
جون كاسيدي يؤرّخ للرأسمالية بلسان منتقديها
الفكرة المحورية التي يطرحها كاسيدي، الصحافي والكاتب الاقتصادي المخضرم في أسبوعية «ذا نيويوركر» على مدى 600 صفحة هي أن الرأسمالية، ورغم قدرتها الهائلة على التجديد والتكيف والبقاء، تعيش في حالة دائمة من الأزمات. فهي تتعافى من أزمة، أو تغرق في أزمة تالية. هذا المنظور يختلف عن السرد التقليدي الذي يركز على كفاءة الأسواق أو نجاحات النظام. وبدلاً من ذلك، يدعو القارئ إلى استكشاف جوهر الانتقادات الموجهة إلى الرأسمالية عبر تاريخها الطويل. ويرى أن المآخذ الأساسية على هذا النظام لأنه «عديم الروح، واستغلالي، وغير متكافئ، وغير مستقر، ومدمّر -ومع ذلك فإنه لا يقاوم ويجتاح كل شيء»، ظلت ثابتة بشكل ملحوظ على مر القرون، بغضّ النظر عن السياق الزمني أو الجغرافي.
يبدأ كاسيدي رحلته التاريخية الشاملة من أيام شركة الهند الشرقية وبدايات الثورة الصناعية، ليصل إلى الثورة الرقمية وتحديات الذكاء الاصطناعي اليوم، ويمخر عباب بحر التاريخ بعيون أعتى نقاد النظام الرأسمالي، مما يمنح سرديّة الكتاب حيوية وعمقاً نادرين.
يستعرض كاسيدي آراء مجموعة واسعة من النقاد، بدءاً من النساجين (اللوديين) الإنجليز الذين ثاروا ضد الأتمتة المبكرة للمصانع، إلى الاشتراكيين التعاونيين مثل وليام طومسون، مروراً بالماركسيين في ألمانيا وروسيا في أوائل القرن العشرين، ثم إلى حركات أكثر حداثة مثل دعاة الاقتصاد المحلي البسيط -المفكر كومارابا الهندي، و«فلاسفة نقد التبعية» في أميركا اللاتينية الذين حللوا آليات التخلف الاقتصادي في الجنوب العالمي، وحملة «أجور العمل المنزلي» الدولية في السبعينات التي كشفت عن العمل غير المرئي وغير المدفوع الأجر للمرأة، وصولاً إلى حركة «النمو الصفري» الحديثة التي تدعو إلى إعادة التفكير في نماذج النمو الاقتصادي اللامتناهي.
من المعالم القوية للنص قدرته على استنطاق نقد الرأسمالية بأبعد من الشخصيات التاريخية المعروفة في الفكر الاقتصادي وذلك عبر استدعاء شخصيات ربما تكون أقل شهرة، ولكن مساهماتها قد لا تقل أهمية. فإلى جانب المفكرين العمالقة مثل آدم سميث، وكارل ماركس، وروزا لوكسمبورغ، وجون ماينارد كينز، هناك استعراض لأفكار كارل بولاني -رأى أن السوق الحرة ليست ظاهرة طبيعية بل «يوتوبيا مصطنعة»، فالدولة هي من تُنتج شروطها، والمجتمع هو من يعود إليها ليطالب بالحماية- وفلورا تريستان -المناصرة الفرنسية للاتحاد العمالي العالمي في القرن التاسع عشر التي دعت إلى وحدة العمال وتحرر المرأة- وتوماس كارلايل -المفكر الاسكوتلندي المحافظ في القرن التاسع عشر، الذي تنبأ بالآثار الأخلاقية المدمرة للسوق على المجتمع، وانتقد «عبادة المال» و«العصر الميكانيكي عديم الروح»- وجون هوبسون -المنظِّر البريطاني الذي وضع الأساس لنظرية الإمبريالية، مؤكداً أن التوسع الاستعماري كان نتيجة حتمية للمشكلات الداخلية للرأسمالية، مثل نقص الاستهلاك- وج. سي. كومارابا -الداعية الهندي للاقتصاد الغاندي، الذي ركز على اللامركزية، والاكتفاء الذاتي للمجتمعات، والإنتاج المحلي بدلاً من الصناعات الكبرى- وإريك ويليامز -المؤرخ التريندادي، مؤلف أطروحة الربط بين الرأسمالية وصعود تجارة الرقيق- وجوان روبنسون -أستاذة الاقتصاد البريطانية من جامعة كمبردج، وناقدة كينز التي وسَّعت من أفكار الأخير حول البطالة والتضخم- وسمير أمين -الخبير الاقتصادي الفرنسي/المصري اليساري الذي قدم تحليلات عميقة حول العولمة، والتبعية، والتنمية غير المتكافئة في العالم الثالث.
وهذا التنوع في الشخصيات يُظهر أن نقد الرأسمالية لم يكن حكراً على تيار فكري واحد، بل كان ظاهرة عالمية متعددة الأوجه، تنبع من خلفيات آيديولوجية مختلفة، من اليسار الثوري إلى المحافظين الثقافيين.
انطلاق كاسيدي من الانتقادات، لا يعني تجاهله قدرة الرأسمالية المتأصلة على التكيف وإعادة اختراع نفسها، ويظهر في الكتاب كيف أن نظاماً رأسمالياً بلا حدود كثيراً ما يميل إلى الفشل. ومع ذلك، فإن الرأسمالية تُظهر موهبة هائلة على التكيف مع الظروف التاريخية من أجل البقاء. ففي كل مرة واجهت فيها أزمة كبرى، تدخلت الدولة -على عكس الأرثوذكسية الليبرالية التي تنادي بالحد الأدنى من التدخل- لإنقاذ النظام من الانهيار. وهذا التدخل، كما يرى كاسيدي، هو ما يميز الرأسمالية بأنها «مُدارة» وليست «حرة في المطلق». ولعل أبرز استنتاجات الكتاب في هذا الإطار أن النظام الرأسمالي لا يتغير إلا تحت وقع الأزمات. فالأزمة المالية في 1857 دفعت ماركس وإنغلز إلى التفاؤل بسقوط النظام، والكساد الكبير أنتج دولة الرفاه الكينزية، وانهيار الاتحاد السوفياتي مهّد لهيمنة النيوليبرالية، أما أزمة 2008، التي كان من المفترض أن تدفع باتجاه يسار جديد، فقد أفرزت صعوداً شعبوياً يمينياً.
وفي جزء مثير من نص الكتاب، يناقش كاسيدي فشل النماذج غير الرأسمالية في الظهور على نطاق واسع. لماذا لم يتحقق حلم الاشتراكية التعاونية أو الاقتصاد المحلي اللامركزي؟ وأحد الأجوبة التي يُقدّمها هو أن الرأسمالية تملك تفوقاً تقنياً وتنظيمياً يصعب تجاوزه: فاعلية الإنتاج، وميزات اقتصاد الحجم الكبير، وجاذبية الاستهلاك، والتفوق السردي الذي يُحوّل السوق إلى وعد بالتحرر الفردي.
يتساءل كاسيدي عن مدى تأثير هؤلاء نقاد الرأسماليّة في تغيير النظام، ويجيب بأن تأثيرهم كان «هامشياً» بمعنى أن التغييرات الاجتماعية الكبيرة لا يقودها الأكاديميون فقط، بل الحركات السياسية والظروف المادية. ومع ذلك، هو يؤمن بأن «الأفكار مهمة». ويستشهد بمقولة ميلتون فريدمان بأن «دور الأكاديميين هو الحفاظ على الأفكار حية حتى يُنتج العالم الفرصة لتطبيقها». فالأفكار التي بدت هامشية في وقتها، مثل أفكار كينز أو فريدمان نفسه، أصبحت مؤثرة بشكل هائل عندما تغيَّرت الظروف. هذا يعني أن كتاب «رأس المال ونقاده» ليس مجرد تأريخ للنقد بحق الرأسمالية، بقدر ما هو دعوة للتأمل بقوة الأفكار في تشكيل المستقبل.
في خواتيم رحلته يطرح تساؤلات حول ما قد يكون عليه «النموذج الاقتصادي الجديد» في ظل صعود الذكاء الاصطناعي. هل سنشهد رأسمالية تكنولوجية احتكارية مدعومة بدخل أساسي شامل لكل المواطنين يُبقي الجماهير في حالة خدر استهلاكي؟ أم رأسمالية الدولة على النموذج الصيني؟ أم «قومية ترمب الاقتصادية اليمينية الشعبوية»؟ أم ربما بديلاً من اليسار لم يتضح بعد؟ وهو لا يقدم أي إجابات حاسمة، ولكنه يستنتج أن «الأسئلة الأساسية حول النظام لم يتم حلها بشكل دائم أبداً»، وأن هذا العالم يعيش في «خضمّ لحظة تحوّل كبرى».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
القيادة تهنئ رئيسي منغوليا وكيريباتي
بعث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، برقية تهنئة، لفخامة الرئيس خوريلسوخ أوخنا، رئيس منغوليا، بمناسبة ذكرى اليوم الوطني لبلاده. وأعرب الملك المفدى، عن أصدق التهاني وأطيب التمنيات بالصحة والسعادة لفخامته، ولحكومة وشعب منغوليا الصديق اطراد التقدم والازدهار. كما بعث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، برقية تهنئة، لفخامة الرئيس تانيتي مامو رئيس جمهورية كيريباتي، بمناسبة ذكرى يوم الاستقلال لبلاده. وأعرب الملك المفدى، عن أصدق التهاني وأطيب التمنيات بالصحة والسعادة لفخامته، ولحكومة وشعب جمهورية كيريباتي الصديق اطراد التقدم والازدهار. من جهته بعث صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، برقية تهنئة، لفخامة الرئيس خوريلسوخ أوخنا، رئيس منغوليا، بمناسبة ذكرى اليوم الوطني لبلاده. وعبر سمو ولي العهد، عن أطيب التهاني وأصدق التمنيات بموفور الصحة والسعادة لفخامته، ولحكومة وشعب منغوليا الصديق، المزيد من التقدم والازدهار. كما بعث صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، برقية تهنئة، لفخامة الرئيس تانيتي مامو رئيس جمهورية كيريباتي، بمناسبة ذكرى يوم الاستقلال لبلاده. وعبر سمو ولي العهد، عن أطيب التهاني وأصدق التمنيات بموفور الصحة والسعادة لفخامته، ولحكومة وشعب جمهورية كيريباتي الصديق المزيد من التقدم والازدهار.


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
المرأة السعودية في صدارة المشهد
في عمق التحولات التي يعيشها المجتمع السعودي اليوم، تبرز المرأة السعودية كعلامة فارقة في مشهد التغيير والتقدم. لقد مرت المرأة برحلة طويلة، كانت فيها تتنقل بصمت بين أدوارها العائلية والمجتمعية، حتى خرجت إلى الضوء، فلم تعد المرأة اليوم كما كانت تُصوَّر في الأمس، فقد أصبحت تمثل القوة الناعمة التي تصنع الفرق، وتقود بعقل، وتؤثر بصمت. حضورها لم يعد رمزيًا، بل جوهريًا، متغلغلًا في مفاصل المجتمع، وضروريًا لكل نهضة حقيقية. المشاركة في القرار والتنمية. خطت المرأة السعودية خطوات جريئة في مجال صنع القرار، فدخلت مجالس الشورى والإدارات، وأسهمت في وضع السياسات، وتقييم الأداء، ومتابعة المشاريع، وأصبحت من صناع الرؤية، وشريكة في صياغة مستقبل الوطن. ربما الأهم من كل إنجازاتها المهنية، هو قدرتها على إحداث تحول ثقافي داخل المجتمع نفسه. فقد أصبحت قدوة لابنتها، وداعمة لابنها، وصوتًا للتغيير داخل بيتها قبل أن تكون خارجه. إنها تبني جيلاً جديدًا من الوعي، لا بالخطاب فقط، بل بالممارسة اليومية والموقف المسؤول. ورغم الانفتاح الكبير الذي تعيشه المملكة، حافظت المرأة السعودية على توازن نادر بين الحداثة والأصالة. تمكينها لم يكن على حساب هويتها أو قيمها، بل جاء ليثبت أن القوة لا تُناقض الحياء، وأن الطموح لا يلغي الثبات على المبادئ. المرأة السعودية اليوم ليست مجرد رقم في سجلات التوظيف، أو وجهًا إعلاميًا للتمكين، بل هي فكرٌ يُبنى عليه، وطاقة يُعوّل عليها، وشريكة أصيلة في إعادة رسم ملامح المجتمع. إنها تؤكد في كل يوم أن حضورها لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية لا غنى عنها.


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
أبو المجد وأبو شقّة
في الشَّطر الأولِ من تعريفه بأحمد كمال أبو المجد، قالَ محمود الطناحي عنه إنَّه «من كبار المشتغلين بقضايا الإسلام». عبارة «قضايا الإسلام» عبارة تعوزها الدقة والتحديد. فكلمة «قضية» معناها مسألة تحتاج إلى إبانة وتوضيح. وإضافته كلمة «الإسلام» إلى جمعها، وهي كلمة «قضايا»، لم تبِن أو توضح ما هي «قضايا الإسلام»، أو ما هي مسائله المركزية التي تحتاج إلى مختص يتناولها بالعرض والبسط والبحث والدراسة. إن هذه العبارة «قضايا الإسلام» من دون تحديد زمني لها، الأقرب أنها تعني الأصول التي تقوم عليها الديانة الإسلامية. وهنا نكون أمام مشكلة أو مسألة فيها إشكال. فالإسلام ليس فيه علم شامل، اسمه «اللاهوت». وهو العلم المتوفر في الديانة المسيحية. ومن باب التقريب والتجوّز يمكن أن نقول إن العلم المقابل لعلم «اللاهوت المسيحي» في الإسلام، هو علم «الإلهيات الإسلامي»، أو علم «الكلام الإسلامي». وإن كان هذا ما يقصده محمود الطناحي، فالقارئ لكتابات أحمد كمال أبو المجد في الستينات وفي السبعينات، وإلى عام صدور كتابه «مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي، مع محاضرة عن التصحيف والتحريف» عام 1984، يعلم أنه لم يكتب شيئاً عن أصول الدين الإسلامي أو مقوماته. إن الدارج والمستعمل لدى الدارسين في مجال «الإسلاميات» هو عبارة «قضايا الإسلام المعاصر»، أو «دراسات الإسلام المعاصر». وهذا الاختصاص تسهم فيه حقول أكاديمية شتى. ومداره التعبيرات المتعددة للإسلام في العالم الحديث. ودراساته تبحث في العلاقة بين الإسلام ومجالات الحياة المعاصرة، بما في ذلك السياسة والثقافة والقضايا الاجتماعية. تشمل مجالاته الأساسية، السلطة الدينية والمجتمعات الإسلامية والدين والسياسة والفكر الإسلامي الحديث والإسلام والثقافة المعاصرة. وتشمل هذه المجالات المجتمعات المسلمة في الغرب. ومن الثمانينات انضم إلى هذه المجالات موضوعٌ جديدٌ؛ هو الأصولية الإسلاميَّة. مقالات أحمد كمال أبو المجد ابتداءً من عام 1976 في مجلة «العربي»، إلى صدور كتاب الطناحي، كانت تعنى - مباشرة أو مداورة - بتناول قضية محددة من «قضايا الإسلام المعاصر»، هي قضية التطرف الديني التي حملها الحراك الإسلامي بمصر في مطلع السبعينات الميلادية، وكانت أول نازلة فيها اقتحام الكلية الفنية العسكرية عام 1974. وكان أحمد كمال أبو المجد يتناول هذه القضية بتأمل نقدي، رقيق وعطوف، بغية إقناع أبناء التيارات الإسلامية في مصر وفي غير مصر، بالجنوح إلى الاعتدال والرشدانية والعقلانية. بعيد صدور كتاب محمود الطناحي، صدر لأحمد كمال أبو المجد ضمن سلسلة «كتاب العربي»، كتاب «حوار لا مواجهة: دراسات حول الإسلام والعصر». هذا الكتاب الذي صدر في 15 أبريل (نيسان) 1985، جمع لمقالات منشورة في مجلة «العربي» من بداية كتابته فيها. وهو من كتب «تنویر» الإسلاميين المعدودة في المنتصف الأخير من الثمانينات الميلادية، وفي سنوات من عقد التسعينات الميلادية. حوار «التنوير» الذي خاضه مع الإسلاميين - والذي لم يشأ له أن يكون معركة معهم - خاضه من وقت مبكر من منظور إسلامي ليبرالي، فتاريخه - كما ترون - يعود إلى منتصف السبعينات الميلادية. وقد اختار أن يكون مكانه مجلة ذائعة في العالم العربي، هي مجلة «العربي»، التي كان مأذوناً لها بدخول كل البلدان العربية منذ نشأتها، والتي يشترك في الإقبال عليها خاصة القراء وعامتهم. إن الإشارة في التعريف به إلى أنَّه ذو اتجاه إسلامي مستنير، إشارة مهمة، فالمستنيرون والمنوّرون في الإسلاميين في وقت صدور كتاب الطناحي، كانوا قلة وأقلية في اتجاه مغمور بالظلاميين. إنَّ التعريف بكاتب أو دارس يكون بما يتمايز به عن غيره، من زملائه في الاتجاه أو رفاقه الحزبيين. استشعرت بغياب هذه الناحية - أيضاً - حين عرّف بمحمد رشاد سالم. ما يتمايز به محمد رشاد سالم عن أبناء جيله من جماعة الإخوان المسلمين، أنه في الجامعة درس الفلسفة، وتخصص في الدراسات العليا بالفلسفة الإسلامية. وتمايز عنهم بأنه اتجه إلى صنعة التحقيق، وإن كان اتجاهه هذا قصره على تراث ابن تيمية. فمن المفارقات أن الإسلاميين عموماً - إذا ما استثنينا اسم المحقق عبد البديع صقر - لم يتجهوا إلى تحقيق التراث الديني الإسلامي إلا في وقت متأخر من القرن الماضي! استكمالاً لمناقشة الطناحي في قوله: «هؤلاء هم شباب مصر في تلك الأيام، وكلهم الآن خارج مصر»، حين عرّف بأربعة من أعضاء «لجنة الشباب المسلم»، استأنف المناقشة بثالث المعرف بهم، وهو جمال الدين عطية. جمال الدين عطية تعرض للسجن في سجنة الإخوان المسلمين الأولى، ولم يتعرض له في عهد رجال الثورة. ربما لأنه هاجر إلى الكويت للعمل في سلك المحاماة. وقد فضل العيش خارج مصر، متنقلاً بين بلدان مختلفة، ربما لأنه - كما تقول مروية الإخوان المسلمين عنه - كان من شبابه ينتقل من نجاحات إلى نجاحات جديدة. وأختم المناقشة برابعهم، عبد الحليم محمد أحمد الذي عرّف به الطناحي، بأنه صاحب مكتبة دار القلم بالكويت. أذكر في قراءتي الأولى لما كتبه الطناحي عن «لجنة الشباب المسلم» في كتابه «مدخل إلى نشر التراث العربي...»، أنني كنت أجهل هذا الاسم، ومع قراءتي تالياً لما كتبه عبد المجيد دياب عنها في كتابه «تحقيق التراث العربي: منهجه وتطوره»، وتدقيقي في سرقته من الطناحي، كان مما لفت نظري في سرقته قوله في تعريفه بهذا الاسم: «أحد الذين توفروا على استخراج فكر ابن تيمية وإبراز كنوزه، وخرّج (!) له جزأين (!) من (منهاج السنة النبوية)، وصاحب مكتبة القلم بالكويت»، فهو اجتزأ من تعريف الطناحي بمحمد رشاد سالم وصاغه بركاكة لغوية، واستعمله في التعريف بعبد الحليم محمد أحمد! خطؤه هذا استحثني على معرفة من هو عبد الحليم محمد أحمد. بعد البحث عمن هو صاحب هذا الاسم من خلال اسمه الثلاثي، عرفت أنه هو المشهور باسم عبد الحليم أبو شقة. أبو شقة صحيح أنه سجن لمدة وجيزة في عهد رجال الثورة، لكنه هو الذي اختار أن يقيم لعقود طويلة خارج مصر. وللحديث بقية.