
إسرائيل تقترب من لحظة انفجار داخلي
فقد أصبح هذا العقد شاهدًا على نشوء انقسام جذري داخل المجتمع اليهودي في إسرائيل، تعدّى الحدود المعتادة للاختلاف السياسي، وامتد إلى تناقضات في الهويات، والرؤى، وأنماط العيش، وصور الذات الجماعية.
فمنذ تأسيس الدولة، سعت إسرائيل إلى تقديم نفسها ككيان قومي موحّد لليهود، يستوعب اختلافاتهم الإثنية والمذهبية والجغرافية ضمن سردية وطنية جامعة.
بيدَ أنّ الواقع الاجتماعي منذ البداية كان يحمل توترات كامنة بين الجماعات اليهودية القادمة من خلفيات متنوعة، والتي تم إخضاعها لمنظومة من التراتبية الرمزية والسياسية، قوامها التفوّق الثقافي الأشكنازي.
وفي حين أمكن لهذه البنية أن تُدار عبر مؤسسات الدولة خلال العقود الأولى، فإن ما حدث في الثمانينيات كان أشبه بانكشاف كامل للصدوع الداخلية وتحوّلها إلى انقسامات علنية.
لقد تعمّق التوتر بين النخب العلمانية- الأشكنازية التي احتكرت مؤسسات الدولة، والشرائح الشرقية والدينية التي ظلّت على الهامش الاجتماعي والسياسي.
كما تصاعدت النزعة الدينية القومية على حساب الصهيونية الاشتراكية، وتهاوت سردية الإجماع الوطني تحت ضغط أحداث كبرى أبرزها الغزو الإسرائيلي للبنان 1982.
وباتت التناقضات تطفو إلى السطح، وانهارت قدرة المؤسسة على إخفائها خلف خطاب "الوحدة القومية"، فانفتح المجال أمام استقطاب طويل المدى، لم يكن ممكنًا تجاوزه، بل جرت موضعة مؤسسات الدولة حوله.
تصدعات مبكرة في سردية الدولة
يركّز هذا المقال على مكوّن واحد في المجتمع الإسرائيلي هو المجتمع اليهودي، بوصفه المجال الرئيس الذي تجلّى فيه الانقسام. ولا يعود هذا الإغفال لوجود الفلسطينيين في الداخل أو في الأراضي المحتلة إلى قناعة بعدم تأثيرهم، بل لأن البنية الصهيونية ذاتها أقامت منظومة اجتماعية وسياسية تُقصي الفلسطينيين من النقاش العام، وتُقصيهم من تعريف الهوية السياسية للدولة.
فالمجتمع الإسرائيلي، كما تشكّل خلال العقود السابقة، لم يكن مجتمعًا مدنيًا تعدديًا، بل إطارًا إثنيًا- دينيًا صيغ ليعبّر عن مصالح شريحة معينة من اليهود، فيما جرى دمج الآخرين بدرجات متفاوتة ضمن هذه المنظومة.
وقد أدى هذا الإقصاء إلى بناء وحدة سطحية، تقوم على التماثل الثقافي، وتنهار فور بروز التمايزات الطبقية أو الدينية أو الإثنية داخل الجماعة اليهودية ذاتها. وهذا ما حصل بوضوح خلال الثمانينيات، حين أصبحت مفاهيم "من هو اليهودي؟"، و"ما معنى إسرائيل؟"، و"من يملك السلطة الأخلاقية؟"، مواضيع خلافية، لا يجمع عليها أحد.
وكانت المرحلة الممتدة بين 1979 و1988 حاسمة، لأنها شهدت انكشاف هذه التناقضات وتكثّفها، عبر عدد من اللحظات المفصلية. وفيما يلي، نتناول هذه اللحظات كما تبلورت في صراعات سياسية-اجتماعية كشفت عن طبيعة الانقسام وعمقه.
حرب لبنان الأولى 1982: بداية التصدع الحاد
شكّلت حرب لبنان الأولى 1982 نقطة تحوّل كبرى في تاريخ الاستقطاب داخل المجتمع الإسرائيلي، إذ كشفت هذه الحرب عن انقسام لم يكن من الممكن بعد ذلك تجاوزه أو التغطية عليه.
وكانت الحروب السابقة توصف بأنها "وجودية"، وتتمتّع بإجماع شبه كامل داخل المجتمع اليهودي، حيث تُخاض تحت شعار الدفاع عن الدولة الناشئة في وجه "الخطر العربي" أو "الإبادة الوشيكة". لكن حرب لبنان كانت مختلفة في سياقاتها، وأهدافها، وصورها، والأهم من ذلك: في تمثّلاتها داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه.
فقد بدت الحرب، بالنسبة لكثير من الإسرائيليين، عملية عدوانية لا مبرّر لها، قادتها حكومة يمينية؛ بهدف القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، وإنشاء نظام موالٍ في لبنان، دون أن يكون هناك خطر مباشر على إسرائيل.
وقد تسبّبت الحملة في أزمة أخلاقية داخلية، خصوصًا بعد مجازر صبرا وشاتيلا التي نفذتها المليشيات اللبنانية الانعزالية اليمينية الفاشية (التي كانت تدعي كذبًا الانتساب للمسيحية) في ظل حماية القوات الإسرائيلية.
ولم يكن الصراع حول الحرب مسألة سياسية محضة، بل تحوّل إلى انقسام أخلاقي وجودي. فقد خرجت مظاهرات ضخمة في تل أبيب ضد الحكومة، وبرزت حركة "السلام الآن" كأبرز القوى المعارضة. وكان الاغتيال السياسي الذي أودى بحياة الناشط إميل غرونزويغ بواسطة قنبلة ألقاها صهيوني متطرف خلال مظاهرة سلمية في القدس 1983 علامة فارقة: إذ لم يُقتل بيد فلسطيني، بل على يد إسرائيلي يهودي.
ومنذ تلك اللحظة، بدأ التصدع الداخلي يأخذ طابعًا عنيفًا، وتشكّلت لأول مرة خطوط تماس فارقة سياسية- ثقافية داخل المجتمع اليهودي نفسه.
ولم يقتصر الانقسام الذي أثارته حرب لبنان على النخب السياسية والثقافية، بل اتخذ طابعًا شعبيًا واسعًا، تجسّد في حركات احتجاج اجتماعي مثل حركة "أمهات الجنود"، التي ظهرت كمصدر ضغط أخلاقي على المؤسسة العسكرية والسياسية.
وقد أثار الغزو، لا سيما في مراحله المتأخرة، وتورّط الجيش في مجازر صبرا وشاتيلا، انقسامًا عميقًا حول دور الجيش الإسرائيلي ذاته، لا بوصفه جهازًا دفاعيًا جامعًا بل كفاعل سياسي- أمني يرتبط بخيارات أيديولوجية وإستراتيجية مثيرة للجدل.
وقد أسهمت هذه الأحداث في زعزعة الثقة بالمؤسسة الأمنية، وبلغت ذروتها في استقالة أرييل شارون من وزارة الدفاع، مما شكّل لحظة مفصلية في العلاقة بين المجتمع والجيش، وبين السياسة الخارجية والأخلاقيات العامة.
وبهذا المعنى، مثلت حرب لبنان لحظة انكشاف للمجتمع الإسرائيلي: فقد أسقطت قناع الوحدة القومية، وكشفت أن سردية "الدولة الأخلاقية" لم تعد تجمع أبناء المجتمع الواحد. فقد صار النقد السياسي يُعامَل كخيانة، والمخالفة الفكرية كتهديد وجودي، فانفتح باب الانقسامات الكبرى على مصراعيه.
الاستيطان ذو الطابع العقائدي وتديين المجال السياسي
في الوقت الذي كانت فيه الحرب تفتح الجرح الأخلاقي داخل المجتمع، كانت ظاهرة الاستيطان تشهد تحوّلًا كيفيًا لا يقل عمقًا عن التحوّل السياسي. فمنذ منتصف السبعينيات، بدأت تيارات دينية- قومية تضع مشروع الاستيطان في الضفة الغربية في صلب عقيدتها السياسية واللاهوتية.
وكان لهذه التيارات، وعلى رأسها حركة "غوش إيمونيم"، دور محوري في تحويل الاستيطان من أداة أمنية إلى رسالة دينية خلاصية.
فقد رأت هذه الحركات أن الضفة الغربية أو ما أطلقت عليه وفقًا للأساطير التوراتية "يهودا والسامرة" ليستا أراضي محتلة، بل جزءًا من جوهر الهوية اليهودية ومهد السيادة التاريخية.
ولم يعد الاستيطان مجرد سياسة، بل أصبح فريضة. ومن خلال بناء مستوطنات ذات طابع أيديولوجي، كانت هذه التيارات تفرض رؤيتها على الحكومة والدولة، مستندة إلى خطاب ديني يقول إن التنازل عن الأرض يعادل إنكارًا للإيمان.
ولم تتوقف هذه التيارات عند حدّ الممارسة السياسية، بل دفعت نحو عسكرة العقيدة اليهودية، كما ظهر في تأسيس الخلية اليهودية السرية التي خططت لتفجير المسجد الأقصى عام 1984.
ورغم خطورة المشروع – الذي لو نُفذ لأشعل حربًا دينية كبرى – فإن تعامل المؤسستَين القضائية والسياسية مع أعضاء الخلية كان متساهلًا بشكل لافت. حيث لم يُعاملوا كإرهابيين، بل كمضلّلين، وتم تخفيف العقوبات عليهم، في إشارة واضحة إلى أن البنية العميقة للدولة تميل إلى التساهل مع العنف متى صدر من الأطراف المنتمية إلى نسيجها القومي.
وما كشفته هذه الأحداث هو أن الدين لم يعد ساحة منعزلة عن الدولة، بل أصبح مكونًا من مكونات القرار، ورافعة للاستيطان، وأداة للضغط. وفي هذا السياق، صار مشروع الاستيطان التعبير الأقصى عن الانقسام بين "إسرائيل القديمة" التي تؤمن بالبراغماتية والدولة، و"إسرائيل الجديدة" التي تؤمن بالوعد الإلهي ورفض التسوية.
وفي خضم هذه التناقضات الداخلية، كانت أصوات الفلسطينيين – داخل الخط الأخضر وفي الأراضي المحتلة – تزداد حضورًا ووضوحًا، مترافقة مع تآكل متسارع في الخطاب الإسرائيلي التقليدي الذي كان يصف الضفة الغربية وقطاع غزة بأنهما أراضٍ "محتلة مؤقتًا" بانتظار تسوية سياسية نهائية.
فلم يَعُد هذا الخطاب مقنعًا، لا داخليًا ولا خارجيًا. وفي المقابل، تعزّز لدى الفلسطينيين شعور بانسداد الأفق السياسي، وبتلاشي إمكانات التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، وهو ما مهّد لاحقًا لتفجر الانتفاضة الأولى 1987، بوصفها تتويجًا لتراكم طويل من الإقصاء والقمع، ونتيجة مباشرة لانفصال المؤسسة الإسرائيلية عن الواقع المتحوّل في الداخل والخارج.
جاءت حركة "السلام الآن" في أواخر السبعينيات لتكون بمثابة تجلٍّ واضح لانقسام ثقافي- اجتماعي آخذ في التشكل داخل المجتمع الإسرائيلي. فقد نشأت الحركة كرد فعل على سياسات التوسّع والاحتلال، ورفعت شعارات الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإقامة سلام دائم قائم على مبدأ الأرض مقابل السلام، وذلك استنادًا إلى ما تراه مصالح إستراتيجية وأخلاقية.
ومع الاجتياح الإسرائيلي للبنان، برزت الحركة بوصفها المعبّر الأبرز عن المعارضة الليبرالية العلمانية.
لكن "السلام الآن" لم تكن حركة جماهيرية شاملة، بل كانت، في بنيتها العميقة، امتدادًا للنخبة الأشكنازية، ذات الجذور في النخب العسكرية والثقافية التي قادت المشروع الصهيوني في بداياته.
وقد تمركزت الحركة في المدن الكبرى، لا سيّما تل أبيب والقدس الغربية، وحملت خطابًا حداثيًا- أوروبيًا يمجّد التسامح والعقلانية، لكنه بدا، من وجهة نظر خصومها، خطابًا نخبويًا متعاليًا لا يتصل بالواقع الاجتماعي للمجتمعات الدينية والشرقية والمهمّشة.
لقد فشلت الحركة في اختراق القواعد الاجتماعية الواسعة؛ لأن رسالتها الأخلاقية لم تقترن بقراءة حقيقية للانقسامات الطبقية والثقافية في المجتمع. وبالنسبة لكثير من اليهود الشرقيين، كانت "السلام الآن" تمثل وجهًا آخر من وجوه الهيمنة الأشكنازية التي تريد أن تُبقي السلطة الرمزية والسياسية في يدها، حتى وإن تبنّت خطاب "السلام" و"العدل".
ومع تصاعد الهجوم على الحركة، أصبح المنتسبون إليها يُصنَّفون بوصفهم "يساريين غير وطنيين"، وتحوّل الانتماء إلى التيار الليبرالي إلى تهمة أخلاقية. وهكذا، انقلب شعار "السلام الآن" من نداء للتسوية، إلى مؤشر على الانتماء الطبقي والثقافي، وظهرت بوضوح حدود الفصل بين معسكرين: معسكر الهوية الحداثية- العلمانية المتعلّمة، ومعسكر الهوية الدينية- الشرقية- الشعبية.
وتجاوز الأمر الخلاف السياسي إلى أنماط الحياة والقيم: بين من يؤمن بالتفاوض والتسوية والليبرالية، ومن يرى أن هذه القيم مجرّد تغريب واستلاب للهوية اليهودية الأصيلة. وهكذا، أصبحت "السلام الآن" شاهدًا على أزمة التمثيل والارتباط بالنسيج الاجتماعي، وأزمة النخبة، وعلى انقسام لم يَعُد بالإمكان إدارته ضمن مظلة وطنية جامعة.
صعود حزب شاس: التصدع الإثني- الديني
لم يكن التعبير عن التمرد الإثني مقتصرًا على المجال الاجتماعي أو الديني، بل تجلّى بوضوح على المستوى السياسي من خلال تعبئة اليهود الشرقيين (المزراحيم) خلف مشروع اليمين الشعبوي بقيادة مناحيم بيغن، السياسي الأشكنازي الذي نجح في تقديم نفسه بوصفه صوتًا لكرامتهم وهويتهم ورفضهم للهيمنة الأشكنازية.
وقد لعب هذا التحالف دورًا حاسمًا في إيصال الليكود إلى الحكم 1977، ليؤسس بذلك مسارًا طويل الأمد من إعادة اصطفاف إثني- سياسي غيّر ملامح النظام الحزبي الإسرائيلي لعقود لاحقة.
وفي سياق هذا التفكك المتزايد، شهدت إسرائيل تدهورًا ملحوظًا في أنماط الإجماع السياسي التي سادت في العقود الأولى للدولة. ولم تَعُد الانقسامات تقتصر على النخبة أو تتخذ طابعًا فكريًا أو اجتماعيًا فقط، بل بدأت تُترجم إلى عجز واضح في النظام السياسي عن إنتاج حكومات مستقرة.
وقد تجلّى هذا التصدع في انتخابات 1984، التي أفضت إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية اضطرارية جمعت بين حزب العمل والليكود، في محاولة لتجنّب مأزق الانهيار المؤسسي. لكن هذه الحكومة لم تكن مؤشرًا على توافق، بل على هشاشة التوازنات الاجتماعية والسياسية، وعلى تعمّق التصدع بين المعسكرات السياسية والاجتماعية داخل الدولة.
ومع استمرار تعذّر الحسم الانتخابي، بدأ الانزياح من مشهد التعددية القابلة للإدارة إلى واقع من الاستقطاب الهيكلي المستدام، حيث لم تَعُد الدولة قادرة على إنتاج صيغة جامعة، بل اكتفت بإدارة التناقضات وتأجيل انفجارها.
وفي هذا السياق المتوتر من إعادة الاصطفاف المجتمعي والسياسي، جاء تأسيس حزب "شاس" 1984 تتويجًا لمسار طويل من التهميش والإقصاء الذي تعرّض له اليهود الشرقيون (المزراحيم) ممن ينتسبون دينيًا إلى التقاليد السفاردية منذ قيام الدولة.
فقد عانى هؤلاء من هيمنة النخبة الأشكنازية على مؤسسات التعليم، والثقافة، والدين الرسمي، كما جرت معاملتهم كجماعة أقل شأنًا من الناحية الرمزية، وإن شاركوا فعليًا في بناء الدولة.
وظهر شاس ليقول إن السفارديم والمزراحيم ليسوا ضيوفًا في المشروع الصهيوني، بل مكوّنًا أصيلًا له، وإنه حان الوقت لتصحيح الظلم الرمزي والاجتماعي.
وقد جمع الحزب بين الانتماء الديني المحافظ، والمظلومية الاجتماعية، والتعبئة الإثنية، واستطاع أن يحشد حوله جماهير واسعة من الشرائح الشعبية، خاصة في المدن الطرفية والأحياء الفقيرة.
ولم يكن شاس حزبًا احتجاجيًا فقط، بل تمكّن من التحوّل إلى قوة مؤثرة في الحكم عبر تحالفاته مع التيارات الدينية- القومية واليمين السياسي. ومن خلال خطابه المزدوج – الذي يجمع بين الدعوة للعدالة الاجتماعية والتشدّد الديني- استطاع الحزب أن يفرض نفسه لاعبًا محوريًا في المعادلة السياسية.
وفي العمق، مثّل صعود شاس تحوّلًا جذريًا في الخريطة الإثنية- الدينية داخل إسرائيل. فقد بات السفارديم يملكون ممثلًا صريحًا يتحدث بلغتهم، ويدافع عن نمط عيشهم، ويطالب بنصيبهم من الموارد والسلطة. ومن خلال ذلك، جرى تقويض النموذج التمثيلي التقليدي الذي احتكرته النخب الأشكنازية، وظهرت إسرائيل كدولة فيها أكثر من شعب، وأكثر من سردية، وأكثر من هوية.
لكن المفارقة أن شاس، رغم خطابه الاحتجاجي، لم يُشكّل خطرًا على البنية السياسية القائمة، بل وجد مكانه ضمنها. وقد حافظ على مواقفه المؤيدة للاستيطان، ولم يدعم الحركات المناهضة للاحتلال، بل شارك في تثبيت أركانه عمليًا، بما يعكس التباسًا في بنيته: فهو حزب مقاومة داخلية، لكن في الوقت ذاته جزء من النظام الذي ينتقده.
التحولات الاقتصادية والانفصال عن الإرث الاشتراكي
في منتصف الثمانينيات، واجه الاقتصاد الإسرائيلي أزمة حادة بلغت ذروتها 1984 حين تجاوز معدّل التضخم حاجز الـ 400%. وكانت هذه الأزمة الأخطر منذ تأسيس الدولة، وهدَّدت استقرارها المالي والاجتماعي، وأرغمت النخبة السياسية على اتخاذ قرارات جذرية لإعادة ضبط التوازن.
وتم الإعلان عن خطة تقشّفية شاملة بمشاركة حزب العمل والليكود، وكانت هذه الخطة بمثابة لحظة مفصلية في مسار التحوّل الاقتصادي والاجتماعي داخل إسرائيل.
وجاء هذا التحوّل في سياق سياسي أوسع بدأ منذ أواخر السبعينيات مع صعود حزب الليكود إلى الحكم، وهو الحزب الذي حمل معه رؤية مغايرة لدور الدولة في الاقتصاد والمجتمع. فقد مثّل فوز الليكود لحظة مفصلية أنهت هيمنة حزب العمل، وفتحت الباب أمام إعادة صياغة السياسات الاقتصادية والاجتماعية على أسس جديدة، تُعلي من شأن السوق وتقلّص من مركزية الدولة ومؤسساتها التقليدية.
فقد أُعلنت نهاية غير رسمية للنموذج الاشتراكي- التعاوني الذي تبنّته الدولة لعقود، وهو النموذج الذي تجلّى في منظومة الكيبوتسات، ومؤسسات العمل والهستدروت، وشبكة الدعم الاجتماعي واسعة النطاق.
وبدأت الخصخصة، وتحرير السوق، ورفع الدعم، وتفكيك شبكات الرعاية القديمة. وسرعان ما ظهر تحوّل عميق في العلاقة بين الدولة والمجتمع، بحيث أصبحت السوق هي المحرّك الأساسي لتوزيع الموارد، لا التضامن القومي أو الأيديولوجيا الجماعية.
ولم تكن نتائج هذه التحوّلات محايدة. فقد استفادت منها النخب الاقتصادية، خاصة تلك المتحالفة مع مراكز القوة التقليدية، فيما تضرّرت الفئات الضعيفة، لا سيّما اليهود الشرقيون، وسكان المدن الطرفية، والشرائح الدينية غير المُمكّنة. وكان أن تفكّكت الكيبوتسات، وانحسر نفوذ الهستدروت، وظهر جيل جديد من المستثمرين والبيروقراطيين الذين يحملون خطابًا جديدًا: الكفاءة بدلًا من الشراكة، والمردود بدلًا من العدالة، والتنافسية بدلًا من التعاون.
وهكذا، أُعيد تشكيل البنية الطبقية في إسرائيل على أسس جديدة: اقتصاد السوق. ولم يعُد الصراع الاجتماعي يُدار عبر الأحزاب الاشتراكية والنقابات، بل عبر التفاوت الحاد في الفرص، والدخول، والتمثيل.
هذا الواقع الجديد عزّز من التمايز بين المركز- الأشكنازي- الليبرالي، والطرف- الشرقي- الديني، وأصبح الفارق الاقتصادي يتقاطع مع الفارق الإثني والثقافي، مما عمّق الصدع القائم أصلًا.
كما تحوّلت السياسة الاقتصادية إلى أداة لإعادة إنتاج السلطة، لا لتوزيعها. فالأحزاب المشاركة في الحكومة استخدمت أدوات الدولة لإعادة توجيه الموارد نحو قواعدها الانتخابية، وغابت مفاهيم الدولة الجامعة، لتحل محلها شبكات الزبائنية والمحسوبية السياسية.
وقد مهّد هذا المناخ الطريق أمام نموّ غير متكافئ، وأمام احتدام جديد في الخطاب العام، يعيد ربط الاقتصاد بالهوية، والانتماء بالقدرة على النفاذ إلى موارد الدولة.
إعادة تشكيل الهوية والسردية الوطنية
مع هذه التحوّلات المتزامنة في السياسة، والدين، والاقتصاد، باتت الهوية الوطنية نفسها محل نزاع. ولم تعُد الهوية الإسرائيلية تُعرّف – كما حاولت أن تتظاهر – باعتبارها إجماعًا على قيم الحداثة والتقدّم والاندماج، بل أصبحت ميدانًا مفتوحًا للتنافس بين سرديات متباينة ومتضادة.
فقد أعاد كل تيار تشكيل "الإسرائيلي" بحسب منطقه، فالمتدينون القوميون ربطوا الهُوية بالأرض والناموس، والشرقيون ربطوها بالكرامة والاعتراف، والعلمانيون الليبراليون ربطوها بالحريات الفردية والمواطنة المتساوية.
ولم تظلّ هذه الانقسامات ثقافية فقط، بل أصبحت مؤسساتية. ففي المدارس، ظهرت مناهج مختلفة تعكس الانتماءات الدينية والسياسية. وفي الإعلام، تموضع كل تيار في منصاته الخاصة.
وفي السياسة، أصبح التمثيل موزعًا على أحزاب لا يجمع بينها سوى التنافس على هوية الدولة. وحتى الجيش، الذي كان يُعدّ المؤسسة الوطنية الجامعة، بدأ يشهد تراجعًا في تمثيل بعض الفئات، وتصاعدًا في تمثيل أخرى، خاصة من التيارات الدينية، بما يشير إلى تغيّر العمود الفقري للشرعية القومية.
وهكذا، لم يَعُد الانقسام مجرد واقع اجتماعي، بل تحوّل إلى مبدأ من مبادئ التنظيم السياسي والاجتماعي. وتم تقنين التعددية لا بوصفها تنوّعًا، بل بوصفها تعبيرًا عن انقسام لا يمكن تجاوزه، بل فقط "إدارته". وأصبحت إسرائيل تعيش حالة "تعايش متوتر" بين مجموعات ترى كل منها في نفسها الممثل الحقيقي للدولة، وفي الآخرين خطرًا على رسالتها.
نهاية عقدٍ وبداية تصدعات دائمة
إن ما شهدته إسرائيل في حقبة الثمانينيات لم يكن مجرد مرحلة انتقالية في نظام الحكم أو الاقتصاد، بل كان لحظة تأسيسية لانقسام تاريخي سيعيد تشكيل كل ما أعقبها من تحولات داخلية. لقد تجمعت في هذا العقد العاصف مجموعة من العوامل المتفاعلة: حرب خارجية مثيرة للجدل، وصعود التيارات الدينية- القومية، واحتجاج الهويات الشرقية على تهميشها، وانهيار النموذج الاشتراكي، وانبعاث النزعات الفردية في ظل اقتصاد السوق، وكلها شكّلت مشهدًا من التفكك البنيوي والانقسام الرمزي العميق.
ولم يَعُد بالإمكان بعد الثمانينيات الحديث عن "الإسرائيلي" بصيغة المفرد. فقد ظهرت تصدّعات لا يمكن تسويتها ضمن سردية قومية واحدة: بين الأشكنازي والشرقي، وبين العلماني والمتدين، وبين اليساري واليميني، وبين المركز والطرف، وبين من يؤمن بدولة يهودية- ديمقراطية ومن يرى الدولة اليهودية وحدها. والأخطر أن هذه الانقسامات لم تكن خلافات رأي، بل تحوّلت إلى هويات متصلّبة، ومشاريع متعارضة، وأحيانًا متنافرة بالكامل.
لقد كشف العقد عن عجز الدولة عن بناء مفهوم جامع للمواطنة، واكتفائها بإدارة تناقضات الجماعة بدلًا من معالجتها. وما يُقدَّم على أنه تعددية، إنما هو واقع من المحاصصة والتفكك والتنازع على الهوية والشرعية والموارد. وحتى المؤسسات التي كان يفترض أن تكون فوق هذه الانقسامات – كالجيش، والمحكمة العليا، والنظام التعليمي – تحوّلت إلى ساحات صراع، ومرآة لهذا الانقسام البنيوي.
ويبدو أن النخب السياسية في إسرائيل لم تتجه إلى رأب هذا الصدع، بل قامت بتوظيفه: فكل تيار استثمر في استقطاب جمهوره، وشيطنة خصومه، وروّج لرؤية انتقائية للتاريخ والهوية. ومن خلال آليات النظام البرلماني النسبي، أُعيد إنتاج هذا الانقسام داخل الكنيست، وأصبح الحكم نفسه مرآة للفُرقة بدل أن يكون أداة لتوحيد الصفوف.
وفي العمق، ظهر المجتمع الإسرائيلي من خلال هذه التحولات كيانًا هشًا، يعيش على توازنات مضطربة بين فئات متنافسة، كل منها تحمل مشروعًا مختلفًا للدولة والمجتمع. ورغم أن الدولة تبدو مستقرة سياسيًا، فإن هذه الاستقرارية شكلية، تقوم على تفاهمات مؤقتة، وهياكل حكم مرنة تتسع للتناقضات دون أن تعالجها. وهو ما يجعل إسرائيل كيانًا قابلًا للانفجار من داخله في أي لحظة، أو – في أحسن الأحوال – كيانًا مهددًا باستمرار بإعادة التفاوض على شرعية مكوناته.
لقد دشّن عقد الثمانينيات، إذًا، مرحلة جديدة من الانقسام المجتمعي في إسرائيل، انقسام لا يزال يتفاقم حتى اليوم. ومع كل أزمة سياسية، وكل انتخابات، وكل مواجهة عسكرية، تعود هذه التناقضات لتكشف وجهها الحقيقي: مجتمع لا يجمعه سوى الإحساس بالتهديد، لكنه يفتقر إلى السردية الجامعة، والهوية المتماسكة، والرؤية الموحدة.
وهذا الانقسام، الذي تكرّس في بنية الدولة، لا يمكن تجاوزه دون مراجعة جذرية لفكرة إسرائيل نفسها: هل هي دولة كل اليهود؟ أم دولة النخبة المهيمنة؟ وهل يمكنها أن تكون ديمقراطية ويهودية في آن كما يزعمون؟ أم أن هذه المعادلة تحمل في ذاتها تناقضًا لا يمكن حلّه؟ إن هذه الأسئلة، التي انفجرت في الثمانينيات، لا تزال تُعيد إنتاج ذاتها في قلب السياسة والمجتمع، وتلقي بظلالها على مستقبل الكيان برمّته.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 28 دقائق
- الجزيرة
الحوثيون يتوعدون باستهداف سفن الشركات المتعاملة مع موانئ إسرائيل
قالت جماعة أنصار الله (الحوثيين) إنها قررت تصعيد عملياتها العسكرية ضد إسرائيل ، مؤكدة أنها بدأت ما أطلقت عليها المرحلة الرابعة من الحصار على العدو الإسرائيلي. وقال المتحدث العسكري باسم أنصار الله يحيى سريع إن المرحلة الرابعة التي أطلقتها الجماعة تشمل "استهداف جميع السفن التابعة لأي شركة تتعامل مع موانئ العدو، وفي أي مكان يمكن الوصول إليه". وقال سريع -في بيان متلفز- إن الشركات التي تتجاهل التحذيرات ستتعرض سفنها للهجوم بغض النظر عن وجهتها، وبغض النظر عن جنسيتها. وأضاف في هذا الصدد: "تحذر القوات المسلحة اليمنية كافة الشركات بوقف تعاملها مع موانئ العدو الإسرائيلي ابتداء من ساعة إعلان هذا البيان، ما لم (تستجب)، فسوف تتعرض سفنها وبغض النظر عن وجهتها للاستهداف في أي مكان يمكن الوصول إليه أو تطاله صواريخنا ومسيراتنا". ودعا سريع "كافة الدول إلى أن عليها -إذا أرادت تجنب هذا التصعيد- الضغط على العدو لوقف عدوانه ورفع الحصار عن قطاع غزة ، فلا يمكن لأي حر على هذه الأرض أن يقبل بما يجري". وأكد أن اليمن يجد نفسه أمام مسؤولية دينية وأخلاقية كبرى بسبب استمرار الإبادة في غزة. خيارات تصعيدية والخميس الماضي، قال زعيم جماعة أنصار الله عبد الملك الحوثي إنهم يدرسون خيارات تصعيدية إضافية دعما للفلسطينيين بغزة، وذلك مع استمرار عملياتهم البحرية ضد السفن التابعة لإسرائيل أو المتوجهة إليها. وقال الحوثي -في كلمة عن مستجدات العدوان على قطاع غزة- إن موقفهم الرسمي والشعبي وعلى كل المستويات لن يألو جهدا في نصرة الشعب الفلسطيني. وأشار إلى استمرار تطوير القدرات العسكرية لتكون أكثر فاعلية في "التنكيل بالعدو الإسرائيلي والضغط عليه". كذلك أكد استمرار "حظر الملاحة البحرية على العدو الإسرائيلي"، وقال إن ميناء أم الرشراش (إيلات) عاد إلى الإغلاق التام، وهو ما تسبب في خسائر كبيرة لإسرائيل، بحسب زعيم الحوثيين. وأشار الحوثي إلى أنهم نفذوا منذ بداية الإسناد لقطاع غزة 1679 عملية عسكرية ما بين صواريخ وطائرات مسيّرة وزوارق حربية. كما كشف عن أن اليمن تعرض لـ2843 غارة وقصفا بحريا سقط بسببها المئات من القتلى والجرحى، لكنها فشلت في منع الموقف اليمني من مساندة الشعب الفلسطيني بغزة. وتواصل جماعة الحوثيين مهاجمة السفن التابعة لإسرائيل وكذلك السفن المتوجهة إليها، وتشدد على استمرار العمليات حتى وقف إسرائيل حرب الإبادة في غزة. ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري ، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
مئات الحاخامات اليهود يطالبون إسرائيل بوقف التجويع وقتل المدنيين
وقّع مئات الحاخامات اليهود من مختلف أنحاء العالم، الذين يتبعون تيارات دينية متعددة، على رسالة تدعو إسرائيل إلى وقف استخدام التجويع كسلاح حرب. وحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أمس الأحد، فإنّ مئات من الحاخامات (رجال دين يهود) في مختلف أنحاء العالم وقعوا على رسالة، جاء فيها أنّ "الشعب اليهودي يواجه أزمة أخلاقية خطيرة". وأوضحوا في الرسالة: "لا يمكننا أن نغض الطرف عن القتل الجماعي للمدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال وكبار السن، أو استخدام التجويع كسلاح حرب". ووصفت الرسالة ما اعتبرته "تقليص المساعدات الإنسانية إلى غزة"، ومنع الغذاء والماء والأدوية عن المدنيين، بأنه "يتعارض مع القيم اليهودية الأساسية". ورغم تأكيد الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أن إسرائيل تتسبب في تجويع الفلسطينيين في قطاع غزة، فإن حكومة بنيامين نتنياهو زعمت تنفيذ إجراءات لتسهيل دخول المساعدات، منها فتح ممرات جديدة وإلقاء مساعدات من الجو وتحديد فترات وقف إطلاق نار مؤقتة. كما انتقدت الرسالة سياسات الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية ، ودعت إلى وقف عنف المستوطنين وملاحقة المعتدين من بينهم. واختُتمت الرسالة بالدعوة إلى حوار يضمن الأمن للإسرائيليين، والكرامة والأمل للفلسطينيين، ومستقبلًا سلميا للمنطقة. وتأتي الرسالة في ظل تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية نتيجة استفحال المجاعة بالقطاع وتحذيرات من خطر موت جماعي يهدد أكثر من 100 ألف طفل في القطاع. ويعيش قطاع غزة إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه وفي التاريخ المعاصر، حيث تتداخل حالة التجويع القاسية مع حرب إبادة جماعية تشنها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومع الإغلاق الكامل للمعابر ومنع دخول الغذاء والدواء منذ الثاني من مارس/آذار الماضي، تفشت المجاعة في أنحاء القطاع، وظهرت أعراض سوء التغذية الحاد على الأطفال والمرضى. لمحكمة العدل الدولية بوقفها. وخلفت الإبادة، بدعم أميركي، أكثر من 204 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
صحيفة عن مسؤولين بإدارة ترامب: الوقت مناسب لصفقة شاملة تنهي الحرب
نقلت صحيفة جيروزاليم بوست عن مصدر مطلع -اليوم الاثنين- قوله إن مسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب يرون أن الوقت أصبح مناسبا للتوصل إلى صفقة شاملة تؤدي إلى إطلاق جميع "الرهائن" وإنهاء الحرب الدائرة في قطاع غزة. وذكرت الصحيفة ذاتها -نقلا عن المصدر نفسه- أن الاتصالات استمرت خلال اليومين الماضيين بين إسرائيل والوسطاء في قطر ومصر بهدف إحياء المفاوضات، مشيرة إلى لقاءات عقدها المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف مع مسؤولين قطريين كبار عدة مرات في جزيرة سردينيا الإيطالية. وكانت شبكة فوكس نيوز قد نقلت -صباح أمس الأحد- عن المبعوث ويتكوف تأكيده عودة المفاوضات مع حركة حماس إلى مسارها بعد فترة من التعثر. وأضاف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو -في تصريحات للشبكة- أن تقدما كبيرا تحقق في المفاوضات بشأن غزة، معربا عن أمله في التوصل إلى وقف إطلاق نار يشمل الإفراج عن نصف "الرهائن" فورا، ثم الإفراج عن الباقين مع انتهاء مهلة الـ60 يوما. وقال روبيو إن "الحل لما يحدث في غزة بسيط للغاية؛ أطلقوا سراح الرهائن وألقوا أسلحتكم وستنتهي الحرب". وفي السياق ذاته، نقلت القناة الـ14 الإسرائيلية عن مسؤول سياسي إسرائيلي تأكيده أن المفاوضات مع حركة حماس لا تزال مستمرة، وذلك بعد مغادرة الوفد الإسرائيلي العاصمة القطرية الدوحة الخميس الماضي عقب تلقي رد من حماس على مقترح يتعلق بصفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار. ووصفت مصادر رسمية في تل أبيب الرد بأنه "سلبي"، مشيرة إلى أن الفجوات لا تزال كبيرة وتتطلب اتخاذ قرارات صعبة. وكان 6 أعضاء بالكونغرس الأميركي قد دعوا -في بيان مشترك- إدارة ترامب إلى الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الأسرى، واصفين الأوضاع الإنسانية في القطاع بأنها "مروعة وغير مقبولة". في هذه الأثناء، نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله إن العملية العسكرية في غزة قد تدخل مرحلة "أكثر تصعيدا" إذا لم يحدث تقدم ملحوظ في المفاوضات، مضيفا أن الجيش الإسرائيلي قد يلجأ إلى خلق "تهديد عسكري حقيقي في مناطق معينة" كوسيلة للضغط من أجل التوصل إلى صفقة جزئية مع حماس. حماس: لا معنى لاستمرار المفاوضات وفي المقابل، كشف رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة خليل الحية عن تفاجؤ قيادة المقاومة بانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من جولة المفاوضات الأخيرة، رغم التقدم الواضح الذي تحقق والتوافق إلى حد كبير مع ما عرضه الوسطاء. وإزاء هذا التطور، أعلن الحية أنه "لا معنى لاستمرار المفاوضات تحت الحصار والإبادة والتجويع" لأطفال ونساء وأهالي قطاع غزة. وفي استعراض تفصيلي لمسار المفاوضات، أوضح الحية -خلال كلمة على شاشة الجزيرة- أن قيادة المقاومة قدمت كل مرونة ممكنة خلال 22 شهرا من المفاوضات الشاقة، وضعت فيها مصلحة الشعب وحقن دمائه نصب أعينها، وتجاوبت مع الوسطاء في كل المحطات. وبناء على هذه الجهود المستمرة، أكد أن الجولة الأخيرة شهدت تقدما واضحا وتوافقا كبيرا، خاصة في ملف الانسحاب والأسرى ودخول المساعدات، مع تلقي ردود إيجابية من الاحتلال. غير أن المفاجأة جاءت، وفق الحية، عند انسحاب الاحتلال الصهيوني من جولة المفاوضات، الذي تساوق معه مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ، في خطوة وصفها الحية بـ"المفضوحة المكشوفة" التي تهدف إلى "حرق الوقت" ومزيد من الإبادة للشعب الفلسطيني. ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق على غزة أسفرت عن دمار هائل ووضع إنساني كارثي، وسط إدانات دولية واسعة ومطالبات بوقف فوري للقتال.