logo
عندما يطيل وقف النار من أمد الحرب

عندما يطيل وقف النار من أمد الحرب

العربيةمنذ 5 ساعات

وفقاً لمقولة قديمة، فإن تاريخ أي حرب يكتبه المنتصر. ذلك لأن الخاسر إما ميت، وإما مصاب بجروح بالغة لا تسمح له بالكتابة، أو في بعض الحالات، يأمل في تحويل المنتصر صديقاً. ولكن لكي تنطبق هذه المقولة، يجب أن تنتهي الحرب بمنتصر معترَف به. وهذا يطرح مشكلة أخرى: لا يمكن لأي منتصر أن يعلن نفسه منتصراً ويضع إكليلاً من الزهور على رأسه ما لم يعترف خصمه بالهزيمة.
هذه هي المعضلة التي واجهها الإسرائيليون منذ أن حاربوا لوضع بلدهم الصغير على الخريطة. لكنهم كلما انتصروا في أي من حروبهم اضطروا إلى القبول بوقف إطلاق النار الذي كان يفرضه عليهم أصدقاؤهم. وهذه المرة أيضاً، كانت الولايات المتحدة - مجدداً - هي من سلبتهم كأس النصر.
نسي المحسنون الذين فرضوا النتيجة النهائية «المتضاربة» أن واجب الحرب هو تغيير الوضع الراهن غير المستقر واستبدال وضع جديد به، مقبول لدى الأطراف المتصارعة، وذلك من خلال تحديد واضح للطرف المنتصر والطرف المنهزم. يقولون إن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى. لكن في هذه الحالة، حوّل المحسنون الحرب نسخةً من الدبلوماسية المضللة أشبه ما تكون بلعبة الأفعى والحبل. واستفاد بعض المحسنين الخارجيين من تدخلهم بالفوز في الانتخابات أو حتى بالحصول على جائزة نوبل للسلام التي تبدو جائزةً هزلية إلى حد ما.
منذ عام 1947، ظهرت عشرات الدول الجديدة على الخريطة، واشتعلت عشرات الحروب، الرابح منها والخاسر؛ ما أدى إلى خلق وضع جديد يضمن فترات طويلة من السلام والاستقرار. في جميع هذه الحالات، سُمح للحرب، التي عدّها أرسطو أنبل المساعي البشرية، بأن تكون مجرد وسيلة لتحديد من ربح ومن خسر. وظيفة الحرب هي قطع العقدة الغوردية (المستحيلة) بضربة واحدة ثم السماح للأمور باستئناف مسارها.
أما دعاة الإحسان ومروجو وقف إطلاق النار، فإنهم يُحولون الحرب سكيناً مستقراً في الجرح ليُعاد الطعن به مراراً وتكراراً. بعبارة أخرى، في بعض الحالات، قد يكون وقف إطلاق النار عدواً للسلام.
قد يتكرر هذا الأمر مع وقف إطلاق النار الذي أمر به الرئيس الأميركي دونالد ترمب بين إسرائيل وإيران؛ ما أدى إلى وقف مؤقت للحرب التي بدأت منذ ما يقرب من نصف قرن عندما أعلن الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، أن «القضاء على الكيان الصهيوني» هو أولويته القصوى.
بأي معيار عسكري، حققت إسرائيل انتصاراً كبيراً في الحرب التي استمرت 12 يوماً والتي أوقفها ترمب. فقد سيطرت بشكل كامل على الأجواء الإيرانية في غضون 48 ساعة؛ الأمر الذي مكّن قاذفات القنابل «بي-2» الأميركية من تدمير المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية في غضون ساعات قليلة من دون مواجهة أي مقاومة. كما قضى الإسرائيليون على القيادة العسكرية الإيرانية التي يهيمن عليها «الحرس الثوري» وقضوا على مقر قوات «فيلق القدس» الذي نسق عمليات إيران في العراق، ولبنان، وسوريا، وغزة واليمن على مدى عقود.
حسب التقديرات الإيرانية، دمرت إسرائيل أو ألحقت أضراراً جسيمة بالمواقع العسكرية والنووية للجمهورية الإيرانية من خلال مهاجمة أكثر من 600 هدف؛ ما تسبب في أضرار تقدر بأكثر من 1.8 تريليون دولار. في نسخة كلاسيكية من السلوك العسكري البسيط، تمكَّن الإسرائيليون من مهاجمة أهداف في 20 من أصل 31 محافظة إيرانية من دون أن يفقدوا طائرة حربية واحدة.
وفقاً للسيدة فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الرئيس مسعود بزشكيان، أسفرت الهجمات الإسرائيلية عن مقتل أكثر من 600 شخص، بينهم 54 امرأة وطفلاً.
كان 23 من بين القتلى جنرالات برتبة نجمة أو نجمتين، بينما كان 300 آخرون من الأفراد العسكريين، بمن في ذلك ضباط الصف. وبلغ عدد العلماء والمديرين النوويين الإيرانيين الذين قُتلوا 46 شخصاً. بينما بلغ عدد الجرحى الإيرانيين 4746 شخصاً. على الجانب الإسرائيلي، يقدَّر عدد القتلى في الهجمات الانتقامية الإيرانية بأكثر من 30 شخصاً، كان بينهم مجند واحد فقط يبلغ من العمر 18 عاماً. وبلغ عدد الجرحى الإسرائيليين 3238 شخصاً.
في العادة، كان من المفترض أن يجعل ذلك إسرائيل الفائز الواضح في الحرب التي استمرت 12 يوماً. ومع ذلك، كما في الحالات السابقة سالفة الذكر، تُوصف بالخاسرة من قِبل إيران، والأدهى من ذلك، من قِبل بعض ممن يُسمون أنفسهم بالخبراء في الولايات المتحدة وأوروبا.
ولزيادة الأمور تعقيداً، صوّر الرئيس ترمب نفسه على أنه المنتصر الذي أنهى الحرب بـ«القضاء على برنامج إيران النووي إلى الأبد» وفرض وقف إطلاق النار في غضون 24 ساعة.
حاولت إيران التفوق على ترمب من خلال الترويج لادعائها بالانتصار. يقول محمد رضا عارف، مساعد الرئيس في طهران: «كسرنا قرون الثور الأميركي ووضعنا أنفه في التراب».
تركز دعاية طهران على حقيقة أن الحرب استمرت 12 يوماً. يقول مقال افتتاحي في موقع «تسنيم» الإخباري التابع لـ«الحرس الثوري»: «انهار العرب بقيادة مصر بعد ستة أيام فقط من الحرب ضد الصهاينة في عام 1967. لكن الجمهورية الإسلامية قاومت هجوم الصهاينة وداعميهم الأميركيين لمدة 12 يوماً وأجبرتهم على التوسل لوقف إطلاق النار».
وتقتبس وسائل الإعلام الرسمية في طهران من صحيفة «نيويورك تايمز» وشبكة «سي إن إن» وغيرهما من الشبكات الأميركية والأوروبية التي تشكك في زعم ترمب بالانتصار، ناهيكم عن مزاعم إسرائيل.
وتعرض وسائل الإعلام الإيرانية مجموعة من الشخصيات الغربية البارزة لدعم ادعاء إيران بالانتصار، من بينهم جون ميرشيمير، وديفيد أتينبورو، ونعوم تشومسكي وجيفري ساكس. وقد شجَّع ادعاء إيران بالنصر بعض الآيديولوجيين الخمينيين على الحث على الاستعداد لجولة أخرى من الحرب. إذ يقول الجنرال إبراهيم جباري، ذو النجمة الواحدة: «لقد هزمنا الشيطان الأكبر وعميله الصهيوني. لكن ينبغي ألا نتوقف عند هذا الحد. يجب أن نبقي حذاءنا على رقبة نتنياهو حتى يختنق».
مرة أخرى في تاريخ الشرق الأوسط، من المقرر أن يؤدي وقف إطلاق النار المتسرع المدفوع بحسابات سياسية قصيرة الأجل إلى إطالة أمد حرب دامت عقوداً، كانت كل مرحلة منها أكثر دموية من التي سبقتها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

واشنطن تبرر قصف مواقع إيرانية في رسالة لمجلس الأمن
واشنطن تبرر قصف مواقع إيرانية في رسالة لمجلس الأمن

العربية

timeمنذ 9 دقائق

  • العربية

واشنطن تبرر قصف مواقع إيرانية في رسالة لمجلس الأمن

أبلغت الولايات المتحدة مجلس الأمن الدولي في رسالة اليوم الجمعة، اطلعت عليها رويترز، أن هدف الغارات الأميركية على إيران مطلع الأسبوع الماضي "كان تدمير قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم ومنع الخطر الذي يمثله حصول هذا النظام المارق على سلاح نووي واستخدامه له". وكتبت دوروثي شيا القائمة بأعمال الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة "لا تزال الولايات المتحدة ملتزمة بالسعي إلى اتفاق مع الحكومة الإيرانية". وبررت واشنطن الضربات بأنها دفاع جماعي عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تتطلب إطلاع مجلس الأمن المكون من 15 عضوا فورا بأي إجراء تتخذه الدول دفاعا عن النفس ضد أي هجوم مسلح. وفي وقت سابق من يوم الجمعة، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه سيفكر في قصف إيران مجددا إذا كانت طهران تخصب اليورانيوم إلى مستوى يُقلق الولايات المتحدة. وخلال كلمة له أثناء لقائه وزيري خارجية راوندا والكونغو الديمقراطية، يوم الجمعة، قال ترامب، إن الولايات المتحدة، نجحت في ضرب الأهداف بإيران بدقة. وأضاف ترامب: "كان لدينا أسبوعا مليئا بالنجاح. ضربنا الأهداف في إيران بكل دقة". وتابع قائلا: "نجحنا في منع إيران من امتلاك سلاح نووي، ودمرنا 3 منشآت نووية". وأكد ترامب أن "إيران ترغب في عقد اجتماع معنا"، مضيفا أن "إيران وإسرائيل عانتا كثيرا من الحرب التي خاضتاها".

وزير الخارجية الإيراني يطالب ترمب باحترام خامنئي إذا كان يرغب في التوصل لاتفاق
وزير الخارجية الإيراني يطالب ترمب باحترام خامنئي إذا كان يرغب في التوصل لاتفاق

الشرق الأوسط

timeمنذ 35 دقائق

  • الشرق الأوسط

وزير الخارجية الإيراني يطالب ترمب باحترام خامنئي إذا كان يرغب في التوصل لاتفاق

قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، مساء يوم الجمعة، إنه إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يرغب في التوصل لاتفاق فإن عليه الكف عن أسلوبه غير المحترم وغير اللائق تجاه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. The complexity and tenacity of Iranians is famously known in our magnificent carpets, woven through countless hours of hard work and patience. But as a people, our basic premise is very simple and straightforward: we know our worth, value our independence, and never allow anyone... — Seyed Abbas Araghchi (@araghchi) June 27, 2025 وشدد عراقجي في منشور على منصة «إكس»، على أن «الشعب الإيراني لا يقبل التهديدات والإهانات»، مشيراً إلى أن «إيران لن تتردد في الكشف عن قدراتها الحقيقية إذا أقدم البعض مدفوعاً بأوهامه على ارتكاب أخطاء جسيمة، وقال: «حسن النية يُقابل بحسن النية والاحترام يولد الاحترام». جاءت تصريحات عراقجي رداً على منشور لترمب على منصته «تروث سوشيال» قال فيها إنه كان يعلم على وجه الدقة مكان الزعيم الأعلى الإيراني لكنه لم يسمح لإسرائيل أو للجيش الأميركي بقتله. وأضاف مخاطبا خامنئي: «أنقذتك من موت بشع ومهين وكان عليك أن تشكرني». وتابع أنه منع إسرائيل من توجيه ضربة قاضية في طهران كانت ستسفر عن مقتل كثير من الإيرانيين. وقال ترمب «لماذا يقول ما يُسمى بالمرشد الأعلى، بكل صراحة وحماقة إنه انتصر في الحرب مع إسرائيل، وهو يعلم أن تصريحه كذب، فهو ليس كذلك. بصفته رجلاً مؤمناً، لا يُفترض به أن يكذب. لقد دُمِّرت بلاده، ودُمّرت مواقعه النووية الثلاثة»، في إشارة إلى مواقع فوردو ونطنز وأصفهان.

ترامب: يجب أن يكون سعر الفائدة 1% وأتمنى استقالة باول
ترامب: يجب أن يكون سعر الفائدة 1% وأتمنى استقالة باول

أرقام

timeمنذ ساعة واحدة

  • أرقام

ترامب: يجب أن يكون سعر الفائدة 1% وأتمنى استقالة باول

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الجمعة إنه يأمل في استقالة جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي)، وعبر عن رغبته في خفض أسعار الفائدة إلى واحد بالمئة. وقال "أتمنى أن يستقل إذا أراد ذلك، أداؤه سيئ للغاية"، واصفا رئيس الاحتياطي الاتحادي بأنه "غبي".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store