
جان بول سارتر.. الفيلسوف المتمرد الذي خلدته الكلمة ورفضته الجوائز
بدأ سارتر مسيرته أستاذًا للفلسفة، لكنه سرعان ما تجاوز حدود القاعات الدراسية إلى ميادين الفكر والسياسة والمقاومة. شغفه بالحرية قاده إلى ألمانيا طالبًا للعلم، قبل أن تجرفه أهوال الحرب العالمية الثانية إلى اختبار وجودي صعب: احتلال ألمانيا لوطنه فرنسا. لم يتردد، فانضم إلى صفوف المقاومة، محاربًا بالكلمة كما بالبندقية، ومجسدًا قناعته أن الفلسفة ليست درسًا بل موقف.
رائد الوجودية وناقد العقل
ارتبط اسم سارتر بالفلسفة الوجودية، التي رأت في الإنسان مشروعًا مفتوحًا ومسؤولًا عن اختياراته، حيث تصبح الحرية عبئًا وقلقًا وطريقًا لاكتشاف الذات. وعبّر سارتر عن رؤيته تلك في أعماله الكبرى، مثل "الوجود والعدم" (1943) الذي يُعد من أعمدة الفلسفة الحديثة، و"الوجودية مذهب إنساني" (1945)الذي حاول فيه تبسيط الوجودية للقراء، و"نقد العقل الجدلي" (1960) حيث التقى عنده الوجودي بالماركسي.
لم يكن سارتر فيلسوفًا في برجه العاجي، بل أديبًا أيضًا. كتب روايات أيقونية مثل "الغثيان" (1938) وثلاثية "طرق الحرية" (1945)، وقدم قصصًا قصيرة مثل "الحائط"، حيث امتزج السرد بالتحليل الوجودي. وامتدت فلسفته إلى المسرح في أعمال مثل "الذباب" (1943) و"الغرفة المغلقة" (1944) و"مساجين ألتونا" (1959)، والتي تحولت إلى فضاءات لمساءلة الضمير والاختيار والمعنى.
شراكة فكرية وإنسانية
إلى جواره، وقفت شريكته في الفكر والحياة سيمون دي بوفوار، الفيلسوفة والمفكرة التي كانت صوته الموازي وضميره النقدي.
رفض جائزة نوبل
وفي 1964، حين توّجت لجنة نوبل مسيرته بجائزة الأدب، رفض سارتر الجائزة في موقف صادم للعالم، معلنًا رفضه تحويل الكاتب إلى مؤسسة أو رمز سلطوي.
إرث لا يموت
حتى سنواته الأخيرة، ظل سارتر منتجًا وناقدًا ومفكرًا. كتب سيرته الذاتية "الكلمات" (1964)، وقدم قراءات نقدية عميقة لشخصيات أدبية مثل فلوبير في "أحمق العائلة"، وبودلير، ومالارميه، وجان جينيه. وفي 15 أبريل 1980، رحل سارتر، تاركًا مكتبة فكرية شاهدة على رجل عاش من أجل الحرية، ومات وفيًا لها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
منذ 7 ساعات
- البوابة
الاعترافات الجريئة
عندما بدأت قراءة رواية "الحدث" للكاتبة الفرنسية آني إرنو، شعرت بأنني لا أقرأ عملًا أدبيًا بقدر ما أتلقى اعترافًا إنسانيًا جريئًا، يخترق الزمان والمكان ليصطدم بجدار الصمت الذي يُحيط بتجربة الإجهاض — لا في فرنسا فقط — بل في مجتمعات كثيرة حول العالم. وقبل أن تسألني: ومن هي آني إرنو؟ أقول لك: إنها واحدة من أبرز الأصوات النسائية في الأدب الفرنسي المعاصر، كتبت من داخل الجسد، ومن داخل الطبقة الاجتماعية، ومن عمق التجربة النسوية، بمزيج نادر من السيرة الذاتية والتحليل الاجتماعي، وتطرقت إلى موضوعات الذاكرة، والرغبة، والأمومة، والعار، بلغة شديدة التكثيف والصدق...! كتاباتها تُشبه ما يسميه بعض النقاد "الاعترافات العارية"؛ إذ تكتب بلا مساحيق، ولا مجاز، ولا تبحث عن الزينة الأدبية، بل عن الحقيقة كما حدثت، لا كما ينبغي أن تُروى. بدأت آني إرنو الكتابة الأدبية في عام 1974 برواية "خزائن فارغة"، وهي رواية جريئة عن سيرتها الذاتية، وقالت الأكاديمية السويدية عن هذا الكتاب: إنه أكثر مشاريعها طموحًا، والذي أكسبها شهرة دولية، ومجموعة كبيرة من المتابعين، وتلاميذ محبين للأدب. كما فازت بجائزة «رينودو» عن عمل آخر من أعمالها في السيرة الذاتية، وهو «المكان»، ويركّز على علاقتها مع والدها، وتجاربها التي نشأت في بلدة صغيرة في فرنسا، وعملية انتقالها اللاحقة إلى مرحلة البلوغ، بعيدًا عن موطن والديها الأصلي. وقد تُوِّج هذا المسار بنيلها جائزة نوبل في الأدب عام 2022، ووصفتها الأكاديمية السويدية بأنها تملك "شجاعة نادرة، ووضوحًا سريريًا، في كشف الجذور، والقيود، والضوابط الجماعية للذاكرة الشخصية". ومن أبرز مؤلفاتها: السنوات، عشق بسيط، امرأة، شغف، وصولًا إلى روايتها الصادمة "الحدث"، التي تُرجمت للعربية أكثر من مرة، من بينها ترجمة الأستاذة هدى حسين، والتي تقول في مقدمة ترجمتها: "بعد أكثر من عام، أترجم الآن رواية الحدث لآني إرنو. وأتذكر هذه التجربة التي حدثت أيضًا للكثيرات هنا، في مجتمع ما زال يحمل قانونه تجريم الإجهاض على الطبيب، وعلى المرأة التي تجهض نفسها... وبسبب هذا القانون، وهذا العرف الاجتماعي، الذي لا يدين سوى المرأة في الجنس غير المشروط بالزواج، وبالتالي في توابعه، التي قد يصل الأمر معها أحيانًا إلى قتل الفتاة الحامل، أو حبسها وتعذيبها... دون الالتفات إلى تلك القوى الخارجية التي تدفعها للإجهاض، وتلك المشاعر المختلطة التي تنتاب المرأة، التي يضطرها المجتمع أن تقتل طفلها المستقبلي، وأن ينمو بداخلها بدلًا منه كُرهٌ لا حدود له لمجتمع لا يساوي حتى بينها وبين حبيبها في العقاب... داخل مجتمع يعتبر الحب وتوابعه جريمة لا تُغتفر..." كما ذكرت في فقرة أخرى: "أشكر لآني إرنو شجاعتها، وتشجيعها غير المباشر لي، عبر كتابتها ونشرها لهذا العمل... وأنا إذ أترجم هذا العمل، أشعر بسعادة شديدة، إذ أستضيف آني إرنو للمرة الثالثة في لغتي ومجتمعي، بعد أن استضفتها سابقًا عبر ترجمتي لروايتيها "امرأة" و"عشق بسيط"... علّ استضافتها تساهم في تثوير هذا المجتمع بدرجة أو بأخرى، مادامت ساهمت في تثويري على نفسي أنا شخصيًا..." هنا يتضح أن اختيار إرنو لهذا الموضوع لم يكن عشوائيًا، بل نابعًا من إيمانها بأن الكتابة فعل سياسي، وكتابة الجسد مقاومة... أن تكتب عما يُصنّف كـ"فضيحة" هو موقف في حد ذاته؛ هو رفض للصمت، ولمجتمع يُحاكم النساء وحدهن على الرغبة، والوحدة، والخوف... رواية "الحدث" ليست فقط عن الإجهاض، بل عن السلطة، عن الجسد، عن حدود الحرية، عن الألم الذي لا يُروى إلا بواقعية قاسية، لا تستدرّ العطف، بل تفتح أعيننا على ما نخشى رؤيته... وما يُدهشك في أسلوب إرنو ليس فقط جرأتها، بل طريقتها في السرد... لغة خالية من الزينة، جمل قصيرة، ذاكرة لا تبكي بل تُواجه، تكتب وكأنها تمسك عدسة مكبرة على جرح لا يلتئم... لا لتندب، بل لتفهم... بإذن الله الأسبوع القادم، أكمل القراءة في رواية "الحدث" للكاتبة الفرنسية المبدعة آني إرنو.


الاتحاد
منذ 6 أيام
- الاتحاد
الصدق مع النفس يصنع الفرق
الصدق مع النفس يصنع الفرق هناك أشياء تشبه سحابة غيث ممطرة، يمكن أن نسميها الفرح كله، يتسرب إلى نفوسنا، ولا نخطئ، يمكن أن نقول عنها إنها خيوط من نور وسعادة تلوّن حياتنا، ولا نخطئ، يمكن أن تأتي بها ريح باردة أو فكرة سابحة أو ذاك الصدق مع النفس والآخرين، مثلما لخصها مرة بحديث بعيد عن التنظير والتأطير المثقف والفيلسوف الفرنسي «جان بول سارتر»، في مجرى حديثه عن المثقف الحقيقي، وما تصنع الثقافة الواعية في الحياة، يقول: لو أن كناساً أنهى عمله اليومي، وعاد راجعاً إلى بيته، حاملاً مشترواته لعائلته، وأثناء مروره بالنهج المؤدي لدرب بيته، وجد على الرصيف كومة زبالة، ومرميات، فأنزل مشترواته جانباً، وشمر عن ساعديه، وتناول عدة عمله من جديد، وأزال كل ما يعيق المارة، ويجعل الشارع نظيفاً، كان بإمكان هذا الكناس أن لا يلتفت لتلك الأوساخ، ويمشي إلى بيته مباشرة، ولن يسأله أحد أو يلومه إنسان، غير أنه تصرف بتلك الروح الساكنة في داخله، والمعتادة على العطاء والبذل، لحظتها تحول ذلك الكناس إلى مثقف يفيد بعمله المجتمع، ويرتقي بإنسانيته، وقيمها النبيلة، ذاك هو المثقف الحقيقي في رأي فيلسوف الوجودية «سارتر»، وفي الحضارة الإسلامية إماطة الأذى عن الطريق فيها صدقة، وعند الشعوب المتقدمة من يخدمون مجتمعاتهم بالفعل لا بالصوت هم المثقفون، أما غيرهم فهم المثرثرون، وزيرة الصحة في هولندا، تخدم مع عمال النظافة ساعتين في اليوم، وتشاركهم في أعمال التنظيف، ولا تترفع عليهم، ولا تستقبح عملهم، وفي اليابان أجور عمال النظافة هي من أكبر الأجور في سوق العمل، وكثير من مدن العالم المتحضرة تجد في ساحاتها العامة أو حدائقها تمثالاً لعامل النظافة أو رجل الإطفاء أو غيرهم من الأيدي العاملة والمكافحة، ولعل قصة حلاق الرسام العالمي «بيكاسو» فيها معنى آخر لفعل الثقافة، وما يصنع المثقف، عام 1944 في باريس حيث استقر الرسام الإسباني «بيكاسو» التقى في الحي بمواطنه «اوجينيو آرياس»، وكان لديه محل للحلاقة، أعجب «بيكاسو» بحركة يد ذلك الحلاق، ورقصة المقص، وكأنه فنان مثله يداعب اللون والريشة، فاستسلم له، وترك له رأسه بحرية، مستمتعاً بثرثرته المتسارعة بالإسبانية، وحين انتهى من قص شعره، رفض أن يأخذ منه «فرنك»، فخجل «بيكاسو»، فأخرج من مزودة الرسم لوحة وأعطاها إياه، أخذها الحلاق، ويومها لم يكن «بيكاسو» مشهوراً، ظلت تلك الصداقة تكبر بينهما، وكلما انتهى الحلاق من قص شعر «بيكاسو»، وحاول أن يدخل يده في جيبه، يمنعه الحلاق بتعفف، ويقول له: أنت الآن صديقي، فيقوم «بيكاسو» بإهدائه لوحة جديدة حتى كوّن ثروة حقيقية من أعمال ذلك الرسام الذي لن يتكرر، بلغت 60 لوحة. وحين توفي «بيكاسو» تسارع إلى صديقه الحلاق المقتنون، وإدارات المتاحف، عارضين عليه مئات الملايين لشراء تلك الثروة الفنية التي لم يدفع ثمنها غير ضربات مقص، وثرثرات، وكثير من الحب والود، غير أن الحلاق رفض كل تلك الإغراءات والأموال، وفي ليلة قمرها مشع، حزم حقائبه وتلك اللوحات الفنية متوجهاً إلى قريته الوادعة شمال مدريد «بويتراكو ديل لوزويا» في صمت وبفخر. اليوم.. هذه القرية يؤمها مئات الآلاف من السياح سنوياً، وصمم لها متحفاً أسماه متحف حلاق بيكاسو عام 1985، اليوم يعد قبلة للزوار وعشاق الفن، والبحث عن المدهش، وحين توفي ذلك الحلاق عام 2008 ودعته قريته وإسبانيا كلها وداع المواطنين المخلصين، والأبطال الوطنيين، ذلك لأنه في لحظة تخلى عن الذي هو للخاص من أجل العام، ذلك الشيء الذي يشبه سحابة ممطرة يمكن أن ننعتها بالخير والفرح والسعادة.


البوابة
٢٠-٠٧-٢٠٢٥
- البوابة
قنصل عام الصين بالإسكندرية يؤكد عمق العلاقات التاريخية لبلاده مع مصر
أكد القنصل العام الصيني بالإسكندرية، يانغ يي، خلال كلمته في فعاليات معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب، على عمق العلاقات التاريخية والروابط الثقافية بين مصر والصين، مشددًا على أن الحوار الحضاري بين البلدين العريقين يشكل نموذجًا للتفاهم والتكامل بين الشرق والغرب. قنصل الصين: مكتبة الإسكندرية تحمل مكانة خاصة في الوجدان الصيني وأعرب يانغ يي عن سعادته بالتواجد مجددًا في مكتبة الإسكندرية، التي وصفها بأنها صرح ثقافي يحمل مكانة خاصة في الوجدان الصيني، مثمنًا جهود المكتبة في تعزيز التبادل الثقافي بين الشعوب. وأشار القنصل إلى أن العلاقات بين الحضارتين لم تكن وليدة اللحظة، بل تطورت تدريجيًا عبر طرق الحرير البحرية والبرية، وشملت مجالات الدين، والعلم، والسياسة، والاقتصاد، والثقافة، في إطار من الاحترام والتكافؤ. وسلّط يانغ يي الضوء على محطات بارزة من هذا التفاعل، منها رحلات العلماء المسلمين الصينيين إلى مصر خلال العصور الإسلامية، ومنهم "ما ده شين"، الذي سجّل في مؤلفه "رحلة الحج" مشاهداته في القاهرة ومكة وإسطنبول. كما أشار إلى تجربة الفقيه الصيني "ما جيان" الذي درس في الأزهر، وشارك في حركة الترجمة المتبادلة للكلاسيكيات الإسلامية والكونفوشيوسية، ما مثّل جسرًا للفهم المتبادل بين الفلسفتين. وفي الجانب السياسي، أوضح القنصل أن مصر والصين تبادلتا الدعم في مقاومة الاستعمار خلال القرن العشرين، حيث اهتم المثقفون الصينيون بالتجربة المصرية في مواجهة الاحتلال البريطاني، كما قدم عرب ومسلمون دعمًا للصين في حربها ضد الغزو الياباني خلال الحرب العالمية الثانية. أما في المجال الاقتصادي، فأشار يانغ إلى أن التبادل التجاري بين البلدين شكّل نموذجًا مستقلًا عن المركزية الغربية، مستشهدًا بتجربة تصدير فول الصويا الصيني إلى مصر في القرن التاسع عشر لمكافحة الآفات الزراعية، وتكامل الصناعات اليدوية بين البلدين في مجالات مثل التبغ والسجائر. كما تناول القنصل الجانب الرمزي في التبادل الحضاري، متحدثًا عن تشابه الرموز الروحية بين الثقافتين، مثل المسلات المصرية والأواني اليشمية الصينية، التي عكست رؤية مشتركة للعالم وللتواصل بين السماء والأرض. وفي ختام كلمته، شدد القنصل العام على أن العلاقات الصينية المصرية، قديمًا وحديثًا، تمثل نموذجًا حيًا لتلاقي الحضارات على أساس من التبادل المتكافئ والاحترام المتبادل، بعيدًا عن الهيمنة. مؤكدًا أن هذا الإرث الحضاري هو أساس بناء "مجتمع المستقبل المشترك الصيني-المصري"، في مواجهة تحديات عالم اليوم المتغير. وأوضح أن الصين تؤمن بأن الحوار الثقافي والفكري بين الشعوب هو حجر الزاوية في بناء عالم يسوده السلام والتفاهم، مؤكدًا استمرار دعم بلاده لمبادرات تعزيز التبادل الثقافي مع مصر، ولاسيما من خلال المنصات الفكرية مثل مكتبة الإسكندرية.