logo
تقرير في غزة.. السمك يُصطاد ولا يُؤكل

تقرير في غزة.. السمك يُصطاد ولا يُؤكل

غزة/ عبد الله التركماني:
كان محمود أبو ناجي، الأربعيني الغزي، يتنقل بين البسطات القليلة المتبقية في سوق السمك بميناء غزة، ممسكًا بورقة نقدية من فئة 50 شيكلًا، يضغط عليها بأصابعه كأنها كنز، وينظر إلى الأسماك كما لو كان يتأمل مشهدًا من حلم بعيد.
لم يكن يطلب الكثير، فقط قطعة لحم، أي لحم، لزوجته التي وضعت مولودها منذ خمسة أيام، وبدأ جسدها يذبل من الإرهاق وسوء التغذية. يقول لصحيفة "فلسطين" بأسى: "منذ أن أنجبت زوجتي، لم تتذوق طعامًا يحتوي على بروتين حقيقي. لا دجاج، لا لحم، حتى البيض مفقود. لم أعد أعرف كيف أساعدها على استعادة صحتها".
منذ مارس الماضي، تغلق سلطات الاحتلال المعابر بالكامل أمام دخول الغذاء والمساعدات، حتى باتت قطعة لحم حلمًا بعيد المنال لمعظم سكان القطاع.
وبينما كانت أكياس الثلج الذائب تسيل تحت صناديق السمك، اقترب أبو ناجي من أحد الباعة وسأل عن كيلو سردين "بذرة" – ذلك النوع الشعبي الذي كان يملأ موائد الغزيين في الأيام العادية.
أجابه البائع دون أن يرفع رأسه: "ثمانون شيكلًا للكيلو، وإذا لم يعجبك… ابحث عن غيري".
وقف الرجل مذهولًا، وضحك بمرارة لصحيفة "فلسطين": "كان الكيلو يُباع بشيكل واحد قبل الحرب. كنا نشتري ثلاثة كيلو بعين مغمضة. الآن صار طعامًا للأغنياء".
"البحر أمامنا… لكن السمك لم يعد لنا"، يتمتم أبو ناجي وهو يغادر دون أن يشتري شيئًا، بعد أن شاهد بائعًا آخر يعرض سمك دنيس متوسط الحجم بـ500 شيكل للكيلو.
في غزة المحاصرة، حيث دمّرت الحرب كل مقومات الحياة الإنتاجية، وتسببّت بانهيار النظام الغذائي، تحوّلت الأسماك من غذاء شعبي إلى سلعة فاخرة.
تراجع الصيد البحري بشكل كبير، إذ بات الخروج إلى البحر مخاطرة حقيقية بسبب القصف، ولغياب الوقود الضروري لتشغيل قوارب الصيادين.
عاد أبو ناجي إلى خيمته بخطى مثقلة، وفي يده كيس فيه عدس. "لا أريد أن أخبر زوجتي أنني لم أجد سمكًا. سأقول لها إنه لم يكن طازجًا، ونؤجل الأمر إلى الغد"، قالها وهو ينظر إلى البحر وكأنه يعاتبه.
أطفال يحلمون بلقمة لحم
لم يكن حلم أطفال سامي الجرو (37 عامًا) كبيرًا، فقط قطعة لحم تُطهى على النار، أو صدر دجاج يُسكب فوق الأرز، أو حتى سمكة تُشوى أمام أعينهم الجائعة.
يقول الجرو، وهو أب لأربعة أطفال، ويعيش في أحد مخيمات الإيواء غرب غزة، لـ"فلسطين": "يسألني أطفالي كل يوم: أبي، متى سنأكل لحمًا؟ حتى الصغار منهم لم يعودوا يعرفون طعمه. لا دجاج، لا لحم، لا بيض… فقررت أن أشتري لهم سمكًا، ربما أُفرحهم".
لكن رحلته إلى سوق السمك لم تحمل الفرح، بل الصدمة: "دخلت السوق وأنا أحمل أملي بين يدي، لكن الأسعار جعلتني أشعر وكأنني في سوق أوروبي، لا في غزة. السردين بثمانين شيكلًا، البوري بـ350، والدنيس بـ450!" يقولها وهو يلوّح بيده بانفعال.
وما زاد الطين بلّة، أن بعض الصيادين رفضوا البيع له لأنه لا يملك مالًا نقديًا: "أملك رصيدًا في التطبيق البنكي، لكنهم يريدون الدفع نقدًا فقط. سألت أحدهم: لماذا؟ قال: هكذا نريد! طيب لماذا؟ إلى أين نذهب بهذا الظلم؟"
يستغرب الجرو من غلاء الأسعار رغم غياب مبررات الكلفة الحقيقية، ويتهم بعض الصيادين بالانضمام إلى موجة الاحتكار التي تضرب غزة منذ شهور: "معظمهم يستخدمون مراكب مجاديف، لا تحتاج إلى وقود ولا محركات، فلماذا الغلاء؟ حتى البحر صار فيه تجار أزمة".
في خيمته، قفز أطفاله فرحًا عندما رأوا أباهم يحمل كيسًا صغيرًا، ظنوه سمكًا. لكنه لم يكن سوى فاصولياء.
"لم أستطع أن أخبرهم بالحقيقة. قلت لهم إن السمك لم يصل السوق اليوم. ربما غدًا… أو بعد غد"، قال وهو ينظر إلى البحر القريب من خيمته، "البحر قريب… لكن الشبع بعيد".
لقمة عيش مغمسة بالدم
في محاولة للحد من انفلات الأسعار، بدأت اللجان الأمنية التابعة لوحدة "سهم"، المنتشرة في المناطق السكنية بغزة، باتخاذ إجراءات ميدانية لضبط سوق السمك ومنع التلاعب بقوت الناس.
وأصدرت هذه اللجان تحذيرات مباشرة للصيادين والتجار، مطالبة بعدم التمادي في رفع الأسعار بما يتجاوز قدرة الناس الشرائية، في ظل ما وصفته بـ"المجاعة الزاحفة" التي تهدد أكثر من مليوني إنسان في القطاع المحاصر.
يقول الصياد خليل أبو ريالة، الذي يخرج إلى البحر ثلاث مرات أسبوعيًا على متن مركب صغير، لصحيفة "فلسطين": "نحن كصيادين نخاطر فعليًا بحياتنا كل مرة ننزل فيها إلى البحر. الزوارق الحربية الإسرائيلية تطاردنا، وأحيانًا تطلق النار علينا حتى ونحن قريبون من الشاطئ".
ويضيف: "الوقود غالٍ جدًا. نشتري اللتر بـ45 شيكلًا من السوق السوداء. الرحلة الواحدة قد تكلف أكثر من 300 شيكل للوقود فقط، ناهيك عن تكاليف الشبك والمستلزمات الأخرى".
ومع ذلك، لا يبرّر أبو ريالة الارتفاع الجنوني للأسعار، ويقر بأن هناك من استغل الأزمة لمراكمة الأرباح: "بصراحة، هناك مبالغة كبيرة في الأسعار. ليس كل الصيادين يستخدمون المحركات، هناك من يستخدم المجاديف ولا يحتاج وقودًا، ومع ذلك يرفعون الأسعار بشكل خيالي".
ويختم بقوله: "الاحتكار موجود، وهناك من يصطاد الأزمة لا السمك. والذي يدفع الثمن هو المواطن الفقير، الذي لا يستطيع شراء حتى سردينة لأطفاله".
المصدر / فلسطين أون لاين
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أزمة مالية غير مسبوقة تهدد السلطة الفلسطينية وسط احتجاز أموال المقاصة وتفاقم الأعباء المعيشية
أزمة مالية غير مسبوقة تهدد السلطة الفلسطينية وسط احتجاز أموال المقاصة وتفاقم الأعباء المعيشية

قدس نت

timeمنذ يوم واحد

  • قدس نت

أزمة مالية غير مسبوقة تهدد السلطة الفلسطينية وسط احتجاز أموال المقاصة وتفاقم الأعباء المعيشية

دخلت السلطة الفلسطينية مرحلة حرجة من أزمة مالية مستمرة منذ 44 شهراً، مع تصاعد تداعيات احتجاز الاحتلال الإسرائيلي لأموال المقاصة، ما أدى إلى تأخر وتقليص الرواتب، وتراجع الخدمات الصحية والتعليمية، وسط تحذيرات من شلل في المؤسسات العامة وانهيار اقتصادي شامل. وتشير تصريحات رسمية واقتصادية إلى أن حكومة الاحتلال تسعى لتقويض السلطة من خلال سياسات ممنهجة تستهدف تجفيف مصادر تمويلها، في وقت تعتمد فيه الأخيرة على المقاصة بنسبة تفوق 60% من إيراداتها. وأكد مسؤولون وخبراء أن الأزمة مرشحة للتفاقم، مع تراجع الدعم الخارجي وانكماش الاقتصاد المحلي، بينما تواجه الحكومة عجزاً شهرياً يتجاوز 650 مليون شيكل. وفي المقابل، دعت النقابات لبرنامج وطني يوازن بين استمرار تقديم الخدمات وضمان حقوق الموظفين، مع تصاعد الاحتجاجات وتقليص الدوام في قطاعات حيوية. وحذر خبراء من أن استمرار الأزمة دون تدخل دولي عاجل للإفراج عن الأموال المحتجزة سيقود إلى انهيار اقتصادي واسع، مؤكدين أن الحلول لا يمكن أن تكون مالية فقط، بل سياسية بامتياز، داعين لتشكيل مجلس اقتصادي وطني وخلق شبكة أمان عربية عاجلة لتفادي الانفجار الاجتماعي. وتتزامن الأزمة مع تزايد الاستهداف الإسرائيلي للمقدرات الفلسطينية، ومحاولات "تصدير أزمات متلاحقة"، وسط غياب أفق واضح للحل، وتحديات يومية تعصف بالمواطن والموظف والمؤسسات على حد سواء. المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله

الشيكل يحلق عاليا: الدولار قد ينهار إلى أدنى مستوى له منذ عقود
الشيكل يحلق عاليا: الدولار قد ينهار إلى أدنى مستوى له منذ عقود

معا الاخبارية

timeمنذ 2 أيام

  • معا الاخبارية

الشيكل يحلق عاليا: الدولار قد ينهار إلى أدنى مستوى له منذ عقود

بيت لحم- معا- في ظل التطورات على الساحة الأمنية والسياسية، تتزايد التوقعات في سوق رأس المال الإسرائيلي باستمرار ارتفاع قيمة الشيكل مقابل الدولار. وأعرب اثنان من كبار مسؤولي صناديق التحوط عن تقييمات متشابهة بشأن استمرار هذا الارتفاع، وإن كان لأسباب مختلفة. ووفقًا لأوري توفال ، الرئيس التنفيذي لشركة توفال للاستثمار ورئيس مجلس إدارة صندوق التحوط "ألاماندا كابيتال"، أصبح الدولار مؤشرًا فعليًا على الخوف وعدم اليقين في السوق المحلية. وقال لصحيفة معاريف الإسرائيلية: "مع استقرار الوضع الأمني والسياسي وتحسنه، يضعف الدولار بالتبعية". يذكر توفال أن سعر صرف الدولار كان في بداية العام حوالي 3.65 شيكل، لكنه انخفض تدريجيًا بعد سلسلة من الحوادث الأمنية. ويضيف أنه بعد صفقة الرهائن الدرامية، انخفض إلى 3.5 شيكل، ثم لاحقًا - مع انتهاء الحملة ضد إيران بنجاح وشعور باستقرار السوق - انخفض سعر الصرف إلى أقل من 3.4 شيكل. في سيناريو وقف إطلاق نار وشيك في غزة وانتهاء القتال، يتوقع توفال انخفاضًا إضافيًا في سعر صرف الدولار: "من المرجح أن نشهد اقتراب سعر صرف الدولار من 3.2، وربما اقل. وأضاف: "وفي سيناريو توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم ليشمل دولًا أخرى مثل سوريا والسعودية وغيرها، فإن سعر صرف 3 شيكل للدولار أو أقل من ذلك هو احتمال واقعي، وهو أمر معقول تمامًا". يعتقد إيفياتار بن ديفيد ، كبير الاقتصاديين في صندوق التحوط "فيرتيكال"، أن هناك مجالًا لاستمرار قوة الشيكل. وحسب قوله، نسي الكثيرون أن الشيكل كان عند مستويات أقوى مقابل الدولار واليورو في أواخر عام ٢٠٢١ وخلال عام ٢٠٢٢، والآن هناك ظروف قد تعيد العملة المحلية إلى وضعها الطبيعي. ويشير بن ديفيد إلى ثلاثة عوامل رئيسية قد تدعم هذا الاتجاه: الزيادات في الأسواق المالية، والضعف العام للدولار في جميع أنحاء العالم، وخفض أسعار الفائدة المحتمل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ــ وذلك أساسا نتيجة لتباطؤ التضخم وليس بالضرورة الركود. ويزعم أن موسم السنة يلعب دورًا أيضًا: "يُعتبر شهر يوليو من أكثر شهور السنة إيجابية"، كما أوضح. وأضاف أن ارتفاع أسواق الأسهم الأمريكية قد يدفع المستثمرين المؤسسيين الإسرائيليين إلى زيادة التحوط لاستثماراتهم في الخارج، مما يُسهم في زيادة الطلب على الشيكل. يشير بن ديفيد إلى أن أحجام التداول منخفضة نسبيًا خلال فصل الصيف، مما يزيد من التقلبات. وأي حركة في سعر صرف الدولار - وخاصةً إذا استمر في التراجع - قد تكون أكثر حدة من المعتاد. إضافةً إلى ذلك، ومع سعي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى نهج أكثر جرأة في أسعار الفائدة، قد يُضيّق ذلك فجوة أسعار الفائدة بين إسرائيل والولايات المتحدة، ويُقدّم دعمًا إضافيًا للشيكل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store