أحدث الأخبار مع #الحربالعالميةالأولى


Independent عربية
منذ 3 ساعات
- سياسة
- Independent عربية
الأرباح والخسائر في لعبة أكبر
الرئيس دونالد ترمب أمسك باللعبة من أيدي القوى الإقليمية في المنطقة، وأعاد الدورين الروسي والصيني إلى مسافة طويلة وراء الدور الأميركي. وما كان من الصعب عليه الانتقال سريعاً من توجيه ضربة هائلة للمنشآت النووية الإيرانية إلى فرض وقف النار على إسرائيل وإيران، المتعبتين من تبادل التدمير في حرب قاسية. ولم يكن خارج التوقعات إعلان ثلاثة "منتصرين" في حرب هي عملياً حرب "منتصر" واحد وعاجزين اثنين عن الانتصار. فليس في حرب كالتي بدأتها إسرائيل بالطائرات وردت عليها إيران بالصواريخ انتصارات، بل مجرد أرباح وخسائر لدى كل طرف. ولا شيء يمنع من الادعاء أن نتنياهو "ملك إسرائيل" وأن المرشد الأعلى علي خامنئي "إمبراطور غرب آسيا"، وأن ترمب "ملك العالم"، لكن على الجميع الجلوس في هدوء و"البحث عن الحقيقة في الوقائع" حسب الحكمة الصينية. ذلك أن حسابات الأرباح والخسائر ليست نهائية ولا كاملة في حرب ناقصة، حرب هي الأولى بين دولتين وجيشين في المنطقة بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 بين التحالف المصري-السوري وإسرائيل، لأن كل الحروب الأخرى كانت بين إسرائيل ومجرد فصائل مثل "حزب الله و'حماس' وأنصار الله الحوثيين"، حرب لا تستطيع أطرافها تحمل دمارها وكلفتها ومضاعفاتها طويلاً، وليسوا قليلي الرغبة في إكمالها حين تسمح الظروف. وما تقوله الوقائع واضح، بصرف النظر عن القراءات المتسرعة والقراءة الأيديولوجية. إسرائيل ربحت إبعاد الكابوس النووي وتدمير جزء من منصات الصواريخ، مقابل خسارتها لما روجت له من كونها "القلعة الحصينة"، وانكشاف ضعف قدرتها على حماية أصولها الاستراتيجية من ضرب الصواريخ الباليستية. إيران ربحت تأكيد القدرة على الصمود وإلحاق الأذى بإسرائيل، وما لم يكن على جدول الأعمال أمام أميركا وإسرائيل، وهو بقاء النظام، لكنها خسرت أسطورة الاقتدار، وبدت مكشوفة أمام الطيران الإسرائيلي من دون حماية فعلية، بحيث دفعت في الضربات اليومية أثماناً لا تقل عن الأثمان التي دفعتها في "الضربة الاستباقية" لجهة اغتيال القادة الكبار وعلماء الذرة، كما أن قوتها الصاروخية لفتت أنظار أوروبا والعرب إلى أخطار الصواريخ الباليستية على أمن أوروبا والمنطقة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ترمب ربح الحرب عبر الضربة العسكرية التي شكلت مشهد الذروة في التراجيديا القتالية، ويريد أن يربح السلام. ومن المبكر رسم السيناريوهات حول الصورة الجديدة للشرق الأوسط، فلا تقسيمات سايكس-بيكو كانت ممكنة لولا الحرب العالمية الأولى وهزيمة السلطنة العثمانية والإمبراطورية النمسوية-المجرية والإمبراطورية البروسية ثم القيصرية. ولولا الحرب العالمية الثانية لما حصلت البلدان العربية على الاستقلال، ولما كان من السهل أن تولد إسرائيل. والتطورات الدراماتيكية التي يتحدث عنها أصحاب الخيال، وبينهم أصحاب رؤية بعيدة، تحتاج إلى حرب أكبر من حرب غزة ولبنان وحرب إسرائيل وإيران وإن دخلتها أميركا مباشرة. وما حدث ليس السيناريو الخطر الذي تصوره بعض، وهو أن تسجل إسرائيل نصراً مطلقاً على الجمهورية الإسلامية أو بالعكس أن تلحق طهران بإسرائيل هزيمة كاملة. ففي مثل هذا السيناريو تقع المنطقة من المتوسط إلى الخليج، وحتى من المحيط إلى الخليج بحسب الشعار القديم، تحت هيمنة قوة إقليمية واحدة تتحالف مع قوة دولية واحدة أو أكثر. وهذا هو الخطر الأكبر الذي يتطلب التخلص منه عقوداً وتضحيات وعذابات. وليس سراً أن كثراً في المنطقة راهنوا على أن تنتهي الحرب بخسارة الطرفين، مقابل قلة راهنت على ربح إيران وقلة راهنت على ربح إسرائيل، ولكل أسبابه وظروفه وموقفه المبني على تجارب الماضي وما فعلته في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق، وسواها هيمنة إسرائيل وهيمنة إيران. والسؤال المباشر الآن هو ماذا بعد وقف النار؟ هل تنتهي الحرب أم أن المنطقة في استراحة محارب قبل معاودة القتال، وما التسوية التي تقود إليها المفاوضات بين أميركا وإيران؟ طهران توحي أنها ستكمل برنامجها النووي وأن الأضرار التي وقعت في المنشآت لم تدمر كل شيء، كما أنها لن تتخلى عن حقها في تخصيب اليورانيوم. وترمب يقول إن الضربة الأميركية دمرت المنشآت النووية بالكامل، وسط تشكيك حتى في أوساط الاستخبارات الأميركية، ويهدد بضرب أية منشأة تحاول طهران إعادة بنائها وإحياء وظيفتها، ونتنياهو يهدد بما هو أكثر، وهما معاً يصران على شعار "صفر تخصيب" داخل إيران. وإذا كان أنصار إيران يتصورون أن الجمهورية الإسلامية ستخرج من المفاوضات مع أميركا، لا فقط برفع العقوبات عنها بل أيضاً بإطلاق يدها في المنطقة، فإن الأوساط الأميركية والإسرائيلية تضع على جدول الأعمال ثلاث لاءات، لا للمشروع النووي الإيراني ولا لتطوير البرنامج الصاروخي ولا للمشروع الإقليمي الإيراني وأذرعه. الحرب التي كشفت نقاط القوة والضعف لدى كل من إسرائيل وإيران، تركت لدى بعض انطباعاً خلاصته أن الجمهورية الإسلامية خسرت دور القوة الإقليمية، ولم تعد قادرة على حماية الرأس ولا الأذرع من إسرائيل. ومقابل الرهانات على الطائرات والصواريخ لصنع التاريخ، يقول هيغل "الفلسفة وحدها تستطيع قراءة ما خفي من التاريخ".


الشرق الجزائرية
منذ 3 ساعات
- سياسة
- الشرق الجزائرية
رسائل إلى القادة والسياسيين فن التفاوض
الحلقة 22 نتابع عرض الرسائل لكبار القادة السياسيين والإداريين وذلك من كتابنا القواعد النفسية للسلطة بعد التعديل. مرونتك …انتهت في أول عرض 'كل تنازل ليس مدروسًا هو علامة على التعلق لا على القوة.' – آلان دو بوتون قدّم تنازلات صغيرة قدر الإمكان عندما تُطالب بها بإلحاح، ولكن أوحِ نفسياً لـ (لا وعيك) بأن مرونتك قد وصلت إلى نهايتها؛ بمعنى أن تجعل تنازلاتك تتدحرج لتصبح أقرب فاقرب إلى التناهي نحو الصفر، ولكن لا تتقمص هذا الدور طويلاً، فأنت مطالب بأن تقدم شيئاً ما في نهاية المطاف… المهم أن يكون أقل قدر ممكن من ما يقدم المفاوض الذكي لا يُظهر مرونةً طويلة النفس. فعلى المستوى اللاواعي، إن أبقيت مرونتك ممتدة دون سقف، اعتُبرت ساذجًا أو ضعيف الإرادة. يجب أن توحي للطرف الآخر أن حدود مرونتك ضيقة ومحدودة وأن ما قدمته هو أقصى ما يمكن أن تقدمه. هذا يولد ضغطًا مضادًا عليه، ويقربك من انتزاع ما تريد. نقطة نفسية دقيقة: المفاوض ليس ممثلاً يُجيد 'لعب' دور المتشدد فقط، بل يجب أن 'يعيش داخلياً' هذا الموقف حتى يتصرف بناء عليه بلا تردد أو ارتباك، وهنا الفارق بين التكتيك والعمق. أمثلة سياسية تفاوضية: هنري كيسنجر في مفاوضات فك الاشتباك (1974): قدم عرضاً واحداً للسوريين ثم أوحى بأنه بلغ حده، فمارس الضغط بالتوقيت (قبل زيارة نكسون لدمشق) ليُنتزع الاتفاق. معاهدة فرساي: الحلفاء قدموا عرضًا واحدًا لألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى ولم يتراجعوا عنه، رغم مفاوضات طويلة. فهم أن الألمان ليس أمامهم خيارات. أردوغان في مفاوضات السويد للانضمام للناتو (2023): قدّم شروطه (تسليم مطلوبين، ووقف دعم الأكراد) وقال بوضوح إنها 'الحد النهائي'، فحصل على تنازلات أوروبية. أمثلة إدارية وتجارية: شركة Adobe عند بيع Creative Suite: في مفاوضات البيع المؤسسي، تعلن عروضها مباشرة على أنها 'غير قابلة للتفاوض' وتستعمل 'نفاذ المرونة' كأداة تسويق ضغط. Toyota في مفاوضات أسعار مع الموردين: تقدم ما تسميه 'عرض الهامش الأقرب للصفر' في البداية، وتُشعر الطرف الآخر أن أي ضغط إضافي سيُخرج الصفقة من الجدوى الاقتصادية التحليل التطبيقي: في عالم المفاوضات، التنازلات المبكرة تعني انفتاح الباب لمزيد من الاستنزاف. الأفضل أن تبدأ بموقف يبدو فيه أنك قدمت أقصى ما تستطيع، ثم إن تطلب الأمر تنازلاً لاحقًا، فليكن صغيرًا جدًا وبثمن كبير. كن واضحاً في لحظاتك الأولى، كي لا يفهم خصمك أنك مستعد 'للتراجع بلا نهاية' *** الصمت … فضيلة 'الصمت هو الصرخة الأقوى.' – فريدريش نيتشه الصمت تكتيك عظيم وهو من الزاوية النفسية التفاوضية شيء غير مريح ولكنه أمر مهذب وليس هنالك شيء أكثر تهذيباً للضغط عليه. فقط اجلس بصمت ووجهك يعكس أنك تفكر فيما يعرضه الطرف الآخر فيتفانى بصمتك هذا لجعل ما يقدمه أكثر إغراء بتقديم المزيد منه، ولكن ليس عليك أن تظهر القبول لأنك يجب أن تشعره بأن قبولك بما قدمه هو أمر جاء بعد طول عناء. الصمت أحد أعظم أسلحة التفاوض. لأن الإنسان بطبعه لا يحتمل الفراغ السمعي. فإذا سكتّ بعد عرض الطرف الآخر، تولد داخله رغبة لاواعية في ملء الفراغ بـ تنازل إضافي أو توضيح يزيد من قيمة العرض. البعد النفسي العميق: الصمت يخلق توازناً في 'القوة غير المنطوقة'. أي أن من يصمت يمتلك، تلقائيًا، سلطة التأمل، والسلطة تخلق هيبة تُخيف وتُربك. أمثلة سياسية تفاوضية: ديفيد بن غوريون كان يشتهر بالصمت الطويل في الاجتماعات التفاوضية ثم يعقب بملاحظة موجزة تُربك خصومه. صدام حسين في مفاوضاته مع الاتحاد السوفيتي قبيل الحرب الإيرانية – ظل صامتاً عند عرضهم الدعم، ثم فاجأهم بطلب أكبر، فوافقوا. كيسنجر مجدداً: في زيارته للصين 1971، صمت لدقائق عند عرض ماو تسي تونغ لرؤية بلاده، ثم علق تعليقًا صغيرًا جعله يبدو متمكنًا من زمام المبادرة. أمثلة إدارية وتجارية: ستيف بالمر (مايكروسوفت) كان يستخدم الصمت الطويل في المفاوضات مع IBM ليبدو كأنه يعيد الحسابات، مما أجبر الطرف الآخر على إعادة تقييم موقفه. إيلون ماسك في مفاوضاته مع Twitter – ترك المفاوضات تجري بصمت حين ظهرت فجوات قانونية، مما جعل Twitter يندفع للتسوية. *** التنازلات في لحظة الحقيقة 'كل لحظة تراجع من الآخر، فرصة للقبض على التوازن.' – ميشيل فوكو لا يجب أن نعطي شيئا دون مقابل أبداً. وحتى لو كنا مستعدين لأن تقدم ذلك، فلنطلب تنازلات، ولكن في التوقيت المناسب عندما نشعر بأن خصمنا قد بدأ باللين، وهنا لنستثمر بسرعة لحظة ليونته، إنها لحظة الحقيقة. أخطر خطأ تفاوضي هو أن تعطي دون مقابل. والأخطر أن تعطي في الوقت الخطأ. التنازل ليس ضعفًا إذا قُدِّم: عندما يلين الخصم. مقابل مكسب ملموس أو رمزي. ما إن تلاحظ أن خصمك بدأ يتراجع أو يتنفس بارتياح، فهذه 'لحظة الحقيقة' التي يجب أن تستغلها فورًا: اعرض تنازلك المحدود واطلب مقابله. لا تُؤجل ولا تتردد. أمثلة تفاوضية سياسية: اتفاقية دايتون: استُغلت ليونة الأطراف بعد التعب من الحرب، وقدمت بعض التنازلات لتثبيت وقف النار مقابل اعترافات دستورية. اتفاقية أوسلو: عندما بدأ الطرف الفلسطيني بإظهار رغبة فعلية للحل، قدم الإسرائيليون بعض التنازلات الرمزية (مثل دخول رموز السلطة الفلسطينية). المفاوضات بين مصر وإسرائيل: السادات أبدى تنازلًا محدودًا مقابل انسحاب كامل من سيناء، ولكن بعد رصد لحظة استعداد أمريكي–إسرائيلي للصفقة. أمثلة تفاوضية إدارية: Google عند التفاوض على صفقات براءات اختراع: قدّمت تنازلات بسيطة بعد رصد استعداد الطرف الآخر لإغلاق الصفقة. Airbnb في التفاوض مع الهيئات الحكومية: استغلت لحظة الاستعداد الحكومي للتعاون في أعقاب جائحة كورونا لتقديم تنازلات مقابل تنظيمات أخف. راقب خصمك جيدًا. هناك لحظة نفسية يلين فيها – نظرة، تنهيدة، تخلّي عن عدوانية – وهي لحظة الذهب. بادر فورًا بتقديم تنازل مخطط مسبقًا واطلب مقابله. لا تنتظر الجولة القادمة. 'لحظة الحقيقة' قد لا تتكرر.


موقع كتابات
منذ 6 ساعات
- ترفيه
- موقع كتابات
'فيتزجيرالد'.. رواياته تصور بريق وإفراط عصر الجاز
خاص: إعداد- سماح عادل 'فرانسيس سكوت كي فيتزجيرالد' المعروف باسمه 'سكوت فيتزجيرالد'، كان روائيا وكاتب مقالات وقصصا قصيرة أمريكيا. اشتهر برواياته التي تصور بريق وإفراط عصر الجاز، وهو مصطلح روج له في مجموعته القصصية 'حكايات عصر الجاز'. نشر أربع روايات وأربع مجموعات قصصية و164 قصة قصيرة. حقق نجاحا شعبيا وثروة في عشرينيات القرن العشرين، لكنه لم يتلق إشادة نقدية إلا بعد وفاته ويعتبر الآن أحد أعظم الكتاب الأمريكيين في القرن العشرين. ولد 'فيتزجيرالد' لعائلة من الطبقة المتوسطة في 'سانت بول' بولاية 'مينيسوتا'، لكنه نشأ في المقام الأول في ولاية 'نيويورك'. التحق بجامعة 'برينستون' حيث صادق الناقد الأدبي المستقبلي 'إدموند ويلسون'. وترك جامعة برينستون عام ١٩١٧ للانضمام إلى الجيش خلال الحرب العالمية الأولى. أثناء وجوده في ألاباما، التقى زيلدا ساير، وهي فتاة جنوبية شابة من عائلة مونتغمري الراقية في النادي الريفي. رفضت في البداية عرض فيتزجيرالد الزواج منه لضعف إمكانياته المادية، لكنها وافقت على الزواج منه بعد أن نشر روايته الناجحة تجاريا 'هذا الجانب من الجنة' (١٩٢٠). حققت الرواية نجاحا كبيرا، ورسخت مكانته كواحد من أبرز كتاب ذلك العقد. 'الجميلة والملعونة'.. روايته الثانية 'الجميلة والملعونة' (١٩٢٢) دفعت فيتزجيرالد إلى مصاف النخبة الثقافية. وللحفاظ على نمط حياته الميسور، كتب العديد من القصص لمجلات شهيرة مثل 'ساترداي إيفنينغ بوست' و'كولييرز ويكلي' و'إسكواير'. تردد على أوروبا خلال تلك الفترة، حيث صادق كتابا وفناني حداثيين من جالية المغتربين 'الجيل الضائع'، بمن فيهم إرنست همنغواي. حظيت روايته الثالثة 'غاتسبي العظيم' (1925) بمراجعات إيجابية بشكل عام، لكنها لم تحقق نجاحا تجاريا يذكر، حيث لم تُباع منها سوى أقل من 23,000 نسخة في عامها الأول. ورغم بدايتها الباهتة، يُشيد بعض النقاد الأدبيين الآن بـ'غاتسبي العظيم' باعتبارها 'الرواية الأمريكية العظيمة'. أكمل فيتزجيرالد روايته الأخيرة 'ليلة رقيقة' (1934) بعد تدهور صحة زوجته النفسية وإيداعها مصحة نفسية لعلاج الفصام. واجه فيتزجيرالد ضائقة مالية بسبب تراجع شعبية أعماله خلال فترة الكساد الكبير. ثم انتقل إلى هوليوود حيث بدأ مسيرة مهنية غير ناجحة ككاتب سيناريو. وخلال إقامته هناك، عاش مع الكاتبة شيلا غراهام، رفيقته الأخيرة قبل وفاته. عانى طويلًا من إدمان الكحول، وتعافى منه ليفارق الحياة بنوبة قلبية عام ١٩٤٠ عن عمر يناهز ٤٤ عامًا. حرر صديقه إدموند ويلسون ونشر روايته الخامسة غير المكتملة 'آخر قطب' (١٩٤١). وصف ويلسون أسلوب فيتزجيرالد بأنه 'رومانسي، لكنه ساخر أيضًا؛ فهو مرير ومبتهج في آن واحد؛ لاذع وشاعري في آن واحد. يصور نفسه في دور الفتى اللعوب، ومع ذلك يسخر منه باستمرار. إنه مغرور، وخبيث بعض الشيء، سريع البديهة وذكي، ويمتلك الموهبة الأيرلندية في تحويل اللغة إلى شيء قزحي الألوان ومدهش.' الرواية الأولي.. ظهرت رواية فيتزجيرالد الأولى في المكتبات في ٢٦ مارس ١٩٢٠، وحققت نجاحا فوريا. بيعت حوالي ٤٠ ألف نسخة من 'هذا الجانب من الجنة' في عامها الأول. في غضون أشهر من نشرها، أحدثت روايته الأولى ضجة ثقافية في الولايات المتحدة، وأصبح ف. سكوت فيتزجيرالد اسما مألوفا. أشاد نقاد مثل إتش. إل. مينكين بالعمل باعتباره أفضل رواية أمريكية لذلك العام، ووصفه كتاب الأعمدة الصحفية بأنه أول رواية جامعية أمريكية واقعية. دفع هذا العمل مسيرة فيتزجيرالد ككاتب إلى الأمام. تقبلت المجلات قصصه التي رفضتها سابقا، ونشرت صحيفة 'ساترداي إيفنينج بوست' قصته 'بيرنيس تُقص شعرها' مع اسمه على غلافها في مايو 1920. مكّنته شهرة فيتزجيرالد الجديدة من الحصول على أجور أعلى بكثير لقصصه القصيرة، واستأنفت زيلدا خطوبتها بعد أن أصبح فيتزجيرالد قادرًا على تحمل نفقات أسلوب حياتها المعتاد. ورغم إعادة خطوبتهما، كانت مشاعر فيتزجيرالد تجاه زيلدا في أدنى مستوياتها، وعلق لصديق: 'لن أهتم إذا ماتت، لكنني لا أطيق أن يتزوجها أي شخص آخر'. ورغم التحفظات المتبادلة، تزوجا في حفل بسيط في 3 أبريل 1920، في كاتدرائية القديس باتريك، نيويورك. عند زواجهما، ادّعى فيتزجيرالد أن كليهما لم يعد يحب الآخر، وكانت السنوات الأولى من زواجهما أقرب إلى الصداقة. عصر الجاز.. عكست سعادة فيتزجيرالد العابرة البهجة المجتمعية في عصر الجاز، وهو مصطلح روج له في مقالاته وقصصه. وصف فيتزجيرالد تلك الحقبة بأنها كانت 'تسير بخطى ثابتة، تخدمها محطات وقود ضخمة مليئة بالمال'. في نظر فيتزجيرالد، كانت تلك الحقبة تمثل حقبةً متساهلة أخلاقياً، حيث خاب أمل الأمريكيين من الأعراف الاجتماعية السائدة وأصبحوا مهووسين بإشباع ذواتهم. خلال هذه الحقبة الملذة، غذّى الكحول حياة آل فيتزجيرالد الاجتماعية بشكل متزايد، وكان الزوجان يتناولان مشروبات الجن والفواكه في كل نزهة. في العلن، لم يكن تناولهما للكحول يعني أكثر من مجرد قيلولة في الحفلات، ولكنه في السر أدى إلى خلافات مريرة. مع تفاقم خلافاتهما، اتهم الزوجان بعضهما البعض بالخيانة الزوجية. وأشارا لأصدقائهما أن زواجهما لن يدوم طويلا. في شتاء عام 1921، حملت زوجته بينما كان فيتزجيرالد يعمل على روايته الثانية، 'الجميلة والملعونة'، وسافر الزوجان إلى منزله في سانت بول، مينيسوتا، لإنجاب الطفل. في 26 أكتوبر 1921، أنجبت زيلدا ابنتهما الوحيدة فرانسيس سكوت 'سكوتي' فيتزجيرالد. عندما أفاقت من التخدير، سجل زيلدا وهي تقول: 'يا إلهي، يا غبية، أنا ثملة. مارك توين. أليست ذكية؟ إنها تعاني من الفواق. أتمنى أن تكون جميلة وحمقاء – حمقاء صغيرة جميلة.' استخدم فيتزجيرالد لاحقا بعضا من كلامها المتشعب حرفيا تقريبا في حوار ديزي بوكانان في رواية 'غاتسبي العظيم'. لونغ آيلاند والرواية الثانية.. بعد ولادة ابنته، عاد فيتزجيرالد إلى كتابة رواية 'الجميلة والملعونة'. تدور أحداث الرواية حول فنان شاب وزوجته اللذين يصبحان في حالة من الكسل والإفلاس أثناء حفلاتهما في مدينة نيويورك. صاغ فيتزجيرالد شخصيتي أنتوني باتش على غرار شخصيته، وغلوريا باتش على غرار هدوء زيلدا وأنانيتها. نشرت مجلة متروبوليتان المخطوطة على حلقات في أواخر عام ١٩٢١، ونشرتها دار سكريبنر في مارس ١٩٢٢. طبعت دار سكريبنر ٢٠ ألف نسخة أولية، وحققت مبيعات جيدة بما يكفي لطبع المزيد منها لتصل إلى ٥٠ ألف نسخة. في ذلك العام، أصدر فيتزجيرالد مختارات من إحدى عشرة قصة بعنوان 'حكايات عصر الجاز'. كان قد كتب جميع القصص باستثناء قصتين قبل عام ١٩٢٠. بعد تحويل فيتزجيرالد قصته 'الخضار' إلى مسرحية، انتقل هو وزيلدا في أكتوبر ١٩٢٢ إلى جريت نيك، لونغ آيلاند، ليكونا بالقرب من برودواي. على الرغم من أنه كان يأمل أن تُطلق 'الخضار' مسيرة مهنية مربحة ككاتب مسرحي، إلا أن العرض الأول للمسرحية في نوفمبر ١٩٢٣ كان كارثة بكل المقاييس. غادر الجمهور الملل خلال الفصل الثاني أراد فيتزجيرالد إيقاف العرض والتنصل من الإنتاج. خلال فترة الاستراحة، سأل فيتزجيرالد الممثل الرئيسي إرنست تروكس عما إذا كان يخطط لإنهاء العرض. عندما أجاب تروكس بالإيجاب، هرب فيتزجيرالد إلى أقرب حانة. غارقًا في الديون بسبب فشل المسرحية، كتب فيتزجيرالد قصصا قصيرة لاستعادة أمواله. اعتبر فيتزجيرالد قصصه لا قيمة لها باستثناء 'أحلام الشتاء'، التي وصفها بأنها محاولته الأولى لفكرة غاتسبي. عندما لم يكن فيتزجيرالد وزوجته يكتبان، استمرا في الاختلاط وشرب الخمر في حفلات لونغ آيلاند. على الرغم من استمتاعه ببيئة لونغ آيلاند، إلا أن فيتزجيرالد لم يوافق على الحفلات الباذخة، وغالبًا ما كان الأثرياء الذين قابلهم يخيبون أمله. ينما كان معجبا بالثروة وسعى جاهدا لمحاكاة أنماط حياة الأثرياء، وجد في الوقت نفسه سلوكهم المتميز مزعجا أخلاقيًا، وكان يمتلك 'استياء متأججا كالفلاحين' تجاههم. بينما كان الزوجان يعيشان في لونغ آيلاند، كان ماكس جيرلاش أحد جيران فيتزجيرالد الأثرياء. يزعم أنه ولد في أمريكا لعائلة مهاجرة ألمانية، وكان جيرلاش رائدا في قوات المشاة الأمريكية خلال الحرب العالمية الأولى وأصبح مهربا نبيلا عاش مثل المليونير في نيويورك. متفاخرًا بثروته الجديدة، أقام جيرلاش حفلات باذخة، ولم يرتدِ نفس القميص مرتين، واستخدم عبارة 'رياضة قديمة'،وعزز الأساطير حول نفسه، بما في ذلك أنه كان قريبا للقيصر الألماني. ألهمت هذه التفاصيل فيتزجيرالد في تأليف عمله التالي، 'غاتسبي العظيم'. غاتسبي العظيم.. في مايو 1924، انتقل فيتزجيرالد وعائلته إلى أوروبا. واصل كتابة روايته الثالثة، والتي ستصبح في نهاية المطاف تحفته الفنية The Great Gatsby. كان فيتزجيرالد يخطط للرواية منذ عام 1923، عندما أخبر ناشره ماكسويل بيركنز عن خططه للشروع في عمل فني جميل ومنقوش بشكل معقد. كان قد كتب بالفعل 18000 كلمة لروايته بحلول منتصف عام 1923 لكنه تخلى عن معظم قصته الجديدة باعتبارها بداية خاطئة. في البداية كان عنوان الرواية Trimalchio وهو تلميح إلى العمل اللاتيني Satyricon وتتبع الحبكة صعود شخص حديث النعمة يسعى إلى الثروة للفوز بالمرأة التي يحبها. بالنسبة للمواد المصدرية، استعان فيتزجيرالد بشكل كبير بتجاربه في لونغ آيلاند ومرة أخرى بهوسه مدى الحياة بحبه الأول جينيفرا كينج. أوضح لاحقًا: 'فكرة غاتسبي برمتها هي ظلم شاب فقير لا يستطيع الزواج من فتاة ثرية. هذا الموضوع يتكرر مرارا وتكرارا لأنني عشته.' تباطأ العمل على رواية غاتسبي العظيم مع إقامة آل فيتزجيرالد في الريفييرا الفرنسية، حيث نشأت أزمة زوجية. أُعجبت زيلدا بطيار بحري فرنسي، إدوارد جوزان كانت تقضي معه فترة ما بعد الظهر تسبح على الشاطئ وأمسيات ترقص في الكازينوهات. بعد ستة أسابيع، طلبت زيلدا الطلاق. سعى فيتزجيرالد لمواجهة جوزان وحبس زيلدا في منزلهما حتى يتمكن من ذلك. قبل أن تحدث أي مواجهة، غادر جوزان الذي لم يكن ينوي الزواج من زيلدا الريفييرا، ولم يره آل فيتزجيرالد مرة أخرى. بعد فترة وجيزة، تناولت زيلدا جرعة زائدة من الحبوب المنومة. لم يتحدث الزوجان عن الحادثة قط، لكن الحادثة أدت إلى انفصال دائم في زواجهما. نفى جوزان لاحقًا الحادثة برمتها وادعى عدم وجود خيانة أو علاقة رومانسية: 'كان كلاهما بحاجة إلى الدراما، لقد اختلقاها، وربما كانا ضحايا خيالهما المضطرب وغير الصحي.' بعد هذه الحادثة، انتقل آل فيتزجيرالد إلى روما. في 1 ديسمبر 1924، دخل فيتزجيرالد في شجار وهو ثمل انتهى في مركز شرطة بروما، وهناك لكم ضابطًا وتعرض لضرب مبرح من قبل آخرين. في روما، أجرى مراجعات على مخطوطة غاتسبي طوال فصل الشتاء وقدّم النسخة النهائية في فبراير 1925. رفض فيتزجيرالد عرضًا بقيمة 10000 دولار لحقوق المسلسل، لأنه سيؤخر نشر الكتاب. عند إصداره في 10 أبريل 1925، أشادت ويلا كاثر وت. س. إليوت وإديث وارتون بعمل فيتزجيرالد، وتلقت الرواية مراجعات إيجابية بشكل عام من نقاد الأدب المعاصرين. وعلى الرغم من هذا الاستقبال، أصبح غاتسبي فشلا تجاريا مقارنة بجهوده السابقة، هذا الجانب من الجنة (1920) والجميلة والملعونة (1922). وبحلول نهاية العام، كان الكتاب قد بيع منه أقل من 23000 نسخة. وبالنسبة لبقية حياته، شهدت رواية غاتسبي العظيم مبيعات فاترة. سيستغرق الأمر عقودًا حتى تكتسب الرواية استحسانها وشعبيتها الحالية، وذلك بفضل فن غلاف الغبار الشهير، المسمى 'العيون السماوية'.

عمون
منذ 13 ساعات
- سياسة
- عمون
مؤتمر القدس وإلغاء الانتداب البريطاني
في مثل هذا الشهر من صيف عام 1921، اجتمع وجهاء القدس وقادة الجمعيات الوطنية في قلب المدينة القديمة، تتداخل في أصواتهم رهبة المرحلة وإحساس متصاعد بأن مستقبل فلسطين كله على المحك. كانت أجواء ذلك الزمن مشحونة بالقلق، فبعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية، أضحت فلسطين تحت سلطة الانتداب البريطاني، وغدت السياسات الجديدة تهدد هوية الأرض وسكانها العرب عبر تنفيذ بنود وعد بلفور الذي وعد اليهود بوطن قومي على أرض فلسطين. جاء مؤتمر القدس كصرخة واعية من قلب الأمة في مواجهة هذا المصير، فالمجتمع المقدسي أدرك أن ساعة الحسم تقترب، وأن السكوت لم يعد خيارًا ممكنًا أمام زحف الهجرة اليهودية المدعومة من السلطة البريطانية وتجاهل صوت أصحاب البلاد الأصليين. انعقد المؤتمر في الخامس والعشرين من يونيو، في جو تملؤه الحماسة والتوتر. دخل المجتمعون القاعة وهم يحملون ثقل التاريخ فوق أكتافهم، تدور في مخيلاتهم صور الوطن المهدد وقيم العدالة التي أرادوا تثبيتها في وجه المتغيرات. لم يكن هدف المؤتمر مجرد الاعتراض الشكلي، فقد جاء المشاركون بمطالب واضحة ومباشرة: إلغاء الانتداب البريطاني على فلسطين ورفض وعد بلفور تمامًا، وإعلان استقلال فلسطين بوصفها جزءًا من الأمة العربية الكبيرة، مع إصرار على بناء نظام نيابي ديمقراطي يعبّر عن إرادة الناس لا إرادة القوى الأجنبية. وفي نقاشاتهم، كان الإحساس بالخطر حاضرًا بقوة، فقد رأوا في مشاريع الاستيطان والسياسات البريطانية تهديدًا وجوديًا للهوية والحقوق والذاكرة الجماعية. تُروى شهادات المعاصرين أن المجتمعين في المؤتمر كانوا يدركون أن كلماتهم قد لا تغير المعادلات الدولية فورًا، لكنهم آمنوا أن تثبيت الموقف الوطني في وثيقة جامعة وإعلانها أمام الملأ سيؤسس لمرحلة جديدة من النضال، ويمثل رسالة قوية لكل من في الداخل والخارج بأن الفلسطينيين لن يقبلوا بأن يكونوا غرباء في أرضهم. في جو يسوده الحذر، قرروا إرسال وفد يمثل صوت فلسطين إلى العواصم الأوروبية لعرض المطالب العادلة، لكن الوفد اصطدم بجدار الرفض الأوروبي، فمصالح الدول الكبرى والتزاماتها تجاه المشروع الاسرائيلي بدت أقوى من مناشدات الحق أو العدالة. ومع ذلك، ظل هذا التحرك نقطة تحول في الوعي الوطني الفلسطيني، إذ وحّد أصوات النخب وأطلق ديناميكية جديدة في مقاومة مشاريع التهويد والاستعمار. أما رد الفعل البريطاني، فجاء حذرًا ومرتبكًا في آن، إذ سارعت السلطة إلى محاولة امتصاص غضب الشارع عبر تعيين الحاج أمين الحسيني مفتيًا للقدس وتشكيل المجلس الإسلامي الأعلى، وأتبعت ذلك بإصدار تصريحات رسمية تؤكد أن إنشاء "وطن قومي يهودي" ليس ضمن مخططاتها، في محاولة لتهدئة المخاوف وتخفيف حدة المعارضة. لكن الفلسطينيين بقوا على يقين بأن انتزاع حقهم في تقرير المصير لا يأتي بالوعود الدبلوماسية وإنما بالإصرار والصمود وتنظيم الصفوف. فقد شكّل مؤتمر القدس لحظة وعي جماعي بأن القضية الفلسطينية مسألة وجودية ترتبط بمصير الأمة العربية كلها، وضرورة الدفاع عن الكرامة والهوية والمستقبل في وجه العواصف الدولية. على امتداد عقود لاحقة، ظل صوت مؤتمر القدس يتردد في الضمير الوطني، إذ صار رمزًا لأول محاولة فلسطينية صريحة لتحدي قرارات القوى الكبرى، وتأكيد حق الشعب في الأرض والحرية والاستقلال، ومن رحم هذه اللحظة ولدت الحركة الوطنية الفلسطينية وتبلور الخطاب السياسي الذي سيقود نضالات الأجيال. كان مؤتمر القدس أكثر من حدث عابر في روزنامة التاريخ؛ لقد كان نقطة البدء في مقاومة النسيان ومواجهة التهميش، وإرثًا معنويًا ظل يمنح الفلسطينيين معنًى للثبات رغم تبدل الأزمنة وتوالي التحديات.


ساحة التحرير
منذ 14 ساعات
- سياسة
- ساحة التحرير
ألمانيا رأس حِرْبة الإمبريالية الأوروبية ( 2)!الطاهر المعز
ألمانيا رأس حِرْبة الإمبريالية الأوروبية – 2 / 2! الطاهر المعز بين مناهضة الشيوعية ومعاداة الشعوب حملات قمع ضدّ التّقدّميين الدّاعمين لشعب فلسطين تَمّت ترجمة 'استيراد معاداة السامية' إلى حملة تقودها على الجبهة الإعلامية صحيفة 'بيلد' ضدّ العرب والمناضلين الدّاعمين للشعب الفلسطيني والمُندّدين بالدّعم الألماني غير المحدود للكيان الصهيوني، ونشرت مجلة دير شبيغل – إحدى أكبر المجلات الإخبارية في ألمانيا – يوم الثاني عشر من شباط /فبراير2025، مقطع فيديو بعنوان 'احتجاجات ضد اليهود'، ويُظْهِرُ الشريط احتجاجاً مؤيداً للشعب الفلسطيني في الجامعة الحرة في برلين، ونشرت صحيفة 'بيلد' يوم الحادي والعشرين من أيار/مايو 2025، وهي أكثر صحيفة موزّعة في أوروبا، مقالاً أورَدَ وُجوه وأسماء من اعتبرتهم 'النّواة الصّلبة للإرهابيين وكَارِهِي إسرائيل'، وهم أشخاص شاركوا في الإحتجاجات المؤيدة للشعب الفلسطيني في برلين، وأشارت إحدى برقيات وكالة الصحافة الفرنسية إلى تَعرّض أحد أحياء برلين الذي تقطنه إحدى أكبر الجاليات الفلسطينية في أوروبا، لحملات قمع وحشية من قِبَل الشرطة شبّهها أحد المُلاحظين بحملات الشرطة النازية ( وكالة الصحافة الفرنسية – أ.ف.ب. بتاريخ الثالث من كانون الأول/ديسمبر 2024 ) ولم يتسبب تعرض هؤلاء السّكّان وغيرهم للضرب على أيدي أفراد من الشرطة الألمانية المسلحة في إثارة أي نوع من الإهتمام من جانب وسائل الإعلام الألمانية والأوروبية، لأن مثل هذه الحملات القمعية أصبحت عادية – بحكم تكرارها – في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وبولندا ومجمل الدول الأعضاء بالإتحاد الأوروبي، بعد تجربتها في المُستعمرات، ثم ضدّ المُهاجرين واللاّجئين… تفتخر المؤسسة السياسية والإعلامية الألمانية بمراجعة تاريخها ونبذ النازية وبثقافة 'إحياء الذاكرة'، في إشارة إلى إحياء ذكرى قمع وإبادة اليهود الألمانيين والأوروبيين والتكفير عن ما أسموه 'الهولوكوست' في السياسة والمجتمع، ولكن أصبحت 'ثقافة الذاكرة' الرسمية تركز على مكافحة 'عودة ظهور معاداة السامية' المزعومة في شكل معاداة الصهيونية و'معاداة السامية المستوردة' التي جلبها المهاجرون العرب والمسلمون، وتدّعي الدّعاية الرسمية إن ألمانيا تمكنت من القضاء على 'معاداة السامية' غير إن المهاجرين أعادوها إلى ألمانيا، وهي الرواية – المُزّيفة للتاريخ وللواقع – التي استفاد منها حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف واكتسب منها دعمًا واسع النطاق عبر المؤسسة السياسية، وبذلك تم تنظيف اليمين المتطرف من عمليات القتل وحرق أمكان العبادة – بما فيها كنيس يهودي سنة 2019 – وملاجئ ومحلات سكن وتجارة الأجانب، كما 'أهْملت ثقافة الذّاكرة' عمليات الإبادة التي ارتكبها ألإستعمار الألماني في إفريقيا وآسيا قبل هزمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى. شكّلت 'ثقافة الذاكرة' تعِلّةً للدّعم غير المشروط لجرائم الإحتلال الصهيوني، من جانب الدولة الألمانية ووسائل الإعلام، وخصوصًا منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، حيث تم حَظْرُ أي انتقاد لتصرفات الكيان الصهيوني وأدت حملة الملاحقة العلنية لأي شخص يقول أي شيء حتى ولو كان انتقاداً طفيفاً للحكومة الصهيونية ( وليس إلى الكيان الصهيوني أو إلى العقيدة الصهيونية ) إلى اتهامات بمعاداة السامية ولم تُستَثْنَى من هذه التُّهمة شخصيات يهودية معروفة مثل عالم الاجتماع 'الإسرائيلي الألماني' موشيه زوكرمان والمصور اليهودي الجنوب أفريقي آدم برومبرغ والكاتبة اليهودية الأمريكية الروسية ماشا جيسن، التي ألغي حفل تكريمها الذي كان مخطّطًا له بعد أن سحبت حكومة ولاية بريمن ومؤسسة هاينريش بول المرتبطة بالحزب الأخضر مشاركتها بسبب مقال كتبته جيسن قارنت فيه بين غزو غزة وتصفية غيتو وارسو، كما أُلْغِيَتْ أُستاذية الفيلسوفة الأمريكية اليهودية نانسي فريزر في جامعة كولونيا بسبب رسالة تضامن مع سكان غزة، وقدرت الباحثة إميلي ديش بيكر أن ما يقرب من ثلث أولئك الذين ألغيت مناصبهم علنًا في ألمانيا بسبب معاداة السامية المزعومة كانوا يهودًا، غير إن معاناة الفلسطينيين والعرب المقيمين في ألمانيا من قِبل الشرطة وجهاز القضاء والتعليم وخصوصا الإعلام ( شبيغل وبيلد والتلفزيون العمومي…) لا يمكن وصفها، لأن جميع مؤسسات ألمانيا في خدمة حلف شمال الأطلسي ومُكرّسة للدفاع عن جرائم الحرب الصهيونية… إعادة التسلح لإنقاذ الإقتصاد زاد الإنفاق العسكري في ألمانيا منذ سنوات، وخصوصًا منذ بداية الحرب في أوكرانيا سنة 2022، باتفاق ائتلاف السّلطة وأحزاب المُعارَضَة، وتحولت بعض الشركات من الإنتاج الصناعي المَدَنِي إلى الإنتاج العسكري، أعلنت شركة راينميتال، أكبر شركة لصناعة الذخائر في أوروبا، أنها ستحول الإنتاج من مصنعين يركزان حاليا في المقام الأول على قطع غيار السيارات إلى معدات الدفاع، بعد إعلان المستشار الألماني فريدريش ميرتس ( بداية آذار/مارس 2025) إنفاق مليارات اليوروهات الإضافية على الدفاع والبنى التحتية. تم طَرْحُ احتمال تحويل إنتاج بعض قطاعات الصناعات الثقيلة في أوروبا، وفي ألمانيا بشكل خاص، من صناعة الألات والتجهيزات المَدنية إلى إنتاج المُعدّات العسكرية، كخيار استراتيجي في مواجهة الأزمة التي تعيشها بعض القطاعات كالصلب والكيمياء وصناعة السيارات، في ظل الضغط الأمريكي على أعضاء حلف شمال الأطلسي ( تُشكل الدّول الأوروبية أكثر من 90% من أعضائه ) وفي ظل التّوَجُّه الأوروبي المتزايد نحو إعادة التسلح، ورُبما لا تهدف إعادة التسلح الأوروبية إلى حرب مستقبلية، ناهيك عن حرب مع روسيا أو الصّين، بل إلى مكافحة أزمة فائض الإنتاج وإعادة التصنيع في بلدان الإتحاد الأوروبي، وزيادة مبيعات الأسلحة في الخارج… في هذا السّياق أعلن الرئيس التنفيذي لشركة فولكس فاعن أوليفر بلوم، خلال مؤتمر صحفي عقده في مدينة فولفسبورغ، يوم الثلاثاء الحادي عشر من آذار/مارس 2025 ، إن الشركة العابرة للقارات منفتحة على دراسة إنتاج معدات عسكرية للجيش الألماني، كأحد الحُلُول للخروج من أزمتها، حيث واجهت شركة فولكس فاغن – منذ بداية الحرب في أوكرانيا – النتائج السّلبية لخضوع حكومة ألمانيا (ومجمل دول الإتحاد الأوروبي) للقرار الأمريكي بمُقاطعة النّفط والغاز الرُّوسِيّيْن الرّخيصَيْن، فارتفعت أسعار الطاقة وواجهت شركة فولكس فاغن انخفاضًا في صادرات السيارات من 2,4 مليون سيارة سنة 2019 إلى 1,2 مليون سنة 2024، ولم تتمكن من إنجاز انتقالها من إنتاج السيارات التقليدية إلى إنتاج المركبات الكهربائية، مما أدى إلى إعلان تسريح عشرات الآلاف ( حوالي 35 ألف عامل) وإغلاق ثلاثة من مصانعها العشرة في ألمانيا. كانت سلطات ألمانيا النازية ( 1955 – 1945) تُشجع وتدعم شركة فولكس فاغن التي تنتج السيارات وكذلك مركبات عسكرية مثل العربات الشهيرة من نوع ( ( Kübelwagen و Schwimmwagen ) ) التي استخدمها جيش ألمانيا النّازية خلال الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى العربة العسكرية Type 181 للجيش الألماني الغربي بدعم أمريكي بعد الحرب العالمية الثانية، وحافظت شركة فولكس فاغن على البُنية التّحتية وعلى القُدرات الصناعية لتحويل بعض مصانعها من إنتاج المركبات والمُعدّات المدنية إلى التصنيع العسكري، ويتميز مصنع 'فولفسبورغ' العملاق وهو أكبر مصانع مجموعة فولكس فاغن بمساحة مبنية تبلغ 1,6 مليون متر مربع، وبعض مصانع شركة فولكس فاغن، مثل مصنع 'أوسنابروك'، بالبنية الأساسية المتقدمة، مثل خطوط التجميع والقدرة الكبيرة على التصنيع والوصول إلى شبكات لوجستية واسعة النطاق (75 كيلومترا من الطرق و60 كيلومترا من خطوط السكك الحديدية في فولفسبورغ وحدها، وبعض الخصائص الأخرى التي تُساعد على التّحوّل من تصنيع المركبات المدنية إلى المركبات العسكرية، أو أو أجزاء من الشاحنات العسكرية أو المركبات المدرعة الخفيفة، وصرّح أرمين بابرغر، مدير شركة راينميتال ــ إحدى الشركات العسكرية الرائدة في أوروبا ــ 'إن مصنع أوسنابروك سيكون مناسباً جداً للإنتاج العسكري نظراً لقدرته الهيكلية'، واقترح إمكانية الاستحواذ عليه لتصنيع معدات مثل مركبة لينكس القتالية، بعد إنجاز بعض التعديلات، لأن هذه المصانع مصممة للمركبات المدنية الموجهة للسوق وليس للدبابات أو الأسلحة الثقيلة، والتي تتطلب رافعات عالية السعة ومكابس متخصصة والتعامل مع مواد مختلفة مثل الدروع، ولذلك يُتوقع أن تتكفل الدّولة والإتحاد الأوروبي بضخ استثمارات كبيرة – من المال العام – لإنجاز هذا التّحَوُّل، فضلا عن ضمان عُقود مع الجيش الألماني وجُيُوش أوروبا، مما يعني إن عسكَرَةَ الإقتصاد الألماني والأوروبي تتمّ بالمال العام، على حساب الإنفاق الإجتماعي وعلى حساب ميزانيات الصحة والتعليم والخدمات… تتعاون شركة Rheinmetall منذ سنوات مع شركة MAN Truck & Bus، وهي جزء من شركة Volkswagen القابضة من خلال شركة Traton، في إنتاج الشاحنات العسكرية، منذ عُقُود، وتقوم شركات مثل Rheinmetall و KNDS بتحويل مصانع السيارات لأغراض الدفاع، مثل استحواذ KNDS على مصنع لعربات السكك الحديدية في 'غورليتز' لإنتاج المركبات المدرعة. ألمانيا تستخدم الذكاء الاصطناعي لمحو الخطاب المؤيد للفلسطينيين كانت ألمانيا – ولا تزال – في طليعة الدول الغربية بشأن تبرئة جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها الكيان الصهيوني في فلسطين، وتريد تطوير ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي، وما موقف ألمانيا المناهض للفلسطينيين سوى تكرار أو نُسْخَة مُحْدَثَة لمعاداة الشيوعية، فقد ألغَت الشرطة الألمانية العديد من المؤتمرات والتظاهرات الثقافية والفعاليات والمظاهرات ضمن سلسلة من الإجراءات القَمْعِيّة ضدّ كافة أشكال التّضامن مع الشعب الفلسطيني وتتجذر حملة المطاردة ضد الفلسطينيين في ثقافة سياسية رجعية تُظْهر التّشويه المتعمّد لليسار، مقابل التسامح المُفرط، بل التواطؤ مع اليمين المتطرف، وريث النّازية، وتُلقي هذه السياسات والممارسات الضّوء على المناخ السياسي السائد في ألمانيا الغربية سابقًا، والمستمر حاليا بعد ابتلاع ألمانيا الشرقية وإعادة توحيد ألمانيا الرأسمالية المُفرطة في القمع والإستغلال والرّجعية… لكن لم يقتصر الأمر على ' أنتي دويتشه' (اليمين المتطرف). فقد تبنت قطاعات واسعة من التيار الديمقراطي الاجتماعي والخضري السائد ما يمكن وصفه بـ'معاداة الفاشية من الحمقى'، وهي نزعة خالية من أي مضمون طبقي، ومستعدة للمساواة بين 'التطرفين'، مساويةً بذلك بين اليمين المتطرف الراديكالي العنيف واليسار الطبقي المؤيد للفلسطينيين. أظْهرالعدوان الصهيوني ثم الحملة الإنتخابية الألمانية الحاجة المُلِحّة إلى يسار ذي توجه طبقي، فقد تجلّى تشابك الموقف المناهض لليسار مع الموقف المتشدد المؤيد للصهيونية، واستغلت المؤسسة الحاكمة ادعاء وجود 'المعادة اليسارية للسامية' لتشويه الفكر الإشتراكي ولتشويه المناضلين المساندين لحق الشعوب في تقرير مصيرها، ونجحت في خلق شبه إجماع رجعي ( يضم أحزاب اليمين + الحزب الديمقراطي الإجتماعي والخُضْر ودي لينكه…) يُطبق الليبرالية الاجتماعية في أحسن الحالات واستبعاد أي موقف مناهض للنيوليبرالية والنّزعة العسكرية، وجعل تهمة 'معاداة السامية' أداة للهيمنة وأداة لخدمة سياسات مُعادية للإشتراكية وللمساواة ولليسار بشكل عام وهي تهمة تستهدف شريحةٍ واسعةٍ من الطبقة العاملة ذات الأصول العربية أو التركية، وفصلها عن بقية مكونات الطبقة العاملة في ألمانيا وأوروبا، وترويج فكرة 'الإتحاد المُقدّس' بين العمال الألمان ورؤسائهم وجهاز الدولة ضد 'معاداة السامية المستوردة'، تمثل تهمة 'معاداة السامية اليسارية' عودةً إلى سنوات القمع ومطاردة اليسار في ألمانيا وإيطاليا ( مواطن النازية والفاشية) خلال الفترة اللاحقة للحرب العالمية الأولى ( وكذلك الثانية بدعم أمريكي) أو خلال سبعينيات القرن العشرين، لما ساعد الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في إنجاز هزيمة اليسار الراديكالي وتمهيد الطريق للمحافظين الجدد بزعامة هلموت كول، وتزامنت ملاحقة اليسار مع استخدام 'معاداة السامية' كشعار رجعي يتبناه الليبراليون والخضر والديمقراطيون الإجتماعيون في ألمانيا، مما أضفى الشرعية الأخلاقية على اليمين بأنواعه وأشكاله المختلفة وأصبحت ألمانيا قاطرة أوروبا ولكنها تُمثل النموذج الأشدّ وضوحًا على أزمة الهيمنة الليبرالية واستعداد الليبراليين في كل مكان للانغماس في العنصرية والقمع البوليسي ضدّ حركة التضامن مع فلسطين، وهي عناصر تُعزّز اليمينَ الفاشيّ الجديد، وتُضفي عليه مزيدًا من الشرعية، في ظلّ مناخٍ من الركود الاقتصادي وتنامي النزعة العسكرية… تكتيكات تحويل الأنظار إن الحكومة الألمانية الحالية ( بعد انتخابات يوم الثالث والعشرين من شباط/فبراير 2025 ) أكْثَرَ قُرْبًا من الفاشية وأشدّ قَمْعًا للحركات الإجتماعية وأكثَر دَعْمًا للكيان الصّهيوني، حيث حقق حزب الديمقراطيين المسيحيين النّصْرَ بزعامة فريدريش ميرز الذي هدّد بقمع أكثر قسوة ضد حركة الإحتجاج على الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، خلال مؤتمر صحفي في مقر الحزب الديمقراطي المسيحي في برلين (وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. 24 شباط/فبراير 2025)، وصرّحت فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، خلال ندوة صحفية في مكتب إحدى الصحف في برلين، الذي كان مُحاصَرًا من قِبَلِ أفراد شرطة مكافحة الشغب: 'إن 75 ساعة قضيتها في هذا البلد جعلتني أشعر بالتوتر الشديد… إن الوضع سيئ للغاية فيما يتصل بحرية التعبير في كل مكان تقريباً، ولم أشعر قط بهذا الشعور بنقص الأكسجين كما أشعر به هنا في ألمانيا' كان من المُقرّر أن تُلقي فرانشيسكا ألبانيز، المقرر الخاص للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، محاضرة حول 'الاستعمار وحقوق الإنسان والقانون الدولي' في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في مدينة ميونيخ الألمانية والتحدث إلى جانب مدير الهندسة المعمارية الجنائية إيال وايزمان في جامعة برلين الحرة، وألغت الجامعتان هذه الفعاليات، تحت ضغط شديد من الشرطة ووسائل الإعلام ورئيس بلدية برلين والسفير الصهيوني، كما تعرض مكان آخر ( كان يستعد لاستقبال مقررة الأمم المتحدة) للتخريب برسومات صهيونية وتلقت إدارته مكالمات هاتفية مُهَدّدة من سلطات الدولة، وطارد ضباط شرطة برلين هذه المسؤولة الكبيرة في مجال حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ( فرنشيسكا ألبانيز) في جميع أنحاء العاصمة وطالبوا بدخول مقر صحيفة 'يونغ فيلت' اليومية اليسارية، مُصَمِّمِين على مراقبة خطابها بحثًا عن أي شيء قد يُعتبر معاديًا للسامية بشكل غير قانوني، وتعاملت السلطات الألمانية مع ممثلة الأمم المتحدة وكأنها ارتكبت ذنبًا، في ظل استمرار موجة القمع العارمة ضد كل أشكال التضامن مع فلسطين في ألمانيا، ونفذت الشرطة مداهمات فَجْرِيّة لمنازل العديد من العرب والفلسطينيين والمناضلين في العديد من مدن البلاد، واعتبرت أي محتج على الممارسات الصهيونية جُزْءًا من 'الذراع المتطرفة اليسارية لمعاداة السامية'، ومَنَعَت شرطة برلين اللغة العربية في المظاهرات المناهضة للحرب ( حاولت شرطة فرنسا القيام بنفس الشيء) وبدأت تحقيقات جنائية ضد المخرج من هونغ كونغ جون لي، الذي استخدم العبارة المحظورة قانوناً 'من النهر إلى البحر' أثناء خطاب ألقاه في مهرجان برلين السينمائي. لم تُغيّر المذابح والمجازر والدّمار الذي حل بالشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية ولبنان على مدى الثمانية عشر شهراً الماضية، مواقف النخب السياسية في ألمانيا – ولو على مستوى الخطاب أو المظاهر – بذريعة 'التكفير عن الجرائم التاريخية التي ارتكبتها النازية ضد اليهود'، واستمرت الحكومات الألمانية الحالية والسابقة في معارضة كل الجهود التي تبذلها المحاكم الدولية لمحاسبة الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، واستمرت السلطات والأحزاب والبرلمانيون ووسائل الإعلام في ألمانيا في تأييد الدّعم العسكري (تُعتبر ألمانيا ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى الكيان الصهيوني ) والسياسي والإيديولوجي والإعلامي للكيان الصهيوني وإسكات أي معارضة داخلية، سواء في الشوارع أو في المسارح والمعارض الفنية أو في الأوساط الأكاديمية، ودعا الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر والديمقراطيون الأحرار والديمقراطيون المسيحيون – خلال الحملة الإنتخابية 2025 – إلى اتباع نهج العمل المعتاد في التعامل مع السياسة الخارجية تجاه الكيان الصهيوني، وأيدت برامجهم الانتخابية حل الدولتين، ولم تذكر الأحكام الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ضد الكيان، ووصفت جميع هذه الأحزاب دعم ألمانيا للكيان الصهيوني بأنه ' حق إسرائيل في الوجود غير قابل للتفاوض'، ولم يتطرّق برنامج الديمقراطيين المسيحيين ( الذي حصل على أكبر نسبة من الأصوات) ولو إلى غزة أو معاناة الفلسطينيين، وأوصى برنامجه 'بإلغاء الإقامة أو وضع اللجوء في حالة ارتكاب جريمة معادية للسامية'، وجعل 'الإعتراف بإسرائيل شرطاً للتجنس'. واقترح 'تجريد المواطنين المزدوجي الجنسية من الجنسية الألمانية بسبب الإحتجاج ضد إسرائيل'. من مُعاداة اليهود إلى دعم الصهيونية عند الحديث عن العلاقات المتطورة بين ألمانيا والكيان الصهيوني يتم طَمْس الوقائع التاريخية المتعلقة بتعاون الحركة الصهيونية مع السلطات النازية لإرسال اليهود الألمانيين إلى فلسطين لزيادة عدد المُستعمِرِين المُسْتوطنين اليهود، مقابل استخدام الأموال المُصادَرَة من اليهود الألمانيين لشراء مُعِدّات ألمانية وإرسالها إلى فلسطين التي كانت تحتلها بريطانيا. يُصادف يوم الإثنين 12 أيار/مايو 2025 الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الكيان الصهيوني والمانيا الإتحادية ( ألمانيا الغربية التي ابتلعت ألمانيا الشرقية بعد انهيار جدار برلين) وبالمناسبة زار الرئيس الصهيوني إسحق هرتسوغ ألمانيا في ذروة العدوان والإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وسوف يزور الرئيس الألماني حُلفاءه في تل أبيب في وقت لاحق وتتضمن زيارة مُستوطنات ' للتأكيد على المسؤولية التاريخية لألمانيا، إحدى أشد داعمي الدولة العبرية'، وأعلن المستشار فريدريش ميرتس 'إن الدعم لإسرائيل يظل من المبادئ الأساسية للسياسة الألمانية'، رغم الإتهامات الموجهة للكيان الصهيوني من العديد من الدول والمجموعات الحقوقية بارتكاب الإبادة ورغم إصدار المحكمة الجنائية الدولية ( سنة 2024 ) مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الصّهيوني وزعماء آخرين، بل دعمت ألمانيا المواقف والممارسات الإجرامية الصهيونية في الأمم المتحدة والمحاكم الدّولية، وفي تلك الأثناء شهدت المانيا صعود حزب 'البديل من أجل ألمانيا' اليميني المتطرف الذي حصل على 20% من أصوات النّاخبين، والذي شكك عدد من كبار شخصياته في 'ثقافة الذاكرة' الجماعية للتكفير عن جرائم النازية، وفق وكالة رويترز بتاريخ 12 أيار/مايو 2025، وبدل مكافحة اليمين المتطرف والتّنديد بالجرائم الصهيونية، ركّزت معظم الأحزاب والهيئات والمؤسسات الإعلامية الألمانية على مواضيع مُختلقة مثل 'تصاعد معاداة السامية، سواء من اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف أو من مهاجرين من دول عربية وإسلامية'، وكرّر المستشار فريدريش ميرتس يوم تنصيبه ( الثلاثاء 06 أيار/مايو 2025) ' إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد الهجوم الوحشي الذي شنّه إرهابيو حماس يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وما أعقبه… لكن على إسرائيل أيضا أن تبقى دولة تفي بالتزاماتها الإنسانية، لا سيما وأن هذه الحرب المروعة تستعر في قطاع غزة حيث تجري هذه المواجهة مع إرهابيي حماس'، وزار وزير الخارجية يوهان فادفول فلسطين المحتلة يوم الأحد 11 أيار/مايو 2025، يتجاوز التّقارب بين ألمانيا والكيان الصهيوني مسألة اضطهاد اليهود من قِبَل النّازية، فالتعاطف يشمل الجانب العقائدي والتّاريخي، وخلافًا لما تُرَوّج الدّعاية الرّسمية فإن لألمانيا ماض حافل بالمجازر وعمليات الإبادة الجماعية في إفريقيا خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى، ، تطبيقًا لنظرية 'التّفَوُّق العِرْقِي'، وقتل ثلاثة أرباع شعب هيريرو في ناميبيا ( خصوصًا بين 1904 و 1908) و زَنْزِبار (تنزانيا حاليا) والكامرون و طوغو و سييرا ليوني وبعض مناطق وجُزر المُحيط الهادئ، وحصلت الإبادة التّركية للأرمن ( سنة 1915) بإشراف خُبراء الإبادة الجماعية والمُستشارين الألمان، ولذا ليس من الغريب أن تدعم السلطة الألمانية ( سواء كانت الأغلبية البرلمانية للديمقراطية الإجتماعية وحلفائها من الخُضر أو الدّيمقراطية المسيحية وحلفائها الأشدّ يمينِيّةً) الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية وأن تَقْمَعَ التظاهرات بدعم علني أو ضمْنِي أو خَفِي من اليسار الألماني والمنظمات التابعة له ( مؤسسة روزا لوكسمبورغ أو هاينريش بول )، وعمومًا لا تزال الإيديولوجيا السائدة في ألمانيا تُمجّد العنصرية وتدعم الإستعمار الإستيطاني الصهيوني وما ينشأ عنه من مجازر وإبداة البشر وتدمير البنية التحتية والمباني والأراضي الزراعية وكافة سُبُل العيش، وساهمت الطّوائف المسيحية البروتستنتية الألمانية في الإستعمار الإستيطاني لفلسطين منذ القرن التاسع عشر ( قبل المستوطنات الصهيونية) تُسدّد ألمانيا، منذ سنة 1953، ما يعادل 3,5 مليارات يورو سنويا للكيان الصهيوني الذي نصّبته الدّول الإمبريالية ناطقًا باسم جميع يهود ومُمثلا لهم، بمن فيهم مواطني الدّول الإمبريالية نفسها، فضلا عن العلاقات العسكرية الوثيقة، واشترى الكيان الصهيوني أسلحة ألمانية متطورة، وبالأخص غواصات ألمانية قادرة على حمل صواريخ برؤوس نووية، بأقل من ثُلُثَيْ ثمنها المُعْلَن، فيما اشترت برلين أنظمة دفاع جوي صهيونية، ونظرًا للحملات الإعلامية المستمرة والدّاعمة للكيان الصهيوني، فإن كل الأحزاب البرلمانية تدعم الكيان الصهيوني وحلف شمال الأطلسي وكافة الحروب العدوانية الأمريكية، غير إن الدّعم الشّعبي المُطلق للكيان الصهيوني ترَاجَعَ في ألمانيا من 46% سنة 2021 إلى 36% سنة 2025 وفق استطلاع أجرته مؤسسة بيرتلسمان ونشرته مجلة دير شبيغل الأسبوعية الإخبارية خلال الأسبوع الثاني من شهر أيار/مايو 2025… تتمثل المشاغل الحقيقية للطبقة العاملة وللكادحين والفُقراء في ألمانيا في ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأساسية الضرورية وقلة المساكن الشعبية بإيجارات ميسورة، لذا طالبت بعض مجموعات الشباب بحظر رفع الإيجارات، ودَعَتْ إلى التضامن بدل التّقسيم ومحاربة الفُقراء وإلى الدعم الواضح لحقوق المهاجرين لأن الإنتهاكات تبدأ بالمهاجرين (والفئات الأشد هشاشةً وضُعْفًا) لتمْتَدَّ إلى بقية فئات المُجتمع، ومناهضة حلف شمال الأطلسي وإدانة إبادة الكيان الصهيوني للشعب الفلسطيني… خاتمة: بعد اتفاقية ماستريخت الأوروبية في بداية تسعينيات القرن العشرين، وإقرار استخدام العُمْلَة الأوروبية المُوَحَّدَة (اليورو) في بداية القرن الواحد والعشرين، تراجعت الصناعة، واتّسعت الفجوة وعدم المساواة بين الدول الأوروبية، وتسببت حرب أوكرانيا في تدهوَر وضع أوروبا، فقد خطّطت الولايات المتحدة للحرب منذ سنة 2014، وتحمّلت أوروبا نفقات الحرب والتّأثيرات الإقتصادية السّلبية جرّاء وقف استيراد الغاز الروسي الرخيص وعالي الجودة، وتضرّر الإقتصاد الألماني أكثر من غيره، غير إن ألمانيا لا تزال تقود أوروبا، ربما نحو الهاوية، بإشراف الولايات المتحدة التي فرضت إعادة هيكلة أوروبا تحت إشرافها أو وصايتها. رَفَضَتْ دول الإتحاد الأوروبي مُشاركة روسيا احتفالات الذّكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية يوم الثامن من أيار/مايو 1945 – 2025، وأهملت الاحتفالات 'الغربية' الدَّوْرَ الحاسِمَ للجيش السوفييتي في هزيمة ألمانيا النازية وتحرير الأسرى والمُعتقلين في محتشداتها، وتم إقصاء روسيا ( التي يعتبرونها، خَطَأً، وريثة الإتحاد السوفييتي) في حين تتم إعادة تسليح وعَسْكَرة ألمانيا التي تُهيمن على أوروبا اقتصاديا وسياسيا ( المصرف المركزي الأوروبي في فرنكفورت وترأس وزيرة الحرب الألمانية السابقة أرسولا فون دير لاين المفوضية الأوروبية) وقد يصبح جيشها أقوى جيش أوروبي، وفق تصريح المُستشار فريدريش ميرز في بيانه الحكومي، يوم 14 أيار/مايو 2025، حيث أعلن 'إن ألمانيا ستبني أقوى جيش في أوروبا'، ويُمثل حزب النّازيين الجُدُد ( حزب البديل من أجل ألمانيا) ثاني أقوى حزب في الساحة السياسية الألمانية ( بفارق ضئيل عن الحزب اليميني الذي يسبقه) وهو يُمثل تهديدًا للقوى الدّيمقراطية في ألمانيا وفي أوروبا بدعم من الليبراليين الجدد الذي يحكمون الولايات المتحدة، فقد عَبَّرَ نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس – في ميونيخ بألمانيا – عن دعمه حزب البديل من أجل ألمانيا 2025-06-27 The post ألمانيا رأس حِرْبة الإمبريالية الأوروبية ( 2)!الطاهر المعز first appeared on ساحة التحرير.