logo
خطاب تبون.. شعارات للاستهلاك ومؤشرات تغيب عن الواقع

خطاب تبون.. شعارات للاستهلاك ومؤشرات تغيب عن الواقع

بلبريسمنذ 2 أيام
في خضمّ أوضاع إقليمية متقلبة وتحديات داخلية متزايدة، خرج الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مساء الجمعة، في لقاء إعلامي جديد مع ممثلي الصحافة المحلية، في موعد بات أشبه بطقس سياسي دوري خلال ولايته الثانية، دون أن يخرج عن نمطية التصريحات المألوفة، التي لا تزال تُثير الكثير من علامات الاستفهام، خصوصًا حين يتعلق الأمر بالفجوة الواضحة بين المقولات الرسمية والوقائع الميدانية.
اللافت في هذا الظهور الإعلامي، أنه تضمّن إقرارًا غير مسبوق من تبون بأن عمر الدولة الجزائرية يبدأ فعليًا سنة 1962، أي منذ تاريخ الاستقلال، وهو ما يمثل تحولا ضمنيا عن الخطاب التقليدي للسلطة الجزائرية، الذي لطالما سوّق لامتداد تاريخي لآلاف السنين، بل استُخدم هذا الزعم في مناسبات رسمية للترويج لسردية سياسية تفوق الجوار، خاصة المغرب، تصريح وإن جاء عرضيًا، إلا أنه يخلخل إحدى ركائز الرواية الرسمية التي تُروّجها الدوائر الإعلامية والدبلوماسية الجزائرية.
وعلى مستوى السياسة الخارجية، كرّر الرئيس الجزائري الحديث عن التزام بلاده بمبدأ 'عدم الانحياز' ورفضها التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لا سيما في منطقة الساحل، لكن المفارقة تبرز حين تُوضع هذه التصريحات في سياق ما صرّح به علنًا وزير الدولة المالي، عبد اللاي مايغا، بداية يناير الماضي، حين اتهم الجزائر باحتضان عناصر تزعزع استقرار بلاده، موجهًا انتقادات مباشرة لوزير الخارجية أحمد عطاف وسفير الجزائر لدى الأمم المتحدة،إذ لا يمكن تجاهل هذه التصريحات الصادرة من دولة جارة حين يُطرح سؤال الحياد الذي ترفعه الجزائر كشعار ثابت في خطابها الخارجي.
وفي الملف الإقليمي الأبرز، لم تُخفِ الجزائر مرة أخرى تمسّكها بموقع 'الوسيط' في قضية الصحراء، وهو ما يبدو مناقضًا للواقع السياسي والدبلوماسي، إذ تُعد الجزائر طرفًا رئيسيًا، بحكم احتضانها وتمويلها ودعمها السياسي والعسكري المباشر لجبهة البوليساريو، في وقت تعترف فيه القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو موقف لم يتغير لا بتعاقب الإدارات في واشنطن ولا بضغط الدبلوماسية الجزائرية.
واقتصاديًا، قدّم تبون أرقامًا ضخمة بشأن أداء بلاده، خاصة حين تحدث عن بلوغ العائدات الفلاحية ما يقارب 38 مليار دولار خلال سنة 2025، وهو رقم يعادل تقريبًا مداخيل الجزائر من المحروقات، ورغم أن المعطى يوحي بتحول اقتصادي نحو تنويع مصادر الدخل، إلا أن غياب المعطيات الميدانية التي توازي هذا الرقم، يدفع كثيرين إلى اعتباره أقرب إلى الطموح السياسي منه إلى الواقع المحسوس، خاصة أن الجزائر لا تزال تواجه اختلالات في التوزيع المائي، ونقصًا في سلاسل الإنتاج الزراعي الحديثة، ومشاكل في التصدير، بما يجعل الرقم المعلن يصطدم مع منطق السوق وتجارب بلدان تمتلك بنى تحتية فلاحية وصناعية أكثر تطورًا.
وفي حديثه عن الإعلام، حرص الرئيس الجزائري على التشديد على أهمية وجود 'صحافة حقيقية' لضمان 'ديمقراطية حقة'، مع الترويج لفكرة تأسيس نقابات مستقلة وإرساء ميثاق أخلاقي للمهنة، إلا أن هذه التصريحات تصطدم بدورها مع واقع الحريات الصحافية في البلاد، الذي لا يزال يضع الجزائر في مراتب متأخرة عالميًا، حسب تقارير المنظمات الحقوقية، سواء من حيث الاعتقالات التعسفية أو غياب الضمانات القانونية، وهو ما يتجلى في استمرار احتجاز الصحافي الفرنسي كريستوف غليز والكاتب بوعلام صنصال، في ظروف يلفها الغموض.
في المحصلة، يمكن القول إن خرجة تبون الإعلامية الأخيرة تُعيد إنتاج خطاب مزدوج يختلف في مضامينه بين ما يُقال للداخل وما يُسوّق للخارج، فهي تصريحات لا تنفصل عن السياق العام الذي تحاول من خلاله السلطة الجزائرية الحفاظ على التماسك الداخلي، وتلميع الصورة الخارجية، وسط تزايد الضغوط الإقليمية والدولية، دون أن تُواكب هذه التصريحات تحولات واقعية أو مؤشرات دقيقة يمكن البناء عليها.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الحكومة المغربية تناقش قانوناً يمنع استغلال الأطفال والمسنين بوسائل التواصل الاجتماعي
الحكومة المغربية تناقش قانوناً يمنع استغلال الأطفال والمسنين بوسائل التواصل الاجتماعي

المغرب اليوم

timeمنذ 32 دقائق

  • المغرب اليوم

الحكومة المغربية تناقش قانوناً يمنع استغلال الأطفال والمسنين بوسائل التواصل الاجتماعي

قال ، وزير الشباب والثقافة والتواصل، إن حماية الأطفال والمسنين من الاستغلال عبر وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية جماعية، مفيدا أنه تتم مناقشة مشروع قانون في هذا الإطار لتجاوز الفراغ القانوني، ذلك أن القانون الجنائي هو الوحيد الذي ينظم هذا المجال. وأوضح بنسعيد، خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب، اليوم الإثنين، أن الحكومة وجميع الوزارات مسؤولة في هذا الجانب، مؤكدا أن الوزارة منخرطة في حملة تحسيسية عبر دور الشباب بشراكة مع اللجنة الوطنية لجماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، بهدف تحسيس العائلات والشباب بالخطر الذي يمكن أن تشكله هذه الظاهرة على المجتمع. ومن جهة أخرى، أشار بنسعيد إلى اشتغال الوزارة على إحداث شبكة من البنيات الثقافية الفنية بمختلف جهات المملكة لتقريب الثقافة من المواطنين في إطار سياسة القرب، ومواكبة الفنانين والمبدعين من خلال دعم المبدعين وترويج المنتوج الثقافي والفني. وأورد الوزير أنه في إطار تبسيط الولوج إلى الثقافة ودراستها، انخرطت الوزارة عبر المعاهد الموسيقية في التقرب من الشباب والأطفال، مشيرا إلى دور الوزارة في دعم المهرجانات التراثية، وهو عمل يتم القيام به سنويا لتشجيع المهرجانات خاصة في العالم القروي والمدن الصغرى والمتوسطة، ذلك أن المدن الكبرى تشهد انخراط الخواص في هذا المجال. وأشار بنسعيد في السياق نفسه إلى دعم الجمعيات النشيطة في مجال الثقافة خاصة في المدن المتوسطة والصغرى، ودعم الإنتاج الموسيقي والفني وترويجه، إضافة إلى إيلاء العناية بالتراث الوطني المخطوط للحفاظ على التاريخ والتراث والثقافة المغربية، إضافة إلى تعزيز التراث الثقافي اللامادي عبر المصادقة على قانون لحمايته وتوقيع اتفاقيات بالمجال، إضافة إلى التعريف بهذا التراث. وحول مساهمة الثقافة في الناتج المحلي، اعتبر بنسعيد أنها تعد بالفعل صناعة، مذكرا بأن الصناعة الثقافية تساهم في الناتج الداخلي الخام بنسبة ما بين 2.7 و4 في المئة بالنسبة لسنة 2022 عبر حوالي 35 مليار درهم، مشيرا إلى التطور الذي عرفته الصناعة السينمائية التي تساهم بمليار و500 مليون درهم. وأشار الوزير إلى ما تمثله صناعة الألعاب الإلكترونية على الصعيد الدولي إذ تمثل أكثر من 300 مليار دولار دوليا وستصل إلى 500 مليار دولار في أفق 2033، مفيدا أن التحدي هو أن يحتضن المغرب 1 في المئة من هذه الصناعة في أفق سنة 2033. واعتبر أن الصناعة الثقافية تمثل بديلا حقيقيا لحل مجموعة من الإشكاليات المرتبطة بالشغل، مفيدا أن الصناعة الثقافية تشكل مساهمتها بالدول المتقدمة ما يناهز 7,3 في المئة من الناتج الخام، موردا أن التحدي في المغرب هو الرفع من مساهمة الصناعة الثقافية في الناتج المغربي. وحول التكوين في مجال صناعة الألعاب الإلكترونية، اعتبر بنسعيد أنها تلعب دورا كبيرا على الصعيد وتحقق رقم معاملات وازن عالميا، مؤكدا أن مسألة التكوين مهمة ذلك أن المقاولات الكبرى أول ما ستبحث عنه إذا أرادت الاستثمار في المغرب هو الموارد البشرية المكونة. وتابع أنه تم في هذا السياق توقيع اتفاقية مع وزارة التعليم العالي لتساهم الجامعات في تكوين الشباب في هذا المجال، مذكرا أن هذا المجال يضم أزيد من 80 مهنة، مؤكدا أن الصناعة الالكترونية تقترح حلولا غير مرتبطة فقط بالألعاب بل أيضا بمجالات الصحة والنقل والأمن وغيرها. وأورد أنه تم عقد اتفاقية مع المكتب الوطني للتكوين المهني واتفاقية مع أهم المدارس على الصعيد الدولي بفرنسا في إطار اتفاقية الشراكة الموقعة أمام الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مفيدا أن الحكومة تتجه للاستثمار في تكوين الشباب في هذا المجال. بنسعيد يؤكد أن طموح حزب الأصالة والمعاصرة يكمن في التجاوب مع متطلبات المواطنين

الرئيس التركي ينهي اتفاق النفط التاريخي مع العراق
الرئيس التركي ينهي اتفاق النفط التاريخي مع العراق

المغرب اليوم

timeمنذ 11 ساعات

  • المغرب اليوم

الرئيس التركي ينهي اتفاق النفط التاريخي مع العراق

أنهى الرئيس التركي ، رجب طيب إردوغان، اتفاق النفط التاريخي بين العراق وتركيا الذي وقّع في 27 أغسطس (آب) 1973، ويعدّ أحد أبرز التفاهمات الاقتصادية بين البلدين. ونشر القرار الرئاسي التركي في الجريدة الرسمية، الاثنين، ومن المقرر وقف العمل باتفاقية خط أنابيب النفط الخام بين تركيا والعراق، وجميع البروتوكولات أو المذكرات الملحقة بها ابتداءً من 27 يوليو (تموز) 2026، الذي سيتزامن مع الذكرى الثانية والخمسين لإبرام الاتفاق الذي كان يهدف إلى تأمين تصدير النفط الخام من العراق إلى ميناء جيهان التركي، وقد خضع لتعديلات عدة خلال العقود الماضية، وكان آخرها في عام 2010 حين تم تمديده لمدة 15 عاماً إضافية، وهي الفترة التي ستنتهي بشكل طبيعي في العام المقبل. ورغم عدم صدور أي بيان عن الحكومة العراقية ووزارة نفطها (حتى لحظة إعداد التقرير)، ورغم الطابع «المفاجئ» للقرار التركي بالنسبة لمعظم الأوساط العراقية، فإن أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، نبيل المرسومي، رأى أن القرار التركي استند إلى «المادة 11 من الاتفاقية المعدلة في 19 سبتمبر (أيلول) 2010 التي تجيز لأحد الطرفين إنهاء الاتفاقية الممتدة لمدة 15 عاماً بعد إرسال بلاغ خطي للطرف الآخر قبل سنة واحدة من تاريخ انتهاء الاتفاقية». وأضاف المرسومي في تدوينة عبر «فيسبوك»، أنه «كان يمكن للعراق استناداً إلى المادة نفسها العمل على تمديد أو تعديل هذه الاتفاقية قبل سنتين من نفادها، لكنه لم يفعل ذلك». ويعتقد أن من «الممكن أن يكون قرار تركيا مرتبطاً باستيائها من العراق الذي رفع دعوى قضائية إلى محكمة غرفة التجارة في باريسـ وأدت إلى تغريم تركيا 1.5 مليار دولار بسبب سماحها بتصدير نفط كردستان من خلال خط جيهان خلافاً للاتفاقية الموقَّعة مع العراق». في إشارة إلى الحكم الصادر عن غرفة باريس نهاية مارس (آذار) 2023، وأدى إلى إيقاف صادرات نفط كركوك وإقليم كردستان إلى تركيا. لكن المرسومي يعود ليرجّح «الرغبة التركية في إنشاء خطوط أنابيب جديدة لنقل النفط والغاز الطبيعي من البصرة إلى ميناء جيهان على البحر الأبيض المتوسط» في الوقوف وراء إصدار القرار التركي. ويضيف أنه وبحسب المخطط فإن خط الأنابيب الجديد «ينقل النفط الخام من البصرة شمالاً إلى حديثة (في محافظة الأنبار غرباً)، قبل أن تتجه نحو سيلوبي في جنوب تركيا. ويشمل هذا المسار أيضاً نقطة انتقال من بيجي العراقية إلى فيشخابور، قرب الحدود التركية». ويشير المرسومي، إلى أن طاقة خط الأنابيب المفترض «تبلغ 2.2 مليون برميل يومياً ويعدّ خط البصرة - سيلوبي مهماً للغاية للعراق من أجل تصدير النفط الخام بشكل مستدام، ويوفر له طريقاً بديلاً وسهلا للوصول إلى أسواق البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن أنه يمثل امتداداً لمشروع طريق التنمية الطموح الرامي إلى ربط آسيا بأوروبا عبر شبكة من السكك الحديدية والطرق التي تمر بالعراق». ويرى أن الخط الجديد «يحظى بموافقة الحكومة العراقية ويعزز من مساعي أنقرة للتحول مركزاً إقليمياً رئيسياً للطاقة. وسيعود خط أنابيب الغاز من البصرة إلى سيلوبي بالنفع على المنطقة». تعليق قانوني يعتقد الخبير القانوني، علي التميمي، أن العراق غير قادر على اللجوء إلى الأمم المتحدة في حال قرر التحرك بالضد من القرار التركي. ويقول التميمي إن «جهة حل النزاع في هذه الحالة تحددها بنود المادة 10 الموقّعة بين العراق وتركيا المتعلقة بتسوية النزاعات والجهة المعنية في هذه الحالة هي غرفة التجارة في باريس». ويرى التميمي، أن «العراق سيحسم النزاع لصالحة لو اشتكى عند محكمة باريس؛ لأن القرار التركي سيلحق ضرراً اقتصادياً به، وفوق ذلك، فإن تركيا خالفت المادة 10 من الاتفاقية التي تشير إلى أن إلغاء الاتفاقية النفطية يتم عبر تسوية مباشرة بين الطرفين، وتركيا ألغتها من طرف واحد». ويشير التميمي إلى أن «الاتفاقية وُقّعت عام 1973 بين وزاره النفط العراقية ووزارة الطاقة والموارد الطبيعية في تركيا، وفي الاتفاقية مجموعة من البروتوكولات، وقد جرت عليها بعض التعديلات خلال الأعوام 1976 و1980 و1981 و1985 و1996 و2007، وقد صادق العراق على الاتفاقية من جديد بموجب القانون 4 لسنة 2011». ورغم قلة الإنتاج النفطي المصدَّر منه بالقياس إلى حجم المصدر من حقول النفط في جنوب البلاد، فإن خط أنابيب العراق -تركيا يمثل أحد الشرايين الاستراتيجية لتصدير النفط العراقي إلى الأسواق العالمية، وقد شكّل محوراً رئيسياً في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لا سيما في ظل التوترات التي شهدها هذا الملف خلال السنوات الأخيرة، على خلفية النزاعات القانونية بين بغداد وأربيل، واستخدام أنقرة الخط لتصدير نفط إقليم كردستان رغم اعتراض الحكومة العراقية. وقد تعرض الخط إلى الكثير من عمليات التخريب والاستهداف خلال العقدين الأخيرين، وانتهى الأمر بإيقافه قبل نحو سنتين بعد كسب العراق دعوى التحكيم ضد تركيا. قد يهمك أيضــــــــــــــا

الحكومة تتحرك لحماية القاصرين وتنظيم قطاع بمليارات
الحكومة تتحرك لحماية القاصرين وتنظيم قطاع بمليارات

المغرب الآن

timeمنذ 14 ساعات

  • المغرب الآن

الحكومة تتحرك لحماية القاصرين وتنظيم قطاع بمليارات

صورة: موقع مجلس النواب في زمنٍ تحوّلت فيه الشاشة إلى فضاءٍ مُتشابك تتقاطع فيه العائلة بالمنصة، والطفل بالمشاهدات، والمحتوى بالإعلانات، خرج وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد ليُعلن أمام البرلمان أن الحكومة بصدد 'مناقشة مشروع قانون لتنظيم صناعة المحتوى الرقمي وحماية القاصرين'. لكن خلف هذا التصريح، تلوح أسئلة عميقة حول الفجوة بين السرعة التي يتحرك بها العالم الرقمي، وبطء الاستجابة القانونية والمؤسساتية في المغرب. فهل تأخرت الدولة كثيرًا في دخول هذا النقاش؟ وهل يمكن لقانون جديد أن يُحدث فرقًا في معركة تتجاوز حدود السياسة والثقافة لتصل إلى الأخلاق والاقتصاد والأمن المجتمعي؟ عندما يتحول الطفل إلى أداة للربح… في تعقيبه البرلماني، لم يُخف الوزير قلقه من تنامي ظاهرة 'استغلال القاصرين والمسنين' في صناعة المحتوى، داعيًا إلى التعامل معها كـ'مسؤولية جماعية تشمل الدولة والمجتمع والعائلات'. غير أن الإشكال لا يكمن فقط في المحتوى الفج أو الصور المُهينة التي يتداولها بعض المؤثرين المغاربة، بل في منظومة كاملة بدأت تُحوّل الضعفاء إلى سلعة رقمية، تُباع وتُشاهد وتُعلّق عليها، دون حماية قانونية حقيقية. وبينما اكتفت القوانين الحالية، كما قال الوزير، بالإحالة إلى مقتضيات جنائية عامة، بقي الفراغ القانوني واسعًا، ما دفع الحكومة، أخيرًا، إلى التحرك. لكن: هل القانون وحده كافٍ؟ وأين كانت الوزارة حين كانت منصات كاملة تُبنى على دموع الأطفال وتفاصيل حياة المسنين؟ اقتصاد المحتوى… كنز مهمل في المغرب في المقابل، لم يغفل الوزير الحديث عن الأبعاد الاقتصادية لصناعة الثقافة، مشيرًا إلى دراسة صادرة عن مؤسسة التمويل الدولية (IFC) أظهرت أن مساهمة الصناعات الثقافية في الناتج الداخلي الخام المغربي تتراوح بين 2.7% و4%، أي ما يعادل حوالي 35 مليار درهم. ويُنتظر من هذا الرقم أن يتطور، خصوصًا مع طفرة الصناعة السينمائية التي تجاوزت لوحدها 1.5 مليار درهم. لكن حين نضع هذه الأرقام في سياق دولي، نكتشف فجوة كبيرة: في فرنسا مثلًا، تُسهم الصناعات الثقافية بنسبة 7.3% من الناتج، بينما تطمح الحكومة المغربية للوصول إلى 6% فقط خلال السنوات القادمة. وإذا كانت الحكومة قد بدأت مؤخرًا تُدرك أن الثقافة 'صناعة' ، فهل هناك إرادة حقيقية لتحويلها إلى رافعة اقتصادية وتشغيلية؟ وأين هو الاستثمار العمومي في هذا المجال؟ ومتى تتحول دور الشباب والمراكز الثقافية من بنايات فارغة إلى مختبرات للإبداع الرقمي والمهني؟ من حماية القاصرين إلى صناعة الألعاب الإلكترونية التحوّل الرقمي، كما أشار بنسعيد، لا يتوقف عند 'يوتيوب' و'تيك توك'. المغرب يسعى لاقتحام مجال الألعاب الإلكترونية، وهي صناعة تتجاوز عالميًا 300 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 500 مليار خلال عقد واحد. الرهان الذي تضعه الوزارة اليوم يتمثل في انتزاع نسبة 1% من السوق العالمية، أي ما يقارب 5 مليارات دولار، بحلول 2033. لكن لنطرح السؤال بواقعية: هل بُنية المغرب التحتية، من مدارس إلى مراكز تكوين، مؤهلة فعلاً لتكوين جيل من مطوري الألعاب والمبدعين الرقميين؟ وهل تم وضع إستراتيجية وطنية حقيقية لتكوين المواهب وتصدير الإبداع المغربي، بدل الاكتفاء بفرجة هامشية في منصة يسيطر عليها محتوى ترفيهي رديء؟ حماية التراث… أم تجميل الصورة؟ الوزير لم ينسَ أن يُشير إلى التراث المخطوط وغير المادي، مبرزًا توقيع اتفاقيات مع اليونسكو والإيسيسكو. لكن هنا أيضًا يحق التساؤل: هل التراث المغربي يُحمى فعلاً؟ أم يُستغل فقط في المناسبات وخُطب الترويج الثقافي؟ العديد من الخبراء يشتكون من ضعف ميزانيات الترميم، وغياب السياسات العمومية الجريئة لحماية ما تبقى من ذاكرة المدن والبوادي. فهل نملك فعلاً سياسة ثقافية متكاملة، أم نُعاني من ثقافة السياسات المتفرقة؟ خلاصة: بين القانون والوعي ما عبّر عنه الوزير بنسعيد ليس جديدًا، لكنه يُسجَّل له أنه طرح الملف في البرلمان في لحظة يزداد فيها وعي المغاربة بخطورة ما يُنشر ويُستهلك يوميًا من محتوى رقمي. لكن التحدي الحقيقي لا يقتصر على تقنين المحتوى أو معاقبة المخالفين، بل على بناء صناعة ثقافية رقمية مغربية، تحترم الإنسان، وتحمي القاصرين، وتُشغّل الشباب، وتُنتج الثروة، وتُنافس عالميًا. فهل نحن على الطريق الصحيح، أم ما زلنا نُدوّر الكلام في قاعة الانتظار الرقمي؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة…لكنّ تأخرنا أكثر قد يجعلنا مجرد متلقين في عالم لا ينتظر.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store