logo
سوريا.. من الثورة إلى حكم القانون

سوريا.. من الثورة إلى حكم القانون

الجزيرة٢٩-٠٥-٢٠٢٥
تلخَّص الثورة بأنها ظاهرة من مظاهر تطور المجتمع؛ يلجأ إليها الأخير بقصد إحداث تغيير لم تفلح الأقنية القانونية والدستورية في إحداثه، بعد فشل النظام السياسي بتحقيق ما تصبو إليه الجماعة، فتصل الجموع إلى حد القناعة بعجز النظام القائم، وعدم جدوى سياساته لتحقيق مرامها؛ فيستحيل عدم الرضا عن سياسات حكومة أو نظام إلى انفعال شعبي يتباين شدةً ومدى، يقصد تغييرًا لم تكن المشروعية الدستورية حلًا ناجعًا له.
ولا ينبغي أن تنحصر الثورة -بمفهومها الحقيقي المراد- بالإطاحة بنظام سياسي لتنصيب بديله؛ فالمراد هو التأسيس لنظام اجتماعي يتفق ومرادات شعب الثورة؛ يسلك فيه المجموع وفق قواعد اجتماعية مغايرة، وتنتظم فيه ممارسة السلطة بطريقة شرعية عادلة، لا الاكتفاء بالتغييرات الشكلية المنقوصة، وهذا ما يستدعي بالضرورة أن ينجم عن الثورة تغيير حقيقي عميق في النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدولة، لمعالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى اندلاع الثورة؛ لا الاكتفاء بتغيير أشخاص النظام السياسي المخلوع.
ومن موجبات الثورة أن تنتقل الجموع من نشوة الشعور بالانتصار إلى العمل على تحديد النهج العام للسياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية؛ لتُبنى منظومة قانونية وفق المعتقدات الجديدة للعقل الجمعي الثوري، وهنا تكمن ضرورة التفريق بين التوق إلى الحرية، وعملية بناء الدولة على أسس العدالة والشرعية، وضرورة تحقيق الأهداف الثورية وطموحات الشعب الثائر بحقيقة مضامينها ومراداتها، عقب استبدال النظام المنشود بالنظام المخلوع.
من نافلة القول أن مجتمعات ما بعد الثورة عادةً ما تواجه مهمةً أساسية، تتمثل في استعادة حكم القانون وإثباته من حيث الوجود والتطبيق، باعتباره الضامن الأساسي للحقوق، والإطار الذي لا غنى عنه لتأطير الحريات ومصدر فرض الالتزامات
عادةً ما تعقب الثورة مرحلة انتقال سياسي، تتمثل في ترتيبات حكم مؤقت يمارس فيها الجهاز التنفيذي -والتشريعي أحيانًا- السلطة العامة في البلاد؛ بغية النهوض بمهام الدولة؛ ريثما تتم استعادة النظام الدستوري عقب عملية إصلاح للمؤسسات الحكومية تمهد لعهد جديد؛ يؤسس لسلطة تعتلي الحكم عادةً بالانتخاب.
وإن هذه المرحلة مهمة جدًا؛ إذ إنها تشكل فترةً ضرورية لتشكُّل أو تشكيل اختيارات الشعب واتجاهاته، وتكوين قدر كافٍ من الوعي السياسي لديه، خصوصًا في البلاد التي رزحت تحت حكم الاستبداد والإقصاء والدكتاتورية ردحًا طويلًا.
ومن نافلة القول أن مجتمعات ما بعد الثورة عادةً ما تواجه مهمةً أساسية، تتمثل في استعادة حكم القانون وإثباته من حيث الوجود والتطبيق، باعتباره الضامن الأساسي للحقوق، والإطار الذي لا غنى عنه لتأطير الحريات ومصدر فرض الالتزامات، كما أنه مصدر مشروعية السلطة وممارساتها.
ونقصد بحكم القانون؛ خضوع الكافة من حاكمين ومحكومين، وسلطة وشعب، ومؤسسات وكيانات عامة وخاصة، لأحكام عامة مجردة ملزمة، تطبق على الأوضاع المتماثلة بالتساوي دون تمييز، بما يتواكب مع التغييرات الطارئة على المجتمع، وبما يتوافق مع العقل الجمعي للثورة ومبادئها، وهذا يعني أن الشرعية الثورية لا بد أن تستحيل إلى شرعية دستورية يحكمها القانون ويحكم عليها.
ويتبع ذلك بناء المؤسسات التي ترهلت أو تآكلت أو ربما انهارت قبيل ومع نجاح الثورة، وبناء الدولة بما فيها من وظائف سياسية وتشريعية وتنفيذية وقضائية، وبيان حدود كل منها، وتنظيم التفاعل فيما بينها دون تغول ودون تعارض.
كيف تُبنى دولة القانون؟
إن من موجبات بناء الدولة التأسيس لفصل حقيقي وواضح للسلطات، بما يضمن عدم تركز السلطة بيد تلك التنفيذية، ومنح استقلال تام وحقيقي للسلطة القضائية، وتوفير مناخ تنافسي فاعل وفعال للآليات الانتخابية التمثيلية، وتفعيل رقابة شعبية مدنية نزيهة وشفافة على السلطة التنفيذية، ما من شأنه ضمان تحقيق الأهداف الثورية وعدم تكرار فساد الحكم والتفرد بالسلطة، والسعي في تحقيق العدالة والسلم، ومشاركة أطياف الشعب دون إقصاء، وجعل الولاية للدولة.
ومن أسس بناء دولة القانون عقب الثورات إعادة النظر في القوانين النافذة في البلاد، والتي في ظلها ظهر الفساد، وتدهور الوضع الاقتصادي والسياسي، وتطاولت الأذرع الأمنية، وسيطرت الأحكام العرفية.
والحقيقة أن مسألة إصلاح القوانين ليست باليسيرة، خصوصًا في بلاد كانت تتداخل فيها السلطات، وتتشابك في ظل منظومة فساد واستبداد؛ إلا أن إحداث التغيير في العقلية الجمعية في المجتمع هو الأكثر تعقيدًا، بغية إحلال عقلية القانون محل العقلية الأمنية، والالتزام بالقانون لا البحث عن أصحاب النفوذ، وأداء الحقوق لا الالتفاف عليها، والحفاظ على المكتسبات الوطنية لا التفريط بها لمصالح شخصية، وبناء الدولة لا الحزب والجماعة والانتماءات المختلفة.
يتأكد ذلك إذا ما علمنا أن السلطة المستبدة الفاسدة ليست عدوًا فردًا أوحد، وإنما هي بناء مركب نما وتغذى بفعل الجموع التي تركت الالتزام بالحق والتصرف بالعدل والوقوف بوجه الخطأ عقودًا إلى أن أصبحت السلطة مستبدة؛ ما يؤذن بولادة منظومة قانونية ليس فيها شيء من بقايا الفساد المترسخة في أعماق النظام السابق، تغيب فيها هشاشة المؤسسات، وتتخلص من مخلفات الشمولية والدكتاتورية، وتبنى فيها على أساس من الشرعية والمشروعية، فلا يساس الناس إلا بالقانون.
نجاح الثورة يقتضي نجاح بناء الدولة، وأساس بناء الدولة الناجح هو ذاك الذي يعالج المشكلات التي أدت إلى اندلاع الثورة أساسًا؛ فيؤسس لدولة تحتكم للقانون وتكرس العدالة، وتحترم الإنسان، وتزن بالقسطاس المستقيم
وإن من أولويات دولة القانون تصحيح مسارات الدولة وأسسها؛ بالانتقال من المركزية المفرطة إلى اللامركزية المنضبطة، ومن البيروقراطية إلى الديمقراطية، ومن الأحادية إلى التعددية، ومن الاحتكار إلى التنافسية، ومن محاولة التهميش إلى طلب المشاركة، ومن القمع إلى التكامل، وإعادة صياغة العقد الاجتماعي لتشكيل العلاقة بين الحكم والشعب بما يتوافق والهوية الوطنية، والأسس الثقافية والسياسية والاجتماعية لعموم أفراد الشعب، وبما يضمن الاستقرار والتنمية في الوقت نفسه، وإيجاد آليات حقيقية وفعالة للرقابة، ومدى تطبيق القانون؛ تتمتع بالاستقلال، ولا تحكم سوى بالقانون الذي ينبغي أن يخضع له هرم السلطة بكل طبقاته.
ومن المهم أن نعلم أن استنساخ نماذج المشروعية وشكل المؤسسات وفاعليتها من المنظومات الأخرى، دون مراعاة الفوارق في البيئة والثقافة والخصوصية، لا يفلح في تحقيق ما ترنو إليه الطموحات من ضرورة انبثاق المشروعية عن شرعية حقيقية، ومراعاة الحالة الوطنية، وواقعية الحياة السياسية والدستورية، ومستوى المؤسسات الحكومية؛ ليتم البناء خطوةً تلو أخرى على أسس متينة، وإن كانت غير سريعة، لا أن تبنى على شفا جرف هار فتنهار.
وهذا يعني أن نجاح الثورة يقتضي نجاح بناء الدولة، وأساس بناء الدولة الناجح هو ذاك الذي يعالج المشكلات التي أدت إلى اندلاع الثورة أساسًا؛ فيؤسس لدولة تحتكم للقانون وتكرس العدالة، وتحترم الإنسان، وتزن بالقسطاس المستقيم، ويكون مبتدأ ذلك كله بناء الدستور، ويكون منتهاه ضمان تنفيذ أصغر مادة قانونية وفق منظومة متكاملة، ترشح عن مراد المجموع وإرادة عقله الجمعي؛ مرورًا بإعادة النظر في التشريعات النافذة، وإعادة هيكلة المؤسسات المختلفة، وضمان تحقيق الاستقلالية والشفافية والشرعية من حيث التشريع والتطبيق.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عقد على الاتفاق النووي.. الإيرانيون بين محبط ومتشكك وداعٍ للمراجعة
عقد على الاتفاق النووي.. الإيرانيون بين محبط ومتشكك وداعٍ للمراجعة

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

عقد على الاتفاق النووي.. الإيرانيون بين محبط ومتشكك وداعٍ للمراجعة

طهران- قبل عقد من الزمن نزل الإيرانيون إلى الشوارع احتفاء بتوقيع الاتفاق النووي عام 2015، في مشهد نادر من الفرح وعُلّقت عليه الآمال لحقبة جديدة من الانفراج الاقتصادي ورفع العقوبات وعودة إيران إلى الساحة الدولية. لكن ذلك المشهد ما لبث أن تلاشى وسط العواصف السياسية، ليحل محله اليوم شعور جماعي بالخذلان والخوف، في ظل حرب غير معلنة واختناق اقتصادي متفاقم وثقة منهارة في جدوى المفاوضات. الحوكمة في مداخلة للناشط السياسي الإصلاحي سعيد شريعتي قال إن إيران كانت تعاني من تعقيدات اقتصادية كثيرة حتى قبل دخولها في أجواء الحرب، مشيرا إلى وجود اختلالات هيكلية واسعة في مختلف مجالات الاقتصاد والموارد، وهي اختلالات لا تزال البلاد ترزح تحت وطأتها حتى اليوم. وأوضح شريعتي للجزيرة نت أن التفكير في "تعاقد اجتماعي" جديد -ولا سيما في مواجهة "عدو خارجي مسلح حتى الأسنان"- بات ضرورة قصوى، مشددا على أن التغييرات التي تطالب بها النخب السياسية والاقتصادية وقادة التيار الإصلاحي، إضافة إلى مختلف التيارات السياسية في البلاد تمثل "علاجا عاجلا" باتجاه صياغة نظام حوكمي جديد. واعتبر أن هذا النظام الجديد من شأنه أن يفتح المجال لإعادة تحديد العلاقة مع الغرب بعد سنوات طويلة من التوتر والقطيعة. وأشار شريعتي إلى أن أحد العوامل الأساسية وراء الأزمات الاقتصادية في إيران يتمثل في العقوبات والضغوط والعزلة المفروضة على البلاد منذ أكثر من عقدين، معتبرا أن تجاوز هذا الوضع يبدأ من الداخل عبر تغيير في نهج إدارة الدولة، مما يؤدي إلى "نموذج جديد في السياسة الدولية". ودعا الحكومة الإيرانية إلى التحرك العاجل بمشاركة الشعب والنخب، مؤكدا أن عنصر "المرونة المجتمعية" هو الركيزة الأساسية للصمود، ومحذرا من أن فقدان هذا العنصر قد يعجل بانفجار الأزمات. انعدام الثقة من جهته، قال رئيس تحرير صحيفة الوفاق مختار حداد إن الشعب الإيراني لم يعلق آمالا كبيرة على الولايات المتحدة، بسبب ما وصفها بالتجربة المريرة معها، والممتدة منذ ما قبل الثورة الإسلامية وحتى اليوم. وأشار حداد في حديثه ل‍لجزيرة نت إلى أن المفاوضات النووية -رغم ما حملته من آمال جزئية- لم تُقنع الشارع الإيراني بإمكانية التغيير الحقيقي، خاصة بعد انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق، وعجز الأوروبيين عن الوفاء بالتزاماتهم، مؤكدا أن ذلك جعل الثقة بإمكانية التفاهم مع الغرب شبه معدومة. وبشأن الحرب الأخيرة، أوضح حداد أن الرهان كان على تفكك داخلي واحتجاجات شعبية، لكن ما حدث كان العكس، حيث ظهرت حالة نادرة من الوحدة الوطنية، حتى من قبل أطراف معارضة في الداخل والخارج، معتبرا ذلك ردا عمليا على المخطط الإسرائيلي الأميركي. وشدد على أن الرؤية المشتركة اليوم في إيران من الإصلاحيين إلى المحافظين تتقاطع في انعدام الثقة بالولايات المتحدة، وضرورة إعادة بناء الداخل دون وهم المفاوضات السريعة. شهادات وتُجمع شهادات مواطنين إيرانيين على أن ما بدأ كأمل في 2015 انتهى إلى خيبة تتفاوت درجاتها، وتنوعت الآراء التي استقتها الجزيرة نت في شوارع طهران بين محبط وناقم ومتشكك وداعٍ إلى المراجعة. ويقول الطالب الجامعي مهدي كاظمي (24 عاما) "كنت ممن راهنوا على الاتفاق النووي حين كنا نتابع أخباره من مقاعد الدراسة الثانوية، صدّقنا الوعود بأننا سنصبح مثل أي دولة مستقرة، بلا عقوبات ولا عزلة، لكن الواقع جاء مخيبا، اليوم، لا أثق بأي حديث عن تفاوض ما لم يكن هناك إصلاح داخلي جذري". أما رضا فرجي (44 عاما) -وهو تاجر قطع غيار في سوق طهران- فيعلق "كنا نظن أن الاتفاق سيرفع العقوبات، لكن الأسعار لم تهبط، بل تضاعفت، الناس فرحوا عند توقيعه، ثم استفقنا على انسحاب أميركا وعودة الحصار، الآن لا أحد يثق في تفاوض جديد، لأن الثقة انكسرت بالكامل". وتؤكد الناشطة السياسية الإصلاحية السابقة فرزانة بورحسيني (35 عاما) أنها "شاركت في حملات انتخابية روجت للاتفاق النووي، كنا نظنه بارقة أمل، لكن الثقة العامة بالسياسة تآكلت، اليوم هناك تعب جماعي وشك عميق في جدوى أي مسار تفاوضي ما لم يسبقه إصلاح شامل". من جهته، يقول منصور علوي (63 عاما) -وهو موظف متقاعد- "لا أحمّل الغرب وحده المسؤولية، بل أرى أن المشكلة في طريقة إدارتنا الأزمات، رغم كل شيء ما زلت أؤمن بالحوار، لكنني لا أستطيع إغفال الخلل الداخلي المتراكم". أما المهندس آرش نادري (29 عاما) فيرى أن الاتفاق "أُفشل بفعل الإرادات الخارجية"، لكنه يضيف أن "الخطر الحقيقي ليس من الخارج فقط، بل من فقدان الأمل في الإصلاح، نحن في مرحلة دقيقة، إما أن نعيد بناء الثقة بين الناس والدولة أو نغرق في عزلة أكبر". بين الألم والأمل الضائع وتُجمع كل الشهادات تقريبا على أن الأثر المعيشي للعقوبات لم يعالج بالاتفاق النووي، وتقول مريم حيدري (41 عاما) -وهي عاملة نظافة- "لا أفهم كثيرا في السياسة، لكن الأسعار ترتفع والدواء يختفي والوظائف نادرة، ما أشعر به هو الخوف، ليس فقط من الحرب، بل من الغلاء والمجهول". إعلان ويضيف الدكتور كيوان رستمي (58 عاما) -وهو سياسي سابق وأستاذ جامعي- أن "المفاوضات ليست كافية، ولا يمكن أن نراهن عليها دون إصلاح داخلي، الإيرانيون اليوم أمام خيارين: التحدي بشجاعة، أو الانزلاق نحو مزيد من القلق والعزلة". وتكشف المداخلات الرسمية والشهادات الميدانية معا عن صورة مركّبة لإيران بعد الاتفاق النووي، فهو مجتمع يشعر بالخذلان، وقيادة تقف أمام مفترق طرق، وشعب يبحث عن توازن بين التحدي والخوف. فبينما يرى البعض في الحرب الأخيرة عاملا محفزا للوحدة والتماسك يحذر آخرون من أن الصراع الخارجي قد يخفي أزمة داخلية أعمق لن تعالجها مفاوضات شكلية ولا شعارات سياسية.

الاتحاد الأوروبي: اتفقنا مع إسرائيل على تحسين الوضع بغزة
الاتحاد الأوروبي: اتفقنا مع إسرائيل على تحسين الوضع بغزة

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

الاتحاد الأوروبي: اتفقنا مع إسرائيل على تحسين الوضع بغزة

قالت مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاديا كالاس إن الوضع في قطاع غزة كارثي، وخاصة مع تأخر وقف إطلاق النار. وأضافت "اتفقنا مع إسرائيل على تحسين الوضع في غزة، ونرى أن هناك مؤشرات إيجابية". وتابعت "يجب فعل الكثير ونريد رؤية المزيد لنلمس تحسنا في الوضع الإنساني في قطاع غزة". وأوضحت أنه سيتم بحث الخيارات بشأن الشراكة مع إسرائيل، مشيرة إلى أن الأولوية ستكون متعلقة بالوضع الإنساني. وفي سياق متصل، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تقرير نشره الأربعاء، إن الجيش الإسرائيلي أصدر منذ 18 مارس/آذار نحو 54 أمرا بالنزوح، في حين أخضع نحو 81% من قطاع غزة لأوامر النزوح. وأضاف أنه مع انعدام وجود الأماكن الآمنة، لجأ الكثير من السكان إلى مواقع مكتظة لالتماس المأوى فيها وإلى مراكز الإيواء المؤقتة والبنايات المتضررة والشوارع والمناطق المفتوحة، وبات الناس محصورين في أماكن تتضاءل باستمرار. ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

متنفسهم ومصدر رزقهم.. بحر غزة ممنوع على أهلها بأمر من الاحتلال
متنفسهم ومصدر رزقهم.. بحر غزة ممنوع على أهلها بأمر من الاحتلال

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

متنفسهم ومصدر رزقهم.. بحر غزة ممنوع على أهلها بأمر من الاحتلال

غزة- يُخيّم صمت ثقيل على امتداد شاطئ قطاع غزة ، الذي كان يوما متنفّسا وملاذا من الحرب والحصار، فزوارق الصيادين لم تخرج منذ أيام، والخيام المنتشرة على الرمال، والمأهولة بالنازحين منها يسكنها الخوف وتترقب عدوانا جديدا، أو أمرا بالرحيل. وأصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي ، صباح السبت، قرارا يُحظر بموجبه اقتراب الصيادين والسباحين والغواصين من البحر، في خطوة جديدة تُعمّق خنق الحياة في قطاع غزة. ومن شأن القرار أن يحرم المئات من صيادي الأسماك من مصدر رزقهم الوحيد، ويعمّق انهيار الأمن الغذائي في قطاع غزة الذي يعاني من المجاعة بفعل منع إسرائيل توريد المساعدات والبضائع منذ مارس/آذار الماضي. أما مئات الآلاف من المهجّرين الذين يقيمون قسرا في خيام على حافة البحر، فقد وجدوا أنفسهم فجأة أمام خطر حقيقي، فالبحر الذي احتموا به، صار تهديدا جديدا. رعب مستمر قبل شهرين، نزحت إسلام سلمان من بيت لاهيا (شمالي قطاع غزة) إلى غرب مدينة غزة ، ولم تجد مكانا تنصب فيه خيمتها إلا على شاطئ بحر غزة مباشرة. واعتقدت إسلام أن هذا المكان أكثر أمانا، كونه بعيدا عن الحدود البرية التي يتوغل بها جيش الاحتلال، لكن ومنذ اليوم الأول والقوات الإسرائيلية تطلق النار طوال الليل على الشاطئ، وهو ما يصيب سكانه المهجرين بالرعب والهلع، لكنهم لم يغادروا لأنه ببساطة "لا مكان آخر يذهبون إليه". واليوم، وبعد قرار جيش الاحتلال إغلاق البحر ومنع الصيد والسباحة فيه، تضاعفت مشاعر الخوف لدى إسلام وأسرتها، حيث تقول للجزيرة نت "نسأل حالنا: هل سيطردنا الاحتلال؟ وإذا قررنا المغادرة، لا يوجد مكان نذهب إليه، نحن نعيش في رعب دائم". وتعيش إسلام في خيمة مع زوجها وطفليها، أحدهما رضيع في عمر 6 أشهر، وتُعاني من شح المياه، ومن الحشرات والبعوض، ومن صعوبة الوصول إلى الغذاء. وتضيف "حتى البحر لم نعد قادرين على الاقتراب منه. نتمنى أن نسبح لنخفف شيئا من الكآبة، لكن ذلك أصبح مستحيلا، فقد يُطلق علينا جيش الاحتلال النار في أي لحظة". أما معزوزة أبو شِدق فهي أيضا نازحة من بيت لاهيا، وقد فقدت منزلها وأثاثها، وتسكن خيمة لا تبعد عن البحر سوى أمتار، وتعيش الآن في ظروف قاسية. وتقول للجزيرة نت إن "الخيمة في النهار مثل الفرن، وفي الليل برد وخوف، لا ماء، ولا نظافة، وكل ليلة نسمع قذائف فوق رؤوسنا، ولا ننام". ومع قرار منع الاقتراب من البحر، تزداد معاناة عائلتها، وتضيف "كنا نظن البحر آمنا، لكن الآن صار خطرا، لا نستطيع مغادرة الشاطئ، ولا البقاء بأمان فيه، نعيش حالة رعب دائمة" وتختم حديثها بألم "حتى السباحة نحرم منها، رغم أنها المتنفس الوحيد، صحيح البحر أمامنا لكنه ممنوع علينا". حرمان في ميناء غزة، يقف الصياد محمود عْرُوق يجمع شباكه وينظفها، لا ليُعدّها للبحر، بل ليخزنها بعد قرار جيش الاحتلال منع الصيد، ويقول "الزورق الحربي الإسرائيلي يراقب بوابة حوض الميناء، فإذا فكرت في الخروج قد تصيبك رصاصة أو قذيفة، كنا نخاطر قليلا، أما الآن فالأمر مستحيل". وينحدر محمود من عائلة امتهنت الصيد لأجيال، لكنه فقد 21 شخصا خلال هذه الحرب الإسرائيلية، منهم ابنه ووالدته و3 من إخوته وزوجاتهم وأطفالهم. ويضيف "بقينا أنا ووالدي وأخ واحد، ورغم كل شيء رجعت أشتغل، تدبّرت قاربا صغيرا وبعض الشباك، نصطاد كي نُطعم من تبقى من أهلنا" لكن اليوم، ومع القرار الإسرائيلي الجديد، قرر محمود التوقف عن الصيد. ويتابع في حديثه للجزيرة نت "كل فترة يقتل جيش الاحتلال بعض الصيادين منّا، ولدينا صيادون مفقودون، آخرهم فقدوا قبل 10 أيام، منهم اثنان من زملائنا من عائلتي طروش وزيدان". ويؤكد الصياد الفلسطيني أن "هذا القرار بمثابة حكم بالإعدام بحقنا كصيادين، نحن فقراء، غير مسلحين، نخرج فقط لإطعام أطفالنا، لكن اليوم لا يوجد طحين، ولا رزق". محاولات رغم الألم قبل 15 يوما فقط، وبينما كان شقيقه غازي يعمل على سحب الشباك من البحر، أطلقت زوارق جيش الاحتلال النار عليهم دون سابق إنذار، فأردته قتيلا أمام أعين رفاقه. ورغم فداحة المصاب، لم يجد عبد الرحيم رياض خيارا سوى العودة إلى البحر، إلى القارب نفسه، والمنطقة ذاتها التي شهدت مقتل أخيه. ويقول للجزيرة نت "لم يكن غازي يحمل سلاحا، ولا كان في مهمة عسكرية، بل كان يصطاد سمكا لإطعام أطفاله". وعقب القرار الإسرائيلي، قرر الصياد الشاب التوقف عن النزول للبحر، فالإبحار مهما كان بسيطا بمثابة "انتحار" كما يقول، والآن "سنظل في بيوتنا ننتظر من يقدم لنا مساعدة، كرتونة أو شوال طحين إن وجدنا، نحن محاصرون في البر والبحر". إعلان وبمرارة يتحدث "نريد أن نعيش، كنا نخرج حتى 300 متر بالكاد في عمق البحر. أما اليوم، وبعد قرار الإغلاق، فقد أصبح العمل مغامرة تهدد بالموت". ولم يكن الربح الذي يحصل عليه عبد الرحيم قبل القرار مجديا -حسب قوله- حيث لم يكن يتجاوز 40 شيكلا في اليوم (حوالي 12 دولارا) وبالكاد يكفي لشراء الخبز.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store