logo
تحطيم "ناسا" لبناء برنامج ترمب الفضائي السري

تحطيم "ناسا" لبناء برنامج ترمب الفضائي السري

Independent عربيةمنذ 5 أيام
وسط جدل كبير تثيره، حوله، مواقع علمية أميركية كثيرة، التي يختص بعضها بأخبار الفضاء، يستمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في إثارة التساؤلات، حول نياته الغامضة تجاه مشاريع الفضاء الأميركي، إذ تشير تسريبات حديثة من مواقع أميركية ذات طابع علمي لها مصادر مطلعة خصوصاً في أوساط الفضاء الحكومي الأميركي ممثلاً بـ"ناسا"، إلى أن الرئيس ترمب الذي أجرى تغييرات هائلة في هذا القطاع، ينفذ الآن، بسرية تامة، برنامج "قوة الفضاء الأميركية"، مع تلميحات غير صريحة إلى أنه يقوم بذلك بعد الانتهاء من مشاريع تحطيم "ناسا" القديمة تماماً.
برنامج سري للغاية
وتعد "ناسا" بزعامتها القديمة قبل خفض موازنتها العلمية أخيراً إلى النصف، وتسريح آلاف الموظفين الكبار منها، عقبة في وجه مشاريع الفضاء الجديدة لترمب، التي من أهمها مشروع "القبة الذهبية". وفي هذا السياق سربت مواقع علمية ومتخصصة بالفضاء أنباء جديدة حول استمرار العمل في واحد من أهم مشاريع ترمب السرية الجديدة ضمن هذه القبة، إذ يتضمن مشروع القانون "الكبير والجميل" الذي أصدره ترمب برنامجاً سرياً للغاية، بموازنة بلغت مليار دولار لتطوير مركبة الفضاء العسكرية X-37B التابعة لقوة الفضاء الأميركية، وذلك ضمن برنامج الدرع الصاروخية الأميركية أو ما يسمى سلاح "القبة الذهبية". ولعل ما يثير الجدل حقاً في هذا الخبر هو تأكيده أنه، حتى الآن، لا يعرف أحد كيف سيتم إنفاق أموال هذا المشروع السري بصورة واضحة ودقيقة.
تشير تسريبات من مواقع أميركية ذات طابع علمي لها مصادر مطلعة خصوصاً في أوساط الفضاء الحكومي الأميركي ممثلاً بـ"ناسا" إلى أن ترمب ينفذ الآن برنامج "قوة الفضاء الأميركية" (رويترز)
المشروع "الكبير والجميل"
وفي زاوية أخبار استكشاف الفضاء على واحد من المواقع المتخصصة، قال ليونارد ديفيد، وهو كاتب عمود في SPACE.com متهكماً "تحت عنوان مشروع قانون ترمب الكبير والجميل لمنح قوة الفضاء الأميركية مليار دولار لطائرة الفضاء السرية X-37B، لا يعرف كيف سيتم إنفاق أموال هذا المشروع السري".
ونشر الموقع الإخباري العلمي الأميركي "سبيس دوت كوم"، في هذا الإطار، صورة لطائرة سوداء وبيضاء من دون نوافذ على مدرجها، وعلق الناشر على الصورة بقوله "مركبة الاختبار المدارية X-37B في منشأة هبوط المكوك بمركز كينيدي للفضاء التابع لـ'ناسا' بعد وقت قصير من هبوطها في الـ12 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022"، مشيراً إلى أن حقوق الصورة تعود إلى قوة الفضاء الأميركية وأن ناشرها هو رقيب في القوات الأميركية.
تنويه
من الملاحظ أيضاً أن هذا الخبر المهم نشر مع تنويه الناشرين إلى أن مركبة X-37B السرية إلى حد كبير، والمعروفة أيضاً باسم برنامج مركبة الاختبار المداري OTV نفذت مهمتها السابعة، إذ هبطت في قاعدة "فاندنبرغ" الجوية في كاليفورنيا في السابع من مارس (آذار) الماضي، بعد قضاء 434 يوماً في المدار. وواصل الكاتب "أما بالنسبة إلى كيفية إنفاق هذا المليار دولار، وموعد انطلاق مركبة X-37B التالية، فقد تواصل موقع Space.com مع شركة بوينغ، الشركة المصنعة للطائرة الفضائية"، منوهاً بأن الموقع تلقى رسالة "لتغيير مسار الاستفسار" من خلال طلب "بوينغ" من الموقع التواصل مباشرة مع القوات الجوية للتعليق على جدول وموازنة الطائرة.
ربط غامض!
من اللافت للنظر في هذا الخبر الذي نشرته بعض المواقع العلمية أيضاً، أنه ربط بين هذا البرنامج ومشاريع أخرى بطريقة يشوبها شيء من الغموض، إذ وضع الخبر في سياق معين، مع الإشارة إلى مواضيع عدة توقع الموقع أنها ستنال إعجاب القارئ، ومنها إشارة من خلال صورة شرحها "رجال يرتدون بدلات رسمية يتحدثون إلى الصحافيين حول مكتب خشبي كبير"، مع ترك رابط لموضوع آخر بعنوان "جنرال في قوة الفضاء الأميركية يقود برنامج الدفاع الفضائي القبة الذهبية الذي تبلغ كلفته 175 مليار دولار، الذي أطلقه ترمب"، إضافة إلى إيراد الموقع ذاته رسماً لفنان تخيل رائد فضاء من برنامج "أرتيمس" وهو يخطو على سطح القمر.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تفسير أهم الإشارات والتداخلات
تشير الروابط والصور الجانبية الكثيرة التي أفصح عنها الموقع إلى أفكار رئيسة عدة تنسج معاً حكاية هذا البرنامج بصورة غير موضحة وغير مباشرة ودقيقة، لكنه قد يكون متعمداً، فالتداخلات التي أعلن عنها الموقع في السياق ذاته لنشر هذا الخبر كثيرة، ولكن أهمها يأتي في سياق أحداث فضائية هائلة ومتسارعة حدثت أخيراً وبصورة متتابعة. ووقع معظمها بعد تولي الرئيس ترمب سدة الحكم مباشرة، مما ضاعف عدم فهم كثير من المتابعين ملابسات هذه الأحداث والبرامج الفضائية ذات الموازنات المالية الضخمة.
رجال في البدلات السوداء
فصورة الرجال الذين يرتدون بدلات رسمية ويتحدثون للصحافيين في البيت الأبيض لها دلالات سينمائية أكثر من كونها علمية. وتذكرنا بأفلام عن الفضائيين الذين يظهرون بصورة رجال عاديين متحضرين وأنيقين جداً، على رغم أنهم يخفون عنا معلومات ووقائع في غاية الخطورة.
فكرة الجنرال
أما فكرة الجنرال في قوة الفضاء الأميركية الذي يقود برنامج "القبة الذهبية" ففيها إشارة إلى نية ترمب السابقة تعيين جنرال عسكري لرئاسة "ناسا"، التي لم تبصر النور. والإشارة هنا تذهب إلى الجنرال ستيفن كواست الذي لم ينجح ترمب في تعيينه بالمنصب، كذلك فإن الموقع العلمي استلهم واستخدم الرسم الخيالي لرائد فضاء من الزمن القديم لـ"ناسا" قبل خفض موازنتها العلمية إلى النصف تقريباً، مما أدى إلى إيقاف برامج كثيرة للوكالة الحكومية للإشارة إلى فكرة انتهاء برامج استعمار البشر للقمر التي استبدل بها مشروع ترمب لاستعمار المريخ.
تمويل "القبة الذهبية"
تضمن الخبر ذاته روابط عدة لمواضيع جانبية لها علاقة بالقصة حول تمويل "القبة الذهبية"، لكن أهمها هو توقيع ترمب مشروعاً تضمن تخصيص 85 مليون دولار لنقل مكوك الفضاء "ديسكفري" من معهد "سميثسونيان" إلى تكساس، في ما يعد إشارة واضحة إلى وجود كلف مالية كبيرة معلومة، لكنها تكاد تكون المعلومة الوحيدة الدقيقة المعلن عنها صراحة حتى لحظة وقوع الحدث ضمن هذا البرنامج الكبير.
شبه إجابة
وأجابت نائبة مدير الشؤون العامة لشؤون الفضاء في مكتب الشؤون العامة التابع لوزير القوات الجوية الأميركية في "البنتاغون" العقيد لوري أستراث، حول هذه الأحداث بقولها "يدعم برنامج X-37B التابع لسلاح الجو الأميركي الحد من أخطار التكنولوجيا والتجارب وتطوير المفاهيم التشغيلية للمركبات الفضائية القابلة لإعادة الاستخدام في المستقبل". أضافت العقيد أستراث "يعد برنامج X-37B منصة اختبار فضائية مرنة لإجراء تجارب متنوعة يمكن نقلها إلى الفضاء وإعادتها إلى الأرض، ولا يمكن الإفصاح عن أي معلومات إضافية بخصوص الكلفة والموازنة".
مع إعلان الرئيس الأميركي عن مشروع "القبة الصاروخية الذهبية"، بات من الواضح أن هناك نية غير مبطنة أو مخفية لإطلاق عصر جديد من الأسلحة الفضائية ضمن محاولات حثيثة لإحياء زمن "حرب النجوم"، إذ يعود السؤال الأخلاقي والعلمي حول عسكرة الفضاء إلى الواجهة من جديد، فالصين وروسيا هما أول قوتين عالميتين سعيتا إلى استثمار الفضاء في العمل العسكري، لكن الجانب التقني الذي تقدمت فيه الولايات المتحدة على قوى الفضاء العالمية هو من حسم الصراع لمصلحة مشروع "القبة الذهبية". وتصل الكلفة المادية للقبة الذهبية إلى 175 مليار دولار، ويسمى النظام اختصاراً بـ"درع الدفاع الصاروخية الأميركية".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترمب يعلن خطته الشاملة لضمان التفوق الأمريكي بالذكاء الاصطناعي
ترمب يعلن خطته الشاملة لضمان التفوق الأمريكي بالذكاء الاصطناعي

الوئام

timeمنذ 8 ساعات

  • الوئام

ترمب يعلن خطته الشاملة لضمان التفوق الأمريكي بالذكاء الاصطناعي

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن 'خطة عمل' شاملة تهدف إلى إعادة تشكيل علاقة الحكومة الفيدرالية مع مطوري تقنيات الذكاء الاصطناعي الثورية، فارضًا عبر أوامر تنفيذية شرط 'الحياد الأيديولوجي' كمعيار أساسي لحصول الشركات على العقود الحكومية. تهدف الخطة، التي وُصفت بأنها تسعى لضمان التفوق التنافسي للولايات المتحدة في هذا المجال الناشئ، إلى منع ما وصفته الإدارة بـ'الأجندات المصممة هندسيًا على المستوى الاجتماعي'. وفي هذا السياق، صرح ديفيد ساكس المسؤول البارز عن ملفات الذكاء الاصطناعي في البيت الأبيض، للصحفيين: 'نعتقد أن أنظمة الذكاء الاصطناعي يجب أن تكون خالية من التحيز الأيديولوجي'. وبموجب الأوامر الجديدة، ستقوم الحكومة الفيدرالية بتحديث إرشاداتها الخاصة بالمشتريات، بحيث تقتصر العقود على مطوري نماذج اللغة الكبيرة الذين 'يسمحون بازدهار حرية الرأي والتعبير'، وفقًا لمايكل كراتسيوس، مدير مكتب سياسات العلوم والتكنولوجيا في البيت الأبيض. ورغم الإعلان عن هذه الشروط الصارمة، لم يقدم مسؤولو البيت الأبيض تعريفًا واضحًا لكيفية تحديد 'التحيز الأيديولوجي' أو قياسه، مما يترك الباب مفتوحًا للتساؤلات حول آليات التطبيق. وأشار مسؤول في البيت الأبيض إلى أنه من المتوقع أن تقوم إدارة الخدمات الحكومية (GSA) بصياغة لغة تعاقدية تلزم نماذج الذكاء الاصطناعي بالالتزام بمعايير 'الصدق' كشرط للحصول على العقود الفيدرالية. كما تهدف إدارة ترمب من خلال هذه الخطة إلى تحفيز الابتكار عبر إزالة ما وصفته بـ 'اللوائح الفيدرالية المرهقة التي تعيق تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي'.

ما في مستطاع الدرون فعله وما تعجز عنه في المعارك الحربية
ما في مستطاع الدرون فعله وما تعجز عنه في المعارك الحربية

Independent عربية

timeمنذ 9 ساعات

  • Independent عربية

ما في مستطاع الدرون فعله وما تعجز عنه في المعارك الحربية

خلال أسبوعين من يونيو (حزيران) الماضي، نفذت القوات المسلحة الأوكرانية والإسرائيلية عمليتين من بين أجرأ العمليات وأكثرها طموحاً في التاريخ العسكري الحديث. في الأول من يونيو، استخدمت أوكرانيا مئات المسيرات الانتحارية قصيرة المدى، جرى تهريبها إلى عمق الأراضي الروسية، وتمكنت من إلحاق أضرار كبيرة أو تدمير ما لا يقل عن 11 قاذفة استراتيجية روسية، وذلك ضمن "عملية شبكة العنكبوت". ثم، اعتباراً من الـ13 من يونيو، وضمن "عملية الأسد الصاعد"، استخدمت إسرائيل مسيّرات هجومية جرى تهريب أجزائها تباعاً إلى داخل إيران، لتدمير الدفاعات الجوية الإيرانية، مما مكنها من فرض سيطرة كاملة على الأجواء الإيرانية. في كلتا الحالتين، تمكنت طائرات مسيّرة لا تتجاوز كلفة الواحدة منها بضعة آلاف من الدولارات من تدمير أو شل قدرات تساوي عشرات أو مئات ملايين الدولارات من الأنظمة الدفاعية المتطورة التي يصعب تعويضها. وتُشكّل هاتان العمليتان الاستثنائيتان مؤشراً إلى تحول أوسع في أساليب خوض الحروب. فعلى رغم أن أوكرانيا وإسرائيل ما زالتا تعتمدان على أنظمة تسليح تقليدية مرتفعة الكلفة - خصوصاً أن نجاح إسرائيل في إيران استند إلى استخدام مكثف للطائرات المقاتلة المأهولة - فإن الأنظمة غير المأهولة، التي بات الذكاء الاصطناعي يعزز أداءها بوتيرة متسارعة، أصبحت عنصراً حاسماً لتحقيق التفوق في ساحات القتال. وليس في ذلك ما يثير الدهشة: فوفقاً لمسؤولين أوكرانيين، باتت المسيّرات الهجومية الانتحارية مسؤولة عن 70 في المئة من الإصابات على الخطوط الأمامية في الحرب مع روسيا. وعام 2024، رأى رئيس لجنة الأمن القومي الأميركي المعنية بالذكاء الاصطناعي، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "غوغل"، إريك شميدت، أن انتشار المسيّرات الرخيصة أفقد تقنيات مثل الدبابات قيمتها القتالية، ووصفها بـ"عديمة الجدوى"، داعياً الولايات المتحدة إلى "التخلص منها" واستبدالها مسيّرات بها. وفي منشورات له على منصة "إكس" في العام نفسه، سخر إيلون ماسك من مواصلة إنتاج الطائرات المقاتلة المأهولة من طراز "أف-35"، قائلاً إن "حروب المستقبل ستتمحور بالكامل حول المسيّرات". وعلى رغم تنامي التوافق على أهمية التحول نحو أنظمة التسليح الحديثة، لا تزال وزارة الدفاع الأميركية تُوجه الجزء الأكبر من إنفاقها نحو أنظمة الأسلحة التقليدية المرتفعة الكلفة. وقد أظهرت "عملية مطرقة منتصف الليل" - وهي الضربة التي نفذتها الولايات المتحدة في الـ22 من يونيو الماضي ضد مواقع نووية إيرانية بمشاركة أكثر من 125 طائرة، بينها سبع قاذفات من طراز "بي-2" - أن الأسلحة المأهولة الباهظة الثمن لا تزال تحتفظ بدور محوري في ميدان المعركة. ومع ذلك، فإن تطور طبيعة الحروب يفرض على أقوى جيش في العالم أن يواكب هذا التحول. فبينما ينفق البنتاغون عشرات المليارات سنوياً على صيانة وتحديث حاملات الطائرات، وطائرات "أف-35"، والدبابات، لم يخصص سوى 500 مليون دولار للمسيّرات المنخفضة الكلفة ضمن الجولة الأولى من "مبادرة ريبليكاتور" التي أُطلقت عام 2023. وعلى رغم أن المبادرة تمثل انطلاقة واعدة، فإن حجم الاستثمار الأميركي في هذا المجال لا يزال بعيداً من تلبية متطلبات خوض حرب حديثة وعالية الكثافة، إذ يقلّ بعشر مرات في الأقل من المستوى المطلوب. ولن يكون الانتقال إلى نموذج قتالي هجين - يجمع بين أعداد كبيرة من الوسائل الرخيصة نسبياً وعدد أقل من المنصات والأسلحة العالية الكلفة - مهمة سهلة. فبعد عقود ركّزت خلالها الولايات المتحدة على تطوير ترسانة محدودة من الأنظمة المتقدمة، بات لزاماً عليها أن تعوّض ما فاتها من وقت عبر الاستثمار في قدرات جديدة تقوم على أنظمة غير مأهولة، منخفضة الكلفة ولكن عالية الدقة - وهي ما يُعرف اليوم بـ"الكتلة الدقيقة" [مقال "حروب الكتلة الدقيقة" للكاتب نفسه، تُرجِم في أكتوبر "تشرين الأول" 2024]. ويتطلب هذا التحول أيضاً دمج تلك القدرات الجديدة مع الأنظمة التقليدية القائمة، لتمكين الجيش الأميركي من العمل بأساليب أكثر ابتكاراً وكفاءة. وإذا لم يتكيّف البنتاغون مع واقع الحروب المتغير، فقد يخسر قدرته على ردع خصومه قبل أن يشنوا هجماتهم - بل وربما يفقد القدرة على الانتصار في الحروب ذاتها. التأقلُم أو الفناء لقد أظهرت العمليتان الأوكرانية والإسرائيلية أن هجمات "الكتلة الدقيقة" يمكن أن تُحقق أثراً مدمراً، حتى ضد خصوم يملكون تقنيات متقدمة. ففي "عملية شبكة العنكبوت"، لجأت أوكرانيا إلى مجموعة من التقنيات الحديثة، من بينها نظام طيار آلي مفتوح المصدر [أي قابل للتطوير والاستخدام من دون ترخيص تجاري] يُتيح للمسيّرات العمل ذاتياً في حال ضعف أو انقطاع الاتصال بينها وبين المُشغّل البشري. واستخدمت منظومة تصويب مدعومة بالذكاء الاصطناعي، جرى تدريبها على التعرّف إلى القاذفات الروسية استناداً إلى مسوحات ثلاثية الأبعاد لطائرات روسية وسوفياتية معروضة في متاحف الطيران الأوكرانية. ويُجسد نجاح العملية - إلى جانب قدرة أوكرانيا على تهريب أكثر من 100 مسيّرة لمسافة تزيد على 2000 ميل (أكثر من 3200 كيلومتر) داخل الأراضي الروسية - نمطاً بات واضحاً منذ بداية الحرب: الأنظمة العسكرية المرتفعة الكلفة أصبحت أكثر عرضة من أي وقت مضى لهجمات "الكتلة الدقيقة"، خصوصاً حين تكون مكشوفة في قواعد جوية أو موانئ بحرية. أما "عملية الأسد الصاعد" الإسرائيلية، فقد كشفت عن هشاشة أنظمة دفاعية باهظة الكلفة - كأنظمة الدفاع الجوي - أمام قدرات "الكتلة الدقيقة" المنخفضة الثمن، بغض النظر عن مدى العمق الذي تتمركز فيه داخل أراضي العدو. فقبل وقت طويل من بدء الهجوم في منتصف يونيو، كان عملاء إسرائيليون قد هرّبوا أجزاء من المسيّرات إلى داخل إيران، ليُعاد تجميعها لاحقاً لضرب أنظمة الدفاع الجوي بشكل سريع ومن دون أن تُكتشف. وباستخدام أنظمة غير مأهولة منخفضة الكلفة، فرضت أوكرانيا وإسرائيل على خصومهما كلفة غير متماثلة [أي أن الخسائر التي تكبّدها الخصم فاقت بكثير كلفة الوسائل المستخدمة لضربه]. وعلى رغم أن الحجم الكامل لخسائر روسيا جراء "عملية شبكة العنكبوت" لا يزال غير واضح، تؤكد أوكرانيا أنها دمرت أكثر من 40 طائرة. وقد أظهرت صور الأقمار الاصطناعية أن 11 قاذفة روسية دُمّرت أو أصيبت بأضرار جسيمة، تزيد قيمتها بمئات الأضعاف على كلفة المسيّرات التي استُخدمت في استهدافها. وحتى إذا خسرت روسيا طائرة واحدة فقط من كل طراز من الطائرات المتقدمة التي يُعتقد أن أوكرانيا دمرتها، فإن ذلك يشكل خسارة فادحة: إذ تُقدَّر كلفة طائرة الإنذار المبكر والتحكم المحمول جواً بنحو 330 مليون دولار، بينما تصل كلفة القاذفات الروسية البعيدة المدى إلى نحو 270 مليون دولار. في المقابل، تتراوح كلفة المسيرات الرباعية الأوكرانية بين 600 و1000 دولار للواحدة، مما يعني أن الكلفة الإجمالية للقدرات التي استخدمتها أوكرانيا في "شبكة العنكبوت" لم تتجاوز على الأرجح 117 ألف دولار، أي جزء ضئيل من كلفة صاروخ واحد من طراز "خا-101"Kh-101 المحمول على إحدى القاذفات الروسية المستهدفة، وأقل أيضاً من كلفة صاروخ "جافلين" الأميركي المضاد للدبابات، البالغ نحو 200 ألف دولار، والذي زُوّدت به أوكرانيا. لم تستثمر الولايات المتحدة في المسيرات المنخفضة الكلفة إلا ضمن مدى ضيق تماماً على رغم أنهما وقعتا في سياقين مختلفين تماماً، تُسلط عمليتا "شبكة العنكبوت" و"الأسد الصاعد" الضوء على نمط متصاعد في الحروب الحديثة: الجيوش التي تبالغ في الاعتماد على أنظمة تسليح تقليدية مرتفعة الكلفة قد تجد نفسها في وضع صعب خلال الحروب الطويلة التي تستنزف القدرات، وإذا لم تبادر الدول الغنية إلى التكيف، فلن تتمكن من تحمل خسارة سوى عدد محدود من تلك الأنظمة قبل أن تصبح كلفتها باهظة إلى حدّ لا يمكن تحمّله، سواء من الناحية المالية أو السياسية. فأسلحة "الكتلة الدقيقة" لا تقل كلفة فحسب عن نظيراتها التقليدية، مما يمنح حتى الجيوش ذات الموارد المحدودة القدرة على مجاراة خصوم أقوى، بل إنها تُنتج أيضاً بوتيرة أسرع بكثير. فأوكرانيا باتت تصنع ملايين المسيّرات سنوياً، في حين ستحتاج روسيا إلى أعوام طويلة لإعادة بناء أسطول قاذفاتها المتضرر. وهذا الفارق في زمن الاستبدال قد يُسهم في تحقيق توازن ميداني، أو حتى في حسم نتيجة نزاع طويل الأمد بين دولة تستنزف مواردها في أنظمة تقليدية باهظة يصعب تعويضها، ودولة تمتلك قدرة على التوسع السريع في إنتاج أسلحة "الكتلة الدقيقة". ولا تقتصر الاستفادة من هذه المزايا على أوكرانيا وإسرائيل، بل إن خصومهما بدأوا أيضاً في استغلالها. فقد ردّت موسكو على "شبكة العنكبوت" بتنفيذ واحدة من أضخم الهجمات بالمسيرات منذ بداية الحرب، كادت تُربك منظومة الدفاع الجوي الأوكرانية المجهَدة أساساً. كما ردّت إيران على الضربات الإسرائيلية الأولى بإطلاق موجات من المسيّرات والصواريخ المنخفضة الكلفة نحو أهداف إسرائيلية. وعلى رغم أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية اعترضت معظم هذه الهجمات، فإن الرد الإيراني كان كافياً لإثارة مخاوف لدى مسؤولين إسرائيليين وأميركيين من احتمال نفاد صواريخ الاعتراض لدى الجيش الإسرائيلي. كما أجبر الهجوم المضاد إسرائيل على اللجوء مجدداً إلى استخدام مقاتلاتها لاستهداف منصات الإطلاق الإيرانية على مدى 12 يوماً من القتال، بكلفة يومية قُدّرت بمئات ملايين الدولارات. استدعاء القوة الضاربة وعلى رغم أن المسيّرات المنخفضة الكلفة تزداد أهمية في ميدان القتال، تبقى القدرات التقليدية، مثل الغواصات الشبحية والطائرات المقاتلة والقاذفات، ذات فاعلية - لا سيما عند دمجها مع الأنظمة الأرخص. فعلى سبيل المثال، مكّنت ضربات إسرائيل على الدفاعات الجوية الإيرانية في الـ13 من يونيو، باستخدام مسيّرات هجومية انتحارية، طائرات إسرائيلية متطورة (ولاحقاً أميركية) من اختراق الأجواء الإيرانية وقصف مواقع نووية شديدة الحساسية وأهداف استراتيجية أخرى، من دون أن تواجه مقاومة تُذكر. واللافت أن إيران لم تُطلق صاروخاً واحداً من نوع أرض-جو على الطائرات الأميركية، وتؤكد الحكومة الإسرائيلية أن أياً من طائراتها المأهولة لم تُسقط. أسهم استخدام إسرائيل المبكر لأنظمة الأسلحة غير المأهولة في إضعاف الدفاعات الجوية الإيرانية في تقليل الأخطار المالية والبشرية التي كانت لتترتب على فشل الهجوم الأول، في حال أُسقطت المسيّرات. وبعد تمهيد الأجواء، استعانت إسرائيل بطائراتها المأهولة لضرب أهداف مثل منشأة "نطنز" النووية، بقدرة تدميرية ودقة تفوق ما تستطيع المسيّرات تحقيقه. وبصورة مماثلة، لجأت روسيا إلى الدمج بين أنظمة منخفضة الكلفة، مثل مسيّرات "شاهد-136"، وصواريخ متقدمة، بهدف إنهاك أو تدمير الدفاعات الجوية الأوكرانية، تمهيداً لضرب أهداف ذات قيمة استراتيجية عالية. وعلى رغم أن أنظمة الأسلحة الشبحية [التي لا تستطيع أجهزة الرادار رصدها] باهظة الكلفة وتستغرق أعواماً لإنتاجها، فإنها تظل بالغة الفاعلية. فلكي تتمكن الولايات المتحدة من إلحاق أضرار جسيمة بمنشأتَي "فوردو" و"نطنز" النوويتين المدفونتين عميقاً تحت الأرض، اضطرت إلى استخدام 14 قنبلة خارقة للتحصينات يبلغ وزن الواحدة منها 30 ألف رطل (نحو 13.6 ألف كيلوغرام)، وهي ذخائر لا تمتلكها سوى الولايات المتحدة. وقد استُخدمت سبع قاذفات شبحية من طراز (بي-2) تبلغ كلفة الواحدة منها نحو ملياري دولار - لأنها الوحيدة القادرة على حمل هذه القنابل وإيصالها. ومع أن المسيّرات الانتحارية تمتاز بمزايا كثيرة، فإنها ببساطة غير قادرة على حمل قوة نارية تتجاوز 400 ألف رطل (نحو 182 ألف كيلوغرام). إن الاستثمار الحصري في أنظمة "الكتلة الدقيقة" يفرض بطبيعته حدوداً على نوعية الأهداف التي يمكن للجيوش تدميرها. وفي هذا السياق، يُمثّل الجيش الإيراني نموذجاً واضحاً على أخطار الاعتماد المفرط على أسلحة منخفضة الكلفة. فعلى رغم امتلاك طهران أحد أوسع برامج المسيّرات في العالم، فإن افتقارها إلى قوة جوية حديثة حال دون قدرتها على ضرب أهداف عسكرية ومدنية إسرائيلية محصنة، أو إرغام إسرائيل على إعادة النظر في خططها الحربية. الجمع بين الأنظمة المتقدمة والمنخفضة الكلفة كما كانت الحال في الماضي، لا يزال النصر في الحروب الحديثة يتطلب تنسيقاً بين عناصر متعددة من القوة العسكرية. فقد استند انتصار الحلفاء في "يوم الإنزال" عام 1944 إلى تناغم دقيق بين سلاح الجو والبحرية والمدفعية، لتفكيك الدفاعات النازية وتمهيد الطريق أمام القوات البرية للسيطرة على شواطئ النورماندي. وقد تطلّب ذلك إتقان أحدث أشكال القتال المشترك المتاحة في ذلك الحين. أما اليوم، فإن الجمع بين الأنظمة المتطورة المرتفعة الكلفة وتلك المنخفضة الكلفة والسريعة الإنتاج يشكّل النسخة المعاصرة من هذا النمط من الحروب. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتُظهر العمليات الثلاث - "شبكة العنكبوت"، و"الأسد الصاعد"، و"مطرقة منتصف الليل" - أن الجيوش التي تمتلك موارد كافية بحاجة إلى الاستثمار في كلا النوعين من القدرات، المتقدمة والبسيطة، لتعزيز قدرتها على الردع. ففي الوقت الذي تُسرّع فيه الصين وتيرة تحديث قدراتها العسكرية في مختلف المجالات، بما في ذلك أسلحة "الكتلة الدقيقة"، لم تخصّص الولايات المتحدة سوى نسبة ضئيلة من إنفاقها الدفاعي لتطوير الأنظمة المنخفضة الكلفة، وهي تلك التي يمكن إنتاجها على نطاق واسع وتحديثها سريعاً وفق متطلبات الميدان. فقد بلغ الإنفاق الأولي على "مبادرة ريبليكاتور نحو 500 مليون دولار فقط، أي ما يعادل 0.05 في المئة من ميزانية الدفاع الأميركية لعام 2024. وبسهولة، تستطيع الولايات المتحدة أن تزيد إنفاقها على قدرات "الكتلة الدقيقة"، بما في ذلك المسيّرات الانتحارية ومنصات الاستطلاع، إلى عشرة أضعاف ما تنفقه حالياً، من خلال إعادة توجيه جزء من الموارد المخصصة لبنود أخرى ضمن الميزانية الضخمة للبنتاغون. كذلك يمكن للوزارة أن تمضي بسهولة في تنفيذ رؤية تقوم على تشغيل الطائرات المأهولة والمسيّرة جنباً إلى جنب، وشراء أعداد كبيرة من الزوارق السطحية غير المأهولة وذاتية التشغيل، لتعزيز قدراتها في الاستطلاع والقوة النارية على البحر. ومع ذلك، حتى في هذا العصر الجديد الذي تتصاعد فيه أهمية أنظمة "الكتلة الدقيقة"، ينبغي للبنتاغون أن يواصل الاستثمار في القاذفات الشبحية والغواصات، التي يصعب رصدها أو تدميرها. تاريخياً، أظهرت التجارب أن الدول التي تفشل في التكيف بفعالية مع التحولات في طبيعة الحروب، تكون أقل قدرة على ردع أعدائها وأكثر عرضة لخسارة النزاعات المستقبلية. ففي مطلع الحرب العالمية الثانية، نجحت القوات الجوية اليابانية في تدمير طرادين بريطانيين اعتُبرا في السابق عصيين على الاستهداف، في مياه المحيط الهادئ. وفي "حرب الـ100 عام"، غيّر استخدام إنجلترا للقوس الطويل قواعد الاشتباك، منهياً عهد الفرسان بهزيمة فرنسا في معركة "كريسي". وإذا استمرت الولايات المتحدة في التقليل من الاستثمار في أسلحة "الكتلة الدقيقة"، مقابل الإبقاء على استثماراتها التقليدية، فقد لا تواجه مصيراً كارثياً مباشراً، لكنها قد تشهد تراجعاً تدريجياً في قدرتها على الردع، أمام خصوم يعتقدون أنهم قادرون على استنزاف عزيمتها. وفي الوقت ذاته، ينبغي لواشنطن ألا تغفل عن الأنظمة الشبحية المتقدمة، من منصات وأسلحة يصعب اكتشافها، والتي تُشكّل ركائز أساسية في تفوقها العسكري، ولا أن تنساق وراء أحدث التقنيات وأكثرها بريقاً، على أمل أن تمثل حلاً سحرياً. فالاستعداد لحروب المستقبل لا يعني التخلي عن أدوات الماضي، لكنه يتطلب مرونة وحنكة لم تُظهرهما الولايات المتحدة بعد. مترجم عن "فورين أفيرز" 4 يوليو (تموز) 2025 مايكل سي. هورويتز هو زميل أول لشؤون التكنولوجيا والابتكار في مجلس العلاقات الخارجية، وأستاذ ريتشارد بيري ومدير "بيت بيري العالمي" في جامعة بنسلفانيا. شغل سابقاً منصب نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لتطوير القوة والقدرات الناشئة. لورين أ. كاهن هي محللة أبحاث أولى في مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة في جامعة جورجتاون. جوشوا أ. شوارتز هو أستاذ مساعد للعلاقات الدولية والتكنولوجيا الناشئة في "معهد كارنيغي ميلون للاستراتيجية والتكنولوجيا". وكان سابقاً زميلاً في برنامج "الاستراتيجية الكبرى، والأمن، وبناء الدولة" في "كلية كينيدي بجامعة هارفارد" ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

لتحقيق «الهيمنة العالمية»... خطة أميركية لسياسات الذكاء الاصطناعي
لتحقيق «الهيمنة العالمية»... خطة أميركية لسياسات الذكاء الاصطناعي

الشرق الأوسط

timeمنذ 12 ساعات

  • الشرق الأوسط

لتحقيق «الهيمنة العالمية»... خطة أميركية لسياسات الذكاء الاصطناعي

طرح البيت الأبيض، اليوم الأربعاء، خطة لسياسات الذكاء الاصطناعي يحدد فيها أولويات الولايات المتحدة لتحقيق «الهيمنة العالمية» في هذا المجال، وفقاً لوكالة «رويترز». وتدعو خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى إتاحة نماذج الذكاء الاصطناعي المفتوحة المصدر من المطورين مجاناً لأي شخص في العالم لتنزيلها وتعديلها. وتدعو الخطة أيضاً إلى إجراء وزارة التجارة أبحاثاً على نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية لتتماشى مع نقاط الحوار والرقابة التي يفرضها الحزب الشيوعي الصيني. وكما ذكرت «رويترز» سابقاً، تضيف الخطة أنه يجب على الحكومة الاتحادية عدم السماح بتوجيه التمويل الاتحادي المتعلق بالذكاء الاصطناعي إلى الولايات التي لديها لوائح «صعبة».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store