
تأملات في حكمة الله
إن من تمام الإيمان، أن توقن في قلبك أن تدبير الله لك خير من تدبيرك لنفسك، وأنه يعلم وأنت لا تعلم، ويرحم وأنت لا تبصر، ويعطي ويمنع لحكمة، ويبتلي ويبتسم بلطفه في كل ما يقضي.
الثقة بالله.. ثمرة اليقين والرضا، فالمؤمن حين يرضى بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد ﷺ نبيا، فإنه يسلم قلبه لتدبير الله، فيعيش مطمئنا، راضيا، ساكنا، ولو كان في عين العاصفة.
تأمل في قصة موسى والخضر عليهما السلام.. مشاهدها الثلاثة تختصر فلسفة القضاء والقدر:
٭ السفينة التي خُرقت: كانت كسرتها ابتلاء مؤقتا لدفع بلاء أعظم.
٭ الغلام الذي قُتل: ظاهره شر، وباطنه رحمة بالأبوين وبالغلام ذاته.
٭ الجدار الذي أُقيم: نعم مدخرة، أخفيت بلطف الله حتى يحين أوانها.
وما بين الكسر والقتل والبناء، تمشي الحكمة خفية، لا يراها إلا من نظر بعين الإيمان.
ومن ألطاف الله الخفية أن الله لا يبتليك دائما ليؤلمك، بل يبتليك لينقذك، ويدفع عنك ما هو أشد، وقد يمنع ليعطي، ويؤخر ليعجل، ويبهم الحكمة لتصفو القلوب باليقين.
ففي كل ابتلاء لطف، وفي كل منع عطاء، وفي كل قدر رحمة وإن خفيت:
ربما تأخر الزواج لأن في التعجيل فتنا لا تراها، وربما حرم الإنسان من وظيفة ظنها خيرا، وفيها ما يفسد دينه أو قلبه، وربما أغلقت أبواب، لتفتح أبواب لم تخطر له على بال، وربما حرم من تخصص كان يحلم به، ويسعى له، وخطط بكل ما أوتي من عقل وجهد لأجله.. ثم يغلق الباب فجأة.
تظن أنها خسارة، وتشعر بالخذلان، وقد تعتب على القدر أو تجهل الحكمة.. لكن ما لا تراه الآن، سيريه لك الله يوما، وستقول حينها من أعماق قلبك:
«الحمد لله أن الأمر لم يتم».
فما اختاره الله لك، خير مما كنت تختاره لنفسك، وإن لم تفهمه الآن، لكن ثق أن الخير لا يختبئ فقط فيما نحب، بل كثيرا ما يسكن في قرارات لم نخترها.
إن منطق السماء.. لا يقاس بمنطق الأرض.
قال ابن القيم رحمه الله:
«مصلحة العبد فيما يكره، أكثر منها فيما يحب، وكثير من محبوباته تحمل في داخلها أسباب هلاكه، وكثير من مكروهاته تحمل له مفاتيح السعادة».
إنك لا ترى من المشهد إلا طرفه، أما الحكيم الخبير، فيرى المآلات والنهايات، ويدبر الأمر كله لطفا ورحمة، حتى قال بعض السلف: «لو كشف الحجاب، ما اخترنا إلا ما اختاره الله لنا».
إن الرضا بالله هو جنة المؤمن في الدنيا، من دخلها فقد ذاق طعم الإيمان، وعاش في سكينة لا تشبهها سكينة.
فإن ضاقت بك الدنيا، أو نزل بك ما تكره، فقل بثقة وطمأنينة:
«اللهم اختر لي، فأنت أعلم وأرحم وأحكم».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأنباء
منذ 9 ساعات
- الأنباء
«التعليم العالي»: إغلاق موقع التنسيق الإلكترونى للمرحلة الأولى للقبول بالجامعات
القاهرة - أحمد صبري أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إغلاق موقع التنسيق الإلكتروني للمرحلة الأولى لتنسيق الجامعات، واعتبار أمس السبت آخر أيام تسجيل رغبات طلاب المرحلة الأولى. وأهابت الوزارة في بيان قبيل اغلاق الموقع في تمام السابعة من مساء أمس، بجميع الطلاب الى سرعة تسجيل رغباتهم وعدم التأجيل، حتى لا يحرموا من فرص الترشح للكليات الدراسية المتاحة بالمرحلة الأولى. وأوضح د.جودة غانم، رئيس قطاع التعليم والمشرف على مكتب تنسيق القبول بالجامعات الحكومية والمعاهد، أن الطلاب الذين يتخلفون عن التسجيل خلال المدة المحددة للمرحلة الأولى سيتم تنسيقهم على الكليات المتبقية فقط في المرحلة التالية، وهو ما قد يقلل من فرص التحاقهم بالتخصصات التي يرغبون بها. وأكد د.عادل عبدالغفار المتحدث الرسمي باسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن موقع التنسيق الإلكتروني يعمل بكفاءة على مدار 24 ساعة، ويتاح من خلال الرابط التالي: كما تواصل معامل الحاسبات بالجامعات الحكومية تقديم الدعم الفني اللازم لمساعدة الطلاب على تسجيل رغباتهم بدقة وأمان.


الجريدة
منذ 14 ساعات
- الجريدة
أهلاً وسهلاً... ورحم الله الصينيين!
لهذا العنوان قصة طريفة في الموروثات اليمنية، فحواها أن امرأة من مدينة صنعاء تزوجت في بداية سبعينيات القرن الماضي برجلٍ من مدينة حجَّة - وتبعد حوالي 125 كيلومتراً عن الأولى- وكانت تشتاق لرؤية أهلها كثيراً، ونظراً لوعورة الطريق لم يكن باستطاعتها زيارتهم، أو باستطاعتهم زيارتها، بين الحين والآخر، ولكن عندما افتتحت طريق (صنعاء – عمران – حجَّة)، التي أنجزها الصينيون كانت أسرتها تزورها، وكانت تلتقيهم فرحةً وتقول: «أهلاً وسهلاً... ورحم الله الصينيين»، أي رحم الله الشهداء الصينيين الذين قضوا نحبهم في شق هذه الطريق الجبلية الوعرة وذات المخاطر الكبيرة. وقد احتفى كتاب «حصاد وزارة الأشغال العامة خلال عشرين عاماً (1962 – 1982م)» بذكر هذه الطريق، التي أنجز تخطيطها وتنفيذها فريق فني من جمهورية الصين الشعبية، حيث ابتدأ العمل فيها بشهر يناير 1975م، وتم الانتهاء منها في ديسمبر 1981م، وبلغت كلفتها حينذاك 218 مليون ريال يمني، لتعد أحد إنجازات الثورة اليمنية المهمة، فقد ربطت العاصمة صنعاء بمدينة النصر (حجَّة)، وتمَّ شقها عبر مناطق جبلية وعرة وفي غاية الصعوبة. ويصف هذه الطريق قبل شقها وتعبيدها الأستاذ شائف الحسيني في كتابه «رحلة الشوق والحنين»، بالقول: «كانت الطريق وعرة جداً، وكلما سار بنا (البابور– شاحنة كبيرة) مسافة تزداد وعورتها تباعاً، ويتمثل ذلك في عقباتٍ صاعدة، ومنحدراتٍ خطيرة، فقد كنت أشعر بالخوف والتوتر الشديد من أن ينزلق هذا البابور المتهالك ويودي بنا إلى وادٍ من تلك الوديان السحيقة التي نشاهدها يميناً ويساراً من فوق سطحه، فكانت رحلة مليئة بالمتاعب والعناء والخوف». وحقيقة هذه الطريق المرعبة مازالت حتى بعد تعبيدها مصدر قلقٍ لكل العابرين منها، وتحديداً في منطقة الخُذالي، حيث نُحتت من أصل الجبل. الجدير بالذكر أن الصينيين كانوا من أوائل الشعوب التي وقفت مع اليمن، حيث تركوا بصماتهم البيضاء في كل محافظاته، وبذلوا عرقهم ودماءهم، وحياتهم أيضاً، لاسيما في مشاريع الطرق – شريان الحياة – وكان أولاها طريق صنعاء – الحديدة، والتي لايزال يطلق عليها اليمنيون «الطريق الصينية»، ويبلغ طولها 231.46 كيلومتراً، وتم تنفيذها ابتداء من نوفمبر 1958م، وافتتحت في يناير 1962م، تحت إشراف وزارة المواصلات الصينية التي بعثت 519 شخصاً على التوالي إلى اليمن لمسح واختيار الخط، ووضعت تصميم الطريق، وبدأت الفرقة الصينية لخبراء الطرق العمل فيها في فبراير 1959م، وكانت هذه الطريق الأولى العامة التي بنتها الصين في منطقة غربي آسيا وشمال إفريقيا. ومن الصعب نسيان قصص التضحية وحُب العمل، والتحدي والمخاطرة، التي قدَّمها الأصدقاء الصينيون عند إنجازهم هذا المشروع الحيوي، وباستخدام أدواتٍ بدائية وأبسط مُعدات المسح والشق والسفلتة، ليخلد أسماء فنيي وعمال ومهندسي المشروع بأحرفٍ من نور في سجل التاريخ، ولن ينسى اليمنيون استشهاد المهندس العام للمشروع/ تشانغ تسي شيوا أثناء عمله، وهو في سن 39 عاماً، وتم دفنه مع أكثر من 60 شهيداً صينياً في مقبرة الشهداء الصينيين الواقعة في منطقة عصر– إحدى ضواحي العاصمة صنعاء – الذين وافاهم الأجل وهم يؤدون العمل في هذه الطريق، وقد تم عمل نصب تذكاري لذكراهم. * صحافي يمني


المدى
منذ 2 أيام
- المدى
البطريرك الراعي من إهدن: نحتاج اليوم عودة روحيّة ووطنيّة إلى بناء دولة تصان فيها الكرامة ويعلوها الدستور
ترأس البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي الذبيحة الالهية في كاتدرائية مار جرجس في إهدن لمناسبة مولد الطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي الاهدني. وقال في عظة ألقاها بعد الانجيل المقدس: وقعت دعوة المسيح هذه في قلب الطوباويّ اسطفان الدويهيّ، الذي تجمعنا هذا المساء، عشيّة ذكرى مولده في 2 آب 1630. لم تكن هذه الدعوة، بالنسبة إليه، عابرة، بل كانت دعوة حياة. الزهد هنا لا يعني انكار الذات لمجرّد التقشف، بل هو التحرّر من عبودية الأنا، والارتقاء الى حبّ الله من دون قيد. الزهد الحقيقي هو بداية السير على درب المسيح، حيث يصبح حَملُ الصليب طاعةَ محبّة، لا خضوعًا قاسيًا. الطوباوي البطريرك اسطفان زاهد بنفسه، وحمل صليبه، وتبع سيده بثبات في جميع مراحل حياته. يسعدني أن أحييكم جميعًا، وقد توافدتم من كل مكان، للاحتفال معنا بهذه الليتورجيا الالهية التّي نكرّم فيها ذكرى مولد الطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي، ابن هذه المدينة اهدن، منبتِ البطاركة العظام والاساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين العلمانيين، وأرضِ رؤساء الجمهوريات، ورجال الثقافة والسياسة والشأن العام. الطوباوي البطريرك كان لاهوتيًا متبحّرًا في العقيدة، كنسيًا في العمق، مؤرخًا دقيقًا،كاتبًا غزيرًا، ورجلًا يوازن بين الايمان والعقل، بين التقليد والتجدّد. وكان مربّيًا للاجيال، ورائدًا في الدفاع عن الهوية المارونية، ومقاومًا لكل محاولة تفتيتٍ أو تشويهٍ. عاش كاهنًا قديسًا، وأسقفًا ورعًا مثقّفًا، وبطريركًا مدبّرًا شجاعًا، فأعلنته الكنيسة طوباويًا، واليوم نواكب بالصلاة دعوى رفعه قديسًا فوق المذابح في كنائس العالم. وُلد في زمن الشدائد والانقسامات، فحمل شعلة الايمان والعِلم، وتربّى على التقوى والصلابة في الرؤية. عاش في روميه، وتثقّف في جامعاتها، لكنه ظلّ أمينًا لتراث كنيسته المارونية، وعاد ليصير أسقفًا وبطريركًا في أحلك الظروف، وراح يكتب ويحفظ ويدوّن، حتى صار حارس التاريخ واللاهوت والليتورجية في الكنيسة المارونيّة، حافظًا لتراثها، ومجددًا لليتورجيتها، ومؤسسًا لهويتها الحديثة. ان الكنيسة المارونية حين تقرأ سيرة قديسيها، لا تفعل ذلك لتذكرهم فحسب، بل لتستدعي حضورهم الحيّ، وتعيد تقديمهم كشفعاء وقدوة. ففي قداس اليوم، نرفع صلاتنا شاكرين الله على نعمة الدويهي، وملتمسين شفاعته من اجل كنيسة لبنان، وشعبنا المؤمن، ومؤسساتنا الروحية، ليبقى نورُ الايمان متقدًّا وسط ظلمات هذا الزمان. كيف نذكر الدويهي، ولا نتذكّر رسالته الوطنية؟ كيف نحتفل به وننسى انه كان رجل دولة بامتياز، يكتب الى قناصل الدول، ويرعى شعبه في زمن الفقر والاحتلال؟ لقد كان صوتًا حرًا في وجه القهر، وراعيًا جسورًا في زمن الانقسامات. كان يرى ان البطريركية المارونية ليست فقط مسؤولية كنسية، بل رسالة وطنية، وصوتًا للكرامة، وجسرًا للوحدة. من هذا الوادي المقدس الذي أنجب الدويهي، نرفع صلاتنا ليولد في لبنان اليوم رجال يعلون فوق الانقسامات، يحمون لبنان من شهوة السلطة، من جفاف الضمير، رجال يحكمون بالحقّ لا بالمصلحة، يقدمون المصلحة العامة، لا مصالحهم. نحن نحتاج اليوم عودة روحيّة ووطنيّة، إلى بناء دولة تصان فيها الكرامة، ويعلوها الدستور، ويكون فيها المسؤول راعيًا لا متسلّطًا، شريكًا لا خصمًا. هذا ما شهده التاريخ في وجه الدويهي، وما يجب أن نشهده اليوم في وجه كلّ مسؤول، في أي موقع كان. لقد حدّد لنا الطوباويّ البطريرك اسطفان الدويهي هوّيتنا وسالتنا. الهويّة هي فسيفساء الأديان والطوائف، أي الوحدة في التنوّع. أمّا الرسالة فهي العمل معًا من أجل إكمال قيام الدولة المدنيّة التي تفصل بين الدين والدولة، وتبقي قائمة العلاقة بين الدولة وعقيدة كلّ دين، وتجعل أساسها العدالة والمساواة واشراك مختلف المواطنين في مؤسّسات الدولة. وعلى هذا الأساس تعود الثقة بين جميع اللبنانيّين، وتكون المواطنة حجر الزاوية. فبدون هذه الثقة تبقى الريبة هي الأساس، ويقود الشكّ إلى أن يحتمي المواطنون بالطائفة لا بالدولة. أمّا تنقية الذاكرة فتبقى المدخل الأساس إلى الثقة بين المواطنين. فلنصلّ، أيّها الإخوة والأخوات، كي يشرق فجر جديد على لبنان، وعلى كنيستنا، وعلى عائلاتنا. نصلّي من أجل شرقنا الجريح، من فلسطين إلى سوريا والعراق، ومن أجل السلام في الأرض التي أحبّها الدويهي وكرّس حياته لأجلها. ونرفع نشيد المجد والتسبيح للآب والإبن والروح القدس، إلى الأبد، آمين.