
هدوءٌ حذر بعد العاصفة: صنعاء تفرض معادلاتها مع واشنطن
اليمن ينتزع اتفاق الندّية ويعيد رسم موازين الردع في المنطقة، بعد 52 يوماً من العدوان والتصعيد العسكري الأميركي، شنت واشنطن خلاله أكثر من 1700 غارة، وقصفاً بحرياً، ثم ما لبثت أن فشلت تلك الحملة العدوانية أمام صمود صنعاء، لتنعطف واشنطن إلى خيار الدبلوماسية وتتجه إلى اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة عُمانية.
الاتفاق لم يكن انتصاراً لأميركا كما حاول ترامب تصويره وتسويقه، بادّعاء أن صنعاء 'استسلمت'، بل مثّل اعترافاً بموازين ردع جديدة فرضها اليمن، من دون أن يقدّم أي تنازل في موقفه الداعم لفلسطين في البحر، وعمق فلسطين المحتلة، وآخره عمليتا الجمعة النوعيتان على مطار اللد المسمّى بن غوريون وهدف حيوي في يافا المحتلة 'تل أبيب'.
صنعاء أكدت التزامها بمضامين الاتفاق مع واشنطن، لكنها حذّرت من عواقب عودة الأخيرة إلى العدوان مجدداً، فالمعادلة ستكون أقسى.
لقد شكل اتفاق عمان لوقف إطلاق بين واشنطن وصنعاء، تحوّلاً دراماتيكياً في مسار الأزمة، وكسر وهم الغطرسة والهيمنة الأميركية في المنطقة.
فالعدوان _بنسخته الثانية_ الذي بدأته إدارة ترامب خلال ولايته الثانية ضد اليمن، سرعان ما تحولت من حملة عدوانية تستعرض فيها واشنطن قواها العسكرية، إلى مأزق استراتيجي كشف عجز القوة الأميركية أمام إرادة شعب ودولة رفضت الرضوخ.
منذ اللحظة الأولى للحملة، بدا أن إدارة ترامب تحاول توظيف اليمن كورقة ضغط في صراعها المفتوح مع إيران، وتصفية حسابات إقليمية مرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي.
غير أن القرار الأميركي إدراج 'أنصار الله' في قائمة الإرهاب، وفرض العقوبات الاقتصادية، وتكثيف الهجمات الجوية والبحرية، لم تحقق أياً من الأهداف المعلنة، بل أوقعت واشنطن في مستنقع مكلف.
خلال 52 يوماً فقط، شنت الولايات المتحدة أكثر من 1700 غارة، استخدمت فيها أحدث ما تملكه من ترسانة، من الطائرات، إلى القاذفات الاستراتيجية، وعلى رأسها طائرة الـB2 وحاملات الطائرات ومنظومات الاعتراض الكهرومغناطيسية، ورفعت السقوف وبالغت في التهديدات وأفرطت بالتفاؤل في تحقيق أهدافها.
إلا أن هذه القوة الجبارة اصطدمت بواقع ميداني مختلف تماماً. فصنعاء لم تتراجع، بل فاجأت خصمها بقدرات عسكرية فاعلة أسقطت سبع طائرات تجسس أميركية من نوع MQ9، وحيّدت حاملة الطائرات 'هاري ترومان' عن الخدمة مبكراً، في تطور شكّل صفعة مدوية لهَيبة البحرية الأميركية خصوصاً بعد سقوط أو إسقاط طائرتين متطورتين من نوع f18 خلال الأسبوع الأخير، وما رافق ذلك وسبقه من ضربات يمنية نوعية، وصلت إلى عمق العدو الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، حيث أعلنت القوات اليمنية استهداف مدن ومرافق استراتيجية، أبرزها مطار 'بن غوريون'، في رسالة عسكرية ذات أبعاد استراتيجية إقليمية ودولية.
في البيت الأبيض، بدا أن ترامب، بتكوينه التجاري قبل السياسي، بدأ يقلق مع استمرار تصاعد تكلفة الحرب واستغفاله من قبل نتنياهو.
ومع تضخم الخسائر إلى مليار دولار خلال الأسابيع الثلاثة الأولى فقط، بدأت محاولات التفلت الأميركي من المأزق.
فبدلاً من التسخين العسكري والتصعيد حولت إدارة ترامب تلك السخونة إلى خطوط الهاتف، إذ كشفت اتصالات مع الوسيط العماني عن رغبة أميركية في الخروج بماء الوجه، من دون اعتراف صريح بالفشل.
هذا التراجع لم يكن نتيجة ضغوط داخلية فقط، بل جاء عقب خسارة ميدانية وفضيحة أمنية عصفت بالبنتاغون إثر تسريبات عبر تطبيق 'سيغنال'، وأدت إلى إقالات طالت كبار المستشارين، وكان أبرزهم مستشار الأمن القومي نفسه.
الاتفاق الذي تم التوصل إليه وأعلنه الأشقاء في سلطنة عُمان ورحّبت به أغلبية الدول العربية والإسلامية لم يكن مجرد وقف لإطلاق النار، بل انعكاساً لمعادلة جديدة فرضتها صنعاء، من موقع الندّية.
اليمن لم يقدّم تنازلات ولم يستجدِ ولم يترجَّ، بل انتزع وقف العدوان من دون أن يتراجع أو يغيّر موقفه من دعم فلسطين أو عملياته في البحر الأحمر. بل الأكثر من ذلك، أن الاتفاق عكس نجاح صنعاء في فصل المسار الأميركي عن الإسرائيلي، وهو ما أزعج 'تل أبيب' التي فوجئت بإعلان ترامب من دون تنسيق مسبق، في سابقة أثارت تساؤلات داخل الدوائر الصهيونية وأنتجت أزمة بين نتنياهو وترامب.
في المقابل، كانت لواشنطن أيضاً مكاسبها، إذ إن الاتفاق أتاح لها الهروب من مأزق حرب مكلفة بلا جدوى نيابة عن'إسرائيل'، وحفظت لواشنطن ما تبقى من ماء وجه قوتها العسكرية، وسمحت _دبلوماسياً لا عسكرياً_ باستئناف الملاحة الآمنة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهي مصالح تعتبرها واشنطن حيوية.
لكن الأهم أن الاتفاق كشف أن اليمن لم يكن يهدد الملاحة الدولية كما تزعم واشنطن، بل إن قراره باستهداف السفن اقتصر منذ يومه الأول على السفن الإسرائيلية وتلك المرتبطة بـ'إسرائيل'، في سياق معادلة واضحة لفك الحصار عن غزة: 'الحصار مقابل الحصار'.
فالقوات اليمنية لم تستهدف السفن الأميركية إلا بعد أن قررت واشنطن التدخل عسكرياً لمصلحة تل أبيب، وتشكيل تحالف بحري استفزازي واعتدت على اليمن. ولولا هذا التدخل، لمرت السفن الأميركية بسلام، كما تمر سفن عشرات الدول الأخرى من دون أي تهديد.
التعاطي اليمني مع الاتفاق اتسم بالجدية والالتزام، لكن صنعاء أوضحت أن احترام الاتفاق مرهون بسلوك الطرف الآخر.
وفي هذا السياق، جاء التحذير الواضح من السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطاب الخميس الماضي، الذي أكد فيه أن أي خرق أميركي سيُقابل بالرد وقد يكون قاسياً، قائلاً: 'إذا عاد الأميركي للعدوان على اليمن فنحن له بالمرصاد'.
وهو تصريح يعكس وضوح الرؤية لدى القيادة اليمنية، التي تدرك أن المرحلة المقبلة ستكون اختباراً للنوايا الأميركية أكثر من أي شيء آخر.
وبذلك، نجح اليمن في تحويل العدوان إلى فرصة استراتيجية، وأعاد رسم معادلات الردع، لا فقط مع واشنطن، بل مع كل من يعتدي، أو يفكر في الاعتداء أو يراهن على تفوق السلاح وحده، من دون حساب لمعادلة الإرادة والصمود اليمنيين وتطور القوة.
في الخلاصة، الاتفاق الأميركي اليمني لوقف إطلاق النار شكل بداية لمرحلة جديدة يُعاد فيها تعريف النفوذ والسيادة، وتُرسم فيها ملامح منطقة لم تعد فيها الولايات المتحدة قادرة على فرض إرادتها كما اعتادت سابقاً.
والأيام المقبلة كفيلة بكشف مدى قدرة وجدية واشنطن على الالتزام بما وقّعت عليه، وهذا مرهون بحذرها من أي محاولة جرجرة إسرائيلية جديدة إلى مأزق جديد، أما صنعاء فهي ملتزمة بالسلم، ومستعدة للرد إن اختارت واشنطن العودة إلى مربع العدوان والنكث بالاتفاق على قاعدة: وإن عدتم عدنا وعاد الله معنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ علي ظافر

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ ساعة واحدة
- اليمن الآن
أمريكا توافق على بيع مصر أنظمة دفاع جوي متطورة
وافقت الولايات المتحدة على بيع منظومة صواريخ أرض - جو متطورة وعناصر الدعم اللوجستي ومعدات ذات صلة إلى مصر بمبلغ يقدر بنحو 4.67 مليار دولار. وتتعلق الصفقة بمنظومات ناسامز، وهي أنظمة صواريخ أرض - جو من إنتاج شركة "آر تي إكس" (المعروفة سابقا باسم رايثيون) يستخدمها على وجه الخصوص الأوكرانيون منذ أشهر للتصدي للهجمات الجوية الروسية. وقال بيان صادر من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إن وزارة الخارجية وافقت على صفقة بيع عسكري محتملة إلى مصر تشمل منظومة الدفاع الجوي الوطني المتقدم (ناسامز) والعناصر المرتبطة بها من الدعم اللوجستي وبرامج الدعم، بتكلفة تقديرية تبلغ 4.67 مليار دولار أمريكي. من جانبها، قالت وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأمريكية إن هذه الصفقة "ستدعم أهداف السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة من خلال تعزيز أمن حليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي يمثل قوة للاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في الشرق الأوسط". تتضمن الصفقة: 4 منظومات رادار من طراز AN/MPQ-64F1 Sentinel مع المعدات المساندة. 100 صاروخ AMRAAM ممتد المدى (ER). 100 صاروخ AIM-120C-8 AMRAAM جو-جو. وحدتان من وحدات التوجيه AIM-120C-8 AMRAAM (كقطع غيار). وحدة واحدة من وحدات التحكم AMRAAM (كقطعة غيار). 600 صاروخ تكتيكي من طراز AIM-9X Sidewinder بلوك II. اثنتان وستون (62) وحدة توجيه تكتيكية من نوع AIM-9X Sidewinder بلوك II. عشرون (20) وحدة توجيه تدريبية CATM لـ AIM-9X Sidewinder. كما تشمل الصفقة عناصر غير مصنّفة ضمن المعدات الدفاعية الرئيسية، منها: مراكز توزيع النيران (FDC)، أنظمة إطلاق الصواريخ في الحاويات، أنظمة كهربصرية/أشعة تحت الحمراء، أنظمة مراكز القيادة التكتيكية، أدوات تدريب ميدانية وشبكات الاتصال، أنظمة تشفير HAIPE IPS 250X، نظام التعريف الصديق من العدو (IFF) الطراز 5800 أو TPX-61، جهاز التشفير KIV-77، حاويات الصواريخ، معدات الدعم والاختبار، قطع الغيار، مواد الاستهلاك، منشورات فنية ووثائق، تدريب الأفراد والمعدات التدريبية، دعم فني ولوجستي من الحكومة الأمريكية والمقاولين، وعناصر دعم لوجستي وبرنامجي أخرى مرتبطة. ومن المتوقع أن تعزز الصفقة من قدرات مصر الدفاعية في مواجهة التهديدات الجوية الحالية والمستقبلية، بحسب ما جاء في البيان الأمريكي الذي لم يصدر عنه تعقيب مصري حتى الساعة 11 تغ. وتعد منظومة الدفاع الجوي الأمريكية "ناسامز" إحدى أبرز المنظومات الصاروخية متوسطة المدى في العالم، وتعتمد على دمج رادارات متقدمة مع قاذفات صواريخ AIM-120 AMRAAM ذات التوجيه النشط، ما يمنحها مرونة عالية في الاستجابة وفعالية في تتبع واعتراض الأهداف. ودخلت الخدمة لأول مرة في الولايات المتحدة عام 2005، ثم سرعان ما تم اعتمادها من قبل عدد من الدول، في مقدمتها النرويج وهولندا وكندا، إلى جانب استخدامها بشكل لافت في تعزيز الدفاعات الجوية لواشنطن، لا سيما في حماية البيت الأبيض.


اليمن الآن
منذ 2 ساعات
- اليمن الآن
مليشيا الحوثي تُجهض احتجاجاً عمالياً في عمران بحملة اعتقالات جماعية
في تصعيد جديد لقمع الحريات وتكميم الأفواه، شنت ميليشيا الحوثي حملة اعتقالات واسعة استهدفت عشرات الموظفين في مصنع إسمنت عمران شمال العاصمة صنعاء، لمنعهم من تنظيم وقفة احتجاجية تطالب بإعادة تشغيل المصنع المتوقف منذ مايو الماضي، عقب غارات جوية إسرائيلية دمّرته جزئيًا. ووفقًا لمصادر محلية نقلتها صحيفة الشرق الأوسط، قاد الحملة قياديون بارزون في مليشيا الحوثي، بينهم يحيى عطيفة، المعيّن رئيسًا لمؤسسة صناعة وتسويق الإسمنت، ونايف أبو خرشفة، المعين مديرًا لأمن محافظة عمران، حيث أصدرا توجيهات مباشرة للأجهزة الأمنية الحوثية بمداهمة منازل عدد من الموظفين واعتقالهم عقب رصد تحركات داخلية تدعو للتظاهر. وأفادت المصادر بأن عناصر أمنية واستخباراتية تابعة لميليشيا الحوثي نفذت المداهمات في مدينة عمران وضواحيها، واعتقلت 28 موظفًا على الأقل من العاملين في المصنع، ونقلتهم إلى سجون تابعة للمليشيا، حيث جرى عرض تسويات للإفراج عن بعضهم مقابل التعهد بعدم المشاركة في أي احتجاجات مستقبلية، والانخراط في فعاليات موالية للمليشيا. وأشارت المصادر إلى أن حملة الاعتقالات استندت إلى تقارير كيدية رُفعت من موظفين جدد تم تعيينهم حديثًا في المصنع من قِبل مليشيا الحوثي، رغم افتقارهم لأي مؤهلات فنية أو إدارية، ضمن مساعي المليشيا لإحكام قبضتها على المنشأة. وأثارت هذه الحملة ردود فعل غاضبة في الأوساط الحقوقية والشعبية، حيث اعتبر ناشطون ما جرى 'انتهاكًا صارخًا للدستور والقوانين'، واستمرارًا لنهج التجويع والترهيب الذي تمارسه مليشيا الحوثي بحق موظفي القطاع العام في مناطق سيطرتها. خالد، شقيق أحد المعتقلين، أوضح أن أخاه يعاني من أوضاع نفسية وصحية متدهورة منذ توقف المصنع، وأن الأسرة المكونة من ستة أطفال لم تتلقَ أي دعم، بل جرى اعتقال معيلها لمجرد مطالبته بحقه في العمل. وفي تطور متصل، أصدر مدير المصنع المعيّن من ميليشيا الحوثي نهاية الشهر الماضي قرارات تعسفية بفصل 18 موظفًا رسميًا، وتعيين عناصر من المليشيا بدلًا منهم، بدعوى التحريض على التظاهر. ويُعد مصنع إسمنت عمران، الذي تأسس عام 1979 ويقع على بعد 50 كيلومترًا شمال صنعاء، من أكبر المنشآت الصناعية في اليمن، ويضم نحو 1500 موظف، فيما تعتمد عليه أكثر من 10 آلاف أسرة بشكل غير مباشر. ورغم مزاعم ميليشيا الحوثي بأن إعادة تشغيل المصنع تتطلب تمويلًا ومعدات أجنبية، تؤكد تقارير محلية أن المصنع كان يدر أرباحًا شهرية تقدر بـ15 مليون دولار قبل توقفه، ما يعكس توافر الموارد وغياب الإرادة السياسية لمعالجة أوضاع العاملين. وفي ظل استمرار القمع، يجد آلاف الموظفين أنفسهم محاصرين بين خيارين قاسيين: المطالبة بحقوقهم والدخول إلى السجون، أو الصمت ومواصلة المعاناة في صمت.


اليمن الآن
منذ 2 ساعات
- اليمن الآن
زيلينسكي: نملك ثمن 3 باتريوت ونسعى لتمويل 7 أخرى
أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الخميس، أن بلاده تمتلك التمويل اللازم لشراء ثلاثة أنظمة دفاع جوي من طراز باتريوت، وتسعى لتأمين تمويل سبعة أنظمة إضافية بمساعدة الدول الشريكة. وأكد زيلينسكي، في تصريحات صادرة عن مكتبه، أن أوكرانيا تواجه فجوة تمويلية تبلغ 40 مليار دولار للعام المقبل، وسط استمرار الضغوط العسكرية والاقتصادية الناتجة عن الحرب مع روسيا.