logo
تصوير الله الآب (2)

تصوير الله الآب (2)

النشرةمنذ 2 أيام
​ وديعة الإيمان ​ الَّتي تسلَّمناها من الربِّ يسوع المسيح، صخرة الكنيسة، بواسطة الرسل الأطهار، واستمرَّت في الروح القدس من خلال الآباء القدِّيسين، ما تزال وديعةً كاملةً ومتكاملةً، تُعاش بأمانة وترتيب، بعيدًا عن كلِّ انحراف وتشويش وتخيُّلات بشريَّة. يشمل هذا الأمر كلَّ أبعاد الكنيسة: الإيمانيَّة والعقائديَّة والليتورجيَّة والفنِّيَّة والتنظيميَّة، وحياة المؤمنين، وكلِّ ما يدخل في الإطار الكنسيِّ. وهذا ما دعا إليه ​ بولس الرسول ​ بقوله: "لأَنَّ اللهَ لَيْسَ إِلهَ تَشْوِيشٍ بَلْ إِلهُ سَلاَمٍ، كَمَا فِي جَمِيعِ كَنَائِسِ الْقِدِّيسِينَ" (1 كورنثوس 14: 33).
يمكن للتشويش أن يتسرَّب إلى كلِّ بعد من الأبعاد المذكورة أعلاه إذا ابتعدنا عن ​ الإيمان المستقيم ​، أي التسليم الشريف الَّذي يضمُّ كلَّ الأبعاد الكنسيَّة. والابتعاد هو انحراف يولِّد هرطقات بلا نهاية، وهذه الهرطقات تنزع السلام من النفوس.
الإنسان المصلِّي هو إنسان مصلٍّ روحًا وجسدًا، يمارس إيمانه ويعيشه بكلِّ حواسِّه الخمس، لذلك فإنَّ كلَّ ما يدور حوله ويسمعه ويلمسه ويذوقه ويشمُّه ويراه يؤثِّر فيه إيجابًا إذا كان صحيحًا، وسلبًا إذا شابه النقص والانحراف.
واجب الكنيسة هو الحفاظ على الترتيب الإلهيِّ لتساعد المؤمن في جهاده وإيمانه وصلاته، كما أنَّ واجب المؤمن هو عدم الابتعاد عن الإيمان الحقيقيِّ، كي لا تجرفه الهرطقات والبدع. فالحياة المسيحيَّة هي إيمان وعيش لهذا الإيمان، ومعرفة وصقل لهذه المعرفة بالتفسيرات الصحيحة.
إذا أخذنا موضوع ​ الأيقونات ​ مثلًا، فقد حرصت الكنيسة منذ البداية على أن يكون كلُّ تصوير متجانسًا مع إيمانها لأنَّه منبثق منه، ويسير في اتجاه واحد مع الكتاب المقدَّس وفهمه الصحيح، وخلاف ذلك يُعدُّ مرفوضًا. لذا ظهرت من بداية القرون المسيحيَّة الأولى الجداريَّات والأيقونات للربِّ يسوع المسيح، لأنَّه ابن الله الحيّ المتجسِّد، بينما لم يُصوَّر الآب السماويُّ لأنَّه لم يتجسَّد.
لكن عادت وظهرت تصاوير للآب كشخص مسنٍّ ذي لحية بيضاء، خاصَّة في روسيا بعد الألف الأولى، متأثِّرة بالغرب وبالنهضة الإيطاليَّة، ثمَّ عبرت إلى اليونان وإلى بلادنا.
وقد ردَّ مجمع Stoglav الروسيُّ (1551م) على ذلك مؤكِّدًا نبذ كلِّ تعديل أو ابتكار أو تحريف يشوِّه المعنى اللاهوتيَّ للأيقونة، ورفض كلَّ ما يتعارض مع ما هو مسلّم إلينا والمتَّبع في الفنِّ الإيقونوغرافيِّ (قانون 42-43). كما اشترط أن يكون كاتبو الأيقونات على معرفة لاهوتيَّة دقيقة بالعقيدة وبالفنِّ الأيقونيِّ، وأمر بتكريم الأيقونات بشكل لائق، ومنع معاملتها باستخفاف أو قلَّة احترام.
أمَّا المجمع الكبير في موسكو (1666–1667م)، فقد أدان بشدَّة تصوير الآب (قانون 59)، واعتبره عبثًا وهرطقةً بشكل رسميٍّ، محرِّمًا تمامًا رسم ربِّ الصباؤوت – أي الله الآب – على هيئة شيخ ذي لحية بيضاء يحمل الابن، وكذلك تصوير الروح القدس على شكل حمامة.
والسبب أنَّ الله الآب لم يتجسَّد ولم يره أحد، إلَّا الابن الوحيد، الواحد في الجوهر معه، الَّذي تجسَّد. والآب والابن والروح القدس إلهٌ واحد[1].
فكان قرار المجمع تصحيحًا للانحراف الَّذي دخل حديثًا إلى الكنيسة الروسيَّة. وقد استند الانحراف إلى تفسير خاطئ للآية:
"كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ وُضِعَتْ عُرُوشٌ، وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ. لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ، وَعَرْشُهُ لَهِيبُ نَارٍ، وَبَكَرَاتُهُ نَارٌ مُتَّقِدَةٌ." (دانيال 7: 9)، باعتبار أنَّ "القديم الأيَّام" هو الآب.
لكنَّ دانيال النبيَّ لم يقل إنَّه رأى إنسانًا أو وجه إنسان، بل أعطى وصفًا يشير إلى الألوهة والنقاوة والحكمة الإلهيَّة.
إنَّه مشهد الدينونة نفسه الَّذي رآه القدِّيس يوحنَّا الإنجيليُّ عن المسيح: "وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ، وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ." (رؤيا 1: 14). وقد طابق القدِّيس إكليمندس الإسكندريُّ (150–215م) رؤيا دانيال مع ما ذكره يوحنَّا عن العرش في الرؤيا: "نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ." (رؤيا 1: 4).
كما تكلَّم الربُّ يسوع عن هذا في الدينونة العامَّة حين يجلس على العرش ليدين الناس بحسب أعمالهم (متَّى 25: 31–32). وشرح القدِّيس يوحنَّا الدمشقيُّ (675–749م) أنَّ ما ورد في رؤيا دانيال يشير إلى المسيح.
إذًا، التفسير الكتابيُّ الخاطئ يضرب عقيدة الثالوث القدُّوس، لأنَّه يجعل الآب منظورًا، وهذا لم يحصل قطُّ لا في الرؤيا ولا في الحقيقة: "اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يوحنَّا 1: 18).
هناك من فسَّر جداريَّة القبَّة في سرداب San Biagio (1196م) في إيطاليا على أنَّها تمثِّل "القديم الأيَّام"، لكنَّها في الواقع للمسيح، إذ إنَّ الصليب ظاهر داخل الهالة حول رأسه.
ويحيط بالمسيح نجوم، والكروبيم، ورموز الإنجيليِّين الأربعة، وإلى جانبه النبيَّان دانيال وحزقيَّال. كما تحيط بالجداريَّة مشاهد من حياة المسيح: البشارة، الرحلة إلى مصر، الدخول إلى الهيكل، ودخول المسيح إلى أورشليم. التصوير يمزج بين الأسلوبين الشرقيِّ والغربيِّ.
أشهر التصاوير للقديم الأيَّام هي تلك الَّتي رسمها مايكل أنجلو في سقف كنيسة سيستين (1508–1512)، حيث جمع بين تصوير القديم الأيَّام والتصوير الكلاسِّيكيِّ القديم للإله جوبيتر، ودمجهما مع صورة اليد الإلهيَّة الممتدَّة للإنسان، الَّتي كانت شائعة في الفنِّ المسيحيِّ الأوَّل.
في الختام، نعود إلى ما شدَّد عليه المجمع المسكونيُّ السابع بخصوص ​ التصوير الإيقونوغرافي ​ِّ: "إنَّ تصوير الأمور المقدَّسة لا يُترك لأهواء الرسَّامين، بل يجب أن يكون وفقًا لما تسلَّمناه من الكنيسة، كما نُقِل إلينا عبر الآباء القدِّيسين".
إلى الربِّ نطلب.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أمين الفتوى: الإيجابية في ثلاث تفاؤل وثقة بالله وسعي للخير
أمين الفتوى: الإيجابية في ثلاث تفاؤل وثقة بالله وسعي للخير

صدى البلد

timeمنذ 4 ساعات

  • صدى البلد

أمين الفتوى: الإيجابية في ثلاث تفاؤل وثقة بالله وسعي للخير

قال الدكتور هشام ربيع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن الحديث عن الإيجابية لا يجب أن يقتصر على الشعارات أو العبارات المحفزة فقط، بل ينبغي أن يُترجم إلى خطوات واقعية وسلوكيات يومية. وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال تصريح: "نعرف أن الإيجابية شيء جيد والسلبية شيء سيئ، لكن الأهم هو: كيف نكون إيجابيين؟ وكيف نبتعد عن السلبية؟". وحدد مفهوم الإيجابية بثلاث كلمات وصفها بأنها تمثل جوهر السلوك الإيماني والواقعي في حياة المسلم، قائلًا: "الإيجابية هي: أن أكون متفائلًا، واثقًا في الله عز وجل، ساعيًا للخير لي ولغيري"، مؤكدا أن هذه الثلاثية ليست نظرية، بل هي نهج حياة، التفاؤل يعني حسن الظن بالله وانتظار الخير رغم التحديات، الثقة بالله تمنح الإنسان الثبات في وجه الصعاب، والسعي في الخير يحقق معنى عمارة الأرض والإحسان للخلق. وأشار إلى أن الإسلام دعا إلى هذه القيم منذ البداية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل، بل وبيّن أن الفأل هو الكلمة الطيبة التي تُبشر بالخير وتمنح النفس أملًا حتى في أحلك الظروف. وتابع: "الإيجابية ليست ترفًا نفسيًا، بل هي جزء من الغاية الكبرى لخلق الإنسان، والتي تتمثل في عبادة الله، وتزكية النفس، وعمارة الأرض. وإذا تحقق ذلك، تحقق معنى الإيجابية في أسمى صوره". أردف: "عندما نُقبل على الحياة بنفس راضية، وقلب متفائل، وسعي مستمر في الخير، فإننا نكون أقرب لما أراده الله منا: أن نكون خلفاء في الأرض بالخير والعمل الصالح".

ما هو حد المرور أمام المصلي؟.. مجمع البحوث الإسلامية يكشف
ما هو حد المرور أمام المصلي؟.. مجمع البحوث الإسلامية يكشف

صدى البلد

timeمنذ 6 ساعات

  • صدى البلد

ما هو حد المرور أمام المصلي؟.. مجمع البحوث الإسلامية يكشف

يتساءل عدد كثير من المصلين عن حكم من يمر أمام المصلي وما هو حد المرور أمام المصلي ، كيف يتصرف المصلي في هذا الموقف وفي السطور التالية نتعرف على رأي دار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية. حكم من يمر أمام المصلين قالت لجنة الفتوى التابعة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، إنه يجب للمصلى إذا كان منفردا أو إماما أن يتخذ أمامه سترة تمنع المرور بين يديه، وتمكنه من الخشوع فى أفعال الصلاة، وذلك لما ورد عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها، ولا يدع أحدا يمر بين يديه. وأضافت اللجنة أن جمهور الفقهاء أجمعوا على أن المار بين يدى المصلى آثم ولو لم يصل إلى سترة، وذلك إذا مر قريبا منه، واختلفوا فى حد القرب. قال بعضهم: ثلاثة أذرع فأقل أو ما يحتاج له فى ركوعه وسجوده، والصحيح عند الحنابلة تحديد ذلك بما إذا مشى إليه، ودفع المار بين يديه لا تبطل صلاته". حد المرور المسموح به أمام المصلي وتابعت اللجنة: الأصح عند الحنفية أن يكون المرور من موضع قدمه إلى موضع سجوده، وقال بعضهم: إنه قدر ما يقع بصره على المار لو صلى بخشوع، أى راميا ببصره إلى موضع سجوده، كما لأنه لا خلاف بين الفقهاء فى أن للمصلى أن يدفع المار من إنسان أو بهيمة إذا مر بينه وبين سترته أو قريبا منه، لما ورد فيه من أحاديث منها ما رواه أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان. حكم المرور بين يدي المصلين كشفت دار الإفتاء المصرية عن أن حكم المرور بين يدي المصلين، موضحة أن السُّتْرَةُ مشروعة للمنفرد والإمام، أما صفوف المأمومين فيجوز المرور بينها عند الحاجة إلى ذلك؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أَقبَلتُ راكِبًا على حِمارٍ أَتانٍ، وأنا يَومَئِذٍ قد ناهَزتُ الاحتِلامَ، ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُصَلِّي بمِنًى إلَى غيرِ جِدارٍ، فمَرَرتُ بينَ يَدَي بَعضِ الصَّفِّ وأَرسَلتُ الأَتانَ تَرتَعُ، فدَخَلتُ في الصَّفِّ، فلم يُنكَر ذلك عليَّ". متفقٌ عليه. وأضافت دار الإفتاء، في فتوى لها عبر موقعها الإلكتروني، "ينبغي ألَّا يكون المرور بين صفوف المصلين إلا لحاجة لا يتم قضاؤها إلا به؛ حتى لا يُشغَل المصلون بغير حاجة معتبرة".

ما حكم تربية الكلاب داخل المنزل بغرض الحراسة؟.. أمين الفتوى يجيب
ما حكم تربية الكلاب داخل المنزل بغرض الحراسة؟.. أمين الفتوى يجيب

صدى البلد

timeمنذ 6 ساعات

  • صدى البلد

ما حكم تربية الكلاب داخل المنزل بغرض الحراسة؟.. أمين الفتوى يجيب

قال الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن تربية الكلاب في الأصل جائزة إذا كانت لأغراض مباحة شرعًا، كالحراسة أو الحماية أو حتى التسلية، نافيًا ما يُشاع من تحريمٍ مطلقٍ لتربية الكلاب، ومؤكدًا أن الأحكام تختلف بحسب الغرض والمقصد. وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء، خلال تصريح تليفزيوني، أن الشرع لم يُحرّم اقتناء الكلاب على إطلاقه، مستدلًا بما ورد في مسند الإمام أحمد من أن الحسن بن علي رضي الله عنهما كان له جرو صغير يلعب به، مما يدل على جواز اقتناء الكلب لغرض مباح، كلعب الأطفال أو الترفيه البريء. وأكد أن تربية الكلب في مكان مقطوع أو ناءٍ لتحقيق الأمان والحماية، كما في بعض المناطق السكنية، من الأغراض التي يُقرّها الشرع ولا إثم فيها، طالما لا يصاحبها إيذاء للناس أو استخدام الكلب لإرهابهم. وفيما يتعلق بوجود الكلب داخل المنزل، أشار أمين الفتوى إلى أن الفقهاء اختلفوا في حكم طهارة الكلب، وأن مذهب المالكية يرى أن الكلب طاهر، وأن ملامسته لا تنجّس الثياب أو البدن، حتى إن كانت ملامسة لعابه، وهو رأي فيه سعة ورحمة، خاصة لمن يعاني من وسواس الطهارة أو يتعامل مع الكلاب بشكل دائم. أما عن مسألة نقصان الأجر بسبب اقتناء الكلب في البيت، فقال إن هذا مرتبط بحال اقتناء الكلب بغير وجه مباح، كمن يحتفظ به للتفاخر أو لتخويف الناس أو إزعاجهم، أو من يسيء معاملته بحبسه أو الإضرار به، أما إذا كان الاقتناء لغرض أباحه الشرع، فلا يترتب عليه إثم ولا نقصان في الأجر. وقال: "الشرع لا يحرم الشيء لمجرد وجود الكلب، وإنما ينظر إلى نية صاحبه وغرضه من اقتنائه، فإن كان مباحًا فلا حرج، بل قد يكون من البرّ إذا تحقق به الأمان للناس أو كان فيه نفع لهم."

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store