
حرائق اللاذقية تلتهم 10 آلاف هكتار وتصيب 8 من الدفاع المدني
وتترافق هذه الكارثة مع موجات نزوح واسعة للأهالي، ومخاوف من امتداد النيران إلى محميات طبيعية ومناطق مأهولة بالسكان.
وقال وزير الطوارئ والكوارث السوري، رائد الصالح، إن "مئات الآلاف من الأشجار الحراجية باتت رمادا"، مشيرا إلى أن 80 فريقا من الدفاع المدني، بمشاركة أكثر من 100 فريق إطفاء من سوريا والأردن وتركيا، يواصلون جهودهم لإخماد الحرائق.
وأوضح الصالح أن عمليات السيطرة تسير "بوتيرة عالية"، لكنها تحتاج إلى أيام من المراقبة والمتابعة قبل إعلان إخماد النيران نهائيا.
من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع السورية أن سلاح الجو يشارك في عمليات الإطفاء، ونشرت لقطات لمروحيات تسحب المياه وتلقيها على الحرائق.
وأفادت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن فرق الطوارئ تعمل على منع وصول النيران إلى محمية الفرنلق الطبيعية، التي تُعد من أكبر المحميات الغابية في البلاد.
إصابات ونزوح
وقال وزير الطوارئ السوري إن 8 عناصر من الدفاع المدني أصيبوا خلال عمليات الإطفاء، فيما لم تُسجل أي إصابات في صفوف المدنيين حتى الآن.
وأوضح الوزير أن عددا من القرى أُخليت من السكان. كما أشار إلى أن مخلفات الحرب والألغام تعيق وصول فرق الإطفاء إلى بعض المناطق، وهو ما يضاعف التحديات الميدانية.
وقال الصالح إن السلطات تدرس تقديم تعويضات للمتضررين من الحرائق، مصرحا أن وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ستزور المنطقة قريبا لتقييم الأوضاع.
كما أُنشئت غرفة عمليات ميدانية مشتركة بالتعاون مع منظمات سورية محلية لتقديم الدعم اللوجستي والميداني.
واختتم الصالح بالقول: "نشعر بالأسف والحزن على كل شجرة احترقت، فقد كانت مصدرا للهواء النقي لنا". وأضاف أن الحكومة تعمل بالتنسيق مع جهات دولية لإعداد خطط لترميم الغابات على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
بدورها، أكدت الأمم المتحدة أن الحرائق دمرت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والبنى التحتية الحيوية، وأجبرت مئات العائلات على الفرار من منازلها.
دعم أممي
وصلت فرق من الدفاع المدني الأردني إلى سوريا عبر معبر نصيب الحدودي، مزودة بمعدات حديثة و6 مروحيات، وفقا لوزارة الطوارئ الأردنية.
كما أرسلت تركيا 16 فريقا ومعدات دعم للمشاركة في إخماد النيران.
وفي السياق نفسه، قالت نائبة مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، نجاة رشدي، إن سوريا "بحاجة إلى المزيد من الدعم الدولي"، في حين أكد المنسق الأممي للشؤون الإنسانية في البلاد، آدم عبد المولى، أن فرق الأمم المتحدة بدأت بـ"تقييمات عاجلة" لتحديد حجم الكارثة وتحديد أكثر الاحتياجات الإنسانية إلحاحا.
وتأتي هذه الكارثة وسط موجة جفاف خانقة تشهدها البلاد مؤخرا، إذ سبق لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) أن حذرت في يونيو/حزيران الماضي من أن سوريا "لم تشهد ظروفا مناخية بهذا السوء منذ 60 عاما"، مشيرة إلى أن الجفاف يهدد أكثر من 16 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
وزير الطوارئ السوري للجزيرة نت: 80 فريقا تعمل لإطفاء حرائق اللاذقية
اللاذقية- قال وزير الطوارئ والكوارث السوري رائد الصالح، إن فرق الدفاع المدني والإطفاء، وبإسناد من طواقم تركية وأردنية، تواصل جهودها لإخماد الحرائق الواسعة المشتعلة في ريف اللاذقية. وركزت جهودها الاثنين على منع وصول النيران إلى محمية الفرنلق المصنفة كإحدى أكبر وأهم الغابات في سوريا. وتشهد محافظة اللاذقية منذ 6 أيام حرائق غابات هائلة اجتاحت مساحات شاسعة تقدر بنحو 10 آلاف هكتار من الأحراج والأراضي الزراعية، وامتدت إلى جبل البدروسية، مهددة منازل المدنيين ومحمية الفرنلق التي تعد إحدى أكبر الغابات الطبيعية في سوريا. وتواصل فرق الدفاع المدني السوري، بقيادة الوزير رائد الصالح ومدير الخوذ البيضاء منير مصطفى، حيث تبذل الفرق السورية جهودها المكثفة بالتعاون مع فرق تركية وأردنية، وبدعم جوي مرتقب من لبنان، للسيطرة على الحرائق في ظل تحديات كبيرة تشمل الرياح النشطة، والتضاريس الوعرة، ومخلفات الحرب من ألغام ومواد متفجرة. جهود مستمرة كما تشارك المروحيات في الجهد الجوي عبر تنفيذ طلعات تبريد دقيقة، وعمليات رصد لامتدادات اللهب. وقال الوزير الصالح للجزيرة نت، إن فرق الدفاع المدني والإطفاء تواصل جهودها للسيطرة على حرائق الساحل السوري منذ 6 أيام، رغم التحديات التي تفرضها الظروف الصعبة والإمكانيات المحدودة. وأوضح أن الوزارة تعاملت مع 3563 حريقا منذ أبريل/نيسان الماضي، منها 1400 حريق حرجي منذ يونيو/حزيران الماضي. دعم دولي ووفق الوزير، فإن 80 فريقا ميدانيا، مدعومة بـ180 آلية، تعمل على مدار الساعة، مع استئجار معدات ثقيلة لمحاصرة خطوط النيران. وأضاف أن 6 طائرات تشارك في عمليات الإخماد، بتنسيق بين وزارات عدة وإشراف محافظ اللاذقية ضمن "خلية عمل متكاملة". وأشاد الوزير بالدعم الدولي من تركيا التي أرسلت 16 فريقا متخصصا، والأردن التي قدمت دعما ميدانيا. وأكد أن حماية المدنيين أولوية، مشيرا إلى عدم وقوع وفيات، مع تسجيل إصابات طفيفة منها 8 من عناصر الدفاع المدني، ومعظمهم بحالات اختناقات. خسائر وتحدث الوزير الصالح عن خسائر مادية في المعدات والآليات، مع حاجة ماسة للوقود وقطع الغيار، موضحا أن "توزيع طعام جاهز من متطوعين تسبب في إرباك ميداني، تمت معالجته بنقل الفرق إلى موقع آمن في قسطل معاف". ووصف الوزير الحرائق، التي أتت على 10 آلاف هكتار، بـ"الكارثة البيئية"، مؤكدا أن الحكومة تعمل مع مؤسسات دولية ومحلية على خطط لترميم الغابات وإنشاء فرق دائمة لحماية الغطاء النباتي. ودعا المواطنين إلى التعاون والتبليغ عن الحرائق لدعم الجهود الميدانية.


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
دفاتر مطاردة وكتب مدفونة.. تحرر المعرفة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد
لم يكن مخرج فيلم "فهرنهايت 451″، الذي صوّر فيه السلطة تحرق الكتب وتطارد الفكر، ليتخيل أن خياله سيتجسد واقعا في بلد كتب تاريخه الأخير بالدم والنار، سوريا. هناك، لم تكن النار استعارة مجازية عن القمع، بل أداة حقيقية استُخدمت لإبادة المعرفة، حين أحرق النظام كتبا، ومزّق أفكارا، وحاصر الكلمات كما يُحاصر الثوار في الأزقة. لكن السوريين، الذين خبروا الطغيان، رفضوا أن يكون الحبر ضحيته الدائمة، فقرروا مقاومة من نوع مختلف: مقاومة بالحفظ، والإخفاء، والانتظار. كتب تحت الأرض وأخرى في الرأس في قرية "التبني" غرب دير الزور، اختار أحد السكان أن يُنقذ ما راكمه من كتب الفلسفة والفكر السياسي والدين، فدفن مكتبته الكاملة تحت الأرض في حفرة حفرها بيديه، وغطاها بالأغطية البلاستيكية. لم يكن يخفي كتبا فحسب، بل كان يُخفي روحه من الخطر، ويودعها حتى يحين أوان العودة. بعد 6 سنوات من الغياب القسري، عاد الرجل واستخرج كتبه، في مشهد وثّقه مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ولاقى تفاعلا واسعا، لما فيه من رمزية عن صمود الفكر وعودة المعرفة إلى النور. المكتبة التي دفنت كانت تختزن نحو ألفي كتاب، تم إنقاذها من المصادرة والنسيان بفضل جرأة فرد، قرر أن يقاتل وحده، ضد الاستبداد، بصمت. وفي العاصمة دمشق، كان الروائي السوري نزار أباظة (80 عاما) يحتفظ برواية كاملة في رأسه منذ أكثر من نصف قرن. يقول: "أمضيت أكثر من 53 عاما وأنا أحتفظ بهذه الرواية، لأنني كنت أعلم أن مجرد نشرها قد يضعني في سجون النظام، أو يعرضني للتعذيب". ويضيف: "اليوم فقط، أستطيع أن أطلق هذه الأفكار للعلن". حكايات الناشرين الممارسات التي عاشها السوريون في العقود الماضية تحت حكم بشار الأسد لم تكن مجرد منع هنا أو حذف هناك، بل كانت رقابة بوليسية شاملة. مئات بل آلاف الكتب أُزيلت من المكتبات، وتعرضت للإتلاف أو الحظر، في محاولات حثيثة لإبقاء الولاء الفكري محصورا في أطر السلطة. وحيد تاجا، المسؤول الإعلامي في دار الفكر للنشر بدمشق، يروي كيف كان النظام يرسل دوريات لتفتيش مخازن الكتب، ويُحرق أي كتاب يُخالف الخط المرسوم. "كنت أخفي الكتب المحظورة كما يُخفى الكنز"، يقول تاجا، مضيفا أن وزارة الإعلام كانت ترسل قوائم ممنوعات دورية، يلتزم بها الجميع أو يُعاقب. كان من المعتاد أن تُخفى الكتب داخل المواسير، أو في بيوت الأصدقاء، أو حتى في مخازن تحت الأرض، وهي الحيل التي أنقذت الكثير من الأعمال الثقافية من المصير الأسود. ومع الإطاحة بالنظام، عاد تاجا لإخراج تلك الكتب إلى الضوء قائلا: "نفضنا الأتربة عن الصفحات، وأعدناها إلى مواضعها الطبيعية. لم يكن ذلك يوم تحرير للمواطنين فقط، بل للأدب السوري أيضا". باعة الكتب إلى العلن أدهم عجمي، بائع كتب كان يدير كشكا صغيرا تحت "جسر الحرية" في دمشق، يتذكر كيف هدمت الجرافات أكشاك بيع الكتب، وكيف كان مجرد وجود كلمة مثل "ثورة" في عنوان كتاب كافيا لمصادرته. ويقول: "كنت أبيع الكتب المحظورة سرا، وكنت دائما أعتقد أن يوما سيأتي وتعود الكتب للنور. وهذا ما حدث الآن". أما عبد الله حمدان، الذي يبيع الكتب الدينية، فقد اضطر لإحراق بعض الكتب التي تحوي رموزا مسيحية بعد أن طلب منه أنصار النظام الجديد ذلك. لكنه قال بوضوح: "لا ترتكبوا نفس أخطاء النظام السابق. الأدب يعني الحرية، وحرية الفكر لا تتجزأ". لكن الانفتاح الجديد في سوق الكتب لا يُرضي الجميع، إذ تخشى قطاعات ثقافية على الحريات في سوريا الجديدة أيضا وتقول رولا سليمان، الشريكة المؤسسة لقاعة "زوايا" لعرض الأعمال الفنية في حي مسيحي بدمشق "لا نريد أن نعيد إنتاج الاستبداد باسم جديد". نهاية نظام عمره 61 عاما مع دخول فصائل المعارضة المسلحة إلى دمشق، وانهيار سيطرة النظام، يكون حكم حزب البعث الذي بدأ عام 1963 قد طُوي فعليا بعد أكثر من 6 عقود. وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، اندلعت اشتباكات عنيفة في ريف حلب الغربي بين النظام والفصائل، مما مهد للانهيار التام في العاصمة. وبينما استقبل مراقبون هذا التحول بتفاؤل، فإن كثيرا من المثقفين والناشرين والفنانين في الداخل لا يزالون يتعاملون بحذر مع الواقع الجديد، يخشون أن تكون الثورة قد أطاحت بالوجوه، لا بالعقلية. ويقول مراقبون أن معاناة الثقافة في سوريا لم تكن مجرد تبعات جانبية لصراع مسلح، بل جزءا أصيلا من بنية القمع السياسي، الذي رأى في الفكر تهديدا لا يُحتمل. وها هي الكتب تخرج من السراديب، ومن تحت التراب، ومن ذاكرة الشيوخ، لتروي حكاية المقاومة بالنص، وتنتظر الآن أن تُكتب فصول حريتها الجديدة بالحبر، لا بالدم.


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
الاقتصاد السوري بعد الأسد.. بين إرث الانهيار وتحديات التحول
تشهد سوريا لحظة تحول فارقة في تاريخها السياسي والاقتصادي منذ إسقاط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024، فقد ورثت الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع اقتصادا منهكا وبنية تحتية شبه مدمرة ومجتمعا متعبا بفعل أكثر من 13 عاما من الحرب. وتحاول القيادة الحالية إعادة تعريف هوية الاقتصاد السوري منتقلة من نموذج مركزي بيروقراطي إلى اقتصاد السوق الحر، في محاولة لإنقاذ البلاد من الانهيار الكامل، والانخراط من جديد في النظام المالي والاقتصادي العالمي. ونشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان " الاقتصاد السوري.. تحديات التحول نحو نظام السوق ومواجهة إرث النظام السابق" للباحث عبد العظيم المغربل بحثت الواقع الاقتصادي لسوريا في ظل الظروف السياسية الراهنة، وناقشت رؤية الحكم الجديد للبلاد والتحديات التي تواجهها، إضافة إلى المآلات التي تنتظر دمشق في ظل الظروف الجيوسياسية الإقليمية والدولية المتقلبة. اقتصاد هش وإرث ثقيل يعاني الاقتصاد السوري من تشوهات كبيرة في بنيته وقطاعاته، وهي تشكل تحديا للحكومة السورية، من أهمها: وضع سياسي هش: ورثت الحكومة السورية نظاما سياسيا منهارا إثر هروب بشار الأسد من البلاد إلى روسيا، إلى جانب وجود مطالبات باللامركزية الإدارية من قبل ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية الموجودة شرق الفرات، وبعض الفصائل الدرزية جنوب البلاد. وقد أطلقت الإدارة السورية الجديدة مؤتمر الحوار الوطني، ومن أهم التحولات التي تشهدها سوريا في هذه المرحلة اعتماد نموذج السوق المفتوح، حيث يؤدي القطاع الخاص دورا محوريا، وسيؤدي إلى انفتاح سوريا تجاه الدول الإقليمية والعالمية بشكل أكبر ويعزز اندماجها بالاقتصاد العالمي. وتشير الدراسة إلى أن وضع الاقتصاد السوري حاليا يتميز بـ"الهشاشة البنيوية"، حيث لا تزال آثار الحرب تهيمن على مختلف نواحي الحياة، فقد أدى القتال والدمار إلى تراجع الناتج المحلي بنسبة هائلة. وتعاني البلاد من نسب فقر كارثية، إذ يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر، وتضاعف الفقر المدقع إلى 66%، في حين تبلغ معدلات البطالة 25%، ويعتمد نحو 75% من المواطنين على المساعدات الإنسانية، كما تراجعت العملة الوطنية إلى مستويات غير مسبوقة، مما أفقدها دورها في التداول المحلي لصالح الدولار. وركزت القيادة السورية جهودها منذ اليوم الأول نحو الحصول على الشرعية السياسية ورفع العقوبات ودمج سوريا في النظام العالمي وإعادة تفعيل القطاع التجاري، وسينعكس هذا على تحسين المؤشرات الكلية تدريجيا. تراجع قطاعات الإنتاج الحيوية: خلال سنوات الحرب تعرضت القطاعات الإنتاجية الرئيسية لتدمير واسع، وأدت إلى تهجير اليد العاملة الخبيرة وتدمير المنشآت الصناعية وحرق الأراضي الزراعية، وتعرضت رؤوس الأموال للضغط والابتزاز وغيرها من الإكراهات. وبعد سقوط النظام بدأت هذه القطاعات تسعى إلى تأمين الحد الأدنى من احتياجاتها الرئيسية التي تساعدها على الاستمرار فقط. وعلى صعيد إجراءات الحكومة بدأت العمل على إصلاح القطاع الزراعي والصناعي، وسط رغبة محلية وعربية بضخ استثمارات في هذين القطاعين عبر تقديم تسهيلات وإعفاءات ضريبية ومحاولة تأمين الطاقة اللازمة لتشغيل القطاعين. تشير التقديرات الدولية إلى أن تكلفة إعادة الإعمار تقدر بـ400 مليار دولار، فالبنى التحتية مثل الكهرباء والماء والطرقات تحتاج لإعادة تهيئة وإصلاح، بل وإنشاء بنى جديدة لها. ويبدو أن الحكومة السورية تراهن على مزيج من التمويل الخليجي والدولي كخطة مشابهة لمشروع مارشال لإعادة إعمار البلاد، وتركز جهودها على جذب مشاريع استثمارية كبرى. قطاع تجاري مترهل: تأثرت خطوط الإمداد والنقل وسلاسل الإمداد والتوريد إلى حد كبير خلال الحرب في سوريا بسبب النشاط العسكري الذي حصل والانقسامات في الجغرافيا العسكرية والسياسية داخل البلاد وغياب القوانين الضابطة والناظمة للعمل التجاري، إلى جانب فرض العقوبات. وتعمل الحكومة السورية على ضبط الاقتصاد غير الرسمي، سواء على مستوى مكافحة الفساد والتهريب وغيرها. لا تزال الحياة المعيشية للمواطنين السوريين تعتمد إلى حد كبير على التحويلات الخارجية والمساعدات الإنسانية وبعض الأعمال الحرة في ظل وجود مؤشرات تضخم وبطالة مرتفعة، خاصة أن الإدارة الجديدة أعلنت التحول نحو اقتصاد السوق الحر، في حين كان الاقتصاد إلى عهد قريب جدا يعتمد على الحكومة بشكل مركزي. وقد جعلت الحكومة الانتقالية من أهم أولوياتها محاربة الفساد وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أساس المساءلة والشفافية والتركيز على حماية المواطنين وتعزيز الاستقرار، لكن تحقيق نتائج على صعيد هذه الأولويات فضلا عن أن تنعكس على حياة المواطنين اليومية يحتاج إلى مسار ليس بالقصير. تراجعت قيمة الليرة السورية أمام الدولار خلال سنوات الحرب، وجرى اعتماد الدولار بدلا من الليرة، وذلك نتيجة السياسات النقدية غير العقلانية والتي أدت إلى انتهاء الاحتياطي من العملات الأجنبية وطباعة كميات ضخمة من الليرة السورية، وغياب الثقة بالنظام المصرفي، إلى جانب العقوبات المفروضة على البنوك، خصوصا البنك المركزي. وعملت الحكومة الجديدة على إعادة تفعيل القطاع المالي والنقدي وضخ الثقة به، فاستأنفت سوق دمشق للأوراق المالية التداول بعد 6 أشهر من التوقف، مما يشير إلى أن الاقتصاد السوري بدأ يتعافى، وأن سوريا تحولت من اقتصاد مركزي يديره القطاع العام واقتصاد الظل إلى اقتصاد قائم على الحرية الاقتصادية. الآفاق المستقبلية.. فرص مشروطة بنجاح الإصلاح ترى الدراسة أن الفرصة اليوم متاحة أمام سوريا لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة خلال السنوات العشر المقبلة، شريطة استمرار الإصلاحات واستقرار البيئة السياسية والأمنية، فالنمو المتوقع في القطاعين الزراعي والصناعي قد يسهم في تقليص البطالة وتحقيق الأمن الغذائي، كما أن فتح سلاسل التوريد وخطوط النقل تدريجيا سيعزز التجارة الداخلية والخارجية. وفي حال استمرت الاستثمارات الخليجية والتركية وتوفرت الشفافية والثقة لدى المانحين فقد تتمكن سوريا من تجاوز "مرحلة الإغاثة" والانتقال إلى مرحلة "التنمية المستدامة". وتتوقع الحكومة انخفاضا تدريجيا في معدلات التضخم والبطالة خلال 5 سنوات، بالتزامن مع تحسن العملة الوطنية وانخفاض الاعتماد على الدولار. اختبار كبير وتخلص الدراسة إلى أن مستقبل الاقتصاد السوري يعتمد أساسا على قدرة الحكومة على خلق بيئة سياسية مستقرة، واستكمال مسار العدالة الانتقالية، وضبط الأمن الداخلي، وبناء مؤسسات كفؤة وشفافة. وتبقى إعادة تعريف هوية الاقتصاد السوري -كمجتمع منفتح قائم على اقتصاد السوق- مرهونة بجدية الحكم الجديد في محاربة الفساد، وبناء الثقة، والتفاعل النشط مع المجتمع الدولي. ورغم أن الطريق لا يزال طويلا فإن التحولات الجارية -سياسيا واقتصاديا- تشير إلى لحظة حاسمة في تاريخ سوريا، وفرصة لإعادة بناء البلاد على أسس جديدة، ربما تكون الأعمق منذ الاستقلال.