
"لا أعرف من يمكن الوثوق به"، دروز سوريا قلقون من التهميش ما بعد الحرب
قُتل أكثر من مئة شخص في أحداث عنف طائفي في ضاحيةٍ جنوبي دمشق في أبريل/نيسان.
حين بدأ إطلاق النار خارج منزلها في ضاحية أشرفية صحنايا بريف دمشق، أمسكت لمى الحسنية بهاتفها وأغلقت على نفسها باب الحمام.
لساعات، كانت ترتجف خوفاً، فيما كان مقاتلون يرتدون زياً عسكرياً مموهاً يتجولون في شوارع الحي. كانت هناك رشاشات ثقيلة منصوبة على مركبة عسكرية أسفل شرفة منزلها.
"جهاد ضد الدروز"، و"سنقتلكم أيها الدروز"، كانت تلك بعض العبارات التي صرخ بها المهاجمون.
لم تكن لمى تعرف من هم هؤلاء الرجال: هل هم متطرفون؟ عناصر من قوات الأمن الحكومية؟ أم طرف آخر تماماً؟- لكن الرسالة كانت واضحة: لأنها درزية، لم تكن آمنة.
ولطالما شغل الدروز، وهم طائفة لها معتقداتها وممارساتها الخاصة، وانبثقت ديانتهم من رحم الإسلام الشيعي، وشغلوا تاريخياً موقعاً هشاً في النظام السياسي السوري.
تحت حكم الرئيس السابق، بشار الأسد، حافَظ كثير من الدروز على ولاء هادئ للدولة، على أمل أن يوفر لهم هذا الموقف حماية من حمّام الدم الطائفي الذي اجتاح مناطق واسعة من سوريا خلال الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاماً.
شارك عدد من أبناء الطائفة في الاحتجاجات الشعبية، لا سيما في السنوات اللاحقة. لكن، وفي محاولة لتقديم نفسه كحامٍ للأقليات من خطر التطرف الإسلامي، تجنّب الرئيس بشار الأسد استخدام القبضة الأمنية ذاتها ضد المتظاهرين الدروز، كما فعل في مدن أخرى ثارت ضد حكمه.
شكّل الدروز جماعة مسلحة للدفاع عن مناطقهم في وجه جماعات سنية متشددة كانت تعتبرهم "منشقة عن العقيدة"، فيما تجنّبت القوات الموالية للأسد التدخل في مناطقهم.
لكن بعد الإطاحة بالأسد على يد فصائل سنية إسلامية قادت تشكيل حكومة مؤقتة، بدأت تلك المعادلة غير المعلنة تتفكك، وبدأ القلق يتصاعد في أوساط الدروز من احتمال تهميشهم واستهدافهم في سوريا ما بعد الحرب.
وساهمت هجمات شنتها مؤخراً جماعات مسلحة إسلامية مرتبطة بشكل غير مباشر بالحكومة في دمشق على تجمعات درزية، في تعزيز حالة انعدام الثقة المتنامية تجاه الدولة.
BBC
بدأت القصة أواخر أبريل/نيسان، عندما سُرّب تسجيل صوتي يُقال إنّه لرجل دين درزي يسيء فيه إلى النبي محمد. ورغم نفي الشيخ المعني أن الصوت يعود إليه، وتأكيد وزارة الداخلية السورية لاحقاً أن التسجيل مفبرك، إلا أن الضرر كان قد وقع بالفعل.
انتشر مقطع فيديو لطالب في جامعة حمص وسط البلاد، دعا فيه المسلمين إلى "الانتقام الفوري" من الدروز، مما أجّج "عنفاً طائفياً" في أنحاء متفرقة من البلاد.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقرّه بريطانيا، إن ما لا يقل عن 137 شخصاً قُتلوا في عدة أيام من القتال في أشرفية صحنايا وجرمانا جنوب دمشق، وفي كمين على طريق السويداء- دمشق. وشملت الحصيلة 17 مدنياً، و89 مقاتلاً درزياً، و32 عنصراً من قوات الأمن.
وقالت الحكومة السورية إن العملية الأمنية التي نفّذتها في أشرفية صحنايا هدفت إلى استعادة الأمن والاستقرار، وإنّها جاءت رداً على هجمات استهدفت عناصرها أسفرت عن مقتل 16 منهم.
في هذه الأثناء، كانت لمى زاهر الدين، وهي طالبة صيدلة في جامعة دمشق، على وشك إنهاء دراستها عندما وصلت أعمال العنف إلى قريتها. ما بدأ كقصف بعيد، تحوّل إلى هجوم مباشر، وإطلاق نار وقذائف وفوضى اجتاحت الحي.
وصل عمّها في حافلة صغيرة، وطلب من النساء والأطفال الفرار تحت القصف، فيما بقي الرجال للدفاع عن القرية بأسلحة خفيفة.
تقول لما: "المهاجمون كانوا يملكون رشاشات ثقيلة وقذائف هاون. أما رجالنا فلم يكن لديهم ما يضاهي ذلك".
ولم تتوقف أعمال العنف عند حدود قريتها. فقد جرى اقتحام غرف سكن الطلاب في جامعة دمشق، وتعرض بعضهم للضرب بالسلاسل.
وفي إحدى الحالات، طُعن طالب بعد أن سُئل ببساطة إن كان درزياً.
BBC
تقول طالبة جامعية، واسمها أيضاً لمى، أن جامعتها شهدت أعمال عنف ضد الدروز.
قالت لمى: "هم يقولون إننا تركنا جامعاتنا بإرادتنا. لكن كيف لي أن أبقى؟ كنت على بُعد خمس محاضرات ومشروع تخرج واحد فقط من إنهاء شهادتي. لماذا كنت سأتركها لو لم يكن الوضع خطيراً؟".
ومثل كثيرين في طائفتها، لا يقتصر خوف لمى على الاعتداءات الجسدية، بل يمتد إلى ما تعتبره فشلاً من الدولة في حمايتهم.
وأضافت: "تقول الحكومة إن هؤلاء مجرد خارجين عن القانون لا علاقة لهم بها. حسنٌ، متى سيحاسبون إذن؟".
وتابعت أن ثقتها اهتزت أكثر حين سخر منها بعض زملائها في الجامعة، من بينهم طالبة أرسلت لها رمزاً تعبيرياً ضاحكاً رداً على منشور كتبته تحكي فيه عن فرارها من قريتها.
"أنت لا تعرف حقاً كيف يراك الناس. لم أعد أعرف من يمكن الوثوق به".
Getty Images
متطوعون دروز يحاولون حماية مناطقهم
ولا أحد يعرف على وجه التحديد إلى من ينتمي هؤلاء المهاجمون، لكن ما بات واضحاً هو أن كثيراً من أبناء الطائفة الدرزية باتوا يخشون من أن تنزلق سوريا نحو نظام تهيمن عليه الطائفة السنية، ولا مكان فيه للأقليات الدينية.
قال هادي أبو حسّون لبي بي سي: "نحن لا نشعر بالأمان مع هؤلاء الناس".
كان هادي أحد رجال دروز السويداء الذين دُعوا لحماية أشرفية صحنايا اليوم الذي اختبأت فيه لمى في الحمام.
وقد تعرّضت القافلة التي كان فيها لكمين، هاجمتهم فيه جماعات مسلّحة باستخدام قذائف الهاون والطائرات المسيرة. أُصيب هادي برصاصة في الظهر، اخترقت رئته وتسببت في كسر عدة أضلاع.
ويقول إن ذلك بعيد كل البعد عن سوريا التي تضم الجميع التي كان يحلم بها في عهد ما بعد الأسد.
وأضاف: "هؤلاء يتحركون بدافع ديني، لا وفقاً للقانون أو الدولة. ومن يتصرف بدافع كراهية دينية أو طائفية لا يمثلنا".
"ما يمثلنا هو القانون والدولة. القانون هو الذي يحمي الجميع... أريد حماية القانون."
وتؤكد الحكومة السورية مراراً على سيادة الأراضي السورية ووحدة مكونات المجتمع السوري، بما في ذلك الطائفة الدرزية.
Getty Images
اخترقت رصاصة رئة هادي.
ورغم تراجع حدّة الاشتباكات والهجمات، فإن الثقة في قدرة الحكومة على حماية الأقليات تضاءلت.
وخلال أيام القتال، نفّذت إسرائيل ضربات جوية في محيط أشرفية صحنايا، وقالت إنها كانت تستهدف "عناصر" يهاجمون الدروز لحماية هذه الأقلية.
كما شنّت غارات قرب القصر الرئاسي السوري، مؤكدة أنّها "لن تسمح بانتشار قوات جنوب دمشق أو بأي تهديد يستهدف المجتمع الدرزي".
وتضم إسرائيل عدداً كبيراً من المواطنين الدروز، إضافة إلى دروز يعيشون في مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
وفي أشرفية صحنايا، قالت لمى الحسنية إن الأجواء تغيّرت، وباتت "أهدأ، لكن يسودها الحذر".
وتابعت أنّها عادت لرؤية جيرانها، لكن مشاعر القلق لم تغب.
"الثقة انكسرت. هناك أشخاص في البلدة الآن لا ينتمون إليها، جاؤوا خلال الحرب. من الصعب أن نعرف من هو من بعد الآن".
ولا تزال الثقة في الحكومة ضعيفة.
وتساءلت لمى: "يقولون إن.هم يعملون من أجل حماية جميع السوريين. لكن أين الخطوات الفعلية؟ أين العدالة؟"
واختتمت قائلة: "لا أريد أن أُسمّى أقلية. نحن سوريون. وكل ما نطلبه هو الحقوق نفسها- وأن يُحاسَب من اعتدى علينا".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عين ليبيا
منذ 2 ساعات
- عين ليبيا
سوريا.. النيابة الفرنسية تطالب بتوقيف «بشار الأسد» ومروحيات تركية تشارك بإخماد الحرائق
دعت النيابة العامة الفرنسية محكمة النقض، أعلى هيئة قضائية في فرنسا، إلى تأييد مذكرة التوقيف الصادرة بحق الرئيس السوري السابق بشار الأسد، بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، على خلفية الهجمات الكيميائية التي وقعت عام 2013 في مناطق الغوطة الشرقية ومعضمية الشام قرب دمشق، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص. وجاء هذا الطلب خلال جلسة استماع لمناقشة مسألة الحصانة الشخصية التي يتمتع بها رؤساء الدول، وإمكانية استثنائها في حالات الاشتباه بتورطهم في جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. وأشار النائب العام في محكمة النقض، ريمي هايتز، إلى مبدأ سيادة الدول وعدم جواز فرض دولة سلطتها القانونية على أخرى، لكنه اقترح استثناء بشار الأسد من الحصانة، باعتباره لم يعد يُعتبر رئيساً شرعياً لسوريا في نظر فرنسا منذ عام 2012، على خلفية الجرائم الجماعية التي ارتكبتها السلطات السورية. ويُنتظر أن تصدر محكمة النقض قرارها النهائي في 25 يوليو 2025. وكانت محكمة الاستئناف في باريس قد صادقت على مذكرة التوقيف في يونيو 2024، غير أن النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب طعنت في القرار استناداً إلى الحصانة المطلقة التي يكفلها القانون الدولي لرؤساء الدول خلال فترة توليهم مناصبهم. يُذكر أن مذكرة التوقيف صدرت في نوفمبر 2023، بسبب الهجوم بغاز السارين في 21 أغسطس 2013، الذي تسبب بمقتل أكثر من ألف شخص. في سياق متصل، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على خمسة أشخاص مرتبطين ببشار الأسد، ضمن جهود دولية للضغط على النظام السوري. مروحيات وآليات تركية تدخل على خط إخماد حرائق ريف اللاذقية السورية بمشاركة مشتركة مع الفرق السورية أعلنت وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث السورية، بالتنسيق مع الجانب التركي، عن مشاركة مروحيات وآليات إطفاء تركية في جهود إخماد الحرائق المستمرة في ريف محافظة اللاذقية شمال غرب سوريا. وأوضح وزير الطوارئ السوري رائد الصالح أن الاتفاق شمل إرسال طائرتي إطفاء مروحيتين، إلى جانب دخول 11 آلية إطفاء تركية، منها 8 سيارات إطفاء و3 ملاحق لتزويد المياه، وذلك بعد اجتماع ميداني عُقد في منطقة 'ييلا داغ' الحدودية المجاورة لمنطقة جبل التركمان بهدف تنسيق التدخل المشترك. وأضاف الصالح عبر منصة 'إكس' أن التدخل التركي تأخر بسبب حرائق مفاجئة اندلعت في الجانب التركي مساء أمس، ما أدى إلى تأخير وصول الفرق المشاركة حتى صباح اليوم السبت. وتشارك 62 فرقة إطفاء سورية، إلى جانب أفواج الغطاء الحراجي، في مكافحة الحرائق التي اندلعت منذ الخميس 3 تموز في مناطق قسطل معاف، وزنزف، وربيعة في ريف اللاذقية. وتواصل فرق الإطفاء والطوارئ والدفاع المدني جهودها للسيطرة على الحرائق الواسعة التي تعرقلها ظروف مناخية صعبة وتسارع انتشارها، في محاولة لمنع وصولها إلى مناطق وقرى جديدة. ويأتي هذا التعاون في إطار التنسيق بين وزارة الطوارئ السورية ووزارة الخارجية مع الجانب التركي لضمان تبادل المعلومات وتعزيز الاستجابة السريعة، بما يسهم في احتواء الكارثة البيئية التي تهدد المناطق الحدودية. مفتي لبنان يصل دمشق لتعزيز التعاون الديني والاجتماعي مع سوريا وصل مفتي لبنان عبد اللطيف دريان إلى سوريا على رأس وفد ديني موسع، في زيارة تهدف إلى تعزيز التعاون الديني وفتح قنوات التواصل بين المرجعيات السنية في البلدين. تأتي الزيارة في ظل تغييرات إقليمية وحكومية شهدتها المنطقة، وتركز على توثيق العلاقات الدينية والاجتماعية بعيدًا عن أي توظيف سياسي مباشر. ويضم الوفد اللبناني مفتي المناطق وقضاة الشرع وأعضاء من المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في لبنان، ومن المقرر أن يلتقي دريان خلال الزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع، بالإضافة إلى وزير الأوقاف السوري محمد أبو الخير شكري، ومفتي سوريا العام الشيخ أسامة الرفاعي. كما تتضمن الزيارة زيارة المسجد الأموي في دمشق، ولقاءات مع المسؤولين السوريين، بالإضافة إلى مأدبة غداء رسمية، في إطار تعزيز التعاون بين البلدين على الصعيد الديني والاجتماعي. 97 ألف لاجئ سوري يعودون من الأردن إلى بلادهم منذ مطلع العام وسط تحسن الظروف في سوريا أعلن وزير الداخلية الأردني مازن الفراية، اليوم السبت، أن قرابة 97 ألف لاجئ سوري عادوا طوعًا إلى بلادهم من الأردن منذ بداية العام 2025، في مؤشر لافت على تزايد وتيرة العودة، خاصة عبر معبر 'جابر' الحدودي الذي شهد أكبر حركة عبور قبل عيد الأضحى. وجاءت تصريحات الفراية خلال افتتاح غرفة عمليات الإدارة المتكاملة للحدود في مركز 'جابر'، مؤكدًا على أهمية التحديثات في إدارة المعبر لتسهيل حركة المسافرين والبضائع، ولا سيما في ظل ازدياد أعداد العائدين السوريين. في السياق ذاته، أكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكثر من 100 ألف لاجئ سوري عادوا طوعًا من الأردن إلى بلادهم خلال الفترة الممتدة من 8 ديسمبر 2024 وحتى 30 يونيو 2025. وصرّح المتحدث باسم المفوضية، يوسف طه، لقناة 'المملكة'، أن ارتفاع أعداد العائدين يُعزى إلى تحسن الأوضاع الأمنية والاقتصادية في سوريا، إضافة إلى رفع العقوبات الدولية، وانتهاء العام الدراسي، ما شجع العديد من الأسر على اتخاذ قرار العودة. وتوقعت المفوضية أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من حالات العودة، خاصة بعد انتهاء امتحانات الثانوية العامة في الأردن، وسط استمرار التنسيق بين الجهات الأردنية والدولية لضمان عودة آمنة وطوعية للاجئين.


الوسط
منذ 8 ساعات
- الوسط
"لا أعرف من يمكن الوثوق به"، دروز سوريا قلقون من التهميش ما بعد الحرب
Getty Images قُتل أكثر من مئة شخص في أحداث عنف طائفي في ضاحيةٍ جنوبي دمشق في أبريل/نيسان. حين بدأ إطلاق النار خارج منزلها في ضاحية أشرفية صحنايا بريف دمشق، أمسكت لمى الحسنية بهاتفها وأغلقت على نفسها باب الحمام. لساعات، كانت ترتجف خوفاً، فيما كان مقاتلون يرتدون زياً عسكرياً مموهاً يتجولون في شوارع الحي. كانت هناك رشاشات ثقيلة منصوبة على مركبة عسكرية أسفل شرفة منزلها. "جهاد ضد الدروز"، و"سنقتلكم أيها الدروز"، كانت تلك بعض العبارات التي صرخ بها المهاجمون. لم تكن لمى تعرف من هم هؤلاء الرجال: هل هم متطرفون؟ عناصر من قوات الأمن الحكومية؟ أم طرف آخر تماماً؟- لكن الرسالة كانت واضحة: لأنها درزية، لم تكن آمنة. ولطالما شغل الدروز، وهم طائفة لها معتقداتها وممارساتها الخاصة، وانبثقت ديانتهم من رحم الإسلام الشيعي، وشغلوا تاريخياً موقعاً هشاً في النظام السياسي السوري. تحت حكم الرئيس السابق، بشار الأسد، حافَظ كثير من الدروز على ولاء هادئ للدولة، على أمل أن يوفر لهم هذا الموقف حماية من حمّام الدم الطائفي الذي اجتاح مناطق واسعة من سوريا خلال الحرب الأهلية التي استمرت 13 عاماً. شارك عدد من أبناء الطائفة في الاحتجاجات الشعبية، لا سيما في السنوات اللاحقة. لكن، وفي محاولة لتقديم نفسه كحامٍ للأقليات من خطر التطرف الإسلامي، تجنّب الرئيس بشار الأسد استخدام القبضة الأمنية ذاتها ضد المتظاهرين الدروز، كما فعل في مدن أخرى ثارت ضد حكمه. شكّل الدروز جماعة مسلحة للدفاع عن مناطقهم في وجه جماعات سنية متشددة كانت تعتبرهم "منشقة عن العقيدة"، فيما تجنّبت القوات الموالية للأسد التدخل في مناطقهم. لكن بعد الإطاحة بالأسد على يد فصائل سنية إسلامية قادت تشكيل حكومة مؤقتة، بدأت تلك المعادلة غير المعلنة تتفكك، وبدأ القلق يتصاعد في أوساط الدروز من احتمال تهميشهم واستهدافهم في سوريا ما بعد الحرب. وساهمت هجمات شنتها مؤخراً جماعات مسلحة إسلامية مرتبطة بشكل غير مباشر بالحكومة في دمشق على تجمعات درزية، في تعزيز حالة انعدام الثقة المتنامية تجاه الدولة. BBC بدأت القصة أواخر أبريل/نيسان، عندما سُرّب تسجيل صوتي يُقال إنّه لرجل دين درزي يسيء فيه إلى النبي محمد. ورغم نفي الشيخ المعني أن الصوت يعود إليه، وتأكيد وزارة الداخلية السورية لاحقاً أن التسجيل مفبرك، إلا أن الضرر كان قد وقع بالفعل. انتشر مقطع فيديو لطالب في جامعة حمص وسط البلاد، دعا فيه المسلمين إلى "الانتقام الفوري" من الدروز، مما أجّج "عنفاً طائفياً" في أنحاء متفرقة من البلاد. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقرّه بريطانيا، إن ما لا يقل عن 137 شخصاً قُتلوا في عدة أيام من القتال في أشرفية صحنايا وجرمانا جنوب دمشق، وفي كمين على طريق السويداء- دمشق. وشملت الحصيلة 17 مدنياً، و89 مقاتلاً درزياً، و32 عنصراً من قوات الأمن. وقالت الحكومة السورية إن العملية الأمنية التي نفّذتها في أشرفية صحنايا هدفت إلى استعادة الأمن والاستقرار، وإنّها جاءت رداً على هجمات استهدفت عناصرها أسفرت عن مقتل 16 منهم. في هذه الأثناء، كانت لمى زاهر الدين، وهي طالبة صيدلة في جامعة دمشق، على وشك إنهاء دراستها عندما وصلت أعمال العنف إلى قريتها. ما بدأ كقصف بعيد، تحوّل إلى هجوم مباشر، وإطلاق نار وقذائف وفوضى اجتاحت الحي. وصل عمّها في حافلة صغيرة، وطلب من النساء والأطفال الفرار تحت القصف، فيما بقي الرجال للدفاع عن القرية بأسلحة خفيفة. تقول لما: "المهاجمون كانوا يملكون رشاشات ثقيلة وقذائف هاون. أما رجالنا فلم يكن لديهم ما يضاهي ذلك". ولم تتوقف أعمال العنف عند حدود قريتها. فقد جرى اقتحام غرف سكن الطلاب في جامعة دمشق، وتعرض بعضهم للضرب بالسلاسل. وفي إحدى الحالات، طُعن طالب بعد أن سُئل ببساطة إن كان درزياً. BBC تقول طالبة جامعية، واسمها أيضاً لمى، أن جامعتها شهدت أعمال عنف ضد الدروز. قالت لمى: "هم يقولون إننا تركنا جامعاتنا بإرادتنا. لكن كيف لي أن أبقى؟ كنت على بُعد خمس محاضرات ومشروع تخرج واحد فقط من إنهاء شهادتي. لماذا كنت سأتركها لو لم يكن الوضع خطيراً؟". ومثل كثيرين في طائفتها، لا يقتصر خوف لمى على الاعتداءات الجسدية، بل يمتد إلى ما تعتبره فشلاً من الدولة في حمايتهم. وأضافت: "تقول الحكومة إن هؤلاء مجرد خارجين عن القانون لا علاقة لهم بها. حسنٌ، متى سيحاسبون إذن؟". وتابعت أن ثقتها اهتزت أكثر حين سخر منها بعض زملائها في الجامعة، من بينهم طالبة أرسلت لها رمزاً تعبيرياً ضاحكاً رداً على منشور كتبته تحكي فيه عن فرارها من قريتها. "أنت لا تعرف حقاً كيف يراك الناس. لم أعد أعرف من يمكن الوثوق به". Getty Images متطوعون دروز يحاولون حماية مناطقهم ولا أحد يعرف على وجه التحديد إلى من ينتمي هؤلاء المهاجمون، لكن ما بات واضحاً هو أن كثيراً من أبناء الطائفة الدرزية باتوا يخشون من أن تنزلق سوريا نحو نظام تهيمن عليه الطائفة السنية، ولا مكان فيه للأقليات الدينية. قال هادي أبو حسّون لبي بي سي: "نحن لا نشعر بالأمان مع هؤلاء الناس". كان هادي أحد رجال دروز السويداء الذين دُعوا لحماية أشرفية صحنايا اليوم الذي اختبأت فيه لمى في الحمام. وقد تعرّضت القافلة التي كان فيها لكمين، هاجمتهم فيه جماعات مسلّحة باستخدام قذائف الهاون والطائرات المسيرة. أُصيب هادي برصاصة في الظهر، اخترقت رئته وتسببت في كسر عدة أضلاع. ويقول إن ذلك بعيد كل البعد عن سوريا التي تضم الجميع التي كان يحلم بها في عهد ما بعد الأسد. وأضاف: "هؤلاء يتحركون بدافع ديني، لا وفقاً للقانون أو الدولة. ومن يتصرف بدافع كراهية دينية أو طائفية لا يمثلنا". "ما يمثلنا هو القانون والدولة. القانون هو الذي يحمي الجميع... أريد حماية القانون." وتؤكد الحكومة السورية مراراً على سيادة الأراضي السورية ووحدة مكونات المجتمع السوري، بما في ذلك الطائفة الدرزية. Getty Images اخترقت رصاصة رئة هادي. ورغم تراجع حدّة الاشتباكات والهجمات، فإن الثقة في قدرة الحكومة على حماية الأقليات تضاءلت. وخلال أيام القتال، نفّذت إسرائيل ضربات جوية في محيط أشرفية صحنايا، وقالت إنها كانت تستهدف "عناصر" يهاجمون الدروز لحماية هذه الأقلية. كما شنّت غارات قرب القصر الرئاسي السوري، مؤكدة أنّها "لن تسمح بانتشار قوات جنوب دمشق أو بأي تهديد يستهدف المجتمع الدرزي". وتضم إسرائيل عدداً كبيراً من المواطنين الدروز، إضافة إلى دروز يعيشون في مرتفعات الجولان السورية المحتلة. وفي أشرفية صحنايا، قالت لمى الحسنية إن الأجواء تغيّرت، وباتت "أهدأ، لكن يسودها الحذر". وتابعت أنّها عادت لرؤية جيرانها، لكن مشاعر القلق لم تغب. "الثقة انكسرت. هناك أشخاص في البلدة الآن لا ينتمون إليها، جاؤوا خلال الحرب. من الصعب أن نعرف من هو من بعد الآن". ولا تزال الثقة في الحكومة ضعيفة. وتساءلت لمى: "يقولون إن.هم يعملون من أجل حماية جميع السوريين. لكن أين الخطوات الفعلية؟ أين العدالة؟" واختتمت قائلة: "لا أريد أن أُسمّى أقلية. نحن سوريون. وكل ما نطلبه هو الحقوق نفسها- وأن يُحاسَب من اعتدى علينا".


الوسط
منذ 13 ساعات
- الوسط
هل أنقذت الرسوم الجمركية اقتصاد الولايات المتحدة أم أضرّت به؟
Getty Images بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني، بدأ سريعاً بفرض الرسوم الجمركية، متجاهلاً تحذيرات الاقتصاديين والشركات من مخاطر إلحاق الضرر بالاقتصاد الأمريكي. إذ بدأ ترامب بفرض رسوم على المكسيك وكندا والصين، ثم استهدف الصلب والألمنيوم والسيارات، وأخيراً، في شهر أبريل/نيسان، أعلن فيما سمّاه "يوم التحرير" عن موجة من الرسوم الجديدة على السلع القادمة من مختلف دول العالم. أثرت هذه الخطط على حركة التجارة وأحدثت اضطراباً في الأسواق المالية، لكن مع تصاعد القلق، سارع ترامب إلى تجميد أكثر قراراته جرأة لإفساح المجال أمام مفاوضات تستمر 90 يوماً. ومع اقتراب الموعد النهائي في 9 يوليو/تموز، وبينما يركز الرئيس استراتيجيته المقبلة، تبقى عينه على أداء الاقتصاد الأمريكي، فما التأثير الفعلي الذي حدث حتى الآن؟ سوق الأسهم تعافت تضمنت خطط ترامب فرض رسوم بنسبة 20 في المئة على السلع القادمة من الاتحاد الأوروبي، وبنسبة 145 في المئة على منتجات من الصين، وبنسبة 46 في المئة على الواردات من فيتنام، رغم أنه أعلن يوم الأربعاء عن اتفاق تفرض بموجبه الولايات المتحدة رسوماً بنسبة 20 في المئة على فيتنام. وتلقى سوق الأسهم الأمريكي الضربة الأولى، حين بدأ بالتراجع في فبراير/شباط، ثم انهار في أبريل/نيسان بعد أن كشف ترامب كامل تفاصيل خطته في ما سمّاه "يوم التحرير". وهبط مؤشر S&P 500، الذي يتتبع أداء 500 من كبرى الشركات الأمريكية، بنحو 12 في المئة خلال أسبوع واحد. لكن الأسهم سرعان ما تعافت بعد أن تراجع ترامب عن خططه، مستبدلاً الرسوم المرتفعة بمعدل أكثر اعتدالاً يبلغ 10 في المئة فقط. أما الآن، فقد ارتفع مؤشر S&P 500 بنسبة تقارب 6 في المئة منذ بداية العام، وشهدت أسواق الأسهم في المملكة المتحدة وأوروبا تعافياً مماثلاً. لكن أسهم الشركات المعرّضة للتأثر بالرسوم، مثل شركات التجزئة وصناعة السيارات، لا تزال تعاني خاصة مع اقتراب موعد انتهاء المهلة المحددة للمحادثات. وأبقى البيت الأبيض جميع الاحتمالات مفتوحة، إذ أعلن من جهة أن الموعد "ليس حاسماً"، ومن جهة أخرى قال إن الرئيس قد يقدّم ببساطة "اتفاقاً" للدول الأخرى في ذلك التاريخ. وقالت ليز آن سوندرز، كبيرة استراتيجيي الاستثمار في شركة تشارلز شواب، إن تعافي السوق يوحي بوجود "قدر كبير من التراخي" بين المستثمرين، الذين قد يُفاجؤون مجدداً إذا قرر ترامب إعادة فرض رسوم أعلى مما يتوقعونه. Getty Images التجارة عند مفترق طرق وتسببت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب في اندفاع كبير للسلع نحو السوق الأمريكية في بداية العام، تبعه تراجع حاد في شهري أبريل/نيسان، ومايو/أيار. لكن بالنظر إلى الصورة الأوسع، فإن واردات السلع الأمريكية خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام ارتفعت بنسبة 17 في المئة مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي. وما سيحدث في الأشهر المقبلة يعتمد على ما إذا كان ترامب سيمدد فترة التجميد المؤقت للرسوم، أم سيعيد تفعيل خططه الأكثر تشدداً، بحسب شركة هاكيت التي تتابع حركة الموانئ لصالح الاتحاد الوطني لتجار التجزئة. وقالت هاكيت: "في هذه المرحلة، لا يمكن لأحد أن يتوقع ما سيحدث"، مشيرةً إلى أن الوضع حالياً في حالة "جمود مؤقت". وأضافت أنه "إذا انتهى تجميد الرسوم وأُعيد فرض الرسوم المرتفعة، فمن شبه المؤكد أننا سنشهد ركوداً اقتصادياً قصير الأجل". من المبكر الحكم على الأسعار ويُقدر إجمالي السلع المستوردة في الولايات المتحدة بنحو 11 في المئة من إجمالي إنفاق المستهلكين. ويرى ترامب وحلفاؤه أن المخاوف من أن تؤدي الرسوم الجمركية – التي أصبحت الآن أعلى بنحو ستة أضعاف مقارنة ببداية العام – إلى رفع تكاليف المعيشة بشكل مبالغ فيه. وقد استندوا جزئياً إلى بيانات التضخم الأخيرة، التي أظهرت أن أسعار المستهلكين ارتفعت بنسبة 0.1 في المئة فقط بين أبريل/نيسان، ومايو/أيار. لكن بعض السلع، مثل الألعاب، شهدت زيادات أكبر، كما أن العديد من المنتجات التي تواجه رسوماً أعلى لم تصل بعد إلى الأسواق. Getty Images وقد تختار الشركات، وخاصة تلك التي تتمتع بهوامش ربح قوية، رفع الأسعار تدريجياً بدلاً من إثارة استياء الزبائن بارتفاعات مفاجئة. ورغم ضغط الرئيس على الشركات لـ"تحمّل الرسوم"، لا يزال الاقتصاديون يتوقعون على نطاق واسع أن المستهلكين هم من سيدفعون الثمن في النهاية. وتقول ليز آن سوندرز إنه "قد يبدو أن التضخم مستقر ولاشي يذكر حوله إذا لم تتعمق في البيانات"، وتضيف: "لكن من السابق لأوانه إعلان النصر". الإنفاق الاستهلاكي يتباطأ وبدأت ثقة الأمريكيين في الاقتصاد بالتراجع مطلع هذا العام، مع بدأ ترامب بالكشف عن خططه الجمركية. لكن التوجهات السياسية تلعب دوراً كبيراً في تشكيل الانطباعات حول الاقتصاد، لذا كان من غير الواضح ما إذا كانت هذه المخاوف ستؤدي إلى تقليص إنفاق الأسر على المدى الطويل. الآن، بدأت بعض مؤشرات التراجع بالظهور: فقد انخفضت مبيعات التجزئة بنسبة 0.9 في المئة من أبريل/نيسان إلى مايو/أيار، وهو الشهر الثاني على التوالي من التراجع، وهي أول مرة يحدث فيها ذلك منذ نهاية عام 2023. وعلى الصعيد العام، شهد الإنفاق الاستهلاكي أبطأ معدل نمو له منذ عام 2020 خلال الربع الأول من هذا العام، كما انخفض بشكل غير متوقع في مايو/أيار، وهو أحدث شهر تتوافر بيانات عنه. ورغم أن التوقعات لا تزال تشير إلى تباطؤ كبير في النمو مقارنة بالعام الماضي، فإن معظم المحللين يرون أن الاقتصاد قد ينجو من الدخول في حالة ركود، ما دام سوق العمل صامداً. ورغم أن إخطارات التسريح من العمل بدأت بالارتفاع، إلا أن معدل البطالة لا يزال منخفضاً عند 4.2 في المئة، كما استمر خلق فرص العمل الشهر الماضي بوتيرة مشابهة لمتوسط الأشهر الـ12 الماضية. وتقول سوندرز: "نحن الآن في وضع أشبه بالجمود الاقتصادي المؤقت، فهناك حالة من الترقب، ناتجة عن حالة من عدم اليقين الشديد وعدم الاستقرار في السياسات"، مشيرة إلى أن كثيراً من الشركات استجابت بتجميد التوظيف والاستثمار بشكل ذاتي. لكنها حذّرت من أن الاقتصاد لن يخرج من هذه المرحلة دون أذى. وتضيف: "من الصعب رسم سيناريو يشير إلى تسارع النمو من الآن فصاعداً، والسؤال الأهم في هذا الوقت: هل سنشهد فقط تباطؤاً ناعماً في الاقتصاد، أم تراجعاً أكثر حدة؟".