logo
موسكو ترفض مبدأ «وحدة الأراضي الأوكرانية»

موسكو ترفض مبدأ «وحدة الأراضي الأوكرانية»

الشرق الأوسطمنذ 11 ساعات
حدّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف منطلقات بلاده في التعامل مع ملف «وحدة وسلامة الأراضي» الأوكرانية الذي تضعه كييف والبلدان الغربية ضمن أولويات شروط التوصل إلى سلام دائم مع روسيا.
وجدّد الوزير في حديث موجه مباشرة إلى الأوروبيين عبر صحيفة «مجيار نيمزيت» المجرية شروط بلاده لإحراز تقدم في عملية السلام وإنهاء الحرب في أوكرانيا. وقال إن موسكو تعارض أي هدن مؤقتة وتصر على موقفها حول ضرورة إنهاء «الأسباب الجذرية للصراع»، في إشارة إلى الشروط التي طرحها الكرملين سابقاً، وتشمل الإقرار بضم أراض أوكرانية لروسيا، وتثبيت مبدأ حياد أوكرانيا، وتقييد تسليح جيشها، ومنع أي وجود عسكري أجنبي على أراضيها وتغيير السلطات القائمة عبر انتخابات برلمانية ورئاسية. وكانت هذه الشروط قد طرحت ضمن ورقة روسية قدمها الفريق التفاوضي الروسي خلال جولتي مفاوضات مع الجانب الأوكراني عقدتا في إسطنبول.
وتوقف لافروف عند جزئية «مبدأ السيادة وسلامة الأراضي»، وهو مطلب أوكراني وأوروبي أساسي، وأكد أن هذا المبدأ «غير قابل للتطبيق في أوكرانيا». وبرّر موقفه بأنه «لا يمكن لنظام كييف أن يدّعي التمسك بمبدأ سلامة الأراضي: فهذا المبدأ ينطبق على الدول التي تضمن المساواة وتقرير المصير للشعوب».
وأوضح رئيس الدبلوماسية الروسية أنه «من البديهي لأي مراقب محايد أن نظام كييف، الذي رفع منسوب العداء لروسيا إلى مصاف سياسات الدولة، لا يمثل سكان المناطق الناطقة بالروسية في أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، وسيفاستوبول، ولوغانسك، ودونيتسك، وزابوريجيا، وخيرسون. وكما أشرتُ سابقاً، فإن من يعدون أنفسهم روسيين ويريدون الحفاظ على هويتهم ولغتهم وثقافتهم ودينهم، فقد تم التعامل معهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في أوكرانيا، لقد كانوا غرباء».
واستشهد الوزير بتصريح سابق للرئيس فولوديمير زيلينسكي، وصف فيه الداعين للانضمام إلى روسيا من سكان دونباس بـ«المخلوقات» ودعاهم «للخروج من هنا إلى روسيا من أجل مستقبل أبنائهم وأحفادهم». وقال لافروف: «لقد اتبعوا نصيحته وصوّتوا للعودة إلى وطنهم الأم (...) بما أن نظام كييف لا يمثل سكان هذه المناطق، فإنه وفقاً للقانون الدولي، لا يمكنه الادعاء بأن مبدأ السلامة الإقليمية ينطبق على الدولة الأوكرانية بشكلها الحالي».
امرأة تقف بجوار مبنى مركز تجنيد تضرر بعد هجوم روسي في خاركيف الاثنين (أ.ف.ب)
وترفض روسيا استخدام مصطلح «الضم» فيما يتعلق بقرارات إلحاق شبه جزيرة القرم وأربع مناطق أوكرانية، وهو مصطلح مستخدم لدى الأوساط الغربية والقانونية لوصف قرارات روسيا.
وقال لافروف إن استخدام هذا المصطلح «أمر غير مقبول (...) لقد صوّت سكان هذه المناطق على إعادة توحيدها مع روسيا، محققين بذلك حق تقرير المصير المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة».
وفي الوقت ذاته، أكد الوزير الروسي أن بلاده «منفتحة على تسوية سياسية ودبلوماسية للصراع»، لكنه شدد على أنه «يجب أن نتحدث عن سلام دائم، وليس عن هدنة مؤقتة». وتطالب أوكرانيا وبلدان غربية بإعلان هدنة لمدة شهرين وهو مطلب توافق عليه الولايات المتحدة بهدف تهيئة الظروف وتعزيز الثقة لتنشيط عملية سلام، لكن موسكو تعارض مبدأ الهدنة المؤقتة. ويصر سياسيون وعسكريون روس على أن المفاوضات يجب أن تستمر تحت الضغط العسكري لتحقيق كل الشروط الروسية. وقال لافروف: «لسنا بحاجة إلى استراحة، يود نظام كييف وداعموه الخارجيون استغلالها من أجل إعادة تجميع القوات ومواصلة التعبئة وتعزيز الإمكانات العسكرية».
وفي إشارة إلى الشروط الروسية المطروحة لتنشيط مسار السلام، جدّد لافروف المقولة الروسية حول أنه «لا حل للصراع إلا بإنهاء أسبابه الجذرية». وزاد: «أولاً، من الضروري القضاء على التهديدات لأمن روسيا المرتبطة بتوسع (الناتو) وانخراط أوكرانيا في هذا التكتل العسكري». وتابع أنه «من المهم ضمان احترام حقوق الإنسان في الأراضي المتبقية تحت سيطرة كييف، التي تُقوض كل الروابط للمواطنين الناطقين بالروسية مع بروسيا (...) والاعتراف القانوني الدولي بالمناطق الجديدة (التي ضمتها روسيا) ضروري جداً».
وأضاف الوزير على هذه الشروط المعلنة أنه «على جدول الأعمال مهام نزع السلاح والنازية من أوكرانيا، ورفع العقوبات المفروضة على روسيا، وسحب جميع الدعاوى القضائية ضد روسيا، وإعادة أصولها المصادرة بشكل غير قانوني في الغرب.» وأكد أنه «يجب توضيح جميع هذه الأحكام في اتفاقية ملزمة قانوناً».
الدخان يتصاعد من بناية دمرت بفعل هجوم روسي في زابوريجيا الاثنين (أ.ب)
وانتقد لافروف بقوة سلوك الغرب في شيطنة روسيا وإظهار أنها عدو لأوروبا، وقال إن الدوائر الحاكمة في الدول الغربية تعمل بنشاط على تصوير روسيا كأنها عدو بهدف توحيد الشعوب الأوروبية المنهكة تحت وطأة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية.
ورد الوزير على اتهامات لبلاده بأنها يمكن أن تشن هجمات على بلدان أخرى محيطة بها بعد أن يغلق ملف أوكرانيا. وقال: «مثل هذه الاتهامات متداولة بالفعل. نحن نسمعها. ربما يكون من يُصدرونها على دراية بخطط روسيا أكثر مما نعرفها نحن. على الأقل، لا نعرف شيئاً عن (خططنا) لمهاجمة أوروبا، بل وأكثر من ذلك احتلالها». وزاد: «يتحول الاتحاد الأوروبي بسرعة إلى كتلة عسكرية سياسية - تابعة لحلف (الناتو). قد يكون لهذا التوجه الخطير عواقب بعيدة المدى على الأوروبيين».
وفي مقابل هجومه على داعمي أوكرانيا في أوروبا، امتدح لافروف البلدان الأوروبية التي تشاطر روسيا مواقفها وعلى رأسها المجر التي لم تخف مواقف مؤيدة لسياسات الكرملين، وعارضت بقوة عدة مرات تشديد العقوبات الأوروبية على موسكو. وقال الوزير الروسي إن «موسكو تُقدّر النهج البراغماتي الذي تتبعه بودابست في علاقاتها مع روسيا، على الرغم من ضغوط بروكسل». وأضاف: «يُطوّر البلدان علاقاتهما التجارية والاقتصادية، بما في ذلك المشروع الرائد - توسيع وتحديث محطة باكس للطاقة النووية». تابع الوزير أن بلاده تُزوّد المجر بالهيدروكربونات بشكل منهجي، وهي مستعدة للتعاون في جميع القضايا و«بشكل عام، نرى آفاقاً واعدة لمزيد من الحوار مع بودابست، القائم على المنفعة المتبادلة ومراعاة مصالح كل طرف».
وفي إشارة إلى مواقف متطابقة حيال أوكرانيا قال الوزير الروسي إن «مجموعات عرقية مختلفة في أوكرانيا عانت من سياسات الأكرنة القسرية، بما في ذلك الروس والمجريون. وقد رفعت موسكو وبودابست صوتهما علناً دفاعاً عن هذه الفئات».
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

«بوسيدون»... مفاتيح ترمب الاستراتيجية الخمسة
«بوسيدون»... مفاتيح ترمب الاستراتيجية الخمسة

الشرق الأوسط

timeمنذ 3 ساعات

  • الشرق الأوسط

«بوسيدون»... مفاتيح ترمب الاستراتيجية الخمسة

منذ القرن الخامس عشر على الأقل، أصبحت القوة البحرية عنصراً أساسياً في القوة الوطنية. لا تقتصر القوة البحرية على بناء أسطول بحري أكبر، ولا تقتصر على مهارة الأدميرالات، فحتى أفضل السفن بقيادة أمهر القباطنة، ستعاني من دون وجود موانٍ في مواقع مناسبة والبنية التحتية التي توفرها. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بدت الولايات المتحدة الأميركية، من دون منازع، الوريث الشرعي للإمبراطورية البريطانية التي غربت عنها الشمس، وضمن ذلك الإرث الهيمنة على البحار والمحيطات. تحدَّث الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت (1933-1945) بالقول: «كل حرية؛ أي حرية العيش وليس حرية غزو الشعوب الأخرى، وإخضاعها، تعتمد على حرية البحار»، ومن هنا يُمكن القطع بأن التاريخ الأميركي المعاصر، ارتبط تاريخياً بفكرة «حرية البحار». هل هناك اليوم ما يُهدد هذه الحرية، ويختصم من قطبية أميركا المنفردة بالعالم؟ في مؤلفه الأخير «مشروع بوسيدون... الصراع على إدارة محيطات العالم»، يُخبرنا الأكاديمي الأميركي، دافيد بوسكو، بأن هذه الحرية آخذة في التلاشي، فروسيا تُنصب أعلامها في قاع المحيط الأطلسي، والصين تُضايق الصيادين في بحر الصين الجنوبي، وتركيا والهند تُطالبان بحقوق إقليمية بحرية، استناداً إلى جدل حول الجرف القاري. تقع جميع هذه الدول الناشئة خارج مناطق النفوذ الأميركي، وعليه فإنه إذا اندلع صراع مفتوح في آسيا، فمن المرجح أن يكون شعار «حرية البحار» هو الذي سيترفع في ميادين المعركة. لم تكن قضية المفاتيح أو الممرات المؤدية للوصل بين محيطات العالم وبحاره، لتغيب عن الاستراتيجيين الثقات، وفي مقدمتهم الأدميرال البريطاني جون فيشر، ففي عام 1904، قدم أفضل تلخيص لأهمية المنافذ البحرية على المياه الدولية، من خلال مقولته الشهيرة: «خمسة مفاتيح تُغلق العالم؛ سنغافورة، رأس الرجاء الصالح، قناة السويس، جبل طارق، مضيق دوفر». كانت تلك المفاتيح الخمسة ملكاً في أوائل القرن العشرين لملك إنجلترا، فيما اليوم يبدو المشهد العالمي مختلفاً تماماً. هل باتت تلك المفاتيح الشغل الشاغل للرئيس ترمب؟ ارتفعت علامة الاستفهام المتقدمة مؤخراً بعد تركيز ترمب على التوصل إلى تهدئة واتفاق مع الحوثيين، وبات جلياً أن العقول التي تُفكر من حوله تقطع بأن أي قوة ستسيطر على نقاط الاختناق الاستراتيجية للتجارة البحرية العالمية، ستكون لها الغلبة في بقية مناحي صراع القرن الحادي والعشرين. ولأن سيد البيت الأبيض يُدرك شهوة قلب الصين في أن تكون حامية وراعية عصرانية لـ«بوسيدون»؛ إله البحار عند اليونان، فلهذا رأينا مشاغبته لكل من قناة بنما في المنطقة المتوسطة للأميركتين الشمالية والجنوبية، ولقناة السويس وباب المندب؛ حيث الشرق الأوسط، والطريق إلى الشرق الأدنى، عطفاً على غرينادا في أقصى الشمال، بالقرب من الممر الشمالي الغربي الممتد من جزيرة بافن إلى بحر بوفرت، وهو خامس أهم ممر استراتيجي وأحدثه، وذلك بفضل تغير المناخ، ويبلغ طوله 900 ميل، مع وجود ما لا يقل عن سبعة مسارات مرور مختلفة، التي قد يستغرق عبورها من ثلاثة إلى ستة أسابيع. مساءلة الرئيس الأميركي للمفاتيح المائية الاستراتيجية حول العالم، أمر ينم عن فهم دقيق للتخطيط الاستراتيجي الأميركي الشامل، ضمن رؤية الـ«MAGA»، أي أميركا العظيمة مرة أخرى، التي يعمل ترمب على تكريسها قولاً وفعلاً؛ حيث يجب أن تتمتع الولايات المتحدة بإمكانية الوصول بسهولة إلى كل من نقاط البحرية لسفنها التجارية وبحريتها، وذلك لحماية التجارة الأميركية، والحفاظ على صدارتها في المنافسة العالمية مع الصين. خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، قدرت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، أن التجارة البحرية تُمثل 80 في المائة من حجم التجارة العالمية. من هنا يتبين لنا لماذا يسعى ترمب لإعادة قناة بنما للوصاية الأميركية، أو ملكيتها من جديد، ومرد أهميتها أن ما بين 5 و6 في المائة من تجارة الاستيراد والتصدير العالمية تمر منها، عطفاً على 40 في المائة من حركة الحاويات الدولية، في حين قناة السويس تمر عبرها 12 في المائة من التجارة العلمية و30 في المائة من حركة الحاويات، ونحو 24 إلى 45 سفينة أميركية عسكرية، بما في ذلك حاملات الطائرات، بينما قلاقل باب المندب أجبرت حركة الملاحة البحرية على الدوران حول أفريقيا، ومضاعفة التكلفة، والتسبب في خسائر لشركات النقل العالمية. يبدو تجاهل الأهمية الاستراتيجية لتلك الممرات من الجانب الأميركي، يعني ظهور أكثر من «بوسيدون» روسي أو صيني، ما لن يعرض المصالح الأميركية فقط للخطر بل مستقبل الاقتصاد العالمي برمته. ما الذي يُخطط له ترمب للهيمنة على المفاتيح الخمسة؟

صناعة النفط الروسية تتجه للقطب الشمالي
صناعة النفط الروسية تتجه للقطب الشمالي

الشرق الأوسط

timeمنذ 4 ساعات

  • الشرق الأوسط

صناعة النفط الروسية تتجه للقطب الشمالي

تعتبر الصناعة البترولية الروسية واحدة من الصناعات الهيدروكربونية الكبرى عالمياً، إلى جانب السعودية والولايات المتحدة، وهي من أقدمها. إذ بدأت هذه الصناعة في عهد روسيا القيصرية؛ حيث تم اكتشاف النفط بالقرب من باكو. وكانت الاكتشافات الأولى في جنوب روسيا في منطقة بحر قزوين (جمهورية أذربيجان حالياً)؛ حيث لعبت الشركات البترولية الأوروبية، بالذات شركة نوبل، دوراً مهماً في حينه. عمّت البلاد في عهد روسيا القيصرية في مطلع القرن العشرين مظاهرات صاخبة واعتصامات عمالية مهمة إلى حين انتقال الحكم إلى نظام السوفيات (الحزب الشيوعي). ومن أجل إخماد استمرار الإضرابات العمالية في منطقة بحر قزوين، تم تعيين جوزيف ستالين مسؤولاً للحزب عن التنظيمات العمالية البترولية في منطقة بحر قزوين. إلا أن الأمر أثار الرعب لدى الشركات نظراً لسياساته القاسية المعروفة، فانتقلت عدة شركات أوروبية إلى رومانيا. لكن الإنتاج استمر من «باكو» ومن ثم حقول سيبيريا. حدث تغيير جيواستراتيجي جذري مؤخراً للصناعة البترولية الروسية، مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية في 22 فبراير (شباط) 2022؛ حيث قاطعت أقطار السوق الأوروبية والولايات المتحدة إمدادات البترول الروسي، أو استقبال الناقلات الروسية في موانئها. نتج عن هذا الحصار عقوبات مالية صارمة على روسيا؛ حيث يشكل الريع البترولي جزءاً مهماً من موازنة الدولة، بالإضافة إلى الإخلال بعماد التجارة البترولية الروسية من منع التصدير بشبكة الأنابيب الغازية إلى أوروبا التي أسستها موسكو منذ عقد الثمانينات الماضي. اضطرت الشركات الروسية للتنقيب عن البترول في مناطق جديدة لتبني طرق إمدادات متعددة تؤهلها لتفادي الحصار. وعلى أثر الزيادة الضخمة لإنتاج النفط الصخري الأميركي في منتصف العقد الثاني من هذه الألفية، وقّعت روسيا اتفاقية تعاون مع منظمة «أوبك» فيما سمي «أوبك بلس»، ما فتح لروسيا دوراً لم يكن متوفراً لها سابقاً، قبل الانضمام. وأدى الحصار الغربي بسبب حرب أوكرانيا في بداية هذا العقد إلى دفع روسيا إلى تبني سياسات بترولية جديدة توفّر لها الإمكانات لتفادي المقاطعة لصادراتها وحتى لاستقبال ناقلاتها. فتحت هذه السياسة أسواقاً جديدة للبترول الروسي في الأقطار الآسيوية الكبرى، بالذات الصين والهند، لاستيعاب الإمدادات الروسية التي تم فرض الحصار عليها في أوروبا وبعض دول العالم الأخرى. وشكّلت الصين سوقاً رئيسة لموسكو، وكبقية الدول التي تعاملت مع نفوط دول «مقاطعة»، كإيران، حصلت الصين على خصومات لاستيرادها النفطي الروسي. أدى التغيير الأهم في سياسة روسيا بعد فرض الحصار إلى تكثيف التنقيب عن البترول في القطب الشمالي. وكذلك استبعاد استعمال شبكة خطوط الأنابيب التي شيدتها روسيا إلى الأقطار الأوروبية منذ عقد الثمانينات، حتى الوصول إلى تسوية سياسية لحرب أوكرانيا قد تؤدي إلى انتهاء الحصار. كانت نتيجة هذا التغيير في السياسة الروسية من عدم تصدير الغاز الطبيعي إلى السوق الأوروبية المشتركة، تهميش دور شبكة الأنابيب الغازية الضخمة والاستغناء مرغمة عن السوق الغازية الضخمة في أوروبا، الذي كان يشكل سابقاً عماد صناعة الغاز الروسية، إلى جانب الشبكة الداخلية الغازية الواسعة التي لا تزال تستعمل لتلبية الطلب الداخلي على الطاقة. بدأت بالفعل الشركات الروسية، بالتعاون مع شركات بترولية دولية (توتال إنرجي) العمل معاً في القطب الشمالي قبيل فرض العقوبات، ومن ثم الانسحاب بعدها للالتزام بقوانين المقاطعة الأوروبية. شكّل الاهتمام الروسي جزءاً من اهتمامات الدول المطلة على القطب الشمالي للتنقيب عن البترول والملاحة في الأوقات المناسبة للإبحار في مناطق القطب المجمدة. وقد شمل هذا الاهتمام كلاً من الصين والولايات المتحدة من خلال غرينلاند المطلة على القطب والنرويج بالتعاون مع شركات بترولية أوروبية وطبعاً روسيا. بادرت شركة «نوفاتيك» الروسية بتطوير حقل «يامال» وتصدير الغاز المسال منه عبر منصة متخصصة لتسييل الغاز تم تشييدها في مياه الحقل نفسه، معتمدة على نقله بحراً إلى الأسواق العالمية عبر الناقلات المتخصصة من الموانئ القطبية المجاورة. كما شيّدت «نوفاتيك» أسطولاً من البواخر المتخصصة لشق الطريق عبر الجليد لنقل الغاز المسال بحراً إلى الأسواق العالمية. وقد نُشر مؤخراً تقرير لمجموعة الموانئ الروسية يشرح الازدياد الكبير الحاصل في عدد الموانئ الروسية المطلة على القطب الشمالي والنمو الحاصل في نشاطها لفترة الثمانية أشهر الأولى لعام 2025، ذُكر فيه الآتي: توفُّر نشاط متزايد في ميناء «مرمانسك»؛ حيث سجل نمواً متزايداً في العمل خلال الأشهر الثمانية الأولى لهذا العام يقدر بنحو 3.6 في المائة. وسجل مجمل نشاط هذا الميناء الواقع على «خليج كولا» نحو 41.5 مليون طن خلال الفترة المذكورة أعلاه. وتمثلت معظم البضاعة التي تم نقلها عبر الميناء في الفحم، والمواد الإنشائية والسلع المصنوعة من قبل المناجم وصناعة الحديد والصلب الإقليمية. ويلاحظ التقرير أن ميناء «مرمانسك» سجل أعلى معدل لنشاطه في عام 2018، مقارنة بالسنوات الأخرى؛ حيث ارتفع نشاط الميناء إلى 60.7 مليون طن أو زيادة تقدر بنحو 18.1 في المائة عن عام 2017. كما حقق ميناء «فاراندي» الذي يقع على ساحل «بحر بشارة» نشاطاً ملحوظاً خلال النصف الأول لعام 2019؛ حيث سجل حركة 4.8 مليون طن من السلع والبضائع، أو زيادة 6.6 في المائة زيادة عن عام 2018. هذا، وتملك شركة «لوك أويل» الميناء، وتديره لاستقبال نفوطها من حقل «تيمان» في «بحر بشارة». وبحسب التقرير نفسه، فإن مجمل حجم البضاعة التي تم شحنها عبر موانئ روسيا الشمالية المطلة على بحر البلطيق خلال الأشهر الثمانية الأولى لهذا العام تقدر بنحو 69.8 مليون طن، الأمر الذي يشكل زيادة 19.4 في المائة عن الفترة نفسها من عام 2018. شهد ميناء «أرخانجيلسك» الانخفاض الوحيد خلال هذه الفترة؛ حيث سجلت حركة البضاعة 1.8 مليون طن، بانخفاض نسبته 5.5 في المائة.

«البريكس» بين المصلحة والفائدة المحدودة لروسيا
«البريكس» بين المصلحة والفائدة المحدودة لروسيا

الرياض

timeمنذ 4 ساعات

  • الرياض

«البريكس» بين المصلحة والفائدة المحدودة لروسيا

كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أقوى المؤيدين لتجمع بريكس وهو تجمع دولي غير غربي كان يضم حتى 2023 البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وفي عام 2024 تم توسيع عضوية التجمع لتضم مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة، وإندونيسيا في عام 2025. كما قدمت دول أخرى مما تعرف بعالم الجنوب والذي تطلق عليه روسيا اسم "الأغلبية العالمية" طلبات للانضمام إلى التجمع وقد تنضم إليه بالفعل خلال السنوات المقبلة. وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية تساءل مارك إن كاتس الأستاذ الفخري في كلية سشار للسياسة والحكومة بجامعة جورج مادسون الأميركية عن مدى فائدة تجمع بريكس لروسيا التي تواجه عقوبات غربية واسعة ومشددة منذ غزوها لأوكرانيا في فبراير/ 2022.. ويرى مسؤولون روس كبار ومعلقون روس لهم اتصالات قوية بدوائر الحكم في موسكو أن بريكس وبريكس الموسع مفيد للغاية لروسيا. كما أن بوتين بشكل خاص قدم تجمع البريكس باعتباره وسيلة مفيدة للحد من الهيمنة الغربية والأميركية. في أكتوبر 2024، قال بوتين: "من الواضح أن توسيع التجمع كان قرارًا إيجابيًا وصحيحًا. وأنا على يقين تام بأن هذا سيعزز بلا شك نفوذنا وسلطتنا على الساحة العالمية، وهو أمر نشهده بالفعل". وفي يناير 2024 دعا إلى "تنسيق السياسة الخارجية بين الدول الأعضاء" حتى تتمكن من التعامل بفاعلية "مع التحديات والتهديدات التي تواجه الأمن والاستقرار الدوليين والإقليميين"، وهي التهديدات التي يرى ترمب أنها تنبع من الغرب. وفي أبريل الماضي، أعرب سيرجي شويجو، وزير الدفاع الروسي السابق والأمين العام لمجلس الأمن الروسي حاليا عن أمله في أن "تُقدم دول البريكس تقييمًا واضحًا، وإن أمكن، علنيًا، لجرائم نظام كييف". في نوفمبر 2024، أعرب المفكر الجيوسياسي الروسي المعروف ألكسندر دوجين عن آمال كبيرة في البريكس، قائلاً: "أعتقد أن البريكس ستحل محل الأمم المتحدة في السنوات القادمة، لأنها تعكس البنية متعددة الأقطاب الحقيقية التي تطورت بشكل كبير". كما توقع المحلل السياسي الروسي سيرجي كاراجانوف، الذي يشغل عدة مناصب بارزة، منها مسؤول النشر في مجلة الشؤون العالمية الروسية (رىشا فورين أفيرز" المرموقة، في ربيع عام 2024 أن تصبح "الأمم المتحدة كيانا عرضة للانقراض ومثقلا بالبيروقراطيين الغربيين، وبالتالي غير قابل للإصلاح. ولا داعي لهدمه. مع ذلك، سيكون من الضروري إقامة هيئات موازية على غرار تجمع بريكس بلس ومنظمة شنغهاي للتعاون الموسعة، وتكاملها مع الاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، والسوق المشتركة لأميركا الجنوبية (ميركوسور). في غضون ذلك، قد يصبح من الممكن إنشاء مؤتمر دائم لهذه المؤسسات في إطار الأمم المتحدة". ويرى بوتين وبعض المقربين منه أن توسيع تجمع بريكس أمر حيوي لتعزيز النفوذ الصيني والحد من النفوذ الجيوسياسي للغرب. لكن مع النظرة الإيجابية للبريكس وتوسعه، أشار روس بارزون آخرون في دائرة بوتين إلى أن روسيا إما لا تريد للبريكس أن يصبح قويًا جدًا، وأن هناك حدودًا لما يمكن للبريكس تحقيقه، أو أن مصالح روسيا وأعضاء التجمع الآخرين ليست متوافقة تمامًا. ففي أبريل 2025، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إنه "لا ينبغي لمجموعة البريكس إنشاء أي سلطات قضائية مستقلة". لا يريد لافروف أن تتنازل روسيا عن أي جزء من سيادتها، ولو لصالح تجمع دولي صديق غير غربي. وأشار ديمتري ترينين، وهو من أشد المؤيدين لحرب بوتين ضد أوكرانيا، في ديسمبر 2022 إلى أن هدف السياسة الخارجية الذي يحاول أعضاء البريكس الآخرون تحقيقه كان محدودًا: "حتى الآن، تميل الدول الأعضاء في البريكس (الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا ودول أخرى من الأغلبية العالمية) إلى تصحيح النظام العالمي، بدلاً من استبداله جذريًا، ناهيك عن تفكيكه". وفي أكتوبر 2024، أشار أندريه كورتونوف، المدير الأكاديمي للمجلس الروسي للشؤون الدولية، إلى أنه لا يشارك دوجين توقعاته بأن تحل البريكس محل الأمم المتحدة وقال "إن البريكس بالكاد في وضع يسمح لها بمساعدة الأمم المتحدة كآلية متعددة الأطراف لصنع السلام، ومن المشكوك فيه أن يقرر مجلس الأمن الدولي بتكوينه الحالي تكليف البريكس بمثل هذه المهمة". وفي حين أشاد بوتين وآخرون بتوسيع مجموعة البريكس، أشار كورتونوف في أغسطس 2023 إلى أن هذه العملية تنطوي على مشاكل جوهرية لآن "التوسع لا يأتي دون ثمن. فزيادة التنوع داخل المجموعة تسفر حتمًا عن المزيد من الخلافات بين أعضائها؛ ويصبح من الصعب بشكل متزايد التوصل إلى قاسم مشترك في المسائل الحساسة والمثيرة للانقسام". من ناحية أخرى، لاحظ كورتونوف في الوقت نفسه أن عدم التوسع "يخلق أيضًا مشاكل. فالنادي الحصري دائمًا ما يُولّد الحسد، بل وحتى الاستياء، لدى غير المقبولين في هذا النادي". وفي أكتوبر كتب فيودور لوكيانوف، محرر مجلة " الشؤون الخارجية الروسية"، يقول إن الغرب يشدد دائما على "الطابع المناهض للغرب لمجموعة البريكس". ومع ذلك، فإنه "من بين جميع دول البريكس، روسيا وإيران فقط هما من تخوضان صراعًا مع الغرب إلى حد ما. أما الدول الأخرى، فلا تُبدي اهتمامًا بهذا النوع من الأمور، إما لتجنب المخاطرة أو لتجنب ضياع بعض فرص تنميتها". ويختتم مارك كاتس الزميل غير المقيم في المجلس الأطلسي تحليله بالقول إن هناك انقساما ملحوظا في دوائر صنع القرار الروسي بشأن البريكس. ففي حين يعلق البعض من كبار المسؤولين بمن فيهم بوتين نفسه آمالا كبيرة على الطريقة التي يمكن أن تخدم بها البريكس الموسعة مصالح موسكو، هناك مسؤولون كبار أيضا يرون أن فائدتها لروسيا محدودة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store