
شاهد: أحدث وسيلة للغش بواسطة قلم الذكاء الاصطناعي
ورغم تشكيك البعض في وجود هذه الأداة، فإنها تُعد من أحدث الابتكارات المعتمدة على نماذج الذكاء الاصطناعي، وتحديدًا على "شات جي بي تي" بوصفه الأشهر في هذا المجال.
يقوم القلم بنقل المعلومات الموجودة في الورقة أيًا كانت إلى نموذج الذكاء الاصطناعي المتصل به، لتظهر الإجابة أو المعلومات المتعلقة بهذا النص في الشاشة الصغيرة المرفقة بالأداة.
كما تملك الأداة مجموعة متنوعة من الاستخدامات التي تتعدى مجرد الغش في الامتحانات، إذ يمكن استخدامها للترجمة الفورية للنصوص الموجودة باللغات التي لا يتقنها المستخدم، وهو ما يعد الاستخدام الأشهر والأبرز للأداة حتى الآن.
ويمكن الاعتماد عليها أيضًا لقراءة المستندات الطبية الناتجة عن الفحوص المعملية، إذ يمكنها تفسير هذه النتائج وتبسيطها لغير الأطباء وذوي الخبرة الطبية.
وبشكل عام يمكن الاعتماد على هذا القلم في أي مهمة تحتاج لإدخال نصوص إلى نموذج الذكاء الاصطناعي، وهو ما يجعله خيارًا مثاليًا للعديد من المهام اليومية المختلفة.
يتوفر العديد من النماذج المعتمدة على هذا القلم، ويمكن الحصول عليه من مختلف مواقع التجارة الإلكترونية سواء كانت "علي إكسبريس" أو "أمازون" إلى جانب بعض المواقع المخصصة التي تبيعه.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
نبتة ورد النيل.. "لص المياه" الذي يهدد البيئة والزراعة في مصر
القاهرة – على امتداد البصر، يطفو نبات ورد النيل، المعروف شعبيا في مصر بلقب "لص النيل"، بكثافة لافتة في إحدى القنوات المتفرعة عن ترعة بحر مويس، التي تعد أهم المجاري المائية الرئيسية في محافظة الشرقية بمصر. يعكس مشهد هذا النبات الغازي، الذي ينمو ويتكاثر بسرعة أزمة بيئية مزمنة تعود جذورها إلى ما يقرب من قرنين من الزمان، حين جاء إلى مصر لأول مرة، كنبات زينة قبل أن يتحول إلى خطر بيئي محدق. ويعد هذا النبات دخيلا في مصر إذ إن موطنه الأصلي أميركا الجنوبي، كما يوجد غالبا في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية حول العالم، خاصة في أحواض الأنهار والبحيرات والمستنقعات. ومنها انتشر إلى مناطق أخرى، بما في ذلك حوض نهر النيل ومصر. وبات ورد النيل من أخطر التحديات التي تواجه الزراعة والموارد المائية في مصر، إذ تستهلك النبتة الواحدة نحو لتر من الماء يوميا، مما يؤدي في المحصلة إلى هدر ما يقارب 3 مليارات متر مكعب من المياه سنويا، وفق بعض التقديرات. وتتزايد خطورة نبتة ورد النيل في ظل تفاقم أزمة الشح المائي، والتأثيرات المحتملة لسد النهضة الإثيوبي، ما يجعله تهديدا مباشرا للأمن المائي للبلاد. ويُعتبر بحر مويس، الذي تستوطنه نبتة ورد النيل، ترعة كبيرة تُعد فرعا من فروع الرياح التوفيقي، المتشعب من نهر النيل. تم إنشاؤه كجزء من جهود محمد علي باشا في القرن 19 لتطوير شبكة الري والصرف في مصر، بهدف تحسين الزراعة وزيادة إنتاجية الأراضي في الشرقية. ينبع بحر مويس من فم القنطرة بالقليوبية ويمتد عبر محافظة الشرقية حتى يتحول إلى جدول صغير في منطقة أولاد صقر بالمحافظة، متفرعا إلى قنوات فرعية. ويُعد مصدرا رئيسيا لري مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في عدة مراكز، إلى جانب مساهمته في توفير مياه الشرب ببعض المناطق. الكثرة والخطورة يواجه الفلاحون في المنطقة صعوبة بالغة في التخلص من ورد النيل، بسبب قدرته السريعة على التكاثر، حتى بعد إزالته، إذ تعود الحياة إليه من جديد خلال أسبوعين فقط، بفعل بقاء بذوره في قاع الترع. وساهم غياب الفيضانات، وارتفاع التلوث وبطء حركة المياه في تفاقم انتشاره، حتى بات يغزو نصف مساحة الترعة في أقل من شهر، مهددا مياه الري في ظل أزمة الشح المائي. يتسبب ورد النيل في خسائر مائية واقتصادية وبيئية كبيرة لمصر، إذ يستهلك نحو 3 مليارات متر مكعب سنويا من حصة مياه النيل المقدرة بنحو 55.5 مليار متر مكعب ويعيق حركة المياه في الترع، مما يعطل الري المستدام ويفاقم الأزمة المائية بفضل انتشاره السريع في بيئة المياه الراكدة، ويهدد التنوع البيولوجي. ولا تقتصر أضرار ورد النيل على المياه، بل تمتد إلى الإضرار بالثروة السمكية نتيجة استهلاكه الأكسجين الذائب، فضلا عن تحوله إلى مأوى لقواقع البلهارسيا والثعابين، ما يهدد صحة السكان. ويهدد انتشار نبات ورد النيل أرزاق أكثر من مليون مزارع ونحو 200 ألف صياد، إذ تكفي عقلة واحدة فقط لتغطية فدان كامل من المسطح المائي خلال شهر، ما يفاقم أزمة المياه ويؤثر سلبا على النشاطين الزراعي والسمكي في عدد كبير من المحافظات. كما تتحمل الدولة أعباء مالية ضخمة لإزالته عبر التدخلات المستمرة سواء اليدوية منها أو البيولوجية أو الكيميائية، إضافة إلى الطرق الميكانيكية لضمان عدم تلوث البيئة ما يرهق موازنة وزارة الموارد المائية والري ويحد من كفاءة إدارة الموارد. وبدلا من اعتبار ورد النيل مجرد "عدو بيئي"، تبنت وزارة الموارد المائية والري رؤية جديدة لتحويله إلى مورد اقتصادي، عبر إنشاء مدارس فنية لتكنولوجيا الري، والتوسع في إنتاج مشغولات يدوية من النبات. كما تُجرى بعض الدراسات لتحويل هذا النبات -الذي يتميز بكثرته- إلى سماد طبيعي، بهدف التخلص منه أولا، وتحقيق عوائد اقتصادية ومواطن شغل ثانيا، مما يخفف العبء الملقى على خزانة الدولة. كما أطلقت الوزارة مبادرة "تنمية مستدامة من قلب النيل" لتمكين المرأة اقتصاديا واجتماعيا، من خلال تدريبها على استغلال النباتات المائية، في صناعة مشغولات يدوية بما يدعم المجتمع المدني وأهداف التنمية المستدامة.


الجزيرة
منذ 5 أيام
- الجزيرة
رفاعة الطهطاوي (1801-1873): مُعلّم الأمة وعميد النهضة
سيظل الرائد الكبير الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي رمزا حضاريا شامخا، يقف كتفا بكتف مع مؤسسي النهضة، وبناة المجتمعات، وفلاسفة المجتمع الكبار، من أمثال الفارابي، وابن خلدون، وجان جاك روسو، ومونتسكيو. وهو رجل النهضة الذي يقف أمام الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وحسن البنا ، وسائر المؤسسين والمصلحين. وسيبقى أسبق عين معاصرة للشرق على الغرب، وطليعة للحوار الحضاري في العصر الحديث. ذهب زعيم النهضة العلمية الحديثة إلى فرنسا إماما لأول بعثة مصرية كبيرة إلى أوروبا سنة 1826م، لدراسة العلوم الحديثة، وكانت مكونة من 44 طالبا، نصفهم من أصل مصري، يتقدمهم إمامهم الشاب، العالم الأزهري المتوثب، الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي. وحسبما أوضح محمد علي باشا سبب هذه البعثات، في حديثه إلى الدكتور بورينغ (Bowring)، مندوب الحكومة الإنجليزية، حيث قال له الباشا بشأن الغرض من ابتعاث هؤلاء الطلائع الرواد: "ينظرون إلى الأشياء بعيونهم، ويتمرنون على العمل بأيديهم، وعليهم أن يختبروا مصنوعاتكم جيدا، وأن يكتشفوا كيف ولم تفوقتم علينا، حتى إذا ما قضوا وقتا كافيا بين شعوبكم، عادوا إلى وطنهم وعلموا شعبي، فإن أمامي الشيء الكثير لأتعلمه أنا وشعبي". ولعل هذا ما دعا كارل ماركس — وكان معاصرا — إلى أن يقول: "إنه صاحب العمامة الوحيدة في الدولة العثمانية ، التي تحتها رأس يفكر". حيث شاءت إرادة الله، وعزم رفاعة، أن يكون إمام الصلاة.. إماما للنهضة العلمية المعاصرة. وقد أرسلت في عهد محمد علي سبع بعثات، كانت أولاها إلى إيطاليا عام 1809م، ثم تنوعت بعد ذلك إلى فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وإنجلترا، لدراسة الهندسة، والبحرية، والطب، والحقوق، والإدارة، والكيمياء، والترجمة، والزراعة، والفيزياء، والعلوم الرياضية، والطباعة، والفنون. وكانت آخرها عام 1848م، قبل رحيل محمد علي في 12 أغسطس/آب 1849م، الذي لم يكن متطرفا في النقل عن الغرب، ولا تابعا له بالكلية كما يردد البعض، وإلا لترك الأجانب في بلادنا، ولم يوفد أبناءنا إلى أوروبا. لكنه حاول سد هذه الفجوة العلمية الهائلة إلى حين، ليحل أبناء هذه الفرق العلمية محل الأساتذة، والضباط، والمهندسين الأجانب. وبذلك احتفظت مصر بهويتها وشخصيتها، بعدما ثبتت أقدامها في تاريخها وتراثها، ثم ملأت رأسها بعلوم أوروبا. وكان عثمان نور الدين باشا أول مبعوث مصري إلى أوروبا، حيث عاد من بعثته لترجمة الكتب والمراجع، والفنون الحربية المختلفة، وسائر الصنائع المتعلقة بها. كما أن عبد الرحيم أفندي قد عاد لترجمة كتب معامل الأقطان، وصناعتها، وآلاتها. ولعل تلك الخصوصية التي وعاها محمد علي، تبرز من قصة أدهم بك، رئيس المدفعية بورش المهمات الحربية، الذي أرسل إلى إنجلترا، فتزيا بزيهم، وحاكاهم في أقوالهم وعاداتهم. فلما علم الباشا محمد علي بذلك، غضب غضبا شديدا، وأرجعه فورا مغضوبا عليه، وقال: "إنني ابتعثته ليعاين الفبريقات، ويقف على صناعتها، وليعود بها إلى مصر، لا ليقلدهم في ملابسهم وعاداتهم". في الأزهر الشريف كان الأزهر الشريف حينئذ يفرك عينيه في أعقاب رحيل الفرنسيين، حيث اطلعت طلائعه على ما يملكه الفرنسيون من العلوم الحديثة والأسلحة المتطورة، وأيقنوا أن الأمر يحتاج إلى إعادة النظر في علوم الدنيا، وعلى رأسهم العلامة الشيخ حسن العطار، الذي تولى مشيخة الأزهر حينئذ. إذ رأى نفسه مطالبا بالإجابة الواقعية على سؤال الحضارة الواقعي الملزم، وصدمتها التي حلت بالمحروسة، بوجوب الاطلاع على علوم العصر، وحتمية استكمال الحصانة الحضارية، بدراسة الرياضيات والكيمياء وسائر علوم العصر. فحصلها حتى صار حجة فيها، وخطا بكل همة وعزيمة إلى تبني صفوة من شباب النخبة، لقراءة شريعتهم بعيون المصلحين الأحياء. وكان من يمن طالع الشيخ رفاعة، أن كان من أوائل هذا الفريق الذي تتلمذ مباشرة على يد العطار. بل إن الشيخ العطار هو الذي قرأ فيه الأهلية، لاختياره إماما بالجيش، ثم اختياره إماما للبعثة المصرية الكبرى إلى باريس، حيث كان قد وضع يده على طاقته في البحث، ورغبته في الطموح، وعزيمته في التفوق، فاختاره إماما للصلاة، فصار إمام الصلاة، إماما للحركة العلمية في مصر في العصر الحديث. شأنه في ذلك شأن نظيره الشيخ محمد عياد الطنطاوي، الذي شرق إلى روسيا ، بينما غرب الشيخ رفاعة إلى فرنسا. ثم عاد رفاعة إلى وطنه، خيرا مما غادره، فكان: الشيخ، الإمام، الفقيه، المترجم، المؤسس، الرائد، الأميرالاي، الشاعر، المفكر. عِصاميٌّ طريفُ المجدِ سعيًا عِظاميٌّ شريفٌ بالتِّلادِ سِوى نَسَبِ العلومِ لي انتسابٌ إلى خيرِ الحواضرِ والبوادي وحسبي أنني أبرَزتُ كتبًا تُبيدُ كَتائبًا يومَ الطِّرادِ فمِنها منبعُ العِرفانِ يجري وكم طِرْسٍ تُحُبِّرُ بالمدادِ على عددِ التواترِ مُعْرَبَاتي تَفِي بفُنونِ سِلمٍ أو جِهادِ ولقد كان من بين الإلهامات العجيبة أن يتفرس الشيخ الصوفي الشريف، الشيخ السادات، في وجه هذا الشيخ الشاب، رفاعة الطهطاوي، ثم يهتف به، مانحا إياه هذا اللقب: "اذهب فأنت أبو العزم"، وسط ما كان الشيخ السادات يخلعه من ألقاب ومنح على من لديه من الطلاب، والعلماء، والأولياء، والتجار، والوجهاء المترددين على مجلسه الوقور، ببيته بـ "بركة الفيل". فكان هذا المفتاح النفيس سرا فاتحا لمجمع عزائم الطهطاوي، من الأزهر، إلى باريس، إلى التعليم، إلى القانون، إلى الطب والهندسة، إلى العلوم العسكرية، واللغات، إلى التحرير والترجمة، إلى مصر وفرنسا والسودان ، إلى كل موقع أو مهمة حل بها الطهطاوي وارتحل. مشوار الحضارة ولد الطهطاوي في طهطا عام 1216 ه / 1801 م، وإليها ينسب. وبها تفتحت عيونه على الدنيا، وصافحت أنظاره الناس والحروف والكلمات، وبها تأسس بالقرآن وعلومه، وتأهل لدخول الأزهر الشريف. وفي عام 1232 هـ / 1817 م، وفد إلى القاهرة والتحق بالأزهر الشريف، ومكث به خمس سنوات، ختم بها درسه، وأكمل بحثه، متخصصا في المذهب الشافعي. ونبغ في كل علم كان يدرس بالأزهر، حتى بلغ منزلة التدريس فيه، وهو ابن الحادية والعشرين. فكان كما قال تلميذه الفذ، الشاعر المؤرخ، صالح مجدي: "حسن الإلقاء، ينتفع بتدريسه كل من أخذ عنه، وكان درسه غاصا بالجم الغفير من الطلبة، وما منهم من أحد إلا استفاد منه، وبرع في كل ما أخذ عنه". وأضاف: "يقوم بتدريس البيان، والبديع، والعروض، والحديث، والمنطق، والنحو، والصرف، سهل التعبير، حسن الأسلوب، مدققا محققا، قادرا على الإفصاح عن المعنى الواحد بطرق مختلفة، بحيث يفهم درسه الصغير والكبير، بلا مشقة ولا تعب، ولا كد ولا نصب". رفاعة في باريس في يوم الخميس من شهر رمضان 1241هـ / 24 أبريل/نيسان 1826م، أبحرت من الإسكندرية سفينة العلم والنور، تحمل الشيخ رفاعة وإخوانه. وفي التاسع من شهر شوال، وصلت بهم إلى مرسيليا، بعد أن رشحه أستاذه العلامة حسن العطار للعمل واعظا في العساكر الجهادية أولا، ثم إماما للبعثة العلمية إلى فرنسا ثانيا، صحبة "الأفندية" المبعوثين لتعلم العلوم والفنون الموجودة بفرنسا، والتي كشفت عنها صدمة الحملة الفرنسية الأثيمة على مصر عام 1798م، بهدف تحصيلها والعودة بها إلى بلادنا. وقد أحسن العلامة العطار، في وعيه الحضاري، الذي نبه فيه تلميذه رفاعة، بأن "يدون كل ما تقع عليه عينه، وأن يسجل ما يصادفه من الأمور الغيرية، والأشياء العينية، وأن يقيده ليكون كاشفا في كشف القناع عن ماهية هذه البقاع، التي يقال لها (عروس المدائن)". كما كان رفاعة واعيا أشد الوعي بما يصنع، حيث قال: "حسب ظني لم يظهر في اللغة العربية شيء في تاريخ باريس". وكان صحبة الشيخ رفاعة في هذه البعثة: حضرة "عهدي أفندي المهردار"، الذي تخصص في الأمور الملكية، يليه حضرة "مصطفى أفندي الدويدار"، الذي تخصص في الأمور العسكرية، والثالث "حسن أفندي الإسكندراني"، الذي تخصص في القبطانية والبحرية. يقول الشيخ رفاعة: "والحق أنني مدة إقامتي في هذه البلاد، في حسرة على تمتعها بذلك، وخلو بلاد الممالك الإسلامية منه". وقال: "ومن المعلوم أني لا أستحسن إلا ما لم يخالف نصوص الشريعة المحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة وأشرف التحية". وقال: "وليست هذه الرحلة مختصرة على ذكر السفر ووقائعه، بل هي مشتملة على ثمرته وغرضه، وفيها إيجاز العلوم والصنائع المطلوبة، والتكلم عليها، وعلى طريقة تدوين الأفرنج لها، واعتقادهم فيها، وتأسيسهم لها". الديوان النفيس بإيوان باريس كان هذا هو الاسم الأول لكتاب رفاعة الأشهر "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، جريا على سجع عناوين كتب الوقائع المشهورة، مثل: "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" لابن تغري بردي، و"التبر المسبوك في نصيحة الملوك" للغزالي، و"بدائع الزهور في وقائع الدهور" لابن إياس، وغيرها من آلاف الكتب والمراجع التي يزخر بها إرثنا وتراثنا. وتكلم الشيخ رفاعة في كتابه عن العلوم والفنون المطلوبة، والحرف والصنائع المرغوبة، وأوفى الحقوق الثلاثة قدرها (الطبيعية، والبشرية، والوضعية)، وتناول علوم تدبير العسكرية، والقبطانية، والبحرية، والعلاقات الدولية، والسفارات، وفنون المياه، وصناعات القناطر والجسور، والصناعات الفنية، والميكانيكا، والهندسة البحرية، والمدفعية (الطوبجية)، وصناعة المعادن، والكيمياء، والورق، والتحاليل، والطب، وصناعة البارود، والسكر، والأنسجة، والتشريح، والبيطرة، وعلوم الزراعة، والصرف، وعلوم النبات، والحيوان، وصناعة النقش والحفر، والترجمة، والجغرافيا، والفلك. حيث بسط الحديث في مقدمة كتابه عن جغرافيا العالم، ثم تحدث بعد ذلك عن مدينة الإسكندرية وتاريخها منذ نشأتها على يد الإسكندر المقدوني، إلى اليوم الذي تركها فيه رفاعة. لكنه تورط في هذا السرد في خطأ تاريخي فاحش، حين ذكر ما نصه: "ومن عجائب ما فيها.. خزانات الكتب التي حرقها عمرو بن العاص رضي الله عنه، على ما كان فيها من الكتب، ما قدره 700,000 مجلد". وهذا الخطأ مردود عليه بالأدلة التاريخية والشواهد الواقعية، ولعل أقوى الكتب التي تناولت هذه القضية بوضوح، تلك الدراسة الماتعة التي صدرت مؤخرا للعالم الباحث الدكتور المهندس ربيع الزواوي: "مكتبة الإسكندرية.. هل أحرقها عمرو بن العاص؟" (القاهرة، 2007م). وفي الطريق إلى باريس، تكلم الشيخ رفاعة عن جزيرة كريت، التي وصل إليها في اليوم السابع من السفر، ثم جزيرة صقلية، ثم مسينا ببوغاز إيطاليا، ثم إلى نابولي، وهي إحدى البنادر الأربعة الأصلية في البلاد الإفرنجية، ثم إلى مرسيليا، ودخولهم إلى "الكرنتينة"، وما يذكره من طرائف التحليل والتحريم للحجر الصحي، بناء على فهم القضاء والقدر، وما دار بين العلامة الشيخ محمد المناعي التونسي المدرس بجامع الزيتونة، والشيخ محمد البيرم شيخ الحنفية. وما إن وصل إلى مرسيليا، حتى اشتغل مع المبتعثين بتعلم تهجي الحروف الفرنساوية، وهم ما زالوا في الكرنتينة. ثم دخلوا باريس، فتكلم عن تخطيطها، ووصفها الجغرافي، وأهلها، وعاداتهم، وزروعها، وشوارعها، ومقاهيها، ودور العلم بها، وكل شيء فيها، حتى كأنك تراه رأي العين. وهنا انفتحت العين الناقدة، والبصيرة الشاهدة للشيخ رفاعة على اتساع محيطها، وامتداد قطرها، فقال: لَئِنْ طلَّقْتُ باريسَ ثلاثًا، فما هذا لغيرِ وصالِ مِصْرِ. فكُلٌّ منهُمُ عندي عروسٌ، ولكنْ مِصْرُ ليستْ بنتَ كُفْرِ. ومثلما قال في قصيدته الطويلة، مادحا مصر أم الدنيا من قلب باريس، عروس أوروبا، حيث لم يتخل عن حبه لبلده ساعة من نهار، فقال: زمنٌ عليّ به لمصرَ (فدَيتُها) حقٌّ وثيقٌ عاطلُ النكرانِ فلكَمْ بأزهرِها شموسٌ أشرقتْ وأنارتِ الأكوانَ بالعرفانِ فشذا عبيرِ علومِهم عَلَمُ الورى وسرتْ مآثرُهم لكلِّ مكانِ قد شبّهوها بالعروسِ وقد بدا منها (العروسيُّ) بهجةَ الأكوانِ قالوا تعطّرَ روضُها فأجبتُهم (عطّارُها حَسَنٌ) شذاهُ معانِ حبرٌ له شهدتْ أكابرُ عصرِه بكمالِ فضلٍ لاحَ بالبرهانِ ولئنْ حلفتُ بأنَّ مِصْرَ (لجنّةٌ) وقطوفُها للفائزينَ دوانِ والنيلُ كوثرُها الشهيُّ شرابُهُ لأبرُّ كلَّ البرِّ في أيماني ثم تحدث بعد ذلك عن أهل باريس، وتدبير الدولة الفرنساوية، واقتصادياتها، وما يتعلق بها من أمور المعاش، والصحة، والتعليم، والإدارة، والسياسة، والقانون، والعلوم. ثم قام بترجمة المنطق لأرسطو، وعلم الحساب. وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول عام 1830م، تقدم للامتحان النهائي في ختام الدراسة، وقدم للجنة الامتحان 12 كتابا قام بترجمتها خلال السنوات الخمس، تشمل علوم الاجتماع، والهندسة، والقيادة العسكرية، والميثولوجيا، والصحة، وتقويم البلدان، والجغرافيا، والتعدين، والفلسفة، والقانون، وفنون الأدب، بالإضافة إلى مخطوطة كتابه "تخليص الإبريز"، الذي يقدم فيه اكتشافه للحضارة الغربية وإضاءتها من داخلها، ناقدا واعيا مستبصرا، وهو ما زال ذلك الطالب الذي منتهى غايته أن يرضي أساتذته، وأن ينظر إلى كل شيء بعيونهم، لا بعيونه! لكنه كان غير ذلك تماما، حتى عاد إلى داره، ومداره، مصر المحروسة، عام 1831م، وقد تحول من إمام للدين والصلاة، إلى إمام للنهضة والحياة. الشيخ الأميرالاي عاد الشيخ رفاعة عام 1246هـ ليعمل مترجما في مدرسة الطب بتزكية من أستاذه مسيو جومار، المشرف العلمي على البعثة. مكث بها سنتين، ثم نقل عام 1249ه مترجما في مدرسة الطوبجية. ثم انتقل أستاذا في مدرسة الإدارة الملكية، ثم عين عام 1250هـ ناظرا لمدرسة التاريخ والجغرافيا. ثم أخذ يقنع الباشا بإنشاء مدرسة للإدارة الملكية، حتى أقنعه بتلك الفكرة، فكانت النواة التي نشأت عنها بعد ذلك "مدرسة الألسن" عام 1835م، باسم "مدرسة الترجمة" أولا، ثم تطورت إلى "مدرسة الألسن"، ومقرها السراي المعروفة باسم "بيت الدفتردار" بحي الأزبكية، حيث كان يقوم فندق شبرد القديم. وقد أنشئت مدرسة الألسن – كما رفع الشيخ رفاعة إلى الجناب العالي – "لينتفع بها الوطن ويستغنى بها عن الدخيل". وقد بدأت أولا بثمانين طالبا، ثم ازداد عددهم ليصل إلى 150، وقد تخرجت الدفعة الأولى منها عام 1255هـ / 1839م. وقام الشيخ رفاعة بوضع منهج المدرسة الدراسي، وكان على رأس إدارتها والتدريس فيها بكل حزم وإخلاص. وكان يدرس إلى جانب المقررات الدراسية الأدب، والفقه، والشريعة الإسلامية، ويقوم بالواجب القومي لترجمة مراجع النهضة العلمية المعاصرة من سائر العلوم والفنون. وفي هذه الفترة، عهد إلى رفاعة إعادة تنظيم صحيفة الوقائع المصرية، والإشراف على تحريرها عام 1257هـ، فقام بذلك على خير وجه لمدة ثلاث سنوات. وقد عاشت مدرسة الألسن نحو 15 عاما، وهي جوهرة النهضة وطليعة الحضارة، إلى أن أغلقها عباس الأول، الذي لم يكن على وفاق مع رجال جده محمد علي وعمه إبراهيم. فلم تمض أيام على ولاية عباس حتى ألغاها في المحرم 1266هـ / نوفمبر/تشرين الثاني 1849م. رفاعة في السودان لما ولي عباس الأول الأمر بعد وفاة جده محمد علي في 12 رمضان 1265هـ / 12 أغسطس/آب 1849م، وكان شديد التحفظ والانغلاق، كما لم يكن مطمئنا إلى رجال جده محمد علي ولا عمه إبراهيم، وعلى رأسهم الشيخ رفاعة، فأمر بإرساله إلى السودان ناظرا لمدرسة الخرطوم الابتدائية، التي قضى بها ثلاثة أعوام، وعاد منها بعد وفاة عباس الأول وتربع سعيد على عرش مصر عام 1854م، فعين وكيلا للمدرسة الحربية، ثم ناظرا لها بعد إحالة ناظرها سليمان باشا الفرنساوي. ولكن حنينه للألسن ما زال يلح عليه في العودة إليها، كدار واسعة للتربية والإعداد والإصلاح والنهضة. والذين نعوا على المصلح المجدد رفاعة الطهطاوي بعض قوله الشاكي في السودان، الذي أبعد إليه لجفوة بينه وبين عباس الأول، عليهم أن يعلموا أن رفاعة قد عانى الأمرين بالسودان، لا لمكرهة بينه وبين أهله، إنما لتعطل المشروع الإصلاحي الذي قضى حياته من أجله، وأن كل جهوده الإصلاحية قد داسها عربة عباس الأول دون ترو. ولكنه يلخص ذلك المشهد حيث يقول: وما خِلْتُ العزيزَ يريدُ ذلِّي ولا يُصغي لأخصامٍ لِدادِ لديهِ سعَوْا بألسنةٍ حِدادِ فكيف صغى لألسنةٍ حِدادِ؟ مهازيلُ الفضائلِ خادعوني وهل في حربِهم يكبو جوادي؟ وزخرفُ قولِهم إذ موّهوهُ على تزييفِهم نادى المنادي فهل من صيرفيِّ المعنى بصيرٍ صحيحِ الانتقادِ والاقتصادِ قياسُ مدارسٍ قالوا عظيمٌ بمصرَ، فما النتيجةُ في بِعادي؟ وما السودانُ قطُّ مقامَ مثلي ولا سَلمايَ فيهِ، ولا سُعادي بها ريحُ السَّمومِ يُشَمُّ منهُ زفيرُ لظىً، فلا يُطفيهِ وادِ رحلْتُ بصبغةِ المغبونِ عنها وفضلي في سواها في المزادِ يقول العلامة الدكتور أحمد أمين: "وكان الشيخ كما ترى، قد صاغ قصيدته على وزن وقافية القصيدة الشهيرة: لقد أسمعتَ إذ ناديتَ حيًّا / ولكن لا حياة لمن تنادي"، يقصد بذلك الغاية من الملاومة والتبكيت، بحيلته الأدبية البلاغية تلك. وهكذا قضى الشيخ رفاعة في السودان نحو ثلاث سنوات، قاسى فيها شدائد الحرّ والإقصاء والتهوين، لا كرهًا في السودان، إنما رفضًا للمظلمة، وحزنًا على تعطيل مشروعه النهضوي الفريد. إلى ما سبق، فإن الشيخ رفاعة قد فقد في تلك المبعدة معظم أصدقائه، خاصة بيومي أفندي، أستاذ الرياضيات في مدرسة المهندسخانة، والذي نعاه ضمن القصيدة السابقة بقوله: "وحسبي فتكها بنصيفِ صحبي / كأن وظيفتي لبسُ الحدادِ". والشيخ رفاعة نفسه كان قطعة حية من الجسد المصري السوداني الحضاري العريق، فهو القائل على لسان مصر والسودان: نحن غصنانِ ضمّنا عاطفُ الوجدِ جميعًا في الحبِّ ضمنَ نطاقِ في جبينِ الزمانِ منكَ ومنِّي غُرّةٌ.. كوكبيةُ الإطلاقِ ومع ذلك، فقد أثمر الشيخ رفاعة في منفاه في السودان خير ثمرة، بحسن إدارة مدرسة الخرطوم، والنجاح في تخريج جيل من المصريين والسودانيين على خير ما يرام، ثم بترجمة قصة "تليماك"، التي وضعها بعد ذلك تحت عنوان "مواقع الأفلاك في وقائع تليماك". حسنات حضارية ذهب الطهطاوي إلى فرنسا وهو مزود بالأصالة الأزهرية، ومفعم بالنصر الذي حققه الشعب المصري على الحملة الفرنسية التي قدمت إليه عام 1798م، والتي دنست خيلها الأزهر الشريف، ثم انجلت غمتها عام 1801م، بعد ثلاث سنوات من المقاومة والجهاد العام. وهو نفس عام مولد السيد الشريف، رفاعة رافع الطهطاوي، الذي تفتحت عيونه وإدراكه للحياة على هذا الثأر المبيت. فدخل الطهطاوي فرنسا وهو محصن بأزهريته الأصيلة، وتربيته الواعية، وأصله الشريف، وعوده الصلب، ووعيه المسبق على يد شيخه الأثير، العلامة الشيخ حسن العطار، شيخ الأزهر الشريف، الذي سبقت له معرفة بالفرنسيس واحتكاك علمي وحضاري بهم، حال حلولهم بالمحروسة، والذي عزم على سد الفجوة بتربية جيل واع واثق متوثب مخلص من شباب الأزهريين النوابغ، من أمثال: إبراهيم الدسوقي، ومحمد عياد الطنطاوي، ومحمد عمر التونسي، والشيخ رفاعة وغيرهم، ليكونوا طليعة لبشائر النهضة. فذهب الطهطاوي وهو الشيخ الأزهري المعبأ برغبة شعبه في النهضة، وتربية شيخه في الوعي، وصلابة أصله في التحمل، وتزكية خلقه في التصوف، وعلو محتده في الشرف، وعزيمة واليه في البناء، ورغبة الطهطاوي نفسه في التحدي، وقدرته الهائلة على الإنجاز والتحصيل. يقول زميله في البعثة، ومنافسه في الزعامة، أبو التعليم المصري (علي مبارك): "ولم تؤثر إقامته بباريز أدنى تأثير في عقائده، ولا في أخلاقه وعوائده". (الخطط التوفيقية ج 13 ص 54) تبدو الثقة بالنفس والشرع من كل ملاحظات الشيخ رفاعة، من أول يوم في بعثته إلى آخر يوم في حياته، حتى في ترويحاته واستملاحاته، وفي تسريته وتسليته، بغنائه وإنشاده، ومنظوماته ومقاماته، وهو ما زال بسفينة الذهاب. حيث تصادف دخولهم مع احتفال القوم ببعض أعيادهم، بالابتهاج وطرق النواقيس، فقال: أصبو إلى كلِّ ذي جمالِ ولستُ من صبوتي أخافُ وليس بي في الهوى ارتيابٌ وإنما شيمتي العفافُ يعكس "تخليص الإبريز" إجادة الطهطاوي للفرنسية، وإلمامه بالعلوم العصرية الحديثة، كما يعكس كفاءة عقلية باهرة، حيث انخرط الطهطاوي حتى أذنيه في معاملة المستشرقين الكبار، من أمثال سيلفستر دي ساسي بالكوليج دي فرانس، وكوسان دي برسفال بمدرسة اللغات الشرقية، وجوزيف رينو بدار الكتب، ومسيو جومار، وجول سالدان، منذ الأيام الأولى للبعثة. ولكن تلك العلاقة الوثيقة تعكس خلاصتها ثقة تراثية، وموسوعية ثقافية عند رفاعة. يقول أستاذه شوفالييه (وكان قد اتصل به أربعة أعوام كاملة): "إنما كان طلعة، يلتهم كل جديد في كل صوره المادية والمعنوية، ويتمثله التمثل الذي أقض مضاجع بعض أولي الأمر في مصر". فقد يأخذ ويعطي، ويؤثر ويتأثر، ويتعلم ويعلم، وما شابه أدنى اهتزاز أو تراجع، فضلا عن تبعية أو ذيلية قط. فهو القائل: "يجب على من أراد الخوض في لغة الفرنساوية، المشتملة على شيء من الفلسفة، أن يتمكن من الكتاب والسنة، حتى لا يغتر بذلك، ولا يغتر عن اعتقاده، وإلا ضاع يقينه". (ص 179-180) انتقاده الواضح لما تحويه الثقافة الفرنسية من "الحشوات الضلالية المخالفة للكتب السماوية"، حيث قال قوله الحاسم، المؤسس لفلسفة العقل والنقل: "إن تحسين النواميس الطبيعية لا يعتد به إلا إذا أقره الشارع، والتكاليف الشرعية التي عليها نظام العالم مؤسسة على التكاليف العقلية الصحيحة، الخالية من الموانع والشبهات، لأن الشريعة والسياسة مبنيان على الحكمة المعقولة لنا، أو التعبدية التي حكمتها إلى المولى سبحانه وتعالى.. وليس لنا أن نعتمد على ما يحسنه العقل أو يقبحه، إلا إذا ورد الشرع بتحسينه أو تقبيحه". (د. محمد عمارة: الأعمال الكاملة للطهطاوي، ج 2، ص 159). "والذي يرشد إلى تزكية النفس، هو سياسة الشرع". (المرجع السابق، ص 32). عاش الطهطاوي سنواته الخمس معتزا بدينه، أمينا على علمه، واعيا برسالته. فهو يتتبع أخبار نصارى مصر والشام الذين خرجوا مع الفرنسوية، خصوصا المماليك الجورجية والجركسية، وكذلك سعى إلى تتبع أخبار النساء اللواتي أخذهن الفرنسيس صغار السن. يقول: "وقد وجدت امرأة عجوزا باقية على دينها.. وممن تنصر إنسان يقال له عبد العال، ويقال إنه كان قد ولاه الفرنسيون بمصر (أغا الإنكشارية) في أيامهم، ثم تبعهم وبقي على إسلامه خمس عشرة سنة، ثم بعد ذلك تنصر والعياذ بالله. ولقد رأيت له ولدين وبنتا، أتوا إلى مصر وهم على دين النصرانية، أحدهم معلم الآن في أبي زعبل". (ص 120-121). ويصف الطهطاوي موقعا أسماه "البستان" يحتوي على عدد من المحنطات الحيوانية، وفي رواق يسمى "بستان التشريح"، يوجد بعض الشيء من جثة المرحوم الشيخ "سليمان الحلبي" الذي استشهد بقتله الجنرال "كليبر"، القائد الثاني للحملة الفرنسية. (ص 187). ما أقدم رفاعة في بعثته على شيء، إلا وهو يعي هدفه من وراء ذلك بكل وضوح. وما ملاحظاته على لبس المرأة الفرنسية، وحقوقها وطريقتها في الحياة، وانبهاره ببعض الأمور والتدابير التي رآها لأول مرة في حياته، وكذلك وصفه للمقاهي والعاديات الحياتية والسلوكية عند الفرنسيس، إلا تطورا طبيعيا لمشواره في سبر أغوار الحياة والناس والعلوم، وتعرفه إلى كبار الأساتذة بالجامعات وغيرها، وهضم ذلك كله، وإعادة تمثله وعيا جديدا صالحا مفيدا. يشهد له كل ذلك بقمة التيقظ، والقدرة على الفرز الحضاري الواثق، فهو القائل: "ومعلوم أن الشرع لا يحظر جلب المنافع، ولا درء المفاسد، ولا ينافي المتجددات المستحسنة، التي يخترعها من منحهم الله تعالى العقل وألهمهم الصناعة". (الأعمال الكاملة، ص 387). "فإن بحر الشريعة الغراء، على تفرع مشارعه، لم يغادر من أمهات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وأحاطها بالسقي والري، ولم تخرج الأحكام السياسية عن المذاهب الشرعية، لأنها أصل، وجميع مذاهب السياسة عنها بمنزلة الفرع". (ص 370). بل إنه اكتشف منذ الساعات الأولى في كتابة "تخليص الإبريز" أن القوانين التجارية الفرنساوية مأخوذة برمتها من الفقه المالكي، وهو الشيخ الأزهري الشافعي المذهب. عمل رفاعة مع محمد علي سبعة عشر عاما، وعلى الرغم من جبروت محمد علي واستبداده بالأمر، إلا أن الشيخ رفاعة قد انتقده بقوله: "ولو أنه أعلى منار الوطن ورقاه.. لم يستطع إلى الآن أن يعمم أنوار هذه المعارف المتنوعة بالجامع الأزهر الأنور". ما ذهب رفاعة إلى مكان، أو حل بموقع، إلا وحلت به الهمة، وارتفع صوت العمران. فكان مع التخطيط والتنفيذ والإنشاء، يضع المناهج ويقوم بالتدريس والتأسيس. فعل ذلك في كل مكان حل به، وفي كل مهمة كلف بها، وفي أي علم قام بتدريسه، أو معهد قام بتأسيسه. وعلى سبيل المثال، حين كلف بتدريس اللغة العربية بالمدارس الأميرية، ألف لهم منظومته "جمال الأجرومية" وكتابه "التحفة المكتبية لتقريب اللغة العربية"، وهو أول كتاب في النحو العربي ذي سمات تجديدية. شبهات وردود عاد الشيخ رفاعة من باريس عام 1246هـ، حيث كان على رأس مستقبليه إبراهيم باشا، ابن محمد علي، ذلك القائد العسكري التاريخي الجبار. ثم التقى بعده محمد علي، وانخرط بكليته في البناء والتأسيس، من موقع إلى موقع، ومن مكان إلى مكان، وهو "قليل النوم، كثير الانهماك على التأليف والترجمة"، كما يقول تلميذه صالح مجدي: "وذهب إلى باريس، وعاد خيرا مما ذهب". وحين أنشأ علي مبارك مجلة "روضة المدارس" النصف شهرية عام 1870م، أسند رئاسة تحريرها إلى رفاعة الطهطاوي، فجعلها مجالا لرواد العمل الثقافي في مصر، من أمثال علي مبارك نفسه، وعبد الله فكري، وإسماعيل صبري، وقدري باشا القانوني، وإسماعيل باشا الفلكي، وصالح مجدي من تلاميذ الشيخ رفاعة، والشيخ حمزة فتح الله اللغوي الشهير. وأصدر معها على عدة حلقات متتابعة كتابه "القول السديد في الاجتهاد والتقليد"، و"نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز" الذي لم يقتصر فيه على السيرة، بل تناول تاريخ صدر الإسلام بأسلوب جديد تماما. وكان قد كتب من قبل في التاريخ المصري القديم كتابه "أنوار توفيق الجليل"، فأفاد فيه لأول مرة في اللغة العربية من الكشوف الأثرية الحديثة. (في فكرنا الحديث والمعاصر، الجزء الأول، د. حسن الشافعي، القاهرة، 2024، ص 98). والذين يأخذون على رفاعة ترجمته للقانون التجاري الفرنسي الذي ترجمه عام 1868م، وتعريبه للقانون المدني الفرنسي الذي طبع في مجلدين عام 1868م، فما صنع الرجل ذلك من عندياته أولا، ولا صنعه ليحكم به محل الشريعة ثانيا. فقد كان الرجل من أساطين الفقه والشريعة المعدودين. إنما ترجم القانون التجاري ليحل مشكلة المشاكل في التعاملات التجارية مع الأجانب، الذين أغرقوا البلاد بالديون لحساب قانونهم في بلادهم، فأراد الرجل التبصير بهذا الأمر الخطير "حتى لا يجهل أهل هذا الوطن أصول الممالك الأخرى، لاسيما وأن علاقات الاقتضاء، ومناسبات الأخذ والعطاء، تدعو إلى الإلمام بمثل تلك الأصول الوضعية، ليكون من يتعامل معهم في تسوية الأمور على بصيرة". (الأعمال الكاملة، ص 367). وما ترجم القانون المدني رفقة طلابه –عبد الله السيد، وصالح مجدي، ومحمد قدري– إلا وقد اجتهد قدر الطاقة في سبر أغوار الفقه والشريعة الإسلامية، للإتيان بالمصطلح المناسب الذي يفي بقدرة الشريعة وكفايتها. وقد تنبه لذلك مبكرا حين أنشأ بمدرسة الألسن قسما لدراسة الشريعة الإسلامية والفقه على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان ، وهو المذهب الذي كان يتبناه العثمانيون طوال مدة حكمهم لأكثر من ستة قرون. رحمة الله ورضوانه على الطهطاوي الشيخ، المسيو، الأميرالاي، الذي أوقف عن العمل، وتعرض للبطالة عدة مرات، استمر بعضها إلى سنوات، ولم ينل رتبة الباشوية، في حين نالها من هم دونه بكثير. الناثر، الشاعر، المترجم، ناظر ومؤسس مدرسة الألسن، ووكيل وناظر المدرسة الحربية، وناظر مدرستي الهندسة الملكية والعمارة. العالم المعلم، صاحب "مباهج الألباب المصرية في مناهج الآداب العصرية"، و"المرشد الأمين للبنات والبنين"، و"نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز". وصاحب ريادات: تعليم المرأة، والحوار الحضاري، والصحافة العامة، والصحافة المدرسية، ودراسات الاستشراق، ودراسة اللغات، والثقافة الحضارية، وتأسيس النهضة، وتقنين الشريعة الإسلامية. الذي عاش في باريس خمس سنوات، تعدل في منتوجها خمسين عاما من العلم والوعي، واسترداد الثقة الحضارية، وتفعيل التراث، واستحضار العصر والدين معا. والذي لخص لنا رسالته بقوله: "لا تحصيل إلا بتعليم أحكام الدين، الواجب معرفتها على كل إنسان، وذلك بالاعتماد على الكتاب والسنة وبصائر العقول". و"إذ لا شك أن رسالة الرسل بالشرائع، هي أصل التمدن الحقيقي الذي يعتد به، وأن الذي جاء به الإسلام، من الأصول والأحكام، هو الذي مدن بلاد الدنيا على الإطلاق". ورحمة الله على الرجل الذي نعى باريس وما قدمت من "حشوات ضلالية" في بهرجها الحضاري الفاتن، فقال: أيوجدُ مثلَ باريسٍ ديارُ وليلُ الكفرِ ليس له صباحٌ أما هذا وحقكمُ عجيبُ وقضى عمره كسن الرمح، حتى لقي ربه في غرة ربيع الآخر سنة 1290هـ / 27 مايو/أيار 1873م، وهو يناهز الخامسة والسبعين من عمره النافع الميمون. فاهتزت مصر كلها لموته، على حد قول العلامة الدكتور أحمد أمين: "واحتشد لجنازته الألوف المؤلفة من المعارف والأمراء والنبلاء وتلاميذ المدارس، وازدحمت الشوارع بالناس يردّدون بعض جميله… يذكره الأزهريون على أنهم ابنهم، والمتعلمون المدنيون على أنه أبوهم، والجالية الفرنسية على أنه أخوهم، والمصريون كلهم على أنه مؤسس نهضتهم، وكلهم يتوجع لفقده، ويشيد بذكره". يا ابنَ الذي أيقظتْ مصرُ معارفَهُ أبوكَ كان لأبناءِ البلادِ أبا وسلام على الصادقين.


الجزيرة
منذ 5 أيام
- الجزيرة
"علي بابا" تكشف عن أول نظاراتها للذكاء الاصطناعي
كشفت "علي بابا" عن أولى نظاراتها الذكية المعززة بتقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن تواجد الشركة في المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي المقام حاليا في شنغهاي، وذلك وفق التقرير الذي نشره موقع "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" (SCMP). وتأتي النظارات الجديدة تحت اسم "كوارك إيه آي جلاسس" (Quark AI Glasses) تيمنا بالمساعد الذكي المعزز بالذكاء الاصطناعي التابع للشركة في إشارة لاعتمادها عليه بشكل أساسي لتشغيل مزايا الذكاء الاصطناعي وفق تقرير الموقع. كما أشار التقرير إلى أن "علي بابا" أكملت تطوير النظارات وتخطط لطرحها خلال هذا العام دون تحديد موعد نهائي للطرح، مضيفا أن الطرح يأتي ضمن مساعي "علي بابا" لتوسيع مزايا الذكاء الاصطناعي التي تقدمها. وتخطط الشركة للتغلب على التحديات السائدة في قطاع الذكاء الاصطناعي بما فيها واجهة الاستخدام السيئة فضلا عن عمر البطارية الضعيف ومزايا الذكاء الاصطناعي المحدودة وفق تصريحات سونغ جانغ رئيس أعمال المحطات الذكية في الشركة ضمن فعاليات المؤتمر. ووضح سونغ أن النظارة الجديدة تأتي في إطار أصغر بنسبة 40% من المعتاد فضلا عن اعتمادها على شرائح "سناب دراغون إيه آي 1" (Snapdragon AR1) من شركة "كوالكوم" (Qualcomm) الرائدة وتسخر نظام تشغيل مزدوج بين "أندرويد" ونظام تشغيل خاص بها. وأضاف أن النظارة الجديدة تتكامل بشكل فريد مع منظومة "علي بابا" المتكاملة بدءا من تطبيقات التسوق وحتى تطبيق الخرائط وآليات الدفع اللاتلامسي المطورة من قبل الشركة عبر أكواد الاستجابة السريعة الموجودة لدى التجار حسب التقرير. ويذكر بأن "علي بابا" تعهدت بتوسيع استثماراتها في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بقيمة تصل إلى 53 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة القادمة، وذلك ضمن خطة الشركة لتعزيز تواجدها في قطاع الذكاء الاصطناعي وفق التقرير. إذ أشار التقرير إلى أن الشركة غيرت هيكلها الداخلي لتركز على تطبيقات الذكاء الاصطناعي والنماذج الخاصة به فضلا عن تطوير مساعد "كوارك" الشخصي ليتحول من محرك بحث ومساحة تخزين سحابية إلى مساعد ذكاء اصطناعي متكامل. وتعد "علي بابا" من الشركات المتأخرة في دخول قطاع النظارات الذكية وفق ما جاء في التقرير، إذ سبقتها إليها شركات مثل "روكيد" (Rokid) و"إكس ريل" (Xreal).