
"المناطق الميتة".. كيف تضر الطحالب السامة بالكوكب؟
ويشير التكاثر الطحالبي إلى الزيادة السريعة في كمية الطحالب، وغالبا ما يحدث في المياه الدافئة الضحلة بطيئة الحركة. ويمكن أن يحول هذا التكاثر البحر أو البحيرة أو النهر إلى كتلة من اللون الأخضر أو الأصفر أو البني أو حتى الأحمر، يدوم أحيانا لعدة أسابيع.
تشكل الطحالب طبقة في بعض الأحيان سميكة جدا تحجب ضوء الشمس في الموائل الحرجة، ويمكن لأنواع أخرى أن تطلق سموما ضارة. عندما تموت الطحالب، فإنها تستنزف الأكسجين في الماء بسرعة، مما يؤدي غالبا إلى "مناطق ميتة" حيث لا يبقى سوى عدد قليل من الأسماك على قيد الحياة.
غزو الطحالب
مع ارتفاع درجة حرارة الأرض، تتزايد الطحالب الضارة، لدرجة أنها تسللت إلى المياه القطبية. ويعود ذلك إلى مزيج من التلوث الزراعي، وجريان المخلفات البشرية، والاحتباس الحراري المتزايد، مما يؤدي أحيانا إلى عواقب وخيمة على الحياة البرية والبشر. ومع انتشارها، تغير هذه الطحالب لون بحيرات العالم وأنهاره ومحيطاته.
ووفقا لدراسة حديثة، تغير لون ما يقرب من ثلثي البحيرات خلال الـ40 عاما الماضية. ثلثها أزرق، ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة، من المرجح أن يتحول لونها إلى الأخضر الداكن أو البني.
ووفقا لأبحاث أخرى، تتحول محيطات الكوكب إلى اللون الأخضر مع ارتفاع درجة حرارتها، نتيجة امتصاصها لأكثر من 90% من الحرارة الزائدة الناجمة عن الاحتباس الحراري.
إعلان
وفي البحر، ارتفع حجم وتواتر التزهير في المناطق الساحلية بنسبة 13.2% و59.2% على التوالي بين عامي 2003 و2020، وفقا لدراسة أجريت عام 2024 .
في أنظمة المياه العذبة، ازدادت وتيرة التكاثر بنسبة 44% عالميا في العقد الثاني من القرن الـ21، وفقا لتقييم عالمي أجري عام 2022 على 248 ألف بحيرة.
دور الأنشطة البشرية
ويعزى هذا الارتفاع بشكل رئيسي إلى مناطق في آسيا وأفريقيا لا تزال تعتمد على الأسمدة الزراعية. وبينما أحرز تقدم في أميركا الشمالية وأوروبا وأوقيانوسيا لتثبيت معدلات التكاثر، فإن أزمة المناخ دفعت إلى ظهورها مجددا في بعض أنظمة المياه العذبة.
والأسمدة التي يستخدمها الناس لزراعة النباتات، بما فيها النيتروجين التفاعلي والفوسفات، تعزز نمو الطحالب. فعندما تغسل هذه الأسمدة من الحقول وتصب في المسطحات المائية حول العالم، تغير بشكل كبير آلية عمل النظم البيئية.
من جانبه، قال يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ: "يحمل البشر اليوم كميات من النيتروجين التفاعلي في الغلاف الحيوي تفوق ما تحمله الدورة الطبيعية". وشارك روكستروم في تأليف تقييم أجري عام 2023، خلص إلى أن البشرية تجاوزت الآن الحدود الطبيعية للنيتروجين والفوسفور في الكوكب بكثير.
يقول روكستروم: "نحن بحاجة إلى خفض إمدادات النيتروجين البشري التفاعلي بأكثر من 75%. إنه تغيير جذري، وهناك جدل علمي واسع حوله".
ويحذر آخرون من أن الاختيار بين الغذاء والبيئة ليس سهلا، ففي شمال النرويج، أدت ظاهرة الطحالب المتكررة إلى نفوق ملايين أسماك السلمون وسمك القد المستزرعة في السنوات الأخيرة.
عواقب خطيرة
وكما حدث مؤخرا في جنوب أستراليا، حيث طفت على الشواطئ أعداد هائلة من الأسماك والكائنات البحرية الميتة -امتدت على مساحة 8800 كيلومتر مربع- بعد انتشار طحالب ضخمة.
ومن بين الكائنات البحرية النافقة جراء الغطاء السام الذي شكلته طحالب كارينيا ميكيموتوي، أسماك قرش المياه العميقة، وسرطان البحر، والكركند، والروبيان، مع ارتفاع درجة حرارة المحيط بمقدار 2.5 درجة مئوية عن المعتاد لهذا الموسم.
وتشير الدراسات إلى أن الانتشار الكبير للطحالب السامة أدى إلى زيادة السلوك العدواني للحيوانات، إذ يمكن أن تتسمم الثدييات وتسبب نوبات صرع بسبب حمض الدومويك، وهو مادة سامة عصبية تنتجها. ورغم وجود دلائل على انحسار هذا الازدياد، فإن كاليفورنيا على سبيل المثال شهدت تفشيا كبيرا لهذه العوارض للسنة الرابعة على التوالي.
لا يموت كل شيء في "المناطق الميتة" بفعل الطحالب الضارة، فبمجرد أن تتلاشى هذه الطحالب الفاسدة وتغادر تلك الأنواع القادرة على السباحة، تنتقل إليها أنواع مائية أكثر تكيفا مع انخفاض مستويات الأكسجين، أو نقص الأكسجين. وقد أدى هذا إلى زيادة هائلة في أعداد قناديل البحر في أجزاء كثيرة من العالم.
ومع ارتفاع درجة حرارة العالم، يحذر الخبراء من صعوبة إيقاف الاضطرابات التي تسببها تكاثر الطحالب في النظم البيئية.
ويقول البروفيسور دونالد بوش، الذي ساعد في تحديد المنطقة الميتة في خليج المكسيك لأول مرة العام الماضي، والتي بلغت مساحتها 17 ألف كيلومتر مربع، إن هذه العملية ستزداد سوءا إذا لم يمنع العالم ارتفاع درجات الحرارة، ويقلص نسبة انبعاثات غازات الدفيئة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
كيف يسهم التغير المناخي في انتشار الأوبئة والجوائح؟
تشير دراسة جديدة إلى أن الظروف المناخية، من ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة معدلات هطول الأمطار السنوية، وندرة المياه، تسهم في زيادة احتمالات تفشي الأوبئة والأمراض الحيوانية المنشأ الجديدة بوتيرة سريعة في مختلف أنحاء العالم. وأكدت الدراسة التي نُشرت في مجلة "ساينس أدفانس" أن التغيرات المناخية التي تؤدي بدورها إلى تغيرات بيئية كاستخدام الأراضي، والتعدي البشري على المناطق الحرجية، وزيادة الكثافة السكانية، وفقدان التنوع البيولوجي، كلها عوامل تزيد من مخاطر انتشار الأمراض. وقدمت الدراسة خريطة عالمية ومؤشرات لمخاطر الأوبئة الخاصة بكل دولة وقدراتها على الاستعداد والاستجابة للتهديدات الحيوانية المنشأ. وأشارت إلى أن تلك العوامل جعلت الأوبئة والجوائح الناجمة عن انتقال مسببات الأمراض من الحيوانات إلى البشر، والانتشار الحيواني، أكثر تواترًا. وجمع الباحثون بيانات عن تفشي الأمراض الحيوانية المنشأ المُدرجة على قائمة الأولويات لدى منظمة الصحة العالمية خلال الفترة من 1975 إلى 2020، اعتمادًا على بيانات الشبكة العالمية للأمراض المعدية والوبائيات. كما حددت الدراسة 9 أمراض حيوانية المنشأ تتمثل في العدوى التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر وذات قدرة عالية على التسبب في حالات طوارئ صحية عامة حادة. ومن بينها: فيروس زيكا، وإيبولا، ومتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس). بشكل عام، يوجد أكثر من 200 مرض حيواني المنشأ معروف، تنتقل عندما يعبر العامل المُمْرِض، مثل الفيروسات أو البكتيريا أو الطفيليات أو الفطريات، من الحيوان إلى الإنسان، سواء من خلال اللدغات، أو ملامسة الدم، أو اللعاب، أو البراز. ومن أبرز الأمثلة على هذه الأمراض: داء لايم، وداء الكلب، وإنفلونزا الطيور، وكوفيد-19 الذي استبعدته الدراسة. وحسب الدراسة، يتزايد عدد الأمراض الحيوانية المنشأ الجديدة بوتيرة سريعة بفعل جملة عوامل يأتي على رأسها المناخ. وتزدهر أيضا مسببات الأمراض، وكذلك الحيوانات التي تحملها، في المناخات الدافئة والرطبة. ويُعد الاتصال المتكرر بين البشر والحيوانات عاملا رئيسيا آخر. فعندما يعيش الناس بالقرب من مناطق ذات تنوع بيولوجي غني، مثل الغابات، يزداد خطر انتقال الأمراض. وحدّد الباحثون 131 تفشيا مرتبطا بأمراض ذات قابلية للتحول إلى أوبئة أو جوائح، خلال الفترة المذكورة، واستخدموا بيانات الأقمار الاصطناعية لتحديد 9 عوامل خطر محتملة تسهم في انتقال الأمراض الحيوانية المنشأ، معظمها مرتبطة بتغير المناخ وتأثيراته. ومن بين هذه العوامل: الحد الأقصى السنوي لدرجة الحرارة، والحد الأدنى السنوي لدرجة الحرارة، وعجز المياه، وإجمالي هطول الأمطار السنوي، وكثافة الثروة الحيوانية، وتغير استخدام الأراضي، والتغير في القرب بين البشر والغابات، وفقدان التنوع البيولوجي، والكثافة السكانية البشرية. وحلّلت الدراسة كيف تؤثر العوامل البيئية والمناخية المختلفة على خطر تفشي الأمراض، حيث اعتمد المؤلفون على نموذج تنبؤي قائم على تقنيات التعلم الآلي لدمج هذه المتغيرات. وخلصت النتائج إلى أن معدل تفشي الأمراض في أميركا اللاتينية يعد الأكبر بنسبة 27.1%، تليها أوقيانوسيا بنسبة 18.6%، وآسيا بنسبة 6.9%، وأفريقيا بنسبة 5.2%، ثم وأوروبا بنسبة 0.2%، وأميركا الشمالية بنسبة 0.08%. كما وجدت الدراسة أن ما يصل إلى 20% من السكان في العالم يعيشون في مناطق ذات مخاطر متوسطة، بينما يعيش 3% في مناطق ذات مخاطر عالية وعالية جدا. وبيّنت النتائج أن التغيرات المناخية مثل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة هطول الأمطار يرفعان من احتمالات انتقال العدوى، إذ إن العوائل الطبيعية للمُمْرِضات تتكيّف غالبا مع البيئات الحارة والرطبة، خصوصا في المناطق الاستوائية. كما وجد الباحثون أن ندرة المياه مرتبطة بأعلى خطر لتفشي الأمراض، ربما بسبب تجمع الحيوانات حول مصادر المياه القليلة المتبقية، مما يسهل انتقال المُمْرِضات، أما الظروف القاحلة للغاية فقد تؤدي إلى انقراض العوائل، وبالتالي توقف انتشار المُمْرِض. وأكدت الدراسة أن إزالة الغابات وتغير استخدام الأراضي يزيدان من فرص التواصل بين البشر والحيوانات البرية، مما يفتح الباب لانتقال مسببات الأمراض. وترتبط أيضا الكثافة السكانية، سواء للبشر أو للماشية، بزيادة احتمال تفشي الأمراض الحيوانية المنشأ، إذ تسهّل هذه الكثافة انتقال المُمْرِضات وانتشارها.


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
أراك كإنسان لا كعادة يومية!
منذ اللحظة الأولى التي يلتقط فيها الطفل نظرة أمه، تبدأ أناه بالتكوّن، ليس لأنه يكتشف نفسه في المرآة البيولوجية لجسدها، بل لأنه يشعر لأول مرة أن وجوده له صدى في قلب آخر. توماس أوغدن، أحد أبرز منظّري علم النفس العلائقي، يرى أن الإنسان لا يولد مكتملًا، بل يتشكل في الفراغ بينه وبين الآخر، في ذلك "الصدع" الغامض الذي يجعلنا نبحث عن الحبّ لا كمجرد طقس عاطفي، بل كحاجة وجودية تكشف لنا أننا موجودون حقًّا. لكن المأساة تبدأ حين يتحوّل هذا الآخر، الذي يفترض أن يكون نافذة إلى المعنى، إلى عادة يومية؛ مجرد حضور جسدي رتيب، أو صدى متكرر بلا حياة. هنا يتسلّل الفراغ القاتل: نرى الجسد ولا نرى الإنسان، نسمع الصوت ولا نسمع النداء الخفي، نشعر بالوجود الفيزيائي لكن الغياب العاطفي يبتلعنا. الصدع الذي يولّد العطش وفقًا لأوغدن، في كتاباته عن "الفضاء التحليلي الثالث" (The Analytic Third)، كل علاقة حقيقية تنبني على هذا التوتر الدائم: الحاجة إلى الآخر مقابل الخوف من فقدان الذات فيه. حين يتحوّل الآخر إلى عادة، فإن الصدع الذي كان في الأصل فضاءً يولّد الإبداع والحب يتحول إلى هاوية صامتة! بدل أن يذكّرنا الآخر بوجودنا، يغدو مرآة ميتة، فنشعر أننا نختفي من داخلنا. لنتخيل مثالًا بسيطًا: زوجان يعيشان معًا منذ عشر سنوات، في الصباح يضع كل منهما فنجان القهوة أمام الآخر بلا كلمة، نظراتهما تمر فوق الطاولة مثل دخان بلا نار، لا توجد خلافات كبيرة، لكن لا شيء حيًّا يربطهما! كل يوم يتكرّر المشهد، حتى يصير الآخر مجرد "عادة"، حضورًا آليًّا يذكّرنا بأننا لم نعد نرى الإنسان الذي أمامنا، ولا نُرى نحن أنفسنا. هذا الصدع، الذي يبدو بسيطًا، يولّد أكثر أشكال الوحدة قسوة: الوحدة في حضور الآخرين.. لا وحدة الفراغ، بل وحدة التآلف الميّت. الإنسان فينا يولد من الاحتكاك أوغدن يشدّد على أن الحب الحقيقي، وكل مشاعرنا الإنسانية العميقة، لا يمكن أن تزدهر إلا عبر الاحتكاك بالآخر الحيّ، لا ذلك الاحتكاك الجسدي أو العاطفي وحده، بل احتكاك يوقظ فينا إحساسنا بأننا مرئيون؛ أن هناك من يرانا في هشاشتنا وفي قوتنا، في ترددنا وفي رغباتنا غير المكتملة. إعلان في الحياة اليومية، نلمس ذلك في لحظات نادرة: صديق ينظر إلينا بعمق حين نتحدث عن ألم خفي، طفل يضحك فجأة فنشعر أن العالم استعاد ألوانه، أو حتى غريب في قطار يلتقط بصدق نظرة ضياعنا. هذه اللحظات تعيد ترميم الصدع، تجعلنا نشعر أننا لسنا مجرد كيانات وظيفية تؤدي دورًا في روتين الحياة. لماذا نبحث عن الحب من جديد؟ كل هذا يفسر لماذا، رغم انغماسنا في علاقات "مستقرة"، يبقى في داخلنا عطشٌ ملحّ للتعارف، للاجتماع، للعثور على الآخر الذي يوقظنا.. ليس بحثًا عن خيانةٍ أو هروبٍ، بل عن إعادة ولادة، عن استعادة تلك الشرارة الأولى التي تجعلنا نشعر أننا أحياء. ربما لهذا السبب، ترى في مقاهي المدن العيونَ تبحث، حتى لو كانت الأصابع منشغلة بهواتف ذكية.. كل شخص يحمل في داخله نداءً صامتًا: "أرني أني أكثر من جسد حاضر، أكثر من دور أؤديه، أكثر من عادة يومية". العودة إلى الرؤية حين نتعامل مع الآخر كإنسان، لا كعادة، نعيد فتح الفضاء الذي تحدث عنه أوغدن: فضاء يولّد الحب، والفهم، والإبداع، ويعيد ترميم الصدع. لكن هذا يتطلب شجاعة، لأن رؤية الآخر حقًّا تعني أيضًا أن نكشف هشاشتنا نحن، أن نتخلى عن أمان العادة ونقترب من خطر الحياة الحقيقية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
الملابس الواقية من الشمس.. هل حقا تحميك من الأشعة فوق البنفسجية؟
مع تزايد الوعي العالمي بمخاطر التعرض المفرط لأشعة الشمس، خصوصا الأشعة فوق البنفسجية، بات البحث عن وسائل وقاية فعالة وآمنة أمرًا ضروريا لا يمكن تجاهله. ورغم أن واقيات الشمس التقليدية لا تزال الخيار الأكثر استخدامًا، بدأت الملابس الواقية من الشمس تفرض حضورها كبديل أو مكمل يحظى باهتمام متزايد. فبينما يراها البعض وسيلة أكثر كفاءة واستدامة في الحماية، يبدي آخرون شكوكًا حول فاعليتها الحقيقية. ومع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف وتزايد النشاطات في الهواء الطلق، يبرز التساؤل: هل توفر هذه الملابس حماية فعلية تتفوق على الكريمات؟ أم إنها مجرد موضة تسويقية عابرة؟ كيف تعمل الملابس الواقية من الشمس؟ تعتمد الملابس الواقية من الشمس على تصميم خاص ونسيج معالج يهدف إلى حجب الأشعة فوق البنفسجية ومنعها من اختراق الجلد، وتقاس مدى فاعليتها باستخدام مؤشر "يو بي إف" (UPF) اختصارا لعامل الحماية من الأشعة فوق البنفسجية، وهو معيار عالمي يوازي عامل الحماية من الشمس "إس بي إف" (SPF) المستخدم في الكريمات الواقية، لكنه مخصص للمنسوجات. على سبيل المثال، فإن الملابس التي تحمل تصنيف UPF 50+ توفر حماية عالية جدا بحجبها نحو 98% من الأشعة فوق البنفسجية، وذلك يعني أنها تسمح بمرور 2% فقط، بينما الملابس بتصنيف UPF 30 تحجب حوالي 96.7%. ووفقا للجمعية الأميركية للأمراض الجلدية، فإن الملابس الواقية من الشمس تعد أحد الطرق الأساسية للحماية من أضرار الأشعة فوق البنفسجية، وتوصي بارتداء ملابس تحمل رقم عامل الحماية من الأشعة فوق البنفسجية. تتميّز الملابس الواقية من الشمس بأنها تحتفظ بفاعليتها لفترة طويلة، من دون أن تتأثر بالعرق أو الماء كما يحدث مع الكريمات الواقية، ما دامت في حالة جيدة وخالية من التمزق أو التآكل. ولهذا، تعد خيارا عمليا وموثوقا، خاصة خلال الأنشطة الخارجية الممتدة أو في المواقف التي يصعب فيها إعادة وضع الواقي الشمسي بشكل متكرر، مثل التمارين الرياضية أو الرحلات الطويلة. كيف تختلف هذه الملابس عن الأقمشة العادية؟ ليس كل ما نرتديه يوفر حماية فعالة من أشعة الشمس، فكثير من الملابس اليومية المصنوعة من أقمشة خفيفة مثل القطن أو الكتان، على الرغم من كونها مريحة ومناسبة لأجواء الصيف، قد تتيح مرور نسبة كبيرة من الأشعة فوق البنفسجية إلى الجلد، حتى إن لم تكن شفافة. يقول الدكتور ديبورا سارجنت، أستاذ الأمراض الجلدية في جامعة يوتا، إن "كثيرا من الناس يعتقدون أن مجرد ارتداء الملابس يحمي من الشمس، لكن هذا اعتقاد خاطئ. فالأقمشة العادية قد توفر حماية مؤقتة أو محدودة، في حين أن الملابس الواقية مصممة خصيصا لحجب الأشعة بنسبة كبيرة، وتظل فعالة حتى بعد الغسيل المتكرر". نعم، ملابسك قد تحميك من الشمس، لكن مستوى الحماية يختلف حسب عوامل متعددة، لذا يجب اختيارها بعناية: نوع القماش وكثافته: تعد الأقمشة الصناعية المعالجة أكثر فاعلية في الحماية من أشعة الشمس مقارنة بالأقمشة الطبيعية، وذلك بفضل كثافتها العالية وحياكتها المحكمة التي تحدّ من نفاذ الأشعة فوق البنفسجية. كذلك تسهم الملابس ذات النسج الضيق أو المتعددة الطبقات، مثل القمصان المزدوجة الطبقة، في تعزيز مستوى الوقاية بشكل ملحوظ، من خلال تقليص المساحات التي قد تسمح بمرور الأشعة الضارة إلى الجلد. لون القماش: توفر الألوان الداكنة مثل الأسود والأزرق الغامق حماية أفضل من الأشعة، بينما قد تؤمن بعض الألوان الفاتحة حماية جيدة إذا كانت مصنوعة من أقمشة معالجة ومتخصصة. تأثير البلل والتمدد: تفقد بعض الأقمشة، مثل القطن، جزءا من قدرتها على الحماية عند البلل، في حين تصمم بعض الملابس الواقية لتبقى فعالة حتى في الظروف الرطبة. أما الملابس المطاطية أو القابلة للتمدد فقد تقل فاعليتها إذ يسبب التمدد زيادة في مسامية النسيج، مما يسمح بنفاذ الأشعة فوق البنفسجية. طريقة التصنيع: بعض العلامات التجارية تستخدم تقنيات متقدمة لدمج مركبات واقية من الأشعة داخل الألياف نفسها، وليس فقط معالجتها على السطح، مما يجعل الحماية أكثر ديمومة بعد الغسل والتعرض للماء. متى ينصح باستخدام الملابس الواقية من الشمس؟ تستخدم هذه الملابس في مجموعة واسعة من الأنشطة والمناسبات، وتشمل: على الشاطئ أو أثناء السباحة: تستخدم الملابس المصنوعة من مواد تجف بسرعة وتحافظ على فاعليتها حتى بعد البلل. أثناء الرياضة: مثل الجري وركوب الدراجات والتجديف، حيث يصعب إعادة استخدام واقي الشمس أثناء التمرين. أثناء العمل أو النشاط الخارجي: مثل العمل في الزراعة، أو التنزه والمشي في الهواء الطلق، أو حتى القيادة لفترات طويلة. في السفر: خاصة إلى المناطق الاستوائية أو الصحراوية ذات الشمس الساطعة طوال اليوم. ويُجمع الخبراء على أن الملابس الواقية من الشمس تمثّل خط الدفاع الأول ضد الأشعة فوق البنفسجية، إذ توفّر القمصان والبناطيل والقبعات حماية فعالة للمناطق المغطاة من الجسم. ولأن مناطق الوجه واليدين والرقبة تبقى مكشوفة في العادة، فإن استخدام واقٍ شمسي واسع الطيف يظل ضروريا لضمان وقاية شاملة. وتوضح الدكتورة شيلبي خيتاربال، اختصاصية الأمراض الجلدية في مستشفى كليفلاند بولاية أوهايو الأميركية، أن معظم الأقمشة المصممة للحماية من الشمس التي تحمل عامل حماية (UPF) يعادل 50 أو أكثر تكون غالبًا أكثر فاعلية من العديد من أنواع واقيات الشمس التقليدية. لكنها تشدد على أهمية الجمع بين الملابس الواقية والكريمات الواقية لتحقيق أفضل مستويات الحماية من الحروق الشمسية وسرطان الجلد. كيفية اختيار الملابس الواقية المناسبة عند شراء ملابس مقاومة للشمس، يُفضّل اختيار قطع تحمل تصنيف حماية من الأشعة فوق البنفسجية (UPF) لا يقل عن 30، ويفضّل أن يكون 50 أو أكثر. يُنصح أيضًا بالالتزام بتعليمات الغسيل المرفقة للحفاظ على فاعلية النسيج في صدّ الأشعة. وللحصول على منتج موثوق، يُستحسن اختيار ملابس تحمل ختم اعتماد من جهات معروفة مثل مؤسسة سرطان الجلد أو الجمعية الأميركية للأمراض الجلدية، مما يشير إلى أن القطعة خضعت لاختبارات صارمة وثبتت قدرتها على الحماية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التصاميم التي تعزز مستوى الوقاية هي تلك التي تغطي أكبر مساحة ممكنة من الجسم مثل القمصان ذات الأكمام الطويلة والبناطيل الخفيفة والقبعات الواسعة، كما تسهم الألوان الداكنة والأنسجة المحكمة في الحد من نفاذ الأشعة الضارة بشكل أكبر من الأقمشة الفاتحة أو الخفيفة. وتشير الأدلة العلمية والطبية إلى أن الملابس الواقية من الشمس ليست مجرد موضة جديدة، بل أداة فعالة للحماية من الأشعة فوق البنفسجية، وتشكل عنصرا مهما ضمن خطة الحماية الكاملة من الشمس. لكن للحصول على أفضل النتائج، يجب دمجها مع عناصر حماية أخرى، مثل البقاء في الظل، واستخدام نظارات شمسية والواقي الشمسي على المناطق المكشوفة. وسواء كنت رياضيا، أو من محبي الشواطئ، أو حتى تعمل في الهواء الطلق، فإن الاستثمار في ملابس واقية من الشمس هو استثمار في صحة بشرتك وسلامتك على المدى البعيد.