logo
تراجع الدين العام العراقي.. هل يشير لنهضة اقتصادية؟

تراجع الدين العام العراقي.. هل يشير لنهضة اقتصادية؟

شفق نيوزمنذ 6 ساعات
شفق نيوز – بغداد
بدأت الحكومة العراقية، بخطوات لتقليص الدين الداخلي البالغ 85 ترليون دينار، والخارجي 54 مليار دولار، عبر خطة تعتمد على مزيج من الترشيد والسداد والهيكلة وتوسيع الإيرادات، فيما يتم التركيز بشكل خاص على الاقتراض المنتج فقط بدلاً من الاقتراض غير الفعال.
ونتيجة لهذه الاستراتيجية، أظهرت إحصائية للبنك المركزي العراقي، أمس الخميس، انخفاض الدين العام الداخلي في نهاية شهر نيسان/أبريل من العام الجاري ليبلغ 85 ترليوناً و503 مليارات دينار عراقي، منخفضاً عن شهر آذار/مارس الذي بلغ 85 ترليوناً و536 مليار دينار.
وأشارت الإحصائية الرسمية التي اطلعت عليها وكالة شفق نيوز، إلى أن "الانخفاض جاء نتيجة تسديد قروض المؤسسات المالية لتبلغ 19 ترليوناً و119 مليار دولار بعد أن كانت 19 ترليوناً و152 مليار دولار".
وأوضحت، أن "الديون المتبقية هي بذمة وزارة المالية البالغة 756 مليار دينار، وديون الحوالات الخزينة لدى البنك المركزي والمصارف التجارية البالغة 51 ترليوناً و30 مليار دينار، إضافة إلى حوالات خزينة على حساب وزارة المالية بمقدار ترليونين، و30 مليار دينار، وديون الأجل الوطنية مستحقات الفلاحين بمقدار 12 ترليوناً و568 مليار دولار".
أما الديون الخارجية، فقد كشفت إحصائية رسمية للبنك المركزي العراقي في 14 حزيران/يونيو الماضي، اطلعت عليها وكالة شفق نيوز، أن حجم الديون المترتبة على العراق في العام 2024 بلغت 54 ملياراً و601 مليون دولار، منخفضة بنسبة 2.94 % مقارنة بعام 2023، التي بلغت الديون فيها 56 ملياراً و207 ملايين دولار.
ويوضح مختصون بالشأن المالي والاقتصادي، أن الديون الخارجية الواجبة الدفع خلال السنوات الأربع المقبلة هي بنحو 9 مليارات دولار، وهناك ديون خارجية بمبلغ مماثل تمتد لسنوات أطول تخص قروضاً طويلة الأجل من صناديق دولية لإعمار المناطق المحررة بالغالب.
وأكد المختصون، أن نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي هو في النطاق الآمن لا يتعدى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعل العراق ضمن التصنيف الائتماني العالمي المريح والقليل المخاطر.
ويشير المختصون، إلى أن العراق يمتلك موارد متنوعة يمكن استثمارها بشكل يؤدي إلى تصفير هذه الديون، مما يساهم في تعظيم الثقة في الاقتصاد الوطني وتحسين نظرة البيئة الاستثمارية الدولية للاقتصاد العراقي.
ويوضح المختصون، أنه كلما تقللت أعباء الفوائد وتصفرت الديون الداخلية والخارجية كلما اطمأن المستثمرون بأن العراق قادر على تغطية تكاليف الاستثمار، وأن اعطاء العوائد المناسبة لتلك الاستثمارات سيقود بلا شك إلى تنويع مصادر الاقتصاد الوطني، خاصة وأن هناك حاجة إلى ألف مشروع استراتيجي في قطاعات الغذاء والطاقة والنقل وغيرها.
"التعزيز المالي"
وفي التفاصيل، يقول مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، إن "متلازمة انخفاض معدلات نمو الدين العام أو الحكومي مع انخفاض النمو في العجز السنوي في الموازنة يعد اتجاهاً يشكل واحداً من مقومات نجاح ومتانة السياسة المالية للبلاد ويطلق عليه بـ(التعزيز المالي)".
"وهو هدف جوهري من أهداف البرنامج الحكومي، ويؤشر بلا شك التحول نحو تلازم جوهري آخر، وهو تلاحم الاستدامة المالية مع التنمية المستدامة"، بحسب صالح.
ويضيف لوكالة شفق نيوز، أن "هذه النهضة في إدارة الموارد المالية العامة ستقود بلا شك إلى تنويع مصادر الاقتصاد الوطني وتحريك مفاصل النمو في أكثر من قطاع اقتصادي ضامن لرفاهية المجتمع العراقي ومستقبل التنمية فيه".
وبناءً على ما تقدم، يوضح صالح، أنه "كلما انخفضت الديون، قلّ الاعتماد على الدائنين بكل مصادرهم ولاسيما الدين الخارجي منه، مما يقود إلى زيادة مرونة الحكومة في رسم السياسات النقدية والمالية بعيداً عن شروط الدول والمؤسسات الخارجية المانحة للديون".
ويتابع، "فضلاً عن تعظيم الثقة في الاقتصاد الوطني ويشكل نقطة جذب ومناخ أعمال أفضل للمستثمرين ذلك لانخفاض مخاطر الاقتصاد، ويؤدي في الوقت نفسه إلى تحسين التصنيف الائتماني للبلاد".
أما على صعيد الدين العام الداخلي، فأنه وفق صالح "يؤدي إلى تخفيف الضغط على التمويل المصرفي لكي تتفرغ المصارف إلى منح القروض إلى القطاع الخاص، فضلاً عن انخفاض التنافس بين الحكومة والسوق على سعر الفائدة".
ويوضح، "غالباً ما ترتفع الفائدة المصرفية المتاحة للقطاع الخاص مع ارتفاع الديون السيادية المحلية بسبب عامل الضغط على السيولة والائتمان المصرفي، وهو ما يسمى (بالإزاحة - وهي ظاهرة تحدث عندما يؤدي الإنفاق الحكومي من خلال الدين أو الاقتراض العام الكبير إلى تقليص أو (إزاحة) الاستثمار أو الإنفاق الخاص في الاقتصاد)".
ويؤكد صالح، أن "انخفاض ما تخصصه الحكومة من موازنتها للفوائد وسداد الأقساط، سيحرر بلا شك موارد إضافية للإنفاق على البنية التحتية، والتعليم، والصحة وغيرها، في برامج تحافظ على الإنفاق المنضبط (غير التقشفي) ويتناسب ومبادئ الحوكمة المالية في البرنامج الحكومي وخطة التنمية الوطنية 2024-2028".
إجراءات خفض الديون
ومن إجراءات خفض الديون ودلالاتها، يقول الخبير المالي والاقتصادي، صفوان قصي، إن "تصفير الديون الداخلية تحتاج إلى اتخاذ وزارة المالية إجراءات لتسديد هذه الفاتورة للأطراف الدائنة بشكل انسيابي".
ومن ذلك، يوضح قصي لوكالة شفق نيوز، "من خلال نقل ملكية جزء من عقارات الدولة، بإصدار أسهم عقارية لتلك الموجودات وتحويل ملكية هذه الأسهم إلى الجهات الدائنة، لتصفير الديون، وعدم تكبيد الموازنة الاتحادية فوائدها التراكمية".
ويؤكد، أن "هذا الحل يمكن أن يساهم في زيادة المرونة المالية لدى وزارة المالية لاحقاً في تغطية العجز من خلال الاقتراض الداخلي".
أما الديون الخارجية، فهي بحسب قصي "محدودة وطويلة الأجل وبفوائد مخفضة، وعملية تصفيرها يتم من خلال وضع مجموعة من البدائل لوزارة المالية للإسراع في تسديدها مما يساهم في تحسين نظرة البيئة الاستثمارية الدولية للاقتصاد العراقي".
ويبين، "كلما قلت أعباء الفوائد وتصفرت الديون الداخلية والخارجية، كلما اطمأن المستثمرون بأن العراق قادر على تغطية تكاليف الاستثمار واعطاء العوائد المناسبة لتلك الاستثمارات".
ويطمئن قصي، أن "الديون الخارجية ليست قلقة أو خطرة، كما أنها ليست مرتفعة، إذ تسمح المؤشرات العالمية بالاقتراض الداخلي والخارجي لكي يبلغ 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ورغم ذلك يجب عدم تكبيد الأجيال المقبلة بمثل هذه الديون، خاصة وأن العراق يمتلك موارد متنوعة يمكن استثمارها بشكل يؤدي إلى تصفير هذه الديون".
فوائد معرقلة بالفساد
بدوره، ينوه الخبير الاقتصادي، كريم الحلو، إلى أن "أغلب دول العالم هي مديونة للداخل أو للخارج، سواء من البنوك الدولية أو صندوق النقد الدولي وما شاكل ذلك".
ويوضح الحلو لوكالة شفق نيوز، أن "أعلى دين في العالم هو الدين الأمريكي، إذ يتجاوز الدين الداخلي للحكومة الأمريكية 36 ترليون دولار، وهذه نقطة ضعف، كما أن ألمانيا مديونة للداخل ترليوني يورو، لكن يبقى الدين الداخلي أقل ضرراً بكثير عن الدين الخارجي".
ويبين، أن "الدين الداخلي يكون بالعملة المحلية، لذلك يمكن مداورة الأموال وحل المشكلة، لكن الدين الخارجي عليه أرباح، وقد يستغل سياسياً ضد الدول التي تستدين".
وعن أهمية سداد الديون وانعكاسها على الاقتصاد وخاصة في العراق، يؤكد الحلو، أن "تسديد الديون الداخلية أو الخارجية، يمكن بعدها تحويل هذه الأقساط إلى الاستثمار في البنى التحتية والمشاريع التي يحتاجها العراق في الوقت الحالي، خاصة وأن هناك حاجة إلى ألف مشروع استراتيجي في قطاعات الغذاء والطاقة والنقل وغيرها".
ويشير إلى أن "تراجع الدين الداخلي أو الخارجي بالعراق يعني أن الدولة ومؤسساتها بدأت السيطرة على الكثير من الأمور، لكن يبقى الطريق طويلاً في ظل وجود الفساد الذي يعرقل مشاريع كثيرة من ناحية الفساد الإداري والرشوة والتحاصص والروتين والجهل المؤسساتي".
ومما يعزز هذا الانطباع وفق ما يقول الحلو في ختام حديثه، "ملاحظة صدور مئات القرارات الجيدة في مجلس الوزراء العراقي، لكن عندما تصل إلى التنفيذ في المحافظات تعرقلها أحزاب فاسدة مستغلة المناصب التي تستحوذ عليها، وبالتالي أغلب المناقصات والمشاريع الاستثمارية لا تُسلّم إلا بالرشوة، وهذا خلل كبير وسرطان ينهش في جسد البلاد".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رواتب كردستان.. صراع النفط والدستور
رواتب كردستان.. صراع النفط والدستور

موقع كتابات

timeمنذ 3 ساعات

  • موقع كتابات

رواتب كردستان.. صراع النفط والدستور

لا تزال أزمة الرواتب في إقليم كردستان العراق تُلقي بظلالها الثقيلة على أكثر من مليون موظف ينتظرون شهرياً وصول مستحقاتهم في مواعيد غير منتظمة، وسط حالةٍ من الترقب والتوتر العام، وبينما تُطرح تفسيراتٌ متباينة لتأخر الرواتب، فإن فهم الأسباب الحقيقية يتطلب النظر إلى عمق الأزمة لا إلى سطحها المالي فقط. في جوهر المشكلة تقف الخلافات السياسية المستمرة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة الإقليم في أربيل، وهي خلافاتٌ متجذرةٌ منذ سنواتٍ طويلة، تتعلق بالثقة المتآكلة بين الطرفين، إشكالات السيادة، تقاسم الموارد، وتفسير مواد الدستور، وكل ذلك ينعكس على ملفاتٍ يومية تمس حياة المواطنين وأبرزها ملف الرواتب. أحد أهم أسباب التأخير يعود إلى النزاع المزمن حول إدارة الموارد النفطية، فبينما ترى بغداد أن الإقليم لا يحق له تصدير النفط بشكل منفرد دون العودة إلى الحكومة الاتحادية، تؤكد أربيل على حقها في إدارة مواردها وفق ما ترى انه 'خصوصيةٌ دستوريةٌ لأربيل' وقد انعكس هذا الخلاف على الالتزام المالي، إذ تطالب بغداد بتسليم كامل إيرادات النفط وغير النفط من قبل الإقليم كشرطٍ لتحويل حصته من الموازنة الاتحادية في حين ترد أربيل بأن بغداد تماطل في تحويل الأموال حتى عند الالتزام بجزء من الاتفاقات، ما يجعل العلاقة المالية بين الطرفين محكومة بالشد والجذب لا بالتفاهمات المستقرة. إلى جانب ذلك، هناك اتهاماتٌ متبادلةٌ بعدم الالتزام ببنود الموازنة الاتحادية، بغداد تتحدث عن تجاوزاتٍ مالية من قبل الإقليم تفوق حصته الرسمية المقدرة بنسبة 12.67%، أي ما يعادل 13.547 تريليون دينار عراقي سنوياً، أما أربيل فتعتبر أن هذه النسبة لا تكفي لتغطية التزاماتها تجاه موظفيها خصوصاً مع ارتفاع عدد الموظفين وكلفة الرواتب العالية نسبياً في الإقليم، مقارنةً بباقي المحافظات. شق الرواتب من الأزمة ليس أقل حدة، فالإقليم يعاني من اعتمادٍ كبيرٍ على التحويلات المالية القادمة من بغداد، مع ضعفٍ في الإيرادات المحلية، وعدم وجود قاعدةٍ صناعيةٍ أو إنتاجية تغني عن الاعتماد على النفط، كما أن انخفاض أسعار النفط عالمياً في فتراتٍ متعددة، إضافةً إلى الضغوط الدولية والعقوبات التي أثرت على العراق ككل، قلصت من قدرة الحكومة المركزية على الالتزام بجداول الرواتب وخلق ضغطاً مضاعفاً على الإقليم. ولا يمكن إغفال غياب الآليات المشتركة والشفافة في إدارة الملف المالي، فحتى اللحظة، لا توجد قاعدة بياناتٍ موحدة أو نظام رقابةٍ ماليةٍ مشترك بين بغداد وأربيل، يُحدد بدقةٍ عدد موظفي الاقليم، أو آليات الصرف، أو حجم الإيرادات الفعلية، هذا الفراغ الرقابي فاقم من حجم الاتهامات وأضعف ثقة الطرفين ببعضهما البعض في ظل اتهاماتٍ متبادلةٍ بالتلاعب بالأرقام والبيانات. وتضاف إلى هذه الأسباب الظروف الأمنية التي مر بها العراق خلال العقد الأخير، من اجتياح تنظيم داعش لمدنٍ واسعة إلى التوترات الإقليمية المحيطة وانعكاساتها على الاقتصاد العراقي، وقد ساهمت هذه العوامل في زيادة الإنفاق الأمني وتوسيع الفجوة بين المركز والإقليم خصوصاً في ظل استمرار الجدل حول تمويل قوات البيشمركة، التي تطالب أربيل بإدراج رواتبها ضمن الموازنة الاتحادية بينما تتحفظ بغداد على ذلك بدعوى غياب السيطرة الإدارية. إن تأخر الرواتب في كردستان العراق لا يُمكن حصره في مسألةٍ إداريةٍ أو ماليةٍ عابرة، بل هو نتيجة تراكماتٍ سياسيةٍ ودستوريةٍ واقتصادية لم يتم التعامل معها بجديةٍ على مدى سنوات، فالمشكلة لا تكمن في تحويل مبلغ هنا أو هناك، بل في غياب الاتفاق النهائي على قواعد الشراكة بين المركز والإقليم، ما يجعل أي أزمةٍ مالية قابلةٍ لأن تتحول إلى أزمة سياسيةٍ واجتماعية في أي لحظة. وما لم يُفتح حوارٌ وطنيٌ صريحٌ وجاد يعالج جوهر الخلاف فإن أزمة الرواتب ستبقى تتكرر ويظل المواطن البسيط هو من يدفع الثمن، مرةً في تأخير الراتب، ومرة في تأجيل الأمل.

رواتب كردستان.. صراع النفط والدستور!محمد النصراوي
رواتب كردستان.. صراع النفط والدستور!محمد النصراوي

ساحة التحرير

timeمنذ 5 ساعات

  • ساحة التحرير

رواتب كردستان.. صراع النفط والدستور!محمد النصراوي

رواتب كردستان.. صراع النفط والدستور! محمد النصراوي لا تزال أزمة الرواتب في إقليم كردستان العراق تُلقي بظلالها الثقيلة على أكثر من مليون موظف ينتظرون شهرياً وصول مستحقاتهم في مواعيد غير منتظمة، وسط حالةٍ من الترقب والتوتر العام، وبينما تُطرح تفسيراتٌ متباينة لتأخر الرواتب، فإن فهم الأسباب الحقيقية يتطلب النظر إلى عمق الأزمة لا إلى سطحها المالي فقط. في جوهر المشكلة تقف الخلافات السياسية المستمرة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة الإقليم في أربيل، وهي خلافاتٌ متجذرةٌ منذ سنواتٍ طويلة، تتعلق بالثقة المتآكلة بين الطرفين، إشكالات السيادة، تقاسم الموارد، وتفسير مواد الدستور، وكل ذلك ينعكس على ملفاتٍ يومية تمس حياة المواطنين وأبرزها ملف الرواتب. أحد أهم أسباب التأخير يعود إلى النزاع المزمن حول إدارة الموارد النفطية، فبينما ترى بغداد أن الإقليم لا يحق له تصدير النفط بشكل منفرد دون العودة إلى الحكومة الاتحادية، تؤكد أربيل على حقها في إدارة مواردها وفق ما ترى انه 'خصوصيةٌ دستوريةٌ لأربيل' وقد انعكس هذا الخلاف على الالتزام المالي، إذ تطالب بغداد بتسليم كامل إيرادات النفط وغير النفط من قبل الإقليم كشرطٍ لتحويل حصته من الموازنة الاتحادية في حين ترد أربيل بأن بغداد تماطل في تحويل الأموال حتى عند الالتزام بجزء من الاتفاقات، ما يجعل العلاقة المالية بين الطرفين محكومة بالشد والجذب لا بالتفاهمات المستقرة. إلى جانب ذلك، هناك اتهاماتٌ متبادلةٌ بعدم الالتزام ببنود الموازنة الاتحادية، بغداد تتحدث عن تجاوزاتٍ مالية من قبل الإقليم تفوق حصته الرسمية المقدرة بنسبة 12.67%، أي ما يعادل 13.547 تريليون دينار عراقي سنوياً، أما أربيل فتعتبر أن هذه النسبة لا تكفي لتغطية التزاماتها تجاه موظفيها خصوصاً مع ارتفاع عدد الموظفين وكلفة الرواتب العالية نسبياً في الإقليم، مقارنةً بباقي المحافظات. شق الرواتب من الأزمة ليس أقل حدة، فالإقليم يعاني من اعتمادٍ كبيرٍ على التحويلات المالية القادمة من بغداد، مع ضعفٍ في الإيرادات المحلية، وعدم وجود قاعدةٍ صناعيةٍ أو إنتاجية تغني عن الاعتماد على النفط، كما أن انخفاض أسعار النفط عالمياً في فتراتٍ متعددة، إضافةً إلى الضغوط الدولية والعقوبات التي أثرت على العراق ككل، قلصت من قدرة الحكومة المركزية على الالتزام بجداول الرواتب وخلق ضغطاً مضاعفاً على الإقليم. ولا يمكن إغفال غياب الآليات المشتركة والشفافة في إدارة الملف المالي، فحتى اللحظة، لا توجد قاعدة بياناتٍ موحدة أو نظام رقابةٍ ماليةٍ مشترك بين بغداد وأربيل، يُحدد بدقةٍ عدد موظفي الاقليم، أو آليات الصرف، أو حجم الإيرادات الفعلية، هذا الفراغ الرقابي فاقم من حجم الاتهامات وأضعف ثقة الطرفين ببعضهما البعض في ظل اتهاماتٍ متبادلةٍ بالتلاعب بالأرقام والبيانات. وتضاف إلى هذه الأسباب الظروف الأمنية التي مر بها العراق خلال العقد الأخير، من اجتياح تنظيم داعش لمدنٍ واسعة إلى التوترات الإقليمية المحيطة وانعكاساتها على الاقتصاد العراقي، وقد ساهمت هذه العوامل في زيادة الإنفاق الأمني وتوسيع الفجوة بين المركز والإقليم خصوصاً في ظل استمرار الجدل حول تمويل قوات البيشمركة، التي تطالب أربيل بإدراج رواتبها ضمن الموازنة الاتحادية بينما تتحفظ بغداد على ذلك بدعوى غياب السيطرة الإدارية. إن تأخر الرواتب في كردستان العراق لا يُمكن حصره في مسألةٍ إداريةٍ أو ماليةٍ عابرة، بل هو نتيجة تراكماتٍ سياسيةٍ ودستوريةٍ واقتصادية لم يتم التعامل معها بجديةٍ على مدى سنوات، فالمشكلة لا تكمن في تحويل مبلغ هنا أو هناك، بل في غياب الاتفاق النهائي على قواعد الشراكة بين المركز والإقليم، ما يجعل أي أزمةٍ مالية قابلةٍ لأن تتحول إلى أزمة سياسيةٍ واجتماعية في أي لحظة. وما لم يُفتح حوارٌ وطنيٌ صريحٌ وجاد يعالج جوهر الخلاف فإن أزمة الرواتب ستبقى تتكرر ويظل المواطن البسيط هو من يدفع الثمن، مرةً في تأخير الراتب، ومرة في تأجيل الأمل ‎2025-‎07-‎04

تراجع الدين العام العراقي.. هل يشير لنهضة اقتصادية؟
تراجع الدين العام العراقي.. هل يشير لنهضة اقتصادية؟

شفق نيوز

timeمنذ 6 ساعات

  • شفق نيوز

تراجع الدين العام العراقي.. هل يشير لنهضة اقتصادية؟

شفق نيوز – بغداد بدأت الحكومة العراقية، بخطوات لتقليص الدين الداخلي البالغ 85 ترليون دينار، والخارجي 54 مليار دولار، عبر خطة تعتمد على مزيج من الترشيد والسداد والهيكلة وتوسيع الإيرادات، فيما يتم التركيز بشكل خاص على الاقتراض المنتج فقط بدلاً من الاقتراض غير الفعال. ونتيجة لهذه الاستراتيجية، أظهرت إحصائية للبنك المركزي العراقي، أمس الخميس، انخفاض الدين العام الداخلي في نهاية شهر نيسان/أبريل من العام الجاري ليبلغ 85 ترليوناً و503 مليارات دينار عراقي، منخفضاً عن شهر آذار/مارس الذي بلغ 85 ترليوناً و536 مليار دينار. وأشارت الإحصائية الرسمية التي اطلعت عليها وكالة شفق نيوز، إلى أن "الانخفاض جاء نتيجة تسديد قروض المؤسسات المالية لتبلغ 19 ترليوناً و119 مليار دولار بعد أن كانت 19 ترليوناً و152 مليار دولار". وأوضحت، أن "الديون المتبقية هي بذمة وزارة المالية البالغة 756 مليار دينار، وديون الحوالات الخزينة لدى البنك المركزي والمصارف التجارية البالغة 51 ترليوناً و30 مليار دينار، إضافة إلى حوالات خزينة على حساب وزارة المالية بمقدار ترليونين، و30 مليار دينار، وديون الأجل الوطنية مستحقات الفلاحين بمقدار 12 ترليوناً و568 مليار دولار". أما الديون الخارجية، فقد كشفت إحصائية رسمية للبنك المركزي العراقي في 14 حزيران/يونيو الماضي، اطلعت عليها وكالة شفق نيوز، أن حجم الديون المترتبة على العراق في العام 2024 بلغت 54 ملياراً و601 مليون دولار، منخفضة بنسبة 2.94 % مقارنة بعام 2023، التي بلغت الديون فيها 56 ملياراً و207 ملايين دولار. ويوضح مختصون بالشأن المالي والاقتصادي، أن الديون الخارجية الواجبة الدفع خلال السنوات الأربع المقبلة هي بنحو 9 مليارات دولار، وهناك ديون خارجية بمبلغ مماثل تمتد لسنوات أطول تخص قروضاً طويلة الأجل من صناديق دولية لإعمار المناطق المحررة بالغالب. وأكد المختصون، أن نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي هو في النطاق الآمن لا يتعدى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعل العراق ضمن التصنيف الائتماني العالمي المريح والقليل المخاطر. ويشير المختصون، إلى أن العراق يمتلك موارد متنوعة يمكن استثمارها بشكل يؤدي إلى تصفير هذه الديون، مما يساهم في تعظيم الثقة في الاقتصاد الوطني وتحسين نظرة البيئة الاستثمارية الدولية للاقتصاد العراقي. ويوضح المختصون، أنه كلما تقللت أعباء الفوائد وتصفرت الديون الداخلية والخارجية كلما اطمأن المستثمرون بأن العراق قادر على تغطية تكاليف الاستثمار، وأن اعطاء العوائد المناسبة لتلك الاستثمارات سيقود بلا شك إلى تنويع مصادر الاقتصاد الوطني، خاصة وأن هناك حاجة إلى ألف مشروع استراتيجي في قطاعات الغذاء والطاقة والنقل وغيرها. "التعزيز المالي" وفي التفاصيل، يقول مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، إن "متلازمة انخفاض معدلات نمو الدين العام أو الحكومي مع انخفاض النمو في العجز السنوي في الموازنة يعد اتجاهاً يشكل واحداً من مقومات نجاح ومتانة السياسة المالية للبلاد ويطلق عليه بـ(التعزيز المالي)". "وهو هدف جوهري من أهداف البرنامج الحكومي، ويؤشر بلا شك التحول نحو تلازم جوهري آخر، وهو تلاحم الاستدامة المالية مع التنمية المستدامة"، بحسب صالح. ويضيف لوكالة شفق نيوز، أن "هذه النهضة في إدارة الموارد المالية العامة ستقود بلا شك إلى تنويع مصادر الاقتصاد الوطني وتحريك مفاصل النمو في أكثر من قطاع اقتصادي ضامن لرفاهية المجتمع العراقي ومستقبل التنمية فيه". وبناءً على ما تقدم، يوضح صالح، أنه "كلما انخفضت الديون، قلّ الاعتماد على الدائنين بكل مصادرهم ولاسيما الدين الخارجي منه، مما يقود إلى زيادة مرونة الحكومة في رسم السياسات النقدية والمالية بعيداً عن شروط الدول والمؤسسات الخارجية المانحة للديون". ويتابع، "فضلاً عن تعظيم الثقة في الاقتصاد الوطني ويشكل نقطة جذب ومناخ أعمال أفضل للمستثمرين ذلك لانخفاض مخاطر الاقتصاد، ويؤدي في الوقت نفسه إلى تحسين التصنيف الائتماني للبلاد". أما على صعيد الدين العام الداخلي، فأنه وفق صالح "يؤدي إلى تخفيف الضغط على التمويل المصرفي لكي تتفرغ المصارف إلى منح القروض إلى القطاع الخاص، فضلاً عن انخفاض التنافس بين الحكومة والسوق على سعر الفائدة". ويوضح، "غالباً ما ترتفع الفائدة المصرفية المتاحة للقطاع الخاص مع ارتفاع الديون السيادية المحلية بسبب عامل الضغط على السيولة والائتمان المصرفي، وهو ما يسمى (بالإزاحة - وهي ظاهرة تحدث عندما يؤدي الإنفاق الحكومي من خلال الدين أو الاقتراض العام الكبير إلى تقليص أو (إزاحة) الاستثمار أو الإنفاق الخاص في الاقتصاد)". ويؤكد صالح، أن "انخفاض ما تخصصه الحكومة من موازنتها للفوائد وسداد الأقساط، سيحرر بلا شك موارد إضافية للإنفاق على البنية التحتية، والتعليم، والصحة وغيرها، في برامج تحافظ على الإنفاق المنضبط (غير التقشفي) ويتناسب ومبادئ الحوكمة المالية في البرنامج الحكومي وخطة التنمية الوطنية 2024-2028". إجراءات خفض الديون ومن إجراءات خفض الديون ودلالاتها، يقول الخبير المالي والاقتصادي، صفوان قصي، إن "تصفير الديون الداخلية تحتاج إلى اتخاذ وزارة المالية إجراءات لتسديد هذه الفاتورة للأطراف الدائنة بشكل انسيابي". ومن ذلك، يوضح قصي لوكالة شفق نيوز، "من خلال نقل ملكية جزء من عقارات الدولة، بإصدار أسهم عقارية لتلك الموجودات وتحويل ملكية هذه الأسهم إلى الجهات الدائنة، لتصفير الديون، وعدم تكبيد الموازنة الاتحادية فوائدها التراكمية". ويؤكد، أن "هذا الحل يمكن أن يساهم في زيادة المرونة المالية لدى وزارة المالية لاحقاً في تغطية العجز من خلال الاقتراض الداخلي". أما الديون الخارجية، فهي بحسب قصي "محدودة وطويلة الأجل وبفوائد مخفضة، وعملية تصفيرها يتم من خلال وضع مجموعة من البدائل لوزارة المالية للإسراع في تسديدها مما يساهم في تحسين نظرة البيئة الاستثمارية الدولية للاقتصاد العراقي". ويبين، "كلما قلت أعباء الفوائد وتصفرت الديون الداخلية والخارجية، كلما اطمأن المستثمرون بأن العراق قادر على تغطية تكاليف الاستثمار واعطاء العوائد المناسبة لتلك الاستثمارات". ويطمئن قصي، أن "الديون الخارجية ليست قلقة أو خطرة، كما أنها ليست مرتفعة، إذ تسمح المؤشرات العالمية بالاقتراض الداخلي والخارجي لكي يبلغ 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ورغم ذلك يجب عدم تكبيد الأجيال المقبلة بمثل هذه الديون، خاصة وأن العراق يمتلك موارد متنوعة يمكن استثمارها بشكل يؤدي إلى تصفير هذه الديون". فوائد معرقلة بالفساد بدوره، ينوه الخبير الاقتصادي، كريم الحلو، إلى أن "أغلب دول العالم هي مديونة للداخل أو للخارج، سواء من البنوك الدولية أو صندوق النقد الدولي وما شاكل ذلك". ويوضح الحلو لوكالة شفق نيوز، أن "أعلى دين في العالم هو الدين الأمريكي، إذ يتجاوز الدين الداخلي للحكومة الأمريكية 36 ترليون دولار، وهذه نقطة ضعف، كما أن ألمانيا مديونة للداخل ترليوني يورو، لكن يبقى الدين الداخلي أقل ضرراً بكثير عن الدين الخارجي". ويبين، أن "الدين الداخلي يكون بالعملة المحلية، لذلك يمكن مداورة الأموال وحل المشكلة، لكن الدين الخارجي عليه أرباح، وقد يستغل سياسياً ضد الدول التي تستدين". وعن أهمية سداد الديون وانعكاسها على الاقتصاد وخاصة في العراق، يؤكد الحلو، أن "تسديد الديون الداخلية أو الخارجية، يمكن بعدها تحويل هذه الأقساط إلى الاستثمار في البنى التحتية والمشاريع التي يحتاجها العراق في الوقت الحالي، خاصة وأن هناك حاجة إلى ألف مشروع استراتيجي في قطاعات الغذاء والطاقة والنقل وغيرها". ويشير إلى أن "تراجع الدين الداخلي أو الخارجي بالعراق يعني أن الدولة ومؤسساتها بدأت السيطرة على الكثير من الأمور، لكن يبقى الطريق طويلاً في ظل وجود الفساد الذي يعرقل مشاريع كثيرة من ناحية الفساد الإداري والرشوة والتحاصص والروتين والجهل المؤسساتي". ومما يعزز هذا الانطباع وفق ما يقول الحلو في ختام حديثه، "ملاحظة صدور مئات القرارات الجيدة في مجلس الوزراء العراقي، لكن عندما تصل إلى التنفيذ في المحافظات تعرقلها أحزاب فاسدة مستغلة المناصب التي تستحوذ عليها، وبالتالي أغلب المناقصات والمشاريع الاستثمارية لا تُسلّم إلا بالرشوة، وهذا خلل كبير وسرطان ينهش في جسد البلاد".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store