
الصين تسلّح محطتها الفضائية بـ'حرّاس آليين'
أسلوب رفيق لدرء الاختراقات
وبخلاف الأساليب التقليدية للدفاع الفضائي، مثل الأسلحة الموجهة أو القذائف، التي قد تُخلّف وراءها حطاماً مدارياً كارثياً، تطرح الصين أسلوباً فريداً يشبه «جيو- جيتسو» jiu-jitsu (المصارعة اليابانية برفق) في الفضاء، وهو نهج لطيف وفعّال لحماية أصولها حول مدار الأرض.
وجاء الإعلان على لسان سون تشيبين، العالِم في المركز الوطني الصيني لعلوم الفضاء، وذلك خلال محاضرة ألقاها في جامعة نانجينغ للعلوم والتكنولوجيا. وتزامن الإعلان مع تصاعد القلق العالمي حول الأمن المداري، خاصةً في ظل تقارير وزارة الدفاع الأميركية التي تشير إلى تنفيذ بكين عمليات قتالية عبر الأقمار الاصطناعية، في المدار الأرضي المنخفض.
وينبئ هذا الإعلان عن تحول جوهري في سياسة الصين الفضائية، من الاستكشاف السلمي إلى التحكم النشط في «المجال المداري».
ورغم تأكيد بكين أن هذه الإجراءات جاءت رداً على استفزازات حديثة – منها حادثة تتعلق بأحد أقمار «ستارلينك» – فإن السياق الأوسع يكشف عن سباق محموم لفرض الهيمنة في الفضاء. وقد أجرت محطة تيانغونغ مناورات لتفادي الاصطدام بأحد أقمار «ستارلينك»؛ ما دفع الصين إلى تقديم احتجاج رسمي لدى الأمم المتحدة.
ومع ذلك، لا يمكن فصل هذه الأحداث عن التوجه العالمي المتزايد نحو عسكرة الفضاء، الذي يشارك فيه كذلك كل من الولايات المتحدة وروسيا.
فلسفة عقلانية ومدروسة
يعكس قرار الصين نشر حراس آليين فلسفة عقلانية ومدروسة، فعلى الأرض، يؤدي تدمير جسم طائر إلى سقوطه بفعل الجاذبية؛ ما يعني انتهاء التهديد. أما في الفضاء، فإن تدمير الأجسام قد يؤدي إلى انتشار شظايا بسرعات عالية، تُحوّل المدار حقلَ ألغامٍ دائم الخطر – ما يُعرف بـ«تأثير كيسلر».
وبالتالي، فإن نهج الصين القائم على «إعادة التوجيه اللطيف»، يُعد خياراً ذكياً للحد من مخاطر الحطام المداري وتحقيق الاستدامة في الفضاء.
• تأثير كيسلر The Kessler Effect: تهديد دائم في الفضاء. «تأثير كيسلر»، الذي صاغه العالمان في وكالة «ناسا»، دونالد جي. كيسلر وبورتون جي. كور- بالاي عام 1978، يصف سيناريو كارثياً تتسبب فيه شظايا ناتجة من تصادم فضائي، في سلسلة من التصادمات المتتالية؛ ما يؤدي إلى تكوّن سرب غير قابل للسيطرة من الحطام الفضائي.
وتتحرك هذه الشظايا بسرعات تفوق سرعة الرصاصة المنطلقة من بندقية بعشر مرات، وتحمل طاقة الحركة المكتسبة من الجسم الأم؛ ما يجعل منها خطراً بالغاً على الأجسام المدارية الأخرى.
ومع مرور الوقت، يمكن أن تتسبب هذه السلسلة التفاعلية في تحويل المدار الأرضي المنخفض، منطقةً خطرة وغير صالحة للاستخدام لعقود أو حتى قرون؛ ما يهدد مستقبل الاستكشاف الفضائي، وتشغيل الأقمار الاصطناعية، وشبكات الاتصالات العالمية.
• الحل الصيني: الحراس الآليون. على عكس الإجراءات التدميرية، تقدم بكين حلاً غير هجومي عبر الحراس الآليين، الذين يمثلون بديلاً عملياً وذكياً. وبفضل تزويدهم بمحركات دفع وأنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة، جرى تصميم هؤلاء الحراس الآليين لاعتراض الأجسام المشبوهة، والاقتراب منها، ثم إعادة توجيهها بلطف بعيداً عن محطة «تيانغونغ» الفضائية.
ويقلل هذا النهج من احتمالية توليد حطام جديد، ويتماشى مع الهدف الأوسع المتمثل في الحفاظ على استدامة العمليات في الفضاء. ويجسد هذا المفهوم فلسفة «الغصن الذي ينحني مع الريح» ـ أي المرونة والفاعلية، بدلاً من الاعتماد على القوة الغاشمة.
أمن الفضاء
• التداعيات على أمن الفضاء. يمثل نشر الحراس الآليين نقطة تحوّل حاسمة في الطريقة التي تتعامل بها الدول مع أمن الفضاء. عبر اتخاذ تدابير استباقية، وتقر بكين سابقة جديدة في مجال حماية الأصول المدارية، في إطار بيئة أصبحت أشد تنافساً.
وتبرز هذه الخطوة كذلك تصاعد حدة التنافس بين القوى الفضائية؛ ما يثير تساؤلات حول مستقبل إدارة الفضاء وحوكمة المدار وسيطرة الدول على مجاله.
• عسكرة الفضاء. لا تقتصر محاولات عسكرة الفضاء على الصين؛ فالولايات المتحدة وروسيا بدورهما اتخذتا خطوات لتأكيد هيمنتهما على هذا الصعيد الحيوي. وتسلط التطورات الأخيرة، مثل عمليات الاشتباك بين الأقمار الاصطناعية، وتقدم تقنيات الأسلحة المضادة للأقمار، الضوء على وجود اتجاه متسارع نحو تعزيز النفوذ الاستراتيجي في الفضاء.
وفي ظل هذا التنافس المتصاعد، تزداد الحاجة إلى آليات حوكمة فعّالة لضمان إدارة عادلة وآمنة لهذا الفضاء المشترك.
• تحديات واعتبارات أخلاقية. رغم أن الحراس الآليين الصينيين يُمثلون طفرة تكنولوجية، فإن نشرهم يثير مجموعة من التساؤلات الأخلاقية والعملية: كيف سيميّزون بين الأجسام غير الضارة، وتلك التي تُشكل تهديداً؟ ما البروتوكولات التي ستنظم تعاملهم مع الأصول التابعة لدول أخرى؟ كيف سيؤثر وجودهم على علاقات التعاون الفضائي بين الدول؟ وتستلزم الإجابة عن هذه الأسئلة فهماً دقيقاً للتكنولوجيا والدبلوماسية في آن واحد.
• آفاق المستقبل. في ظل احتدام التنافس في الفضاء، قد تُمهّد ابتكارات مثل الحراس الآليين الصينيين الطريق أمام أطر جديدة لأمن مدار الأرض. ويجب أن توازن هذه الأطر بين متطلبات الدفاع الوطني والأهداف الأوسع المرتبطة بالاستدامة والتعايش السلمي.
ومن الممكن أن تسهم المبادرات التعاونية، مثل جهود الحد من الحطام الفضائي وتدابير الشفافية، على نحو محوري في صياغة مستقبل استكشاف الفضاء.
وأخيراً، يشكل تطوير بكين حراساً آليين لحماية محطة «تيانغونغ» الفضائية، إنجازاً مهماً على صعيد تطور الدفاع الفضائي. ومن خلال اعتماد نهج غير تدميري، تتيح هذه الأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، حلاً مستداماً لمواجهة تحديات الحطام المداري و«تأثير كيسلر».
ومع ذلك، فإن هذا التطور يعكس كذلك اشتداد التنافس بين الدول المعنية بالفضاء، ويؤكد على الحاجة الملحة إلى الحوكمة الفعالة والتعاون الدولي.ومع توسع البشرية في استكشاف الحدود الفضائية، فإن مثل هذه الابتكارات ستحدد شكل الأمن الفضائي، في توازن دقيق بين التقدم التكنولوجي والاعتبارات الأخلاقية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
منذ 10 ساعات
- البوابة
جارتنر: 6 توجهات استراتيجية في مجال هندسة البرمجيات لعام 2025 وما بعده
كشفت مؤسسة جارتنر للأبحاث اليوم عن أبرز التوجهات الاستراتيجية في مجال هندسة البرمجيات لعام 2025 وما بعده. وستتيح هذه التوجهات للمؤسسات تسريع الابتكار من خلال الأتمتة المعززة بالذكاء الاصطناعي واعتماد ممارسات هندسية كفؤة وملائمة للمستقبل. وقال يواكيم هيرشمان، نائب الرئيس للتحليلات لدى جارتنر: "تسهم الأدوات والتقنيات المعززة بالذكاء الاصطناعي بإحداث تحول جذري في طريقة بناء البرمجيات ونشرها. وتقدم أهم التوجهات التي حددتها جارتنر خارطة طريق للقادة تمكّنهم من الاستفادة من الأتمتة المعززة بالذكاء الاصطناعي، وتحسين استراتيجيات استقطاب الكفاءات، واعتماد ممارسات هندسية مستدامة وأصيلة قائمة على الذكاء الاصطناعي. أما بالنسبة لقادة هندسة البرمجيات الذين يسعون إلى مواكبة هذه التوجهات، فإنهم سيتمكّنون من تهيئة مؤسساتهم لتحقيق النجاح على المدى الطويل". ومع قيام المؤسسات بتطوير خرائط الطريق الاستراتيجية الخاصة بها لعام 2025 وما بعده، فإنه يتوجب عليها إعطاء الأولوية للاستثمارات التي تتماشى مع هذه التوجهات الاستراتيجية الستة في مجال هندسة البرمجيات: 1- هندسة البرمجيات الأصلية بالذكاء الاصطناعي تشهد هندسة البرمجيات الأصلية بالذكاء الاصطناعي تحولاً في دورة حياة تطوير البرمجيات، حيث يتم دمج الذكاء الاصطناعي في جميع المراحل بدءاً من التصميم إلى النشر. وتُتيح هذه الممارسات للذكاء الاصطناعي تولي القيام بحصة كبيرة من المهام عبر مراحل دورة حياة تطوير البرمجيات بشكل مستقل أو شبه مستقل. وتتوقّع جارتنر أن يستخدم 90% من مهندسي البرمجيات في المؤسسات مساعدي برمجة معززين بالذكاء الاصطناعي بحلول عام 2028، مقارنة بالنسبة المسجلة مطلع عام 2024 والبالغة أقل من 14%. ونتيجة لذلك، سيشهد دور المطورين تحولاً من التنفيذ إلى إدارة العمليات، مع التركيز على حل المشكلات، وتصميم الأنظمة، وضمان تقديم أدوات الذكاء الاصطناعي لمخرجات عالية الجودة. وسيتعين على فرق العمل ضمان التوازن بين الأتمتة والإشراف البشري، مع مراعاة أهمية الأعمال، ومستوى المخاطر، وتعقيدات سير العمل، وذلك من أجل تحقيق النجاح. 2- بناء تطبيقات ووكلاء قائمين على النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) تسهم النماذج اللغوية الكبيرة بإحداث تحول كبير في مجال هندسة البرمجيات، من خلال تمكين التطبيقات من التفاعل بطريقة ذكية ومستقلة مماثلة للتفاعل البشري. وتتوقع جارتنر أن تعمل أكثر من 55% من فرق هندسة البرمجيات على تطوير ميزات قائمة على النماذج اللغوية الكبيرة بحلول عام 2027. وأضاف هيرشمان: "يحتاج النجاح في بناء تطبيقات ووكلاء قائمين على النماذج اللغوية الكبيرة إلى قيام قادة هندسة البرمجيات بإعادة التفكير في استراتيجياتهم، الأمر الذي يشمل الاستثمار في تطوير المهارات، وتجربة مخرجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتطبيق ضوابط صارمة لإدارة المخاطر". 3- هندسة منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي تستند هندسة منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى المقاربات الراسخة لهندسة المنصات بهدف تمكين المطورين من استكشاف قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي ودمجها واستخدامها بأمان داخل تطبيقاتهم بكل سهولة. وتتوقع جارتنر أن تشتمل 70% من المؤسسات التي لديها فرقاً لهندسة المنصات، على قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي ضمن منصاتها الداخلية المخصصة للمطورين وذلك بحلول عام 2027. ومن خلال تسهيل اكتشاف قدرات الذكاء الاصطناعي عبر بوابات الخدمة الذاتية للمطورين وتحديد الأولويات المتعلقة بالميزات وفقاً لاحتياجات المطورين، وتضمين ممارسات حوكمة وأمن فعالة، يمكن للقادة ضمان قيام فرقهم ببناء تطبيقات مبتكرة ومتوافقة مع المعايير المؤسسية. 4- زيادة كثافة المواهب إلى أقصى الحدود الممكنة تمثل كثافة المواهب مدى تركز المهنيين من أصحاب المهارات العالية داخل الفرق، وأصبحت تشكل عاملاً أساسياً يسهم في تميّز المؤسسات الهندسية عالية الأداء. وستتمكّن المؤسسات عند دعم هذه الفرق بالثقافة المناسبة والاستراتيجيات التقنية الملائمة، من العمل بكفاءة أعلى ومرونة أكبر، وتقديم قيمة معززة إلى العملاء. وتابع هيرشمان: "حتى تتمكّن المؤسسات من تعزيز قدرتها التنافسية فإنه يتعين عليها تجاوز ممارسات التوظيف التقليدية، والتركيز على بناء فرق ذات كثافة مواهب عالية. بدورهم، ينبغي على القادة ترسيخ ثقافة التعلم المستمر والتعاون من أجل استقطاب الكفاءات المتميزة واستبقائها، إذ تعد هذه الكفاءات قادرة على التكيف والنمو مع احتياجات العمل المتغيرة". 5- نمو نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي المفتوحة ومنظوماتها تعيد نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي المفتوحة (Open GenAI) إعادة صياغة ملامح مشهد الذكاء الاصطناعي المؤسسي، من خلال توفير مرونة أكبر، وتكاليف أقل، والتحرر من الاعتماد الحصري على مزودي خدمات بعينهم. وبخلاف النماذج التي تعود ملكيتها الحصرية إلى مؤسسات محددة، فإن النماذج المفتوحة تسمح للمؤسسات تخصيص الحلول وضبطها بدقة ونشرها بما يتوافق مع احتياجاتها الخاصة، سواءً كان ذلك في المواقع الميدانية أو عبر السحابة. ويمثل هذا التحول خطوة كبيرة على طريق إتاحة قدرات الذكاء الاصطناعي المتقدمة بصورة أوسع وكفاءة أكبر من حيث التكلفة لتشمل طيفاً أوسع من الفرق وحالات الاستخدام. وتتوقّع جارتنر أن يتم تخصيص 30% من إجمالي الإنفاق العالمي للمؤسسات على تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي وذلك لصالح نماذج مفتوحة يتم ضبطها بما يتناسب مع حالات استخدام متخصصة في مجالات محددة وذلك بحلول عام 2028. 6- هندسة البرمجيات الخضراء تُعد هندسة البرمجيات الخضراء تخصصاً يُعنى ببناء برمجيات مستدامة من حيث كفاءة الكربون والوعي الكربوني، ويسهم في تحول التفكير من معالجة الأثر البيئي للبرمجيات كأمر ثانوي يتم أخذه بالاعتبار لاحقاً، إلى التركيز على دمج الممارسات البيئية المستدامة في جميع مراحل دورة تطوير البرمجيات بدءاً من التخطيط وصولاً إلى الإنتاج. وأوضح هيرشمان: "مع قيام المؤسسات بتطوير وشراء المزيد من البرمجيات ضمن مبادراتها الرقمية، فإن ارتفاع البصمة الكربونية الناتجة عن أحمال العمل الكثيفة للحوسبة قد يتعارض مع أهداف الاستدامة الخاصة بها. إن بناء تطبيقات ذكية باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي يعد عملية تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة، ما يجعل ممارسات هندسة البرمجيات الخضراء أمراً على قدر كبير من الأهمية".


البوابة
منذ يوم واحد
- البوابة
هل يقوّض الذكاء الاصطناعي دور الصحافة في توعية الرأي العام؟ وكيف ينبغي للصحافة أن تتحرّك في مواجهة التداعيات؟
: كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على الصحافة؟ وما هي التداعيات الفكرية التي قد تواجه المنظومة المعرفية البشرية في حال اعتماد الأجيال الجديدة على الذكاء الاصطناعي دون بذل أي مجهود فكري، سواء في التعلّم أو سوق العمل والسعي لاكتساب المعرفة بعيدًا عن المعلومات الزائفة. وكيف يُمكن تجنّب هذه العواقب والتعامل معها؟ يشمل الذكاء الاصطناعي بحسب الأمم المتحدة طيفًا واسعًا من التقنيات التي يمكن تعريفها بأنها "أنظمة ذاتية التعلم وقابلة للتكيف". ويمكن تصنيفه بحسب التقانات المستخدمة، أو الغايات التي يخدمها (مثل التعرف على الوجوه أو الصور)، أو الوظائف التي يؤديها (مثل فهم اللغة وحل المشكلات)، أو أنماط الوكلاء (من ضمنهم الروبوتات والسيارات ذاتية القيادة). كما يضم الذكاء الاصطناعي بحسب المنظمة طرائق وتخصصات متعددة مثل الرؤية الحاسوبية، والتعرف على الكلام، والروبوتات، ويسهم في تعزيز القدرات البشرية التقليدية. وقد أُحرز التقدم الأخير في هذا المجال بفضل التطورات التي شهدتها قدرات المعالجة الحاسوبية وأساليب إدارة البيانات. ولكن استخدامات الذكاء الاصطناعي غير المسؤولة، قد تؤدي إلى تبعات خطيرة تؤثر سلبًا على الأفراد والمجتمعات. وهنا يأتي دور الصحفيين في متابعة هذه التداعيات ورصدها، من خلال إعداد تقارير صحفية تكشف فيها الجهات التي تستخدم هذه التقنية بطريقة سلبية، وطرحها أمام الرأي العام، وتوعية الجمهور بذلك. وتُعد هذه المهمة من أبرز مسؤوليات الصحافة في العصر الرقمي، لا سيّما وأن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة قد حذرت مؤخرًا من مخاطر الذكاء الاصطناعي، مُشيرة إلى أنه يمكن "استخدامه لنشر معلومات كاذبة أو مضللة، وزيادة خطاب الكراهية على الإنترنت، ودعم أنواع جديدة من الرقابة. وتستخدم بعض الجهات الفاعلة الذكاء الاصطناعي للمراقبة الجماعية للصحفيين والمواطنين، مما يخلق تأثيرًا مخيفًا على حرية التعبير". في هذا السياق، يرى الدكتور مارك أوين جونز، أستاذ مساعد مقيم في التحليل الإعلامي بجامعة نورثويسترن في قطر، إحدى الجامعات العالمية الشريكة لمؤسسة قطر، أننا في المرحلة الأولى من تأثير ما أسماه بـ "القوة المعرفة العمياء، حيث يهدد الذكاء الاصطناعي بإغراق المنظومة المعرفية الرقمية بمعلومات مُضللة". أضاف: "إنّ الحجم الهائل وسرعة إنتاج المحتوى عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي يهددان المعرفة البشرية لصالح المعرفة الآلية، التي لا تهدف بالضرورة إلى تعزيز الوعي، بل إلى استغلال خوارزميات المنصات الرقمية لأهداف أخرى، ما يُسبب نوع من الضجيج في مجال المعلومات. وهذا يؤثر على المنظومة الفكرية، ويُضعف مع مرور الوقت قدرة الرأي العام على التمييز بين الصحافة الموثوقة والمحتوى الرديء المصمم لجذب الجمهور وتوجيهه". أشار الدكتور مارك أوين جونز إلى أنّ:" الذكاء الاصطناعي قد يُقوّض البنية المعرفية الضرورية لتعزيز التفكير النقدي، الذاكرة البشرية، والنقاش المنطقي. ورغم أن التداعيات الفكرية على المدى الطويل ليست حتمية، لكن هذا المسار يدعو إلى القلق من تحوّل عميق". في المقابل، يؤكد الدكتور مارك أوين جونز، أنّ الذكاء الاصطناعي يقدّم فرصًا حقيقية، منها تحليل كميات هائلة من البيانات، وتجاوز حواجز اللغة، مشيرًا إلى أن الصحفيين من الهند إلى أمريكا اللاتينية يستخدمون النماذج اللغوية للتحقيق في ملفات الفساد، وتتبع الجريمة المنظمة، وكشف التحيز الخوارزمي، مؤكدًا أنّه على الصحفيين الخروج من موقع المستخدم السلبي للتكنولوجيا والتحوّل إلى لاعبين فاعلين، وهذا ما يتطلب دعم الصحافة المستقلة، وسنّ تشريعات مناسبة تتعلق بالذكاء الاصطناعي، وتبنّي ثقافة التمكّن من الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار، مع تعزيز دور العنصر البشري، والتحلّي بالمسؤولية الأخلاقية". بدورها، تروي حصة آل ثاني، خريجة جامعة نورثويسترن في قطر، تأثير الذكاء الاصطناعي في نشر معلومات مضللة، قائلة:" شاهدتُ فيديو مزيّف لشخصية سياسية بدا حقيقيًا جدًا، ولم أدرك أنه مزيّف إلا لاحقًا. في هذا العصر، المحتوى الذي تم توليده بالذكاء الاصطناعي موجود في كل مكان، ومن السهل جدًا الوقوع في فخه. هذا هو الهدف الأساسي من ذلك، محاكاة البشر وطمس الحدود بين الحقيقي والزائف". أضافت:" أعتقد أنّ الثقافة الإعلامية وتدقيق الحقائق أمران أساسيان لمكافحة التضليل والمعلومات المضللة، ولمعرفة الفرق بين المحتوى الحقيقي والمحتوى الزائف. وهذا لا ينطبق على الصحفيين فقط؛ بل يجب على الجميع إعادة تقييم طريقة استهلاك المعلومة، والتحقق من مصدر المعلومة، وبناء الوعي الإعلامي". رغم ذلك، أشارت حصة إلى الإمكانات الإبداعية التي يحملها الذكاء الاصطناعي في مجال الصحافة، من حيث جمع المعلومات، وصياغة الأسئلة ورسائل البريد الإلكتروني، وتحرير النصوص، وغيرها. وقالت:" قوتنا الرئيسية كصحفيين تكمن في قدرتنا على سرد القصص، وعندما تمنح هذه القدرة للآلة، تصبح القصص خاوية وأحيانًا غير أخلاقية، ومتحيزة مع تطوير هذه التكنولوجيا في الغرب". ختمت حصة: "لم يسيطر الذكاء الاصطناعي بالكامل على وسائل نقل الأخبار، لكنه حاضر بشكل كبير خلف الكواليس في العملية الصحفية، وهذا يدفعني للتساؤل عن شكل الصحافة في المستقبل القريب، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على جوهر هذه المهنة. وأعتقد أن دور الصحفيين سيتحول في المستقبل إلى التوجه الإنساني، ورصد الجوانب الأخلاقية، والحضور الميداني الذي لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفره. لكن بالتأكيد، لا بُدّ أن يكون الصحفيون أكثر وعيًا بكيفية استخدامهم للذكاء الاصطناعي، وأن يستفيدوا منه كأداة دون أن يسمحوا له بأن يطغى على صوتهم، أو وجهة نظرهم، أو مسؤوليتهم تجاه كشف الحقيقة".


الانباط اليومية
منذ 2 أيام
- الانباط اليومية
الجمعية الفلكية: أقمار "ستارلينك" ستظهر مجددا في سماء المملكة بهذه الأوقات
الأنباط - أوضح الدكتور عمار السكجي، رئيس الجمعية الفلكية الأردنية، أن الأجسام المضيئة التي شوهدت في سماء المملكة مساء الاثنين هي أقمار "ستارلينك" التابعة لشركة "سبيس إكس"، والتي انطلقت إلى الفضاء على متن صاروخ "فالكن 9". وأشار السكجي ، فجر الثلاثاء، إلى أن هذه المجموعة من الأقمار تحمل اسم G10-16، وهي جزء من مشروع "ستارلينك" العالمي لتوفير الإنترنت الفضائي عالي السرعة. وبيّن أن هذه الأقمار شوهدت في سماء الأردن مساء الاثنين، ومن المتوقع أن تُشاهد مجددًا فجر اليوم الثلاثاء، وكذلك مساء الغد الثلاثاء بعد غروب الشمس، حيث تظهر على شكل نقاط مضيئة متتابعة تتحرك في صف منتظم عبر السماء.