
سيناريوهات تركيا لتفكيك المنظومة المسلحة لحزب العمال الكردستاني
إن قرار حزب العمال الكردستاني حل نفسه ربما كان مجرد بداية لرحلة طويلة؛ تستوجب الكثير من المهام والخطوات لتحقيق السلام بشكل دائم، دون أي منغصات أو أحداث غير مرغوبة.
وبينما يدخل صراع الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني منعطفًا جديدًا، بدأت تركيا بالفعل الإعداد لمرحلة دقيقة، تهدف من خلالها إلى تفكيك البنية المسلحة للتنظيم، ونزع سلاحه بالكامل.
وهو الأمر الذي أعلن الحزب الاستجابة له، وتنتظر تركيا تحقيقه وفق الآليات التي سوف نتطرق إليها في هذا المقال بمشيئة الله، خاصة أننا نتحدث عن منظومة عسكرية مسلحة، تشكلت وتطورت على مدار 4 عقود متتالية من الزمن، وهو ما يضفي أهمية كبيرة على خطوة تفكيكها والالتزام بها.
بحسب تسريبات نشرتها وسائل إعلام "تركية"، يجري الإعداد لتنفيذ عملية تسليم أسلحة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، تحت إشراف لجنة مشتركة تضم مراقبين دوليين، يرجح أن تكون بتفويض من "الأمم المتحدة"
خطة خماسية
لم يعد يخفى على أحد أنه بعد اتخاذ حزب العمال الكردستاني قراره التاريخي بحل نفسه، وإلقاء سلاحه وتسليمه للدولة التركية، بدأت تدور في الأوساط السياسية والأمنية داخل تركيا نقاشات موسعة بشأن آليات التنفيذ لتحقيق ذلك، وسط تسريبات عن خطة "خماسية" تقودها أجهزة الاستخبارات الوطنية التركية، وتستلزم لضمان نجاحها تنسيقًا مشتركًا مع حكومتي الجوار في سوريا والعراق.
لكن نجاح هذه الخطة لا يبدو محسومًا حتى الآن، في ظل تعقيدات ميدانية واحتمالات لانشقاقات داخل التنظيم، فضلًا عن تحديات ضبط السلاح والكوادر في بيئات خارجة عن السيطرة، وهو ما يطرح أسئلة بشأن كيفية تنفيذ هذه العملية، وآلية ضمان استدامتها ونجاحها حتى آخر مرحلة من مراحلها التي سيتم الاتفاق عليها.
ترتيبات وتسريبات
أشار الرئيس التركي "أردوغان" خلال تصريحات، أدلى بها للصحفيين على متن رحلة عودته من "ألبانيا"، إلى أن حكومة بلاده تجري محادثات مع حكومتي بغداد وأربيل، بشأن تفاصيل كيفية تسليم المسلحين الأكراد أسلحتهم خارج حدود تركيا، واعتبر أردوغان أن هذه الخطوة لن تكون مفيدة لتركيا فحسب، بل سوف تخدم أيضًا استقرار سوريا والعراق خلال المرحلة المقبلة.
وبحسب تسريبات نشرتها وسائل إعلام "تركية"، يجري الإعداد لتنفيذ عملية تسليم أسلحة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، تحت إشراف لجنة مشتركة تضم مراقبين دوليين، يرجح أن تكون بتفويض من "الأمم المتحدة"، في مواقع محددة داخل إقليم كردستان العراق.
وتشير المعلومات إلى أن محافظات دهوك وأربيل والسليمانية ستكون المحاور الأساسية للعملية، حيث سيتم تخصيص نقاط تجمع لتسليم السلاح بإشراف مباشر من جهاز الاستخبارات التركي، بجانب الجهات الأخرى المعنية.
وبموجب الترتيبات المقترحة، فإن عناصر حزب العمال الكردستاني سوف يزودون الجهات المختصة بإحداثيات دقيقة لمواقع تخزين الأسلحة، والمخابئ الجبلية التي تضم الذخائر والمعدات، تمهيدًا لتفكيك هذه الجهات لها، بينما ستتولى السلطات الأمنية والعسكرية التركية في المقابل التدقيق في الأسلحة التي يتم تسليمها عبر هذه الإحداثيات، ومقارنتها بقوائم الجرد التي أعدتها أجهزة الاستخبارات التركية، للتأكد من عدم وجود أسلحة مخبأة أو مخفية خارج نطاق هذه العملية الرسمية.
يرى أغلب المراقبين لعملية تفكيك المنظومة المسلحة للحزب، أن الشرط الأساسي لضمان اكتمال عملية نزع السلاح هو امتلاك الدولة التركية قدرة تحقيق مستقلة وميدانية، لا تعتمد على وعود الطرف المقابل
خط سير العملية
من المتوقع أن يتولى جهاز الاستخبارات التركي جانب الإشراف المباشر على تنفيذ خطة تفكيك البنية المسلحة لحزب العمال الكردستاني؛ وذلك بالتنسيق مع كل من الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان.
ووفق ما أوردته صحيفة "تركيا" التركية (المعروفة بقربها من النظام الحاكم)، فإن من المنتظر أن تشارك القوات المسلحة التركية أيضًا في هذه المرحلة لضمان جمع الأسلحة وتأمينها، ضمن آلية ميدانية مشتركة تشترك فيها كل من أنقرة وبغداد وأربيل والسليمانية، في شمالي العراق.
وتهدف هذه الترتيبات إلى إتمام عملية تسليم السلاح بشكل كامل بحلول مطلع سبتمبر/ أيلول المقبل، لتمهيد الطريق لانطلاق مرحلة سياسية جديدة داخل تركيا، يشارك فيها الحزب الكردي كبقية الأحزاب السياسية الأخرى.
وبحسب موقع "تي 24" التركي، فإنه سيتم استكمال الإجراءات الأمنية المرتبطة بتسليم الأسلحة قبل نهاية هذا الصيف، ليتم الانتقال مباشرة -بعد إتمام عملية تسليم السلاح وتفكيك المنظومة المسلحة- إلى دعوة البرلمان التركي لعقد جلسات خاصة، تبحث ترتيبات المرحلة التالية من مراحل إتمام مصالحة السلام بين الحزب الكردي والدولة التركية.
شرط أصيل
يرى أغلب المراقبين لعملية تفكيك المنظومة المسلحة للحزب، أن الشرط الأساسي لضمان اكتمال عملية نزع السلاح هو امتلاك الدولة التركية قدرة تحقيق مستقلة وميدانية، لا تعتمد على وعود الطرف المقابل، خصوصًا في بيئات غير خاضعة للسيطرة التركية المباشرة، مثل جبال "قنديل" أو شرق الفرات، ويمكننا القول إنه من دون امتلاك القوات التركية هذه القدرة ستبقى العملية معرضة لخطر الإجهاض، أو إعادة التسلح لاحقًا من مخازن لم يُكشف عنها.
وهو الأمر الذي تدركه الدولة التركية بشكل جيد، حيث تلقت دروسًا بخصوص هذه المسألة من تجارب سابقة مع التنظيم، خاصة بعد فشل محاولتين سابقتين لمسار عملية المصالحة بعد بدء عملية تسليم السلاح.
يحذر مراقبون من احتمال ظهور فصائل منشقة، ترفض الانخراط في العملية وتلجأ إلى الاحتماء في الجبال، أو تعيد التمركز في إطار مسميات جديدة، ولضمان تلافي مثل هذه المشكلات تؤكد مصادر أمنية تركية أن الجيش سيبقى في حالة من الجاهزية
التنسيق الإقليمي
تبرز أهمية التنسيق الإقليمي، في خطة تفكيك المنظومة المسلحة والترسانة العسكرية لتنظيم حزب العمال الكردستاني، بالنظر إلى تمركز النسبة الكبرى من مقاتليه وقياداته خارج الأراضي التركية، وتحديدًا في المناطق الجبلية الوعرة شمالي العراق وشمالي شرقي سوريا، وهو ما يجعل تسليم الأسلحة خارج الحدود أحد أبرز مفاتيح نجاح العملية برمتها.
ولذلك تشدد تركيا على أهمية وضرورة التعاون الوثيق مع كل من بغداد وأربيل لوضع آلية ثلاثية، تضمن التنفيذ الفعلي لنزع السلاح في هذه المناطق، حيث لا تخضع مواقع التنظيم عادة لسيطرة مباشرة.
ووفق ما أفاد به مسؤولون أتراك لوسائل إعلام محلية، فقد أجريت خلال الأسابيع الماضية مشاورات مكثفة مع الجهات العراقية المعنية، سواء على المستوى الاتحادي أو على مستوى إقليم كردستان، وسط مؤشرات على تحقيق "تقدم ملموس" في الجوانب اللوجيستية والأمنية المتعلقة بعملية تسليم الأسلحة.
في المقابل، يحذر مراقبون من احتمال ظهور فصائل منشقة، ترفض الانخراط في العملية وتلجأ إلى الاحتماء في الجبال، أو تعيد التمركز في إطار مسميات جديدة، ولضمان تلافي مثل هذه المشكلات تؤكد مصادر أمنية تركية أن الجيش سيبقى في حالة من الجاهزية والاستطلاع النشط في المناطق الحدودية لفترة طويلة، لضمان عدم بروز أي تهديد مسلح من قبل عناصر التنظيم مجددًا.
طريقة التعامل مع المنشقين
إن احتمالية بروز فصائل متشددة ترفض الانخراط في عملية السلام تظل قائمة، وهو ما تتعامل معه الدولة التركية من زاويتين رئيسيتين هما: الأمن القومي والشرعية القانونية، حيث إن أي فصائل منشقة ترفض تسليم السلاح سوف يُنظر إليها في هذه الحالة لا على أساس كونها تعبر فقط عن تمرد على الدولة، بل على أساس أنها تمثل خروجًا عن سلطة القيادة المركزية للحزب وزعيمه "عبدالله أوجلان"، ما سيفقدها أي غطاء سياسي خلال هذا التمرد.
وهو ما سيمنح تركيا بالمقابل شرعية أمنية وقانونية كاملة للتعامل معها عسكريًّا، دون أن يعد ذلك تقويضًا لعملية السلام، بل سيكون في هذه الحالة امتدادًا طبيعيًّا وبديهيًّا لها لضمان استكمالها، وسيكون ذلك الأمر -بالمناسبة- بموافقة من زعيم التنظيم نفسه، الذي اتخذ قرار مواصلة عملية التصالح حتى آخر مرحلة منها.
فرضية الحل العسكري
حسب عدد من المعطيات والمؤشرات حول عملية السلام، فإن تركيا لا تستبعد اللجوء إلى عمليات عسكرية محدودة ضد من يثبت تورطه في نشاطات تهدد الأمن والسلم الأهلي، ولعل امتلاك الجيش التركي خبرة طويلة في هذا النوع من العمليات النوعية الدقيقة، التي تمنع تحول الفصائل الصغيرة إلى تهديد منظم، سيكون إحدى نقاط القوة وإحدى الأوراق الرابحة لدى تركيا.
وإجمالًا، يمكن القول إنه سواء اكتمل الحل بتفكيك التنظيم بشكل كامل وكلي، أو حتى في حال ظهرت جيوب وفصائل من التنظيم معارضة لعملية تسليم السلاح، فإن تركيا تملك زمام المبادرة في الحالتين؛ ففي الحالة الأولى ستنهي حقبة من الصراع الدموي، الذي كلف البلاد الكثير من الموارد المادية والمالية بجانب الخسائر في الأرواح البشرية، وفي الثانية سوف تكتسب تفويضًا مزدوجًا على المستويين المحلي والدولي، لاجتثاث ما تبقى من تهديد بوسائل مشروعة، دفاعًا عن أمنها القومي ووحدة أراضيها من الأخطار التي تهددها.
المسار السياسي
في مؤشر على توجه الحكومة التركية نحو إرساء أرضية سياسية موازية للعملية الأمنية لتفكيك المنظومة المسلحة، كشفت صحيفة "صباح" التركية (المقربة من دوائر القرار في البلاد) عن نية تركيا إطلاق حملة شاملة بعد إتمام عملية تسليم السلاح، تشمل مراجعة قوانين مثيرة للجدل، كآلية تعيين الولاة في البلديات، في محاولة لخلق مناخ سياسي أكثر انفتاحًا، يعزز الثقة مع المكون الكردي في المرحلة المقبلة.
وبالتوازي مع الخطوات الميدانية لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني، تتجه أنقرة نحو تفعيل مسار سياسي داخل البرلمان التركي، في إطار مرحلة جديدة توصف بأنها "انتقالية" نحو ترسيخ السلام الداخلي.
وفي هذا السياق، طرح "دولت بهتشلي"، رئيس حزب الحركة القومية وحليف أردوغان، مبادرة لتشكيل لجنة برلمانية موسعة تعنى بإدارة المرحلة المقبلة تحت عنوان "إستراتيجية تركيا بلا إرهاب في القرن الجديد.. لجنة الوحدة الوطنية والتضامن"، ويقضي المقترح بأن تتولى اللجنة، التي من المتوقع لها أن تضم قرابة 100 عضو، مهمة وضع خارطة طريق للملف الكردي لما بعد عملية تسليم السلاح، مع ضمان تمثيل نسبي للأحزاب الـ16 الممثلة في البرلمان التركي.
ووفقًا لمبادرة "بهتشلي" فإن رئاسة اللجنة ستُسند إلى رئيس البرلمان التركي "نعمان قورتولموش"، لضمان إشراف دستوري مباشر على عملها، وقد أكد قورتولموش على أن عملية الانتقال نحو "تركيا خالية من الإرهاب" تسير وفق الجدول المقرر، وأشار إلى أن الخطوة التالية في الوقت الحالي هي "تسليم السلاح"، وبعد ذلك ستكون ساحة النقاش السياسي هي البرلمان، سواء من حيث التشريع، أو وضع الأطر القانونية اللازمة لإتمام عملية السلام.
ولعل تصريحات قورتولموش في هذا الصدد تتقاطع مع موقف الحكومة التركية التي تربط أي تحرك "سياسي" داخل البرلمان بضرورة استكمال المرحلة الأمنية أولًا واجتيازها بنجاح.
وقد أوضح مسؤولون في حزب "العدالة والتنمية" (الحاكم) أن إطلاق النقاش البرلماني بشأن "المرحلة السياسية الجديدة" بالبلاد لن يتم إلا بعد صدور تقرير رسمي من جهاز "الاستخبارات"، يؤكد انتهاء عملية نزع السلاح بالكامل كما تم التخطيط لها.
كلمة أخيرة
تتميز الرؤية المستقبلية، التي طرحتها قيادة حزب العمال الكردستاني، بتأكيدها على نهاية مرحلة "الكفاح المسلح"، والانتقال إلى ما وصفته بـ"مرحلة جديدة من النضال السلمي والديمقراطي"، ما يشير إلى إعادة تموضع إستراتيجي بعد سنوات من الضغوط العسكرية والسياسية، والتصنيف الدولي كمنظمة إرهابية، إذ يدرك الحزب اليوم أن مواصلة العمل المسلح لا تساهم فقط في تعميق عزلته إقليميًّا ودوليًّا، بل تُضعف أيضًا فرصه في التفاعل مع الديناميات السياسية داخل تركيا وخارجها، خاصة في ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة.
ولذلك يتمثل الرهان هنا في إمكانية تحويل الحزب من عبء أمني إلى طرف سياسيّ يمكن التفاوض معه ضمن مسارات الحل؛ وهو ما قد يسهّل عملية تسوية الأزمات المتعلّقة بالقضية الكردية في المستقبل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
"أقوى جيش في أوروبا"..مهمة ثقيلة تنتظر الحكومة الألمانية الجديدة
هل المقارنة جائزة بين المستشار الألماني، فريدريش ميرتس وكارل فون كلاوزِفِتس (Karl von Clausewitz)، أحد أكبر منظري الحروب في التاريخ؟ الأول رئيس حكومة أكبر وأهم دولة أوروبية كلما حانت المواجهة في أوروبا بين الشرق والغرب، والثاني نار على علم ومرجعية لا بد منها في جميع الأكاديميات العسكرية الغربية. الأول أخذ على عاتقه في أول خطاب أمام البرلمان (بوندستاغ) مهمة بثقل الجبال، والثاني بدأ عملا لم يكتمل ورغم ذلك، وضع كتابه "عن الحرب" نظرية الحروب وفلسفتها. الأول ولد في عام 1955 في بلدة بوسط غرب ألمانيا أشهر معْلم فيها غابة، والثاني في عام 1780 في بلدة ألمانية أخرى تفاخر بقلاعها، ثم توفي بالكوليرا في عام 1831 في برِسلاو (فروتسواف البولندية حاليا). للوهلة الأولى، تبدو المقارنة صعبة بين السياسي ميرتس والعسكري فون كلاوزِفِتس صاحب مقولة "الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى". ولكن مقولة فون كلاوزِفِتس الأهم من وجهة نظر هذا التحقيق هي: "إذا أردت السلام، فحضّر للحرب". معادلة الردع هذه كانت فعليا المركز الذي حام حوله المستشار الألماني في خطابه أمام السلطة التشريعية الأولى، علما بأنه غلّفها عن قصد أو غير قصد بكلمات أخرى جاءت في ترجمة حرفية على الشكل التالي: "من يريد السلام عليه أن يكون مستعدا للحرب (...) نريد أن نكون قادرين على الدفاع عن أنفسنا حتى لا نكون مضطرين إلى الدفاع عن أنفسنا".


الجزيرة
منذ 11 ساعات
- الجزيرة
المجلس الإسلامي السوري يعلن حلّ نفسه
أعلن المجلس الإسلامي السوري -اليوم السبت- حل نفسه استجابة لطلب الحكومة في يناير/كانون الثاني بحل جميع الأجسام الثورية السياسية والمدنية لدمجها في مؤسسات الدولة. وقال المجلس -في بيان- إن قرار الحل يأتي "بعد أن حقق كثيرا من الأهداف التي قام لأجلها" مشيرا إلى حل كافة المؤسسات التابعة له والمنبثقة عنه كمجلس الإفتاء السوري ومجلس القراء السوريين. وأضاف أنه يوصي كل أفراده بـ"المساهمة الإيجابية الفعالة في إنجاح وإثراء المرحلة الجديدة بما يمتلكونه من خبرات ومؤهلات، وتوحيد الجهود بين العاملين في حقل التربية والتوجيه والدعوة". وأفاد في بيانه بأن سنوات الثورة السورية اقتضت إنشاء مؤسسات متنوعة بأدوار مختلفة، لافتا إلى أن سقوط نظام الرئيس بشار الأسد يعني "بدء حقبة جديدة عنوانها بناء الدولة بكل مؤسساتها". يُذكر أن المجلس الإسلامي السوري أصدر -خلال سنوات عمله- وثيقتي المبادئ الخمسة والهوية السورية، ورؤية التوافق الوطني. يُشار إلى أن المجلس الإسلامي السوري تأسس في إسطنبول عام 2014، وضم اجتماع التأسيس أكثر من 128 داعية وعالما، ونشط في الشمال السوري وعدة محافظات في تركيا. وعرّف نفسه بأنه هيئة لعلماء الشريعة الإسلامية السوريين، وكان يهدف إلى "تجميع الكيانات الشرعية وتوجيه الشعب السوري دينيا، وإيجاد حلول شرعية لمشكلاته وقضاياه". ووفق تعريف المجلس بنفسه، فإن رسالته كانت تقضي "ترسيخ المشروع الإسلامي وتفعيل دور المؤسسة الدينية في المجتمع السوري".


الجزيرة
منذ 12 ساعات
- الجزيرة
سيناريوهات تركيا لتفكيك المنظومة المسلحة لحزب العمال الكردستاني
إن قرار حزب العمال الكردستاني حل نفسه ربما كان مجرد بداية لرحلة طويلة؛ تستوجب الكثير من المهام والخطوات لتحقيق السلام بشكل دائم، دون أي منغصات أو أحداث غير مرغوبة. وبينما يدخل صراع الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني منعطفًا جديدًا، بدأت تركيا بالفعل الإعداد لمرحلة دقيقة، تهدف من خلالها إلى تفكيك البنية المسلحة للتنظيم، ونزع سلاحه بالكامل. وهو الأمر الذي أعلن الحزب الاستجابة له، وتنتظر تركيا تحقيقه وفق الآليات التي سوف نتطرق إليها في هذا المقال بمشيئة الله، خاصة أننا نتحدث عن منظومة عسكرية مسلحة، تشكلت وتطورت على مدار 4 عقود متتالية من الزمن، وهو ما يضفي أهمية كبيرة على خطوة تفكيكها والالتزام بها. بحسب تسريبات نشرتها وسائل إعلام "تركية"، يجري الإعداد لتنفيذ عملية تسليم أسلحة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، تحت إشراف لجنة مشتركة تضم مراقبين دوليين، يرجح أن تكون بتفويض من "الأمم المتحدة" خطة خماسية لم يعد يخفى على أحد أنه بعد اتخاذ حزب العمال الكردستاني قراره التاريخي بحل نفسه، وإلقاء سلاحه وتسليمه للدولة التركية، بدأت تدور في الأوساط السياسية والأمنية داخل تركيا نقاشات موسعة بشأن آليات التنفيذ لتحقيق ذلك، وسط تسريبات عن خطة "خماسية" تقودها أجهزة الاستخبارات الوطنية التركية، وتستلزم لضمان نجاحها تنسيقًا مشتركًا مع حكومتي الجوار في سوريا والعراق. لكن نجاح هذه الخطة لا يبدو محسومًا حتى الآن، في ظل تعقيدات ميدانية واحتمالات لانشقاقات داخل التنظيم، فضلًا عن تحديات ضبط السلاح والكوادر في بيئات خارجة عن السيطرة، وهو ما يطرح أسئلة بشأن كيفية تنفيذ هذه العملية، وآلية ضمان استدامتها ونجاحها حتى آخر مرحلة من مراحلها التي سيتم الاتفاق عليها. ترتيبات وتسريبات أشار الرئيس التركي "أردوغان" خلال تصريحات، أدلى بها للصحفيين على متن رحلة عودته من "ألبانيا"، إلى أن حكومة بلاده تجري محادثات مع حكومتي بغداد وأربيل، بشأن تفاصيل كيفية تسليم المسلحين الأكراد أسلحتهم خارج حدود تركيا، واعتبر أردوغان أن هذه الخطوة لن تكون مفيدة لتركيا فحسب، بل سوف تخدم أيضًا استقرار سوريا والعراق خلال المرحلة المقبلة. وبحسب تسريبات نشرتها وسائل إعلام "تركية"، يجري الإعداد لتنفيذ عملية تسليم أسلحة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، تحت إشراف لجنة مشتركة تضم مراقبين دوليين، يرجح أن تكون بتفويض من "الأمم المتحدة"، في مواقع محددة داخل إقليم كردستان العراق. وتشير المعلومات إلى أن محافظات دهوك وأربيل والسليمانية ستكون المحاور الأساسية للعملية، حيث سيتم تخصيص نقاط تجمع لتسليم السلاح بإشراف مباشر من جهاز الاستخبارات التركي، بجانب الجهات الأخرى المعنية. وبموجب الترتيبات المقترحة، فإن عناصر حزب العمال الكردستاني سوف يزودون الجهات المختصة بإحداثيات دقيقة لمواقع تخزين الأسلحة، والمخابئ الجبلية التي تضم الذخائر والمعدات، تمهيدًا لتفكيك هذه الجهات لها، بينما ستتولى السلطات الأمنية والعسكرية التركية في المقابل التدقيق في الأسلحة التي يتم تسليمها عبر هذه الإحداثيات، ومقارنتها بقوائم الجرد التي أعدتها أجهزة الاستخبارات التركية، للتأكد من عدم وجود أسلحة مخبأة أو مخفية خارج نطاق هذه العملية الرسمية. يرى أغلب المراقبين لعملية تفكيك المنظومة المسلحة للحزب، أن الشرط الأساسي لضمان اكتمال عملية نزع السلاح هو امتلاك الدولة التركية قدرة تحقيق مستقلة وميدانية، لا تعتمد على وعود الطرف المقابل خط سير العملية من المتوقع أن يتولى جهاز الاستخبارات التركي جانب الإشراف المباشر على تنفيذ خطة تفكيك البنية المسلحة لحزب العمال الكردستاني؛ وذلك بالتنسيق مع كل من الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان. ووفق ما أوردته صحيفة "تركيا" التركية (المعروفة بقربها من النظام الحاكم)، فإن من المنتظر أن تشارك القوات المسلحة التركية أيضًا في هذه المرحلة لضمان جمع الأسلحة وتأمينها، ضمن آلية ميدانية مشتركة تشترك فيها كل من أنقرة وبغداد وأربيل والسليمانية، في شمالي العراق. وتهدف هذه الترتيبات إلى إتمام عملية تسليم السلاح بشكل كامل بحلول مطلع سبتمبر/ أيلول المقبل، لتمهيد الطريق لانطلاق مرحلة سياسية جديدة داخل تركيا، يشارك فيها الحزب الكردي كبقية الأحزاب السياسية الأخرى. وبحسب موقع "تي 24" التركي، فإنه سيتم استكمال الإجراءات الأمنية المرتبطة بتسليم الأسلحة قبل نهاية هذا الصيف، ليتم الانتقال مباشرة -بعد إتمام عملية تسليم السلاح وتفكيك المنظومة المسلحة- إلى دعوة البرلمان التركي لعقد جلسات خاصة، تبحث ترتيبات المرحلة التالية من مراحل إتمام مصالحة السلام بين الحزب الكردي والدولة التركية. شرط أصيل يرى أغلب المراقبين لعملية تفكيك المنظومة المسلحة للحزب، أن الشرط الأساسي لضمان اكتمال عملية نزع السلاح هو امتلاك الدولة التركية قدرة تحقيق مستقلة وميدانية، لا تعتمد على وعود الطرف المقابل، خصوصًا في بيئات غير خاضعة للسيطرة التركية المباشرة، مثل جبال "قنديل" أو شرق الفرات، ويمكننا القول إنه من دون امتلاك القوات التركية هذه القدرة ستبقى العملية معرضة لخطر الإجهاض، أو إعادة التسلح لاحقًا من مخازن لم يُكشف عنها. وهو الأمر الذي تدركه الدولة التركية بشكل جيد، حيث تلقت دروسًا بخصوص هذه المسألة من تجارب سابقة مع التنظيم، خاصة بعد فشل محاولتين سابقتين لمسار عملية المصالحة بعد بدء عملية تسليم السلاح. يحذر مراقبون من احتمال ظهور فصائل منشقة، ترفض الانخراط في العملية وتلجأ إلى الاحتماء في الجبال، أو تعيد التمركز في إطار مسميات جديدة، ولضمان تلافي مثل هذه المشكلات تؤكد مصادر أمنية تركية أن الجيش سيبقى في حالة من الجاهزية التنسيق الإقليمي تبرز أهمية التنسيق الإقليمي، في خطة تفكيك المنظومة المسلحة والترسانة العسكرية لتنظيم حزب العمال الكردستاني، بالنظر إلى تمركز النسبة الكبرى من مقاتليه وقياداته خارج الأراضي التركية، وتحديدًا في المناطق الجبلية الوعرة شمالي العراق وشمالي شرقي سوريا، وهو ما يجعل تسليم الأسلحة خارج الحدود أحد أبرز مفاتيح نجاح العملية برمتها. ولذلك تشدد تركيا على أهمية وضرورة التعاون الوثيق مع كل من بغداد وأربيل لوضع آلية ثلاثية، تضمن التنفيذ الفعلي لنزع السلاح في هذه المناطق، حيث لا تخضع مواقع التنظيم عادة لسيطرة مباشرة. ووفق ما أفاد به مسؤولون أتراك لوسائل إعلام محلية، فقد أجريت خلال الأسابيع الماضية مشاورات مكثفة مع الجهات العراقية المعنية، سواء على المستوى الاتحادي أو على مستوى إقليم كردستان، وسط مؤشرات على تحقيق "تقدم ملموس" في الجوانب اللوجيستية والأمنية المتعلقة بعملية تسليم الأسلحة. في المقابل، يحذر مراقبون من احتمال ظهور فصائل منشقة، ترفض الانخراط في العملية وتلجأ إلى الاحتماء في الجبال، أو تعيد التمركز في إطار مسميات جديدة، ولضمان تلافي مثل هذه المشكلات تؤكد مصادر أمنية تركية أن الجيش سيبقى في حالة من الجاهزية والاستطلاع النشط في المناطق الحدودية لفترة طويلة، لضمان عدم بروز أي تهديد مسلح من قبل عناصر التنظيم مجددًا. طريقة التعامل مع المنشقين إن احتمالية بروز فصائل متشددة ترفض الانخراط في عملية السلام تظل قائمة، وهو ما تتعامل معه الدولة التركية من زاويتين رئيسيتين هما: الأمن القومي والشرعية القانونية، حيث إن أي فصائل منشقة ترفض تسليم السلاح سوف يُنظر إليها في هذه الحالة لا على أساس كونها تعبر فقط عن تمرد على الدولة، بل على أساس أنها تمثل خروجًا عن سلطة القيادة المركزية للحزب وزعيمه "عبدالله أوجلان"، ما سيفقدها أي غطاء سياسي خلال هذا التمرد. وهو ما سيمنح تركيا بالمقابل شرعية أمنية وقانونية كاملة للتعامل معها عسكريًّا، دون أن يعد ذلك تقويضًا لعملية السلام، بل سيكون في هذه الحالة امتدادًا طبيعيًّا وبديهيًّا لها لضمان استكمالها، وسيكون ذلك الأمر -بالمناسبة- بموافقة من زعيم التنظيم نفسه، الذي اتخذ قرار مواصلة عملية التصالح حتى آخر مرحلة منها. فرضية الحل العسكري حسب عدد من المعطيات والمؤشرات حول عملية السلام، فإن تركيا لا تستبعد اللجوء إلى عمليات عسكرية محدودة ضد من يثبت تورطه في نشاطات تهدد الأمن والسلم الأهلي، ولعل امتلاك الجيش التركي خبرة طويلة في هذا النوع من العمليات النوعية الدقيقة، التي تمنع تحول الفصائل الصغيرة إلى تهديد منظم، سيكون إحدى نقاط القوة وإحدى الأوراق الرابحة لدى تركيا. وإجمالًا، يمكن القول إنه سواء اكتمل الحل بتفكيك التنظيم بشكل كامل وكلي، أو حتى في حال ظهرت جيوب وفصائل من التنظيم معارضة لعملية تسليم السلاح، فإن تركيا تملك زمام المبادرة في الحالتين؛ ففي الحالة الأولى ستنهي حقبة من الصراع الدموي، الذي كلف البلاد الكثير من الموارد المادية والمالية بجانب الخسائر في الأرواح البشرية، وفي الثانية سوف تكتسب تفويضًا مزدوجًا على المستويين المحلي والدولي، لاجتثاث ما تبقى من تهديد بوسائل مشروعة، دفاعًا عن أمنها القومي ووحدة أراضيها من الأخطار التي تهددها. المسار السياسي في مؤشر على توجه الحكومة التركية نحو إرساء أرضية سياسية موازية للعملية الأمنية لتفكيك المنظومة المسلحة، كشفت صحيفة "صباح" التركية (المقربة من دوائر القرار في البلاد) عن نية تركيا إطلاق حملة شاملة بعد إتمام عملية تسليم السلاح، تشمل مراجعة قوانين مثيرة للجدل، كآلية تعيين الولاة في البلديات، في محاولة لخلق مناخ سياسي أكثر انفتاحًا، يعزز الثقة مع المكون الكردي في المرحلة المقبلة. وبالتوازي مع الخطوات الميدانية لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني، تتجه أنقرة نحو تفعيل مسار سياسي داخل البرلمان التركي، في إطار مرحلة جديدة توصف بأنها "انتقالية" نحو ترسيخ السلام الداخلي. وفي هذا السياق، طرح "دولت بهتشلي"، رئيس حزب الحركة القومية وحليف أردوغان، مبادرة لتشكيل لجنة برلمانية موسعة تعنى بإدارة المرحلة المقبلة تحت عنوان "إستراتيجية تركيا بلا إرهاب في القرن الجديد.. لجنة الوحدة الوطنية والتضامن"، ويقضي المقترح بأن تتولى اللجنة، التي من المتوقع لها أن تضم قرابة 100 عضو، مهمة وضع خارطة طريق للملف الكردي لما بعد عملية تسليم السلاح، مع ضمان تمثيل نسبي للأحزاب الـ16 الممثلة في البرلمان التركي. ووفقًا لمبادرة "بهتشلي" فإن رئاسة اللجنة ستُسند إلى رئيس البرلمان التركي "نعمان قورتولموش"، لضمان إشراف دستوري مباشر على عملها، وقد أكد قورتولموش على أن عملية الانتقال نحو "تركيا خالية من الإرهاب" تسير وفق الجدول المقرر، وأشار إلى أن الخطوة التالية في الوقت الحالي هي "تسليم السلاح"، وبعد ذلك ستكون ساحة النقاش السياسي هي البرلمان، سواء من حيث التشريع، أو وضع الأطر القانونية اللازمة لإتمام عملية السلام. ولعل تصريحات قورتولموش في هذا الصدد تتقاطع مع موقف الحكومة التركية التي تربط أي تحرك "سياسي" داخل البرلمان بضرورة استكمال المرحلة الأمنية أولًا واجتيازها بنجاح. وقد أوضح مسؤولون في حزب "العدالة والتنمية" (الحاكم) أن إطلاق النقاش البرلماني بشأن "المرحلة السياسية الجديدة" بالبلاد لن يتم إلا بعد صدور تقرير رسمي من جهاز "الاستخبارات"، يؤكد انتهاء عملية نزع السلاح بالكامل كما تم التخطيط لها. كلمة أخيرة تتميز الرؤية المستقبلية، التي طرحتها قيادة حزب العمال الكردستاني، بتأكيدها على نهاية مرحلة "الكفاح المسلح"، والانتقال إلى ما وصفته بـ"مرحلة جديدة من النضال السلمي والديمقراطي"، ما يشير إلى إعادة تموضع إستراتيجي بعد سنوات من الضغوط العسكرية والسياسية، والتصنيف الدولي كمنظمة إرهابية، إذ يدرك الحزب اليوم أن مواصلة العمل المسلح لا تساهم فقط في تعميق عزلته إقليميًّا ودوليًّا، بل تُضعف أيضًا فرصه في التفاعل مع الديناميات السياسية داخل تركيا وخارجها، خاصة في ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة. ولذلك يتمثل الرهان هنا في إمكانية تحويل الحزب من عبء أمني إلى طرف سياسيّ يمكن التفاوض معه ضمن مسارات الحل؛ وهو ما قد يسهّل عملية تسوية الأزمات المتعلّقة بالقضية الكردية في المستقبل.