
لماذا تعد سويسرا من بين أسرع الدول ارتفاعا بدرجات الحرارة؟
كان يونيو/حزيران 2025 ثاني أكثر الشهور حرارة في سويسرا منذ بدء قياس درجات الحرارة عام 1864. كما سُجِّلت درجات حرارة قصوى في دول أخرى، من أوروبا إلى الولايات المتحدة.
يؤثر ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ الناجم عن أنشطة الإنسان على جميع مناطق الكوكب، ومع ذلك، ترتفع درجات الحرارة في بعض الدول أكثر من غيرها. ففي سويسرا، يتسارع الاحتباس الحراري بمعدل أسرع بمرتين من المتوسط العالمي، وفقا للمكتب الاتحادي للأرصاد الجوية وعلم المناخ (ميتيو سويس).
كما يؤثر ارتفاع درجات الحرارة في سويسرا على السكان والأنشطة الاقتصادية والمناظر الطبيعية وذوبان الثلوج والأنهار الجليدية. وتُشكل موجات الحر الشديدة والمتكررة خطرا صحيا جسيما، كما تُهدد الحرارة المحاصيل الزراعية والنشاط السياحي. وفي الجبال، تذوب الأنهار الجليدية والتربة الصقيعية، ويتزايد خطر الكوارث الطبيعي.
وكان ارتفاع درجة الحرارة في سويسرا ملحوظا بشكل خاص بين عامي 2015 و2024. وانتهت هذه الفترة بتسجيل البلاد أعلى 3 سنوات حرارة على الإطلاق (2022 و2023، و2024). وكان متوسط درجة الحرارة في هذه الفترة أعلى بمقدار 2.3 درجة مئوية من متوسط الفترة من 1951 إلى 1980.
وتُعدّ سويسرا من أسرع دول العالم ارتفاعا في درجات الحرارة وفقا لبيانات الأمم المتحدة. وتندرج ضمن هذه الفئة أيضا دول البلطيق، وروسيا، ودول أوروبا الوسطى، ودول الخليج العربي. وتتصدر القائمة مجموعة من الجزر المغطاة بالجليد، تُعرف باسم سفالبارد، والتابعة للنرويج.
إعلان
ويعزى ارتفاع درجات الحرارة في سويسرا بشكل أسرع من البلدان الأخرى لكونها دولة غير ساحلية، ولا تستفيد من تأثير المحيطات العازل، القادر على امتصاص كميات كبيرة من الحرارة. عالميا، ترتفع درجة حرارة القارات أكثر من المحيطات.
كما يلعب ارتفاع جبال الألب وتضاريسها دورا محوريا. إذ يذوب الثلج والجليد بوتيرة أسرع فأسرع، مما يُقلل من قدرة الأرض على عكس ضوء الشمس إلى الفضاء، أو ما يُسمى "تأثير البياض".
وتميل الأسطح المكشوفة، مثل التربة والصخور التي تنطلق بفعل انحسار الأنهار الجليدية، إلى امتصاص المزيد من الحرارة. وهذا يُسرّع من ارتفاع درجة حرارة البلاد بشكل عام.
يقول أود أونترسي، عالم الأرصاد الجوية في "ميتيو سويس"، إن "النسبة الكبيرة من المناطق الجبلية هي من بين العوامل الرئيسية التي تفسر ارتفاع درجة حرارة سويسرا بشكل أسرع من البلدان الأخرى".
وتشير البيانات إلى أن درجات الحرارة ارتفعت في جميع مناطق سويسرا. لكن حرارة الجانب الشمالي من جبال الألب زادت أكثر من المناطق الجنوبية، ويُعزى ذلك إلى أن شمال جبال الألب كان يتميز قبل عام 1940 بشتاء أكثر برودة وجفافا، قبل أن تقل برودتها.
ولحقت المناطق الواقعة شمال جبال الألب، والتي بدأت بظروف أكثر برودة، بالمناطق الجنوبية، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أكبر في درجات الحرارة في الشمال بأكثر من 3 درجات مئوية، مقارنة بالجنوب (أكثر من 2.7 درجة مئوية) على مدى الـ150 عاما الماضية.
ويرى باحثون أن جهود مكافحة الضباب الدخاني ربما ساهمت أيضا في ارتفاع درجات الحرارة في سويسرا وأوروبا عموما. فالجسيمات الملوثة في الغلاف الجوي، أو الهباء الجوي، تحجب جزءا من ضوء الشمس، وقد يكون لها تأثير تبريدي على المناخ.
وفي سويسرا، تراجعت تركيزات الهباء الجوي في الأراضي المنخفضة بشكل كبير على مدى الـ60 عاما الماضية، ويرى عالم الأرصاد الجوية أود أونترسي أن ذلك أدى إلى انخفاض الضباب والغيوم على ارتفاعات منخفضة فوق الهضبة، مما أدى إلى زيادة الإشعاع الشمسي.
وتشهد سويسرا جراء الحرارة الزائدة ذوبانا سريعا للأنهار الجليدية بسبب التغيرات المناخية، حيث فقدت أنهارها الجليدية حوالي 10% من حجمها بين عامي 2022 و2023. وكان انهيار نهر بيرش الجليدي في جبال الألب تحذيرا مقلقا حول خطورة ارتفاع درجات الحرارة في البلد السياحي.
وتشير البيانات إلى أن درجات الحرارة في سويسرا ستستمر في الارتفاع بشكل أسرع من أي مكان آخر، وسيتعين على البلاد التكيف مع مناخ مختلف بشكل متزايد عن الماضي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
"المذنب الضيف" الذي يمر بالأرض قريبا عمره 7 مليارات سنة
وفقًا لعالم الفلك ماثيو هوبكنز من جامعة أكسفورد، والذي يناقش نتائج دراسة جديدة في الاجتماع الوطني لعلم الفلك التابع للجمعية الفلكية الملكية في مدينة دورهام الإنجليزية، فإن الضيف الذي يمر قريبا من الأرض (على مسافة آمنة) خلال عدة أشهر، سيكون أبرز زائر "بين نجميّ" للأرض حتى الآن، لأنه الأقدم عمرا على الإطلاق. وكانت وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) قد أكدت اكتشاف جرم فضائي جديد يتسلل إلى داخل نظامنا الشمسي من أعماق الفضاء البين نجمي. هذا الجرم الذي أطلق عليه اسم "3 آي-أطلس" هو ثالث زائر معروف لنا من خارج النظام الشمسي، بعد "أومواموا" عام 2017 و"بوريسوف" عام 2019. ويعتقد الباحثون أن "3 آي-أطلس" يحتوي على نسبة عالية من الجليد، وهذا ما يفسر ظهور "هالة" غازية من حوله عند اقترابه من الشمس، كما أن أرصاده بدأت تشير إلى نشاط تبخري واضح وذنب، وربما يكون أكبر من الجرمين السابقين. رُصد "3 آي-أطلس" أول مرة في الأول من يوليو/تموز 2025 بواسطة تلسكوب أطلس في تشيلي، حيث ظهر كنقطة ضبابية تتحرك بسرعة غير عادية مقارنة بالكويكبات والمذنبات المحلية. وإليك فيديو قصير من المرصد الأوروبي الجنوبي يوضح مسار "3 آي-أطلس" كما رصده العلماء: أقدم من النظام الشمسي وبعد متابعة دقيقة، أعلن العلماء أن مدار الجرم يتخذ شكل قطع زائد، أي إنه لا يدور حول الشمس مثل كواكبنا، بل يعبر النظام الشمسي في طريقه إلى الخارج مرة أخرى. وفي دراسة هوبكنز ورفاقه، تبين أن "3 آي-أطلس" قديم جدا، حيث قدر عمره بأكثر من 7 مليارات سنة، أي أقدم بنحو 3 مليارات سنة من عمر نظامنا الشمسي (حوالي 4.5 مليارات سنة) ويقول هوبكنز ورفاقه في دراستهم إن هناك احتمالا بنسبة حوالي 66% أن هذا المذنب أقدم من نظامنا الشمسي. يأتي ذلك نتيجة لدراسة دقيقة للمسار الحاد لهذا الجرم في المجرة، الذي يشير إلى أنه جاء من "القرص السميك" لمجرة درب التبانة، وهو منطقة تضم نجومًا قديمة جدا. وقد أثبت للعلماء أن العديد من المجرات الحلزونية مثل مجرتنا تحتوي على أقراص تتكون من مجموعتين من النجوم مختلفتين من الناحية الحركية والكيميائية، يحتوي القرص الأضيق (القرص الرفيع) على الغبار والغاز بالإضافة إلى النجوم، في حين أن القرص السميك الأوسع يتكون بالكامل من النجوم. يبلغ سمك القرص الرفيع لمجرتنا ما بين 980 و1300 سنة ضوئية فوق المستوى المجري وتحته، بينما يبلغ سمك القرص السميك ما بين 3300 و4900 سنة ضوئية فوق المستوى المجري وتحته. وتختلف الأقراص السميكة والرقيقة أيضًا في مجموعاتها النجمية، فتحتوي الأقراص الرقيقة على نجوم شابة، في حين أن النجوم في الأقراص السميكة يصل عمرها إلى مليارات السنوات، ويُعتقد أن القرص السميك لمجرتنا تشكل في وقت مبكر من تاريخ المجرة ثم توقف عن تكوين النجوم، ولكن القرص الرفيع بدأ في التشكل في وقت لاحق ويستمر في تكوين النجوم حتى يومنا هذا.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
طريقة ألمانية تقلل استهلاك الطاقة في الذكاء الاصطناعي 100 مرة
نجح فريق بحثي من جامعة ميونخ التقنية في تطوير طريقة جديدة لتدريب الشبكات العصبية الصناعية بدون الحاجة إلى الحوسبة المكثفة المكلفة في الطاقة والموارد. ووفقا للنتائج التي عُرضت في مؤتمر "نيور آي بي إس 2023" وفي الدراسة المنشورة حديثا، فإن هذه الطريقة الجديدة لا تعتمد على أساليب التحسين التقليدية، بل تتبع نهجا جديدا يجعلها أسرع بنحو 100 مرة، وبالتالي تكون أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة. ويقول محمد خليف أستاذ علوم الحاسب في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بمصر في تصريحات حصرية للجزيرة نت "يمكن اعتبار هذه المنهجية تغييرا جذريا، ولكنها لا تزال في بدايتها، إنها أشبه بشخص يفهم جيدا ويعرف أين يبحث ليجد الإجابة، معتمدا على تخمين ذكي، وقد تمثل نقلة من الاعتماد على كمّ البيانات إلى التركيز على نوعية وذكاء عملية التعلم". عقل حاسوبي بتكلفة باهظة أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل النماذج اللغوية الضخمة "شات جي بي تي" و"جيميناي" وغيرها جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وتوفر مراكز البيانات -التي تستهلك كميات هائلة من الطاقة- قدرات الحوسبة والتخزين والنقل اللازمة لعمل تلك النماذج. وفي ألمانيا وحدها، بلغ هذا الاستهلاك نحو 16 مليار كيلوواط/ ساعة في عام 2020، أي ما يعادل قرابة 1% من إجمالي استهلاك الطاقة في البلاد، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 22 مليار كيلوواط/ ساعة العام الجاري. الشبكات العصبية هي الأساس الذي تقوم عليه مهام تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة مثل الترجمة الآلية والتعرف على الصور والنماذج اللغوية الضخمة، وتعمل من خلال مجموعة ضخمة من "العُقد" أو "الخلايا العصبية" الصناعية المترابطة، حيث يتم تمرير الإشارات وتعديلها بناء على "أوزان" محددة. وعادة ما تكون عملية "تدريب" هذه الشبكات مكلفة وطويلة، إذ تعتمد على إعطاء الشبكة آلاف أو ملايين الأمثلة، وتحديث الأوزان تدريجيا عبر عمليات حسابية مكررة تتطلب قوة حوسبة هائلة. وتتم عملية التعلم هذه من خلال وجود نموذج رياضي أو احتمالي في القلب من الشبكة العصبية تتم تغذيته بكميات كبيرة من الأمثلة، ويتعلم النموذج من هذه الأمثلة وينشئ أنماطا أو نماذج داخلية، بحيث إذا واجه بيانات جديدة شبيهة أو مقاربة لهذه الأنماط يستطيع تصنيفها بدقة، بحسب خليف. ويضيف خليف "يمكن تشبيه ذلك بعملية تعلم الطفل الصغير الذي يكتسب الخبرات والتجارب من خلال ملاحظة وسماع وتكرار الأحداث المحيطة به، مثل تناول الطعام، ومراقبة أفعال والديه وأصدقائه، ومشاهدة التلفزيون، ويكتسب الطفل الخبرات باستمرار، مما يمكنه لاحقا من فهم الأمور بنفسه بناء على المعلومات التي تلقاها سابقا". الكيف وليس الكم وبدلا من توزيع الأوزان في النماذج الرياضية عشوائيا أو تحسينها تكراريا تعتمد الطريقة الجديدة على تحديد النقاط الأكثر تأثيرا في بيانات التدريب، وتحديدا تلك التي تُظهر تغيرات سريعة في القيم أو الفئات، أي ذات التأثير الأقوى، وبالتالي تُستخدم هذه النقاط لتوليد الأوزان مباشرة دون الحاجة إلى التدريب التكراري التقليدي، مما يجعل عملية تحديد الأوزان الضرورية للنموذج تتم بأقل قدر من القدرة الحاسوبية، وهو ما يتيح تدريب الشبكات العصبية بسرعة أكبر وباستهلاك أقل للطاقة. ومع تعقّد التطبيقات الحديثة -من السيارات ذاتية القيادة والمساعد الذكي إلى الطب الشخصي- يصبح تقليص زمن التدريب واستهلاك الطاقة أولوية، إذ لا تعتمد الطريقة الجديدة على تغذية النموذج بكل الأمثلة الممكنة كما هو الحال في النهج التقليدي. ويقول خليف "الطريقة الاحتمالية الجديدة أشبه بشخص يستطيع استخدام حدسه وخبراته ليركز على الاحتمالات الأكثر ترجيحا بدلا من تجربة كل شيء، فبدلا من المحاولة في كل الاتجاهات الممكنة يحاول النموذج السير في الاتجاه الصحيح منذ البداية"، وهذا لا يعني فقط تقليل الجهد، بل أيضا تقليل استهلاك الطاقة والموارد وجعل الذكاء الاصطناعي أكثر استدامة. وأظهرت تجارب الفريق البحثي أن النموذج الناتج عن هذه الطريقة يحقق دقة مماثلة تقريبا لتلك التي تحصل عليها من خلال التدريب التقليدي، بل ويتفوق عليها في بعض المهام، كما أن الوقت اللازم لبناء الشبكة يمكن أن ينخفض من ساعات أو أيام إلى دقائق أو ثوانٍ دون الحاجة إلى حواسيب فائقة. حرمان من الذكاء الاصطناعي ويقول خليف "من الممكن أن يصبح مجال الذكاء الاصطناعي أكثر شمولا وتنوعا، وأن تتقلص الفجوة بين الدول المتقدمة والدول غير المتقدمة في هذا المجال"، إذ إن واحدة من أهم مزايا هذه المنهجية الجديدة هي ديمقراطيتها، فمن خلال تقليل الحاجة إلى حواسيب عملاقة وشرائح متقدمة وطاقة هائلة تفتح تلك المنهجية الجديدة الأبواب أمام باحثين من جامعات في دول نامية أو حتى أفراد بموارد محدودة للولوج إلى عالم الذكاء الاصطناعي وبناء نماذجهم الخاصة. لكن رغم الإمكانيات الواعدة هناك بعض القيود، فحتى الآن لا يمكن استخدام هذه المنهجية بطريقة مباشرة مع بعض أنواع الشبكات العصبية المخصصة لتحليل الصور والفيديوهات والتعرف على الوجوه أو لتلك المخصصة لمعالجة اللغة الطبيعية. ومع ذلك، يعتقد الباحثون أن النهج الجديد يمكن أن يُستخدم كنقطة انطلاق للتدريب، مما يوفر الوقت والموارد في المراحل الأولى. ويختم خليف "إذا أثبتت هذه المنهجية نجاحها في التطبيقات الواقعية فبالتأكيد سترغب كل شركة وكل صناعة في استخدامها، كما ستفيد الشركات الصغيرة، وقد تصبح متاحة للاستخدام في المنازل والهواتف المحمولة ولدى الأشخاص العاديين". إن الجمع بين الكفاءة في الأداء والبساطة في التنفيذ دون التفريط في الدقة هو لب التطوير، ففي عالم يتزايد اعتماده على تقنيات الذكاء الاصطناعي يعد تقليل الأثر البيئي وتوسيع دائرة المشاركة البحثية رهانا حقيقيا على مستقبل أكثر استدامة وعدالة. ومع استمرار التجارب والتقييمات ربما نجد قريبا نماذج مدعومة بهذه المنهجية في هواتفنا وسياراتنا وحياتنا اليومية بذكاء لا يستهلك الكوكب، بل يخدمه.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
كارثة علم الفيزياء.. هل نعيش في "فقاعة كونية" كبيرة؟
على مدى عقود، ظل ما يسمى "توتر هابل" أحد أعقد الألغاز التي تؤرق علماء الكونيات أثناء محاولتهم قياس سرعة تمدد الكون. وتعتمد هذه قياسات التي يجريها العلماء لحساب سرعة الكون على تقنيتين رئيسيتين: الأولى تستند إلى بيانات مأخوذة من المراحل المبكرة جدا لتاريخ الكون، مثل إشعاع الخلفية الكونية، في حين ترتكز الثانية على رصد المجرات القريبة والنجوم المتغيرة في الكون المحلي (القريب من مجرتنا). أصل التوتر المدهش والمثير لانتباه العلماء دوما كان أن نتائج الطريقتين تختلف بشكل واضح رغم تكرار التجارب وتحسين دقتها، إذ يقاس تمدد الكون بما يُعرف بـ"ثابت هابل-ليميتر"، وهو مقياس يحدد السرعة التي تتباعد بها المجرات عن بعضها البعض. وعند حساب هذا الثابت استنادا إلى البيانات الكونية القديمة، تُقدّر القيمة بنحو 244 ألف كيلومتر في الساعة لكل مليون فرسخ فلكي (ما يعادل نحو 3.2 ملايين سنة ضوئية). أما إذا استُند إلى قياسات المجرات الأقرب إلينا في الزمان والمكان، فإن القيمة ترتفع إلى 264 ألف كيلومتر تقريبا لنفس المسافة. هذا الفارق -الذي لا يمكن تفسيره بسهولة- يفتح باب التساؤلات حول ما إذا كنا نواجه حدودا في فهمنا لطبيعة الكون أم أننا على أعتاب اكتشافات جديدة تغير قواعد الفيزياء كما نعرفها. فقاعة كونية وتقدم دراسة جديدة، عُرضت خلال اجتماع الجمعية الفلكية الملكية لعام 2025 في مدينة دورام البريطانية، فرضية جريئة، تقول إننا، نحن والكوكب الأرضي، بل مجرتنا درب التبانة، نعيش داخل "فقاعة كونية" ضخمة، قد تكون السبب في أننا نُلاحظ توسعا أسرع للكون محليا مقارنة بما يُحسب من النموذج الكوني التقليدي. ويفترض الباحثون أن قُطر هذه الفقاعة يساوي حوالي مليار سنة ضوئية، وكثافتها أقل بنحو 20% من متوسط كثافة الكون ككل. وبحسب الدراسة، يؤدي وجودنا في مركز الفراغ إلى تدفق المادة خارجه نحو الخارج، وهذا يجعل سرعتنا النسبية (أي السرعة داخل الفقاعة مقارنة ببقية الكون) أكبر، فيعطي ذلك انطباعا بتوسع محلي أسرع، إلا أن السرعة في الأصل متطابقة بين الكون المبكر والمحلي. يوضح الدكتور إندرانيل بانيك، من جامعة بورتسموث في تصريح حصلت الجزيرة نت عليه نسخة منه: "أحد الحلول المحتملة لهذا التناقض (يقصد توتر هابل) هو أن مجرتنا قريبة من مركز فراغ محلي كبير". ويضيف: "سيؤدي ذلك إلى سحب المادة بفعل الجاذبية نحو الجزء الخارجي عالي الكثافة من الفراغ، وهذا يؤدي إلى أن يصبح الفراغ أكثر فراغا مع مرور الوقت، ومع هذا التوجه، ستكون سرعة الأجسام بعيدا عنا أكبر مما لو لم يكن الفراغ موجودا. وهذا يُعطي انطباعا بمعدل تمدد محلي أسرع". ويوضح بانيك أنه من تلك النقطة، فإن "توتر هابل ظاهرة محلية إلى حد كبير". أصداء الانفجار العظيم وجدت هذه الفرضية الجديدة دعما بسبب الاتفاق مع ما يسميه العلماء "التذبذبات الصوتية الباريونية"، ولفهمها تخيل الكون في لحظاته الأولى (قبل 13.8 مليار سنة) كـ"حساء ساخن وكثيف" مليء بالجسيمات دون الذرية، بما في ذلك فوتونات الضوء. في ذلك الوقت، كانت هناك موجات صوتية تنتشر عبر هذا الخليط بسبب التفاعلات بين المادة والضوء، مثل التموجات في بركة ماء. وبعد حوالي 380 ألف سنة من الانفجار العظيم، برد الكون بما يكفي لكي يطلق الضوء بحرية (وهو ما نراه اليوم كالخلفية الإشعاعية الكونية)، وعند هذه اللحظة، توقفت هذه الموجات الصوتية، لكن "الأصداء" أو الآثار المتبقية لهذه التموجات بقيت محفوظة في توزيع المجرات. ويستخدم العلماء هذه الأصداء الكونية لمقارنة المسافة بين المجرات لأنها تترك ما يشبه البصمة في العلاقة بين المسافة وما يسمى بالانزياح الأحمر، لكن إذا كنا داخل فراغ كوني ضخم، فإن ذلك يجعل بيانات لتذبذبات الصوتية الباريونية "منحنية" قليلا مقارنة بالتوقعات العادية. وبحسب الدراسة، فإن هذا الانحناء في البيانات قد لوحظ بالفعل في دراسات الكون المحلي، وبدراسة قياسات لتذبذبات الصوتية الباريونية المتاحة على مدار الـ20 عاما الماضية، أظهر الفريق البحثي أن نموذج الفقاعة أكثر احتمالا بحوالي 100 مليون مرة من نموذج اللافقاعة. كارثة علم الكونيات توتر هابل هو كارثة علم الكونيات الحالية، لأن ثابت هابل يسري حكمه على كل ما هو كوني، فهو يحدد المعدل الذي يتوسع من خلاله الكون، وبالتالي يرشدنا إلى معرفة عمره، ويرسم الجدول الزمني لتتالي الأحداث فيه وصولا إلى حجمه الحالي والمستقبلي. كما أنه يساعد العلماء على تقدير المسافات إلى الأجرام الأخرى في جميع أنحاء الكون. إلى جانب ذلك، فإن قيمة ثابت هابل تساعد العلماء على فهم خصائص الطاقة المظلمة والمادة المظلمة، وهما مكونان غامضان يمثلان 95% من تركيب هذا الكون، لا يعرف العلماء عنهما إلا أقل القليل. والخلل في ذلك معضلة، حيث أدى إلى انقسام في المجتمع العلمي بين مَن يرى أن المشكلة في البيانات أو الإحصاءات أو الأساليب المستخدمة لقياس الثابت، وبين مَن يعتقد أن الخلل امتد إلى النظرية نفسها أو قُل النموذج والأساس النظري الذي تعتمد عليه تلك القياسات أو حتّى فيزياء الكونيات من الأساس، التي تبني نفسها على نتائج النظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين. ويعد "بافيل كوروبا"، الأستاذ بمعهد هيلمهولتز للإشعاع والفيزياء النووية بجامعة بون الألمانية، واحدا من أولئك الذين يعتقدون أن الخلل يكمن في الأساس النظري، وبالتالي هو أحد العلماء الذين يكرسون أنفسهم لحلٍّ لهذه الكارثة، عبر وضع نظرية بديلة. وأوضح كوروبا في تصريحات للجزيرة نت أنه "يمكن تفسير توتر هابل عبر دراسة اختلاف كثافة المجرات، فمجرتنا توجد في منطقة من الكون ذات كثافة مجرية منخفضة نسبيا". وتأتي فكرة كوروبا التفسيرية هذه في إطار دراسة نشرها في 2023 بصحبة فريق من الباحثين في دورية "مونثلي نوتيس" التابعة للجمعية الفلكية الملكية، وتشير الورقة إلى أننا نسكن داخل فقاعة كونية هائلة، بما يتفق مع افتراض الدراسة الأخيرة. تحديات ليست بالسهلة الفرضية الجديدة التي تعتمد عليها الدراسة الجديدة تواجه لا شك تحديات كبيرة، فهي تتعارض مع مبدأ أساسي في النموذج القياسي لعلم الكونيات، أو اختصارا "لامدا سي دي إم". ويفترض هذا النموذج أن الكون أشبه ما يكون بحساء متجانس، موزع بشكل متساو ومتشابه في كل الاتجاهات إذا نظرنا له على مقاييس ضخمة جدا (مليارات السنين الضوئية)، بمعنى أنه لا يوجد مكان "خاص" أو منطقة فارغة تماما وأخرى ممتلئة جدا. وبالتالي، لو كان هناك فراغ ضخم جدا حولنا، فهذا يعني أن الكون غير متجانس على مقياس كبير، ومن ثم فإذا صحت الفرضية الجديدة، فإن العلماء بالتبعية سيكونون بحاجة لإعادة النظر في أسس علم الكونيات، التي بنيت عليها النظريات المعاصرة، وهذا ما يؤكد علماء مثل كوروبا ضرورة حدوثه.