
خبير عسكري: فقدان جيش الاحتلال قوات اختصاصية خسارة لا تعوض
قال الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد حاتم كريم الفلاحي إن مقتل جندي من كتيبة الهندسة القتالية الإسرائيلية "601"، التابعة للواء 401 ضمن الفرقة 162، يمثل ضربة موجعة لقوات الاحتلال الإسرائيلي ، إذ تنتمي هذه الكتيبة لما يعرف بـ"القوات الاختصاصية" التي لا غنى عنها في العمليات البرية.
وأوضح الفلاحي -في تحليل للمشهد العسكري بقطاع غزة- أن دور هذه الكتيبة محوري في فتح الطرق، وإزالة الألغام والعوائق أمام تقدم الوحدات المدرعة والآلية، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من إستراتيجية التوغل البري التي ينتهجها جيش الاحتلال ضمن ما يسمى بعملية "عربات جدعون".
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن مقتل أحد جنوده خلال معارك شمالي قطاع غزة ، بالتزامن مع مواجهات عنيفة دارت في محيط خان يونس ، حيث تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن "حدث أمني خطير" أعقبه تبادل كثيف لإطلاق النار، دون السماح بنشر تفاصيل إضافية بفعل الرقابة العسكرية.
وبحسب العقيد الفلاحي، فإن العملية العسكرية الجارية تهدف إلى فرض حسم سياسي وعسكري داخل غزة، عبر تدمير البنية التحتية للمقاومة، لكن الأداء الميداني كشف عن عجز كبير.
مأزق حقيقي
وقال إن الجيش الإسرائيلي يتكبد خسائر فادحة بشريا وماديا، وهو ما يشكل مأزقا حقيقيا لقوات الاحتلال، خصوصا حين تتعلق الخسائر بقوات لا يمكن تعويضها أثناء سير العمليات.
وأشار الفلاحي إلى أن الإيجاز الذي يقدمه قادة الجيش الإسرائيلي يتطلب عرضا دقيقا لحجم الإنجاز العسكري مقابل الخسائر، خاصة مع إعلانهم السيطرة على نحو 75% من الأراضي، وهي نسبة تطرح تساؤلات بشأن الثمن الباهظ المدفوع مقابل هذا التقدم.
وتزامنًا مع ذلك، أعلنت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- استهدافها برج جرافة عسكرية إسرائيلية بقذيفة "الياسين 105" ما أدى لاشتعال النيران فيها شرقي خان يونس، كما قصفت تجمعات لجنود الاحتلال بقذائف هاون.
في حين قالت سرايا القدس -الجناح العسكري لحركة الجهاد- إنها دمّرت آلية متوغلة شرق المدينة بعبوة برميلية.
ورأى الفلاحي أن استهداف الكتائب الهندسية يعطل التسلسل القتالي الذي يعتمده الاحتلال، إذ يفترض أن تدخل القوات الخاصة أو المشاة أولًا لتأمين الأرض قبل تقدم وحدات الهندسة، لكن هذا الأمر يبدو معطّلا بفعل محدودية القوات النظامية المتاحة، وتدني قدرات فرق الاحتياط في خوض معارك شوارع بهذا النطاق.
وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي يعتمد بشكل أساسي على فرقتين نظاميتين هما 36 و162، ويُعوّل على وحدات الاحتياط التي ثبت عدم قدرتها على مواكبة متطلبات الحرب داخل بيئة حضرية معقدة، وهو ما انعكس على تراجع الأداء القتالي للمحتل في معارك اليومين الماضيين.
ويواجه الاحتلال تصعيدا متواصلا من فصائل المقاومة التي كثّفت عملياتها النوعية، ونصبت كمائن محكمة أوقعت قتلى وجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي، فضلًا عن تدمير مئات الآليات وإعطابها منذ بدء العملية البرية في غزة يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الأكثر دموية
وفي سياق متصل، قال الفلاحي إن تل أبيب تشير إلى أن يونيو/حزيران الجاري هو الشهر "الأكثر دموية" بالنسبة لها منذ عام، حيث قُتل 21 جنديا خلاله، مما يسلط الضوء على مدى التعقيدات التي تواجهها قوات الاحتلال في تحقيق أهدافها.
لكن الفلاحي رأى أن استخدام وصف "الأكثر دموية" ينطبق بالدرجة الأولى على المدنيين الفلسطينيين، خاصة في المراحل الأولى للحرب التي شهدت قصفا جويا ومدفعيا مكثفا استهدف مئات الأهداف داخل القطاع، قبل الانتقال إلى مرحلة المزج بين التوغل والقصف.
وأضاف أن الاحتلال رغم تدرّجه في العمليات البرية بهدف تقليل الخسائر، فإنه لم يتمكن من وقف ارتفاع عدد القتلى في صفوفه، وذلك نتيجة لتكتيكات المقاومة الفعالة التي أظهرت تفوقا واضحا في البيئات المعقدة داخل القطاع، وهو ما جعل العمليات اليومية أكثر تكلفة من حيث الأرواح والمعدات.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن العدوان الإسرائيلي على القطاع أسفر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول عن استشهاد أكثر من 185 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى وجود أكثر من 11 ألف مفقود، في حرب وُصفت بأنها حرب إبادة.
ويرى الفلاحي أن جيش الاحتلال يواجه أزمة مزدوجة؛ تعثّرًا ميدانيًا في المناطق المبنية، وخسائر بشرية متصاعدة داخل قوات متخصصة نادرة، مما يهدد قدرة تل أبيب على مواصلة معركتها الطويلة دون أن تدفع كلفة إستراتيجية باهظة في الميدان.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
غضب على المنصات بعد كشف صحيفة إسرائيلية عن مصايد الموت للجوعى بغزة
تفاعل مغردون مع تقرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية الذي كشف عن مقتل 550 فلسطينياً من منتظري المساعدات خلال شهر واحد، بحسب إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة. وقد نشرت الصحيفة شهادات جنود إسرائيليين، أكدوا تلقيهم أوامر بإطلاق النار على الفلسطينيين لإبعادهم وتفريقهم، رغم عدم تشكيلهم خطراً، ودون رصد أي مسلحين. ونقلت الصحيفة عن جنود، إن "مراكز توزيع المساعدات صارت أشبه بساحة حرب وحقول قتل، وأطلقنا النار على الفلسطينيين العزل كأنهم قوة معادية، في انهيار كامل للقيم الأخلاقية للجيش الإسرائيلي". وأحصت هآرتس 19 حادثة إطلاق نار قرب مراكز توزيع المساعدات منذ أواخر مايو الماضي. وأشارت الصحيفة إلى أن أسلوب الجيش الإسرائيلي في تلك المواقع مماثل للعبة أطفال إسرائيلية تشبه لعبة "ضوء أحمر.. ضوء أخضر" الشهيرة، مستخدماً وسائل السيطرة على الحشود التي تتضمن رشاشات ثقيلة وقاذفات قنابل يدوية وقذائف هاون. خطة ممنهجة وأبرزت حلقة (2025/6/29) من برنامج "شبكات" إجماع مغردين على وصف ما يحدث بأنه ليس مجرد جرائم فردية، بل خطة إبادة منهجية ومدروسة تستهدف الفلسطينيين. وتوافقت الآراء على أن استهداف الجوعى عند طلب المساعدة يكشف عن انهيار أخلاقي كامل، مع التأكيد على أن الفلسطينيين مجبرون على المخاطرة بحياتهم لإطعام عائلاتهم. وبحسب المغرد غدي فإن "ما جرى ليس مجرد جريمة بل خطة إبادة باردة ومدروسة.. تقتل إسرائيل الجوعى عمداً لتصنع حرباً أهلية في صفوف المجوّعين". وأضاف: "هذا يعري كل دعاوى الإنسانية الزائفة، وكأن اقترابهم من فتات المساعدات جريمة تواجه بالقتل، لا فعل استغاثة تجاب بالرحمة". لا خيار لهم وفي نفس السياق، أوضحت الناشطة سوزان أنه لا خيار للمجوّعين، وكتبت: "هاي مساعدات الموت.. والناس مجبرة تطعم عائلاتها وبتخاطر بحياتها". ومن زاوية أخرى، عبر الناشط صلاح عن عجزه في تخفيف معاناة أهل غزة وغرد: "كان نفسي أصرخ لكل أهل غزة: لا تروحوا على مراكز المساعدات -لأنها مصيدة موت- لكن كيف أقولها، وأنا أعرف أن واقعهم أقسى من قدرتهم على الرفض؟ الناس هناك جائعون، والكرامة تنهار أمام بكاء الأطفال وألم البطون الخاوية". إعلان في المقابل هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية– ووزير دفاعه يسرائيل كاتس صحيفة هآرتس، وقالا في بيان، إن الصحيفة "تهدف إلى تشويه سمعة الجيش الإسرائيلي الأكثر أخلاقية في العالم".


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
غسان سلامة: الشعوب العربية تخاذلت عن نصرة غزة
المقابلة انتقد الدكتور غسان سلامة، وزير الثقافة اللبناني والأكاديمي والدبلوماسي السابق، الموقف العربي 'المتخاذل' من الأحداث وعدم التضامن مع قطاع غزة. اقرأ المزيد


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
"إثبات الوفاة" معاناة قانونية وإنسانية تؤرّق ذوي الشهداء والمفقودين بغزة
غزة- تفحّص الموظف البيانات بدقة، ومرّر عينيه على الأوراق التي تحمل اسم الزوج، وتاريخ فقده، وتفاصيل تقرير وفاته، ثم أغلق الملف مخاطبا أم حامد "نعتذر، لا يمكن تسجيل الأطفال ضمن برنامج الكفالات لدينا". حينها، لم تسمع أم حامد سوى وقع كلمات تتهاوى عليها كأنها تسقط من علو، فجرّت قدميها خارج المبنى، وهي تحمل في يدها شهادة وفاة قاتلت للحصول عليها، وبدت كأنما تلقت صفعة تعيدها لنقطة الصفر، حيث ظنت أنها وصلت أخيرا، بعد شهور من الجري خلف إثبات واحد فقط لأن زوجها استشهد دون جثة أو دفن. في قطاع غزة تواجه آلاف العائلات صعوبة بالغة في استخراج شهادات الوفاة لذويهم، حيث ترفض الجهات الرسمية في القطاع إصدار شهادة وفاة لأي شخص لم تُفحص جثته أو يُسجّل دخوله إلى مستشفيات القطاع، دون ما يُعرف بـ"محضر إثبات وفاة". وهذا المحضر إجراء قانوني يتطلب من ذوي المفقود إحضار شاهدَين يقسمان يمينا مغلّظا على صدق البيانات التي يقدمونها كدليل على رؤيتهما الجثمان دون تمكنهما من انتشاله أو دفنه بوقت سابق، أو إثباتٍ يؤكد صدق الرواية، ليمنح بعدها رخصة لإصدار شهادة وفاة رسمية. تقول أم حامد للجزيرة نت، إنها استخرجت بعد مشقة شهادة وفاة لزوجها، حيث استعانت بفيديو بثه الاحتلال الإسرائيلي عبر وسائل إعلامه، يُظهر جثمان زوجها مع جثامين مقاومين استُشهدوا في هجوم 7 أكتوبر /تشرين الأول، فوافقت المحكمة وأقرّت باستشهاده رسميا. لكن أم حامد، ورغم هذا الاعتراف القانوني، اصطدمت بعقبة جديدة حين توجّهت لتسجيل أطفالها الأربعة في برنامج كفالة بإحدى المؤسسات الدولية، فقوبلت بالرفض. وتضيف "انتزعت شهادة الوفاة بشقّ الأنفس لأحصل على كفالات مالية لأطفالي، لكن المؤسسة عندما عرفت أنه من مقاتلي "7 أكتوبر"، حرموني الاستفادة منها وكأن الفقد وحده لا يكفي". تواصلت الجزيرة نت مع زوجات لمقاتلي "7 أكتوبر"، اللواتي يشتركن بوجع واحد، وفقد لا ينتهي عند الألم النفسي، بل يمتد لخلق مأساة مركّبة قانونيا واجتماعيا ومعيشيا، حيث تُحرَم النساء وأطفالهن من أبسط حقوقهن كالكفالات المالية، والمساعدات الإغاثية، وحتى الحق بإعادة بناء حياتهن. فأم ساجد، التي لم تتمكن من إثبات استشهاد زوجها حتى اليوم، باعت كل ما تملك من مصاغها الذهبي لتُطعم أبناءها الأربعة بعد فقد زوجها، وتروي "يقول الناس خبي (احتفظ) قرشك الأبيض ليومك الأسود، ولا شيء أسود من هذه الأيام". حل مؤقت حملت مراسلة الجزيرة نت هذه الشكاوى إلى القضاء الشرعي في غزة، الذي أوضح أنه قدم حلا مؤقتا لزوجات المفقودين، يتمثّل في وثيقة تعرف بـ"المشروحات" تُمنح للنساء اللاتي فقدن أزواجهن منذ أكثر من عام، وتوضح أن الزوج مفقود منذ ذلك الحين دون التمكن من التثبّت من وفاته. وفي مقابلة خاصة مع "الجزيرة نت" قال رئيس المحكمة الشرعية في غزة محمد فروخ، إن هذه الوثيقة تمكّن المرأة من تقديمها للمؤسسات الإغاثية للمطالبة بحقوقها المالية، مشددًا في الوقت ذاته أن الزوجة لا تُعد معتدّة ولا يجوز لها الزواج مجددًا حتى التحقق من مصير زوجها، إن كان أسيرا أم شهيدا. وبخصوص العدة، أوضح فروخ أن على زوجة المفقود الانتظار سنة كاملة بعد نهاية الحرب وعودة المحاربين، وهي المهلة التي أقرّها القانون المدني في مادته رقم 119، وتُعتبر الفترة القانونية القصوى لاحتمال عودة المفقود أو معرفة مصيره. لا يقتصر ملف المفقودين على مقاتلي "7 أكتوبر"، بل يشمل أيضا آلاف المدنيين الذين لا يزالون تحت ركام البيوت المدمّرة، ويصعب انتشال جثث كثير منهم، ما يدفع ذويهم لتقديم محضر إثبات وفاة لإثبات استشهادهم. ويوضح فروخ أن المحكمة تعتمد بهذه الحالة على أدلة تشير إلى وجود الشخص في المنزل وقت الاستهداف، كشهادات ناجين من القصف، أو رسائل وبيانات تثبت وجوده حينها، ويُعامل كشهيد لم يُنتشَل. وينطبق ذلك أيضًا على من دُفنوا في مقابر عشوائية خارج المستشفيات، بسبب صعوبة الوصول إليها أثناء القصف، أو تعذّر تحرك سيارات الإسعاف، ويُطلب من ذويهم في هذه الحالات إحضار شاهدَين شاركا في دفن الشهيد أو شاهدا الجثمان ومكان القبر، ويتحقق من إفادات كل منهما على حدة، قبل إصدار القرار. وأكدت مصادر قضائية للجزيرة نت أن عدد محاضر إثبات الوفاة المقدمة في شمال وجنوب قطاع غزة بلغ أكثر من 16 ألف محضر، أكثر من 11 ألفًا منها شمالا، حيث كانت العمليات البرية الإسرائيلية الأعنف. لكن ما يقارب 10% من هذه المحاضر تم رفضها، بسبب تضارب شهادات الشهود أو عدم كفاية الأدلة، وهو ما يضع العائلات في حلقة مفرغة من الانتظار والمعاناة. قصص مفزعة وأفرزت الحرب في غزة حالات بالغة التعقيد، يصعب تصورها لولا وقوعها فعلا، حيث يروي القاضي "س.د" لـ"الجزيرة نت" قصة امرأة كانت تقيم جنوب القطاع، حين وصلها خبر يفيد باستشهاد زوجها تحت أنقاض منزلهما خلال حصار جباليا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. واستندت الزوجة إلى شهادتَين تؤكدان أن الجثمان دُفن بعدما تحلل إلى هيكل عظمي، وأجرت بناءً على ذلك معاملات قانونية، ثم ارتبطت لاحقًا برجل آخر، لكن بعد عدة شهور، فوجئت العائلة بأن الزوج لا يزال على قيد الحياة، وبأنه أسير لدى الاحتلال الإسرائيلي. ويُعامل هذا النوع من القضايا وفق المذهب الحنفي، السائد في المحاكم الشرعية بغزة، الذي ينص على أن عقد الزواج الثاني يثبت إذا تم الدخول، وتُفسخ العلاقة بالزوج الأول تلقائيا بهذه الحالات. وفي واقعة أخرى، أدى قصف إسرائيلي لاستشهاد أب وابنته في الوقت نفسه تقريبًا، لكن العائلة واجهت معضلة في معاملة "حصر الإرث"، لعدم القدرة على تحديد من توفي أولًا، وهو تفصيل حاسم قانونيا، لأن من يُتوفى ثانيًا يرث من الأول. وأوضح القضاء الشرعي أنه تمكن من حل الإشكال بالاعتماد على مقطع فيديو وثقته كاميرا مراقبة في المكان، أظهر أن الأب فارق الحياة أولا، فيما كانت الفتاة تلتقط أنفاسها الأخيرة بعده بدقائق، ما مكّنها قانونيا من أن ترث منه. أما في الحالات التي تُثبت فيها وفاة الطرفين في اللحظة نفسها، فلا يرث أحدهما الآخر، ويُنقل الإرث مباشرة إلى بقية الورثة، حسب الترتيب الشرعي، بحسب القاضي "س.د". محاولة للإثبات وفي مواجهة آلاف الجثث التي دُفنت دون هوية واضحة أو فُقدت ملامحها بالكامل بفعل التحلل أو نهشها من الكلاب الضالة، يواجه خبراء الأدلة الجنائية تحديات غير مسبوقة. وبعد التواصل مع مختص في الأدلة الجنائية -فضل عدم كشف هويته- أوضح للجزيرة نت أن طواقم الأدلة تعمل بالتنسيق مع الدفاع المدني، وتنطلق فور الإبلاغ عن جثمان مجهول، لتوثيق كل ما يمكن الاستدلال به. يقول المصدر "نصور الجثة بمكان العثور عليها، مع التركيز على وضعيتها، وملابسها، ومقتنياتها الشخصية إن وجدت، ونقارنها لاحقًا بما يبلّغ عنه الأهالي من حالات فقد". ويؤكد المصدر أن فحوصات الحمض النووي "دي إن إيه"، التي يمكنها حل غالبية هذه الحالات، غير متوفرة في غزة بسبب الحصار ونقص الأجهزة، ما يضطر الفرق للاعتماد على وسائل بدائية، من خلال فحص 3 أمور هي الملابس والمقتنيات والعلامات الفارقة في الجسد، كوجود بلاتين، أو بتر، أو التواء في الأطراف، أو تفاصيل في الفك والأسنان إن بقيت. وتُجمع الجهات القضائية والصحية على أن الوضع القانوني المتعلق بملف المفقودين والشهداء في غزة يحتاج "لمعالجة طارئة"، لكن استمرار الحرب وتدهور الوضع الميداني يمنعان أي إصلاح قانوني شامل. وصرح مصدر مطلع للجزيرة نت بأن "ملفات كثيرة لا يمكن حسمها قانونيا إلا بعد استقرار الأوضاع، فإثبات وفاة المفقود مثلا، يحتاج إلى انتهاء المهلة القانونية، والتحرّي والنشر، وربط الوقائع بالأدلة، وكل ذلك غير ممكن بظل حالة الطوارئ المستمرة". وفي غضون ذلك، تبقى آلاف العائلات معلّقة بين الحزن والانتظار، وتدفع النساء الثمن مضاعفا؛ فهنّ معلّقات حتى تقرير المصير.