
كيف يمكن محاسبة مجرمي سوريا؟ درس من فرانكفورت
تُعدّ إدانةُ الطبيب السوري علاء م. من قبل المحكمة الإقليمية العليا في فرانكفورت أكثر من مجرد حالة استثنائية للمساءلة عن جرائم فظيعة؛ فهي تمثل إنجازًا قضائيًا بالغ الأهمية يتجاوز حدود القضية الفردية.
فبعد ثلاثِ سنوات ونصفٍ من الإجراءات، اختُتمت بالحكم عليه بالسجن المؤبد لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، باتت هذه المحاكمة علامة فارقة في مسار العدالة، لا من حيث عقوبتها فقط، بل لِما تتيحه من إمكانات لتشكيل بنية العدالة الانتقالية في سوريا بعد زوال نظام الأسد.
يُوفر التزامن بين هذا الحكم والتحولات السياسية المتوقعة في سوريا فرصة فريدة لنقل الخبرات القانونية وتوطينها. فرغم أن محاكمات الولاية القضائية العالمية كانت، حتى وقت قريب، السبيلَ الوحيد لمحاسبة المتورطين في الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد، فإنها باتت اليوم تُشكّل نماذج يمكن الاسترشاد بها لبناء آليات محلية للمساءلة.
لقد أرست محكمة فرانكفورت من خلال بنائها ملفات عن التعذيب المنهجي في المستشفيات العسكرية، وإنشائها هياكل القيادة، وتحديدها الجرائم ضد الإنسانية في السياق السوري، أسسًا فقهية مهمة للمحاكم السورية المستقبلية.
يتناول هذا المقال الكيفية التي يمكن من خلالها توظيف الأبعاد الإجرائية والإثباتية والموضوعية لمحاكمة علاء م. في دعم الانتقال السوري من آليات العدالة الخارجية إلى مسارات عدالة داخلية.
يشكّل مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي استندت إليه محكمة فرانكفورت في محاكمة علاء م.، أداة وقتية للعدالة لا تنفي السيادة السورية، فوفق مبدأ التكامل، الذي يُعد حجر الزاوية في القانون الجنائي الدولي، تُمنح المحاكم الوطنية الأولوية في الملاحقات القضائية، ولا تتدخل الآليات الدولية أو خارج الإقليم إلا عند عجز الدول أو امتناعها عن القيام بذلك.
وفي الحالة السورية، حال الطابع المنهجي للعنف الذي مارسه نظام الأسد دون تحقيق أي عدالة داخلية، مما استوجب اللجوء إلى الآليات القضائية العالمية.
لكن هذه المحاكمات العابرة للحدود لا تُعنى فقط بالمساءلة المباشرة، بل تؤدي دورًا مهمًا في حفظ الأدلة وبناء الأطر القانونية للمستقبل. فقد وثّقت محكمة فرانكفورت، من خلال شهادات أكثر من خمسين شاهدًا وتحليلات خبراء في منهجيات التعذيب وهياكل القيادة، أرشيفًا دقيقًا كان يمكن أن يتعرض للفقد أو الإتلاف في بيئة غير مستقرة.
كما أن خلاصاتها بشأن تحويل المستشفيات العسكرية إلى مواقع تعذيب، والطابع المنظم للهجمات على المدنيين، ودور الأجهزة الأمنية، تُعدّ بمثابة روايات قضائية يمكن اعتمادها لاحقًا من قبل القضاء السوري عبر الإشعارات أو المراجع القانونية.
إن الانتقال من نظامٍ استبدادي يتعذّر معه تحقيق العدالة إلى سياق ما بعد النزاع، يتطلّب تحوّلًا ممنهجًا من الاعتماد على العدالة الخارجية نحو تأسيس مسارات وطنية قائمة على سيادة القانون.
ولا ينبغي النظر إلى أحكام الولاية القضائية العالمية كفرضٍ قانوني خارجي، بل كسوابق تأسيسية يمكن الاستفادة منها في صوغ منهجيات محلية للمقاضاة، وتحديد معايير الإثبات، وتطوير فهم قانوني متخصص لجرائم الفظائع. وتُشكّل محاكمة فرانكفورت نموذجًا لتحليل الجرائم الجماعية وتفكيكها إلى أفعال فردية قابلة للتقاضي، بما يحافظ على تميّزها المنهجي.
هذا التحول لا يعني نقل الأحكام الأجنبية بحَرفيتها، بل يتطلب دمجها في إطار سيادي يعكس الخصوصيات القانونية السورية ويُراعي المعايير الدولية.
وبهذا المعنى، فإن قضايا الولاية القضائية العالمية تؤدي وظيفة الجسر المؤقت، الذي يربط بين واقع العجز المؤسسي ومآل السيادة القضائية، مانحةً سوريا أدوات ومناهج لإعادة العدالة إلى الداخل.
ثالثًا: معايير الإثبات ومنهجيات التوثيق القضائي
تُجسّد محاكمة فرانكفورت، التي امتدت على مدار 186 يومًا، مستوًى عاليًا من الدقة في التوثيق المطلوب لمقاضاة جرائم الفظائع الجماعية، واضعةً بذلك معايير إثبات تتجاوز الممارسات الجنائية التقليدية.
أتاح هذا الإطار الزمني الممتد تجميعًا منهجيًا لمصادر أدلة متنوعة، ما أدى إلى تكوين مصفوفة وقائعية تُوثّق الأفعال الإجرامية الفردية في سياقها النظامي. ولا تُعبّر مدة الإجراءات عن بطء بيروقراطي، بل عن تعقيد المهمة المتمثلة في إثبات المسؤولية الجنائية ضمن نمط منظم من العنف ترعاه الدولة، يتطلب مواءمة الوقائع الفردية مع الهجمات الواسعة ضد المدنيين.
عكس استخدام المحكمة أساليبَ إثبات متعددة الطبيعةَ المركبة لملاحقة مرتكبي الجرائم الفظيعة. فقد أدلى أكثر من خمسين شاهدًا بروايات مباشرة عن التعذيب، والعنف الجنسي، والقتل في المستشفيات العسكرية، بينما وضع الخبراء هذه الشهادات في سياقها ضمن منظومة الاستخبارات والقيادة العسكرية السورية.
أسهم دمج شهادات الناجين مع التحليل الجنائي والوثائق المكتوبة في صياغة أنماط قانونية متماسكة من تجارب فردية متناثرة. وتزداد أهمية هذا التثليث المنهجي في مواجهة جرائم صُممت لتمحى آثارها، حيث يتعمد الجناة إتلاف الوثائق وترهيب الشهود.
تطلّب الكشف عن سلاسل القيادة في هياكل أمنية مغلقة، اعتمادَ مناهج مبتكرة للتعامل مع الأدلة الظرفية، والتعرف على الأنماط المتكررة.
وقد أظهرت المحكمة قدرة على الربط بين أفعال علاء م. والسياسات المؤسسية الأشمل، ما أتاح إثبات مسؤوليته ضمن إطار عنف منظم. ومن خلال رسم خرائط للهياكل التشغيلية للمستشفيين العسكريين 601 و608، والقسم 261 التابع لمديرية الاستخبارات العسكرية، كشفت المحاكمة كيف أعيد توظيف المؤسسات الطبية بشكل منهجي كمراكز للتعذيب، محوّلةً بذلك أماكن الاستشفاء إلى أدوات عنف ممنهج.
لعبت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان دورًا مهمًا في ربط مسارح الجريمة بقاعات المحاكم.
وقد تجسّدت مساهماتهما في تقديم الوثائق، وتحديد الشهود، وتوفير تحليلات سياقية دعمت عمل الادعاء العام، مؤكدةً الدور المحوري لمنظمات المجتمع المدني كوسطاء في عمليات المحاسبة.
ساهم التوثيق المنتظم الذي أجرته الشبكة على مدى أربعة عشر عامًا في توفير استمرارية زمنية لحفظ الأدلة، بينما حوّلت خبرة المركز الأوروبي الوثائق الخام إلى ملفات قابلة للتقاضي.
ويُقدّم هذا النموذج التعاوني، الذي تعمل فيه منظمات حقوق الإنسان كأمناء على الأدلة وميسّرين قانونيين، نموذجًا قابلًا للتكرار يمكن اعتماده في الإجراءات القضائية السورية المستقبلية.
رابعًا: الإصلاح المؤسسي استنادًا إلى السوابق القانونية
يمثّل إدماج الجرائم الدولية في القانون المحلي السوري تحديًا عميقًا يتجاوز مجرد التعديل التشريعي. وقد وفّرت محكمة فرانكفورت، من خلال تعريفها الدقيق للجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في قضية علاء م.، نموذجًا فقهيًا يُمكن البناء عليه، غير أن إصلاح المنظومة القانونية السورية يتطلّب تجاوز الفجوة القائمة بين التعريفات الدولية والتقاليد القضائية الوطنية.
ويُظهر قصور قانون العقوبات السوري الحالي في التعامل مع العنف المنهجي الذي ترعاه الدولة الحاجة إلى مراجعة شاملة، تعتمد إما صياغة تشريعات جديدة أو تطوير أطر قانونية انتقالية تُجرّم صراحةً الجرائم الدولية، وَفقًا للمعايير العرفية المعتمدة دوليًا.
ويتصدّر استقلال القضاء الشروط الأساسية لإجراء محاكمات ذات مصداقية لمن ارتكبوا الجرائم الجسيمة، وهو ما يستدعي إصلاحات بنيوية تتجاوز المظاهر الشكلية للمؤسسات القضائية.
فالإصلاح القضائي السوري يجب أن يعالج بُعدين متكاملين: الاستقلال الشكلي عبر الضمانات الدستورية، واستقرار الوظيفة القضائية، وتوفير الموارد، إلى جانب الاستقلال الجوهري من خلال تعزيز ثقافة قضائية تقاوم التدخلات السياسية وتتمسك بالنزاهة القانونية.
ولا يُمكن تصور محاسبة فعلية لمجرمي الدولة دون قضاء حر قادر على مساءلة البنى الأمنية والعسكرية التي طالما تمتعت بالحصانة في عهد الأسد.
كما يُعدّ إصلاح القطاع الأمني، المُرتكز إلى مبادئ المساءلة، خطوة جوهرية في هندسة العدالة الانتقالية. ولا ينبغي أن يُنظر إلى الأجهزة الأمنية كأدوات لإعادة الهيكلة فقط، بل كمواقع يجب إخضاعها للمحاسبة والمشاركة في كشف الحقيقة.
ويُبرز ما كشفته قضية علاء م. من تحويل المستشفيات العسكرية إلى مراكز للتعذيب، الحاجة إلى تفكيك الثقافة المؤسسية التي شرعنت العنف. فالإصلاح يجب ألا يقتصر على تبديل الأفراد أو إعادة رسم الهياكل، بل يتطلّب ترسيخ أطر عقائدية جديدة تدمج مبادئ حقوق الإنسان ضمن الممارسات التشغيلية اليومية.
ويتجسّد هذا النهج العملي في إنشاء آليات داخلية فعّالة للمساءلة، مثل مكاتب المفتش العام المزودة بصلاحيات تحقيق حقيقية، والتدريب الإلزامي على حقوق الإنسان ضمن برامج التطوير المهني، واعتماد معايير واضحة لمساءلة القادة عن الانتهاكات التي تقع ضمن نطاق سلطتهم.
ويُدرك هذا النموذج أن الإصلاح الجذري لا يتحقق فقط من خلال الرقابة الخارجية، بل من خلال غرس ثقافة المساءلة داخل المؤسسات التي تأسست على منطق القمع.
وتُرسّخ محاسبة المهنيين الطبيين على انتهاك واجباتهم الأخلاقية مبدأً مفصليًا: أن الالتزامات المهنية لا يمكن إخضاعها لضرورات الدولة الأمنية، وهو ما يجب أن يسري على كافة القطاعات المنخرطة في منظومة العنف المنهجي.
خامسًا: تأسيس بنية للعدالة الانتقالية
تتطلب العدالة الانتقالية في السياق السوري تحولًا من المقاربات الارتجالية للمحاسبة إلى بناء منظومة متكاملة تعالج البنى التي أنتجت الفظائع، لا مجرد معاقبة الجناة الأفراد.
فنتائج محكمة فرانكفورت، التي كشفت عن التحويل المنهجي للمرافق الطبية إلى مراكز للتعذيب، تُظهر مدى تورط أطر مؤسسية كاملة في ممارسة العنف، مما يستوجب آليات مساءلة تعالج هذه البنى الهيكلية، مع الحفاظ على دقة المسؤولية الجنائية الفردية.
ومن هنا، ينبغي أن تطوّر العدالة الانتقالية السورية إستراتيجيات تربط بين القضايا الفردية والأنماط الجماعية، بما يرسّخ سرديات قانونية تعكس الطابع المنهجي للجريمة دون أن تُفرغ المسؤولية الفردية من معناها.
وتُعدّ آليات تقصي الحقائق ركيزة أساسية مكملة للمحاكمات الجنائية، إذ تسمح بفهم الأبعاد الاجتماعية والسياسية التي مهّدت لوقوع الجرائم. وبينما تركّز الإجراءات القضائية على تحديد المسؤوليات الفردية ضمن إطار قانوني، تتيح لجان الحقيقة استكشاف السياقات الأوسع، بما في ذلك الأطر الأيديولوجية التي شرّعت العنف، والبنى البيروقراطية التي مأسسته.
ويؤدي هذا التكامل بين المسارين وظائف متمايزة، ولكن متكاملة: فالقضاء يُرسي المساءلة القانونية، فيما تعيد تقصي الحقائق بناء السرديات التاريخية وتُمهّد الطريق للإصلاح المؤسسي طويل الأمد.
ومن جهة أخرى، تتطلب العدالة الانتقالية مقاربة تتمحور حول الضحايا، تتجاوز النماذج الانتقامية التقليدية نحو نموذج يُقرّ بحقوق الضحايا كمشاركين فعليين في تصميم العدالة.
وقد أبرزت تجربة المدعين المشتركين في قضية علاء م.- ممثلين عبر الآليات القضائية الأوروبية- إمكانات مشاركة الضحايا وتحدياتها. ولضمان شمولية هذه المشاركة، يجب الاعتراف بالضحايا كأصحاب حقوق، يطالبون بالتعويض، والمشاركة، وتخليد الذاكرة، لا كشهود فقط.
ويستدعي ذلك تأسيس بنى مؤسسية تُتيح للضحايا التعبير عن مطالبهم، والمساهمة في تصميم آليات المساءلة، ووضع برامج تعويض تُعالج الأضرار المادية والمعنوية على حد سواء.
كما ينبغي أن تُسهم إجراءات العدالة في إعادة تأهيل الناجين، لا في إعادة تفعيل صدماتهم. ويبقى التحدي في تحقيق توازن دقيق بين الاستجابات الفردية للاعتداءات، والاعتراف بالجراح الجماعية التي خلّفها العنف المنهجي.
ولتحقيق ذلك، لا بد من تبنّي ابتكارات مؤسسية مثل وحدات دعم الضحايا داخل النيابات العامة، وبرامج الدعم النفسي والاجتماعي المرافقة للمسارات القانونية، وآليات تشاركية تمكّن الضحايا من صياغة أجندة العدالة الانتقالية، متجاوزين دورهم كمقدّمي أدلة فقط.
سادسًا: التكامل القانوني الدولي وبناء القدرات القضائية
تُعد عضوية سوريا في نظام روما الأساسي بعد المرحلة الانتقالية خطوة إستراتيجية نحو ترسيخ الشرعية القضائية وبناء القدرات المؤسسية. إذ يُتيح هذا الانضمام الوصول إلى فقه المحكمة الجنائية الدولية، والمبادئ التوجيهية الإجرائية، وبرامج التدريب وبناء القدرات، إلى جانب ترسيخ الالتزام بالمعايير القانونية الدولية.
وقد أرست محاكمة فرانكفورت ضد علاء م. معايير إثبات وإجراءات تُعد مرجعية لما ينبغي أن تبلغه المحاكم السورية من مستوى لتلبية متطلبات التكامل، بما يمنع تدخل المحكمة الجنائية الدولية، مع الاستفادة من خبراتها المؤسسية.
لكن تفعيل الفقه الدولي يتطلب ترجمة مدروسة بين الأطر القانونية والسياقات السياسية والاجتماعية المحلية. ويوفّر الحكم في قضية علاء م.، إلى جانب قضايا أخرى نُظرت بموجب الولاية القضائية العالمية، سوابق فقهية يمكن الاستناد إليها لتفسير الجرائم ضد الإنسانية في السياق السوري.
غير أن الاعتماد غير النقدي على الأحكام الأجنبية قد يؤدي إلى تناقضات قانونية أو رفض شعبي وسياسي. ولهذا، ينبغي للفقهاء السوريين أن يطوّروا منهجيات انتقائية تستند إلى القيمة الإقناعية للسوابق الدولية، مع استخلاص المبادئ التي يمكن تكييفها محليًا.
ويتطلب ذلك دراسة كيفية تعامل المحاكم الدولية مع قضايا مشابهة، مثل إثبات الطابع المنهجي للهجمات على المدنيين، أو مسؤولية القيادة في أجهزة أمنية مغلقة، أو التمييز بين العمليات العسكرية المشروعة وأفعال العنف الإجرامي.
ويفرض بناء الخبرات القضائية والادعائية الحاجةَ إلى آليات منظمة لنقل المعرفة، تتجاوز النماذج التدريبية التقليدية. فقد كشفت محاكمة فرانكفورت عن تعقيد الملاحقات القضائية للفظائع، ومن ثم، ينبغي أن يشمل بناء القدرات محاور متعددة: فقه الجرائم الدولية، إدارة المحاكمات المعقدة، حماية الشهود، والمهارات الجنائية والطب الشرعي.
ويمكن لبرامج التبادل التي تتيح للمهنيين السوريين مراقبة المحاكمات الدولية، والعلاقات الإرشادية مع خبراء الادعاء الدوليين، وتمارين بناء القضايا المشتركة، أن تُسرّع وتيرة تطوير الكفاءة القضائية.
وتبرهن تجربة الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان في قضية علاء م. على إمكانية عمل منظمات المجتمع المدني كجسور معرفية، تربط بين المعايير الدولية والسياق السوري، وتُقدّم منهجيات يمكن استيعابها وتوطينها ضمن المؤسسات السورية.
خاتمة
يُمثل الحكم الصادر ضد علاء م. ثمرةً لجهود متواصلة بذلها الناجون ومنظمات حقوق الإنسان والآليات القانونية الدولية، لكسر جدار الإفلات من العقاب الذي طالما رافق العنف الذي مارسه نظام الأسد.
كما يُشكّل هذا الحكم أرضية قانونية صلبة يمكن لسوريا البناء عليها لتأسيس منظومة مساءلة وطنية، تُحوّل الاعتماد على المحاكم الأجنبية إلى قدرة ذاتية قائمة على السيادة والعدالة.
لكن هذا الانتقال من آليات العدالة الخارجية إلى آليات داخلية لا يتحقق بإعادة هيكلة المؤسسات فحسب، بل يتطلّب إعادة تعريف العلاقة بين سلطة الدولة وحكم القانون.
وقد أظهرت محاكمة فرانكفورت أن العنف الممنهج قابل للتفكيك إلى أفعال قابلة للمحاسبة، وأن الأطباء وغيرهم من الفاعلين لا يمكنهم التذرع بالأوامر العليا لتبرير انتهاكهم الواجبات المهنية، وأن توثيق الأدلة يمكن أن يصمد أمام محاولات المحو المتعمدة.
إن المعايير الإثباتية والإجرائية التي أرستها محكمة فرانكفورت، والشراكات التي تشكّلت بين المجتمع المدني والمؤسسات القضائية، والمقاربات التي تتمحور حول الضحايا، توفر جميعها أدوات مجرّبة يُمكن تكييفها في السياق السوري، ولتُصاغ داخل المؤسسات السورية، وبأيادي قانونييها، ومن أجل تعافي مجتمعها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 38 دقائق
- الجزيرة
سيناتور أميركي: أي اتفاق مع إيران يتطلب اعترافها أولا بإسرائيل
قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إنه لا مجال للأوهام بشأن النظام الإيراني، ولا فرصة لاتفاق دبلوماسي معه دون الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والآن هو الوقت المناسب لتعميق التحالف الأمني مع تل أبيب. وأكد السيناتور -في مقابلة مع صحيفة يسرائيل هيوم- بعيد انتهاء العملية العسكرية الأميركية الإسرائيلية المشتركة ضد المنشآت النووية الإيرانية، وإعلان وقف إطلاق النار ، أن "مفتاح أي نقاش مع إيران هو المطالبة الحازمة بتغيير سلوكها"، وأوضح أن أي جهد للتفاوض معها "ينبغي أن ينطلق من شرط اعتراف النظام الإيراني علنا بحق إسرائيل في الوجود". وأوضح غراهام أنه لا مبرر للتساهل مع طهران، وأكد أنها لا تريد أن تتخلى عن طموحها النووي، مشيرا إلى أن رئيس البرنامج النووي الإيراني صرح بأنهم سيعودون إلى بناء برنامجهم النووي، وأشاد بالعمل العسكري الذي قامت به إسرائيل والولايات المتحدة، وأصر على ضرورة حرمان إيران من القدرة على تخصيب اليورانيوم، حتى للأغراض المدنية. ومع أن غراهام يؤيد السعي إلى حل دبلوماسي -حسب قوله- فإنه يشترط لذلك 3 أمور، أن تكون إيران دولة غير نووية، ولا تدعم الإرهاب، وتعترف بحق إسرائيل في الوجود، وإلا فإن أي اتفاق سيكون مجرد وهم. نأخذ أخبارنا من الكتاب المقدس ودعا السيناتور الأميركي على عدم ترك إسرائيل وحيدة، وقال "أول ما علينا فعله هو مساعدة إسرائيل على صعيد الأسلحة. إذا ترددنا في دعمنا لإسرائيل، أعتقد أنه سيكون من الصعب جدا إقناع العالم العربي بالدخول في شراكة مع الولايات المتحدة". وفيما يتعلق بمذكرتي اعتقال المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت ، قال غراهام "هذه المنظمة المسماة المحكمة الجنائية الدولية تسخر من نظام روما الأساسي ، وتشكل تهديدا وجوديا لسلامة إسرائيل". وقال إن "توجيهها الاتهامات واعتقال وسجن قادة إسرائيل التي ليست عضوا فيها، لمجرد دفاعهم عن أنفسهم، يعرض وجود إسرائيل للخطر. سأواصل الضغط من أجل فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية على هذا السلوك المشين". بواسطة ليندسي غراهام وأعرب غراهام عن قلقه العميق مما سماه نزع الشرعية الممنهج عن إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي، وقال للصحيفة الإسرائيلية "إذا كنت شابا وتحصل على الأخبار عبر تيك توك ، فسترى إسرائيل الطرف الشرير". وأضاف غراهام "أنا أعيش في منطقة الحزام الإنجيلي في الولايات المتحدة، ونحن نرى إسرائيل الطرف الصالح لأننا نحصل على الأخبار عنها من الكتاب المقدس. عندما يهتف الناس في الجامعات "من النهر إلى البحر"، فإنهم يدعون إلى تدمير دولة إسرائيل. كثيرا ما أقول إن هؤلاء الليبراليين في الجامعات إما معادون للسامية أو أغبياء للغاية". وأبدى غراهام تفاؤلا حذرا بمستقبل المنطقة، مؤكدا أن الضربة على المنشآت النووية الإيرانية عززت مكانة إسرائيل بين الدول العربية، وقال "أعتقد أن السعودية ودولا عربية أخرى مستعدة لتغيير المنطقة والسير نحو النور بعيدا عن الظلام. أعتقد أن لبنان وسوريا قد يكونان في طريقنا. إن تضاؤل حزب الله وتدمير حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتحرير سوريا من التحالف الروسي الإيراني، كل ذلك يخلق إمكانية حقيقية لنشوء منطقة جديدة".


الجزيرة
منذ 40 دقائق
- الجزيرة
ما الذي دفع إسرائيل لوقف الحرب دون حسم؟
أعلن بنيامين نتنياهو مع بداية العدوان الإسرائيلي على إيران، وهو ممتلئ بالانتشاء في الساعات الأولى من المعركة، أن إسرائيل عازمة على تحقيق جملة من الأهداف الكبرى في إيران، وهي: القضاء على المشروع النووي الإيراني، وتقويض منظومة الصواريخ الباليستية، وإعادة رسم الشرق الأوسط، ارتباطًا بتغيير النظام الإيراني كأحد تداعيات الحرب. توقّف القتال بعد 12 يومًا، بضغط من الرئيس ترامب على نتنياهو للقبول بوقف إطلاق النار، ومن ثم قبول إيران بوساطة قطرية، بعد أن شنّت القاذفات الإستراتيجية الأميركية، هجومًا بقنابل خارقة للتحصينات على منشآت: فوردو، ونطنز، وأصفهان، وبعد أن ردّت إيران على تلك الضربة بهجوم صاروخي محدود ورمزي على قاعدتي عين الأسد في العراق والعديد في قطر، اللتَين تتواجد فيهما قوات أميركية. هذه النهاية السريعة فتحت باب التساؤلات بشأن ما أنجزته إسرائيل، في حربها المباغتة ضد إيران؛ فالمشروع النووي الإيراني، بعد قصفه بالقاذفات بي2 الأميركية، من المبكّر الحسم بمستوى الضرر الذي أصابه. وقد كان لافتًا ما سرّبته محطة CNN الأميركية عن تقرير سري لجهاز الاستخبارات العسكرية الأميركية؛ بأن الضربة للمشروع النووي قد يكون تأثيرها محدودًا، وأن إيران يمكن أن ترمّم ما تم تدميره خلال أشهر، ما أغضب الرئيس ترامب الذي شنّ حملة شعواء ضد الـ CNN، وبعض وسائل الإعلام الأميركية التي تبنّت الرواية المشكّكة. إضافة إلى ذلك، قول المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ إنه من المبكّر جدًا استخلاص ما حصل للمشروع النووي. ما يجعل تقييم أحد أهم أهداف بنيامين نتنياهو من الحرب محل شك انتظارًا لتقييمات الأجهزة المعنية. أما الصواريخ الإيرانية الباليستية، فقد كان المشهد مثيرًا لدقّتها وقدرتها الكبيرة على التدمير حتى الساعات الأخيرة من المعركة، ويبدو أن طهران لم تستخدم كافة الأنواع التي لديها، في وقت بدأت فيه المنظومة الدفاعية لدى الاحتلال الإسرائيلي تتراجع كفاءتها، لا سيّما مقابل صواريخ إيران الفرط صوتية، إضافة إلى تراجع مخزونها من المقذوفات المضادة للصواريخ من نوع حيتس/آرو، حيث تبلغ كلفة المقذوف الواحد من 2-3 ملايين دولار حسب نوعه. الفشل الأبرز لدى الاحتلال الإسرائيلي، هو عدم قدرته على خلخلة النظام الإيراني ناهيك عن إسقاطه، فقد جاءت اغتيالات القادة الإيرانيين والضربة المباغتة، بآثار عكسية، حيث تضامن الشعب الإيراني مع النظام في مواجهة العدوان، رغم شراسة القصف الإسرائيلي، واستخدامه جيشًا من العملاء المسلّحين بأحدث التقنيات والمسيّرات التجسّسية والهجومية، التي تم استخدامها داخل طهران والمدن الإيرانية. ما لم تحسبه إسرائيل من الصعوبة بمكان أن توقف إسرائيل حربها التي بدأتها دون تحقيق أهدافها أو أقلّه ضمان تدمير المشروع النووي الإيراني، الذي يعدّ تهديدًا إستراتيجيًا وجوديًا في العقل الإسرائيلي. إذا كان الشك ما زال يلف مصير المنشآت النووية، لجهة مستوى الأضرار التي لحقت بها، وعدم اليقين بشأن مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب، فهذا يعني أن هناك أسبابًا ومتغيّرات نشأت أثناء المعركة دفعت إسرائيل إلى قبول وقف الحرب، ومنها: أولًا: سرعة استيعاب النظام الإيراني للضربة الأولى وتماسكه، وأخذه زمام المبادرة بضرب تل ابيب وكافة المدن الإسرائيلية بموجات صاروخية مدمّرة، في الـ24 ساعة الأولى، واستهدافه بالصواريخ الدقيقة منشآت عسكرية وأمنية وصناعية حسّاسة، وإبداء إيران قدرة على التكيّف والاستعداد لحرب استنزاف طويلة، لا يحْتملها الاحتلال. ثانيًا: حجم الأضرار في إسرائيل، وخلال أيّام، كان كبيرًا وغير متوقّع، في المنشآت العسكرية والصناعية والحيوية، إضافة إلى شلل الحياة الاقتصادية والتعليم وحرية الملاحة الجوية، حيث تحوّلت إسرائيل برمّتها إلى طوارئ على مدار الساعة ليلًا ونهارًا. استمرار دفع هذا الثمن تصاعديًا، يمكن أن يؤدي لاحقًا إلى تآكل التأييد الشعبي الإسرائيلي للحرب، ما سيضع حكومة نتنياهو أمام مأزق كبير داخليًا، فقد بلغ حجم الأضرار الأولية في إسرائيل، نتيجة القصف الصاروخي، نحو 5.3 مليارات دولار، حسب صحيفة كالكاليست الاقتصادية الإسرائيلية، فيما نقل موقع بلومبيرغ الأميركي عن بيانات لوزارة المالية الإسرائيلية، أن الخسائر الأولية تقدّر بـ 3 مليارات دولار. ثالثًا: رغبة الرئيس ترامب بوقف الحرب بعد أن قام بضرب المنشآت النووية الأبرز في إيران، وأنقذ نتنياهو من ورطته؛ لأن إسرائيل لا تملك الإمكانات العسكرية لاستهداف منشأة فوردو الواقعة تحت الجبال الصخرية بعمق يتراوح بين 80 – 90 مترًا. ترامب لا يريد استمرار الحرب؛ خشية اتّساعها، فإيران دولة كبيرة 1.7 مليون كيلومتر مربع، وتعداد سكانها 90 مليونًا، وتملك جيشًا كبيرًا ومقدّرات صاروخية نوعية، وقد أبدت قدرة على الصمود والتكيّف السريع رغم قساوة الهجوم الإسرائيلي. استمرار الحرب واتساعها في الإقليم، كان يمكن أن يؤدي إلى أزمة طاقة عالمية بإغلاق مضيق هرمز (25% من مصادر الطاقة تمرّ عبر المضيق)، وأزمة تجارة دولية بإغلاق مضيق باب المندب. كما أن ترامب لا يريد أن يَعْلَق بحرب استنزاف طويلة مع إسرائيل في الشرق الأوسط، في وقت عينه على مواجهة الصين، وعلى جعل أميركا "عظيمة" عبر الصفقات الاقتصادية والتجارية بعيدًا عن الحروب المكلفة. إيران وسد الثغرات إيران لم ترغب في الحرب ولم تخطّط لها، وإن كانت تستعد لها بعد معركة طوفان الأقصى، في ظل التهديدات الإسرائيلية المستمرة، واعتداءات تل أبيب السابقة، والتي كان آخرها الهجوم الجوّي على إيران في أكتوبر/ تشرين الأول 2024. من بداية العدوان الإسرائيلي الأخير في 13 يونيو/ حزيران، بقيت إيران تربط استئناف المفاوضات والعملية السياسية مع واشنطن بوقف العدوان الإسرائيلي عليها، مع إبدائها استعدادًا لأن تذهب في الحرب بعيدًا إن فرضت عليها، مرتكزة إلى قوّة ضرباتها الصاروخية، وامتلاكها أوراق قوّة لم تستخدمها بعد كإغلاق مضيق هرمز، وإشراك حلفائها في المعركة كحزب الله اللبناني الأقرب إلى حدود فلسطين الشمالية، إضافة إلى الحشد الشعبي في العراق، وأنصار الله في اليمن. رغبة إيران بعدم دخول الحرب التي فرضت عليها، لم يكن العامل الوحيد الدافع لوقف المعركة في ذروتها، وإنما كانت هناك عوامل أخرى ضاغطة بقوّة على طهران لتخرج من الحرب بأقل الخسائر، ومنها: أولًا: أخْذها على حين غرّة، حيث وقعت في فخ وخديعة الرئيس ترامب الذي صرّح بأن خيار الحرب مرتبط بنتائج الجولة السادسة من المفاوضات، بين طهران وواشنطن في عُمان، يوم الأحد الموافق 15 يونيو/ حزيران، حيث وقع الهجوم الإسرائيلي المباغت يوم الجمعة الموافق 13 يونيو/ حزيران، ما أحدث صدمة في إيران، وأوقع أضرارًا كبيرة في منشآتها العسكرية، والنووية، ومنظومات الدفاع الجوّي، ناهيك عن اغتيال عدد من القادة العسكريين والعلماء النوويين الكبار. ثانيًا: مواجهتها جيشًا من العملاء في كافة المدن الإيرانية، مزوّدين بإمكانات لوجيستية وتقنية عالية من قبل إسرائيل، وقد ساهموا بتزويد الاحتلال بالمعلومات كما شاركوا ميدانيًا في المعركة عبر عمليات اغتيال واستهداف مقارَّ ومنشآت للدولة، ما مثّل تحديًا كبيرًا وخطيرًا على مجريات المعارك.هذا بدوره جعل من وقف الحرب، متطلبًا مهمًا لمطاردة هؤلاء العملاء والقضاء عليهم، بعد انكشاف جزء منهم، وانكشاف آلية عمل الكيان الإسرائيلي معهم، مستحضرين في ذلك ما حصل مع حزب الله اللبناني الذي عانى بنيويًا من الاختراق الأمني، وأثّر على أدائه وقدراته القتالية في معركة إسناد غزة. ثالثًا: الضربة الإسرائيلية المباغتة لإيران، وعملياتها الجوية اللاحقة، كانت تستهدف بتركيز عالٍ منظومات الدفاع الجوي، مع الإشارة إلى أن إسرائيل عملت على إضعاف تلك المنظومات سابقًا عندما هاجمت إيران في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2024، واستهدفت بطاريات "إس 300" الروسية، ورادارات الكشف المبكّر المرتبطة بهذه البطاريات. تشير بعض المصادر إلى أن روسيا لم تعوّض إيران بما تم استهدافه سابقًا، ما أضعف منظوماتها الدفاعيّة، وأدّى لانكشاف سماء طهران وأغلب المدن الإيرانية والأماكن الحسّاسة أمام الطيران الإسرائيلي. أثناء الحرب زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي موسكو، في 23 يونيو/ حزيران، والتقى الرئيس بوتين وسلّمه رسالة من المرشد علي خامنئي، وتحدثت بعض المصادر، عن طلب إيران من روسيا تزويدها بأسلحة بشكل عاجل. ويبدو أن الأمور لم تسرْ بالشكل الذي أرادته إيران، بسبب حسابات روسيا المتعلقة بعدم إغضاب إسرائيل التي تربطها بها علاقات جيدة، بالإضافة إلى عدم إغضاب الرئيس الأميركي ترامب، الذي يسعى لوقف الحرب في أوكرانيا ويمارس ضغطًا على الرئيس الأوكراني زيلينسكي، لناحية تخلّي أوكرانيا عن شبه جزيرة القرم، والأقاليم الشرقية الأربعة لصالح موسكو. هذا يعني أن استمرار الحرب، بدون دفاع جوي، سيؤدي إلى خسائر فادحة في مقدّرات إيران ومنشآتها المدنية والعسكرية، لا سيّما بعد دخول واشنطن المعركة وقصفها المنشآت النووية، ما يشي بأن إيران باتت على خط المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية التي تملك ترسانة جويّة وصاروخية هائلة، كانت ستحدث تحولًا في المشهد لصالح إسرائيل، إذا ألقت بثقلها في الحرب. المعركة انتهت، ولكن إيران كما إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، كل له حساباته؛ فالمعركة أثبتت أن إسرائيل غير قادرة على الحسم السريع، وأن واشنطن لا تريد حرب استنزاف طويلة، وإيران تخشى من تداعيات الحرب في ظل انكشاف سمائها للطائرات الإسرائيلية. هذا يعني أن كل طرف لديه نقاط قوّة ونقاط ضعف تكشّفت في المعركة السريعة التي لم تتجاوز الأسبوعين، وبالتالي أصبح توقّف المعركة ضرورة للجميع لمعالجة نقاط الخلل، وتعزيز نقاط القوّة؛ استعدادًا لأي معركة أخرى قد تنشب بين إسرائيل وإيران، بشكل مباشر أو غير مباشر، لا سيّما إذا فشلت المفاوضات الإيرانية الأميركية المرتقبة، وتبيّن لاحقًا أن المشروع النووي الإيراني لم يتعرّض لأضرار كبيرة وعميقة. يصعب تحديد مستوى الخسائر لدى كل طرف؛ بسبب التكتّم، ولكن يمكن القول؛ إن إيران صمدت أمام العدوان الإسرائيلي، وأثبتت أن لديها منظومة صاروخية هجومية دقيقة ومدمّرة، وأن لديها أوراق قوّة لم تستخدمها بعد، وقد أبقتها لأي معركة قادمة في ظل علاقاتها المتوتّرة مع إسرائيل، والتي ازدادت توترًا بعد العدوان الأخير الذي هدف إلى إضعافها، وتحطيم طموحها القومي المنافس لإسرائيل الساعية بدورها للهيمنة على المنطقة وتسيّدها بلا منازع، ما يشكّل تحديًا لإيران ولأمنها القومي ولتاريخها الضارب في المنطقة.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
غروسي: العمل العسكري لن ينهي ملف إيران النووي
أكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي أن ملف إيران النووي لن يحل بشكل نهائي بالعمل العسكري، مشيرا إلى احتمالية أن تكون إيران نقلت حقا جزءا من مخزون اليورانيوم قبل الضربات الأميركية التي استهدفت منشآتها النووية فجر يوم 22 يونيو/حزيران. وقال غروسي في تصريحات لشبكة "سي بي إس" إن إيران دولة متقدمة في التكنولوجيا النووية ولا يمكن محو هذا بعمليات عسكرية أو بدونها، والعمل العسكري لن يحل ملف إيران النووي بشكل نهائي "وسيكون علينا التوصل إلى اتفاق". وأشار إلى أن جزءا من اليورانيوم الإيراني المخصب يمكن أن يكون قد دُمر بالفعل، لكن من الممكن أيضا أن يكون قد تم نقل جزء منه، مشيرا إلى أن الوكالة لا تعرف أين يمكن أن يكون اليورانيوم المخصب الآن. وأكد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران كان لديها برنامج نووي واسع وطموح وقد يكون جزء منه لا يزال قائما، رغم الهجمات الأميركية التي أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنها دمرت قدرات إيران النووية بشكل كامل. وكان غروسي أكد، حسب بيان للوكالة الدولية أمس الجمعة، "ضرورة استمرار مفتشي الوكالة في أنشطة التفتيش في إيران وفقا لاتفاق الضمانات الشاملة مع الوكالة"، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للتنديد بما وصفها بـ"النوايا الخبيثة" لغروسي، في ظل تكرار الأخير طلب تفقد المواقع النووية المتضررة. وكتب عراقجي في منشور على منصة إكس أمس الجمعة يقول إن "إصرار غروسي على زيارة المواقع التي قُصفت بذريعة أنها في إطار اتفاق الضمانات لا معنى له، بل ربما ينطوي على خبث نية". وصادق الإيراني، أول أمس الخميس، على مشروع قانون صوّت عليه البرلمان الأربعاء، ينص على تعليق التعاون مع الوكالة الذرية، ردا على الضربات العسكرية الأميركية والإسرائيلية الأخيرة، التي طالت منشآت نووية حساسة في البلاد. وتتهم إيران الوكالة بأنها "شريك" في الحرب الإسرائيلية على طهران ، وذلك بعد تبني الوكالة في 12 يونيو/حزيران قرارا يتهم إيران بعدم احترام التزاماتها النووية، وهو ما اعتبرت طهران أنه شكّل "ذريعة" للولايات المتحدة وإسرائيل لشن هجمات ضدها. وفي وقت سابق الخميس أعلن غروسي أن إيران لا تمتلك حاليا أسلحة نووية، لكنه أشار إلى أنها كانت تمتلك كمية من المواد تكفي لصُنع نحو 12 قنبلة نووية، مؤكدا أن منشأة فوردو النووية "لم تعد صالحة للعمل"، رغم إشارته إلى أن القول بأن البرنامج النووي الإيراني تم تدميره "مبالغ فيه".