
مرونة سلاسل الإمداد في منطقة الخليج العربي: من الإصلاح المؤقت إلى التحصين ضد الاضطرابات المستقبلية
تعتمد اقتصادات الدول المطلة على الخليج العربي، مقارنة بغيرها من المناطق الأخرى حول العالم، بشكل كبير على استمرارية الممرات البحرية، حيث تستورد أكثر من 85% من المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية عبر البحر، وتُصدّر نحو 20% من نفط العالم عبر موانئها البحرية. وفي هذا السياق، لا تُعدّ المرونة مجرد مصطلحًا نظريًا، بل ضرورة استراتيجية حتمية لضمان استقرار المنطقة وازدهارها الاقتصادي على المدى الطويل.
دقت الأحداث الجيوسياسية الأخيرة ناقوس الخطر وأبرزت مدى تأثر المنطقة وهشاشة سلاسل الإمداد، حيث يتعرض البحر الأحمر ومضيق هرمز اللذان يمثلان عصب التجارة العالمية لضغوط جيوسياسية متزايدة. فقرار 'قطر للطاقة' الأخير بتعليق شحنات الغاز الطبيعي المسال مؤقتاً عبر مضيق هرمز يبين مدى واقعية التهديدات وتناميها.
وفي محاولة لتسليط الضوء على المخاطر الكامنة، طوّر خبراء آرثر دي ليتل نموذجاً متقدماً لمحاكاة مرونة الخدمات اللوجستية في منطقة الخليج العربي. وبتطبيقه على المملكة العربية السعودية، أظهرت النتائج أن إغلاق المضيق بشكل كامل قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الخدمات اللوجستية بما يتراوح ما بين 10 إلى 12 مليار دولار أمريكي. هذه الزيادة الصادمة تمثل نتيجة حتمية لتحويل المسارات وتقييد المعروض في السوق. أما بالنسبة لشحنات الحاويات، فمن المتوقع زيادة التكلفة بنسبة 75%، بينما تقفز التكلفة لشحن السوائل السائبة بنسبة كبيرة تصل إلى 170%.
هذه الأزمة ليست مجرد أرقام اقتصادية عابرة؛ بل هي مؤشرات على أزمة هيكلية بامتياز. ففي حين يمكن إعادة توجيه شحنات البضائع الجافة إلى موانئ بديلة في المنطقة مثل سلطنة عُمان والأردن أو على ساحل البحر الأحمر، إلا أن شحنات السوائل السائبة تواجه قيوداً صارمة. واستناداً إلى الطاقة الاستيعابية الحالية، فمن المتوقع أن يتأثر تصدير ما يقرب من 350 مليون طن من النفط الخام – ما يعادل حوالي 190 مليار دولار أمريكي – إما بالتأخير أو المنع الكامل.
إن ما يقدمه هذا النموذج ليس مجرد تنبؤ بالأزمات فحسب، بل خارطة طريق للاستعداد لها. وهذا الاستعداد يتطلب توفير البدائل ودمج المرونة في تصميم أنظمة اللوجستيات الوطنية.
إذن، ما الخطوة التالية؟ لا يقتصر نموذج المحاكاة على مجرد تقديم البيانات، بل يكشف عن ثلاثة محاور عمل ملموسة يمكن لدول الخليج استخدامها للانتقال من الإدارة التفاعلية إلى المرونة الاستباقية.
أولاً وقبل كل شيء، علينا أن نبني القدرات التنبؤية بمستوى مطابق لمستوى تطور البنية التحتية المادية. حيث تعد موانئ الخليج العربي مثل جبل علي، وصحار، وخليفة، ورأس تنورة من بين أكثر الموانئ تطوراً في العالم، ولكن القدرة الاستيعابية وحدها لا تكفي. فقد أصبح من الضروري في عالم اليوم تبني أدوات متطورة مثل النمذجة القائمة على السيناريوهات، والمراقبة الحية للعمليات، واختبار قوة البنية التحتية، لتكون أدوات أساسية لدرء المخاطر.
ثانياً، لقد آن الأوان لكسر حواجز التفرّد بالعمل للانطلاق نحو التنسيق الإقليمي الشامل، فالممرات اللوجستية بمنطقة الخليج تمثل شبكة متكاملة، وأي اضطراب في دولة منها سيؤثر على المنطقة بأسرها. ولتعزيز القدرة على الاستجابة لا بد من إبرام اتفاقيات لتبادل استخدام الموانئ في حالات الطوارئ، وتنسيق الإجراءات الجمركية بسلاسة، ووضع آليات مشتركة لتحديد أولوية الشحنات.
ثالثاً، يجب دمج المرونة كمكون رئيسي في التخطيط طويل الأمد للبنية التحتية بدلاً من أن الاكتفاء برد فعل، لتكون المرونة ميزة أساسية عند وضع الخطط الرئيسية، وتدرج في عقود امتياز الموانئ، وتُدمج في كل استراتيجية متعلقة بالتطوير اللوجستي. فالهدف ليس مجرد النجاة من الاضطرابات، بل القدرة على الاستمرار في العمل بشكل طبيعي عند حدوثها.
هذه الرؤى لا تقتصر على منطقة الخليج وحدها؛ بل تعكس واقعًا عالميًا جديدًا. فسواء تعلق الأمر بقناة بنما، أو قناة السويس، أو بحر الصين الجنوبي، فإن النظام اللوجستي العالمي يواجه نموذجاً جديداً؛ نموذجاً لا تعود فيه الاضطرابات مجرد أحداث طارئة، بل هي جزء لا يتجزأ من بنية النظام نفسه.
لقد أصبحت مرونة سلاسل الإمداد في القطاع البحري الآن ركيزة أساسية وليست ميزة إضافية. وحان الوقت للعمل الاستباقي قبل وقوع الأزمة القادمة، وليس بعدها. وتمتلك دول الخليج المقومات اللازمة للقيادة في هذا المجال، شريطة أن تكون استراتيجياتها قائمة على البيانات، والتعاون، والتصميم طويل الأمد.
إن السؤال الحقيقي الذي يواجه صانعي السياسات وقادة اللوجستيات لم يعد: 'هل سيقع اضطراب؟' بل أصبح: 'هل أنظمتنا قادرة على امتصاص الصدمات والتكيف معها؟ الإجابة على هذا السؤال هي التي سترسم ملامح الاستمرارية الاقتصادية وستحدد الثقة الاستراتيجية على مدار السنوات القادمة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 9 ساعات
- البيان
دبي ومصر تقودان ارتفاعات البورصات العربية خلال أسبوع
حيث استعادت المؤشرات الرئيسية في السعودية والكويت وقطر ومصر وغيرها زخمها الصعودي بعد أسابيع من التذبذب والتوتر. وشكلت العودة إلى الأداء الإيجابي دلالة على مرونة هذه الأسواق وقدرتها على التفاعل السريع مع المستجدات الإقليمية، في ظل تحسن شهية المخاطرة وعودة التدفقات الاستثمارية تدريجياً. فيما أضاف سوق أبوظبي 118.8 مليار درهم إلى 3.08 تريليونات درهم، ليصل إجمالي القيمة للسوقين إلى 4.08 تريليونات درهم بنهاية جلسة الخميس. واستقطبت الأسهم سيولة خلال 4 جلسات، 9.82 مليارات درهم، منها 6.17 مليارات درهم في أبوظبي و3.65 مليارات درهم في دبي، والكميات المتداولة 3.47 مليارات سهم، منها 1.81 مليار سهم في أبوظبي و1.66 مليار سهم في دبي، من خلال 194719 صفقة. أما الأسهم الأكثر تراجعاً فكانت «الاستشارات المالية» بتراجع نسبته 22.72%، ثم «دبي للمرطبات» بتراجع نسبته 12.39%، ثم «بنك الإمارات للاستثمار» بتراجع نسبته 6.40%، ثم «دبي الوطنية للتأمين» 6.42%، وأخيراً «أجيليتي للمخازن» بنسبة 2.67%. بينما تصدرت «أسهم أس أم سي» للرعاية الصحية قائمة الأكثر تراجعاً بانخفاض 6.56%، تلتها أسهم «جدوى ريت الحرمين» بنسبة 3.15% و«أرامكو» 2.10%، ثم «سابك للمغذيات الزراعية» 1.86% و«المجموعة السعودية» بانخفاض 0.70%. كما ارتفع مؤشر السوق العام 342.27 نقطة أو بنسبة 4.30%، منهياً التعاملات عند النقطة 8293.37. كذلك ارتفع مؤشر السوق الأول إلى مستوى 8963.22 نقطة، بما يشكل نمواً بنحو 4%. وبلغت أحجام التداول الأسبوعية 2.69 مليار سهم (بارتفاع 4.20% مقارنة بمستويات الأسبوع الماضي). لكن قيم التداول سجلت تراجعاً بنحو 11.21% مسجلة 510.32 ملايين دينار. كما تراجع عدد الصفقات بنسبة 9.57% إلى 132.74 ألف صفقة، وذلك في أسبوع اقتصر على أربع جلسات تداول فقط. بينما تصدرت أسهم «سنام» قائمة الأكثر انخفاضاً بتراجع 20.72%، تلتها أسهم «التقدم» بنسبة تراجع 14.65%، و«تحصيلات» بنحو 14.19%، و«الخصوصية» بنحو 9.44%، و«نابيسكو» بنسبة 9.12%. مقارنة مع 605.41 مليارات ريال بنهاية الأسبوع الماضي (بما يمثل ارتفاعاً نسبته 4.23%). وبلغت قيمة التداول الأسبوعية حوالي 3.02 مليارات ريال، وكمية التداولات 1.22 مليون سهم، عبر 116.23 ألف صفقة. وارتفع حجم التداولات الإجمالية خلال الأسبوع بنسبة 3.75% وصولاً إلى 413.43 مليون ورقة مالية، مقابل 398.47 مليون سهم في الأسبوع الماضي. كما ارتفعت قيم التداول 5.22%، إلى 68.32 مليون ريال، مقابل 64.93 مليون ريال في الأسبوع الماضي. بينما على الجانب الآخر جاءت أسهم «العمانية القطرية للتأمين» على رأس قائمة المتراجعين خلال الأسبوع بانخفاض 9.68%، ثم «صناعة مواد البناء» بنسبة 4.11%، و«ظفار للتأمين» بنسبة 3.9%. بينما تصدرت أسهم شركة «الإثمار القابضة» قائمة الأكثر تراجعاً بانخفاض 7.41%، تلتها أسهم «سوليدرتي البحرين» بتراجع 6.33%، ثم «البحرين الوطنية القابضة» بانخفاض نسبته 4.76%. كما ارتفع مؤشر «إيجي إكس 70 متساوي الأوزان» بنسبة 0.75% وصولاً إلى مستوى 9811.41 نقطة، وسجل مؤشر «إيجي إكس 100 متساوي الأوزان» نمواً بنسبة 0.47% ليغلق عند مستوى 13344.47 نقطة. ارتفع رأس المال السوقي للبورصة المصرية بنحو 189.7 مليار جنيه في الأسبوع الذي تضمن أربع جلسات، ليصل إلى 2.339 تريليون جنيه، بنسبة صعود 8.8%. وذلك مقارنة بإجمالي قيمة تداول 406.6 مليارات جنيه، وكمية التداول بلغت 5.298 مليارات ورقة منفذة على 533 ألف عملية خلال الأسبوع الماضي.


صحيفة الخليج
منذ 11 ساعات
- صحيفة الخليج
مصر.. إنتاج الغاز يرتفع بعد نجاح الحفر ببئر «ظهر 6»
قالت وزارة البترول المصرية في بيان، الجمعة: إنه جرى بنجاح إتمام أعمال الحفر ببئر 6 بحقل ظهر الذي تشغله شركة إيني، مما يزيد الإنتاج بمقدار 60 مليون قدم مكعبة من الغاز يومياً. وقالت الوزارة: «استمراراً للنتائج الإيجابية ضمن المحور الأول من استراتيجية عمل وزارة البترول والثروة المعدنية، الهادف إلى زيادة الإنتاج المحلي وتوفير موارد الطاقة والمنتجات البترولية لمختلف قطاعات الدولة وتلبية احتياجات السادة المواطنين، وفي أعقاب عودة الحفار البحري «سايبم 10000» إلى حقل ظهر في شهر يناير 2025 لاستئناف أعمال الحفر وفق خطة التنمية المعتمدة؛ أتم جهاز الحفر البحري «سايبم 10000» بنجاح أعمال حفر إعادة المسار ببئر «ظهر 6»، والتي أضافت إلى معدلات الإنتاج الحالية نحو 60 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز الطبيعي، في خطوة هامة لدعم منظومة الإمدادات بالغاز الطبيعي خلال الفترة الحالية». وتابعت: «في أعقاب إتمام أعمال الحفر بنجاح، توجه جهاز الحفر لاستكمال مهامه المخططة وبدء أعمال الحفر ببئر «ظهر 13» والذي يتوقع أن يسهم بدوره في إضافة 55 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز وفق الدراسات الهندسية، بما يعزز منظومة الإنتاج المحلي وفق ما أعلنت عنه وزارة البترول والثروة المعدنية في مطلع هذا العام». وأضافت: «تأتي هذه النتائج الإيجابية امتداداً للشراكة الناجحة بين وزارة البترول والثروة المعدنية وشركة إيني الإيطالية المشغلة لحقل ظهر، واستكمالاً لخطط التنمية الموضوعة مسبقاً الاتفاق عليها، بما يضمن الإسراع في تنفيذ عمليات الحفر وتطوير الحقل باستخدام أحدث التقنيات العالمية في المياه العميقة، خاصة في ظل الدعم الكامل من الحكومة المصرية بمختلف أجهزتها لتشجيع جميع الاستثمارات في قطاع البترول المصري وتعظيم معدلات الإنتاج المحلي وضمان أمن الطاقة واستدامة مواردها».


صحيفة الخليج
منذ 13 ساعات
- صحيفة الخليج
الأضخم في تاريخ الرياضة ويتضمن رواتب ومكافآت خيالية ونسبة ملكية .. النصر السعودي يجدد لكريستيانو رونالدو بعقد القرن
تضمن عقد كريستيانو رونالدو الجديد مع نادي النصر السعودي والذي يستمر حتى عام 2027 الكثير من الامتيازات المالية الذي يجعله الأضخم في تاريخ الرياضة . وأعلن نادي النصر الخميس تجديد عقد رونالدو لمدة عامين دون ذكر التفاصيل المالية للصفقة ، لكن وسائل إعلام تحدثت عن عقد قياسي غير مسبوق ويتضمن التالي: راتب سنوي: 200 مليون إسترليني . أسبوعيًا: 3.4 مليون إسترليني. نسبة ملكية: 15% من نادي النصر (تُقدّر بـ33 مليون إسترليني ). مكافأة توقيع: 24.5 مليون إسترليني (ترتفع إلى 38 مليون إسترليني في حال تفعيل السنة الثانية من العقد) المكافآت: عن كل هدف: 80 ألف إسترليني (ترتفع بنسبة 20% في السنة الثانية) كل تمريرة حاسمة: 40 ألف إسترليني (ترتفع بنسبة 20% في السنة الثانية) مكافأة الدوري: 8 مليون إسترليني إذا حقق النصر لقب الدوري السعودي هداف الدوري : 4 مليون إسترليني . مكافآة نيل دوري أبطال آسيا: 6.5 مليون إسترليني . الامتيازات المعيشية: فريق عمل خاص مكوّن من 16 شخصًا بدوام كامل حسب التالي : • 3 سائقين • 4 عمال نظافة • 2 طهاة شخصيين • 3 بستانيين • 4 رجال أمن طائرة خاصة: جميع نفقات السفر بالطائرة الخاصة مغطاة من النادي (بقيمة 4 مليون إسترليني). رعاية وتسويق: صفقات رعاية بقيمة 60 مليون إسترليني مضمونة من النصر مع شركات سعودية وآسيوية.