logo
صنّاع المجد والأمل

صنّاع المجد والأمل

جريدة الرؤية٠٧-٠٧-٢٠٢٥
د. حيدر أحمد اللواتي **
وراء الإنجاز العظيم الذي نراه يدك حصون الصهاينة ليلا ونهارا، يقف جنود مجهولون لا نعرف عنهم الكثير، لكن أثرهم يتعدى حدود الزمان والمكان، هؤلاء هم العلماء والمهندسون الإيرانيون الذين صنعوا مجدًا لا يمكن تجاهله، مجدًا يُرعب الكيان الغاصب للقدس، ويؤكد قدرة إيران على تطوير تكنولوجيا الصواريخ والبرنامج النووي رغم كل العقبات، فهؤلاء الرجال هم روادٌ ملهمون، حملوا على أكتافهم وطنهم وأحلام أمة بأكملها، بدأوا رحلتهم كطلاب في جامعات متواضعة، تعلموا الفيزياء والكيمياء والهندسة، وكرسّوا حياتهم للفهم العميق للطبيعة وقوانينها، ليحولوا هذه المعرفة إلى قوة استراتيجية.
من بينهم علماء الفيزياء النووية الذين استطاعوا بفطنتهم أن يطوروا البرنامج النووي بطريقة علمية متقدمة، تضمن لإيران مكانتها في عالم التكنولوجيا النووية السلمية والدفاعية، ومنهم مهندسون متخصصون في الديناميكا الهوائية وصناعة المحركات الصاروخية، الذين تفننوا في تصميم صواريخ دقيقة المدى وقادرة على الوصول لأهداف استراتيجية.
إن تاريخ هؤلاء الأبطال حافل بالتحديات؛ فقد واجهوا حظرًا دوليًا وعقوبات قاسية، لكنهم لم يسمحوا لهذه العقبات أن توقف عزيمتهم، بل عملوا في صمت، بعيدًا عن الأضواء، يُبدعون ويبتكرون، ليكونوا بذلك الجنود المجهولين الذين صنعوا مجدًا لم يكن ليُكتب بدونهم.
من الأسماء التي صنعت هذه الإنجازات، الدكتور مجيد شهرياري، الذي كان رائدًا في مجال الفيزياء النووية، وصاحب أبحاث أساسية في تطوير تقنيات الوقود النووي، وتم اغتياله عام ٢٠١٠م على يد الموساد، ومنهم الدكتور مصطفى أحمدي روشن، الذي يُعد من أبرز العلماء في مجال الكيمياء النووية، حيث ساهم في تطوير تقنيات تخصيب اليورانيوم، درس في جامعة طهران ثم أكمل أبحاثه في الخارج، وعاد ليكرّس حياته لتطوير البرنامج النووي الإيراني، كان رمزًا للتفاني والإصرار، وقد استُشهد خلال عمله عام ٢٠١٢م، ليصبح شهيد العلم في إيران.
فريدون عباسي دوائي هو عالم إيراني آخر بارز في مجال الفيزياء النووية والطاقة، كان يشغل مكانة مهمة في الأوساط العلمية الإيرانية، وبرز كخبير في تطوير التكنولوجيا النووية، حيث ساهم في العديد من المشاريع المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، خاصة في مجالات البحث والتطوير للطاقة النووية السلمية، وقد استشهد في الضربات الأخيرة التي شنتها القوات الصهيونية على طهران مع زميله الآخر محمد مهدي طهرانجي، والذي يعد أحد أبرز النوويين الإيرانيين ومن القيادات الأكاديمية المهمة في المؤسسات الإيرانية، إذ تولى منصب نائب رئيس جامعة الشهيد بهشتي ورئيسها في الفترة ما بين عامي ٢٠١٢ و٢٠١٦م، وقد حصل على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في الفيزياء من جامعة "الشهيد بهشتي"، ثم نال الدكتوراه من معهد الفيزياء والتكنولوجيا في موسكو، وتابع برنامجا بحثيا في المركز الدولي للفيزياء النظرية في إيطاليا.
أما الصواريخ التي يقف لها عالمنا العربي إكبارا وإجلالا وينتظرها ليلا ونهارا، فرحا مستبشرا، نطرب لها أيما طرب، فعلينا أن نتذكر أن وراء كل صاروخ إيراني جهد جماعي متكامل لعلماء ومهندسين لعبوا أدوارًا محورية في تطوير هذه الصواريخ التي أصبحت تشكل قوة الردع الحقيقي والمخيف للكيان الغاصب للقدس.
من بين هؤلاء، المهندس حسن طهراني مقدم، الذي يُعد الأب الروحي للصواريخ الباليستية الإيرانية، كان ضابطًا مهندسًا في الحرس الثوري، وكرّس حياته لتطوير الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، ونجح في عام ١٩٨٧م من إنتاج صاروخ "نازعات" الذي يتراوح مداه بين ٨٠ و١٥٠ كيلومترًا.
ومنذ ذلك الإنجاز، بدأ فصل جديد في تطور الصناعة والتكنولوجيا العسكرية الإيرانية، وكان لهذا العالم الكبير دور رئيسي في تصميم منظومة "شهاب" الشهيرة والتي يصل مداها إلى ٢٠٠٠ كم، وقد تميز الطهراني بفهمه العميق للهندسة الميكانيكية والفيزياء التطبيقية، وقاد فرقًا بحثية في ظروف صعبة، مما جعله أحد أعمدة البرنامج الصاروخي الإيراني، وقد استشهد عام ٢٠١١م.
المهندس أحمد وحيدي، أيضًا من الأسماء البارزة، حيث شغل مناصب قيادية في تطوير أنظمة الصواريخ التكتيكية، وكان له إسهامات تقنية في تحسين دقة توجيه الصواريخ وتقليل نسبة الخطأ في إصابة الأهداف، وكان تخصصه في هندسة الإلكترونيات والاتصالات ساعد على دمج تقنيات متقدمة في نظم التحكم.
هؤلاء العلماء وغيرهم لم يكونوا مبدعين فحسب، بل كانوا أيضًا صنّاع أمل لشعبهم، يثبتون أن الإرادة والتفاني يمكن أن تصنع المعجزات، إنهم مثال حي على أهمية التمّكن من المعرفة العلمية، لتتحول إلى سلاح للدفاع عن الحق والكرامة.
إن الإنجازات التي حققها هؤلاء العلماء تؤكد أن علوم الطبيعة وأذرعها المختلفة من هندسة وطب وغيرها ليست رفاهية، بل ضرورة حيوية، فبدونها تغدوا صناعة المجد وتحقيق الإنجازات وهمًا لا يمكن أن يتحقق.
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صنّاع المجد والأمل
صنّاع المجد والأمل

جريدة الرؤية

time٠٧-٠٧-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

صنّاع المجد والأمل

د. حيدر أحمد اللواتي ** وراء الإنجاز العظيم الذي نراه يدك حصون الصهاينة ليلا ونهارا، يقف جنود مجهولون لا نعرف عنهم الكثير، لكن أثرهم يتعدى حدود الزمان والمكان، هؤلاء هم العلماء والمهندسون الإيرانيون الذين صنعوا مجدًا لا يمكن تجاهله، مجدًا يُرعب الكيان الغاصب للقدس، ويؤكد قدرة إيران على تطوير تكنولوجيا الصواريخ والبرنامج النووي رغم كل العقبات، فهؤلاء الرجال هم روادٌ ملهمون، حملوا على أكتافهم وطنهم وأحلام أمة بأكملها، بدأوا رحلتهم كطلاب في جامعات متواضعة، تعلموا الفيزياء والكيمياء والهندسة، وكرسّوا حياتهم للفهم العميق للطبيعة وقوانينها، ليحولوا هذه المعرفة إلى قوة استراتيجية. من بينهم علماء الفيزياء النووية الذين استطاعوا بفطنتهم أن يطوروا البرنامج النووي بطريقة علمية متقدمة، تضمن لإيران مكانتها في عالم التكنولوجيا النووية السلمية والدفاعية، ومنهم مهندسون متخصصون في الديناميكا الهوائية وصناعة المحركات الصاروخية، الذين تفننوا في تصميم صواريخ دقيقة المدى وقادرة على الوصول لأهداف استراتيجية. إن تاريخ هؤلاء الأبطال حافل بالتحديات؛ فقد واجهوا حظرًا دوليًا وعقوبات قاسية، لكنهم لم يسمحوا لهذه العقبات أن توقف عزيمتهم، بل عملوا في صمت، بعيدًا عن الأضواء، يُبدعون ويبتكرون، ليكونوا بذلك الجنود المجهولين الذين صنعوا مجدًا لم يكن ليُكتب بدونهم. من الأسماء التي صنعت هذه الإنجازات، الدكتور مجيد شهرياري، الذي كان رائدًا في مجال الفيزياء النووية، وصاحب أبحاث أساسية في تطوير تقنيات الوقود النووي، وتم اغتياله عام ٢٠١٠م على يد الموساد، ومنهم الدكتور مصطفى أحمدي روشن، الذي يُعد من أبرز العلماء في مجال الكيمياء النووية، حيث ساهم في تطوير تقنيات تخصيب اليورانيوم، درس في جامعة طهران ثم أكمل أبحاثه في الخارج، وعاد ليكرّس حياته لتطوير البرنامج النووي الإيراني، كان رمزًا للتفاني والإصرار، وقد استُشهد خلال عمله عام ٢٠١٢م، ليصبح شهيد العلم في إيران. فريدون عباسي دوائي هو عالم إيراني آخر بارز في مجال الفيزياء النووية والطاقة، كان يشغل مكانة مهمة في الأوساط العلمية الإيرانية، وبرز كخبير في تطوير التكنولوجيا النووية، حيث ساهم في العديد من المشاريع المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، خاصة في مجالات البحث والتطوير للطاقة النووية السلمية، وقد استشهد في الضربات الأخيرة التي شنتها القوات الصهيونية على طهران مع زميله الآخر محمد مهدي طهرانجي، والذي يعد أحد أبرز النوويين الإيرانيين ومن القيادات الأكاديمية المهمة في المؤسسات الإيرانية، إذ تولى منصب نائب رئيس جامعة الشهيد بهشتي ورئيسها في الفترة ما بين عامي ٢٠١٢ و٢٠١٦م، وقد حصل على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في الفيزياء من جامعة "الشهيد بهشتي"، ثم نال الدكتوراه من معهد الفيزياء والتكنولوجيا في موسكو، وتابع برنامجا بحثيا في المركز الدولي للفيزياء النظرية في إيطاليا. أما الصواريخ التي يقف لها عالمنا العربي إكبارا وإجلالا وينتظرها ليلا ونهارا، فرحا مستبشرا، نطرب لها أيما طرب، فعلينا أن نتذكر أن وراء كل صاروخ إيراني جهد جماعي متكامل لعلماء ومهندسين لعبوا أدوارًا محورية في تطوير هذه الصواريخ التي أصبحت تشكل قوة الردع الحقيقي والمخيف للكيان الغاصب للقدس. من بين هؤلاء، المهندس حسن طهراني مقدم، الذي يُعد الأب الروحي للصواريخ الباليستية الإيرانية، كان ضابطًا مهندسًا في الحرس الثوري، وكرّس حياته لتطوير الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، ونجح في عام ١٩٨٧م من إنتاج صاروخ "نازعات" الذي يتراوح مداه بين ٨٠ و١٥٠ كيلومترًا. ومنذ ذلك الإنجاز، بدأ فصل جديد في تطور الصناعة والتكنولوجيا العسكرية الإيرانية، وكان لهذا العالم الكبير دور رئيسي في تصميم منظومة "شهاب" الشهيرة والتي يصل مداها إلى ٢٠٠٠ كم، وقد تميز الطهراني بفهمه العميق للهندسة الميكانيكية والفيزياء التطبيقية، وقاد فرقًا بحثية في ظروف صعبة، مما جعله أحد أعمدة البرنامج الصاروخي الإيراني، وقد استشهد عام ٢٠١١م. المهندس أحمد وحيدي، أيضًا من الأسماء البارزة، حيث شغل مناصب قيادية في تطوير أنظمة الصواريخ التكتيكية، وكان له إسهامات تقنية في تحسين دقة توجيه الصواريخ وتقليل نسبة الخطأ في إصابة الأهداف، وكان تخصصه في هندسة الإلكترونيات والاتصالات ساعد على دمج تقنيات متقدمة في نظم التحكم. هؤلاء العلماء وغيرهم لم يكونوا مبدعين فحسب، بل كانوا أيضًا صنّاع أمل لشعبهم، يثبتون أن الإرادة والتفاني يمكن أن تصنع المعجزات، إنهم مثال حي على أهمية التمّكن من المعرفة العلمية، لتتحول إلى سلاح للدفاع عن الحق والكرامة. إن الإنجازات التي حققها هؤلاء العلماء تؤكد أن علوم الطبيعة وأذرعها المختلفة من هندسة وطب وغيرها ليست رفاهية، بل ضرورة حيوية، فبدونها تغدوا صناعة المجد وتحقيق الإنجازات وهمًا لا يمكن أن يتحقق. ** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

التخصيب العالي لليورانيوم: ما وراء الأرقام؟
التخصيب العالي لليورانيوم: ما وراء الأرقام؟

جريدة الرؤية

time٢٩-٠٦-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

التخصيب العالي لليورانيوم: ما وراء الأرقام؟

أ. د. حيدر أحمد اللواتي ** تحدثنا في مقالنا السابق عن خطر الإشعاعات النووية المختلفة وكيف يمكنها تدمير الخلايا البشرية، وهنا قد يطرح البعض سؤلًا مُهمًا مفاده: إذا كانت هناك مخاطر بالغة الخطورة تنتج من هذه الإشعاعات النووية، فلماذا السعي نحو تطوير تقنيات قائمة عليها؟ وما هي الفوائد المرجوة؟ وهل هذه الفوائد تعادل المخاطر أو تفوقها قيمة؟ يكمُن السبب الرئيسي في محاول امتلاك هذه التقنيات في بحث العالم عن الطاقة؛ إذ اتِّضح لنا أن أي تقدم مهما كان نوعه يحتاج إلى مصدر للطاقة، وكلما كان المصدر المستخدم غنيًا بالطاقة كانت فائدته أكبر وأكثر نفعًا، وهذا ما تتميز به الطاقة النووية؛ فالطاقة الناتجة من جرام واحد من اليورانيوم تفوق بـ4500 مرة الطاقة الناتجة من استخدام 1 جرام من النفط! هذا إذا كان اليورانيوم المستخدم منخفض التخصيب (3 إلى 5%)، أما إذا كان عالي التخصيب كأن يكون 60%، فإن الطاقة الناتجة من 1 جرام من اليورانيوم حينها ستفوق ملايين المرات الطاقة الناتجة من 1 جرام من النفط! وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل الدول تسعى للحصول على هذه التقنية المُهمة. والمقصود من عملية التخصيب هو تحويل نظير اليورانيوم 238 إلى 235، وهناك نظيران لليورانيوم في الطبيعة، الأول يورانيوم 238 ويُشكِّل ما نسبته 99.3%، بينما الثاني يُشكِّل ما نسبته 0.07% ويُعرف باليورانيوم 235، وهو الذي يتم استخدامه في المفاعلات النووية، ولأن نسبته بسيطة فلا بُد من تحويل جزء من اليورانيوم 238 إلى 235، وعندما نقول إنَّ نسبة التخصيب وصلت إلى 5% فإنَّ ذلك يعني أننا حصلنا على 5% من اليورانيوم 235. وللحد من خطورة هذه الإشعاعات، فإنَّ أغلب الاستخدامات السلمية التي يتم فيها استخدام الطاقة النووية، لا تتجاوز نسبة التخصيب فيها 5%، وهذا هو الحال مثلًا مع محطة بوشهر الإيرانية، ووظيفتها الأساسية إنتاج الكهرباء لمختلف الأغراض السلمية. لكن هناك منشآت نووية أخرى لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية مثل فوردو ونطنز، تقوم بتخصيب اليورانيوم إلى نسب مرتفعة تصل إلى 60% من تخصيب اليورانيوم، علمًا بأنَّ نسبة التخصيب المستخدمة في السلاح النووي تصل إلى حوالي 90%، فهل يعني تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% أن إيران قادرة على صنع أسلحة نووية؟ والجواب من الناحية التقنية: نعم، بإمكانها القيام بذلك؛ إذ تشير بعض الدراسات إلى أنَّ 20% من التخصيب يكفي لذلك، لكن المستوى المثالي لإنتاج أسلحة نووية متطورة وفعّالة يكون عادة عندما تصل نسبة التخصيب إلى حوالي 90%؛ لأنَّ هذا المستوى من التخصيب يسمح بتصغير حجم السلاح وتقليل وزنه مع تحقيق قوة تدميرية كبيرة، لذا فإنَّ السلاح النووي من اليورانيوم المُخصَّب بنسبة 60% سيكون أكبر حجمًا وأكثر وزنًا وأقل كفاءة من سلاح مصنوع من يورانيوم مُخصَّب بنسبة 90%. فهل يمكن لإيران أن تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 90%، أم أنها لا تمتلك التقنيات للوصول إلى ذلك، والجواب إن التقنية اللازمة لتخصيب اليورانيوم إلى 90% لا تختلف عن تلك المستخدمة للوصول إلى 60%، والسبب هو أنَّ عملية التخصيب تتم على مراحل متتابعة باستخدام أجهزة الطرد المركزي، فيمكن استخدام نفس تقنية الطرد المركزي وتكرار العملية للوصول إلى 90% بسهولة نسبيًا. وتدَّعي الولايات المتحدة والدول الغربية أنهم يخشون ذلك؛ اذ يشير عدد من التقارير إلى أن إيران هي الدولة الوحيدة في العالم والتي لا تمتلك سلاحًا نوويًا ومع ذلك فإنها تمتلك القدرة على تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%؛ حيث إن جميع الدول التي تستخدم الطاقة النووية للتطبيقات السلمية تقوم بإنتاج يورانيوم مُخصَّب بنسبة لا تزيد عن 5%، بينما تُصِر إيران على أن إنتاجها لهذا المستوى المرتفع من التخصيب، إنما هو لأغراض سلمية بحتة. فهل تسعى إيران لامتلاك سلاح نووي؟ وإذا لم تكن تسعى لذلك، فلماذا تقوم بتخصيب اليورانيوم لهذا المستوى العالي من التخصيب الذي يفوق الاستخدامات السلمية بحوالي 12 ضعفًا؟! وللحديث بقية... ** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

الإشعاعات النووية: وميض أمل أم ظلال خطر؟! (2)
الإشعاعات النووية: وميض أمل أم ظلال خطر؟! (2)

جريدة الرؤية

time٢٩-٠٦-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

الإشعاعات النووية: وميض أمل أم ظلال خطر؟! (2)

التخصيب العالي لليورانيوم: ما وراء الأرقام؟ أ. د. حيدر أحمد اللواتي ** تحدثنا في مقالنا السابق عن خطر الإشعاعات النووية المختلفة وكيف يمكنها تدمير الخلايا البشرية، وهنا قد يطرح البعض سؤلًا مُهمًا مفاده: إذا كانت هناك مخاطر بالغة الخطورة تنتج من هذه الإشعاعات النووية، فلماذا السعي نحو تطوير تقنيات قائمة عليها؟ وما هي الفوائد المرجوة؟ وهل هذه الفوائد تعادل المخاطر أو تفوقها قيمة؟ يكمُن السبب الرئيسي في محاول امتلاك هذه التقنيات في بحث العالم عن الطاقة؛ إذ اتِّضح لنا أن أي تقدم مهما كان نوعه يحتاج إلى مصدر للطاقة، وكلما كان المصدر المستخدم غنيًا بالطاقة كانت فائدته أكبر وأكثر نفعًا، وهذا ما تتميز به الطاقة النووية؛ فالطاقة الناتجة من جرام واحد من اليورانيوم تفوق بـ4500 مرة الطاقة الناتجة من استخدام 1 جرام من النفط! هذا إذا كان اليورانيوم المستخدم منخفض التخصيب (3 إلى 5%)، أما إذا كان عالي التخصيب كأن يكون 60%، فإن الطاقة الناتجة من 1 جرام من اليورانيوم حينها ستفوق ملايين المرات الطاقة الناتجة من 1 جرام من النفط! وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل الدول تسعى للحصول على هذه التقنية المُهمة. والمقصود من عملية التخصيب هو تحويل نظير اليورانيوم 238 إلى 235، وهناك نظيران لليورانيوم في الطبيعة، الأول يورانيوم 238 ويُشكِّل ما نسبته 99.3%، بينما الثاني يُشكِّل ما نسبته 0.07% ويُعرف باليورانيوم 235، وهو الذي يتم استخدامه في المفاعلات النووية، ولأن نسبته بسيطة فلا بُد من تحويل جزء من اليورانيوم 238 إلى 235، وعندما نقول إنَّ نسبة التخصيب وصلت إلى 5% فإنَّ ذلك يعني أننا حصلنا على 5% من اليورانيوم 235. وللحد من خطورة هذه الإشعاعات، فإنَّ أغلب الاستخدامات السلمية التي يتم فيها استخدام الطاقة النووية، لا تتجاوز نسبة التخصيب فيها 5%، وهذا هو الحال مثلًا مع محطة بوشهر الإيرانية، ووظيفتها الأساسية إنتاج الكهرباء لمختلف الأغراض السلمية. لكن هناك منشآت نووية أخرى لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية مثل فوردو ونطنز، تقوم بتخصيب اليورانيوم إلى نسب مرتفعة تصل إلى 60% من تخصيب اليورانيوم، علمًا بأنَّ نسبة التخصيب المستخدمة في السلاح النووي تصل إلى حوالي 90%، فهل يعني تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% أن إيران قادرة على صنع أسلحة نووية؟ والجواب من الناحية التقنية: نعم، بإمكانها القيام بذلك؛ إذ تشير بعض الدراسات إلى أنَّ 20% من التخصيب يكفي لذلك، لكن المستوى المثالي لإنتاج أسلحة نووية متطورة وفعّالة يكون عادة عندما تصل نسبة التخصيب إلى حوالي 90%؛ لأنَّ هذا المستوى من التخصيب يسمح بتصغير حجم السلاح وتقليل وزنه مع تحقيق قوة تدميرية كبيرة، لذا فإنَّ السلاح النووي من اليورانيوم المُخصَّب بنسبة 60% سيكون أكبر حجمًا وأكثر وزنًا وأقل كفاءة من سلاح مصنوع من يورانيوم مُخصَّب بنسبة 90%. فهل يمكن لإيران أن تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 90%، أم أنها لا تمتلك التقنيات للوصول إلى ذلك، والجواب إن التقنية اللازمة لتخصيب اليورانيوم إلى 90% لا تختلف عن تلك المستخدمة للوصول إلى 60%، والسبب هو أنَّ عملية التخصيب تتم على مراحل متتابعة باستخدام أجهزة الطرد المركزي، فيمكن استخدام نفس تقنية الطرد المركزي وتكرار العملية للوصول إلى 90% بسهولة نسبيًا. وتدَّعي الولايات المتحدة والدول الغربية أنهم يخشون ذلك؛ اذ يشير عدد من التقارير إلى أن إيران هي الدولة الوحيدة في العالم والتي لا تمتلك سلاحًا نوويًا ومع ذلك فإنها تمتلك القدرة على تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%؛ حيث إن جميع الدول التي تستخدم الطاقة النووية للتطبيقات السلمية تقوم بإنتاج يورانيوم مُخصَّب بنسبة لا تزيد عن 5%، بينما تُصِر إيران على أن إنتاجها لهذا المستوى المرتفع من التخصيب، إنما هو لأغراض سلمية بحتة. فهل تسعى إيران لامتلاك سلاح نووي؟ وإذا لم تكن تسعى لذلك، فلماذا تقوم بتخصيب اليورانيوم لهذا المستوى العالي من التخصيب الذي يفوق الاستخدامات السلمية بحوالي 12 ضعفًا؟! وللحديث بقية... ** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store