
إصدار سندات محلية بقيمة 1.98 تريليون يوان في الصين خلال 5 أشهر
أظهرت بيانات رسمية أصدرتها وزارة المالية الصينية، اليوم السبت، أن الحكومات المحلية في البلاد أصدرت سندات جديدة بقيمة إجمالية بلغت 1.98 تريليون يوان (حوالى 277 مليار دولار أميركي) خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري. وبلغت قيمة إصدار السندات ذات الأغراض العامة 351 مليار يوان، فيما بلغت قيمة إصدار
السندات
ذات الأغراض الخاصة أكثر من 1.63 تريليون يوان.
وخلال الفترة من يناير/ كانون الثاني حتى مايو/ أيار الماضيين، أُصدِرَت هذه السندات بمتوسط أجل يبلغ 16.4 عامًا، ومتوسط سعر فائدة بلغ 1.95%، وفق وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا). وحتى نهاية مايو/ أيار الماضي، بلغت ديون الحكومة المحلية المستحقة في الصين حوالى 51.25 تريليون يوان، بحسب بيانات وزارة المالية.
وبحسب ما نقلت "أسوشييتد برس"، تعهدت الصين باتباع سياسة مالية أكثر استباقية خلال العام الجاري لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وتعتزم البلاد إصدار 4.4 تريليونات يوان من
السندات الحكومية
المحلية ذات الأغراض الخاصة في عام 2025، وهو ما يمثل زيادة قدرها 500 مليار يوان عن العام الماضي، وفقًا لتقرير عمل الحكومة.
وتُعد السندات التي تصدرها الحكومات المحلية في الصين أداة مالية رئيسية تستخدمها السلطات لتنفيذ مشاريع تنموية ضخمة تدعم النمو الاقتصادي في ثاني أكبر اقتصاد عالمي. منذ منتصف العقد الماضي، ومن خلال سياسة مالية متدرجة، منحت الحكومة المركزية في بكين الحكومات المحلية صلاحية إصدار سندات لتغطية نفقاتها الاستثمارية والتشغيلية، بهدف تعزيز شفافية التمويل وتقليل الاعتماد على أدوات تمويل غير رسمية تعرّض الاقتصاد لمخاطر متزايدة.
على الرغم من الدور الحيوي لهذه السندات في دفع عجلة التنمية، إلا أن تراكم الديون المحلية وصل إلى مستويات قياسية تجاوزت 51 تريليون يوان حتى نهاية مايو/أيار 2025، ما أثار مخاوف الخبراء من ارتفاع مخاطر عدم القدرة على السداد، خصوصًا في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع عائدات بعض القطاعات الحيوية، كالقطاع العقاري.
سيارات
التحديثات الحية
الصين تفرض قواعد صارمة لإنقاذ قطاع السيارات.. والشركات ترد
وتنقسم السندات الحكومية المحلية إلى نوعين رئيسيين: السندات ذات الأغراض العامة، التي تُستخدم لتمويل الخدمات العامة مثل التعليم والرعاية الصحية، والسندات ذات الأغراض الخاصة التي تُخصص لمشروعات
البنية التحتية
الكبرى، والتي تهدف إلى توليد عوائد مالية مستقلة لضمان سداد هذه الديون.
في ضوء هذه التحديات، أعلنت الحكومة الصينية التزامها خلال العام الجاري سياسة مالية أكثر استباقية وفعالية، حيث تخطط لزيادة إصدار السندات ذات الأغراض الخاصة إلى 4.4 تريليونات يوان في 2025، بزيادة 500 مليار يوان عن العام السابق، لتعزيز تمويل مشاريع بنية تحتية جديدة تركز على التقنيات الخضراء والتحول الرقمي، وللمساهمة في دعم النمو الاقتصادي المستدام وتوفير فرص عمل جديدة.
هذا التوسع في إصدار السندات يأتي وسط مخاوف دولية متزايدة من تأثير ارتفاع الديون باستقرار النظام المالي الصيني، الأمر الذي يضع الضغوط على الحكومة لاتخاذ إجراءات حذرة لضمان استدامة الدين، مع الحفاظ على مستوى الإنفاق الذي يدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
غزة... غياب عدالة توزيع المساعدات يفاقم كارثة الجوع
تزداد الأزمة الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة تعقيداً، في ظل الحصار المتواصل ومنع إدخال المساعدات منذ الثاني من مارس/آذار 2025، حيث فاقم غياب العدالة في توزيع المساعدات معاناة أكثر من مليوني نسمة يعيشون في واحدة من أسوأ الكوارث العالمية. ومنذ أكثر من شهر، شرعت سلطات الاحتلال، بالشراكة مع إحدى الشركات الأميركية، في افتتاح مراكز لتوزيع المساعدات، قرب نقاط انتشار الجيش الإسرائيلي في جنوب القطاع ووسطه، لكن هذه المراكز تحوّلت إلى مصائد موت، حيث استشهد أكثر من 500 مواطن، وأصيب العشرات أثناء محاولاتهم الوصول إلى الغذاء . في وقت يحظى فيه البعض بفرص يومية للوصول إلى تلك المراكز ، يحرم منها آخرون بسبب خطورة الوضع الميداني، وتعمّد جيش الاحتلال قتل المجوّعين، ما يعكس غياب العدالة الاقتصادية والاجتماعية، ويعزز من حالة الاحتكار، وهو ما فتح الباب أمام استغلال الوضع، وبيع المساعدات في الأسواق بأسعار باهظة. خيارات صعبة يقول الموظف الحكومي، سائد أبو غالي، الذي يتقاضى راتباً بالكاد يصل إلى 800 شيكل كلّ 45 يوماً (الدولار = 3.39 شواكل)، إنه ينفق راتبه خلال أقل من أسبوع، إذ يضطر لشراء الطحين والسكر والزيت بأسعار خيالية مع غياب المساعدات، وهو ما يزيد من معاناته في الحصول على قوت يومه. ويضيف أبو غالي لـ"العربي الجديد": "انعدام البدائل مع توقف المساعدات، وعدم وجود أي مصادر دعم يضعني وعائلتي أمام خيارات صعبة، إذ بتّ مجبراً على تقليص عدد الوجبات اليومية لأطفالي، والتنازل عن احتياجات أساسية، مثل الحليب والعلاج، وبيع بعض مقتنيات منزلي لشراء الغذاء". ويشير إلى أنّ استمرار هذا الوضع دون تدخل عاجل يعني كارثة إنسانية حقيقية: "لم نعد قادرين على الصمود في ظل الانهيار الاقتصادي، فكيف لي أن أعيش براتب 800 شيكل وهو مبلغ بالكاد يشتري طعاماً لأسبوع في أحسن الأحوال". بيع المساعدات في المقابل، جمع الشاب هادي حسن، من مخيم النصيرات وسط القطاع، أكثر من 12 ألف دولار، من خلال جلب المساعدات من مركز توزيع "نتساريم" وبيعها في سوق المخيم. وقال هادي لـ"العربي الجديد" إنه يبيع يومياً بضائع تصل قيمتها 3000 شيكل، في وقت يركز على جلب السلع المرتفعة الثمن، مثل السكر، والزيت، والطحين، والبسكويت. ويبرر ما يفعله بسماح القائمين على المساعدات بدخول أي شخص لأخذ البضائع، سواء كان يستحق أو لا، مضيفاً: "في ظل الفوضى، إما أن تكون أنت من يربح أو تبقى في الطابور جائعاً". وأشار إلى أن الإقبال الكبير على شراء هذه السلع رغم أسعارها المرتفعة يظهر حجم الحاجة في الأسواق، حيث يلجأ الناس لشراء أي كمية متاحة، خوفاً من انقطاعها، ما يعزز من أرباحه اليومية. اقتصاد عربي التحديثات الحية إسرائيل تجفف السيولة في غزة عبر وكلائها بدوره، يرى الأكاديمي الاقتصادي، نسيم أبو جامع، أنّ استمرار منع إدخال المساعدات الإنسانية بطريقة عادلة فتح الباب أمام فئة محدودة من الأشخاص لاستغلال الوضع، عبر احتكار المواد الإغاثية وبيعها بأسعار خيالية في الأسواق المحلية. ويؤكد أبو جامع لـ"العربي الجديد" أن من يتمكن من الوصول إلى مراكز التوزيع بات يتحكّم بسوق المواد الأساسية، ما أدى إلى تركز الأموال بيد قلة على حساب الغالبية المحرومة، موضحاً أن هذا الخلل في التوزيع ساهم في ارتفاع أسعار السلع الاستراتيجية لمستويات قياسية، حيث وصل سعر كيلو السكر إلى 260 شيكلاً، أي بزيادة تفوق 8500% مقارنة بما قبل الحرب، وهو ما يعكس الفشل في توفير الحماية الاقتصادية للفقراء والطبقات الهشة. ويذكر أن هذا النموذج من التوزيع العشوائي خلق طبقة جديدة من "تجار المساعدات" الذين باتوا يتعاملون مع السلع الإغاثية باعتبارها مصدراً للربح السريع، ما يتعارض مع الهدف الإنساني للمساعدات، في وقت تتحمل العائلات الفقيرة العبء الأكبر، في لا تملك أي قدرة على منافسة هذه الفئة في السوق، أو حتى الوصول إلى أبسط احتياجاتها. ويدعو أبو جامع إلى ضرورة تغيير آلية توزيع المساعدات العقيمة، وضمان وصول المساعدات وفق معايير شفافة، تراعي حاجة جميع العائلات الأكثر فقراً وتضرراً، مشدداً على أهمية تدخل دولي لضبط مسار المساعدات، ومنع تحولها إلى سلعة في سوق غير منظم يكرس التفاوت الطبقي، ويفاقم الأزمة الاجتماعية. من جهته، يذكر المختص في الشأن الاقتصادي، عماد لبد، أن قرابة 95% من سكان القطاع باتوا يعتمدون كلياً على المساعدات الإنسانية في ظل استمرار الحرب وتوقف مصادر الدخل، قائلاً إنّ منع وصول المساعدات للفئات المحتاجة أدى إلى انهيار اقتصادي داخل الأسر، حيث لم تعد هناك قدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية، وسط غياب أي بدائل للعمل أو الدعم الحكومي. ويوضح لبد في حديث لـ"العربي الجديد" أن سياسة الاحتلال في حصر توزيع المساعدات، وحرمان غالبية السكان منها، تسببت في استنزاف ما تبقى من مدخرات المواطنين، بينما استفادت فئة محدودة تمكنت من الوصول إلى مراكز التوزيع، لتتحول المساعدات من أداة إنقاذ إلى وسيلة للثراء غير المشروع. ويلفت إلى أن المؤشرات الاقتصادية شهدت تدهوراً مروعاً خلال الحرب على غزة، إذ تجاوزت معدلات الفقر 90%، وبلغت البطالة مستويات قياسية تقدّر بـ 83%، فيما تعيش آلاف العائلات على وجبة واحدة يومياً، مع اعتماد 95% من الغزيين على المساعدات.


العربي الجديد
منذ 4 ساعات
- العربي الجديد
مساعدات أوروبا للفلسطينيين
نفّذت المفوضيةُ الأوروبيةُ أخيراً حزمةَ مساعداتٍ جديدةٍ بقيمة 202 مليون يورو، موجهةً إلى السلطة الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ضمن إطار دعم طويل الأمد، تحت عنوان "التعافي والصمود". ورغم أن هذا الإعلان قد يبدو جرعةَ دعمٍ أوروبيةٍ في لحظة انهيار اقتصادي وسياسي فلسطيني، إلا أن المطلوب مالياً أكثر بكثير، ويثير الموضوع تساؤلاً عن غياب دعم كل من أيّد إقامةَ الدولة الفلسطينية، بمن فيهم الدول العربية والإسلامية. خُصّصت المنحة الأوروبية (152 مليون يورو) لسداد رواتب موظّفي السلطة، ولا سيّما في قطاعات التعليم والصحّة، غير أن هذا الدعم المالي ليس من دون شروط سياسية واضحة أوروبية وعربية، فالاتحاد الأوروبي، ودول في الخليج، طالبت صراحةً بأجندات إصلاح وحوكمة تتضمّن تعيين نائبٍ للرئيس الفلسطيني (عُيّن حسين الشيخ)، وإجراء انتخابات، وفرض تقاعد إلزامي على آلاف الموظفين، بمن فيهم عناصر أمنية ودبلوماسية. لم يكن الدعم المالي للسلطة الفلسطينية من دون شروط سياسية واضحة، أوروبية وعربية ورحّبت وزيرة الخارجية الفلسطينية التي أقسمت اليمين أخيراً، فارسين أغابيكان، بالدعم الأوروبي، وقالت إن هذه المساعدات لا تسدّ الفجوة الناتجة من سياسة الاحتلال الإسرائيلي في حجب أموال المقاصة، التي تُشكّل العمود الفقري لميزانية السلطة. ومن خلال بروتوكول باريس، تسيطر إسرائيل على غالبية إيرادات الفلسطينيين، لكنّها باشرت أخيراً باستخدام سلاح الحجب المالي أداةَ عقاب جماعي، ولا سيّما مع تولّي المتطرّف بتسلئيل سموتريتش حقيبة المالية. وقلّل الخبير الاقتصادي مؤيّد عفانة من وقع المساعدات الأوروبية، معتبراً أنها بالكاد تضمن استمرار دفع 35% من رواتب موظفي القطاع العام. والمفارقة أن هذا المبلغ، الذي يُعلن عنه جزءاً من حزمة كبرى بقيمة 1.8 مليار دولار على ثلاث سنوات، نقطة في بحر اقتصاد فلسطيني منهك بالديون والتضخّم وانسداد الأفق السياسي. ومن المؤسف أن تقاعس الدول الصديقة (العربية والإسلامية) عن الوفاء بتعهّداتها المالية يزيد الطين بِلَّة. وحتى المؤتمر الفرنسي السعودي (المشترك)، الذي كان من المفترض أن يشهد إعلان "منحة سخية"، تأجّل على خلفية التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران. في موازاة الأزمة المالية للحكومة الفلسطينية في رام الله، تواصل إسرائيل حربها الممنهجة ضدّ الفلسطينيين، ليس فقط عبر تجويع الشعب الفلسطيني في غزّة وحرمانه الغذاء والماء وحاجات الحياة الأساسية، بل أيضاً بتغوّل المستوطنين في الضفة الغربية في هجمات عنيفة، موثّقة من الأمم المتحدة التي أشارت إلى نحو 80 اعتداءً في ثلاثة أسابيع، شملت القتل والحرق وتدمير الممتلكات. وفي حادثة بارزة، أطلق مستوطنون النار على فلسطينيين في قرية كفر مالك، ما أدى إلى مقتل ثلاثة منهم. ورغم اعتقال خمسة مستوطنين، أُفرج عنهم سريعاً من دون توجيه تهم، في مشهد يُرسّخ منطق الإفلات من العقاب. ورغم مناشدات حسين الشيخ للمجتمع الدولي بالتدخّل، تظلّ الردود محدودةً، ففي غياب إرادة سياسية دولية حقيقية لمحاسبة إسرائيل، أو حتى كبح جماح مستوطنيها، تبدو هذه المناشدات أقرب إلى صدى يضيع في الفراغ. حين تتحول المساعدات أدواتٍ لتطويع القرار الفلسطيني، فإنّنا أمام حالة من الإذلال المالي المُقنَّع وقد صرّح رجل الأعمال الفلسطيني سمير حليلة لموقع المونيتور الأميركي بأنه، بالإضافة إلى التحدّيات الهيكلية الداخلية، تتفاقم المشكلات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية بسبب الضغوط السياسية الخارجية. قد يفاقم قرار المحكمة العليا الأميركية الصادر في 20 يونيو/ حزيران الحالي، ويسمح برفع دعاوى قضائية ضدّ منظمة التحرير والسلطة الفلسطينيتين، من شلل الحكومة الفلسطينية مالياً، إضافة إلى رفض سموتريتش (10 يونيو/ حزيران الحالي) تجديد إعفاء يسمح بترتيبات مصرفية خاصّة، تُسهّل التعاون بين المؤسّسات المالية الإسرائيلية والفلسطينية. في الوقت نفسه، تواجه البنوك الفلسطينية فائضاً في الشيكل الإسرائيلي الورقي، ويُعزى ذلك جزئياً إلى تحوّل إسرائيل إلى المدفوعات الرقمية بدلاً من النقد. علاوة على ذلك، يواصل الشعب الفلسطيني استخدام النقد، ما يخلق اختلالات في السيولة، وتتفاقم المشكلة بسبب تفاوت أسعار السلع، مثل البنزين والسجائر. قال حليلة: "علبة سجائر مارلبورو أرخص بعشرة شواقل في الضفة الغربية منها في إسرائيل، والبنزين أرخص أيضاً، ما يتسبّب في تدفّق كبير للمشترين من إسرائيل لكلا المنتجَين، وهم يدفعون نقداً فقط مقابل هذه السلع الرخيصة"، فيما ترفض البنوك الإسرائيلية التعامل الورقي مع البنوك الفلسطينية. لا يمكنها المساعدات الأوروبية (رغم ضرورتها) أن تُخفي واقع الاحتلال المالي والسياسي الذي يخنق الفلسطينيين يومياً. فحين تتحول المساعدات أدواتٍ لتطويع القرار الفلسطيني، فإنّنا أمام حالة من الإذلال المالي المُقنَّع. وحين يقابل ذلك صمت عربي وتواطؤ دولي، تكون النتيجة سلطةً على وشك الانهيار، وشعباً يتخبّط بين مطرقة الحرب والتجويع في غزّة، والعجز المالي وسندان الاستيطان والعنف. لقد بات من الضروري إعادة النظر جذرياً في معادلة الدعم الدولي للفلسطينيين، تبدأ بإجبار الاحتلال على تحرير الأموال الفلسطينية، ووضع خطّة استراتجية متكاملة تشمل وضعاً إدارياً ومالياً يؤسّس لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.


العربي الجديد
منذ 4 ساعات
- العربي الجديد
معضلات مالية و"تمرد" بمواجهة إصلاح الرعاية الاجتماعية في بريطانيا
بكثير من المساومات والتنازلات المالية، نجح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في نزع فتيل تمرد عدد كبير من نوابه في البرلمان ضد مشروع قانون إصلاح مخصصات الرعاية الاجتماعية قبل أيام قليلة من التصويت عليه. ورغم أن تمرير المشروع أصبح في حكم المؤكد لدى التصويت عليه يوم غد الثلاثاء، فإن ما وُصف بـ"التراجع الثالث" لستارمر خلال أقل من عام يكشف عن صراعات داخل الحزب الحاكم، ظاهرها السياسة وباطنها الاقتصاد ومعضلاته، وكلها تضع زعامته الحزبَ على المحك. تعود بدايات مشروع إصلاح مخصصات الرعاية الاجتماعية لذوي الإعاقة، أو العاجزين عن العمل جزئياً لأسباب صحية من الأسر والأفراد، وإعانة البطالة أو البحث عن عمل، إلى مارس/ آذار الماضي، فيما عُرف وقتها بـ"الورقة الخضراء". يهدف المشروع في جوهره إلى خفض الإعانة التي تدفعها الدولة لمن لا يعملون لأسباب صحية مختلفة، والتركيز على دعم ذوي الظروف الصحية بالغة الصعوبة، والهدف هو تعزيز فكرة الكسب والتأهيل للعمل بدلاً من الإعانة على حد تعبير وزيرة العمل والمعاشات ليز كاندل. وقد دافعت وزيرة الخزانة راتشيل ريفز عن هذا الخيار بالقول إن الطريقة الأفضل لحماية دولة الرفاه في الوقت الراهن هي ضمان عدم توسعها وبقائها ضمن الحدود المتاحة. كان يمكن لمشروع كهذا أن يمر بسلاسة لو سوقت الحكومة التغييرات باعتبارها إصلاحاً لنظام الرعاية الذي يتفق كثيرون على أنه يتسم بالفوضى والتعقيد في آن واحد. لكن "الورقة الخضراء" واجهت تحديات كثيرة منذ طرحها، تمثل أولها في توجه قيادة حزب العمال إلى تبني سياسات "غير عمالية" تأخذ الأموال من أيدي الناخبين المحتاجين، أي قواعد الحزب التقليدية، بدلاً من توسيع مظلة الرعاية للفقراء والطبقة الوسطى كما وعدت ناخبيها. أما التحدي الثاني، فتعلق بعدم إجراء مشاورات كافية بين حكومة الحزب وقيادة الكتلة النيابية من جانب، ومن جانب آخر نواب الصفوف الخلفية الذين جأرت دوائرهم بالشكوى والاتصالات، فتحسبوا لفقدان مقاعدهم وأعلنوا رفضهم مشروع القانون، وهو ما كان يؤشر إلى إمكانية خسارة الحكومة الاقتراع لو انضمت المعارضة إلى 126 عمالياً هددوا بالتصويت ضد حكومتهم. اقتصاد دولي التحديثات الحية بريطانيا تسابق الزمن لتجنب كارثة جمركية.. صفقة الصلب مع واشنطن مهددة وقد سعى المشروع الأصلي، قبل تعديله تحت ضغوط النواب المتمردين، لتوفير خمسة مليارات جنيه إسترليني سنوياً (6.9 مليارات دولار) للخزانة حتى العام 2029- 2030، وهو مبلغ ليس بالهين نظراً للأزمة التي تواجهها وزيرة الخزانة من تحديات لخفض اللجوء إلى مزيد من الديون، والحد من تكلفة المديونية التي تبلغ حالياً 2.8 تريليون جنيه إسترليني، أي ما يعادل 100% من قيمة إجمالي الناتج المحلي. ويشير تقرير لمعهد الدراسات المالية (IFS) إلى الفاتورة الباهظة التي تتحملها الموازنة لدعم ذوي الإعاقة غير القادرين على العمل لظروف صحية دائمة (بين عمر 16 و64 عاماً) أو يحتاجون لدعم إضافي، بسبب عجز غير كلي أو دائم، يعزز التحاقهم بسوق العمل، إذ ارتفعت قيمتها من 37 مليار جنيه إسترليني في عام 2020 إلى 57 ملياراً في العام الحالي، لتمثل ما يزيد عن 40% من إجمالي مخصصات الرعاية الاجتماعية في إنكلترا وويلز والتي تبلغ في مجملها 141 مليار جنيه. لكن ضغوط النواب ومعارضتهم المشروع دفعت ستارمر إلى التراجع جزئياً عن أهم بنوده، وهو ما سيكلف حكومته حوالي ثلاثة مليارات جنيه إسترليني من الخفض الذي كان مزمعاً ليصبح إجمالي التوفير ملياري جنيه فقط بدلاً من خمسة مليارات. يتمثل أهم التعديلات في استمرار المخصصات من دون تغيير للذين يحصلون على إعانة الإعاقة والضمان الاجتماعي لظروف صحية (يونيفرسال كريديت) وهو ما يعادل حوالي تسعة آلاف جنيه إسترليني سنوياً للفرد. أما المستحقون الجدد اعتباراً من العام المقبل، فستنخفض قيمة ما يحصلون عليه من إعانة إلى حدود ثلاثة آلاف جنيه، وهو أمر ما زال يلاقي رفضاً ومخاوف من نواب الجناح اليساري في الحزب الذين تعهدوا بالتصويت ضد المشروع حتى بعد تعديله. بدورها، أعربت الجمعيات المدافعة عن ذوي الإعاقة عن تحفظات على المشروع رغم تعديله. وقال جيمس واتسون-أونيل، الرئيس التنفيذي لمنظمة Sense الخيرية للدفاع عن حقوق ذوي الإعاقة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "التنازلات التي أعلنتها الحكومة بشأن مشروع قانون الرعاية الاجتماعية القادم مهمة وإيجابية، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى العدالة للأشخاص ذوي الإعاقة. هذا القرار دليل على قوة من يرفعون أصواتهم ضد هذه التخفيضات غير العادلة، ونحن ممتنون للغاية لجميع داعمينا الذين خصصوا وقتاً للتواصل مع نوابهم بشأن هذه القضية". اقتصاد دولي التحديثات الحية بريطانيا: خطة لتأهيل العمالة المحلية وتقليل الاعتماد على المهاجرين لكن أونيل حذر من التمييز بين مستحقي الإعانة من ذوي الإعاقة اعتباراً من العام المقبل، وقال: "تؤسس تعديلات الحكومة نظاماً مزدوجاً غير عادل، حيث يحصل شخصان من ذوي الإعاقة، لهما نفس الاحتياجات، على مزايا مختلفة حسب توقيت بدء حاجتهما إليها. هذا ليس صحيحاً. لقد سمعنا أيضاً مخاوف آباء لديهم أبناء من ذوي الإعاقة أو ذوي احتياجات معقدة، ويشعرون بالقلق بشأن تأثير هذه التعديلات على مستقبل أطفالهم". مأزق ستارمر السياسي والمالي من الصعب تفسير التراجع الأخير الذي أقدم عليه كير ستارمر بمعزل عن الظرف الاقتصادي والسياسي الذي تمر به قيادته وحزب العمال بعد أقل من عام من وصولهم إلى السلطة. فتعهدات الحزب بعدم اللجوء إلى رفع الضرائب والتركيز بدلاً من ذلك على إصلاح الموازنة وتحفيز النمو لخلق مزيد من فرص العمل لا تحقق نجاحاً كثيراً. وحتى حين أقدم على بعضها، مثل إلغاء إعانة التدفئة للمتقاعدين، قوبل الإجراء برفض جماهيري أجبره على التراجع عنه وحمّل الموازنة 1.25 مليار جنيه كانت في عداد التوفير. أما تراجعه الأخير، وهو الأكبر حتى الآن، فجاء بعدما اعتبر ما يتردد عن تمرد نوابه مجرد "ضوضاء" ستخفت تحت سطوة الأغلبية، لكنه فوجئ بعد عودته من قمة الناتو في لاهاي بأن "المتمردين" أكثر تنظيماً مما اعتقد، فاضطر للمساومة. ويدور الحديث في أروقة ويستمنستر حالياً عن إمكانية تراجع الحكومة عن السقف الذي وضعته لإعانة الأطفال بقصرها على طفلين للأسرة فقط، وهو ما قد يكلف الموازنة 3.5 مليارات جنيه إضافية. وتحذر مؤسسات اقتصادية محافظة من أن اضطرار ستارمر للتراجع إرضاءً للنواب وقواعدهم الشعبية قد يعقد المسار السياسي لزعامته ويضعف الثقة بالاقتصاد البريطاني، وفي حالة كتلك، لن يكون أمام وزيرة الخزانة سوى زيادة الضرائب، وهو أمر بات أكثر ترجيحاً لأنه سيعوض تكاليف كل التغييرات السابقة لكنه سيكون أكبر التراجعات! رغم ذلك، يظل التحدي الأكبر لستارمر سياسياً بالأساس، فالمواجهات بين قيادة الحزب وقاعدته الشعبية ليست مألوفة لحكومة لم تكمل عامها الأول وتتمتع بأغلبية ساحقة في البرلمان. المدافعون عن ستارمر من حكومته، وفي مقدمتهم وزير الرعاية ستيفن كينوك، يقولون إنه "يقبل بإعادة التفكير لتصحيح المسار وإنه يضع مصلحة بريطانيا قبل مصلحة الحزب". اقتصاد دولي التحديثات الحية ارتفاع مفاجئ في أسعار المنازل بالمملكة المتحدة في مايو أما زعيمة حزب المحافظين كيمي بادينوك، فلم تضيع الفرصة للنيل من موقف ستارمر، ووصفت تراجعه الأخير بأنه "دليل على أن قيادة العمال ليست فاعلة، إذ كيف لا يمكنهم الاتفاق على أمور بسيطة مثل خفض النفقات؟ لقد خلقوا فئتين من مستحقي إعانة الإعاقة فجمعوا بين أسوأ خيارين". قد تتباين الأهداف السياسية للمحافظين والعمال، لكن "خفض النفقات" هي الكلمة محل الإجماع عند الاقتصاديين من الجانبين في الوقت الراهن للإبقاء على مساحة المناورة الضيقة أمام وزيرة الخزانة للاقتراض بأسعار فائدة أقل تكلفة، وتجنب تكرار لعنة سوق السندات التي لحقت باقتصاد بريطانيا في عام 2022 بسبب سياسات رئيسة الحكومة ليز تراس، عندما تحدت نوابها وأقدمت على إعفاءات ضريبية واستدانة غير مسبوقة، فأطاحها حزبها بعد 49 يوماً في السلطة.