضي نحو 493 حادثة متعلقة بالذخائر المتفجرة، أسفرت عن مقتل 390 شخصاً وإصابة 536 آخرين، بينهم 108 أطفال لقوا حتفهم و205 أُصيبوا بجروح. وقالت المنظمة إن نداءها الإنساني لعام 2025 لم يُموّل إلا بنسبة 25% من أصل 488 مليون دولار أميركي، ما يهدّد استمرارية الخدمات الأساسية. وأكد التقرير أن ربع السوريين تحت خط الفقر المدقع، وثلثي السكان تحت خط فقر الدخل المتوسط.

خبراء: التلوث البلاستيكي خطر جسيم يبدّد 1.5 تريليون دولار سنوياً
خبراء: التلوث البلاستيكي خطر جسيم يبدّد 1.5 تريليون دولار سنوياً

العربي الجديد

timeمنذ يوم واحد

  • العربي الجديد

خبراء: التلوث البلاستيكي خطر جسيم يبدّد 1.5 تريليون دولار سنوياً

حذّر باحثون وأطباء بارزون من مخاطر التلوث البلاستيكي ، موضحين في تقرير نُشر، اليوم الاثنين، في المجلة الطبية "ذي لانسيت"، أن التلوث البلاستيكي يعتبر "خطراً جسيماً ومتزايداً" على الصحة، بحيث يكلف العالم ما لا يقل عن 1.5 تريليون دولار سنوياً. ويأتي نشر هذا التقييم الجديد قبيل استئناف المناقشات في جنيف لوضع أول معاهدة عالمية تهدف إلى مواجهة التلوث البلاستيكي. وأشار المعدون إلى أن "البلاستيك يتسبب في أمراض ووفيات على مدى حياة الإنسان من الطفولة حتى الشيخوخة، ويتسبب في خسائر اقتصادية مرتبطة بالصحة تفوق 1,5 تريليون دولار سنوياً". ويعتقد الخبراء أن تأثير هذا التلوث يمكن التخفيف منه عبر سياسات معينة. ويدعو ممثلو نحو 180 دولة المتوقع حضورهم، الثلاثاء، في جنيف للمفاوضات الجديدة، بعد فشل الجولات السابقة في بوسان بكوريا الجنوبية في ديسمبر/كانون الأول، للتوصل إلى اتفاق على معاهدة. وحذّر الطبيب والباحث في كلية بوسطن بالولايات المتحدة فيليب لاندريغان من أن الأشخاص الأكثر ضعفاً، وبشكل خاص الأطفال، هم الأكثر تضرراً من التلوث البلاستيكي. وقال في بيان: "إلى المجتمعين في جنيف: من فضلكم، استجيبوا للتحدي والفرصة لإيجاد أرضية تفاهم تسمح بتعاون دولي ملموس وفعّال لمواجهة هذه الأزمة العالمية". وحذّر الباحثون بشكل خاص من جزيئات البلاستيك الدقيقة جداً، المعروفة بالميكروبلاستيك، والتي تنتشر في كل مكان بالطبيعة، وحتى داخل أجسام البشر. ورغم أن آثارها الصحية لا تزال غير معروفة تماماً، فقد دقّ العلماء ناقوس الخطر بشأن التأثير المحتمل لهذا البلاستيك الموجود في كل مكان. وبحسب التقرير، ارتفعت كمية البلاستيك المنتجة عالمياً من مليوني طن في عام 1950 إلى 475 مليوناً في 2022. وإذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة فقد يتضاعف استهلاك البلاستيك عالمياً ثلاث مرات بحلول عام 2060 وفقاً لتوقعات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. ويشار إلى أن أقل من 10% من النفايات البلاستيكية يُعاد تدويرها. بيئة التحديثات الحية اجتماع دولي في جنيف لوقف التلوث الناجم عن البلاستيك وأشار فيليب لاندريغان إلى أن "الأزمة" العالمية المتعلقة بالبلاستيك مرتبطة بأزمة المناخ، كون البلاستيك يُصنع من الوقود الأحفوري، وأضاف "ينبغي عدم الاستهانة بحجم هاتين الأزمتين، إذ تتسببان اليوم بأمراض وعجز ووفيات بين عشرات الآلاف من الأشخاص". وأعلن التقرير أيضاً مبادرة جديدة لمتابعة تأثير التلوث البلاستيكي على الصحة، وهي أحدث مبادرات سلسلة "العد التنازلي لذي لانست". (فرانس برس)

انفجار مرفأ بيروت... عامٌ خامسٌ من الصراخ تحت الأنقاض
انفجار مرفأ بيروت... عامٌ خامسٌ من الصراخ تحت الأنقاض

العربي الجديد

timeمنذ 2 أيام

  • العربي الجديد

انفجار مرفأ بيروت... عامٌ خامسٌ من الصراخ تحت الأنقاض

يصارع جرحى ومعوّقو انفجار مرفأ بيروت من أجل البقاء، بعد أن فقدوا معنى الحياة، وأُجبروا على تحمّل الأوجاع وتكاليف العلاج الباهظة، وسط غياب تغطية صحية شاملة واستمرار عذابات ذويهم. بينما يطوي انفجار مرفأ بيروت عامه الخامس، لا يزال الجرحى وعائلاتهم يئنّون تحت آلامٍ وجراح لم تعرف طريقها نحو التعافي، ولم تنته فصول عذاباتهم بعد. الانفجار الذي خلّف ما يقارب 243 ضحية ونحو 7 آلاف جريح، من ضمنهم ألف شخص تقريباً أصيبوا بإعاقات مؤقتة أو دائمة، وفقاً لمنصة "بيروت 607" (متخصّصة بتوثيق قصص ضحايا الانفجار)، لم يشهد بعد أي محاكمة عادلة تنصف أهالي الضحايا والجرحى والمصابين. يبقى الرابع من أغسطس/آب 2020، تاريخاً أسود في ذاكرة اللبنانيين، ولعله أشد فظاعة في وجدان كل مصاب فقد شيئاً من ذاته لا يُعوض. وبينما يشكو المصابون وأهاليهم غياب الاهتمام الرسمي والتغطية الصحية الشاملة، برز أخيراً في الثامن من يوليو/تموز 2025 قرار لوزير الصحة العامة اللبناني، ركان ناصر الدين، يقضي بتغطية علاج جرحى الانفجار على نفقة الوزارة بنسبة 100%، وفق ما أعلنت اللجنة التأسيسية لتجمّع أهالي شهداء وجرحى ومتضرّري انفجار مرفأ بيروت، مع العلم أن الجرحى بمعظمهم تكبدوا تكاليف علاجهم طيلة هذه السنوات. وأكدت لجنة الأهالي استعداد الوزارة لتأمين غيارات طبية (بروتيز) ومستلزمات علاجية ومساعدات خاصة، وكشفت أنها "بانتظار إقرار اقتراح القانون المعجل المكرّر الهادف إلى مساواة جرحى الانفجار بجرحى الجيش اللبناني". خمس سنوات من العذاب والآلام ما زالت ترافق نجوى الحايك، والدة لارا التي ترقد منذ الانفجار في غيبوبة بمستشفى مركز بحنّس الطبي (جبل لبنان). لم تأمل يوماً تحقيق العدالة، لكنها تمسكت بعودة ابنتها الوحيدة إلى الحياة. تروي الحايك لـ"العربي الجديد" حجم المعاناة والتكاليف وسط غياب أي دعم رسمي، باستثناء أول شهرين من الانفجار، إلى جانب بعض المساعدات من جهات وجمعيات خيرية، في ظل أزمة خانقة منذ العام 2019. وتسخر الوالدة المكلومة من القرار المتأخر لوزارة الصحة، وتسأل: "بماذا سيتكفلون؟ لنكبّر عقولنا، بالكاد يقدمون بضعة حبوب لوجع الرأس. في حين أضطر إلى دفع ألفَي دولار أميركي شهرياً لتسديد كلفة المستشفى، ومائتَي دولار أسبوعياً لشراء الحفاضات والأدوية ومواد التعقيم. تراكمت عليّ الديون، ولم نلقَ سوى الكلام، كوننا نعيش في بلد لا يمنح المواطن أيّ قيمة". قضايا وناس التحديثات الحية مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يدعو إلى تحقيق دولي في انفجار بيروت لم تدرك لارا المفعمة بالحياة، أن لحظاتٍ تفصلها عن غيبوبة قضت على أحلامها وطموحاتها، إذ كانت في منزلها بمنطقة الأشرفية (بيروت) عند الانفجار، وسبق أن هاتفتها والدتها من مكان عملها في منطقة الحمراء (بيروت)، لتُفجع الوالدة لاحقاً بإصابة ابنتها في الرأس، وتقول: "بالكاد وصلتُ إليها وسط الدمار والازدحام والمشاهد المروعة. بدأتُ بالصراخ وقصدنا مستشفيَين رفضا استقبالنا نتيجة الاكتظاظ. وصلنا إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، المشهد كان جنونياً وكأننا في مسلخٍ، وسط البكاء والعويل. تقيأت لارا لإصابتها بنزيف داخلي، وبدأت رحلة العذاب بعد أن دخلت في غيبوبة نتيجة التأخر في إنعاشها". بقيت عَينا لارا مفتوحتين، لكنها في عالمٍ آخر. ضعفت ووهن جسدها كثيراً، حتى باتت والدتها تشعر كأنها تزور شخصاً غريباً. "لم أتخيل إطلاقاً أنها لن تصحو، لم يرغبوا بإبلاغي أنها بحُكم المتوفية"، تتابع الحايك: "قالها الطبيب: لارا لن تصحو إلّا بأعجوبة. حتّى إنه طلب مني الصلاة كي لا أصل إلى قرار الموت الرحيم. أُصبت بنوبات عصبية، عشتُ دوامة القهر بعد تلاشي الأمل. كانت لا تزال بعمر 42 سنة حينها، ضاع شبابها، وضاعت حياتنا". لم ترغب لارا بالهجرة، رغم أنها عملت في مصر والأردن وقبرص، كما أن مرض والدها خمس سنوات ووفاته قبل انفجار المرفأ بتسعة أشهر، جعلها تتمسك بالبقاء. وتتحدث عن عشق ابنتها للعلم والمعرفة، إذ كانت تتخصّص في الإرشاد الاجتماعي، وكانت تعلّم الأطفال ذوي الصعوبات التعلّمية، قبل أن تلتحق بمجال الموارد البشرية. توقيت غيّر حياة ميرنا حبّوش وأفقدها عينها اليُمنى (محمد سلمان/العربي الجديد) ترفض ميرنا حبّوش (40 عاماً) تسمية الرابع من أغسطس بالانفجار، وتقول لـ"العربي الجديد": "إنه تفجير أدى إلى خسارة عيني اليُمنى وفقدان النظر فيها، ناهيك عن إصابة يدي اليمنى وتمزّق الأوتار، وزجاج في اليد وكسور في إصبعين"، خضعت ميرنا منذ العام 2020 وحتّى العام 2022 لتسع عمليات جراحية ولم تنتهِ بعد من العلاج. تتابع: "منذ أسبوعين رممت الجفن، وكل شهر أو شهرين أزور الطبيب وتنتظرني عملية لقرنية العين، كوني بعد العملية السابقة اصطدمت بالرف عندما كنت أبدّل حفاض طفلي وسط الظلمة، نتيجة انقطاع الكهرباء، وخضعت ليلتها لعملية ترميم. حتّى إنني لم أتمكن من سحب القطب الجراحية (الغرز) بعد أن رفضت وزارة الصحة تغطية التكاليف، بحجة أنني مدرجة ضمن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مع العلم أن تغطية الصندوق كانت شبه معدومة". وتضيف حبّوش: "كل مرحلة العلاج كانت على نفقتي، باستثناء أول عملية للعين تكفلت بها شركة التأمين. والمضحك المبكي أن شركة التأمين ألزمتني بعد الحادثة بالتوقيع على ورقة تعفيهم من المسؤولية عن أي حادث يرتبط بالعين أو اليد، باعتبار أن الدولة هي المسؤولة". وعن القرار الأخير لوزارة الصحة، تؤكد أنه جاء متأخراً جداً، فالجرحى خضعوا للعلاج منذ زمن بعيد. وتسأل: "هل سيردّون ما دفعناه من مبالغ؟ هل سيدفعون كلفة قرنية العين التي تبلغ وحدها 3500 دولار أميركي. مع العلم أنني دفعت عام 2021 ثمن أول قرنية بلغ حينها ألفي دولار، أضف إلى أتعاب الطبيب وتكاليف المستشفى والأدوية. وفي العام 2020 اتصلت بوزارة الشؤون الاجتماعية للحصول على بطاقة المعوق الشخصية، غير أنهم أبلغوني أن عيناً واحدة لا تُعتبر إعاقة، إنما يجب أن أكون ضريرة لأحظى بتلك البطاقة". تستذكر حبّوش أول عملية لإزالة الزجاج من عينها، إذ اكتفى مراقب وزارة الصحة حينها بالقول: "الحمد لله على السلامة"، وتضيف: "لم تغطِ الوزارة كلفة عملية أوتار اليد، ودفعتُ فروقات الضمان، وبقيت زجاجة يستحيل إخراجها، ولا خيار سوى تحمل وجعها. اضطررت إلى تلقي 33 جلسة علاج فيزيائي، وما زالت المعاناة ترافقني، خصوصاً أنني أعمل محاسبة، أرتكب الأخطاء وأعيد الحساب أكثر من مرة. أغلقت باب السيارة مرتين على يد طفلي، سمعت الكلام الجارح حول مظهر عيني، دستُ بالخطأ على ابني، وكان حينها لا يتجاوز السنة ونصف السنة، وتسببت بإصابته في رأسه. تعرضت لثلاثة حوادث سير رغم وجود ثلاث كاميرات في السيارة. لم أعد قادرة على القيادة ليلاً، حُرمت من هواية الرسم، وحتى من تقطيع الطعام، يدي تؤلمني وعين واحدة لا تعينني". قضايا وناس التحديثات الحية جرحى انفجار بيروت يواجهون إهمال الدولة "القاتل" ميرنا، التي تدمّر منزلها بمنطقة الكرنتينا المواجهة للمرفأ، توضح أنها لم تعد تغلق الأبواب والنوافذ كلياً، ولو في عز العواصف. وتشير إلى أنها كانت رفقة طفلها الوحيد يوم الانفجار، تتجه لشراء الحليب الخاص بحالته الصحية، قبل أن تجد نفسها مصابة تدوس على الأشلاء والزجاج، وسط صراخ ابنها كريس الذي ما زالت الندوب على رقبته ووجهه، ولحق الضرر بجزء من أذنه، وتقول: "لليوم يخضع كريس للعلاج النفسي كونه يعاني من صدمة وانطوائية وعصبية وغضب، علماً أنه بقي ثلاثة أشهر بعد الانفجار لا يجرؤ على الاقتراب مني. وفي الحضانة، أبلغوني أنه يحاول إيذاء الأطفال في عيونهم، فطلبت مني طبيبتي النفسية أن أتوقف عن تغطية عيني. وفي الحرب الإسرائيلية الأخيرة، كنّا نختبئ تحت الطاولة، على وقع بكائه وصراخه". صار عمر كريس ستّ سنوات، وما زال أهالي الضحايا والجرحى يبحثون عن الحقيقة والعدالة. لم تعد تحلم ميرنا سوى بحياة كريمة لابنها، لا يقاسي فيها الفساد والظلم والحروب والتفجيرات، وتقول: "لا ذنب لهم، خُلقوا من أجل الحياة، ولا ذنب لنا، لم نكن نحمل سلاحاً. نريد حقنا، نتوق للعدالة ومحاسبة المجرمين". وفي اتصال لـ"العربي الجديد"، يؤكد مدير العناية الطبية في وزارة الصحة العامة اللبنانية، الدكتور جوزيف الحلو، أن "الوزارة تكفلت بعلاج كل الجرحى والمصابين 100%، باستثناء المدرجين ضمن جهات ضامنة أخرى. وسبق وطالبتُ بتخصيص صندوق لمتابعة علاج الجرحى، ولو حصل لكان وفّر عليهم المعاناة، ناهيك عمّا كانت تعانيه الوزارة من موازنة صفر في ظل الأزمة المالية". بقي عصام عطا 17 ساعة تحت الأنقاض وأصيب في ساقه (محمد سلمان/العربي الجديد) احتفل عصام عطا بعيد ميلاده الـ35 بعد أن تغيّرت حياته بأكملها، وهو الذي أصيبت ساقه بتلف شديد بالأعصاب وخسر منزله ومطعمه نتيجة الانفجار، ويقول لـ"العربي الجديد": "لم أعد قادراً على الوقوف أو المشي لأكثر من دقائق معدودة، ولا حتى العمل. أواجه مصاعب عديدة، إضافة إلى ذلك حالتي النفسية والمعنوية. حتى إن قدمي الأخرى باتت تؤلمني لاعتمادي عليها كثيراً. خضعت لأول عملية جراحية في لبنان، أما العملية الثانية فكانت في الولايات المتحدة الأميركية أواخر العام 2021، كونها غير متوفرة في لبنان، ولو توفرت ستكون كلفتها مرتفعة، وما أسعفني هو أنني أحمل الجنسية الأميركية. عدتُ إلى لبنان عام 2024 لأنني أطمح للاستقرار في وطني، وكنت قبل الانفجار جدّدت منزلي في منطقة الرميل (بيروت)، واستغرق الأمر أربعة أعوام. افتتحتُ عام 2019 مطعماً، وفي اليوم ذاته انطلقت الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر/تشرين الأول، ومن ثم جائحة "كوفيد – 19"، قبل أن يطيح الانفجار كلَّ شيء". عصام الذي أنهى تخصّص تكنولوجيا المعلومات في الولايات المتحدة، يتمسك بالبقاء في لبنان والمطالبة بالعدالة وحقوقه المهدورة، ويضيف: "لن نترك الحقيقة خلفنا، فقد أصبحت عاجزاً عن ممارسة عملي أو هواياتي من المشي والتخييم وكرة السلة، تُركنا لمعاناتنا وأوجاعنا ولم يلتفت إلينا أحد. إعاقاتنا دائمة تتطلب الأدوية والعمليات والعلاجات الفيزيائية والنفسية، وكل ما قدمته الدولة لي هو بطاقة الشخص المعوّق التي لا تجدي نفعاً، كون القانون 220/2000 المعني بحقوق الأشخاص المعوّقين، يحتاج إلى تعديلات ليوفر تغطية صحية شاملة ورواتب شهرية، أسوة بجرحى الجيش". وعن قرار وزارة الصحة، يوضح عطا أنه يغطي فقط الحالات الطارئة، بحسب ما أبلغوه، ومَن هو بحاجة للغيارات الطبية. أما شقيقته هيلين (44 عاماً) فتتحسّر على حال أخيها الذي صار انطوائياً، وتروي معاناتها إثر فقدان شقيقها التوأم عبدو، وتقول لـ"العربي الجديد": "عبدو قطعة مني، قضينا كل أيامنا معاً، في أعياد ميلادنا وعلى مقاعد الدراسة، كان كريماً وحنوناً ومرحاً، لم يتمكن من النجاة. أما عصام فبقي 17 ساعة تحت الأنقاض، سمعوا صوته يصرخ. واليوم بعد خمس سنوات، لم يتغيّر شيء، ما زلنا خارج منازلنا في بيروت من دون أي تعويض، لم يُسجن ولم يحاسب أحد، رغم أن الرابع من أغسطس ليس حدثاً عابراً، إنما جريمة لا تُغتفر".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store