هل غزة عند ترامب صفقة تجارية؟!
ما حلقات الربط بين استراتيجيات ترامب في كتابه، فن الصفقة، وبين حرب الإبادة في غزة؟
لقد طبق، ترامب في اليوم الأول أبرز استراتيجية في كتابه وهي، أن يضع هدفاً كبيراً لمشروعه الجديد في غزة، فقد أعلن في اليوم الأول أنه يسعى لامتلاك غزة بكاملها، باعتبارها مدينة سياحية جميلة، وكأن غزة هي فندق الكومودور الذي يملكه في نيويورك!
لم يكتفِ بذلك بل طالب كل سكان غزة بالهجرة منها إلى الدول الأخرى، انتهاء بجمهورية الصومال، وهو بهذه الآراء المتطرفة أحدث دهشة كبيرة في كل دول العالم، وأحدث ألماً ومأساة وقهراً في أوساط أصحاب الأرض الأصليين!
وهو أيضاً قد طبق نظرية الكتاب في (الصفقات المتعددة) فهو لا يرغب في امتلاك غزة فقط، بل يسعى لتهجير سكانها الأصليين، وهو في الوقت نفسه يبحث لهم عن مواطن جديدة تمكنهم من الحياة السعيدة، كما يدعي!
وهو من منطلق عقيدته التجارية المتمثلة في بث حالة الإدهاش في نفوس زعماء العالم، أحدث صدمة في أوساط رؤساء دول العالم ممن زاروا البيت الأبيض، لأنه كان يحاول بث الرعب في نفوسهم، فهو أيضاً لا ينفك يُظهر براعته في ترهيب زعماء الدول، وهو يهددهم تارة، وهو أيضاً يكافئهم إذا لبوا رغباته.
طبق ترامب نظريته التجارية في الكتاب، في مجال الإعلام أيضاً، لأنه أصبح مواظباً على إبراز كل خطوة من خطواته وهو ينشرها يومياً، وهو مدمنٌ على إنكار ما تبناه منذ ساعات، فهو سرعان ما يتراجع عن أكثرها، فهو قد جعل العالم كله يصاب بالدهشة وينتظر، فقد أصدر قبل أسابيع - كما قال في تغريدته - تصريحاً إعلامياً قال فيه: «بعد عدة ساعات سيتم وقف إطلاق النار في غزة» ومرت الساعات والأيام دون أن ينفذ وعده السابق باحتمال توقيع اتفاق، وكأنه نسي ما قاله سابقا عدة مرات! فهو إذاً يعتبر ما يحدث في غزة صفقة تحتاج إلى لونٍ من الخداع المغلف بتصريحات غير قابلة للتحقيق!
وهو أيضاً استخدم أسلوب الخداع السابق نفسه في ملف إيران، عندما أمهل إيران أسبوعين للإعلان عن رغبتها في التخلي عن السلاح النووي، ولكنه بعد عدة ساعات أصدر أمره لطائراته من نوع، بي 2 بأن تقصف المفاعلات النووية الإيرانية!
الحقيقة هي أن قطاع غزة عند ترامب مشروعٌ تجاريٌ مربح، وقد أثارت تصريحاته استغراب من لم يقرؤوا كتابه السابق، وهو قد ربط هذا المشروع الكبير بشرط أن يكون خالياً من مالكيه الغزيين واقترح تهجيرهم إلى دولٍ عديدة، وهذا هو بالضبط الحد الأعلى لمشروعه التجاري، الذي أورده في كتابه السابق!
فهو، كما أورد في كتابه، لم يبدأ بداية صغيرة لأن البدايات الصغيرة لا تجني الربح لأنها ستكون صفقة خاسرة!
هل تمكن ترامب من تحويل مأساة غزة من ملفٍ عنصريٍ تصفوي إلى ملفٍ إعلامي للتسلية والترفيه ينشره كل يوم في منصة إكس؟ كما قال في كتابه السابق، فهو مواظب في كل يوم على أن يصرح تصريحات متناقضة لا تُنفذ!
مع العلم أن السياسة الأميركية ليست سياسة يُصممها الرئيس وحده، ولكنها من إنتاج الحكومة العميقة في أميركا، المكونة من كبار أصحاب المليارات، ومن رؤساء شركات تصدير السلاح، ومن رؤساء مراكز الأبحاث والصحافيين، ومن كبار رجال الدين من التيار الإيفنجيلي المسيحاني الصهيوني، وما رئيس أميركا سوى مؤدٍ يُغرد على مقطوعة هؤلاء الدهاقنة في منظومة الحكومة العميقة، وكذلك فإنني أؤمن بأن هذه الحكومة العميقة، هي التي أنجحت دونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة وألبسته طاقية، استعادة عظمة أميركا، وهو الشعار المركزي في مواجهة الصين التجارية!
لا شك في أن كتاب «فن الصفقة» هو كتابٌ يستحق القراءة، لا لأنه من إنتاج رئيس أكبر دول العالم، بل لأن ما فيه من المعلومات مفيد لرجال الأعمال يستحق القراءة، وهو بالمناسبة صالحٌ لأن يكون دليلاً لتجار السياسة، لأن السياسة في عالم اليوم هي خطة تجارية بالدرجة الأولى، وهي الباب الأوسع لجني الأرباح والفوز بالقيادة في عالم مليء بالصراعات، لذا سأحاول أن أضع أبرز نقاط هذا الكتاب، في محاولة لربطها بما يجري في غزة من إبادة!
عرض كتابُ، فن الصفقة أبرز الخطوات لربح الصفقات التجارية، ولعل أبرز المبادئ الاستراتيجية في الكتاب هو بذل جهد كبير في مجال الإعلام، لأن ذلك سيكون بديلاً عن الحملات الإعلانية المكلفة والمغرِّرة التي اعتادت الشركات أن تنفذها في بدايات كل مشروع، مع نبذ اليأس والإحباط في تصميم أي مشروع، وهو يطلب من كل من يخطط للصفقة أن يضع لصفقته أهدافا كبيرة، وألا يضع لها هدفاً صغيراً، لأن كل من يضع هدفاً محدوداً صغيراً فإنه غالباً ما يفشل في ذلك.
ومن أبرز ما ورد في الكتاب أن يضع قائد المشروع عدة صفقات في وقتٍ واحد، لأن ذلك يجلب الربح ويُحجِّم الخسائرَ التي يمكن أن تصاحب المشروع الواحد، وعلى مصمم المشروع أن يهتم بالتفاصيل الصغيرة، وأن يتعرف عليها من خلال العاملين فيها، وليس من خلال المستشارين، فهو لا يؤمن بالاستشارات المهنية من أصحاب الألقاب الأكاديمية!
كذلك وضع ترامب مبدأ آخر يتمثل في وجوب جمع المعلومات عن المشروع المراد تنفيذه من الممارسين العاملين في المشروع، وليس من شركات بناء وتصميم المشروعات، وهذا يساعد مالك المشروع على أن يفهم نفسيات العاملين المشاركين في هذا المشروع، ويجعله ضليعاً في علم النفس البشري، مع أنه يؤمن بأن المشاريع تحتاج إلى نوعٍ من التغرير ما يجلب الربح السريع، وهو لا يؤمن بنظريات المشاريع الجوفاء!
لم يكتفِ، دونالد ترامب بهذه الخطط والأهداف، بل تعرض أيضاً للمعاملات البشرية أي في مجال إدارة المشاريع، ويشمل ذلك طريقة تعامل مدير المشروع مع العاملين مباشرة وهو يؤمن بأن يكون قائد المشروع لطيفاً مع العاملين في المشروع، وفي الوقت نفسه قادراً على توبيخ كل الذين يسيئون التصرف، أو يهينون صاحب المشروع!
وهو لم يُغفل استراتيجية مهمة في مجال إنجاز المشروع، وهي أن يُحوِّل قائدُ المشروع ومالكُه مشروعَه الجديد من همٍّ مزعج ومأساة من المآسي اليومية، ويجعله لُعبة مسلية وممتعة، يديرها عن بعد ويستمتع بها!
كانت تلك أبرز استراتيجيات دونالد ترامب التجارية، وهي تمثل فلسفته في بناء المشاريع!
سأظل أعتقد أن ملف غزة لا يمكن أن يكون ضمن خطة، ترامب الرئيسة، فهو ملف إسرائيلي بحت يتعلق بالعقيدة المسيحانية الصهيونية.
أعتقد أن ملف غزة هو ملكية حصرية للمخطِّط الإسرائيلي، وما دونالد ترامب سوى أحد المعاول لتنفيذ هذا المشروع الإسرائيلي الكبير المتمثل في تفريغ غزة من أخطر الملفات السياسية، وهو ملف القضية الفلسطينية المقدسة، الذي ظل يُزعج إسرائيل عقودا طويلة!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الايام
منذ 3 ساعات
- جريدة الايام
ترامب يطلق مجموعة عطور جديدة تحت اسم "النصر"!
واشنطن - رويترز: يضيف الرئيس الأميركي دونالد ترامب العطور إلى القائمة المتزايدة من السلع التي تحمل اسمه، ما يثير تساؤلات جديدة حول استغلاله المنصب الرئاسي للترويج لمنتجات تثريه هو وعائلته. وأعلن قطب العقارات السابق في نيويورك، الذي عاد إلى البيت الأبيض في كانون الثاني لولاية ثانية، هذا الأسبوع عن طرح عطرين جديدين للرجال والنساء يحملان علامة ترامب التجارية. وكتب على حسابه بمنصة تروث سوشيال، أول من أمس: "عطرا ترامب متاحان. ويطلق عليهما اسم: فيكتوري (النصر) 45 و47، لأنهما يعبران عن الفوز والقوة والنجاح". وشغل ترامب المنتمي للحزب الجمهوري منصب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة في الفترة من 2017 حتى 2021 وأصبح الرئيس السابع والأربعين للبلاد بفوزه في العام 2024. يباع العطر المخصص للرجال في علبة سوداء مكتوب عليها بحروف باللون الذهبي بينما يقدم العطر النسائي في علبة حمراء وبكتابة باللون الذهبي أيضا، وتبدو عبوات العطرين وكأنها تماثيل صغيرة لترامب. وكتب الرئيس الأميركي على منصته "تروث سوشيال"، أيضاً: عطور ترامب تتمحور حول الفوز والقوة والنجاح والطموح للرجال والنساء». ودعا ترامب متابعيه إلى اقتناء العطر الجديد لأنفسهم ولمن يحبّون، قائلاً: "أحضر لنفسك زجاجة، ولا تنس الحصول على واحدة لأحبائك أيضاً.. استمتع، استمتع، واستمر في الفوز!". وأشار ترامب للموقع الذي يعرض منتجاته، وهو(gettrumpfragrances)، الذي يضم عطوراً جديدة في أحدث حملة تجارية، كما يظهر تعليق في الواجهة جاء فيه: "للوطنيين الذين لا يتراجعون أبداً، مثل الرئيس ترامب، هذا العطر هو صرخة حماسية في زجاجة، يجسّد هذا النوع ذو الإصدار المحدود، القوة والسلطة والنصر، مزيناً بصورة ترامب الشهيرة. ويُسوّق العطر كإصدار محدود يرافقه تمثال ذهبي يوصف بأنه "أيقوني"، بـ249 دولاراً أميركياً للعبوة الواحدة.. ورغم ارتباطه باسم ترامب، توضح التنبيهات أسفل الموقع الرسمي أن هذه العطور لا تُصمم أو تُنتج أو تُوزع أو تُباع من قبل ترامب شخصياً، بل تُصنّع بموجب ترخيص تجاري لاستخدام اسمه. وفيما يخص تركيبة العطر، لم يتم الافصاح عن تفاصيل دقيقة حول مكوناته، غير أن بعض مستخدمي موقع Fragrantica المتخصص في تقييم العطور، ذكروا أن النسخة الرجالية تحتوي على نغمات من الهيل والغرنوقي وأكورد الفوجير، وتجمع بين الطابع الخشبي الحار والعطري. وتوالت ردود الفعل سريعاً على الإنترنت إذ اتهم المنتقدون الرئيس الأميركي بالفساد. وقال مارك وارنر السناتور الأميركي من ولاية فيرجينيا في مقطع مصور جرى تداوله على منصة إكس للتواصل الاجتماعي "لم يحدث قط، ولا أعتقد أنه في التاريخ الأميركي، أن يقوم شخص ما بسرقة الكثير على مرأى من الجميع، احتيال وكسب غير مشروع". وأشار السناتور بيتر ولش، وهو عضو بالحزب الديمقراطي من ولاية فيرمونت، إلى أن ترامب أعلن عن العطرين في وقت يسعى فيه الجمهوريون إلى خفض مزايا الرعاية الطبية للأميركيين ذوي الدخل المنخفض في مشروع قانون الميزانية. وقال ولش عبر "إكس": يقاتل الديمقراطيون في مجلس الشيوخ لمنع الرئيس ترامب من حرمان 17 مليون شخص من الرعاية الصحية بينما يروج لخط إنتاجه من العطور. ورفض البيت الأبيض التعليق على هذه الانتقادات. والعطران هما أحدث المنتجات التي كشفت عنها عائلة ترامب، فقد حصلت شركته العائلية في حزيران على ترخيص لاستخدام اسمها في إطلاق خدمة هاتف محمول بالولايات المتحدة وهاتف ذكي بقيمة 499 دولاراً. وجرى الترويج للهاتف على أنه أنيق وباللون الذهبي وهو اللون المفضل لدى ترامب. وقال الرئيس إنه وضع مصالحه التجارية في صندوق ائتماني يديره أبناؤه لتجنب تضارب المصالح، لكن الدخل من هذه المشاريع التجارية سيزيد ثراء الرئيس الذي يتربع على رأس سلسلة شركات عائلة ترامب في نهاية المطاف. ويحصل ترامب على دخله من صفقات الترخيص، ومشاريع العملات المشفرة، ونوادي الغولف وغيرها من المشاريع، هو الذي سبق أن روّج لأحذية رياضية ذهبية اللون ولكتاب ديني.


معا الاخبارية
منذ 4 ساعات
- معا الاخبارية
امريكا تزعم: إيران تجند عناصر داخل البلاد لتنفيذ هجمات
بيت لحم معا- بعد أن نفذت الولايات المتحدة غارات جوية على منشآت نووية إيرانية، أصدر المسؤولون الأميركيون تنبيهات عاجلة حول هجمات إرهابية محتملة في الولايات المتحدة، بما في ذلك تحذيرات من أن طهران قد توقظ خلايا نائمة وتأمرها بشن هجمات. يزعم المدعون الفيدراليون أن الحكومة الإيرانية حاولت توظيف أشخاص مختلفين لتنفيذ أعمال عنف في البلاد - بما في ذلك رجال العصابات الروس والمرتزقة في عصابات المخدرات المكسيكية ففي رسالة بريد إلكتروني داخلية أُرسلت بعد الضربات الأمريكية على إيران، حذّر رئيس الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، رودني إس. سكوت ، من أن "آلاف المواطنين الإيرانيين" دخلوا البلاد دون تصريح في السنوات الأخيرة. في الوقت نفسه، قال بعض الخبراء إنهم أقل قلقًا بشأن الهجمات المتعمدة التي تشنها طهران من خطر الأفراد الذين يتصرفون منفردين، بدافع من الدعاية المعادية لأمريكا. وصرح ماثيو ليفيت ، محلل مكافحة الإرهاب السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، لصحيفة نيويورك تايمز: "القلق الأكبر هو أن يُلهم أحدهم للقيام بشيء ما".


جريدة الايام
منذ 4 ساعات
- جريدة الايام
خيارات إيران لامتلاك القنبلة النووية
بقلم: أفنر فيلان* تلقّى البرنامج النووي الإيراني ضربة قاسية: فقد دُمّرت مجموعة السلاح، وقُصفت منشأة إعادة التحويل، ولن تعود المنشآت في نتانز وفوردو إلى التخصيب في الأشهر القريبة. كذلك تضررت بنية إنتاج أجهزة الطرد المركزي. صحيح أن المواد النووية بقيت، لكن إذا أضفنا الأضرار التي لحِقت بالدفاعات الجوية والصواريخ الدقيقة وبعض كبار ضباط الجيش، فيمكن الاتفاق على أن إسرائيل والولايات المتحدة حققتا إنجازات كبيرة. الآن، يجب أن نسأل: ما هي الخيارات المتاحة أمام إيران؟ وهل هذه الخيارات تتأثر بحجم الضرر الذي لحِق بها؟ الخيار الأول: قد تختار إيران التخلي عن حقها في التخصيب مؤقتاً، ونقل المواد النووية إلى دولة ثالثة، في مقابل الحصول على أموال تساعدها على إعادة إنعاش اقتصادها المنهار، وتعزيز برامج الصواريخ و"الإرهاب"، أو فقط من أجل البقاء. إن الحافز على توقيع اتفاق كهذا لا يعتمد على عدد أجهزة الطرد المركزي التي بقيت في فوردو، بل على إدراك النظام أنه يواجه خطراً وجودياً. في هذه الحالة، قد يُظهر "مرونة بطولية" لإنقاذ نفسه. ومن جهتنا، يجب أن نتأكد من أن الاتفاق شامل وقوي بما فيه الكفاية، وأن يكون هناك رقابة استخباراتية صارمة على أيّ خروق. إذا تحقق ذلك، سيكون الفضل للجيش الإسرائيلي وإسرائيل، وربما يحصل ترامب على جائزة نوبل. الخيار الثاني: التسلل إلى التخصيب العلني بالتدريج، وهذا ما تفعله إيران منذ 20 عاماً، استعراض قوة، تقدُّم بالتدريج، قبول بعض الرقابة، وبناء دولة "عتبة نووية"، تسيطر على التكنولوجيا وتُراكم المواد. سيستغرق هذا المسار وقتاً؛ لأنهم يعلمون أنهم إذا أعادوا تأهيل المنشآت بسرعة، فإن إسرائيل، أو أميركا، ستهاجمان مجدداً. وعلى الرغم من أن المواد التي تم جمعها تقرّبهم من القنبلة، فإن بناء منشأة تخصيب كبيرة لا يتم في يوم واحد. لذا، من غير المتوقع أن يتقدم التأهيل بسرعة، لكن الخطر هو من أنه خلال بضعة أعوام، سنجد إيران على بُعد خطوة من امتلاك ترسانة نووية، من دون أن تتوفر الظروف نفسها لوقفها. لذلك، فإن المفتاح هو الحزم، وعدم السماح لها برفع رأسها، ومعاقبتها على كل خرق، وبناء نظام عقوبات دولي صارم. إنها حرب استنزاف وتتطلب المثابرة. الخيار الثالث: المسار السرّي نحو القنبلة، يمكن أن يتطور هذا المسار في موازاة المسارَين الآخرَين. وهو يتطلب اليورانيوم، وأجهزة الطرد المركزي، ومنشأة لإعادة التحويل، ومجموعة سلاح – حتى لو كانت مصغّرة، لاستخدامها في تجربة تفجير في الصحراء. المشكلة الرئيسية هنا هي في المواد: اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% الذي يمثل 99% من الطريق نحو التخصيب العسكري، ويمكن استخدامه لإنتاج قنابل أولى في منشأة صغيرة وسرية خلال أسابيع. لذلك، من الضروري معرفة مكان كلّ كيلوغرام من أصل الـ408 كغم التي كانت لديهم. سيستغرق البدء بالعمل من خلال استخدام اليورانيوم الطبيعي وقتاً أطول – نحو عام – لكنه ممكن. كان لدى إيران الآلاف من أجهزة الطرد المركزي في منشأتَي فوردو ونتانز، ولا نعرف عدد الأجهزة التي نجت. لكن من المحتمل أن يكون لديها مخزونات إضافية. يمكن بناء منشأة تخصيب داخل صالة رياضية، لكن إنشاءها – وكذلك منشأة تحويل اليورانيوم إلى شكل معدني – سيستغرق عدة أشهر على الأقل. فيما يتعلق بمجموعة السلاح، الأخبار الجيدة: الشخصيات المركزية في "مشروع عماد" لم تعد موجودة، والمختبرات دُمرت. حافظ الإيرانيون على هذا الإطار لإعادة تفعيله في المستقبل، وهذا لم يعد موجوداً. يمكن لإيران إنشاء مجموعة جديدة بهدوء، من دون تبليغ القيادة العليا. هذا السيناريو مُقلق، وقد يستغرق أعواماً، لكنه ممكن. والأكثر إزعاجاً هو احتمال أن يكون هذا حدث فعلاً، قبل خمسة أعوام، قال رئيس البرنامج النووي الإيراني، محسن فخري زادة، لو كنت مكان خامنئي هذا ما كنت سأفعله. وربما يفسّر هذا التقدم إلى نسبة 60% في التخصيب قبل الهجوم، ربما لم يكن فقط ورقة تفاوضية، بل لأنهم كانوا يعرفون شيئاً لا نعرفه نحن. إلى جانب هذا كله، هناك سيناريو سرّي إضافي، وبشكل خاص الآن، مع ارتفاع الدافع إلى مواصلة المشروع النووي: التوجه إلى كوريا الشمالية للحصول على منشأة جاهزة. هذه هي أسرع طريق. لذلك، لا يقتصر القلق فقط على وضع المنشآت، بل يتعلق بالمادة المخصّبة، والأهم: هل بدأ مسار سرّي جديد؟ الإيرانيون يفضلون الحذر والسرية على التسرع، إلّا إذا اعتقدوا أنهم يستطيعون تحقيق إنجاز سريع. بالنسبة إلينا، المفتاح هو المراقبة الاستخباراتية لضمان عدم حدوث ذلك، والردع لضمان عدم حدوث هذا مستقبلاً. ليس فقط أجهزة الطرد المركزي إن العملية العسكرية الناجحة ضد إيران كانت فقط نقطة انطلاق، وحققت هدفها. المرحلة التالية لا تتوقف على عدد أجهزة الطرد المركزي المتبقية، بل على الدينامية: هل ستختار إيران إحناء رأسها، أم التصعيد؟ وهل سنواصل خلق ظروف تدفعها إلى اختيار التوقف؟ إن الصراع على منع إيران من امتلاك سلاح نووي يرافقنا منذ أكثر من 20 عاماً، ولن ينتهي هذا الشهر. الطريقة الوحيدة لمنعها من امتلاك هذا السلاح هي أن يقرر النظام نفسه عدم تطويره. فالهجمات الأخيرة – التي يقرّ جميع الخبراء بنتائجها – تؤخر التطوير فقط. لا شيء يمنع إيران من إعادة بنائه. من هنا، يجب العودة إلى العمل الشاق: استخبارات دقيقة، عمليات نوعية، وضغط دولي، كي ندفع الإيرانيين إلى الاختيار ما بين استمرار النظام، أو السلاح النووي. لا يمكن الجمع بين الخيارَين. مَن يقرر في طهران؟ يجب أن يتم هذا النقاش أيضاً في سياق كيفية اتخاذ القرارات في طهران. فالفساد مُستشرٍ في المؤسسة الإيرانية، والناس يخافون من قول الحقيقة، وتُقدَّم للقيادة صورة مشوهة للواقع. خامنئي ليس في أفضل حالاته، فهو مريض ومتقدم في السن. من غير الواضح كيف تُتخذ القرارات. وربما هذا أحد أسباب خطأ إيران في رهاناتها: لا يمكن إدارة المخاطر عندما لا يوجد مَن يجرؤ على قول الحقيقة للسلطة. وربما هذا هو الفارق الجوهري بيننا وبينهم: إن تفوُّق سلاح الجو والاستخبارات العسكرية و"الموساد" نابع من القدرة على إجراء تحقيقات حقيقية، حتى عندما تكون النتائج غير مريحة. ومن ناحية أُخرى، حتى اليوم، لم يتم فحص قرار الخروج من الاتفاق النووي بشكل معمّق، وهو القرار الذي قرّب إيران من العتبة النووية، ولم يتم التحقيق في سلسلة الإخفاقات التي أدّت إلى كارثة 7 تشرين الأول. يجب التفكير أيضاً في هذا، عندما نسأل أنفسنا في أيّ دولة نريد أن نعيش؟ عن "يديعوت" ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *خبير في النووي الإيراني، مسؤول كبير سابقاً في جهاز الأمن وحاصل على جائزة أمن إسرائيل.