logo
ألمانيا رأس حِرْبة الإمبريالية الأوروبية ( 2)!الطاهر المعز

ألمانيا رأس حِرْبة الإمبريالية الأوروبية ( 2)!الطاهر المعز

ساحة التحريرمنذ يوم واحد

ألمانيا رأس حِرْبة الإمبريالية الأوروبية – 2 / 2!
الطاهر المعز
بين مناهضة الشيوعية ومعاداة الشعوب
حملات قمع ضدّ التّقدّميين الدّاعمين لشعب فلسطين
تَمّت ترجمة 'استيراد معاداة السامية' إلى حملة تقودها على الجبهة الإعلامية صحيفة 'بيلد' ضدّ العرب والمناضلين الدّاعمين للشعب الفلسطيني والمُندّدين بالدّعم الألماني غير المحدود للكيان الصهيوني، ونشرت مجلة دير شبيغل – إحدى أكبر المجلات الإخبارية في ألمانيا – يوم الثاني عشر من شباط /فبراير2025، مقطع فيديو بعنوان 'احتجاجات ضد اليهود'، ويُظْهِرُ الشريط احتجاجاً مؤيداً للشعب الفلسطيني في الجامعة الحرة في برلين، ونشرت صحيفة 'بيلد' يوم الحادي والعشرين من أيار/مايو 2025، وهي أكثر صحيفة موزّعة في أوروبا، مقالاً أورَدَ وُجوه وأسماء من اعتبرتهم 'النّواة الصّلبة للإرهابيين وكَارِهِي إسرائيل'، وهم أشخاص شاركوا في الإحتجاجات المؤيدة للشعب الفلسطيني في برلين، وأشارت إحدى برقيات وكالة الصحافة الفرنسية إلى تَعرّض أحد أحياء برلين الذي تقطنه إحدى أكبر الجاليات الفلسطينية في أوروبا، لحملات قمع وحشية من قِبَل الشرطة شبّهها أحد المُلاحظين بحملات الشرطة النازية ( وكالة الصحافة الفرنسية – أ.ف.ب. بتاريخ الثالث من كانون الأول/ديسمبر 2024 ) ولم يتسبب تعرض هؤلاء السّكّان وغيرهم للضرب على أيدي أفراد من الشرطة الألمانية المسلحة في إثارة أي نوع من الإهتمام من جانب وسائل الإعلام الألمانية والأوروبية، لأن مثل هذه الحملات القمعية أصبحت عادية – بحكم تكرارها – في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وبولندا ومجمل الدول الأعضاء بالإتحاد الأوروبي، بعد تجربتها في المُستعمرات، ثم ضدّ المُهاجرين واللاّجئين…
تفتخر المؤسسة السياسية والإعلامية الألمانية بمراجعة تاريخها ونبذ النازية وبثقافة 'إحياء الذاكرة'، في إشارة إلى إحياء ذكرى قمع وإبادة اليهود الألمانيين والأوروبيين والتكفير عن ما أسموه 'الهولوكوست' في السياسة والمجتمع، ولكن أصبحت 'ثقافة الذاكرة' الرسمية تركز على مكافحة 'عودة ظهور معاداة السامية' المزعومة في شكل معاداة الصهيونية و'معاداة السامية المستوردة' التي جلبها المهاجرون العرب والمسلمون، وتدّعي الدّعاية الرسمية إن ألمانيا تمكنت من القضاء على 'معاداة السامية' غير إن المهاجرين أعادوها إلى ألمانيا، وهي الرواية – المُزّيفة للتاريخ وللواقع – التي استفاد منها حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف واكتسب منها دعمًا واسع النطاق عبر المؤسسة السياسية، وبذلك تم تنظيف اليمين المتطرف من عمليات القتل وحرق أمكان العبادة – بما فيها كنيس يهودي سنة 2019 – وملاجئ ومحلات سكن وتجارة الأجانب، كما 'أهْملت ثقافة الذّاكرة' عمليات الإبادة التي ارتكبها ألإستعمار الألماني في إفريقيا وآسيا قبل هزمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.
شكّلت 'ثقافة الذاكرة' تعِلّةً للدّعم غير المشروط لجرائم الإحتلال الصهيوني، من جانب الدولة الألمانية ووسائل الإعلام، وخصوصًا منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، حيث تم حَظْرُ أي انتقاد لتصرفات الكيان الصهيوني وأدت حملة الملاحقة العلنية لأي شخص يقول أي شيء حتى ولو كان انتقاداً طفيفاً للحكومة الصهيونية ( وليس إلى الكيان الصهيوني أو إلى العقيدة الصهيونية ) إلى اتهامات بمعاداة السامية ولم تُستَثْنَى من هذه التُّهمة شخصيات يهودية معروفة مثل عالم الاجتماع 'الإسرائيلي الألماني' موشيه زوكرمان والمصور اليهودي الجنوب أفريقي آدم برومبرغ والكاتبة اليهودية الأمريكية الروسية ماشا جيسن، التي ألغي حفل تكريمها الذي كان مخطّطًا له بعد أن سحبت حكومة ولاية بريمن ومؤسسة هاينريش بول المرتبطة بالحزب الأخضر مشاركتها بسبب مقال كتبته جيسن قارنت فيه بين غزو غزة وتصفية غيتو وارسو، كما أُلْغِيَتْ أُستاذية الفيلسوفة الأمريكية اليهودية نانسي فريزر في جامعة كولونيا بسبب رسالة تضامن مع سكان غزة، وقدرت الباحثة إميلي ديش بيكر أن ما يقرب من ثلث أولئك الذين ألغيت مناصبهم علنًا في ألمانيا بسبب معاداة السامية المزعومة كانوا يهودًا، غير إن معاناة الفلسطينيين والعرب المقيمين في ألمانيا من قِبل الشرطة وجهاز القضاء والتعليم وخصوصا الإعلام ( شبيغل وبيلد والتلفزيون العمومي…) لا يمكن وصفها، لأن جميع مؤسسات ألمانيا في خدمة حلف شمال الأطلسي ومُكرّسة للدفاع عن جرائم الحرب الصهيونية…
إعادة التسلح لإنقاذ الإقتصاد
زاد الإنفاق العسكري في ألمانيا منذ سنوات، وخصوصًا منذ بداية الحرب في أوكرانيا سنة 2022، باتفاق ائتلاف السّلطة وأحزاب المُعارَضَة، وتحولت بعض الشركات من الإنتاج الصناعي المَدَنِي إلى الإنتاج العسكري، أعلنت شركة راينميتال، أكبر شركة لصناعة الذخائر في أوروبا، أنها ستحول الإنتاج من مصنعين يركزان حاليا في المقام الأول على قطع غيار السيارات إلى معدات الدفاع، بعد إعلان المستشار الألماني فريدريش ميرتس ( بداية آذار/مارس 2025) إنفاق مليارات اليوروهات الإضافية على الدفاع والبنى التحتية.
تم طَرْحُ احتمال تحويل إنتاج بعض قطاعات الصناعات الثقيلة في أوروبا، وفي ألمانيا بشكل خاص، من صناعة الألات والتجهيزات المَدنية إلى إنتاج المُعدّات العسكرية، كخيار استراتيجي في مواجهة الأزمة التي تعيشها بعض القطاعات كالصلب والكيمياء وصناعة السيارات، في ظل الضغط الأمريكي على أعضاء حلف شمال الأطلسي ( تُشكل الدّول الأوروبية أكثر من 90% من أعضائه ) وفي ظل التّوَجُّه الأوروبي المتزايد نحو إعادة التسلح، ورُبما لا تهدف إعادة التسلح الأوروبية إلى حرب مستقبلية، ناهيك عن حرب مع روسيا أو الصّين، بل إلى مكافحة أزمة فائض الإنتاج وإعادة التصنيع في بلدان الإتحاد الأوروبي، وزيادة مبيعات الأسلحة في الخارج…
في هذا السّياق أعلن الرئيس التنفيذي لشركة فولكس فاعن أوليفر بلوم، خلال مؤتمر صحفي عقده في مدينة فولفسبورغ، يوم الثلاثاء الحادي عشر من آذار/مارس 2025 ، إن الشركة العابرة للقارات منفتحة على دراسة إنتاج معدات عسكرية للجيش الألماني، كأحد الحُلُول للخروج من أزمتها، حيث واجهت شركة فولكس فاغن – منذ بداية الحرب في أوكرانيا – النتائج السّلبية لخضوع حكومة ألمانيا (ومجمل دول الإتحاد الأوروبي) للقرار الأمريكي بمُقاطعة النّفط والغاز الرُّوسِيّيْن الرّخيصَيْن، فارتفعت أسعار الطاقة وواجهت شركة فولكس فاغن انخفاضًا في صادرات السيارات من 2,4 مليون سيارة سنة 2019 إلى 1,2 مليون سنة 2024، ولم تتمكن من إنجاز انتقالها من إنتاج السيارات التقليدية إلى إنتاج المركبات الكهربائية، مما أدى إلى إعلان تسريح عشرات الآلاف ( حوالي 35 ألف عامل) وإغلاق ثلاثة من مصانعها العشرة في ألمانيا.
كانت سلطات ألمانيا النازية ( 1955 – 1945) تُشجع وتدعم شركة فولكس فاغن التي تنتج السيارات وكذلك مركبات عسكرية مثل العربات الشهيرة من نوع ( ( Kübelwagen و Schwimmwagen ) ) التي استخدمها جيش ألمانيا النّازية خلال الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى العربة العسكرية Type 181 للجيش الألماني الغربي بدعم أمريكي بعد الحرب العالمية الثانية، وحافظت شركة فولكس فاغن على البُنية التّحتية وعلى القُدرات الصناعية لتحويل بعض مصانعها من إنتاج المركبات والمُعدّات المدنية إلى التصنيع العسكري، ويتميز مصنع 'فولفسبورغ' العملاق وهو أكبر مصانع مجموعة فولكس فاغن بمساحة مبنية تبلغ 1,6 مليون متر مربع، وبعض مصانع شركة فولكس فاغن، مثل مصنع 'أوسنابروك'، بالبنية الأساسية المتقدمة، مثل خطوط التجميع والقدرة الكبيرة على التصنيع والوصول إلى شبكات لوجستية واسعة النطاق (75 كيلومترا من الطرق و60 كيلومترا من خطوط السكك الحديدية في فولفسبورغ وحدها، وبعض الخصائص الأخرى التي تُساعد على التّحوّل من تصنيع المركبات المدنية إلى المركبات العسكرية، أو أو أجزاء من الشاحنات العسكرية أو المركبات المدرعة الخفيفة، وصرّح أرمين بابرغر، مدير شركة راينميتال ــ إحدى الشركات العسكرية الرائدة في أوروبا ــ 'إن مصنع أوسنابروك سيكون مناسباً جداً للإنتاج العسكري نظراً لقدرته الهيكلية'، واقترح إمكانية الاستحواذ عليه لتصنيع معدات مثل مركبة لينكس القتالية، بعد إنجاز بعض التعديلات، لأن هذه المصانع مصممة للمركبات المدنية الموجهة للسوق وليس للدبابات أو الأسلحة الثقيلة، والتي تتطلب رافعات عالية السعة ومكابس متخصصة والتعامل مع مواد مختلفة مثل الدروع، ولذلك يُتوقع أن تتكفل الدّولة والإتحاد الأوروبي بضخ استثمارات كبيرة – من المال العام – لإنجاز هذا التّحَوُّل، فضلا عن ضمان عُقود مع الجيش الألماني وجُيُوش أوروبا، مما يعني إن عسكَرَةَ الإقتصاد الألماني والأوروبي تتمّ بالمال العام، على حساب الإنفاق الإجتماعي وعلى حساب ميزانيات الصحة والتعليم والخدمات…
تتعاون شركة Rheinmetall منذ سنوات مع شركة MAN Truck & Bus، وهي جزء من شركة Volkswagen القابضة من خلال شركة Traton، في إنتاج الشاحنات العسكرية، منذ عُقُود، وتقوم شركات مثل Rheinmetall و KNDS بتحويل مصانع السيارات لأغراض الدفاع، مثل استحواذ KNDS على مصنع لعربات السكك الحديدية في 'غورليتز' لإنتاج المركبات المدرعة.
ألمانيا تستخدم الذكاء الاصطناعي لمحو الخطاب المؤيد للفلسطينيين
كانت ألمانيا – ولا تزال – في طليعة الدول الغربية بشأن تبرئة جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها الكيان الصهيوني في فلسطين، وتريد تطوير ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي، وما موقف ألمانيا المناهض للفلسطينيين سوى تكرار أو نُسْخَة مُحْدَثَة لمعاداة الشيوعية، فقد ألغَت الشرطة الألمانية العديد من المؤتمرات والتظاهرات الثقافية والفعاليات والمظاهرات ضمن سلسلة من الإجراءات القَمْعِيّة ضدّ كافة أشكال التّضامن مع الشعب الفلسطيني وتتجذر حملة المطاردة ضد الفلسطينيين في ثقافة سياسية رجعية تُظْهر التّشويه المتعمّد لليسار، مقابل التسامح المُفرط، بل التواطؤ مع اليمين المتطرف، وريث النّازية، وتُلقي هذه السياسات والممارسات الضّوء على المناخ السياسي السائد في ألمانيا الغربية سابقًا، والمستمر حاليا بعد ابتلاع ألمانيا الشرقية وإعادة توحيد ألمانيا الرأسمالية المُفرطة في القمع والإستغلال والرّجعية… لكن لم يقتصر الأمر على ' أنتي دويتشه' (اليمين المتطرف). فقد تبنت قطاعات واسعة من التيار الديمقراطي الاجتماعي والخضري السائد ما يمكن وصفه بـ'معاداة الفاشية من الحمقى'، وهي نزعة خالية من أي مضمون طبقي، ومستعدة للمساواة بين 'التطرفين'، مساويةً بذلك بين اليمين المتطرف الراديكالي العنيف واليسار الطبقي المؤيد للفلسطينيين.
أظْهرالعدوان الصهيوني ثم الحملة الإنتخابية الألمانية الحاجة المُلِحّة إلى يسار ذي توجه طبقي، فقد تجلّى تشابك الموقف المناهض لليسار مع الموقف المتشدد المؤيد للصهيونية، واستغلت المؤسسة الحاكمة ادعاء وجود 'المعادة اليسارية للسامية' لتشويه الفكر الإشتراكي ولتشويه المناضلين المساندين لحق الشعوب في تقرير مصيرها، ونجحت في خلق شبه إجماع رجعي ( يضم أحزاب اليمين + الحزب الديمقراطي الإجتماعي والخُضْر ودي لينكه…) يُطبق الليبرالية الاجتماعية في أحسن الحالات واستبعاد أي موقف مناهض للنيوليبرالية والنّزعة العسكرية، وجعل تهمة 'معاداة السامية' أداة للهيمنة وأداة لخدمة سياسات مُعادية للإشتراكية وللمساواة ولليسار بشكل عام وهي تهمة تستهدف شريحةٍ واسعةٍ من الطبقة العاملة ذات الأصول العربية أو التركية، وفصلها عن بقية مكونات الطبقة العاملة في ألمانيا وأوروبا، وترويج فكرة 'الإتحاد المُقدّس' بين العمال الألمان ورؤسائهم وجهاز الدولة ضد 'معاداة السامية المستوردة'، تمثل تهمة 'معاداة السامية اليسارية' عودةً إلى سنوات القمع ومطاردة اليسار في ألمانيا وإيطاليا ( مواطن النازية والفاشية) خلال الفترة اللاحقة للحرب العالمية الأولى ( وكذلك الثانية بدعم أمريكي) أو خلال سبعينيات القرن العشرين، لما ساعد الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في إنجاز هزيمة اليسار الراديكالي وتمهيد الطريق للمحافظين الجدد بزعامة هلموت كول، وتزامنت ملاحقة اليسار مع استخدام 'معاداة السامية' كشعار رجعي يتبناه الليبراليون والخضر والديمقراطيون الإجتماعيون في ألمانيا، مما أضفى الشرعية الأخلاقية على اليمين بأنواعه وأشكاله المختلفة وأصبحت ألمانيا قاطرة أوروبا ولكنها تُمثل النموذج الأشدّ وضوحًا على أزمة الهيمنة الليبرالية واستعداد الليبراليين في كل مكان للانغماس في العنصرية والقمع البوليسي ضدّ حركة التضامن مع فلسطين، وهي عناصر تُعزّز اليمينَ الفاشيّ الجديد، وتُضفي عليه مزيدًا من الشرعية، في ظلّ مناخٍ من الركود الاقتصادي وتنامي النزعة العسكرية…
تكتيكات تحويل الأنظار
إن الحكومة الألمانية الحالية ( بعد انتخابات يوم الثالث والعشرين من شباط/فبراير 2025 ) أكْثَرَ قُرْبًا من الفاشية وأشدّ قَمْعًا للحركات الإجتماعية وأكثَر دَعْمًا للكيان الصّهيوني، حيث حقق حزب الديمقراطيين المسيحيين النّصْرَ بزعامة فريدريش ميرز الذي هدّد بقمع أكثر قسوة ضد حركة الإحتجاج على الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، خلال مؤتمر صحفي في مقر الحزب الديمقراطي المسيحي في برلين (وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. 24 شباط/فبراير 2025)، وصرّحت فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، خلال ندوة صحفية في مكتب إحدى الصحف في برلين، الذي كان مُحاصَرًا من قِبَلِ أفراد شرطة مكافحة الشغب: 'إن 75 ساعة قضيتها في هذا البلد جعلتني أشعر بالتوتر الشديد… إن الوضع سيئ للغاية فيما يتصل بحرية التعبير في كل مكان تقريباً، ولم أشعر قط بهذا الشعور بنقص الأكسجين كما أشعر به هنا في ألمانيا'
كان من المُقرّر أن تُلقي فرانشيسكا ألبانيز، المقرر الخاص للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، محاضرة حول 'الاستعمار وحقوق الإنسان والقانون الدولي' في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في مدينة ميونيخ الألمانية والتحدث إلى جانب مدير الهندسة المعمارية الجنائية إيال وايزمان في جامعة برلين الحرة، وألغت الجامعتان هذه الفعاليات، تحت ضغط شديد من الشرطة ووسائل الإعلام ورئيس بلدية برلين والسفير الصهيوني، كما تعرض مكان آخر ( كان يستعد لاستقبال مقررة الأمم المتحدة) للتخريب برسومات صهيونية وتلقت إدارته مكالمات هاتفية مُهَدّدة من سلطات الدولة، وطارد ضباط شرطة برلين هذه المسؤولة الكبيرة في مجال حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ( فرنشيسكا ألبانيز) في جميع أنحاء العاصمة وطالبوا بدخول مقر صحيفة 'يونغ فيلت' اليومية اليسارية، مُصَمِّمِين على مراقبة خطابها بحثًا عن أي شيء قد يُعتبر معاديًا للسامية بشكل غير قانوني، وتعاملت السلطات الألمانية مع ممثلة الأمم المتحدة وكأنها ارتكبت ذنبًا، في ظل استمرار موجة القمع العارمة ضد كل أشكال التضامن مع فلسطين في ألمانيا، ونفذت الشرطة مداهمات فَجْرِيّة لمنازل العديد من العرب والفلسطينيين والمناضلين في العديد من مدن البلاد، واعتبرت أي محتج على الممارسات الصهيونية جُزْءًا من 'الذراع المتطرفة اليسارية لمعاداة السامية'، ومَنَعَت شرطة برلين اللغة العربية في المظاهرات المناهضة للحرب ( حاولت شرطة فرنسا القيام بنفس الشيء) وبدأت تحقيقات جنائية ضد المخرج من هونغ كونغ جون لي، الذي استخدم العبارة المحظورة قانوناً 'من النهر إلى البحر' أثناء خطاب ألقاه في مهرجان برلين السينمائي.
لم تُغيّر المذابح والمجازر والدّمار الذي حل بالشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية ولبنان على مدى الثمانية عشر شهراً الماضية، مواقف النخب السياسية في ألمانيا – ولو على مستوى الخطاب أو المظاهر – بذريعة 'التكفير عن الجرائم التاريخية التي ارتكبتها النازية ضد اليهود'، واستمرت الحكومات الألمانية الحالية والسابقة في معارضة كل الجهود التي تبذلها المحاكم الدولية لمحاسبة الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، واستمرت السلطات والأحزاب والبرلمانيون ووسائل الإعلام في ألمانيا في تأييد الدّعم العسكري (تُعتبر ألمانيا ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى الكيان الصهيوني ) والسياسي والإيديولوجي والإعلامي للكيان الصهيوني وإسكات أي معارضة داخلية، سواء في الشوارع أو في المسارح والمعارض الفنية أو في الأوساط الأكاديمية، ودعا الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر والديمقراطيون الأحرار والديمقراطيون المسيحيون – خلال الحملة الإنتخابية 2025 – إلى اتباع نهج العمل المعتاد في التعامل مع السياسة الخارجية تجاه الكيان الصهيوني، وأيدت برامجهم الانتخابية حل الدولتين، ولم تذكر الأحكام الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ضد الكيان، ووصفت جميع هذه الأحزاب دعم ألمانيا للكيان الصهيوني بأنه ' حق إسرائيل في الوجود غير قابل للتفاوض'، ولم يتطرّق برنامج الديمقراطيين المسيحيين ( الذي حصل على أكبر نسبة من الأصوات) ولو إلى غزة أو معاناة الفلسطينيين، وأوصى برنامجه 'بإلغاء الإقامة أو وضع اللجوء في حالة ارتكاب جريمة معادية للسامية'، وجعل 'الإعتراف بإسرائيل شرطاً للتجنس'. واقترح 'تجريد المواطنين المزدوجي الجنسية من الجنسية الألمانية بسبب الإحتجاج ضد إسرائيل'.
من مُعاداة اليهود إلى دعم الصهيونية
عند الحديث عن العلاقات المتطورة بين ألمانيا والكيان الصهيوني يتم طَمْس الوقائع التاريخية المتعلقة بتعاون الحركة الصهيونية مع السلطات النازية لإرسال اليهود الألمانيين إلى فلسطين لزيادة عدد المُستعمِرِين المُسْتوطنين اليهود، مقابل استخدام الأموال المُصادَرَة من اليهود الألمانيين لشراء مُعِدّات ألمانية وإرسالها إلى فلسطين التي كانت تحتلها بريطانيا.
يُصادف يوم الإثنين 12 أيار/مايو 2025 الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الكيان الصهيوني والمانيا الإتحادية ( ألمانيا الغربية التي ابتلعت ألمانيا الشرقية بعد انهيار جدار برلين) وبالمناسبة زار الرئيس الصهيوني إسحق هرتسوغ ألمانيا في ذروة العدوان والإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وسوف يزور الرئيس الألماني حُلفاءه في تل أبيب في وقت لاحق وتتضمن زيارة مُستوطنات ' للتأكيد على المسؤولية التاريخية لألمانيا، إحدى أشد داعمي الدولة العبرية'، وأعلن المستشار فريدريش ميرتس 'إن الدعم لإسرائيل يظل من المبادئ الأساسية للسياسة الألمانية'، رغم الإتهامات الموجهة للكيان الصهيوني من العديد من الدول والمجموعات الحقوقية بارتكاب الإبادة ورغم إصدار المحكمة الجنائية الدولية ( سنة 2024 ) مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الصّهيوني وزعماء آخرين، بل دعمت ألمانيا المواقف والممارسات الإجرامية الصهيونية في الأمم المتحدة والمحاكم الدّولية، وفي تلك الأثناء شهدت المانيا صعود حزب 'البديل من أجل ألمانيا' اليميني المتطرف الذي حصل على 20% من أصوات النّاخبين، والذي شكك عدد من كبار شخصياته في 'ثقافة الذاكرة' الجماعية للتكفير عن جرائم النازية، وفق وكالة رويترز بتاريخ 12 أيار/مايو 2025، وبدل مكافحة اليمين المتطرف والتّنديد بالجرائم الصهيونية، ركّزت معظم الأحزاب والهيئات والمؤسسات الإعلامية الألمانية على مواضيع مُختلقة مثل 'تصاعد معاداة السامية، سواء من اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف أو من مهاجرين من دول عربية وإسلامية'، وكرّر المستشار فريدريش ميرتس يوم تنصيبه ( الثلاثاء 06 أيار/مايو 2025) ' إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد الهجوم الوحشي الذي شنّه إرهابيو حماس يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وما أعقبه… لكن على إسرائيل أيضا أن تبقى دولة تفي بالتزاماتها الإنسانية، لا سيما وأن هذه الحرب المروعة تستعر في قطاع غزة حيث تجري هذه المواجهة مع إرهابيي حماس'، وزار وزير الخارجية يوهان فادفول فلسطين المحتلة يوم الأحد 11 أيار/مايو 2025،
يتجاوز التّقارب بين ألمانيا والكيان الصهيوني مسألة اضطهاد اليهود من قِبَل النّازية، فالتعاطف يشمل الجانب العقائدي والتّاريخي، وخلافًا لما تُرَوّج الدّعاية الرّسمية فإن لألمانيا ماض حافل بالمجازر وعمليات الإبادة الجماعية في إفريقيا خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى، ، تطبيقًا لنظرية 'التّفَوُّق العِرْقِي'، وقتل ثلاثة أرباع شعب هيريرو في ناميبيا ( خصوصًا بين 1904 و 1908) و زَنْزِبار (تنزانيا حاليا) والكامرون و طوغو و سييرا ليوني وبعض مناطق وجُزر المُحيط الهادئ، وحصلت الإبادة التّركية للأرمن ( سنة 1915) بإشراف خُبراء الإبادة الجماعية والمُستشارين الألمان، ولذا ليس من الغريب أن تدعم السلطة الألمانية ( سواء كانت الأغلبية البرلمانية للديمقراطية الإجتماعية وحلفائها من الخُضر أو الدّيمقراطية المسيحية وحلفائها الأشدّ يمينِيّةً) الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية وأن تَقْمَعَ التظاهرات بدعم علني أو ضمْنِي أو خَفِي من اليسار الألماني والمنظمات التابعة له ( مؤسسة روزا لوكسمبورغ أو هاينريش بول )، وعمومًا لا تزال الإيديولوجيا السائدة في ألمانيا تُمجّد العنصرية وتدعم الإستعمار الإستيطاني الصهيوني وما ينشأ عنه من مجازر وإبداة البشر وتدمير البنية التحتية والمباني والأراضي الزراعية وكافة سُبُل العيش، وساهمت الطّوائف المسيحية البروتستنتية الألمانية في الإستعمار الإستيطاني لفلسطين منذ القرن التاسع عشر ( قبل المستوطنات الصهيونية)
تُسدّد ألمانيا، منذ سنة 1953، ما يعادل 3,5 مليارات يورو سنويا للكيان الصهيوني الذي نصّبته الدّول الإمبريالية ناطقًا باسم جميع يهود ومُمثلا لهم، بمن فيهم مواطني الدّول الإمبريالية نفسها، فضلا عن العلاقات العسكرية الوثيقة، واشترى الكيان الصهيوني أسلحة ألمانية متطورة، وبالأخص غواصات ألمانية قادرة على حمل صواريخ برؤوس نووية، بأقل من ثُلُثَيْ ثمنها المُعْلَن، فيما اشترت برلين أنظمة دفاع جوي صهيونية، ونظرًا للحملات الإعلامية المستمرة والدّاعمة للكيان الصهيوني، فإن كل الأحزاب البرلمانية تدعم الكيان الصهيوني وحلف شمال الأطلسي وكافة الحروب العدوانية الأمريكية، غير إن الدّعم الشّعبي المُطلق للكيان الصهيوني ترَاجَعَ في ألمانيا من 46% سنة 2021 إلى 36% سنة 2025 وفق استطلاع أجرته مؤسسة بيرتلسمان ونشرته مجلة دير شبيغل الأسبوعية الإخبارية خلال الأسبوع الثاني من شهر أيار/مايو 2025…
تتمثل المشاغل الحقيقية للطبقة العاملة وللكادحين والفُقراء في ألمانيا في ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأساسية الضرورية وقلة المساكن الشعبية بإيجارات ميسورة، لذا طالبت بعض مجموعات الشباب بحظر رفع الإيجارات، ودَعَتْ إلى التضامن بدل التّقسيم ومحاربة الفُقراء وإلى الدعم الواضح لحقوق المهاجرين لأن الإنتهاكات تبدأ بالمهاجرين (والفئات الأشد هشاشةً وضُعْفًا) لتمْتَدَّ إلى بقية فئات المُجتمع، ومناهضة حلف شمال الأطلسي وإدانة إبادة الكيان الصهيوني للشعب الفلسطيني…
خاتمة:
بعد اتفاقية ماستريخت الأوروبية في بداية تسعينيات القرن العشرين، وإقرار استخدام العُمْلَة الأوروبية المُوَحَّدَة (اليورو) في بداية القرن الواحد والعشرين، تراجعت الصناعة، واتّسعت الفجوة وعدم المساواة بين الدول الأوروبية، وتسببت حرب أوكرانيا في تدهوَر وضع أوروبا، فقد خطّطت الولايات المتحدة للحرب منذ سنة 2014، وتحمّلت أوروبا نفقات الحرب والتّأثيرات الإقتصادية السّلبية جرّاء وقف استيراد الغاز الروسي الرخيص وعالي الجودة، وتضرّر الإقتصاد الألماني أكثر من غيره، غير إن ألمانيا لا تزال تقود أوروبا، ربما نحو الهاوية، بإشراف الولايات المتحدة التي فرضت إعادة هيكلة أوروبا تحت إشرافها أو وصايتها.
رَفَضَتْ دول الإتحاد الأوروبي مُشاركة روسيا احتفالات الذّكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية يوم الثامن من أيار/مايو 1945 – 2025، وأهملت الاحتفالات 'الغربية' الدَّوْرَ الحاسِمَ للجيش السوفييتي في هزيمة ألمانيا النازية وتحرير الأسرى والمُعتقلين في محتشداتها، وتم إقصاء روسيا ( التي يعتبرونها، خَطَأً، وريثة الإتحاد السوفييتي) في حين تتم إعادة تسليح وعَسْكَرة ألمانيا التي تُهيمن على أوروبا اقتصاديا وسياسيا ( المصرف المركزي الأوروبي في فرنكفورت وترأس وزيرة الحرب الألمانية السابقة أرسولا فون دير لاين المفوضية الأوروبية) وقد يصبح جيشها أقوى جيش أوروبي، وفق تصريح المُستشار فريدريش ميرز في بيانه الحكومي، يوم 14 أيار/مايو 2025، حيث أعلن 'إن ألمانيا ستبني أقوى جيش في أوروبا'، ويُمثل حزب النّازيين الجُدُد ( حزب البديل من أجل ألمانيا) ثاني أقوى حزب في الساحة السياسية الألمانية ( بفارق ضئيل عن الحزب اليميني الذي يسبقه) وهو يُمثل تهديدًا للقوى الدّيمقراطية في ألمانيا وفي أوروبا بدعم من الليبراليين الجدد الذي يحكمون الولايات المتحدة، فقد عَبَّرَ نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس – في ميونيخ بألمانيا – عن دعمه حزب البديل من أجل ألمانيا
‎2025-‎06-‎27
The post ألمانيا رأس حِرْبة الإمبريالية الأوروبية ( 2)!الطاهر المعز first appeared on ساحة التحرير.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ألمانيا رأس حِرْبة الإمبريالية الأوروبية ( 2)!الطاهر المعز
ألمانيا رأس حِرْبة الإمبريالية الأوروبية ( 2)!الطاهر المعز

ساحة التحرير

timeمنذ يوم واحد

  • ساحة التحرير

ألمانيا رأس حِرْبة الإمبريالية الأوروبية ( 2)!الطاهر المعز

ألمانيا رأس حِرْبة الإمبريالية الأوروبية – 2 / 2! الطاهر المعز بين مناهضة الشيوعية ومعاداة الشعوب حملات قمع ضدّ التّقدّميين الدّاعمين لشعب فلسطين تَمّت ترجمة 'استيراد معاداة السامية' إلى حملة تقودها على الجبهة الإعلامية صحيفة 'بيلد' ضدّ العرب والمناضلين الدّاعمين للشعب الفلسطيني والمُندّدين بالدّعم الألماني غير المحدود للكيان الصهيوني، ونشرت مجلة دير شبيغل – إحدى أكبر المجلات الإخبارية في ألمانيا – يوم الثاني عشر من شباط /فبراير2025، مقطع فيديو بعنوان 'احتجاجات ضد اليهود'، ويُظْهِرُ الشريط احتجاجاً مؤيداً للشعب الفلسطيني في الجامعة الحرة في برلين، ونشرت صحيفة 'بيلد' يوم الحادي والعشرين من أيار/مايو 2025، وهي أكثر صحيفة موزّعة في أوروبا، مقالاً أورَدَ وُجوه وأسماء من اعتبرتهم 'النّواة الصّلبة للإرهابيين وكَارِهِي إسرائيل'، وهم أشخاص شاركوا في الإحتجاجات المؤيدة للشعب الفلسطيني في برلين، وأشارت إحدى برقيات وكالة الصحافة الفرنسية إلى تَعرّض أحد أحياء برلين الذي تقطنه إحدى أكبر الجاليات الفلسطينية في أوروبا، لحملات قمع وحشية من قِبَل الشرطة شبّهها أحد المُلاحظين بحملات الشرطة النازية ( وكالة الصحافة الفرنسية – أ.ف.ب. بتاريخ الثالث من كانون الأول/ديسمبر 2024 ) ولم يتسبب تعرض هؤلاء السّكّان وغيرهم للضرب على أيدي أفراد من الشرطة الألمانية المسلحة في إثارة أي نوع من الإهتمام من جانب وسائل الإعلام الألمانية والأوروبية، لأن مثل هذه الحملات القمعية أصبحت عادية – بحكم تكرارها – في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وبولندا ومجمل الدول الأعضاء بالإتحاد الأوروبي، بعد تجربتها في المُستعمرات، ثم ضدّ المُهاجرين واللاّجئين… تفتخر المؤسسة السياسية والإعلامية الألمانية بمراجعة تاريخها ونبذ النازية وبثقافة 'إحياء الذاكرة'، في إشارة إلى إحياء ذكرى قمع وإبادة اليهود الألمانيين والأوروبيين والتكفير عن ما أسموه 'الهولوكوست' في السياسة والمجتمع، ولكن أصبحت 'ثقافة الذاكرة' الرسمية تركز على مكافحة 'عودة ظهور معاداة السامية' المزعومة في شكل معاداة الصهيونية و'معاداة السامية المستوردة' التي جلبها المهاجرون العرب والمسلمون، وتدّعي الدّعاية الرسمية إن ألمانيا تمكنت من القضاء على 'معاداة السامية' غير إن المهاجرين أعادوها إلى ألمانيا، وهي الرواية – المُزّيفة للتاريخ وللواقع – التي استفاد منها حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف واكتسب منها دعمًا واسع النطاق عبر المؤسسة السياسية، وبذلك تم تنظيف اليمين المتطرف من عمليات القتل وحرق أمكان العبادة – بما فيها كنيس يهودي سنة 2019 – وملاجئ ومحلات سكن وتجارة الأجانب، كما 'أهْملت ثقافة الذّاكرة' عمليات الإبادة التي ارتكبها ألإستعمار الألماني في إفريقيا وآسيا قبل هزمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى. شكّلت 'ثقافة الذاكرة' تعِلّةً للدّعم غير المشروط لجرائم الإحتلال الصهيوني، من جانب الدولة الألمانية ووسائل الإعلام، وخصوصًا منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، حيث تم حَظْرُ أي انتقاد لتصرفات الكيان الصهيوني وأدت حملة الملاحقة العلنية لأي شخص يقول أي شيء حتى ولو كان انتقاداً طفيفاً للحكومة الصهيونية ( وليس إلى الكيان الصهيوني أو إلى العقيدة الصهيونية ) إلى اتهامات بمعاداة السامية ولم تُستَثْنَى من هذه التُّهمة شخصيات يهودية معروفة مثل عالم الاجتماع 'الإسرائيلي الألماني' موشيه زوكرمان والمصور اليهودي الجنوب أفريقي آدم برومبرغ والكاتبة اليهودية الأمريكية الروسية ماشا جيسن، التي ألغي حفل تكريمها الذي كان مخطّطًا له بعد أن سحبت حكومة ولاية بريمن ومؤسسة هاينريش بول المرتبطة بالحزب الأخضر مشاركتها بسبب مقال كتبته جيسن قارنت فيه بين غزو غزة وتصفية غيتو وارسو، كما أُلْغِيَتْ أُستاذية الفيلسوفة الأمريكية اليهودية نانسي فريزر في جامعة كولونيا بسبب رسالة تضامن مع سكان غزة، وقدرت الباحثة إميلي ديش بيكر أن ما يقرب من ثلث أولئك الذين ألغيت مناصبهم علنًا في ألمانيا بسبب معاداة السامية المزعومة كانوا يهودًا، غير إن معاناة الفلسطينيين والعرب المقيمين في ألمانيا من قِبل الشرطة وجهاز القضاء والتعليم وخصوصا الإعلام ( شبيغل وبيلد والتلفزيون العمومي…) لا يمكن وصفها، لأن جميع مؤسسات ألمانيا في خدمة حلف شمال الأطلسي ومُكرّسة للدفاع عن جرائم الحرب الصهيونية… إعادة التسلح لإنقاذ الإقتصاد زاد الإنفاق العسكري في ألمانيا منذ سنوات، وخصوصًا منذ بداية الحرب في أوكرانيا سنة 2022، باتفاق ائتلاف السّلطة وأحزاب المُعارَضَة، وتحولت بعض الشركات من الإنتاج الصناعي المَدَنِي إلى الإنتاج العسكري، أعلنت شركة راينميتال، أكبر شركة لصناعة الذخائر في أوروبا، أنها ستحول الإنتاج من مصنعين يركزان حاليا في المقام الأول على قطع غيار السيارات إلى معدات الدفاع، بعد إعلان المستشار الألماني فريدريش ميرتس ( بداية آذار/مارس 2025) إنفاق مليارات اليوروهات الإضافية على الدفاع والبنى التحتية. تم طَرْحُ احتمال تحويل إنتاج بعض قطاعات الصناعات الثقيلة في أوروبا، وفي ألمانيا بشكل خاص، من صناعة الألات والتجهيزات المَدنية إلى إنتاج المُعدّات العسكرية، كخيار استراتيجي في مواجهة الأزمة التي تعيشها بعض القطاعات كالصلب والكيمياء وصناعة السيارات، في ظل الضغط الأمريكي على أعضاء حلف شمال الأطلسي ( تُشكل الدّول الأوروبية أكثر من 90% من أعضائه ) وفي ظل التّوَجُّه الأوروبي المتزايد نحو إعادة التسلح، ورُبما لا تهدف إعادة التسلح الأوروبية إلى حرب مستقبلية، ناهيك عن حرب مع روسيا أو الصّين، بل إلى مكافحة أزمة فائض الإنتاج وإعادة التصنيع في بلدان الإتحاد الأوروبي، وزيادة مبيعات الأسلحة في الخارج… في هذا السّياق أعلن الرئيس التنفيذي لشركة فولكس فاعن أوليفر بلوم، خلال مؤتمر صحفي عقده في مدينة فولفسبورغ، يوم الثلاثاء الحادي عشر من آذار/مارس 2025 ، إن الشركة العابرة للقارات منفتحة على دراسة إنتاج معدات عسكرية للجيش الألماني، كأحد الحُلُول للخروج من أزمتها، حيث واجهت شركة فولكس فاغن – منذ بداية الحرب في أوكرانيا – النتائج السّلبية لخضوع حكومة ألمانيا (ومجمل دول الإتحاد الأوروبي) للقرار الأمريكي بمُقاطعة النّفط والغاز الرُّوسِيّيْن الرّخيصَيْن، فارتفعت أسعار الطاقة وواجهت شركة فولكس فاغن انخفاضًا في صادرات السيارات من 2,4 مليون سيارة سنة 2019 إلى 1,2 مليون سنة 2024، ولم تتمكن من إنجاز انتقالها من إنتاج السيارات التقليدية إلى إنتاج المركبات الكهربائية، مما أدى إلى إعلان تسريح عشرات الآلاف ( حوالي 35 ألف عامل) وإغلاق ثلاثة من مصانعها العشرة في ألمانيا. كانت سلطات ألمانيا النازية ( 1955 – 1945) تُشجع وتدعم شركة فولكس فاغن التي تنتج السيارات وكذلك مركبات عسكرية مثل العربات الشهيرة من نوع ( ( Kübelwagen و Schwimmwagen ) ) التي استخدمها جيش ألمانيا النّازية خلال الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى العربة العسكرية Type 181 للجيش الألماني الغربي بدعم أمريكي بعد الحرب العالمية الثانية، وحافظت شركة فولكس فاغن على البُنية التّحتية وعلى القُدرات الصناعية لتحويل بعض مصانعها من إنتاج المركبات والمُعدّات المدنية إلى التصنيع العسكري، ويتميز مصنع 'فولفسبورغ' العملاق وهو أكبر مصانع مجموعة فولكس فاغن بمساحة مبنية تبلغ 1,6 مليون متر مربع، وبعض مصانع شركة فولكس فاغن، مثل مصنع 'أوسنابروك'، بالبنية الأساسية المتقدمة، مثل خطوط التجميع والقدرة الكبيرة على التصنيع والوصول إلى شبكات لوجستية واسعة النطاق (75 كيلومترا من الطرق و60 كيلومترا من خطوط السكك الحديدية في فولفسبورغ وحدها، وبعض الخصائص الأخرى التي تُساعد على التّحوّل من تصنيع المركبات المدنية إلى المركبات العسكرية، أو أو أجزاء من الشاحنات العسكرية أو المركبات المدرعة الخفيفة، وصرّح أرمين بابرغر، مدير شركة راينميتال ــ إحدى الشركات العسكرية الرائدة في أوروبا ــ 'إن مصنع أوسنابروك سيكون مناسباً جداً للإنتاج العسكري نظراً لقدرته الهيكلية'، واقترح إمكانية الاستحواذ عليه لتصنيع معدات مثل مركبة لينكس القتالية، بعد إنجاز بعض التعديلات، لأن هذه المصانع مصممة للمركبات المدنية الموجهة للسوق وليس للدبابات أو الأسلحة الثقيلة، والتي تتطلب رافعات عالية السعة ومكابس متخصصة والتعامل مع مواد مختلفة مثل الدروع، ولذلك يُتوقع أن تتكفل الدّولة والإتحاد الأوروبي بضخ استثمارات كبيرة – من المال العام – لإنجاز هذا التّحَوُّل، فضلا عن ضمان عُقود مع الجيش الألماني وجُيُوش أوروبا، مما يعني إن عسكَرَةَ الإقتصاد الألماني والأوروبي تتمّ بالمال العام، على حساب الإنفاق الإجتماعي وعلى حساب ميزانيات الصحة والتعليم والخدمات… تتعاون شركة Rheinmetall منذ سنوات مع شركة MAN Truck & Bus، وهي جزء من شركة Volkswagen القابضة من خلال شركة Traton، في إنتاج الشاحنات العسكرية، منذ عُقُود، وتقوم شركات مثل Rheinmetall و KNDS بتحويل مصانع السيارات لأغراض الدفاع، مثل استحواذ KNDS على مصنع لعربات السكك الحديدية في 'غورليتز' لإنتاج المركبات المدرعة. ألمانيا تستخدم الذكاء الاصطناعي لمحو الخطاب المؤيد للفلسطينيين كانت ألمانيا – ولا تزال – في طليعة الدول الغربية بشأن تبرئة جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها الكيان الصهيوني في فلسطين، وتريد تطوير ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي، وما موقف ألمانيا المناهض للفلسطينيين سوى تكرار أو نُسْخَة مُحْدَثَة لمعاداة الشيوعية، فقد ألغَت الشرطة الألمانية العديد من المؤتمرات والتظاهرات الثقافية والفعاليات والمظاهرات ضمن سلسلة من الإجراءات القَمْعِيّة ضدّ كافة أشكال التّضامن مع الشعب الفلسطيني وتتجذر حملة المطاردة ضد الفلسطينيين في ثقافة سياسية رجعية تُظْهر التّشويه المتعمّد لليسار، مقابل التسامح المُفرط، بل التواطؤ مع اليمين المتطرف، وريث النّازية، وتُلقي هذه السياسات والممارسات الضّوء على المناخ السياسي السائد في ألمانيا الغربية سابقًا، والمستمر حاليا بعد ابتلاع ألمانيا الشرقية وإعادة توحيد ألمانيا الرأسمالية المُفرطة في القمع والإستغلال والرّجعية… لكن لم يقتصر الأمر على ' أنتي دويتشه' (اليمين المتطرف). فقد تبنت قطاعات واسعة من التيار الديمقراطي الاجتماعي والخضري السائد ما يمكن وصفه بـ'معاداة الفاشية من الحمقى'، وهي نزعة خالية من أي مضمون طبقي، ومستعدة للمساواة بين 'التطرفين'، مساويةً بذلك بين اليمين المتطرف الراديكالي العنيف واليسار الطبقي المؤيد للفلسطينيين. أظْهرالعدوان الصهيوني ثم الحملة الإنتخابية الألمانية الحاجة المُلِحّة إلى يسار ذي توجه طبقي، فقد تجلّى تشابك الموقف المناهض لليسار مع الموقف المتشدد المؤيد للصهيونية، واستغلت المؤسسة الحاكمة ادعاء وجود 'المعادة اليسارية للسامية' لتشويه الفكر الإشتراكي ولتشويه المناضلين المساندين لحق الشعوب في تقرير مصيرها، ونجحت في خلق شبه إجماع رجعي ( يضم أحزاب اليمين + الحزب الديمقراطي الإجتماعي والخُضْر ودي لينكه…) يُطبق الليبرالية الاجتماعية في أحسن الحالات واستبعاد أي موقف مناهض للنيوليبرالية والنّزعة العسكرية، وجعل تهمة 'معاداة السامية' أداة للهيمنة وأداة لخدمة سياسات مُعادية للإشتراكية وللمساواة ولليسار بشكل عام وهي تهمة تستهدف شريحةٍ واسعةٍ من الطبقة العاملة ذات الأصول العربية أو التركية، وفصلها عن بقية مكونات الطبقة العاملة في ألمانيا وأوروبا، وترويج فكرة 'الإتحاد المُقدّس' بين العمال الألمان ورؤسائهم وجهاز الدولة ضد 'معاداة السامية المستوردة'، تمثل تهمة 'معاداة السامية اليسارية' عودةً إلى سنوات القمع ومطاردة اليسار في ألمانيا وإيطاليا ( مواطن النازية والفاشية) خلال الفترة اللاحقة للحرب العالمية الأولى ( وكذلك الثانية بدعم أمريكي) أو خلال سبعينيات القرن العشرين، لما ساعد الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في إنجاز هزيمة اليسار الراديكالي وتمهيد الطريق للمحافظين الجدد بزعامة هلموت كول، وتزامنت ملاحقة اليسار مع استخدام 'معاداة السامية' كشعار رجعي يتبناه الليبراليون والخضر والديمقراطيون الإجتماعيون في ألمانيا، مما أضفى الشرعية الأخلاقية على اليمين بأنواعه وأشكاله المختلفة وأصبحت ألمانيا قاطرة أوروبا ولكنها تُمثل النموذج الأشدّ وضوحًا على أزمة الهيمنة الليبرالية واستعداد الليبراليين في كل مكان للانغماس في العنصرية والقمع البوليسي ضدّ حركة التضامن مع فلسطين، وهي عناصر تُعزّز اليمينَ الفاشيّ الجديد، وتُضفي عليه مزيدًا من الشرعية، في ظلّ مناخٍ من الركود الاقتصادي وتنامي النزعة العسكرية… تكتيكات تحويل الأنظار إن الحكومة الألمانية الحالية ( بعد انتخابات يوم الثالث والعشرين من شباط/فبراير 2025 ) أكْثَرَ قُرْبًا من الفاشية وأشدّ قَمْعًا للحركات الإجتماعية وأكثَر دَعْمًا للكيان الصّهيوني، حيث حقق حزب الديمقراطيين المسيحيين النّصْرَ بزعامة فريدريش ميرز الذي هدّد بقمع أكثر قسوة ضد حركة الإحتجاج على الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، خلال مؤتمر صحفي في مقر الحزب الديمقراطي المسيحي في برلين (وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. 24 شباط/فبراير 2025)، وصرّحت فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، خلال ندوة صحفية في مكتب إحدى الصحف في برلين، الذي كان مُحاصَرًا من قِبَلِ أفراد شرطة مكافحة الشغب: 'إن 75 ساعة قضيتها في هذا البلد جعلتني أشعر بالتوتر الشديد… إن الوضع سيئ للغاية فيما يتصل بحرية التعبير في كل مكان تقريباً، ولم أشعر قط بهذا الشعور بنقص الأكسجين كما أشعر به هنا في ألمانيا' كان من المُقرّر أن تُلقي فرانشيسكا ألبانيز، المقرر الخاص للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، محاضرة حول 'الاستعمار وحقوق الإنسان والقانون الدولي' في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في مدينة ميونيخ الألمانية والتحدث إلى جانب مدير الهندسة المعمارية الجنائية إيال وايزمان في جامعة برلين الحرة، وألغت الجامعتان هذه الفعاليات، تحت ضغط شديد من الشرطة ووسائل الإعلام ورئيس بلدية برلين والسفير الصهيوني، كما تعرض مكان آخر ( كان يستعد لاستقبال مقررة الأمم المتحدة) للتخريب برسومات صهيونية وتلقت إدارته مكالمات هاتفية مُهَدّدة من سلطات الدولة، وطارد ضباط شرطة برلين هذه المسؤولة الكبيرة في مجال حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ( فرنشيسكا ألبانيز) في جميع أنحاء العاصمة وطالبوا بدخول مقر صحيفة 'يونغ فيلت' اليومية اليسارية، مُصَمِّمِين على مراقبة خطابها بحثًا عن أي شيء قد يُعتبر معاديًا للسامية بشكل غير قانوني، وتعاملت السلطات الألمانية مع ممثلة الأمم المتحدة وكأنها ارتكبت ذنبًا، في ظل استمرار موجة القمع العارمة ضد كل أشكال التضامن مع فلسطين في ألمانيا، ونفذت الشرطة مداهمات فَجْرِيّة لمنازل العديد من العرب والفلسطينيين والمناضلين في العديد من مدن البلاد، واعتبرت أي محتج على الممارسات الصهيونية جُزْءًا من 'الذراع المتطرفة اليسارية لمعاداة السامية'، ومَنَعَت شرطة برلين اللغة العربية في المظاهرات المناهضة للحرب ( حاولت شرطة فرنسا القيام بنفس الشيء) وبدأت تحقيقات جنائية ضد المخرج من هونغ كونغ جون لي، الذي استخدم العبارة المحظورة قانوناً 'من النهر إلى البحر' أثناء خطاب ألقاه في مهرجان برلين السينمائي. لم تُغيّر المذابح والمجازر والدّمار الذي حل بالشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية ولبنان على مدى الثمانية عشر شهراً الماضية، مواقف النخب السياسية في ألمانيا – ولو على مستوى الخطاب أو المظاهر – بذريعة 'التكفير عن الجرائم التاريخية التي ارتكبتها النازية ضد اليهود'، واستمرت الحكومات الألمانية الحالية والسابقة في معارضة كل الجهود التي تبذلها المحاكم الدولية لمحاسبة الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، واستمرت السلطات والأحزاب والبرلمانيون ووسائل الإعلام في ألمانيا في تأييد الدّعم العسكري (تُعتبر ألمانيا ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى الكيان الصهيوني ) والسياسي والإيديولوجي والإعلامي للكيان الصهيوني وإسكات أي معارضة داخلية، سواء في الشوارع أو في المسارح والمعارض الفنية أو في الأوساط الأكاديمية، ودعا الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر والديمقراطيون الأحرار والديمقراطيون المسيحيون – خلال الحملة الإنتخابية 2025 – إلى اتباع نهج العمل المعتاد في التعامل مع السياسة الخارجية تجاه الكيان الصهيوني، وأيدت برامجهم الانتخابية حل الدولتين، ولم تذكر الأحكام الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ضد الكيان، ووصفت جميع هذه الأحزاب دعم ألمانيا للكيان الصهيوني بأنه ' حق إسرائيل في الوجود غير قابل للتفاوض'، ولم يتطرّق برنامج الديمقراطيين المسيحيين ( الذي حصل على أكبر نسبة من الأصوات) ولو إلى غزة أو معاناة الفلسطينيين، وأوصى برنامجه 'بإلغاء الإقامة أو وضع اللجوء في حالة ارتكاب جريمة معادية للسامية'، وجعل 'الإعتراف بإسرائيل شرطاً للتجنس'. واقترح 'تجريد المواطنين المزدوجي الجنسية من الجنسية الألمانية بسبب الإحتجاج ضد إسرائيل'. من مُعاداة اليهود إلى دعم الصهيونية عند الحديث عن العلاقات المتطورة بين ألمانيا والكيان الصهيوني يتم طَمْس الوقائع التاريخية المتعلقة بتعاون الحركة الصهيونية مع السلطات النازية لإرسال اليهود الألمانيين إلى فلسطين لزيادة عدد المُستعمِرِين المُسْتوطنين اليهود، مقابل استخدام الأموال المُصادَرَة من اليهود الألمانيين لشراء مُعِدّات ألمانية وإرسالها إلى فلسطين التي كانت تحتلها بريطانيا. يُصادف يوم الإثنين 12 أيار/مايو 2025 الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الكيان الصهيوني والمانيا الإتحادية ( ألمانيا الغربية التي ابتلعت ألمانيا الشرقية بعد انهيار جدار برلين) وبالمناسبة زار الرئيس الصهيوني إسحق هرتسوغ ألمانيا في ذروة العدوان والإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وسوف يزور الرئيس الألماني حُلفاءه في تل أبيب في وقت لاحق وتتضمن زيارة مُستوطنات ' للتأكيد على المسؤولية التاريخية لألمانيا، إحدى أشد داعمي الدولة العبرية'، وأعلن المستشار فريدريش ميرتس 'إن الدعم لإسرائيل يظل من المبادئ الأساسية للسياسة الألمانية'، رغم الإتهامات الموجهة للكيان الصهيوني من العديد من الدول والمجموعات الحقوقية بارتكاب الإبادة ورغم إصدار المحكمة الجنائية الدولية ( سنة 2024 ) مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الصّهيوني وزعماء آخرين، بل دعمت ألمانيا المواقف والممارسات الإجرامية الصهيونية في الأمم المتحدة والمحاكم الدّولية، وفي تلك الأثناء شهدت المانيا صعود حزب 'البديل من أجل ألمانيا' اليميني المتطرف الذي حصل على 20% من أصوات النّاخبين، والذي شكك عدد من كبار شخصياته في 'ثقافة الذاكرة' الجماعية للتكفير عن جرائم النازية، وفق وكالة رويترز بتاريخ 12 أيار/مايو 2025، وبدل مكافحة اليمين المتطرف والتّنديد بالجرائم الصهيونية، ركّزت معظم الأحزاب والهيئات والمؤسسات الإعلامية الألمانية على مواضيع مُختلقة مثل 'تصاعد معاداة السامية، سواء من اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف أو من مهاجرين من دول عربية وإسلامية'، وكرّر المستشار فريدريش ميرتس يوم تنصيبه ( الثلاثاء 06 أيار/مايو 2025) ' إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد الهجوم الوحشي الذي شنّه إرهابيو حماس يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وما أعقبه… لكن على إسرائيل أيضا أن تبقى دولة تفي بالتزاماتها الإنسانية، لا سيما وأن هذه الحرب المروعة تستعر في قطاع غزة حيث تجري هذه المواجهة مع إرهابيي حماس'، وزار وزير الخارجية يوهان فادفول فلسطين المحتلة يوم الأحد 11 أيار/مايو 2025، يتجاوز التّقارب بين ألمانيا والكيان الصهيوني مسألة اضطهاد اليهود من قِبَل النّازية، فالتعاطف يشمل الجانب العقائدي والتّاريخي، وخلافًا لما تُرَوّج الدّعاية الرّسمية فإن لألمانيا ماض حافل بالمجازر وعمليات الإبادة الجماعية في إفريقيا خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى، ، تطبيقًا لنظرية 'التّفَوُّق العِرْقِي'، وقتل ثلاثة أرباع شعب هيريرو في ناميبيا ( خصوصًا بين 1904 و 1908) و زَنْزِبار (تنزانيا حاليا) والكامرون و طوغو و سييرا ليوني وبعض مناطق وجُزر المُحيط الهادئ، وحصلت الإبادة التّركية للأرمن ( سنة 1915) بإشراف خُبراء الإبادة الجماعية والمُستشارين الألمان، ولذا ليس من الغريب أن تدعم السلطة الألمانية ( سواء كانت الأغلبية البرلمانية للديمقراطية الإجتماعية وحلفائها من الخُضر أو الدّيمقراطية المسيحية وحلفائها الأشدّ يمينِيّةً) الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية وأن تَقْمَعَ التظاهرات بدعم علني أو ضمْنِي أو خَفِي من اليسار الألماني والمنظمات التابعة له ( مؤسسة روزا لوكسمبورغ أو هاينريش بول )، وعمومًا لا تزال الإيديولوجيا السائدة في ألمانيا تُمجّد العنصرية وتدعم الإستعمار الإستيطاني الصهيوني وما ينشأ عنه من مجازر وإبداة البشر وتدمير البنية التحتية والمباني والأراضي الزراعية وكافة سُبُل العيش، وساهمت الطّوائف المسيحية البروتستنتية الألمانية في الإستعمار الإستيطاني لفلسطين منذ القرن التاسع عشر ( قبل المستوطنات الصهيونية) تُسدّد ألمانيا، منذ سنة 1953، ما يعادل 3,5 مليارات يورو سنويا للكيان الصهيوني الذي نصّبته الدّول الإمبريالية ناطقًا باسم جميع يهود ومُمثلا لهم، بمن فيهم مواطني الدّول الإمبريالية نفسها، فضلا عن العلاقات العسكرية الوثيقة، واشترى الكيان الصهيوني أسلحة ألمانية متطورة، وبالأخص غواصات ألمانية قادرة على حمل صواريخ برؤوس نووية، بأقل من ثُلُثَيْ ثمنها المُعْلَن، فيما اشترت برلين أنظمة دفاع جوي صهيونية، ونظرًا للحملات الإعلامية المستمرة والدّاعمة للكيان الصهيوني، فإن كل الأحزاب البرلمانية تدعم الكيان الصهيوني وحلف شمال الأطلسي وكافة الحروب العدوانية الأمريكية، غير إن الدّعم الشّعبي المُطلق للكيان الصهيوني ترَاجَعَ في ألمانيا من 46% سنة 2021 إلى 36% سنة 2025 وفق استطلاع أجرته مؤسسة بيرتلسمان ونشرته مجلة دير شبيغل الأسبوعية الإخبارية خلال الأسبوع الثاني من شهر أيار/مايو 2025… تتمثل المشاغل الحقيقية للطبقة العاملة وللكادحين والفُقراء في ألمانيا في ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأساسية الضرورية وقلة المساكن الشعبية بإيجارات ميسورة، لذا طالبت بعض مجموعات الشباب بحظر رفع الإيجارات، ودَعَتْ إلى التضامن بدل التّقسيم ومحاربة الفُقراء وإلى الدعم الواضح لحقوق المهاجرين لأن الإنتهاكات تبدأ بالمهاجرين (والفئات الأشد هشاشةً وضُعْفًا) لتمْتَدَّ إلى بقية فئات المُجتمع، ومناهضة حلف شمال الأطلسي وإدانة إبادة الكيان الصهيوني للشعب الفلسطيني… خاتمة: بعد اتفاقية ماستريخت الأوروبية في بداية تسعينيات القرن العشرين، وإقرار استخدام العُمْلَة الأوروبية المُوَحَّدَة (اليورو) في بداية القرن الواحد والعشرين، تراجعت الصناعة، واتّسعت الفجوة وعدم المساواة بين الدول الأوروبية، وتسببت حرب أوكرانيا في تدهوَر وضع أوروبا، فقد خطّطت الولايات المتحدة للحرب منذ سنة 2014، وتحمّلت أوروبا نفقات الحرب والتّأثيرات الإقتصادية السّلبية جرّاء وقف استيراد الغاز الروسي الرخيص وعالي الجودة، وتضرّر الإقتصاد الألماني أكثر من غيره، غير إن ألمانيا لا تزال تقود أوروبا، ربما نحو الهاوية، بإشراف الولايات المتحدة التي فرضت إعادة هيكلة أوروبا تحت إشرافها أو وصايتها. رَفَضَتْ دول الإتحاد الأوروبي مُشاركة روسيا احتفالات الذّكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية يوم الثامن من أيار/مايو 1945 – 2025، وأهملت الاحتفالات 'الغربية' الدَّوْرَ الحاسِمَ للجيش السوفييتي في هزيمة ألمانيا النازية وتحرير الأسرى والمُعتقلين في محتشداتها، وتم إقصاء روسيا ( التي يعتبرونها، خَطَأً، وريثة الإتحاد السوفييتي) في حين تتم إعادة تسليح وعَسْكَرة ألمانيا التي تُهيمن على أوروبا اقتصاديا وسياسيا ( المصرف المركزي الأوروبي في فرنكفورت وترأس وزيرة الحرب الألمانية السابقة أرسولا فون دير لاين المفوضية الأوروبية) وقد يصبح جيشها أقوى جيش أوروبي، وفق تصريح المُستشار فريدريش ميرز في بيانه الحكومي، يوم 14 أيار/مايو 2025، حيث أعلن 'إن ألمانيا ستبني أقوى جيش في أوروبا'، ويُمثل حزب النّازيين الجُدُد ( حزب البديل من أجل ألمانيا) ثاني أقوى حزب في الساحة السياسية الألمانية ( بفارق ضئيل عن الحزب اليميني الذي يسبقه) وهو يُمثل تهديدًا للقوى الدّيمقراطية في ألمانيا وفي أوروبا بدعم من الليبراليين الجدد الذي يحكمون الولايات المتحدة، فقد عَبَّرَ نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس – في ميونيخ بألمانيا – عن دعمه حزب البديل من أجل ألمانيا ‎2025-‎06-‎27 The post ألمانيا رأس حِرْبة الإمبريالية الأوروبية ( 2)!الطاهر المعز first appeared on ساحة التحرير.

من هو الأقدر على تغير وجه الشرق الأوسط
من هو الأقدر على تغير وجه الشرق الأوسط

موقع كتابات

timeمنذ يوم واحد

  • موقع كتابات

من هو الأقدر على تغير وجه الشرق الأوسط

ملأ العالم زعيقا وصراخا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونفخ نفسه كما يفعل الديك الرومي عند نشر ريشه من أن اسرائيل ستغير وجه الشرق الأوسط بلمسات سياسية وإقتصادية وإجتماعية وفق الرؤيا التلمودية للاهداف والمصالح الصهونية اولاً ثم وفق الأهداف والمصالح الأمريكية ثانيا وإنها تخوض وستخوض حروب بصبغة دينية توراتية من اجل مشروعها ال'ستيطاني الكبيرلأستمرار وجودها في فلسطين والحفاظ عليه وكذلك من اجل المشاريع الستراتيجية للداعمين لها امريكا والدول الأوربية التي استعمرت دول الشرق الأوسط لا سيما الأقطار العربية عبر ما سُمّيَ بالحملات التبشيرية لنشر الديانة المسيحية في شبه الجزيرة العربية وكذلك حملات البحث والتنقيب عن الآثار والتي لم تكن تخلو من اهداف الأطماع الإقتصادية والسياسية في المنطقة وذلك كان قبل الحرب العالمية الأولى والى اليوم وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا 0 غير أنه لم يكن لا في حسابات نتنياهو ولا في حسابات الدول الداعمة له ذات المصالح الحيوية في المنطقة العربية بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل أعم ان الحرب التي اعد لها العدة منذ زمن بعيد واكثر تحديدا من العام 1990م ليضرب عبر القيام بها عصفورين بحجر واحد وهما الأول التخلص من المفاعل النووي الإيراني الذي يشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل بحسب هواجسه وهواجس اللوبي الصهيوني الديني المتطرف والمتغلغل بين صفوف الشعب الأمريكي وبين اروقة دوائر ومؤسسات الإدارة الأمريكية وهو الذي عند تحقيقه يفتح له الأبواب على مصاريعها ليتحول الى الرجل الحاكم بأمره فيغير طوبوغرافية وسياسة الشرق الأوسط وفق المنظور الديني الصهيوني الحاكم في اسرائيل ويفرض خط ستراتيجي ثفافي وفكري في المنطقة وفق الطرح العولمي الأمريكي باحياء طروحات العولمة الأمريكية واستنهاضها لتحويل العالم الى قرية كونية تحكمها امريكا واسرائيل على حد زعم أمريكا في الثمانينيات وطروحات فوكوياما في نهاية التاريخ وهنتنغتون في صراع أو صدام الحضارات 0 بعد هذا الطرح اعود الى التسائل من هو الأقدر بملئ وتشكيل وتغيير ملامح الصورة الواقعية للشرق الأوسط بعد ان وضعت الحرب الإسرائيلية التي فرضتها على إيران باعتداء صارخ لم يسلم من النقد والتجريح من المعتدلين في العالم من السياسيين والمثقفين والمفكرين وغيرهم إيران ام اسرائيل ؟؟ 0 لقد اكد الرئيس الأمريكي ان اسرائيل رغم ما تملك من تفوق عسكري نوعي وضلوع امريكا في الحرب على ايران الى جانبها بالمشاركة في القتال ودعمها بالسلاح والذخيرة والمال لكنها لم تنتصر على ايران وكذلك الحال بالنسبة الى ايران وذلك في تصريح له كشف فيه عن نتيجة حرب الـ (12) بشكل متوازن لم يرجح فيه كفة احد بعد أن نأى بمشاركة أمريكا تلك الحرب فقال :- إن إسرائيل وإيران «منهكتان ومتعبتان» من الحرب، مضيفا أنهما «قاتلتا بشدة ووحشية شديدة وعنف بالغ، وكان كلاهما راضيا» أي ان كل واحدة منهما خرجت من الحرب لا رابحة ولا خاسرة ولكن وزير الدفاع الباكستاني له رأي آخر قال فيه : انتصار إيران على 'إسرائيل' هو ثمرة صمود وشجاعة الأمة والقيادة وأنا معجب بقيادة إيران وشجاعة شعبها.0 وفق هذا التقييم نستطيع القول ان ايران بإمكانها ان تلعب دور ستراتيجي وكبيروواسع في اعادة هيكلة التوازن الستراتيجي في منطقة الشرق الاوسط الذي اختل بسبب نوايا الادراة الامريكية واسرائيل في تفتيت هذا التوازن ومحقها واعادة تشكيله بالطريقة التي يتطابق ويتناغم وفق المصالح والمشاريع والمخططات الامريكية والصهيونية في المنطقة لقد غيرت حرب الـ (12)ملامح التوازن بين الطرفين بحيث رجحت كفة ايران على كفة اسرائيل .

الإستدراجية!!
الإستدراجية!!

موقع كتابات

timeمنذ 3 أيام

  • موقع كتابات

الإستدراجية!!

إستدرج: خدعه حتى أطاعه , حمله أن يفعل ما يريده بالإغراء أو الحيلة , أخذه قليلا قليلا ولم يباغته. الإستدراجية سلوك معقد ويستخدم أحدث النظريات النفسية والقوانين السلوكية , للإيقاع بالهدف وتحويل عناصره إلى قوى فاعلة لتدميره. وهو تفاعل قائم في دول الأمة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى , وتسبب بإنهيارات سياسية وإجتماعية وإقتصادية وعسكرية وقيمية وعلى جميع المحاور والمستويات. وبموجبه فقد الإنسان قيمته وصودرت حقوقه وتحول إلى رقم قابل للطرح والقسمة على بعضه. فلو تأملنا اي حالة حصلت في ديار الأمة , لتبين أنها إتخذت منحى متدرج معزز بآليات التغفيل والترغيب والترهيب , والإمعان بتأسين الأيام , ورمي الأجيال في أوحالها العاطفية الإنفعالية التي تعمي البصائر , وتنوّم الناس وتأخذهم إلى سوء المصير. ولا تختلف أحداث اليوم عما سبقها من تورطات وإنهيارات إقتدارية , وتبديد للثروات والطاقات البشرية , فالطبخة على نار هادئة , والقائمين بها عندهم صبر طويل , ويضعون خططا بعمر عشرات السنين , لكنها تمضي على قدم وساق وبتمويهية عالية , وإلهائية فائقة , لدفع مفردات الهدف بعيدا عن السهام الموجهة نحوها. فكم طعنت دول الأمة بذات المدية , وما إرعوت وإستوعبت الدرس وإستخلصت من الأحداث ما يقيها من شرور أعدائها والطامعين بإفتراسها. واليوم معظم دول الأمة تتدحرج على سلالم الإستدراج , وتتلقى الركلات من حيث لا تحتسب , وهي تمضي نحو الهاوية في غياهب البؤس والحرمان من حقوق أبنائها أجمعين. أموالها تبدد لشراء أسلحة فاقدة الصلاحية , وإستثماراتها في ديار الطامعين بها , وأنظمة حكمها تسير وفقا لمناهج أسيادها , وتحافظ على مصالحهم , ولا يعنيها مصالح البلاد والعباد , فلا توجد في التأريخ والدنيا المعاصرة حكومات لا تهتم بهموم شعوبها مثل حكومات دول أمتنا , التي يتمتع أعضؤها بالثراء الفاحش على حساب الإستحواذ على حقوق المواطنين المقهورين بكل أنواع الملهيات والتصارعات البينية الغاشمة , التي تؤججها إرادات المصالح وأعوانها المتسلطون على الشعب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store