logo
المسلمون ونصرة قضايا الأمة

المسلمون ونصرة قضايا الأمة

جريدة الوطنمنذ 8 ساعات
في زمن تتعاظم فيه المحن التي تلمّ بالأمة الإسلامية، وتتزايد فيه صور الظلم والاستضعاف التي تطال المسلمين في شتى بقاع الأرض، تبرز الحاجة الماسة إلى تأصيل فقهي وفكري يحدّد معالم الطريق في أداء واجب النصرة والمناصرة، بعيدا عن العاطفة المجردة أو الاندفاع غير المنضبط. وفي هذا السياق، يأتي كتاب «المسلمون ونصرة قضايا الأمة: أحكام وضوابط» للدكتور سالم الشيخي، ليقدم إضافة نوعية ومهمة إلى المكتبة الإسلامية المعاصرة، حيث يعالج هذا العمل العلمي الرصين قضية مركزية من قضايا الأمة، بأسلوب يجمع بين التأصيل الشرعي والمنهجية العلمية الرزينة.
صدر هذا الكتاب عن دار طيبة بالتعاون مع مركز البصيرة للبحوث والتدريب والترجمة، والكتاب يتألف من 380 صفحة، موزعة على بابين، و3 فصول، ينقسم كل فصل منها إلى عدد من المباحث.
وهو كتاب يحمل قيمة علمية وفكرية، ليس فقط لحساسية موضوعه إذ يمس وجدان الأمة الإسلامية، بل لما يتميز به من تأصيل شرعي دقيق وتنظيم منهجي محكم، فقد اجتهد المؤلف، الدكتور سالم عبد السلام الشيخي، في معالجة قضية نصرة المسلمين المظلومين في أنحاء العالم، محددا معالم هذا الواجب الشرعي، وضوابطه، وأبعاده الفقهية والإنسانية.
ويحاول الكتاب الإجابة عن واجب الوقت في ما يتعلق بنصرة المسلم لأخيه المسلم في الواقع المعاصر، في ظل التحديات التي تعيشها الأمة، عارضاً لحالة الوهن والغثائية التي تعيشها، ومنطلقا في عمله كله من اعتقاده أن على العلماء والفقهاء أن يوضحوا معالم طريق النصرة والمناصرة لإخوانهم المضطهدين في مختلف بقاع الأرض، حتى يكون موقف المسلمين قائما على أسس راسخة من العلم الشرعي والدليل الواضح والفقه النير، لكل من أراد القيام بالواجب الشرعي في النصرة، فطريق العمل ينبغي أن يسترشد فيه بالعلم الصحيح، كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: «من عمل في غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح». وانطلق المؤلف في كتابه من فكرة راسخة أن النصرة ليست عملا انفعاليا، بل مسؤولية شرعية تقتضي الفقه والتبصر. وقد جاءت معالجة الكتاب لقضايا المسلمين من منظور شامل، يتجاوز الاستجابة العاطفية المحضة، إلى تأسيس وعي عميق بمفاهيم النصرة، وأحكامها، وآدابها، وحدودها الشرعية.
فقه النصرة.. من تحديد
المصطلحات إلى ضبط الأحكام
الباب الأول في هذا الكتاب عنونه الشيخي بـ«الجانب التأصيلي المفاهيمي لفقه النصرة».
وفي الفصل الأول من هذا الباب أطّر المؤلف الجانب المفاهيمي لمفردات الكتاب، وقام بتحليل دقيق لمصطلحات «القضية»، و«الأزمة»، و«المشكلة»، مبرزا الفروق الدلالية بينها.
ليصل المؤلف إلى سبب إيثاره لاستخدام لفظ قضية على غيره لما فيه من عموم يصلح للدلالة على المشكلات الداخلية والخارجية، وهو لهذا أقرب للمعنى الذي يقصده الكاتب، ليبين بعدها أنه قصد بقضايا المسلمين المصائب والكوارث والمظالم التي تنزل بطائفة من المسلمين في أي قطر على وجه الأرض، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو حياتية أو نحو ذلك.
ويبين الشيخي أن القضايا التي تواجه المسلمين في مختلف أنحاء العالم؛ كفلسطين، وكشمير، وبورما، والصين ليست أزمات عابرة، بل مظالم مركبة تتطلب موقفا شرعيا واضحا.
ويفرد حيزا كبيرا لعرض أبرز القضايا المعاصرة، مبتدئا بالحديث عن «مصيبة الاحتلال واغتصاب الأرض» متحدثا فيها عن قضية فلسطين وكشمير، ثم ليفصل بعدها في ما تعانيه الأقليات المسلمة من اضطهاد وتطهير عرقي، وما يتعرض له المفكرون والعلماء من سجن وتعذيب ومنع من الحقوق الأساسية، مؤكدا أن هؤلاء جميعا يستحقون النصرة بمختلف وسائلها المشروعة.
ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى تأصيل مفهوم «النصرة» من الناحية اللغوية والشرعية، معرفا إياها بأنها: «إعانة المسلمين المظلومين على الوصول إلى حقوقهم، ودفع الأذى عنهم، مع بذل الجهد لتفريج كربهم ومواساتهم». وقد ناقش الفرق بين النصرة والمعونة، وبين النصرة المشروعة والتعدي المحرم، ليؤكد أن النصرة لا تعني تجاوز حدود الشرع، بل هي مشروطة بضوابط وأحكام.
وفي المبحث الأخير من هذا الفصل يبين ضوابط النصرة وأحكامها، متناولا الفروق الدقيقة بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي.
أحكام النصرة وضوابطها
أما الفصل الثاني «أحكام النصرة» فقد عنون المؤلف أول مباحثه «دواعي النصرة ودوافعها الشرعية»، وفيه يعرض المؤلف الأحكام المتعلقة بالنصرة، مستعرضا دوافعها الشرعية، ومستلهما ذلك من نصوص القرآن والسنة، كقوله تعالى:﴿ إنما المؤمنون إخوة ﴾، وقوله ﷺ: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»، وجاء تحته 6 مطالب هي: النصرة وتحقيق الأخوة الإسلامية، النصرة والذمة الواحدة للمسلمين، وجوب النصرة وتحقيق الولاء بين المسلمين، المسؤولية الشرعية في القيام بالقسط والشهادة، الخلق الإسلامي ومقتضى عدم الخذلان، ترك النصرة سبب للفساد في الأرض.
ويأتي ثاني مباحث هذا الفصل بعنوان «النصرة الشرعية: حكمها، وأدلتها»، وفي هذا المبحث يتناول الكاتب الحكم الشرعي لرفع الظلم عن المظلومين، وكشف الأذى عنهم مستدلا بآيات قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة تنهى عن خذلان المسلم أو تسليمه لعدوه، مؤكدا وجوب النصرة القلبية وجوبا عينيا، واستدل بالأحاديث التي بينت مراتب الإنكار، مركزا على فضل الإنكار القلبي عند العجز.
ويفرد المؤلف مساحة للحديث عن مسؤولية المرأة المسلمة، مؤكدا أن لها دورا أصيلا في النصرة عبر التربية والتوعية والدعاء وسائر الوسائل الممكنة ضمن إطارها الشرعي، ويبين أيضا على وجه التفصيل أهل النصرة ومستحقيها.
وينتقل بعدها إلى المبحث الثالث: «المسؤولية الشرعية المترتبة على الامتناع عن تقديم واجب النصرة»، وفيه يميز الكاتب بين «الجريمة الإيجابية» و«الجريمة السلبية»، مسلطا الضوء على خطورة الامتناع عن أداء واجب النصرة بوصفه جرما يترتب عليه ضرر بالغ، موضحا الشروط التي تجعل من التراخي جريمة تستوجب المحاسبة، لا سيما إذا كان المظلوم معروفا والظلم ظاهرا والقدرة على النصرة ممكنة، مستشهدا بآراء فقهية وقانونية من كتب مجموعة من أهل العلم، من مثل كتاب «نظرية الجريمة السلبية» لداود نعيم.
أما المبحث الرابع «قواعد وأصول ضابطة لوسائل النصر الواجبة»، ومن أبرز ما يتفرد به هذا الفصل نقده الصارم لنظرية «الغاية تبرر الوسيلة» حيث رد عليها بردود علمية وشرعية، مؤكدا أن العمل من أجل قضايا الأمة لا يبرر ارتكاب المحرمات، ولا يغني عن الالتزام بالضوابط الشرعية. ويشدد على أن الوسائل جزء من الدين، وأن استخدام العنف والاعتداء باسم «النصرة» مرفوض شرعا ومناقض لمقاصد الشريعة.
وقد أورد نصوصا تؤكد حرمة الاعتداء على الأبرياء، مستشهدا بالآية الكريمة:﴿ من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا﴾، محذرا من خطورة تبرير الجرائم الإرهابية باسم الدين، مؤكدا أن التفجيرات والاغتيالات والقتل العشوائي وما شابه مناف للشرع ومفسدة في الأرض.
كذلك استعرض القواعد الفقهية الحاكمة للوسائل، مثل: «الميسور لا يسقط بالمعسور»، و«سد الذرائع» مع تبيين تطبيقاتها المعاصرة، وغيرها من الأصول التي تعين على ترشيد جهود النصرة وتحكيم الضوابط.
والمبحث الخامس: «النصرة: آدابها وأسباب ضعفها في الأمة»، وفيه يتحدث الدكتور سالم الشيخي عن آداب النصرة وأسباب ضعفها في واقع الأمة، وقسم هذا المبحث إلى عدة مطالب رئيسة.
المطلب الأول: المسارعة إلى النصرة واستحضار الواجب الشرعي، وشدد فيه على أهمية التبكير إلى نصرة المظلومين والمبادرة من دون تردد، مستندا إلى النصوص الشرعية التي تحث على الإغاثة العاجلة، وربط ذلك بجوهر الأخوة الإيمانية.
والمطلب الثاني: «الإخلاص والاحتساب لله في نصرة المسلمين»، وذكّر القارئ فيه أن النصرة لا تقبل شرعا إلا إذا كانت خالصة لوجه الله تعالى، منزهة عن الأغراض الشخصية أو الدوافع السياسية، مشيرا إلى ضرورة أن تكون النية صادقة في كل جهد يبذل لنصرة قضايا الأمة.
والمطلب الثالث: «الحرص على القليل وإتمام أعمال النصرة»، والمطلب الرابع: «تجنب المن والأذى».
والمطلب الخامس: «أسباب ضعف النصرة في واقع الأمة»، وفيه تناول العوامل التي أدت إلى ضمور روح النصرة في الأمة، مثل الانشغال بالدنيا، والانهزام النفسي، والجهل بحقائق القضايا، والخوف من بطش الأنظمة الظالمة، وقلة الثقة بجدوى الفعل الجماعي.
وكل ما سبق من مباحث وفصول كان تحت الباب الأول من الكتاب، وبهذا استوفى الجانب التنظيري لمفهوم النصرة، لينتقل بعد ذلك في الباب الثاني إلى الجانب التطبيقي.
وسائل النصرة
وقد عنون الدكتور سالم الشيخي هذا الباب بهذا الاسم، وناقش فيه التوصيف الدقيق لوسائل النصرة الممكنة؛ ومنها: نصرة المسلمين بقنوت النوازل ودعاء الحاجات، والنصرة المالية والإغاثية، والنصرة الإعلامية لقضايا المسلمين، والنصرة السياسية والقانونية القضائية وواجب أهل الاختصاص.
يمثل كتاب «المسلمون ونصرة قضايا الأمة» عملا علميا محكما، يجمع بين التأصيل الفقهي، والتحليل الواقعي، والاستشراف الدعوي، وقد وفق المؤلف في طرح قضية محورية من قضايا الأمة، بأسلوب يجمع بين التخصص العلمي والموقف الإيماني، مقدما رؤية متزنة تساعد في بناء وعي جمعي مسؤول.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حركة الشباب تسيطر على بلدة وسط الصومال وتواصل تقدمها
حركة الشباب تسيطر على بلدة وسط الصومال وتواصل تقدمها

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

حركة الشباب تسيطر على بلدة وسط الصومال وتواصل تقدمها

قال مسؤول عسكري صومالي إن مسلحي حركة الشباب سيطروا على بلدة تاردو في منطقة هيران وسط البلاد ويواصلون هجوما أدى بالفعل إلى نزوح آلاف الأشخاص. وأوضح الضابط محمد عبد الله لرويترز أن تاردو -وهي مفترق طرق رئيسي يربط بين المراكز الحضرية الأكبر حجما- سقطت أول أمس الأحد بعد أن طرد مقاتلو حركة الشباب المتحالفة مع تنظيم القاعدة مقاتلي العشائر المتحالفين مع الحكومة. وقال عبد الله: "الجماعة تتقدم نحو مناطق أخرى بعد سقوط تاردو"، مضيفا أن القوات الصومالية ومقاتلي العشائر يحشدون لشن هجوم مضاد. وأكد زعيم محلي ومقاتل من العشائر ومشرع بإحدى المناطق السيطرة على تاردو، وهو ما قد يساعد حركة الشباب على الانتقال إلى بلدات أخرى أكبر بسبب موقعها. وتصاعدت هجمات حركة الشباب في المنطقة منذ مطلع هذا العام. ووصلت في فترات تقدم سابقة إلى مسافة 50 كيلومترا من العاصمة مقديشو ، إلا أن القوات الصومالية استعادت تلك القرى. وقال عبد الله: "نناقش مع أهالي هيران خططا لاستعادة البلدات من حركة الشباب". وأضاف أنه جرى نشر نحو 100 جندي لدعم المقاتلين المحليين. بدوره، أكد المشرع المحلي ضاهر أمين لرويترز أن أكثر من 12 ألف أسرة فرت من تاردو وبلدة موكوكوري القريبة التي قالت حركة الشباب إنها سيطرت عليها في الأسبوع الماضي. وتشن حركة الشباب هجمات في الصومال منذ عام 2007 في محاولة للإطاحة بالحكومة المركزية المدعومة دوليا وإقامة حكمها الخاص.

مستوطنون يضرمون النار بعشرات المركبات وقوات الاحتلال تقتحم مناطق بالضفة
مستوطنون يضرمون النار بعشرات المركبات وقوات الاحتلال تقتحم مناطق بالضفة

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

مستوطنون يضرمون النار بعشرات المركبات وقوات الاحتلال تقتحم مناطق بالضفة

أحرق مستوطنون عشرات المركبات وحاولوا إحراق منزلين خلال هجوم نفذه العشرات منهم في قرية بُرقة شرق رام الله بالضفة الغربية ، كما نفذت قوات الاحتلال اقتحامات ومداهمات لمناطق عدة بالضفة. وأكدت مصادر للجزيرة أن أهالي القرية تصدوا للمستوطنين قبل اقتحام قوات الاحتلال للبلدة؛ حيث عملت على عرقلة دخول سيارات الدفاع المدني لإخماد الحرائق التي امتدّت لبعض الأحراش. وظهر فيديو يوثق قيام عدد من المستوطنين بإلقاء مواد حارقة على المركبات. ورغم انسحاب المستوطنين إلى البؤرة الاستيطانية تسور هرئيل، فإن سكان قرية برقة أكدوا خشيتهم من تكرار الهجمات. وفي السياق ذاته، قالت مصادر للجزيرة إن قوات الاحتلال حاصرت منزلا، وسط مدينة أريحا شرقي الضفة الغربية. اقتحامات ومداهمات وكانت قوات الاحتلال اقتحمت، مساء الاثنين، مناطق بأنحاء الضفة الغربية المحتلة، وداهمت منازل واعتدت على فلسطينيين بينهم طفل، وفق إعلام حكومي. وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا) إن الجيش الإسرائيلي اقتحم مناطق بمحافظة جنين (شمال)، بينها بلدة كفر راعي جنوب المدينة، حيث داهم منزل عائلة الشهيد يوسف وليد عبد الله شيخ إبراهيم (20 عاما). ومساء الاثنين، أعلنت وزارة الصحة أن الهيئة العامة للشؤون المدنية (جهة اتصال رسمية مع الجانب الإسرائيلي)، أبلغتها باستشهاد الشاب يوسف وليد عبد الله شيخ إبراهيم برصاص الاحتلال قرب جنين. كما اقتحم الجيش بلدة كفر دان شمال غرب مدينة جنين، وأطلق الرصاص الحي، وداهم عدة منازل وفتشها، إضافة إلى قرية فحمة، حيث اندلعت مواجهات من دون أن يبلغ عن إصابات أو اعتقالات. وفي منطقة جبل أبو ظهير بمدينة جنين أيضا، داهم الجيش الإسرائيلي منزلا وفتشه، ونشر قناصة في المنطقة، كما احتجز شابا، ثم أطلق سراحه لاحقا. وشمال الضفة أيضا، اقتحمت قوات إسرائيلية ضواحي أكتابا والشويكة وذنابة ومنتزه النبي يعقوب بمدينة طولكرم ، ونفذت حملة تنكيل وتفتيش واسعة طالت المواطنين وممتلكاتهم. وأضافت الوكالة أن الجيش أقام حواجز عسكرية وأوقف مركبات، وأجرى عمليات تفتيش، ودقق في هويات ركاب، وسط استجواب ميداني لعدد منهم. وتخلل الاقتحامات الاعتداء بوحشية على طفل أثناء قيادته لدراجته الهوائية وتحطيمها، وعلى شاب آخر بعد مداهمة محله (متجره)، واعتقال شاب، وفق وفا. وشرق مدينة قلقيلية ، اقتحم الجيش الإسرائيلي قرية حَجّة بآليات عسكرية، من دون أن تُسجل أي حالات اعتقال، حسب الوكالة. ومنذ 21 يناير/كانون الثاني 2025، ينفذ الجيش عدوانا على مدن ومخيمات شمال الضفة، بدأه بمخيم جنين، ثم وسعه إلى مخيمي نور شمس وطولكرم. ووسط الضفة، اقتحمت قوة إسرائيلية الاثنين قرية المغيّر شمال شرق مدينة رام الله وانتشرت في شوارعها، ونصبت حاجزا عسكريا عند مدخلها الغربي، كما داهمت منزلا وأوقفت عددا من المركبات وفتشتها، من دون أن يبلغ عن اعتقالات، وفق وفا. وبالتوازي مع إبادة غزة، ارتفع عدد الشهداء في الضفة والقدس إلى 999 فلسطينيا على الأقل، ونحو 7 آلاف، إضافة إلى اعتقال أكثر من 18 ألفا، وفق معطيات فلسطينية. ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها. وخلفت الإبادة أكثر من 197 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، بينهم عشرات الأطفال.

المسلمون ونصرة قضايا الأمة
المسلمون ونصرة قضايا الأمة

جريدة الوطن

timeمنذ 8 ساعات

  • جريدة الوطن

المسلمون ونصرة قضايا الأمة

في زمن تتعاظم فيه المحن التي تلمّ بالأمة الإسلامية، وتتزايد فيه صور الظلم والاستضعاف التي تطال المسلمين في شتى بقاع الأرض، تبرز الحاجة الماسة إلى تأصيل فقهي وفكري يحدّد معالم الطريق في أداء واجب النصرة والمناصرة، بعيدا عن العاطفة المجردة أو الاندفاع غير المنضبط. وفي هذا السياق، يأتي كتاب «المسلمون ونصرة قضايا الأمة: أحكام وضوابط» للدكتور سالم الشيخي، ليقدم إضافة نوعية ومهمة إلى المكتبة الإسلامية المعاصرة، حيث يعالج هذا العمل العلمي الرصين قضية مركزية من قضايا الأمة، بأسلوب يجمع بين التأصيل الشرعي والمنهجية العلمية الرزينة. صدر هذا الكتاب عن دار طيبة بالتعاون مع مركز البصيرة للبحوث والتدريب والترجمة، والكتاب يتألف من 380 صفحة، موزعة على بابين، و3 فصول، ينقسم كل فصل منها إلى عدد من المباحث. وهو كتاب يحمل قيمة علمية وفكرية، ليس فقط لحساسية موضوعه إذ يمس وجدان الأمة الإسلامية، بل لما يتميز به من تأصيل شرعي دقيق وتنظيم منهجي محكم، فقد اجتهد المؤلف، الدكتور سالم عبد السلام الشيخي، في معالجة قضية نصرة المسلمين المظلومين في أنحاء العالم، محددا معالم هذا الواجب الشرعي، وضوابطه، وأبعاده الفقهية والإنسانية. ويحاول الكتاب الإجابة عن واجب الوقت في ما يتعلق بنصرة المسلم لأخيه المسلم في الواقع المعاصر، في ظل التحديات التي تعيشها الأمة، عارضاً لحالة الوهن والغثائية التي تعيشها، ومنطلقا في عمله كله من اعتقاده أن على العلماء والفقهاء أن يوضحوا معالم طريق النصرة والمناصرة لإخوانهم المضطهدين في مختلف بقاع الأرض، حتى يكون موقف المسلمين قائما على أسس راسخة من العلم الشرعي والدليل الواضح والفقه النير، لكل من أراد القيام بالواجب الشرعي في النصرة، فطريق العمل ينبغي أن يسترشد فيه بالعلم الصحيح، كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: «من عمل في غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح». وانطلق المؤلف في كتابه من فكرة راسخة أن النصرة ليست عملا انفعاليا، بل مسؤولية شرعية تقتضي الفقه والتبصر. وقد جاءت معالجة الكتاب لقضايا المسلمين من منظور شامل، يتجاوز الاستجابة العاطفية المحضة، إلى تأسيس وعي عميق بمفاهيم النصرة، وأحكامها، وآدابها، وحدودها الشرعية. فقه النصرة.. من تحديد المصطلحات إلى ضبط الأحكام الباب الأول في هذا الكتاب عنونه الشيخي بـ«الجانب التأصيلي المفاهيمي لفقه النصرة». وفي الفصل الأول من هذا الباب أطّر المؤلف الجانب المفاهيمي لمفردات الكتاب، وقام بتحليل دقيق لمصطلحات «القضية»، و«الأزمة»، و«المشكلة»، مبرزا الفروق الدلالية بينها. ليصل المؤلف إلى سبب إيثاره لاستخدام لفظ قضية على غيره لما فيه من عموم يصلح للدلالة على المشكلات الداخلية والخارجية، وهو لهذا أقرب للمعنى الذي يقصده الكاتب، ليبين بعدها أنه قصد بقضايا المسلمين المصائب والكوارث والمظالم التي تنزل بطائفة من المسلمين في أي قطر على وجه الأرض، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو حياتية أو نحو ذلك. ويبين الشيخي أن القضايا التي تواجه المسلمين في مختلف أنحاء العالم؛ كفلسطين، وكشمير، وبورما، والصين ليست أزمات عابرة، بل مظالم مركبة تتطلب موقفا شرعيا واضحا. ويفرد حيزا كبيرا لعرض أبرز القضايا المعاصرة، مبتدئا بالحديث عن «مصيبة الاحتلال واغتصاب الأرض» متحدثا فيها عن قضية فلسطين وكشمير، ثم ليفصل بعدها في ما تعانيه الأقليات المسلمة من اضطهاد وتطهير عرقي، وما يتعرض له المفكرون والعلماء من سجن وتعذيب ومنع من الحقوق الأساسية، مؤكدا أن هؤلاء جميعا يستحقون النصرة بمختلف وسائلها المشروعة. ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى تأصيل مفهوم «النصرة» من الناحية اللغوية والشرعية، معرفا إياها بأنها: «إعانة المسلمين المظلومين على الوصول إلى حقوقهم، ودفع الأذى عنهم، مع بذل الجهد لتفريج كربهم ومواساتهم». وقد ناقش الفرق بين النصرة والمعونة، وبين النصرة المشروعة والتعدي المحرم، ليؤكد أن النصرة لا تعني تجاوز حدود الشرع، بل هي مشروطة بضوابط وأحكام. وفي المبحث الأخير من هذا الفصل يبين ضوابط النصرة وأحكامها، متناولا الفروق الدقيقة بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي. أحكام النصرة وضوابطها أما الفصل الثاني «أحكام النصرة» فقد عنون المؤلف أول مباحثه «دواعي النصرة ودوافعها الشرعية»، وفيه يعرض المؤلف الأحكام المتعلقة بالنصرة، مستعرضا دوافعها الشرعية، ومستلهما ذلك من نصوص القرآن والسنة، كقوله تعالى:﴿ إنما المؤمنون إخوة ﴾، وقوله ﷺ: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»، وجاء تحته 6 مطالب هي: النصرة وتحقيق الأخوة الإسلامية، النصرة والذمة الواحدة للمسلمين، وجوب النصرة وتحقيق الولاء بين المسلمين، المسؤولية الشرعية في القيام بالقسط والشهادة، الخلق الإسلامي ومقتضى عدم الخذلان، ترك النصرة سبب للفساد في الأرض. ويأتي ثاني مباحث هذا الفصل بعنوان «النصرة الشرعية: حكمها، وأدلتها»، وفي هذا المبحث يتناول الكاتب الحكم الشرعي لرفع الظلم عن المظلومين، وكشف الأذى عنهم مستدلا بآيات قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة تنهى عن خذلان المسلم أو تسليمه لعدوه، مؤكدا وجوب النصرة القلبية وجوبا عينيا، واستدل بالأحاديث التي بينت مراتب الإنكار، مركزا على فضل الإنكار القلبي عند العجز. ويفرد المؤلف مساحة للحديث عن مسؤولية المرأة المسلمة، مؤكدا أن لها دورا أصيلا في النصرة عبر التربية والتوعية والدعاء وسائر الوسائل الممكنة ضمن إطارها الشرعي، ويبين أيضا على وجه التفصيل أهل النصرة ومستحقيها. وينتقل بعدها إلى المبحث الثالث: «المسؤولية الشرعية المترتبة على الامتناع عن تقديم واجب النصرة»، وفيه يميز الكاتب بين «الجريمة الإيجابية» و«الجريمة السلبية»، مسلطا الضوء على خطورة الامتناع عن أداء واجب النصرة بوصفه جرما يترتب عليه ضرر بالغ، موضحا الشروط التي تجعل من التراخي جريمة تستوجب المحاسبة، لا سيما إذا كان المظلوم معروفا والظلم ظاهرا والقدرة على النصرة ممكنة، مستشهدا بآراء فقهية وقانونية من كتب مجموعة من أهل العلم، من مثل كتاب «نظرية الجريمة السلبية» لداود نعيم. أما المبحث الرابع «قواعد وأصول ضابطة لوسائل النصر الواجبة»، ومن أبرز ما يتفرد به هذا الفصل نقده الصارم لنظرية «الغاية تبرر الوسيلة» حيث رد عليها بردود علمية وشرعية، مؤكدا أن العمل من أجل قضايا الأمة لا يبرر ارتكاب المحرمات، ولا يغني عن الالتزام بالضوابط الشرعية. ويشدد على أن الوسائل جزء من الدين، وأن استخدام العنف والاعتداء باسم «النصرة» مرفوض شرعا ومناقض لمقاصد الشريعة. وقد أورد نصوصا تؤكد حرمة الاعتداء على الأبرياء، مستشهدا بالآية الكريمة:﴿ من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا﴾، محذرا من خطورة تبرير الجرائم الإرهابية باسم الدين، مؤكدا أن التفجيرات والاغتيالات والقتل العشوائي وما شابه مناف للشرع ومفسدة في الأرض. كذلك استعرض القواعد الفقهية الحاكمة للوسائل، مثل: «الميسور لا يسقط بالمعسور»، و«سد الذرائع» مع تبيين تطبيقاتها المعاصرة، وغيرها من الأصول التي تعين على ترشيد جهود النصرة وتحكيم الضوابط. والمبحث الخامس: «النصرة: آدابها وأسباب ضعفها في الأمة»، وفيه يتحدث الدكتور سالم الشيخي عن آداب النصرة وأسباب ضعفها في واقع الأمة، وقسم هذا المبحث إلى عدة مطالب رئيسة. المطلب الأول: المسارعة إلى النصرة واستحضار الواجب الشرعي، وشدد فيه على أهمية التبكير إلى نصرة المظلومين والمبادرة من دون تردد، مستندا إلى النصوص الشرعية التي تحث على الإغاثة العاجلة، وربط ذلك بجوهر الأخوة الإيمانية. والمطلب الثاني: «الإخلاص والاحتساب لله في نصرة المسلمين»، وذكّر القارئ فيه أن النصرة لا تقبل شرعا إلا إذا كانت خالصة لوجه الله تعالى، منزهة عن الأغراض الشخصية أو الدوافع السياسية، مشيرا إلى ضرورة أن تكون النية صادقة في كل جهد يبذل لنصرة قضايا الأمة. والمطلب الثالث: «الحرص على القليل وإتمام أعمال النصرة»، والمطلب الرابع: «تجنب المن والأذى». والمطلب الخامس: «أسباب ضعف النصرة في واقع الأمة»، وفيه تناول العوامل التي أدت إلى ضمور روح النصرة في الأمة، مثل الانشغال بالدنيا، والانهزام النفسي، والجهل بحقائق القضايا، والخوف من بطش الأنظمة الظالمة، وقلة الثقة بجدوى الفعل الجماعي. وكل ما سبق من مباحث وفصول كان تحت الباب الأول من الكتاب، وبهذا استوفى الجانب التنظيري لمفهوم النصرة، لينتقل بعد ذلك في الباب الثاني إلى الجانب التطبيقي. وسائل النصرة وقد عنون الدكتور سالم الشيخي هذا الباب بهذا الاسم، وناقش فيه التوصيف الدقيق لوسائل النصرة الممكنة؛ ومنها: نصرة المسلمين بقنوت النوازل ودعاء الحاجات، والنصرة المالية والإغاثية، والنصرة الإعلامية لقضايا المسلمين، والنصرة السياسية والقانونية القضائية وواجب أهل الاختصاص. يمثل كتاب «المسلمون ونصرة قضايا الأمة» عملا علميا محكما، يجمع بين التأصيل الفقهي، والتحليل الواقعي، والاستشراف الدعوي، وقد وفق المؤلف في طرح قضية محورية من قضايا الأمة، بأسلوب يجمع بين التخصص العلمي والموقف الإيماني، مقدما رؤية متزنة تساعد في بناء وعي جمعي مسؤول.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store