
السيسي يحذر من تأثير الإرهاب والنزاعات المسلحة على استقرار أفريقيا
وقال السيسي خلال مشاركته في أعمال الدورة السابعة لاجتماع «القمة التنسيقي لمنتصف العام للاتحاد الأفريقي» في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية، الأحد، أن «القارة الأفريقية تشهد عديداً من التحديات الجيوسياسية المعقدة والمتشابكة، تستلزم تضافر الجهود لمواجهتها».
ووصل الرئيس المصري، السبت، إلى غينيا الاستوائية للمشاركة في الدورة السابعة لاجتماع القمة التنسيقي لمنتصف العام للاتحاد الأفريقي، الذي تقتصر المشاركة فيه عادة على بعض القادة الأفارقة، حسب بيان صحافي للرئاسة المصرية.
وتأسس «اجتماع التنسيق نصف السنوي» عام 2017، وهو اجتماع بين مكتب جمعية الاتحاد الأفريقي والجماعات الاقتصادية الإقليمية بمشاركة رؤساء الجماعات الاقتصادية الإقليمية ومفوضية الاتحاد الأفريقي والآليات الإقليمية، حسب معلومات الاتحاد الأفريقي.
وجاء حديث السيسي، في القمة، بصفته رئيس الدورة الحالية لـ«القدرة الإقليمية لإقليم شمال أفريقيا»، وأشار إلى أهمية «تعزيز الآليات الإقليمية المعنية بحفظ السلم والأمن في أفريقيا»، عاداً القوة الأفريقية الجاهزة «ركيزة أساسية في منظومة السلم والأمن الأفريقي».
وتسلمت مصر مطلع هذا العام رئاسة قدرة إقليم شمال أفريقيا، وهي منظمة إقليمية، وأحد أجهزة القوة الأفريقية الجاهزة للاتحاد الأفريقي، وتهتم بتعزيز السلم والأمن والاستقرار في القارة، وتضم في عضويتها مصر وليبيا والجزائر وتونس وموريتانيا.
الرئيس المصري في قمة منتصف العام للاتحاد الأفريقي بغينيا الاستوائية (الرئاسة المصرية)
وعدَّ الرئيس المصري أن «تنفيذ مكونات القوة الأفريقية الجاهزة لدعم جهود الوقاية من النزاعات والاستجابة السريعة للأزمات وحفظ وبناء السلام، يتطلب تنسيقاً وثيقاً مع مفوضية الاتحاد الأفريقي ومختلف الأقاليم الجغرافية»، مؤكداً التزام بلاده بدعم قدرة إقليم شمال أفريقيا في إطار «اهتمامها بتفعيل منظومة السلم والأمن الأفريقي»، وفي إطار «ريادة مصر في ملف إعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات».
وفي كلمة ثانية، تحدث الرئيس المصري، باعتباره رئيساً للجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات الوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقي (النيباد)، عن أن «العديد من الدول الأفريقية نجحت في تحقيق معدلات نمو فاقت المعدلات العالمية، رغم كثرة التحديات والأزمات التي تتعرض لها القارة داخلياً وخارجياً».
وتسلمت مصر في فبراير (شباط) 2023 رئاسة اللجنة التوجيهية لوكالة «النيباد» لمدة عامين.
ووفق السيسي، فإن دولاً أفريقية «قطعت شوطاً طويلاً في التعامل مع التحديات، بدءاً بتطوير النظم الصحية والتعليمية، وتوطين الصناعات الحيوية، وتحسين مناخ الاستثمار، وتعزيز التجارة البينية، وإحراز تقدم في تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية».
وعدد الرئيس المصري جهود رئاسة بلاده للجنة التوجيهية الخاصة بـ«النيباد»، منها «إعداد دراسة الجدوى الخاصة بإنشاء صندوق التنمية التابع للوكالة، تنفيذاً لتكليف القمم الأفريقية المتتالية»، وذلك بهدف «حشد التمويل التنموي في القارة»، إلى جانب «الإسراع في حشد تمويل بنحو 500 مليون دولار لمشروعات البنية التحتية»، إضافة إلى «إطلاق مبادرات في مجالات التعليم والصحة، بينها تأمين 100 مليون دولار لمبادرة المنحة السكانية الأفريقية، وتوفير 100 مليون يورو لدعم المشروعات في مبادرة المهارات الأفريقية، بالتزامن مع الاستثمار المكثف في مجال التحول الرقمي».
ومن بين جهود «النيباد»، في مواجهة ظاهرة تغير المناخ، أشار السيسي إلى «الإسراع بتدشين مركز التميز التابع للوكالة»، وقال إنه «يتطلع لافتتاحه وبدء نشاطه من القاهرة للتعامل مع تحدي التغير المناخي».
السيسي خلال مشاركته في قمة منتصف العام للاتحاد الأفريقي بغينيا الاستوائية (الرئاسة المصرية)
وتستهدف مصر من مشاركتها الرفيعة في قمة منتصف العام للاتحاد الأفريقي «تعزيز التكامل الاقتصادي، وتحقيق الأمن والاستقرار بأفريقيا»، حسب عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير صلاح حليمة، وأشار إلى أن «الدور المصري في هذه الملفات في تنامٍ مستمر، لا سيما في ضوء رئاسة القاهرة لوكالة (النيباد)، وآلية قدرة إقليم شمال أفريقيا».
ويتوقف حليمة أمام ما تضمنته كلمة السيسي من رسائل تستهدف التكامل والتعاون في مواجهة التحديات الاقتصادية والتنموية بأفريقيا، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «من أولويات الدور المصري في أفريقيا تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية، عبر دعم البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية، وتعزيز التجارة البينية وتحسين مناخ الاستثمار».
وساهمت القاهرة بدور أساسي في إطلاق «منطقة التجارة الحرة الأفريقية» بعد دخولها حيز التنفيذ خلال الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي عام 2019، وترأس السيسي أول قمة استثنائية للاتحاد الأفريقي والتجمعات الاقتصادية الأفريقية في يوليو (تموز) 2019 بعاصمة النيجر (نيامي).
و«تربط مصر بين جهود مواجهة التحديات الأمنية في أفريقيا والتنمية»، وفق حليمة، الذي قال إن «القاهرة تضع ملف السلم والأمن الأفريقي، من أولويات أجندتها القارية، وتعمل على تفعيل وتكثيف دور الاتحاد الأفريقي، في مواجهة التحديات الأمنية والنزاعات التي تشهدها بعض دول القارة».
الرئيس المصري خلال لقائه نظيره الأنغولي بغينيا (الرئاسة المصرية)
وعلى هامش مشاركته بقمة منتصف العام للاتحاد الأفريقي، ناقش السيسي، الأحد، مع نظيره الأنغولي، جواو لورينسو، «أوضاع السلم والأمن بالقارة الأفريقية، وسبل تثبيت دعائم الاستقرار في مختلف أنحاء القارة»، إلى جانب «ملفات القرن الأفريقي والسودان والساحل الأفريقي وحوض النيل»، حسب إفادة للرئاسة المصرية.
وبحث الرئيس المصري سبل تعزيز العمل الجماعي على مستوى القارة الأفريقية، مع عدد من نظرائه الأفارقة، بينهم رؤساء غانا، وغينيا الاستوائية، وموريتانيا، والغابون، إلى جانب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، ووفق الرئاسة المصرية تناولت اللقاءات «سبل تعزيز التكامل القاري ودفع جهود التنمية وحفظ السلم والأمن بأفريقيا».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 2 ساعات
- الشرق السعودية
إسبانيا تختار "هواوي" لإدارة تسجيلات المكالمات رغم الحظر الأوروبي
أبرمت الحكومة الإسبانية عقداً بقيمة 12.3 مليون يورو (14.3 مليون دولار أميركي) مع شركة هواوي لإدارة وتخزين التسجيلات الهاتفية التي تأمر بها السلطات القضائية وتُستخدم من قِبَل قوات الأمن وأجهزة الاستخبارات في البلاد، وذلك رغم التحذيرات المتزايدة من احتمال خضوع الشركة الصينية لـ"ضغوط من بكين"، للمساهمة في أنشطة استخباراتية لصالحها. ومنحت وزارة الداخلية الإسبانية "هواوي" العقد رسمياً بعد عملية شراء حكومية اعتيادية. وينص العقد على أن تمتثل الشركة الصينية لإرشادات الأمن السيبراني الصادرة عن المركز الوطني للتشفير (CCN-STIC)، حسبما ذكرت صحيفة The Objective الإسبانية. ووفقاً للصحيفة الإسبانية، فإن نظام هواوي المستخدم هو OceanStor 6800 V5، عبارة عن خط من خوادم التخزين عالية الأداء يُستخدم لحفظ وتصنيف الاتصالات التي يتم اعتراضها قانونياً من قبل قوات الأمن. وهذه ليست المرة الأولى التي تشارك فيها هواوي في أنظمة حساسة داخل إسبانيا، فقد قدمت الشركة دعماً تقنياً سابقاً ضمن أنظمة التنصت القانوني (SITEL)، ما أثار قلقاً متزايداً في صفوف الشرطة الوطنية والحرس المدني بشأن دور الشركة الصينية في إدارة أنظمة ذات طبيعة شديدة الحساسية. وكانت الشركة الصينية حصلت في وقت سابق على عقد لتقديم الدعم الفني لمنظومة SITEL (النظام المتكامل لاعتراض الاتصالات القانونية)، وهو النظام المستخدم في إسبانيا لاعتراض الاتصالات لأغراض أمنية وقضائية. "ضد التيار" وتُعد هذه الخطوة مثيرة للجدل في سياق أوسع من القيود المفروضة على شركة هواوي في عدد من الدول الغربية، حيث تم حظر الشركة من المشاركة في مشاريع شبكات الجيل الخامس (5G) داخل الاتحاد الأوروبي، كما فُرضت قيود متفاوتة في شبكات دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ورغم ذلك، أظهرت حكومة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز انفتاحاً أكبر تجاه الشركة الصينية مقارنة بباقي الحكومات الأوروبية. ووفقاً لتقارير إعلامية، يُعد سانشيز من أكثر الزعماء الأوروبيين دعماً لهواوي، فقد تصدّى لمحاولات داخل الاتحاد الأوروبي تهدف إلى تقييد مشاركة الشركة في البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس (5G). وتُعد هواوي، التي افتتحت مراكز أبحاث في العاصمة مدريد، من أبرز الموردين التقنيين للحكومة الإسبانية، حيث توفر خدمات تقنية لعدد من الإدارات العامة، ما يعزز من مكانتها كمشغل رئيسي داخل السوق الإسبانية. وفي تعقيبها على هذا التوجه، قالت ناتاشا باكلي، الباحثة في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) والمحاضِرة في الأمن السيبراني بجامعة كرانفيلد البريطانية، إن موقف إسبانيا تجاه الشركة الصينية يختلف جذرياً عن مواقف حلفائها في الناتو ومعظم دول الاتحاد الأوروبي. وأضافت: "النهج الإسباني في التعامل مع مورّدي التكنولوجيا ذوي المخاطر العالية يضع أولوية أكبر على موثوقية سلاسل الإمداد مقارنة بالاعتبارات الجيوسياسية، وهو ما يجعله مختلفاً عن السياسات الأكثر تقييداً والمعتمدة في دول مثل المملكة المتحدة وهولندا وبولندا". وأوضحت باكلي أن "أداة الأمن السيبراني الخاصة بشبكات الجيل الخامس التي أصدرها الاتحاد الأوروبي توصي بالحد من الاعتماد على مورّدين ذوي مخاطر مرتفعة مثل هواوي، إلا أن تنفيذ هذه التوصيات في إسبانيا لا يزال غير متّسق. ورغم أن هواوي مُستبعدة من بعض مشاريع 5G العامة، إلا أنه تم منحها الضوء الأخضر لتخزين بيانات التنصّت التابعة للشرطة، ما يعكس نهجاً يعتمد على كل حالة على حدة ويفتقر إلى سياسة واضحة تجاه الموردين مرتفعي المخاطر". ورغم الاتهامات الغربية المتكررة التي تربط هواوي بالحكومة الصينية، تُصرّ الشركة على أنها لم تُسجّل ضدها أي حالات لاكتشاف أبواب خلفية أو ثغرات في معداتها الخاصة بالاتصالات. وامتنعت الشركة عن التعليق عند الاستفسار منها بشأن مشاركتها في نظام التنصّت الإسباني. في المقابل، تتهم الحكومة الصينية الغرب باستخدام مزاعم أمنية ملفقة لتبرير إجراءات حمائية تهدف إلى تقييد النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي الصيني، معتبرة أن "القيود المفروضة على شركات مثل هواوي ما هي إلا تدابير تجارية محضة مغطاة بدوافع أمنية". وتأتي المخاوف الغربية في سياق تصاعد أنشطة التجسس السيبراني الهجومية التي تُتهم بها بكين، بالإضافة إلى قانون الاستخبارات الصيني الصادر عام 2017، والذي يُلزم بموجبه أي فرد أو كيان داخل الصين بالتعاون مع الأجهزة الأمنية متى ما طُلب منه ذلك. ووفقاً لما أورده المركز الوطني البريطاني للأمن السيبراني، فإن هذا القانون يُخوّل الدولة أن "تجبر أي شخص في الصين على القيام بأي شيء".


الشرق الأوسط
منذ 8 ساعات
- الشرق الأوسط
الإعلام... و«نظريات المؤامرة» في «حريق السنترال»
لقد شهدت مصر حادثاً خطيراً، الأسبوع الماضي، عندما اشتعلت النيران بقوة في «سنترال رمسيس»، وهو مبنى تاريخي وسط العاصمة المصرية، تتركز فيه نسبة كبيرة من طاقة الاتصالات و«الإنترنت»، إلى حد أنه يُوصف عن حق بأنه «عصب الاتصالات» في البلاد، منذ افتتاحه عام 1927. لا يمكن التقليل من آثار هذا الحادث المؤسف بطبيعة الحال؛ إذ ضرب «القلب النابض» للاتصالات القومية، وعطّل جوانب من الحياة، وأربك أخرى بشكل واضح، وقد امتد أثره إلى شبكات الهاتف الثابت والمحمول، كما أعاق عمل مرافق حيوية؛ مثل البنوك، وماكينات السحب الآلي، وبطاقات الدفع الإلكترونية، وأنظمة حجز الطيران والسكك الحديد، فضلاً عن الإضرار بحالة التداول في البورصة، وحرمان قطاعات واسعة من الجمهور من الوصول إلى شبكة «الإنترنت». ستُسارع الحكومة لاحقاً إلى محاولة إدراك أبعاد الأزمة، ثم ستعمل على إخماد الحريق، وإيجاد نقاط اتصال بديلة عوضاً عن تلك التي تم شلها، قبل أن تحاول تقييم الخسائر، وتعويض الضحايا، حيث تسبب الحريق في مقتل أربعة أشخاص، وإصابة 27 آخرين، فضلاً عن هؤلاء الذين انقطعت الخدمات الاتصالية عنهم، وتضررت أعمالهم. وبموازاة ذلك، ستجري أيضاً محاولة سياسية وعملية، لمراجعة الأخطاء، التي أدت إلى تفاقم تأثير هذا الحريق، وتحوله عنواناً رئيساً في التغطيات الإعلامية المحلية والدولية، وموضوعاً للمساءلة البرلمانية، وطوفاناً من الانتقادات والسخرية والمخاوف العميقة. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فمع سخونة الأجواء المعتادة في شهر يوليو (تموز)، وتصاعد «نظريات المؤامرة»، واستئثار الحادث باهتمام طاغٍ من وسائل الإعلام، سرت في المنصّات الإعلامية المختلفة أحاديث لا تنقطع عن «مؤامرة» تستهدف البلاد، وشاهِدها ارتفاع مُفترض في عدد الحرائق التي تندلع بموازاة الحريق الشهير. ولم يقتصر الأمر في هذا الصدد على المستخدمين العاديين على وسائل «التواصل الاجتماعي»، أو حتى أعضاء «اللجان الإلكترونية» صاحبة الأغراض المشبوهة، لكنه امتد أيضاً ليشمل إعلاميين بارزين على منصات الإعلام «التقليدي» وبعض السياسيين والمشاهير، الذين راحوا يجزمون بأن هناك تدبيراً شريراً يستهدف «إشعال البلاد» بالحرائق، سعياً لتحقيق مصالح سياسية مُعينة. فلماذا حدث هذا الميل الواضح لتبني «نظريات المؤامرة»؟ ولماذا وجدت هذه النظريات مؤيدين كثيرين ضمن أفراد النُّخبة والجمهور العادي؟ من جانبي، بدأت محاولة تقصّي هذه المسألة عبر استعراض عدد الحرائق التي تقع في البلاد عادةً، وقد وجدت الرقم مُثبتاً في بيانات «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء»، التي أشارت إلى أن عدد الحرائق التي وقعت في مصر العام الماضي 2024، بلغ 46 ألفاً و925 حريقاً، وأن عدد هذه الحرائق في شهر يوليو من العام نفسه بلغ 3677 حريقاً، فضلاً عن الإفادة بأن عدد هذه الحرائق يزداد تاريخياً في أشهر الصيف مقارنةً بفصل الشتاء. ثمة ثلاث نظريات إعلامية توضح أسباب تصديق البعض أن هذا الحريق الكبير هو حلقة من سلسلة حرائق كبرى مُدبرة تستهدف أمن البلاد واستقرارها: أولى هذه النظريات هي نظرية «الانتباه الانتقائي»، وهي ظاهرة نفسية تجعل أفراداً من الجمهور وبعض المؤسسات أكثر حساسية لأي خبر عن حريق في أعقاب وقوع حريق كبير بأي مجتمع من المجتمعات. أما النظرية الثانية، فتتعلق بـ«هوس الرصد»؛ إذ يُمعن الجمهور ووسائل الإعلام في تقصي أخبار الحرائق في أعقاب وقوع حريق كبير، مما يوحي للمجال العام بأن الحرائق تقع بوتيرة أكبر من اللازم، وأنها حتماً تحمل دلالات أمنية وسياسية. وتتعلق النظرية الثالثة بـ«تأثير العدوى السلوكية»؛ حيث يؤدي النشر الكثيف لأخبار حادث ما إلى تشجيع المُقلدين من أصحاب السلوك الإجرامي أو الاضطراب النفسي على تقليد مثل ذلك الحادث، في فورة الاهتمام الإعلامي به. لذلك، يجب ألا يندهش مَن يطالع الأخبار الواردة من مصر في أعقاب هذا الحادث حين يقرأ العناوين التالية في أهم المصادر الإعلامية: «مصرع سيدة مُسنة في حريق شقة»، و«حريق يلتهم عدداً من المقاعد الدراسية في قرية بصعيد مصر»، و«حريق يشتعل في مخبز بمحافظة الجيزة»، أو «حريق في مشتل على بُعد كيلو مترين من متحف». يؤدي الإعلام دوراً مُهماً وحيوياً في تقديم الحقائق للناس عمَّا يحدث في مجال اهتمامهم، وفي الرقابة على أداء السلطات العامة، لكنَّ بعض الأعراض الثانوية للنشر المُكثف، والاهتمام الإعلامي المُضاعف، تؤدي إلى تأثيرات غير مرغوبة؛ مثل «تأثير العدوى السلوكية»، و«الانتباه الانتقائي»، و«هوس الرصد»، وهنا يكمن أحد أخطر أضرار التغطيات الإعلامية الضخمة للحوادث والجرائم.


الشرق الأوسط
منذ 8 ساعات
- الشرق الأوسط
الدولة السردية... بين البناء والرواية
عند الحديث عن الدولة العربية الحديثة، يتكرّر سؤال يبدو أزلياً: هل نحن بصدد بناء مؤسسات حقيقية، أم نكتب فقط قصة عن الدولة؟ هل نعيش في كيان سياسي فعلي، أم ضمن سردية عن الدولة تُبثّ على الشاشات وتُروَّج كحكاية متماسكة؟ هذا السؤال ليس جديداً. لعقود، ظلّ المفكرون والصحافيون العرب يسألون: أين أخطأنا في بناء الدولة؟ وكيف نُصلّح ذلك؟ لكنّ مقاربتي اليوم تختلف؛ إذ أطرح مفهوماً يُركّز على العلاقة بين اللغة والسلطة، بين ما يُقال عن الدولة وما يُنجز فيها، وهو ما أسميه: الدولة السردية. «الدولة السردية» لا تعني اختراعاً جديداً، بل هي تكثيف لمفاهيم مألوفة في نظريات السياسة. بنديكت أندرسون، في «الجماعات المتخيلة»، أشار إلى أن الأمم لا تُبنى فقط بالمؤسسات، بل عبر المخيلة الجمعية، بفضل ثورات الطباعة والتوزيع. مفكرو ما بعد الحداثة، من ليوتار إلى فوكو وبودريار، رأوا أن الدولة تُستبطن عبر الخطاب، وأن الصورة قد تسبق الحقيقة أحياناً. هذا واضح تماماً في العالم العربي، حيث الدولة، في كثير من الأحيان، تظهر في شكلها الإعلامي أكثر مما تُلمس في الواقع المعيشي. في لبنان، مثلاً، تُنتج سردية تلفزيونية تُشبه سويسرا، لكنّ الواقع الإداري والسياسي يُشبه اليمن في لحظات التفتت. على الجهة الأخرى، هناك نموذج الفتور في دول مثل مصر والعراق. هذه دول حقيقية في التاريخ والجغرافيا، لكنها تعاني من ضعف الخيال السياسي. هناك إنفاق على البنى التحتية، ومشاريع كبرى، لكنها لا تُترجم إلى رضا. الدولة هنا تُنتج سردية صاخبة بالإعلام، لكنها تُدار بلغة صامتة لا يصل صداها إلى المواطن. بين هذين النموذجين تقف السعودية. هي دولة ذات وزن سكاني وجغرافي، وتاريخ سياسي طويل، من الدولة السعودية الأولى إلى الثالثة. ومن هذا العمق انطلقت «رؤية 2030» كسردية ومشروع تحول في آنٍ واحد. تحاول المملكة أن تتجنّب سذاجة النموذج السردي وتراخي نموذج الفتور، بالجمع بين تحديث اجتماعي واقتصادي، ومراقبة دقيقة لمؤشرات الأداء، ووعي بتحديات التحول. فكرة سردية الدولة تعيدنا إلى سؤال أكثر جوهرية: على أي أساس نبنيها؟ الصورة لا تكفي. ولا يمكن استبدال المشروعية السياسية بهوية بصرية مهما بلغت تكلفتها. فالدولة ليست عرضاً مرئياً ولا علامة تجارية. إنها علاقة دائمة بين المواطن ومؤسساته، تتجسد في ثقة، ومساءلة، وشفافية. في الكلاسيكيات السياسية، من ماكيافيلي إلى هوبز، كانت الدولة تحتكر العنف وتضمن النظام. أما في عالم اليوم، فلا يكفي الاحتكار، بل لا بدّ من سردية تُقنع وتُدمج. لكن السردية وحدها لا تكفي أيضاً. لا بد أن تقوم على أركان: شرعية تُبنى على الثقة، لا الخوف؛ نخب سياسية قادرة على التجديد، لا مجرد إعادة التدوير؛ خيال سياسي ينبع من الواقع، لا يستورد من الخارج؛ وأساس عادل للكرامة، تُترجم إلى تعليم، وصحة، وفرص متكافئة. خطر الدولة السردية يكمن في تحوّل الحكاية إلى قناع يخفي العجز. حين تتحوّل الدولة إلى مشروع إخراجي يُديره مخرجو الدراما لا صناع السياسات، فإننا نعيش في صورة بلا أصل. حينها، يصبح الإنفاق على السرد أهم من الإنفاق على الفعل، ويتضخم الإعلام بينما تضمر المؤسسات. والنتيجة: دولة مشرقة في الشاشات، لكنها صامتة في الواقع. هذه الفجوة بين الرواية والأداء هي ما حذّر منه تيد روبرت غير في كتابه الكلاسيكي «لماذا يثور الناس؟». الثورات لا تأتي من الفقر وحده، بل من الفرق بين التوقعات والواقع، بين ما تُروّجه الدولة وما يشعر به الناس في يومهم العادي. الدولة الحديثة، كي تكون فاعلة، لا يكفي أن تكون دولة السردية، بل يجب أن تكون دولة الإنجاز والأداء. لا يكفي أن تحكي قصة، بل أن تكتبها مع الناس، لا عنهم. فالدولة التي تفتن نفسها بسرديتها قد تجد وجهها يوماً ما ملتصقاً بمرآة مكسورة أصابها سرطان السردية.