
الجنيه السوداني يواصل الهبوط والأسعار تتصاعد.. غذاء الفقراء يتحول إلى ترف
وفي آخر تقاريره، كشف البنك الدولي عن انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة إضافية بلغت 13.5% خلال عام 2024، وذلك بعد أن تقلّص بنحو الثلث في عام 2023. التقرير ذاته توقّع أن تصل نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع إلى 71%، في ظل استمرار النزاع وغياب الدولة. هذه الأرقام ليست مجرّد إحصاءات، بل تعكس واقعًا يعيشه المواطن يوميًا بين الجوع والعجز ودوامة البقاء.
"أعمل 12 ساعة في اليوم لأجمع أقل من 10 دولارات بالكاد تكفيني لوجبتين لأسرتي المكوّنة من 6 أفراد"، تقول إقبال محمد، فنية مختبر في شندي شمال الخرطوم. وتضيف: "قبل الحرب، كنت أحتاج إلى نحو 5 آلاف جنيه فقط لتغطية نفقاتنا اليومية، أما الآن فهناك سلع تضاعف سعرها بأكثر من 1000%". إقبال ليست وحدها. ملايين السودانيين يواجهون واقعا مشابها، حيث تحوّلت المواد الغذائية الأساسية إلى سلع نادرة المنال، وتحوّلت المائدة اليومية إلى تحد مستمر.
ركود الأسواق وتراجع الزراعة
الأسواق في المدن والقرى تشهد حالة من الشلل. يقول بدر الدين أحمد، بائع خضروات في شندي: "الناس لا تشتري. كل شيء تضاعف سعره، ومعظم الزبائن يكتفون بالنظر أو الاكتفاء بالحاجات الضرورية فقط".
ويرجع بدر الدين هذا الركود إلى تقلّص الرقعة الزراعية، خصوصًا في ولاية الجزيرة التي كانت تُعدّ سلة غذاء رئيسية للبلاد. ووفقًا لمنظمة الفاو، تراجع الإنتاج الزراعي بأكثر من 40%، وهو قطاع يشكّل 35% من الناتج المحلي الإجمالي ويوفر وظائف لأكثر من 40% من القوة العاملة.
ويعاني التجار بدورهم من آثار الغلاء. يقول محمد عبد الحميد، تاجر يبلغ من العمر 60 عامًا: "توقفت عن بيع المعلّبات والمشروبات المستوردة لأن الناس لم تعد تشتريها. المبيعات تراجعت كثيرًا، واقتصر الطلب على العدس والسكر والزيت والمنظفات". الجميع خاسر في هذه المعادلة، من المنتج إلى المستهلك.
وفي ظل هذه الظروف، تزداد الصعوبات مع المرض أو الحوادث. عبد الله وراق، عامل بناء، يقول: "أحيانًا نعيش على وجبة واحدة في اليوم. لا نشتري اللحم ولا الخضروات، وأصعب ما نواجهه حين يمرض أحد أفراد الأسرة، فتكاليف العلاج لم تعد في متناول اليد، والطب البديل هو الملاذ الأخير".
انهيار الجنيه وتآكل الأجور
أحد أبرز مظاهر الانهيار الاقتصادي هو تدهور سعر صرف الجنيه السوداني. فمنذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، تراجع الجنيه من 600 جنيه مقابل الدولار إلى 2679 جنيهًا في السوق الموازية، في حين سجّل في البنوك الرسمية نحو 2100 جنيه منتصف عام 2025.
هذا الانهيار انعكس مباشرة على الأجور، وقدرت دراسة أجرتها لجنة المعلمين في يوليو/تموز الجاري أن تكلفة المعيشة الشهرية لأسرة مكوّنة من 5 أفراد تتراوح بين 354 ألف جنيه في المناطق المستقرة، وتصل إلى 2.8 مليون جنيه في الولايات المتأثرة بالحرب. ومع ذلك، فإن أجور العاملين في القطاع العام لا تغطي سوى 8% من هذه التكاليف، بحسب الدراسة، مما يعني أن أكثر من 90% من الموظفين يعيشون تحت خط الفقر.
سمية عبد الرحمن، ممرضة وأم لـ4 أبناء، تقول: "أعمل في عيادة ومختبر، ومع ذلك لا يغطي دخلي سوى ثلث احتياجاتنا. اثنان من أولادي يدرسون في الجامعة، وأنا أستدين كل شهر لأتمكن من الاستمرار". هذا النمط يتكرّر مع آلاف الأسر، حيث لم تعد وظيفة واحدة، ولا اثنتان، قادرتين على توفير الحد الأدنى من الكفاف.
وبحسب تقرير البنك الدولي، فإن معدلات البطالة ارتفعت من 32% في عام 2022 إلى 47% في 2024، بفعل الإغلاقات الواسعة النطاق للشركات والانهيار الكلي في سوق العمل.
رؤى اقتصادية.. وحلول مؤجلة
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور حسين القوني أن تدهور قيمة الجنيه مرتبط بـ3 عوامل رئيسية: تراجع الإنتاج، غياب الصادرات، والطلب الكبير على الدولار نتيجة سفر السودانيين للخارج.
ويشير إلى أن غياب الجهاز التنفيذي جعل من الدولار سلعة نادرة، وأن غموض المشهد السياسي يمنع أي دعم خارجي حقيقي. "الدمار الذي لحق بالاقتصاد كبير، ولا أحد يريد المجازفة بدعم اقتصاد لا يملك صورة مستقبلية واضحة"، يقول القوني.
أما البروفيسور كمال أحمد يوسف، عميد كلية الدراسات العليا بجامعة النيلين، فيرى أن "الزراعة تمثل أملًا سريعًا لعائدات نقدية، لكنها تحتاج إلى كهرباء وطاقة شمسية، وأراضٍ آمنة، وبنية تحتية قائمة". ويطالب بإعادة إعمار الطرق والجسور، وتوفير الخدمات الأساسية كالماء والصحة والتعليم كشرط رئيسي لعودة الناس إلى مناطقهم. كما يدعو إلى تشجيع الاستثمار المحلي، وخفض الدولار الجمركي، وتوقيع اتفاقيات مع دول الجوار لتسهيل استيراد السلع الضرورية.
ويلفت إلى استمرار بعض الولايات في استخدام العملة القديمة رغم قرار الاستبدال قبل أكثر من عام، محذرًا من أن ذلك يفتح الباب أمام الفساد ويزيد من تعقيد الأزمة النقدية في البلاد.
وبينما يواجه السودانيون معركة يومية مع الغلاء والجوع والمرض، يبقى الأمل معقودًا على موسم زراعي واعد، وتوافق سياسي يعيد للدولة حدًّا من الفاعلية والهيبة، قبل أن ينهار ما تبقى من اقتصاد البلاد ويصبح الجوع هو القاعدة لا الاستثناء.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
أزمة السودان.. هل ثمة ضوء في آخر النفق؟
يعيش السودان منذ أكثر من عامين حربًا دامية، مزّقت العاصمة والولايات، وأغرقت البلاد في أسوأ أزمة إنسانية منذ الاستقلال. لم تكن هذه الحرب انفجارًا عابرًا، بل نتيجة لتراكم طويل من الأزمات السياسية والصراعات المسلحة، ما أحدث كارثة إنسانية وطنية شاملة. ورغم مظهرها العسكري، تعكس هذه الأزمة بُنيةً بنيويةً عميقة في الدولة السودانية ومشروعها الوطني، وتمثل تنافسًا محمومًا على السلطة والثروة بعد الثورة الشعبية. فمنذ الاستقلال، فشلت النخب السودانية في التأسيس لدولة مؤسسات تستوعب التعدد العرقي والثقافي والاقتصادي، حيث تراكمت الانقلابات والحروب الأهلية، وتغولت الأنظمة العسكرية على المجال المدني. وقد شكّل ذلك كله حلقة جديدة من التدهور، حيث تحوّلت شراكة المدنيين والعسكريين إلى صراع نفوذ بين مكونين، انتهى بالمواجهة الشاملة في 15 أبريل/ نيسان 2023. وفي هذا السياق، نشير إلى أن الحرب الراهنة ليست مجرد معركة نفوذ، بل انفجارًا متأخرًا لاختلال ترتيب السلطة وتهميش الأطراف وعسكرة المجال السياسي. وكل ذلك يشير إلى مسؤولية النخب السياسية والعسكرية، التي لم تنجح في صياغة عقد اجتماعي جديد بعد سقوط نظام البشير، ويوضح أن الأزمة تعود في جوهرها إلى غياب المشروع القومي الجامع، ووجود قوى موازية للدولة تستثمر في الهشاشة السياسية لخدمة مصالحها، ما جعل الدولة السودانية منقسمة على نفسها، وعاجزة عن امتلاك قرارها السيادي. واقع الصراع تركزت المعارك التي اندلعت في أبريل/ نيسان 2023 بدايةً في العاصمة الخرطوم، ثم امتدت إلى دارفور وكردفان وغيرها من مناطق السودان، واتسمت بالوحشية واستهداف المدنيين والبنى التحتية. ويعيش ملايين النازحين واللاجئين أوضاعًا إنسانية مأساوية. تضارب المصالح ونظرًا لأهمية السودان الجيوسياسية، فقد أصبح ساحة تنافس بين أطراف متعددة حاولت التدخل لحل الأزمة، إما بدافع الأمن القومي أو طمعًا في موطئ قدم اقتصادي. غير أن هذا التدخل ظل أقرب إلى إدارة الأزمة لا حلها. وهنا، لابد من الإشارة إلى أن أي تسوية لا تنبع من الإرادة الوطنية ستظل هشّة وقابلة للانفجار. وسط هذا المشهد المضطرب، يكشف تحليل الأزمة السودانية عن لوحة معقدة من التحديات والفرص، تعكس هشاشة الدولة ومكامن القوة المتبقية. فعلى الرغم من الانهيار المؤسسي والصراع الدموي، لا تزال هناك عناصر قوة كامنة يمكن البناء عليها، في مقدمتها الوعي الشعبي المتقدم، إلى جانب الموقع الإستراتيجي الحيوي للسودان، وموارده الطبيعية الهائلة من الذهب والأراضي الخصبة. في المقابل، تبرز نقاط الضعف بحدة، وعلى رأسها انقسام النخب السياسية، وتعدد مراكز القوة المسلحة خارج سلطة الدولة، فضلًا عن تآكل مؤسسات الحكم، وانعدام الثقة بين المكونات المدنية والعسكرية. هذا الواقع يفتح الباب لفرص إصلاح حقيقية، تبدأ بإطلاق عملية سياسية شاملة غير إقصائية، تُبنى على عقد اجتماعي جديد يضمن توزيع السلطة والثروة بعدالة. كما أن الاهتمام الدولي والإقليمي -رغم تضارب دوافعه- يشكل فرصة لدعم الاستقرار، إذا أُحسن توظيفه من قبل الفاعلين الوطنيين. لكن، في المقابل، تقف تهديدات جسيمة، أخطرها احتمال انزلاق البلاد إلى حرب أهلية طويلة الأمد، أو تفككها الجغرافي تحت ضغط النزعات الانفصالية، لا سيما في دارفور وكردفان. كذلك فإن استمرار التدخلات الخارجية، العسكرية والاقتصادية، يهدد بتحويل السودان إلى ساحة صراع بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية. وبذلك، فإن المعادلة الإستراتيجية للأزمة تظل مرهونة بقدرة السودانيين على تحويل نقاط ضعفهم إلى فرص، قبل أن تتحول التهديدات إلى واقع لا رجعة فيه. السياق الداخلي يمكن فهم المشهد من خلال البيئة الداخلية للأزمة، التي تعكس العوامل البنيوية والسياسية والاجتماعية التي ساهمت في اندلاع الصراع. وهنا، لا بد من الإشارة إلى تعقيدات الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، إلى جانب فشل الانتقال الديمقراطي، والصراع العميق بين الجيش والدعم السريع، وتعدد الفصائل المسلحة، والتسلّح القبلي، وانتشار السلاح في المدن والأرياف، وتحول النزاعات المحلية إلى صراعات وطنية، وتدني الخدمات العامة، والتضخم المفرط، وارتفاع الأسعار، والتراجع الكبير في الزراعة والصناعة والتصدير، وتدهور النظام الصحي والنظام التعليمي والبنى التحتية، فضلًا عن التعب المجتمعي من استمرار الحرب. عوامل إقليمية ودولية تتنافس دول الجوار -خصوصًا ليبيا وتشاد وإثيوبيا- على النفوذ، وتشارك في الصراع عبر تهريب السلاح والتمويل عبر الحدود، وتوظيف النزاع لتحقيق مصالح إستراتيجية. ومن العوامل الأخرى المؤثرة على الصراع في السودان: محدودية الموارد المخصصة للاستجابة الإنسانية مقارنة بحجم الأزمة، إضافة إلى التحديات الجيوسياسية الكبرى مثل الحرب في أوكرانيا، والتوترات بين الغرب وروسيا، التي صرفت انتباه المجتمع الدولي عن السودان. وهناك انقسام في المواقف الدولية بين أطراف تفضّل الحسم العسكري، وأخرى تدعو للتسوية، إلى جانب عجز المجتمع الدولي عن فرض وقف إطلاق النار عمليًّا. ما الحل؟ يحتاج الوضع إلى وجود ضغط دولي وإقليمي يفرض وقف إطلاق النار، والتوصل إلى اتفاق ملزم بين الجيش والدعم السريع على ترتيبات أمنية، لكن ذلك يصطدم بصعوبة بناء الثقة. وإن الفشل في التوصل إلى اتفاق، أو انهيار أي حل متفق عليه، يمكن أن يهدد بتقسيم السودان فعليًّا، وترسيخ مناطق نفوذ لبعض الجهات المتورطة في الصراع، خاصة في ظل استمرار التدخل الإقليمي، وتدفق السلاح والتمويل، وعجز القوى المدنية عن فرض أي حل، وعدم تشكيل سلطة مدنية توافقية تقود عملية إعادة الإعمار. وهنا نطرح ما يمكن أن نسمّيه 'الانتقال من إدارة الحرب إلى هندسة السلام'، ويرتكز إلى خمس ركائز: وقف دائم وفوري لإطلاق النار بإشراف دولي وإقليمي صارم. إطلاق حوار سوداني شامل لا يُقصي أحدًا، ويشمل الحركات المسلحة والمجتمع المدني. مشروع وطني مهني لا ولاءات فيه. صياغة دستور يؤسس لمرحلة مدنية حقيقية. توزيع عادل للسلطة والثروة، يعترف بالتنوع كقوة. ونشدد على أن أي تسوية لا ترتكز على قاعدة الدولة المدنية العادلة، ستظل مجرّد هدنة مؤقتة تُعيد إنتاج الأزمة بصورة أكثر دموية. إن البحث عن مستقبل لحل الأزمة في السودان يتطلب بناء توافق داخلي صادق، يوقف النزيف، ويُحيّد التدخلات الإقليمية السلبية، ويستفيد من الدعم الدولي لإطلاق عملية سلمية مستدامة. ورغم قتامة الأفق، ما تزال الفرصة قائمة لتسوية سياسية شاملة، توقف الحرب، وتعيد بناء الدولة على أساس العدالة والتنوع. لكن هذه الفرصة تحتاج إلى إرادة وطنية شجاعة تضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار، وتحتاج إلى توافق سياسي لا يُقصي أحدًا، وتأثير دولي داعم لا متدخّل. إن استمرار الأزمة لن ينتج عنه سوى مزيد من الخراب والدمار، لأن استمرار نزيف الحرب يقضي على ما تبقّى من الوطن. إن اللحظة الراهنة تتوافق مع مفترق طرق حقيقي؛ فإما سلام تاريخي يُعيد للسودانيين وطنهم، أو صراع طويل ينهي فكرة الدولة السودانية كما عرفناها، صراع يلتهم الحاضر والمستقبل. الأزمة السودانية ليست أزمة بنادق فحسب، بل أزمة مشروع دولة وهوية، يتطلب حلها إرادة وطنية، ودورًا دوليًّا داعمًا لا متدخّلًا. ولن يخرج السودان من أزمته إلا إذا غيّر قواعد اللعبة، لا اللاعبين فقط. وفي الختام، يبرز السؤال المصيري: هل يستطيع السودانيون تحويل الوضع الراهن إلى فرصة لبناء سلام مستدام؟ وهل يصلح العطار ما أفسدته الحرب؟


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم بشمال كردفان والفاشر
قال مصدر عسكري للجزيرة إن الجيش السوداني اشتبك مع قوات الدعم السريع في مدينة أم صميمة، في محاولة للسيطرة عليها والتقدم نحو مدينة الأبيّض بولاية شمال كردفان. وذكرت شبكة أطباء السودان أن قوات الدعم السريع قتلت 11 شخصا وأصابت 31 آخرين خلال اقتحام بلدة شَق النوم غرب بارا شمال كردفان. وأشارت مصادر إلى نزوح عدد من المدنيين نحو مدينة الأبيّض. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر عسكري قوله إن الجيش السوداني صد أمس السبت هجوما لقوات الدعم السريع على الفاشر. والفاشر هي المدينة الرئيسية الوحيدة التي لا تسيطر عليها قوات الدعم في إقليم دارفور ، وتفرض عليها حصارا منذ أكثر من عام في خضم حربها مع الجيش التي اندلعت في أبريل/نيسان 2023. وأفاد المصدر العسكري بأن الجيش مدعوما بفصائل مسلحة متحالفة معه استعاد سجن شالا ومقر شرطة الاحتياطي المركزي في جنوب غرب المدينة، مكبدا الدعم السريع "خسائر كبيرة". في المقابل، قال مصدر في الدعم السريع لوكالة الصحافة الفرنسية إن القوات تسيطر بشكل كامل على تلك المواقع منذ أول أمس الجمعة، بالإضافة إلى سوق المواشي الواقع في جنوب الفاشر. وكثفت قوات الدعم السريع هجومها على الفاشر منذ مساء الثلاثاء الماضي، ويعاني سكان المدينة نقصا شديدا في الغذاء والماء والرعاية الصحية. ومنذ خسارتها العاصمة الخرطوم التي سيطر عليها الجيش في مارس/آذار الماضي وفي محاولة لبسط سيطرتها على كامل إقليم دارفور كثفت قوات الدعم السريع هجماتها على الفاشر ومخيمات النازحين المحيطة بها، والتي أعلنت فيها المجاعة. وأودت الحرب في السودان بحياة أكثر من 20 ألف شخص ودفعت نحو 15 مليونا إلى النزوح أو اللجوء، كما تسببت في أزمة إنسانية واسعة وتفشي المجاعة بمناطق عدة من البلاد.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
نظام اللجوء العالمي ينهار.. فما البديل الأفضل؟
نظام اللجوء العالمي الحالي على حافة الانهيار، مختل وعاجز عن التعامل مع العدد المتزايد من النازحين أو التمييز بشكل فعال بين اللاجئين والمهاجرين الاقتصاديين ولا بد إذن من إيجاد مقاربة جديدة تكون أفضل للتعامل مع هذه القضية، ، وفقا لمجلة إيكونوميست البريطانية. أسباب الأزمة المجلة أرجعت سبب الأزمة الحالية التي يمر بها نظام الهجرة الحالي لعدة عوامل: أولا الطلب الهائل للجوء: 123 مليون شخص نزحوا بسبب الحرب أو الاضطهاد، و900 مليون منهم يرغبون في الهجرة الدائمة، فالحروب أصبحت تستمر لفترة أطول، مما يعني أن أولئك الذين يفرون يظلون نازحين لفترات أطول. ثانيا اللجوء كمنفذ: يطلب العديد من المهاجرين اللجوء عند الحدود للدخول، ثم يختفون بينما تستمر إجراءاتهم، وتشير بيانات غالوب إلى أن حصة البالغين العالميين الذين يرغبون في الهجرة الدائمة لأي سبب من الأسباب قد ارتفعت من 12% في عام 2011 إلى 16% في عام 2023. ثالثا الادعاءات الكاذبة: يأتي العديد من المتقدمين من دول ذات معدلات قبول منخفضة؛ فالأنظمة المعمول بها مغلولة وبطيئة وتُستغل على نطاق واسع. رابعا، رد فعل سياسي عنيف: يتآكل الدعم الشعبي في الدول الغنية للهجرة بسبب ما يُنظر إليه على أنه احتيال وفوضى. ولفتت إيكونوميست إلى أن هناك بدائل أفضل لهؤلاء المهاجرين، مشيرة في هذا الصدد إلى ما أسمته، الحلول الإقليمية حيث يبقى معظم اللاجئين قرب وطنهم، إذ إن مساعدتهم في الدول الفقيرة المجاورة أقل تكلفةً وأكثر سلاسةً ثقافيًا، وغالبًا ما تكون أكثر فعالية، وفقا للمجلة. وأوردت كمثال على ذلك سماح دولة تشاد الإفريقية لـ 1.3 مليون لاجئ سوداني بالعمل والتنقل بحرية، رغم فقرها الشديد، ففقد تركت هذه الدولة اللاجئين يعملون لدعم أنفسهم، وذلك من خلال المساعدات الأساسية التي يقدمها المانحون. كما أن دولا أخرى مثلت نماذج داعمة للمهاجرين، فكولومبيا وأوغندا وكينيا سمحت مثلا للاجئين بالعمل أو الاندماج محليًا دون أن يتسبب ذلك في ردود فعل سلبية تذكر. ومن أجل إصلاح نظام الهجرة الحالي، نقلت المجلة عن خبراء وصناع سياسات مقترحات مختلفة، قالت إنها تتطلب أولا مراجعة اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 التي قالت إنها لا تطبق بشكل متساو كما أنها لم تعد مُلائمة لأزمات اليوم. وأبرزت هنا أن بعض الدول، مثل تشاد أو لبنان، تستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين رغم أن ذلك ليس ملزما لها قانونيا، في حين تتجاهل دول أخرى، مثل الصين ، التزاماتها في هذا الشأن. ولخصت المجلة أهم مقترحات السياسات المطلوبة لإصلاح الاتفاقية فيما يلي: أولا تمويل الملاذات الآمنة قرب مناطق الصراع: ينبغي للدول الغنية الاستثمار في دعم اللاجئين بنما هم في المناطق التي فروا إليها أولا (مثل تشاد أو تركيا). ثانيا، ردع الوافدين غير النظاميين: قد يؤدي تشديد الرقابة على الحدود ومعالجة طلبات اللجوء في الخارج (مثل خطة أستراليا أو إيطاليا بشأن ألبانيا) إلى تثبيط الرحلات الخطرة أو الاستغلالية. ثالثا، إعادة التوطين في دول ثالثة: ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين إلى دول ثالثة أو مخيمات آمنة حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم. رابعا، فصل اللجوء عن هجرة العمالة: ويتم ذلك عبر خطوات تشمل على السماح بهجرة العمالة من خلال قنوات قانونية منظمة، معالجة طلبات اللجوء حصريا للفارين من جيرانهم المباشرين، اختيار اللاجئين الحقيقيين من المخيمات في دول آمنة بدلاً من اختيارهم على الحدود. وختمت المجلة بالتأكيد على أن هذه المقاربة ستوفر، من الناحية النظرية، الأمان لمن يحتاجونه. وسيسمح للدول الغنية بإدارة هجرة العمالة بطريقة أكثر تنظيمًا، وربما ينال موافقة الناخبين على نهج ترحيبي معقول. صحيح أنه لن يكون مثاليًا، لكنه بالتأكيد أفضل من الفوضى الحالية.