
الاهتمام الزائد.. يفسد النَص!
أنت تعرف أنها ليست مجرد اسم لامع، بل صوت خافت يسير عكس التيار، لا تصرخ، بل تهمس...
في روايتها "النباتية" كتبت عن الجسد، وفي رواية "الدرس الإنساني" كتبت عن الكرامة، لكنها في رواية "الكتاب الأبيض" تجاوزت اللغة، وكتبت عن شيء لا يُروى: أخت ماتت بعد ساعة من الولادة، طفولة انكسرت قبل أن تبدأ، وجرح لا يزال يتنفس في ذاكرة أمها، تلك الأم التي ما زال صوتها يطارد الكاتبة:
"يا صغيرتي، من أجل الرب، لا تموتي..."
"الكتاب الأبيض" ليس رواية تقليدية، بل ترياق شفاف يُكتَب بصمت، في عالم يعج بالحركة والضجيج، اختارت "هان كانغ" أن تكتب عن السكون، عن البياض، عن الجراح الخفية التي لا يراها أحد، لكنها تنزف باستمرار في داخلها...
ليست "هان كانغ" كاتبة عادية في كوريا الجنوبية؛ هي تجربة وجودية تكتب الألم قطرة قطرة، كأن الكلمات نفسها تمارس فعل الشفاء...
منذ بداياتها، لم تسعَ للشهرة، ولم تغرِها العوالم الخيالية، بل ظلت تمسك بتلك اللحظة الدقيقة بين الحياة والموت، بين الحضور والغياب، بين ما كُتب وما ظلّ عالقًا في الأعماق.
أعمالها المتعددة تميزت بخصوصيتها، وأبرزها رواياتها "النباتية" التي أثارت جدلًا عالميًا وحازت جائزة "مان بوكر" الدولية عام 2016، وتلتها رواية "الدرس الإنساني"، إلى أن وصلت إلى أكثر أعمالها صفاءً وخصوصية: رواية "الكتاب الأبيض"...
هذه الرواية لا تُقرأ كما تُقرأ الروايات، بل تُشعر كما تُحسّ القصيدة،تبدو كدفتر تأملاتٍ هادئ، أو كطقس ربيعي مكتوب تسير فيه الكاتبة عبر دروب الفقد، ممسكة بالخيط الأبيض الذي يشدّ بين الحداد والرجاء، بين أخت لم تُمنح من الحياة سوى ساعة واحدة، وصورة لم تغادر ذاكرة أمها...اقرأ:
"استلقى الجسدان على أرضية المطبخ، الأم على جنبها، والطفلة ملتصقة بصدرها...شعرت الأم ببرودة تتسلل إلى جسد صغيرتها، فأدركت أنها سترحل فورًا إلى عالمٍ آخر..."
ولذا فان البياض لم يكن مجرد لونٍ في هذا الكتاب، بل بطل فى الرواية، بياض القماط، الثلج، الكفن، الورقة، الضوء... كلها رموز تكررت، كأنها طقس تطهير داخلي، تُهدئ به الكاتبة أوجاعًا لم تتكلم عنها من قبل...
ولفهم رؤيتها وأعماقها، لا بد من التوقف عند حوار أجرته معها صحيفة "الجارديان" البريطانية، كانت إجاباتها صافية، مثل صوتها في الرواية، تحدّثت فيه عن الطقوس والكتابة والصداع الذي علمها التواضع...!
عندما سُئلت: تكررين في صفحاتك الأولى أنكِ "ترغبين في أن تكتبي"... هل هذا الكتاب تحوّل جذري؟أجابت:
"الأسلوب الذي كتبته به كان كطقس صغير أمارسه يوميًا، تطهير ذاتي،شعرت بأنني أقترب يومًا بعد يوم من شيءٍ في داخلي لا يُدمَّر، لا يُشوَّه...
ثم جاء السؤال الشخصي عن الصداع النصفي:
"يُذكرني بأني إنسانة. حين يهاجمني، يُجبِرني على التوقّف، ويجعلني متواضعة دائمًا. لولاه، لو كنتُ في صحة ممتازة، ربما لم أكن لأصبح كاتبة...!
وحين سُئلت: ومتى أدركتِ أنكِ كاتبة؟
"في الرابعة عشرة. كنت أبحث عن إجابات، ثم أدركت أن كل الكتّاب يكتبون بحثًا عن أجوبة لا يصلون إليها. فقلت: لماذا لا أفعل مثلهم؟"
وعن والدها الروائي، أجابت ببساطة:
"كان في بيتنا الكثير من الكتب... هذا كل شيء."
لكن أكثر الإجابات دهشة جاءت حين سُئلت عن الكُتاب الذين تتمنى لقاءهم أجابت:
"لا أرغب في لقائهم، لقد التقيتُ بهم بالفعل عبر كتبهم، إن شعرتُ بشيء وأنا أقرأ، فهذا لا يُقدّر بثمن، الكاتب يُقدّم أفضل ما عنده في كتابه، وهذا يكفيني."
أما عن أثر فوزها بجائزة "البوكر"، فقد كانت صادقة حين قالت:
"ساعدني على الوصول إلى جمهور أوسع، لكنه جلب معه اهتمامًا زائدًا... وبعد شهور قليلة، تمنيت أن أستعيد خصوصيتي، لأن الاهتمام الزائد...ليس جيدًا للكاتب."
نلتقي الأسبوع القادم بإذن الله، مع قراءة مختلفة، وكتاب آخر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
٢٠-٠٧-٢٠٢٥
- البوابة
الاهتمام الزائد.. يفسد النَص!
حين تضيق بنا الحياة، ونثقل بحمولٍ لا تُحتمل، نلجأ إلى لغة لا تُرهقنا، نبحث بين الحروف عن مهرب، لا لنُفصح، بل لنجد سلامًا داخليًا في حضرة الصمت. من هنا انطلقت الكتابة لدى "هان كانغ"، الكاتبة الكورية التي نالت نوبل... أنت تعرف أنها ليست مجرد اسم لامع، بل صوت خافت يسير عكس التيار، لا تصرخ، بل تهمس... في روايتها "النباتية" كتبت عن الجسد، وفي رواية "الدرس الإنساني" كتبت عن الكرامة، لكنها في رواية "الكتاب الأبيض" تجاوزت اللغة، وكتبت عن شيء لا يُروى: أخت ماتت بعد ساعة من الولادة، طفولة انكسرت قبل أن تبدأ، وجرح لا يزال يتنفس في ذاكرة أمها، تلك الأم التي ما زال صوتها يطارد الكاتبة: "يا صغيرتي، من أجل الرب، لا تموتي..." "الكتاب الأبيض" ليس رواية تقليدية، بل ترياق شفاف يُكتَب بصمت، في عالم يعج بالحركة والضجيج، اختارت "هان كانغ" أن تكتب عن السكون، عن البياض، عن الجراح الخفية التي لا يراها أحد، لكنها تنزف باستمرار في داخلها... ليست "هان كانغ" كاتبة عادية في كوريا الجنوبية؛ هي تجربة وجودية تكتب الألم قطرة قطرة، كأن الكلمات نفسها تمارس فعل الشفاء... منذ بداياتها، لم تسعَ للشهرة، ولم تغرِها العوالم الخيالية، بل ظلت تمسك بتلك اللحظة الدقيقة بين الحياة والموت، بين الحضور والغياب، بين ما كُتب وما ظلّ عالقًا في الأعماق. أعمالها المتعددة تميزت بخصوصيتها، وأبرزها رواياتها "النباتية" التي أثارت جدلًا عالميًا وحازت جائزة "مان بوكر" الدولية عام 2016، وتلتها رواية "الدرس الإنساني"، إلى أن وصلت إلى أكثر أعمالها صفاءً وخصوصية: رواية "الكتاب الأبيض"... هذه الرواية لا تُقرأ كما تُقرأ الروايات، بل تُشعر كما تُحسّ القصيدة،تبدو كدفتر تأملاتٍ هادئ، أو كطقس ربيعي مكتوب تسير فيه الكاتبة عبر دروب الفقد، ممسكة بالخيط الأبيض الذي يشدّ بين الحداد والرجاء، بين أخت لم تُمنح من الحياة سوى ساعة واحدة، وصورة لم تغادر ذاكرة أمها...اقرأ: "استلقى الجسدان على أرضية المطبخ، الأم على جنبها، والطفلة ملتصقة بصدرها...شعرت الأم ببرودة تتسلل إلى جسد صغيرتها، فأدركت أنها سترحل فورًا إلى عالمٍ آخر..." ولذا فان البياض لم يكن مجرد لونٍ في هذا الكتاب، بل بطل فى الرواية، بياض القماط، الثلج، الكفن، الورقة، الضوء... كلها رموز تكررت، كأنها طقس تطهير داخلي، تُهدئ به الكاتبة أوجاعًا لم تتكلم عنها من قبل... ولفهم رؤيتها وأعماقها، لا بد من التوقف عند حوار أجرته معها صحيفة "الجارديان" البريطانية، كانت إجاباتها صافية، مثل صوتها في الرواية، تحدّثت فيه عن الطقوس والكتابة والصداع الذي علمها التواضع...! عندما سُئلت: تكررين في صفحاتك الأولى أنكِ "ترغبين في أن تكتبي"... هل هذا الكتاب تحوّل جذري؟أجابت: "الأسلوب الذي كتبته به كان كطقس صغير أمارسه يوميًا، تطهير ذاتي،شعرت بأنني أقترب يومًا بعد يوم من شيءٍ في داخلي لا يُدمَّر، لا يُشوَّه... ثم جاء السؤال الشخصي عن الصداع النصفي: "يُذكرني بأني إنسانة. حين يهاجمني، يُجبِرني على التوقّف، ويجعلني متواضعة دائمًا. لولاه، لو كنتُ في صحة ممتازة، ربما لم أكن لأصبح كاتبة...! وحين سُئلت: ومتى أدركتِ أنكِ كاتبة؟ "في الرابعة عشرة. كنت أبحث عن إجابات، ثم أدركت أن كل الكتّاب يكتبون بحثًا عن أجوبة لا يصلون إليها. فقلت: لماذا لا أفعل مثلهم؟" وعن والدها الروائي، أجابت ببساطة: "كان في بيتنا الكثير من الكتب... هذا كل شيء." لكن أكثر الإجابات دهشة جاءت حين سُئلت عن الكُتاب الذين تتمنى لقاءهم أجابت: "لا أرغب في لقائهم، لقد التقيتُ بهم بالفعل عبر كتبهم، إن شعرتُ بشيء وأنا أقرأ، فهذا لا يُقدّر بثمن، الكاتب يُقدّم أفضل ما عنده في كتابه، وهذا يكفيني." أما عن أثر فوزها بجائزة "البوكر"، فقد كانت صادقة حين قالت: "ساعدني على الوصول إلى جمهور أوسع، لكنه جلب معه اهتمامًا زائدًا... وبعد شهور قليلة، تمنيت أن أستعيد خصوصيتي، لأن الاهتمام الزائد...ليس جيدًا للكاتب." نلتقي الأسبوع القادم بإذن الله، مع قراءة مختلفة، وكتاب آخر.


البوابة
١٣-٠٧-٢٠٢٥
- البوابة
كتابةٌ بلونٍ أبيض على جرحٍ لم يلتئم!
في الأدب الكوري الحديث، تبرز الكاتبة "هان كانغ" كصوتٍ متفرّد، يكتب بلغة جديدة وبأسلوب مُبتكر. ذاع صيتها عالميًا بعد روايتها "النباتية"، التي حصدت جائزة مان بوكر الدولية عام 2016، وتُرجمت إلى أكثر من عشرين لغة. وتلتها أعمال أخرى مثل "الدرس الإنساني" و"الكتاب الأبيض"، وكلها تؤكد رؤيتها الجمالية المشبعة بحسٍّ وجوديّ دافق. وفي عام 2024، تُوّج هذا المسار الأدبي الفريد بأرفع وسام عالمي، وهو جائزة نوبل في الأدب. وجاء في حيثيات الجائزة أنها "تقديرًا لنثرها الشعري المكثّف الذي يواجه الصدمات التاريخية ويكشف هشاشة الحياة البشرية"، فكانت الجائزة تتويجًا لمسيرةٍ أدبية نادرة، وشهادةً بقدرة اللغة الهامسة على أن تُلامس أعماق الإنسانية. وكما هو معلوم، فهي أول كاتبة كورية جنوبية تنال جائزة نوبل، وأول امرأة آسيوية تفوز بها منذ سنوات طويلة. وقد كان يمكنني أن أتحدث عن روايتها الشهيرة "النباتية"، أو عن تأملاتها في "الدرس الإنساني"، لكن شيئًا في رواية "الكتاب الأبيض" استوقفني على نحو خاص، بعد أن انتهيت من قراءتها. لم أجدها رواية تسرد أحداثًا وتتحدث عن مواقف ومشاعر، لكنها عملٌ يشتبك مع الوجع بهدوء، ويتأمل الوجود من زوايا ما لم يحدث. اللون الوحيد المسيطر في هذا العمل هو الأبيض. لكنه بياض لا يُبشّر، بل يحتشد بالفقد، والتطهّر، والحنين إلى خلاصٍ غامض. عملٌ شخصيٌّ وعالميٌّ في آنٍ معًا؛ بسيطٌ وعميق، هامسٌ وصارخ، كأنه صلاة داخلية كتبتها روحٌ تقف على حافة الحياة. "الكتاب الأبيض" – الذي بلغ القائمة القصيرة لجائزة مان بوكر الدولية عام 2018، وصدرت ترجمته العربية عن الأستاذ محمد نجيب – ليس رواية بالمعنى التقليدي، بل أقرب إلى تراتيل حزينة، مكتوبة بلونٍ أبيض، كلون البراءة، والغياب، والولادة التي لم تكتمل، والكتابة التي تحاول تضميد الزمن، لا وصفه. في مقدمته، تروي الكاتبة "هان كانغ" كيف قررت في أحد فصول الربيع أن تكتب عن "الأشياء البيضاء": القماط، ثوب وليد، ملح، جليد، قمر، ورقة بيضاء، كفن... لكنها لم تكن تكتب عن الأشياء بذاتها، بل عمّا تثيره فيها من فيضٍ شعوريّ قديم. لقد كتبت وكأنها تمسك ببلسمٍ أبيض، لتضعه فوق جرحٍ دفين لم يندمل. وسألت نفسها حينها: هل أريدُ حقًا أن أختبئ بين الكلمات؟ وهل يمكن لشاشٍ أبيض أن يُخفي هذا الألم؟ البياض عندها لم يكن تأمّلًا جماليًّا فحسب، بل استدعاءً لفقدٍ شخصيّ موغل في الطفولة؛ أختها الكبرى التي ماتت بعد ولادتها بساعات قليلة، وكانت هذه الرواية محاولة لمنح تلك الطفلة الغائبة حياةً رمزية على الورق، وردّ اعتبارٍ لها، ولو بلونٍ خافت. تتوقف الكاتبة عن مشروع كتاباتها، وتغادر إلى مدينة غريبة لم تطأها من قبل. تمشي فيها كمن يزرع نفسه من جديد في تربةٍ أخرى، وتواجه الوحدة والبرودة والصداع النصفيّ الذي يلازمها منذ مراهقتها. وتكتب بأنه في ليلة شتائية، يصبح الزمن ملموسًا كالإبر، تخترق قلبها لحظةً بلحظة، وتجبرها على التوقف... لا لشيء، إلا لتحمّل الألم. دعني أنقل لك، عزيزي القارئ، فقرةً من مقدمة "الكتاب الأبيض" لتشارك مشاعرها المتدفقة والمخبوءة في ثنايا خلاياها: "كلُ لحظةٍ هي قفزةٌ إلى الأمامِ من فوقِ جرفٍ غير مرئيّ، حيث تتجدّدُ حوافُ الزمنِ باستمرارٍ. نرفعُ أقدامَنا من على الأرضِ الصلبةِ للحياةِ التي عشناها حتى الآن، ونأخذُ الخطوةَ التالية المحفوفة بالمخاطرِ نحو المجهول، نحو الهواءِ الفارغِ. لا نفعلُ ذلك كي نثبتَ امتلاكَنا لشجاعةٍ من نوعٍ خاصٍّ، بل لأنه لا يوجد أمامنا طريقٌ آخرُ... الآن، في هذه اللحظة، أشعرُ بإثارةٍ مُدَوِخَةٍ تسري في داخلي، بينما أخطو بتهوّرٍ نحو زمنٍ لم أعشه بعد، نحو كتابٍ لم أكتبْه بعد." لا أريد أن أستمر في كتابة الفقرة حتى لا أدخلك عنوة إلى أحزانها... الأسبوع القادم، بإذن الله، أستكمل القراءة في هذا العمل الفريد، للكاتبة التي لا تكتب فحسب، بل تُصغي للألم، وتدوّنه.


البيان
٠١-٠٤-٢٠٢٥
- البيان
التكنولوجيا رافد للصناعات الثقافية والإبداعية في الصين
تشهد صناعة العروض الرقمية والتجارب الغامرة والشعبية في ميادين وقطاعات العمل الثقافي عامة، في الصين، تطوراً متسارعاً، مما يضفي حيوية جديدة على سوق الاستهلاك الإبداعي والصناعات الثقافية في البلاد. إذ راحت شتى المؤسسات تحقق نجاحات لافتة في هذا المجال، مستثمرة أوجه التكنولوجيا والرقمنة بوجه خلاق بات يوفر مصادر دخل مهمة ترفد خطط الاقتصاد الإبداعي في الصين، خصوصاً أنها راحت تثري معارف وثقافة أبناء الصين والسياح حول الكثير من القضايا والمسائل الثقافية والتاريخية، فعلى سبيل المثال، ورغم الشهرة العالمية للاكتشافات الأثرية الصينية، مثل: جيش تيراكوتا، لا يزال ضريح تشين شي هوانغ، أول إمبراطور للصين الموحدة منذ أسرة تشين الملكية، يكتنفه الغموض. غير أن هذا اللغز بدأ يتكشف تدريجياً بفضل عرض الواقع الموسع (الرقمي) الذي تم إطلاقه حديثاً في مدينة شيآن حاضرة مقاطعة شنشي بشمال غربي الصين. إذ خاض دنغ شياو جيون، أحد سكان المدينة، هذه التجربة أخيراً، مرتدياً نظارة الواقع الافتراضي، ووصف شعوره بأن الأمر أشبه بـ «الدخول» إلى غرفة دفن الإمبراطور ومشاهدة المشهد الأسطوري لنعش يطفو على بحر من الزئبق. وقال دنغ أثناء زيارته للمعرض: «كما يظهر أمامي، يمزج ضريح تشين شي هوانغ بين وصف النصوص التاريخية والرؤية الإبداعية الحديثة. إنها تجربة غامرة بحق». «لمحة» يعد العرض بالواقع الموسع، الذي يقدم «لمحة» من ضريح الإمبراطور، جزءاً من مجموعة متزايدة من التجارب الغامرة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، حيث استخدم ويستخدم منتجو العرض تقنيات متقدمة، مثل النمذجة ثلاثية الأبعاد والرسوم المتحركة البانورامية والواقع الافتراضي، بالإضافة إلى المؤثرات الصوتية والبصرية، بل وحتى محاكاة لعوامل حسية مثل الروائح ودرجات الحرارة والرياح والأمطار، مما يسمح للزوار بالانغماس تماماً في المشاهد المعاد إنشاؤها. وخلال الأيام التسعة الأولى من التشغيل التجريبي، اجتذب المعرض أكثر من 400 زائر. ووفقاً لـ «الكتاب الأبيض حول تطوير صناعة التجارب الغامرة في الصين لعام 2024»، الصادر في مايو من العام نفسه، بلغ حجم السوق الاستهلاكية لصناعة التجارب الغامرة، الإبداعية، في الصين: 92.7 مليار يوان (حوالي 12.93 مليار دولار) في نهاية عام 2023. ويشير الكتاب الأبيض، الذي أصدرته منصة «إلوثيون» الدولية لصناعة التجارب الغامرة، إلى أن هذه الصناعة تشمل غرف الهروب والعروض التفاعلية وعروض الواقع الافتراضي ومعارض الفن الضوئي والظل والمتنزهات الترفيهية الداخلية الغامرة ومختلف مشاريع الترفيه الأخرى. بحلول نهاية عام 2023، كان هناك 32024 مشروعاً للتجربة الغامرة في جميع أنحاء البلاد، مما خلق ما يقرب من 928 ألف وظيفة. وأكد الكتاب الأبيض التوسع السريع للصناعة، مما يسلط الضوء على دفع الحكومة الصينية لإعادة الهيكلة الصناعية وتطوير القوى الإنتاجية الحديثة النوعية. وفي الوقت نفسه، تلبي الصناعة الاحتياجات الثقافية العميقة للشعب الصيني، باستخدام التكنولوجيا الحديثة لإحياء وحماية تراثهم الثقافي. ويتوافق هذا الازدهار في صناعة التجارب الغامرة مع اتجاه أوسع لزيادة الإنفاق على الأنشطة الثقافية في الصين.