
الصحافة في عصر الذكاء الاصطناعي.. فرص ذهبية وتحديات أخلاقية – DW – 2025/7/14
يُعيد الذكاء الاصطناعي هيكلة الصحافة جذريًا. وبينما تظهر فرص جديدة لسير عمل أكثر كفاءة وصيغ مبتكرة، لا تزال هناك تحديات: فمن غير الواضح كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على القرارات التحريرية واستقلالية الصحافة.
ومع تحول نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة في المشهد الإعلامي، يكتسب النقاش حول الاستخدام المسؤول والآثار الاقتصادية والبيئية للذكاء الاصطناعي أهمية متزايدة. وبين الكفاءة والأخلاقيات، والابتكار والتحكم، كان لاستخدام الذكاء الاصطناعي تأثير كبير على صناعة الإعلام، وسيستمر في تشكيل مستقبلها. والسؤال ليس فقط كيف سيُغير الذكاء الاصطناعي الصحافة، بل كيف يُمكن توجيه هذا التحول وتشكيله.
في هذا الإطار عقدت ندوة على هامش منتدى الاعلام العالمي الذي تنظمه DW، وأقيم مؤخراً بمدينة بون. الندوة ناقشت تأثيرات الذكاء الاصطناعي سواء على الصحافة أو على الصحفيين أو حتى على المتلقي والقارئ.
تقول الدكتورة سالي حمود الأستاذة الجامعية وخبيرة الذكاء الاصطناعي إن غرف الأخبار عندما تتواصل معها فإنها تحرص على امتلاك ميزة تنافسية لا توجد عن الكثير من المنافسين، ويكون السؤال الأبرز: ما هي المجالات التي ترغب المؤسسة الصحفية في تغطيتها وما طبيعة الموارد البشرية المتوفرة لديها قبل تبني الأدوات، مشيرة إلى أنه في هذه المرحلة تبرز أهمية التطبيق الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، مؤكدة على أنه يجب أن يرسخ في وعي المؤسسات الصحفية أن "الذكاء الاصطناعي ليس صحفيًا، بل هو هنا لمساعدتك".
وأكدت حمود على أننا نمر بمرحلة تحول، تتغير فيها طريقة تفكيرنا ونظرتنا إلى هندسة الأخبار News Engineering، لأنه بالنظر إلى الخوارزميات وكيف تُشكل وسائل التواصل الاجتماعي هذه الدورات، أصبحت الأخبار الآن تتم هندستها إن جاز التعبير مشددة على بقاء العنصر البشري في قلب عملية الإنتاج الصحفي ومحذرة في الوقت نفسه من التسرع في تبني الأدوات دون دراسة.
وشددت الدكتورة سالي حمود على أهمية محو الأمية الرقمية في عصر الذكاء الاصطناعي، محذرة من سيطرة الشركات التكنولوجية على الرواية. وذكرت أمثلة واقعية مثل الرقابة عبر الخوارزميات، داعية الصحفيين إلى التفاعل مع الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول.
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video
أما كريستو بوشيك الصحفي الاستقصائي بمجلة دير شبيغل فقد عبر عن شكوكه تجاه الضجة المحيطة بالذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى تناقض الروايات بين "الذكاء الاصطناعي سيقتلنا" و"الذكاء الاصطناعي سيعالج السرطان" ومدى اتساع الفجوة بين الفكرتين. وأكد أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ليست جديدة، بل تعود جذورها إلى الستينيات، داعياً إلى النظر إليها كمشروع سياسي واجتماعي.
واقترح بوشيك أن يتم التعامل مع الذكاء الاصطناعي بحذر والتحقق من كل ما يعود به من إجابات، مشيراً إلى أن هذه الأدوات تعمل بمنطق احتمالي مختلف عن البشر، ورغم أنه شجع على استخدامها إلا أنه أكد على ضرورة التعامل معها بحذر، مع التركيز على إسناد المهام الضيقة إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
أما نيكيتا روي مؤسسة "مختبرات روبوتات غرفة الأخبار Newsroom Robots Labs" فركزت على كيفية تحول الذكاء الاصطناعي إلى بنية تحتية تكنولوجية، مشيرة إلى فوائده مثل تحليل السجلات العامة والاعتماد المتزايد على أدوات الترجمة. لكنها تساءلت عن تأثير الذكاء الاصطناعي على العلامات التجارية لوسائل الإعلام الكبرى، خاصة مع ظهور تطبيقات وسيطة مثل "AI Overviews" من غوغل.
وفرّقت روي بين "مهام المعرفة" و"مهام اللغة"، مؤكدة أن الذكاء الاصطناعي لا يهدد الصحافة وإنما يهدد نموذجها الاقتصادي، وحثت الصحفيين على تجربة أدوات مثل ChatGPT وClaude وGemini، مع التركيز على الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر.
ويرى كارل ميلر مؤسس "مركز تحليل وسائل التواصل الاجتماعي Centre for the Analysis of Social Media" فقد أشار إلى وجود تحديات تقنية متزايدة لدمج الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار، مثل إنتاج محتوى غير قابل للتمييز عن الواقع، وتراجع ثقة الجمهور إذا ما اكتشف أن هناك منتجاً صحفياً أنتج بشكل شبه كامل بواسطة الذكاء الاصطناعي دون وجود أي تدخل بشري في أي مرحلة من مراحل الإنتاج.
ويؤكد ميلر على اعتقاده بأن الصحفيين سيصبحون مصدراً موثوقاً للمعلومات في خضم الفوضى المعلوماتية، لكنهم بحاجة إلى إعادة تعريف دورهم لمساعدة الجمهور على التمييز بين الحقيقي والاصطناعي. وأشار ميلر إلى حدوث تقدم كبير في تقليل "الهلوسة AI hallucinations" في النماذج اللغوية - وهي إنتاج الذكاء الاصطناعي لإجابات غير منطقية أو غير علمية أو غير صحيحة - لكنه حذر من تهديدات مثل استغلال الذكاء الاصطناعي في الحرب المعلوماتية. كما أكد على ضرورة الاستفادة من هذه التقنية في تحليل اتجاهات واهتمامات الجمهور واستكشاف القصص الجديدة.
واختتمت الندوة بتأكيد المتحدثين على ضرورة الاستفادة من تطور الذكاء الاصطناعي، مع الاتفاق على ضرورة أن يكون الصحفيون في طليعة فهم هذه التكنولوجيا وتأثيراتها.
تحرير: عادل الشروعات

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


DW
منذ 5 ساعات
- DW
الصحافة في عصر الذكاء الاصطناعي.. فرص ذهبية وتحديات أخلاقية – DW – 2025/7/14
يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في صناعة الإعلام، من تعزيز الكفاءة إلى إعادة هندسة الأخبار، لكن الأسئلة حول آثاره التحريرية والاستقلالية تظل ملحة. فكيف كانت أفكار الخبراء في منتدى الإعلام العالمي الذي تنظمه DW حول الأمر؟ يُعيد الذكاء الاصطناعي هيكلة الصحافة جذريًا. وبينما تظهر فرص جديدة لسير عمل أكثر كفاءة وصيغ مبتكرة، لا تزال هناك تحديات: فمن غير الواضح كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على القرارات التحريرية واستقلالية الصحافة. ومع تحول نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة في المشهد الإعلامي، يكتسب النقاش حول الاستخدام المسؤول والآثار الاقتصادية والبيئية للذكاء الاصطناعي أهمية متزايدة. وبين الكفاءة والأخلاقيات، والابتكار والتحكم، كان لاستخدام الذكاء الاصطناعي تأثير كبير على صناعة الإعلام، وسيستمر في تشكيل مستقبلها. والسؤال ليس فقط كيف سيُغير الذكاء الاصطناعي الصحافة، بل كيف يُمكن توجيه هذا التحول وتشكيله. في هذا الإطار عقدت ندوة على هامش منتدى الاعلام العالمي الذي تنظمه DW، وأقيم مؤخراً بمدينة بون. الندوة ناقشت تأثيرات الذكاء الاصطناعي سواء على الصحافة أو على الصحفيين أو حتى على المتلقي والقارئ. تقول الدكتورة سالي حمود الأستاذة الجامعية وخبيرة الذكاء الاصطناعي إن غرف الأخبار عندما تتواصل معها فإنها تحرص على امتلاك ميزة تنافسية لا توجد عن الكثير من المنافسين، ويكون السؤال الأبرز: ما هي المجالات التي ترغب المؤسسة الصحفية في تغطيتها وما طبيعة الموارد البشرية المتوفرة لديها قبل تبني الأدوات، مشيرة إلى أنه في هذه المرحلة تبرز أهمية التطبيق الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، مؤكدة على أنه يجب أن يرسخ في وعي المؤسسات الصحفية أن "الذكاء الاصطناعي ليس صحفيًا، بل هو هنا لمساعدتك". وأكدت حمود على أننا نمر بمرحلة تحول، تتغير فيها طريقة تفكيرنا ونظرتنا إلى هندسة الأخبار News Engineering، لأنه بالنظر إلى الخوارزميات وكيف تُشكل وسائل التواصل الاجتماعي هذه الدورات، أصبحت الأخبار الآن تتم هندستها إن جاز التعبير مشددة على بقاء العنصر البشري في قلب عملية الإنتاج الصحفي ومحذرة في الوقت نفسه من التسرع في تبني الأدوات دون دراسة. وشددت الدكتورة سالي حمود على أهمية محو الأمية الرقمية في عصر الذكاء الاصطناعي، محذرة من سيطرة الشركات التكنولوجية على الرواية. وذكرت أمثلة واقعية مثل الرقابة عبر الخوارزميات، داعية الصحفيين إلى التفاعل مع الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول. To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video أما كريستو بوشيك الصحفي الاستقصائي بمجلة دير شبيغل فقد عبر عن شكوكه تجاه الضجة المحيطة بالذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى تناقض الروايات بين "الذكاء الاصطناعي سيقتلنا" و"الذكاء الاصطناعي سيعالج السرطان" ومدى اتساع الفجوة بين الفكرتين. وأكد أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ليست جديدة، بل تعود جذورها إلى الستينيات، داعياً إلى النظر إليها كمشروع سياسي واجتماعي. واقترح بوشيك أن يتم التعامل مع الذكاء الاصطناعي بحذر والتحقق من كل ما يعود به من إجابات، مشيراً إلى أن هذه الأدوات تعمل بمنطق احتمالي مختلف عن البشر، ورغم أنه شجع على استخدامها إلا أنه أكد على ضرورة التعامل معها بحذر، مع التركيز على إسناد المهام الضيقة إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي. أما نيكيتا روي مؤسسة "مختبرات روبوتات غرفة الأخبار Newsroom Robots Labs" فركزت على كيفية تحول الذكاء الاصطناعي إلى بنية تحتية تكنولوجية، مشيرة إلى فوائده مثل تحليل السجلات العامة والاعتماد المتزايد على أدوات الترجمة. لكنها تساءلت عن تأثير الذكاء الاصطناعي على العلامات التجارية لوسائل الإعلام الكبرى، خاصة مع ظهور تطبيقات وسيطة مثل "AI Overviews" من غوغل. وفرّقت روي بين "مهام المعرفة" و"مهام اللغة"، مؤكدة أن الذكاء الاصطناعي لا يهدد الصحافة وإنما يهدد نموذجها الاقتصادي، وحثت الصحفيين على تجربة أدوات مثل ChatGPT وClaude وGemini، مع التركيز على الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر. ويرى كارل ميلر مؤسس "مركز تحليل وسائل التواصل الاجتماعي Centre for the Analysis of Social Media" فقد أشار إلى وجود تحديات تقنية متزايدة لدمج الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار، مثل إنتاج محتوى غير قابل للتمييز عن الواقع، وتراجع ثقة الجمهور إذا ما اكتشف أن هناك منتجاً صحفياً أنتج بشكل شبه كامل بواسطة الذكاء الاصطناعي دون وجود أي تدخل بشري في أي مرحلة من مراحل الإنتاج. ويؤكد ميلر على اعتقاده بأن الصحفيين سيصبحون مصدراً موثوقاً للمعلومات في خضم الفوضى المعلوماتية، لكنهم بحاجة إلى إعادة تعريف دورهم لمساعدة الجمهور على التمييز بين الحقيقي والاصطناعي. وأشار ميلر إلى حدوث تقدم كبير في تقليل "الهلوسة AI hallucinations" في النماذج اللغوية - وهي إنتاج الذكاء الاصطناعي لإجابات غير منطقية أو غير علمية أو غير صحيحة - لكنه حذر من تهديدات مثل استغلال الذكاء الاصطناعي في الحرب المعلوماتية. كما أكد على ضرورة الاستفادة من هذه التقنية في تحليل اتجاهات واهتمامات الجمهور واستكشاف القصص الجديدة. واختتمت الندوة بتأكيد المتحدثين على ضرورة الاستفادة من تطور الذكاء الاصطناعي، مع الاتفاق على ضرورة أن يكون الصحفيون في طليعة فهم هذه التكنولوجيا وتأثيراتها. تحرير: عادل الشروعات


DW
٣٠-٠٦-٢٠٢٥
- DW
إيران: الأضرار البيئية للحرب لا تزال غير واضحة المعالم – DW – 2025/6/30
قد تؤدي الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية إلى أضرار بيئية طويلة الأمد. وقد أجبرت آثار الحرب الأخيرة بالفعل ملايين الأشخاص على الانتقال إلى أماكن أخرى. لا يُعرف حتى الآن عدد الصواريخ والقنابل التي أُطلقت على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية خلال اثني عشر يوما من الحرب. وحسب التقارير فإن 14 قنبلة خارقة للتحصينات تزن كل منها 13600 كيلوغراما و30 صاروخا من طراز توماهوك كروز ضربت المنشآت النووية في فوردو وأصفهان ونطنز الأحد (22 يونيو/ حزيران 2025). وحسب غوخار موخاتزانوفا من مركز فيينا لنزع السلاح وعدم الانتشار النووي فإن المدى الفعلي للأضرار لا يزال غير واضح. وأوضحت في مقابلة مع DW في 23 يونيو/ حزيران 2025 أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تتمكن بعد من التحقق بشكل كامل من آثار الهجمات، خاصة على محطة التخصيب تحت الأرض في فوردو. "نحن نتعرف على بعض الأضرار من خلال صور الأقمار الصناعية، لكن المدى الفعلي والتكاليف غير معروفة لنا". وتفترض الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجود تلوث إشعاعي وكيميائي في عدة مواقع. ومن المحتمل أن تكون آلاف أجهزة الطرد المركزي في المنشأة الموجودة تحت الأرض قد تضررت بسبب انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ. وتعمل أجهزة الطرد المركزي بسادس فلوريد اليورانيوم عالي التفاعل (UF6). وعلى الرغم من أنه لم يتم قياس أي زيادة في مستويات الإشعاع خارج المحطات حتى الآن، إلا أن التسرب المحتمل لهذه المواد ينطوي على مخاطر صحية وبيئية كبيرة. ولا يستطيع مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية حاليا الوصول إلى المنشآت النووية الإيرانية المتضررة. "هناك الكثير مما لا نعرفه، وهذه هي المشكلة الأكبر"، كما يعترف الخبير البيئي روزبه إسكندري في مقابلة مع DW. إسكندري الذي يعيش في كندا هو أحد الخبراء المستقلين الذين يبحثون في التلوث البيئي في إيران منذ سنوات. "يدعي المسؤولون في إيران دائما أن كل شيء تحت السيطرة. ولكن الآن لا تكاد توجد أي معلومات عن المخاطر البيئية المحتملة، ولا حتى بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في المناطق المجاورة للأهداف مباشرة". ويشير إسكندري أيضا إلى الانفجار الخطير الذي وقع في نهاية أبريل/ نيسان في ميناء بندر عباس في جنوب إيران. وقد أدى الدخان الناجم عن احتراق مواد كيميائية إلى انبعاث كميات كبيرة من السخام وأكاسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت وغيرها من الملوثات، مما أدى إلى تدهور جودة الهواء في المناطق المحيطة بشكل كبير لعدة أيام. كما شوهدت سحب مماثلة من الدخان في مقاطع الفيديو التي تم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي بعد الهجمات التي شنها الجيش الإسرائيلي على بعض المنشآت الصاروخية في إيران. "هذه الملوثات تلوث التربة. إن تلوث التربة في النزاعات العسكرية هو أحد أسوأ العواقب البيئية للحرب، ولكن غالبا ما يتم تجاهلها". وغالبا ما تبقى الملوثات في الطبقة العليا من التربة لعقود من الزمن وتضعف جودة التربة وهو ما يتجلى بشكل خاص في فقدان الخصوبة والقدرة على التجدد بشكل طبيعي. في إيران هذه العواقب طويلة الأمد معروفة بالفعل من حرب الثماني سنوات مع العراق (1980-1988). وكانت محافظات خوزستان وإيلام وكرمانشاه في غرب وجنوب غرب البلاد على الحدود مع العراق الأكثر تضررا في ذلك الوقت. وتعرضت خوزستان بما فيها من مصافي نفط ومنشآت صناعية مهمة لقصف شديد. وأدى استخدام الآليات العسكرية الثقيلة إلى إطلاق معادن ثقيلة ومخلفات سامة. وأصبحت العديد من الحقول التي كانت خصبة في السابق غير صالحة للزراعة. كما أظهرت الدراسات التي أجرتها الجامعات المحلية زيادة معدل الإصابة بالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي والمشاكل الجلدية. وكان للتدمير البيئي إلى جانب سوء الإدارة المزمن للنظام السياسي وتزايد التغير المناخي مثل موجات الحر المتزايدة التواتر عواقب اجتماعية مباشرة لا يزال تأثيرها مستمرا حتى اليوم. فحسب أحدث الإحصاءات الحكومية المتاحة فإن محافظة خوزستان على سبيل المثال لديها أعلى معدل هجرة بين جميع المحافظات الإيرانية خلال العشرين عاما الماضية. وفي هذه المنطقة التي تضم مدنا مثل شوش وهي واحدة من أقدم المدن المأهولة بالسكان في العالم والتي كانت ذات يوم عاصمة إمبراطورية عيلام القديمة (من الألفية الرابعة إلى الألفية الأولى قبل الميلاد) أو شوشتر بنظام الري القديم المتطور والتي أدرجتها اليونسكو على قائمة التراث العالمي منذ عام 2009 يتناقص عدد السكان منذ سنوات. أعده للعربية: م.أ.م


DW
١٠-٠٦-٢٠٢٥
- DW
هل أوروبا مستعدّة لموجات الجفاف وندرة المياه؟ – DW – 2025/6/10
بينما تنخفض مستويات المياه في المجاري المائية الحيوية ويزداد قلق المزارعين الأوروبيين على محاصيلهم، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى وضع استراتيجية تَضمَن استمرار تدفّق المياه. البعض يرى الحل في "إعادة المساحة إلى الطبيعة"! تُعاني مالطا، الجزيرة الواقعة في وسط البحر الأبيض المتوسط بين إيطاليا وشمال إفريقيا، من شُحٍّ دائمٍ في المياه؛ فلا أنهار فيها ولا بحيرات، كما أن معدلات هطول الأمطار فيها منخفضة. ومع مناخها الحار الجاف، وسكانها البالغ عددهم خمسمئة وثلاثة وستين ألف نسمة، فضلًا عن عدد السيّاح السنوي الذي يفوق عدد السكان بستة أضعاف، فإن كل قطرة ماءٍ تُعدّ ثمينة. يقول توماس باجادا، عالم الأحياء البحرية وعضو البرلمان الأوروبي المنتخب حديثًا: "لقد عشنا دائمًا من دون كميات كافية من المياه". لكنه أضاف في حديثه إلى DW أنّ هذا النقص دفع بلاده إلى الابتكار. في الوقت الحاضر، يأتي نحو ثلثي مياه الشرب من مياه البحر المُحلّاة، والتي تُخلط مع كمية قليلة جدًّا من المياه الجوفية. كما تُسهم الاستثمارات في حلول تقنية أخرى — مثل العدادات الذكية، وإدارة التسربات، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي — في منع انقطاع المياه عن السكان، على الأقل في الوقت الراهن. مياه البحر في مالطا صورة من: Darrin Zammit Lupi/REUTERS خُمس أوروبا يُعاني بالفعل من ضغوط مائية لكن مع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد التقلّبات في أنماط الطقس بسبب تغيّر المناخ، من المُتوقّع أن تنتشر التحديات المائية التي تواجهها مالطا في أنحاء أخرى من أوروبا. فمع اعتماد العديد من المدن والمناطق الأوروبية على ممارسات تقليدية في إدارة المياه، يُعاني نحو خُمس القارّة سنويًّا من ضغوط مائية، بحسب ما أفادت به الوكالة الأوروبية للبيئة. وأشارت إلى أنّ أوروبا تتوقّع أن يتضاعف الطلب على المياه بحلول عام 2050، الأمر الذي قد يُفضي إلى نقص حاد في الموارد المائية في المستقبل. يقول لوك شاربنتييه، رئيس قسم السياسات في منظمة "ماء أوروبا" التي تُعنى بتقنيات المياه: "إنّ أوروبا تقف في واجهة أزمة مياه متفاقمة، تهدِّد الصناعة والزراعة والنُّظم البيئية وحقّ المواطنين في الحصول على المياه". فقد أصبحت موجات الحر الشديدة وفترات الجفاف الطويلة — التي كانت نادرة في أوروبا — ظواهر سنوية في العديد من المناطق. وقد حطّمت موجات الحر المتعددة في عام 2024 الأرقام القياسية لدرجات الحرارة، وكانت أوروبا الوسطى والشرقية ومنطقة البحر الأبيض المتوسط من أكثر المناطق تضرّرًا من الإجهاد الحراري وتقلّص احتياطات المياه، بحسب بيانات خدمة كوبرنيكوس لتغيّر المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي. وقد شدّد أول تقييم مناخي شامل للمخاطر في أوروبا، الصادر عن الوكالة الأوروبية للبيئة في آذار/ مارس عام 2024، على أنّ هذه الظواهر المناخية القصوى باتت تُحدِث بالفعل اضطرابات كبيرة في النُّظم البيئية، والزراعة، والنشاط الاقتصادي، وصحة الإنسان، وإمدادات المياه. كما أشار إلى أنّ الجفاف والحرارة المفرطة قد "تُفاقم المخاطر والأزمات القائمة... وتُفضي إلى انعدام الأمن المائي والغذائي، وتعطيل البُنى التحتية الحيوية، وتهديد الأسواق المالية والاستقرار الاقتصادي". ارتفاع درجات الحرارة في جنوب القارة الأوروبية. صورة من: Guglielmo Mangiapane/REUTERS ندرة المياه تُؤدّي إلى "تصاعد النزاعات" أتيناي جورج، من مجموعة الضغط "الحركة الأوروبية من أجل المياه" تقول إن: "لا أحدا يرى ما هو آتٍ حين نتحدث عن المياه، سواء من ناحية تلوّثها أو ندرتها". وأضافت: "إنها قضية بيئية وعدالة اجتماعية كبرى، لأنّ ندرة المياه تُفضي إلى تصاعد النزاعات، وقد رأينا ذلك بالفعل في مناطق أخرى من العالم". في عام 2012، قادت الحركة الأوروبية من أجل المياه حملة "الحق في الماء"، والتي وقّعها أكثر من مليون وستمئة ألف مواطن في الاتحاد الأوروبي. وطالبت الحملة المفوضية الأوروبية بضمان بقاء المياه خدمةً عامة، و"ضمان أن يتمتع جميع السكان بحقهم في المياه". وقد أُعيدت صياغة توجيه مياه الشرب — وهو التشريع الرئيسي للاتحاد الأوروبي في ما يخص مياه الشرب — بعد الحملة، ودخل حيّز التنفيذ في عام 2021. وهو يُلزم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بـ"تحسين الوصول إلى مياه شرب آمنة" لجميع المواطنين. ومع ذلك، تُظهر بيانات الوكالة الأوروبية للبيئة أنّ نحو ثلاثين في المئة من مواطني الاتحاد الأوروبي لا يزالون يُعانون من نقص المياه كل عام. هل يُمكن لاستراتيجية أوروبية جديدة أن تُصلِح الوضع؟ من المقرّر أن تُقدِّم المفوضية الأوروبية أخيرًا استراتيجية الصمود المائي في أوائل شهر حزيران/ يونيو، بعدما سُحِبت من جدول الأعمال قبل انتخابات البرلمان الأوروبي لعام 2024، إثر احتجاجات المزارعين وانتقادات الأحزاب اليمينية لخطط الاتحاد الطموحة بشأن المناخ. ومن المتوقّع أن تركّز الاستراتيجية بشكل كبير على الكفاءة، وإعادة استخدام المياه، والحلول التقنية — لا سيما في القطاعات التي تعتمد على المياه مثل الصناعة والزراعة. وتقول جيسيكا روسوال، المفوضة الأوروبية لشؤون البيئة والصمود المائي، خلال حديثها في البرلمان الأوروبي في مطلع شهر أيار/ مايو: "نُريد أن نُعالج الأسباب الجذرية لتحديات المياه، بما في ذلك التلوث، والندرة، وتأثير تغيّر المناخ". كما شدّدت على خطط تهدف إلى "تعزيز القدرة التنافسية لصناعة المياه في الاتحاد الأوروبي". وقد دعا أعضاء البرلمان الأوروبي المفوضية إلى أن تكون "طموحة" في تحديثها لاستراتيجية إدارة المياه والتكيّف مع تغيّر المناخ، وهي استراتيجية وصفها توماس باجادا بأنها "مُشتَّتة وقطاعية وغير تفاعلية". ويقول باجادا، الذي تولّى إعداد تقرير البرلمان بشأن المياه: "هذا يعني الانتقال من الوعود إلى العمل الفعلي والملزم. لا يُمكننا أن نستمر في التعامل مع المياه وكأنها مورد لا ينضب. ولهذا يدعو التقرير إلى وضع أهداف مُلزمة لكفاءة استخدام المياه وتقنين سحبها — حسب كل قطاع، وفي كل حوض مائي". وأقرّ باجادا بأنّ إدارة المياه مسألة وطنية وفق ما ينص عليه ميثاق الاتحاد الأوروبي، لكنّه أكّد في الوقت نفسه على ضرورة أن تُدرك الدول الأعضاء أنّها مسؤولية عابرة للحدود. الري عن طريق تكنولوجيا قديمة. صورة من: Julian Stratenschulte/dpa/picture alliance الحلول: تحديث البنية التحتية وتعزيز الكفاءة نوّاب البرلمان الأوروبي يرون أن على المفوضية أن تُعطي الأولوية لتمويل مخصّص من أجل الصمود المائي — أي أموال تُوجَّه إلى تحديث البنية التحتية للمياه، وإنشاء حلول تعتمد على الطبيعة، واستخدام الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات الحديثة لتحسين الكفاءة والمراقبة والأمان. ويرى توماس باجادا، من مجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين (الوسط اليساري)، في حديثه إلى DW: "نحتاج إلى أموال للاستثمار المباشر في الابتكار، والاستثمار المباشر في إدارة مياه أكثر ذكاءً، في الصناعة وفي الزراعة. دعونا نستثمر من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ونستخدم بنك الاستثمار الأوروبي لزيادة الاستثمارات، ولكن أيضًا نُخصّص بندًا مباشرًا في الميزانية الأوروبية المقبلة". وقال لوك شاربانتييه، من منظمة "المياه من أجل أوروبا"، عبر البريد الإلكتروني: "الجفاف والتكيّف مع تغيّر المناخ هما جزء فقط من الصورة الكبرى"، مشدِّدًا على الحاجة إلى تطوير بنية تحتية جديدة وتوسيع نطاق التحوّل الرقمي. وأضاف: "يجب على أوروبا أن تُحفّز الاستثمارات في جميع القطاعات — من المواطنين والشركات إلى السلطات المحلية والإقليمية". استعادة المياه عبر "إعادة المساحة إلى الطبيعة" في المقابل، عبّر نشطاء بيئيّون عن خيبة أملهم ممّا وصفوه بالنجاح الذي حقّقه النواب المحافظون وذوو التوجّهات اليمينية المتطرّفة في إضعاف دور الحلول المستندة إلى الطبيعة، واعتبروا ذلك "سابقة مقلقة" قبل إصدار المفوضية الأوروبية لاستراتيجيتها. وانتقدوا المساعي الرامية إلى إضعاف أهداف ترميم الطبيعة والحفاظ عليها، بالإضافة إلى الإجراءات المتعلقة بمكافحة تلوّث المياه. وقالت ائتلاف أنهار أوروبا الحيّة في بيان: "لا يُمكننا التصدّي لقارة تستنزف فيها المياه النظيفة بشكل متزايد، أو إصلاح الدورات المائية المختلّة، من دون التعاون مع الطبيعة". وأضاف الائتلاف: "إنّ الحلول القائمة على الطبيعة — مثل استعادة الأراضي الرطبة وإزالة الحواجز التي تعيق تدفّق الأنهار — هي أكثر فعالية من حيث التكلفة، وأسهل تنفيذًا، وأكثر استدامة بيئيًا من البنية التحتية الخرسانية والحلول التقنية". وقالت أتيناي جورج، من "الحركة الأوروبية من أجل المياه" التي تُناهض خصخصة خدمات المياه: "لا يُمكنك أن تفي بالأهداف البيئية والاجتماعية والأخلاقية عندما يكون دافعك الأساسي هو الربح". وأضافت في حديثها لـ DW أنّ مشاريع البنية التحتية الحديثة، مثل محطات تحلية المياه والسدود، تُكلّف كثيرًا في بنائها وتشغيلها، وتستهلك كميات كبيرة من الطاقة، وتتطلب صيانة باهظة. في المقابل، أشارت جورج إلى أنّ النهج القائم على الحفاظ على المياه في التربة وتجديد المياه الجوفية المستنزفة — على سبيل المثال باستخدام الأسطح النفّاذة في المدن، أو توفير مساحات أوسع للأنهار والجداول — هو نهج أكثر استدامة على المدى الطويل. وختمت قائلة: "إذا نظرت إلى كلا النوعين من الحلول، أيُّهما أسهل؟ أيُّهما أكثر كفاءة من حيث التكلفة؟ الجواب هو ببساطة: إعادة المساحة إلى الطبيعة". أعده للعربية: عباس الخشالي